logo
سلام في القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية: لبنان يسعى إلى العودة لموقعه الطبيعي في الحضن العربي

سلام في القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية: لبنان يسعى إلى العودة لموقعه الطبيعي في الحضن العربي

ليبانون 24منذ 3 أيام

ألقى رئيس مجلس الوزراء نواف سلام كلمة في القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية بدورتها العادية الخامسة في العاصمة العراقية بغداد، وجاء فيها:
"أصحاب الدولة والمعالي والسيادة،
معالي الأمين العام لجامعة الدول العربية ،
يطيب لنا ان نستهل كلمتنا بتوجيه التهنئة والشكر لفخامة رئيس جمهورية العراق ولدولة رئيس الحكومة والشعب العراقي الشقيق على استضافة وترؤس اعمال الدورة الخامسة للقمة العربية التنموية، الاقتصادية والاجتماعية، ولحرصهم على توفير كل سبل نجاح اعمالها، كما نتوجه بالشكر أيضاً إلى الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، على الجهود المبذولة لتعزيز مسيرة العمل العربي المشترك.
اخواني الكرام،
تنعقد القمة العربية التنموية في دورتها الخامسة بعد انقضاء ست سنوات على الدورة الأخيرة في بيروت ، والتي كان للبنان شرف ترؤسها عام 2019، وهي فترة زمنية حفلت بالتحديات والتغيرات، لكننا حرصنا خلالها على تعزيز أوجه التعاون التنموي بين الدول الأعضاء، ونتابع باهتمام كبير مآلات تنفيذ مقررات تلك القمة.
ويسرّني أن أشير إلى ما تم إحرازه من تقدم ملموس في هذا الإطار، وأبرزه تنفيذ مراحل متقدمة من مشروع الربط الإلكتروني بين الدول العربية لتعزيز التكامل الرقمي والاقتصاد المعرفي، وإطلاق مشروع المنطقة العربية للابتكار لدعم ريادة الأعمال والبحث العلمي، وتفعيل مبادرة المرأة في المجتمعات الهشة والمتأثرة بالنزاعات، واستمرار العمل ضمن المبادرة العربية الإقليمية لصحة المرأة (Pink Tank)، وتطبيق الاستراتيجية العربية للحد من مخاطر الكوارث عبر دعم قدرات الدول في الرصد والاستجابة.
كما أُحرز تقدم لافت في ملفات محورية مثل الأمن الغذائي من خلال مبادرات نوعية كالبرنامج العربي الطارئ، إلى جانب خطوات فنية مهمة نحو تعزيز التكامل الزراعي والتجاري. وعلى صعيد الطاقة، تم اعتماد الاستراتيجية العربية للطاقة المستدامة 2030، واتفاقيتي السوق العربية المشتركة للكهرباء. كذلك، وُضعت أسس واعدة للاتحاد الجمركي العربي، وأُصدر الميثاق الاسترشادي لدعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة. هذه الجهود، وإن تفاوتت في وتيرة التنفيذ، تعكس التزامًا جماعيًا وإرادة طموحة لصناعة مستقبلٍ أكثر تكاملًا وازدهارًا. وعلينا اليوم أن نواصل البناء على ما تحقق، بروح من الشراكة والواقعية، وبإصرار على تحويل الخطط إلى نتائج يشعر بها المواطن العربي في حياته اليومية.
اخواني الكرام،
مرّ لبنان خلال السنوات الخمسة الماضية بأزمةٍ غير مسبوقة طالت مختلف جوانب الحياة فيه، مع فقدان الليرة اللبنانية أكثر من 98% من قيمتها، وتعثّر القطاع المصرفي، وتضخّم كبير، وانهيار في الخدمات الأساسية، فيما ارتفع الفقر إلى 33%، وانكمش الاقتصاد بنحو 40% مقارنة بعام 2019. وتخللت هذه المرحلة كارثة انفجار مرفأ بيروت عام 2020، الذي بلغ ضحاياه مئات القتلى وآلاف الجرحى كما ألحق دماراً واسعاً بالمرفأ ومحيطه وعطّل حركة التجارة. وقد تسببت الأزمة المتعددة الأبعاد في موجة نزوح للكفاءات وهجرة للطاقات الشابة، ما عمّق خسائر رأس المال البشري وأضعف آفاق التنمية والتعافي. وزاد العدوان الإسرائيلي الأخير من حدة الانهيار، موقعاً أكثر من 4,000 ضحية ودماراً واسعاً في البنية التحتية، مع خسائر تُقدّر بأكثر من 14 مليار دولار.
لقد شكّلت الأزمات المتلاحقة حافزاً لتكثيف جهودنا الإصلاحية، انطلاقاً من قناعة راسخة بأن الإنقاذ لا يتحقّق إلا عبر التغيير الجدي والبنيوي. ومنذ انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة في شباط/فبراير 2025، أطلقنا مساراً إصلاحياً شاملاً يرتكز على ثلاث أولويات مترابطة: الاستقرار الاقتصادي والمالي، الحوكمة وتفعيل المؤسسات، وتنمية رأس المال البشري. وعلى صعيد الإصلاح المالي، تم إقرار قانون رفع السرية المصرفية في مجلسي الوزراء والنواب، وأقرّ مجلس الوزراء مشروع قانون معالجة أوضاع المصارف، وتعمل الحكومة حالياً على إعداد قانون لتوزيع الخسائر المقدّرة بأكثر من 70 مليار دولار. كما أُقرّ قانون استقلالية القضاء ، وتم اعتماد آلية جديدة لتعيينات الإدارة العامة تقوم على الجدارة والشفافية، وأُجريت تعيينات في مواقع حيوية. لسنا في مرحلة انتقالية، بل في لحظة تأسيسية نضع فيها أسس دولة القانون، ونستعيد ثقة اللبنانيين والمجتمع الدولي، ونمهّد لتعافٍ اقتصادي واجتماعي مستدام. وقد تعهّدنا بإعادة بناء كل ما تدمّر نتيجة الحرب الأخيرة، ونسعى إلى إطلاق جهود الإعمار ضمن أطر شفافة ومسارات خاضعة للمساءلة. ونحن نتطلع إلى دعم الأشقاء العرب في هذه المسيرة، بما يعزّز من قدرات لبنان على النهوض مجدداً واستعادة دوره في المنطقة.
اخواني الكرام،
في ظل التحديات المتسارعة التي تشهدها منطقتنا العربية ، يقف لبنان اليوم على أتمّ الاستعداد للمساهمة مع اشقائه العرب في مواجهة الأزمات الإقليمية الكبرى التي تهدد مسارات النمو والعدالة الاجتماعية. فمعدلات البطالة المرتفعة في الدول العربية، لا سيما بين الشباب، وتداعيات تغيّر المناخ من تصحّر وندرة مياه وارتفاع درجات الحرارة، وأزمات النزوح واللجوء المتكررة، فضلاً عن التحدي الهائل المتمثل في إعادة الإعمار بعد الحروب، كلها قضايا تفرض نفسها بقوة على الأجندة التنموية للمنطقة. وكلنا ندرك ايضاً أن التنمية لا يمكن أن تتحقّق دون استقرار، لذلك فإن التعاون العربي المشترك لتعزيز الامن والاستقرار وانهاء الحروب لم يعد خيارًا، بل ضرورة ملحّة.
إنّ لبنان يسعى اليوم ليس فقط إلى التعافي، بل إلى العودة إلى موقعه الطبيعي في الحضن العربي، مساهماً فاعلاً في مسارات التنمية البشرية والبيئية والرقمنة والشراكة والتكامل الاقتصادي وتطويرالتعليم والرعاية الصحية وتمكين المرأة والطاقة المستدامة، وغيرها... لقد كان لبنان دائماً من روّاد المنطقة، ورأس ماله البشري المتميّز والمنتشر في كل أرجاء العالم العربي هو على أتمّ الاستعداد للمشاركة في نهضة جماعية عربية عادلة، تُعيد للمنطقة دورها على الساحة الدولية.
ومن خلال هذا المنبر، نعيد تأكيد التزامنا بنهج التضامن، ليس فقط في أوقات الشدّة، بل أيضاً في بناء نماذج اقتصادية واجتماعية أكثر عدالة وإنصاف. نحن نؤمن بأن شبابنا وشاباتنا هم الثروة الحقيقية، وأن الاستثمار في التعليم والمعرفة والتكنولوجيا، وتوسيع فرص المشاركة الاقتصادية والاجتماعية، هما السبيل نحو نهضة عربية شاملة تحفظ الخصوصيات الوطنية ضمن مشروع جماعي طموح. فالمستقبل العربي يبدأ من الإنسان، وتنميته هي الركيزة الأولى لأي استقرار أو ازدهار مستدام.
وفي ختام كلمتنا، باسمي وباسم اللبنانيين، نكرر شكرنا للاخوة العراقيين على وقوفهم الدائم والمستمر الى جانب لبنان في اصعب الازمات وأقسى الظروف، متمنيين لهم كل النجاح والتوفيق في رئاسة الدورة الخامسة لقمتنا التنموية، لما فيه خير لمنطقتنا العربية المتطلعة للتطور والإنماء والحداثة، ومجدّدين التزام لبنان بالعمل المشترك من أجل مستقبل عربي مزدهر.
شكرًا".

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

بتكلفة 175 مليار دولار.. ترامب يعلن عن مشروع القبة الذهبية لحماية أمريكا
بتكلفة 175 مليار دولار.. ترامب يعلن عن مشروع القبة الذهبية لحماية أمريكا

صدى البلد

timeمنذ 2 ساعات

  • صدى البلد

بتكلفة 175 مليار دولار.. ترامب يعلن عن مشروع القبة الذهبية لحماية أمريكا

أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عزمه إصدار قرار لبناء منظومة دفاع صاروخي جديدة تحت اسم "القبة الذهبية"، مؤكداً أن المشروع يأتي ضمن وعوده الانتخابية لتعزيز قدرات الدفاع الجوي للولايات المتحدة. وقال ترامب في تصريحات صحفية إن القبة الذهبية ستكون "أقوى منظومة دفاعية في العالم"، وستوفر حماية شبه كاملة من مختلف أنواع الصواريخ، بما فيها الصواريخ الفرط صوتية. وأوضح ترامب أن المشروع سيستغرق نحو ثلاث سنوات، وتُقدّر تكلفته الأولية بـ175 مليار دولار، مضيفاً أن الولايات المتحدة ساعدت سابقاً إسرائيل في بناء "القبة الحديدية"، وأنها ستبني الآن نسختها الخاصة لكن بقدرات أعلى. ويُنظر إلى هذا الإعلان كجزء من توجه ترامب لدعم الصناعات الدفاعية الأمريكية، في ظل تزايد التهديدات العالمية وتطور تكنولوجيا الصواريخ. ونقل موقع "بوليتيكو" عن مصادر مطلعة أن ترامب سيخصص مبدئياً 25 مليار دولار لبدء تنفيذ المشروع، وهو مبلغ أُدرج ضمن مسودة مشروع قانون الميزانية الذي لم يحصل بعد على موافقة الكونجرس. وأشار الموقع إلى أن مكتب الميزانية بالكونجرس يقدّر الكلفة الكلية للمشروع بنحو 500 مليار دولار على مدى عشرين عاماً. ومن المتوقع أن يُعلن ترامب القرار رسمياً في البيت الأبيض بحضور وزير الدفاع بيت هيجسيث، مع تعيين الجنرال مايكل جيتلين من قوة الفضاء الأمريكية رئيساً للبرنامج. وتلقى المشروع دعماً من بعض الجمهوريين الذين اقترحوا تمويلاً أولياً ضمن حزمة دفاعية أوسع، إلا أن المشروع يواجه معارضة من الديمقراطيين الذين أعربوا عن قلقهم بشأن فعاليته وتكلفته الباهظة.

بالأرقام.. هذه حقيقة رواتب العمال وهكذا تتراكم أرباح المؤسسات
بالأرقام.. هذه حقيقة رواتب العمال وهكذا تتراكم أرباح المؤسسات

المدن

timeمنذ 2 ساعات

  • المدن

بالأرقام.. هذه حقيقة رواتب العمال وهكذا تتراكم أرباح المؤسسات

فقط في لبنان، يتحول مفهوم الحد الأدنى للأجور من ضمانة لحياة كريمة للعمال إلى أداة لتعميق الفقر، ومبرّرٍ لكبار التجار ومعظم أصحاب المهن الحرّة والملّاكين العقاريين، لرفع الأسعار تلقائيًا. فبينما عادت أسعار معظم السلع والخدمات إلى مستويات ما قبل الانهيار الاقتصادي في 2019، أو تجاوزتها في بعض القطاعات، يتمسك أصحاب العمل برفضهم تصحيح الأجور وربطها بمعدلات التضخم، مراكمين أرباحًا إضافية على حساب الأجراء. في الوقت نفسه، يستغل التجار أي زيادة رمزية على الأجور لرفع أسعار جميع المنتجات، مما يُبقي العمال في حلقة مفرغة من التدهور المعيشي. وفي سياق الزيادات الرمزية على الأجور، والتي لا تطال الشطور أيضًا، يأتي اقتراح وزير العمل محمد حيدر لزيادة الحد الأدنى إلى 28 مليون ليرة لبنانية، أي نحو 312 دولارًا أميركيًا فقط. وهذا الاقتراح جاء "بالباراشوت" من خارج جدول أعمال ومهام لجنة المؤشر. لكن يبدو أن حيدر يتردد في إرسال مشروع المرسوم إلى مجلس شورى الدولة، خصوصاً مع تصاعد الاحتجاجات العمالية بدءًا من الشمال، حيث نظمت النقابات العمالية تحركًا واسعًا بدأ بمسيرة انطلقت من أمام القصر البلدي وانتهى باعتصاممام الى أمام سراي طرابلس الحكومي، بالإضافة إلى تلويح الاتحاد العمالي العام بالتصعيد عبر الإضراب والتظاهر. قبل الأزمة، كان الحد الأدنى للأجور في لبنان 675.000 ليرة، أي نحو 450 دولارًا. مع انهيار الليرة وفقدانها نحو 98.31 في المئة من قيمتها، وصل التضخم إلى ذروته في نيسان 2023، مسجلاً 268.78 في المئة. في حين بلغ 45.52 في المئة عام 2024، حسب دراسة مؤشر أسعار الإستهلاك الصادرة عن إدارة الإحصاء المركزي. رغم التراجع النسبي لارتفاع معدلات التضخم في السنتين الأخيرتين، حيث سجل مؤشر أسعار الاستهلاك لشهر آذار 2025 زيادة قدرها 14.19 في المئة فقط مقارنة بشهر آذار 2024، إلا أن الأجور تعرضت لانخفاض كبير طال كلًا من قيمتها الإسمية وقدرتها الشرائية، التي استمرت بالتآكل، ببطء حينًا وبشكل متسارع أحيانًا. منذ اعتماد المصرف المركزي سياسة توحيد سعر صرف الليرة، ثم تثبيته على 98.500 ليرة عبر التعميم الأساسي رقم 167 في 2 شباط 2024، حققت الليرة استقرارًا نسبيًا وشهدت معدلات التضخم انخفاضًا، غير أن التضخم استمر بوتيرة مختلفة. فتواصل تراجع النمو الاقتصادي، ليس فقط بسبب الحرب الإسرائيلية والأضرار الكارثية الناتجة عنها، بل أيضًا بسبب الارتفاع التدريجي للأسعار، رغم أنه لم يكن بمستويات مفرطة كما كان عام 2023. حصل ذلك في الوقت الذي شهد فيه معدل التضخم العالمي تباطؤًا وانحسارًا بعد بلوغ أسعار الغذاء والطاقة مستويات غير مسبوقة عام 2022 بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا. ففي لبنان كان سعر السلعة ذاتها، في الفترة نفسها، يرتفع أضعاف المرات، رغم الاستقرار النسبي لسعر صرف الليرة منذ عام 2023. في المقابل، لم تشهد الأجور أي تصحيح فعلي طوال فترة الأزمة، بينما راكمت المؤسسات المحتكرة أرباحًا ضخمة. وهاجم ممثلو الهيئات الاقتصادية كل مسعى لفرض ضرائب ورسوم إضافية على أرباح تلك المؤسسات، فيما استمر معظمها في ممارسة التهرب الضريبي، حيث تتراوح فاتورة هذا التهرب الإجمالية ما بين 4 و5 مليار دولار أميركي سنويًا وفق صندوق النقد الدولي. استطلاع ميداني وشهادات لعاملين بأجر في استطلاع ميداني أجرته "المدن"، تم جمع بيانات تعكس واقع العاملين بأجر في بعض القطاعات. س. غ.، الذي يعمل كمسؤول ومراقب في صالة ألعاب ويمتلك خبرة تمتد لعشر سنوات، يتلقى راتبًا قدره 600 دولار، ويشير إلى أنه بحاجة إلى 1100 دولار شهريًا لتلبية تكاليف المعيشة الأساسية، بما في ذلك الإيجار والنقل ومصاريف المدرسة. أما ر.ب.، أستاذة جامعية براتب يتراوح بين 600 و1200 دولار (حسب ساعات التعليم)، فهي بحاجة إلى 1350 دولار شهريًا. ع.ح.، الذي يمتلك 15 سنة من الخبرة في عمليات الشحن الجوي، يتقاضى حاليًا 500 دولار، بينما كان راتبه قبل الأزمة يتجاوز 1000 دولار، ويحتاج إلى حد أدنى يتراوح بين 1000 و1500 دولار لتلبية الاحتياجات الأساسية لعائلته. ع.م.، والذي يعمل نادلًا في مطعم مع خبرة ثلاث سنوات، يتقاضى حوالي 650 دولارًا، ويقول أن الأجر يكفيه لسد احتياجاته الفردية كونه غير متأهل، لكنه لا يستطيع الادخار. ع.ع.، ممرض مسجل بخبرة 25 عامًا، كان يحصل على راتب 1400 دولار، ولكن انخفض إلى 500 دولار بعد الأزمة، وهو يعمل لأكثر من 360 ساعة في الشهر ليتمكن من مضاعفة هذا المبلغ الذي لا يكفيه رغم عمله لدوامين يوميًا. بينما ع.ج.، ممرض آخر مجاز يعمل في مؤسسة صحية أخرى، وله سنوات خبرة أقل من ع. ع، لكنه يتقاضى حوالي 800 دولار، ويحتاج إلى 1000 دولار شهريًا ليتمكن من تلبية جميع احتياجاته. أما ر.ب. الذي يعمل طاهيًا في مطعم بدوام كامل، فيتقاضى 400 دولارًا فقط، ويقول إن عائلته تحتاج إلى نحو 1200 دولار شهريًا، وأن زوجته تعمل مقابل أجرٍ مماثل في متجرٍ لبيع المنتجات الإلكترونية، وأنهما يعتمدان على التحويلات المالية التي تصلهما من أقربائهما في الخارج ليستطيعا سد تكاليف المعيشة بشكل كامل. تشير هذه الشهادات إلى تفاوت ملحوظ في الأجور بين قطاعات ومهن مختلفة، بل أحيانًا في المهنة نفسها. فيما تجعل زيادة تكاليف المعيشة التي لا تقابلها زيادة مماثلة في الأجور هذا التفاوت أكثر إجحافًا. المفارقة هنا أن بعض القطاعات، مثل المواد الغذائية والعقارات، شهدت عودة أسعارها إلى مستويات ما قبل الأزمة (أو أعلى)، بينما ظلت الأجور متجمدة، بل وحتى تراجعت. والنتيجة كانت انخفاضًا حادًا في القوة الشرائية، حيث أصبح الأجير الذي كان دخله يكفي لسد الجزء الأكبر من احتياجات أسرته بالكاد يستطيع تغطية نفقات أسبوع واحد. لذا، يلجأ معظم الأجراء إلى التقشف الشديد. بالإضافة إلى ذلك، يضطر كثير منهم إلى الاستدانة، ما يراكم الأعباء عليهم على المدى الطويل، رغم أن التحويلات المالية من اللبنانيين العاملين في الخارج تسهم قليلًا في تخفيف حدة معاناة الكثيرين منهم. واللافت في هذه الشهادات أن شخصًا واحدًا فقط صرّح بأنه يتقاضى الإجازات المرضية والسنوية المدفوعة، ويحصل على التأمينات والتعويضات وفقًا لما ينص عليه قانون العمل. أما القسم الأكبر من الأجراء، فقد صرّحوا بعدم حصولهم على إجازاتهم المرضية والسنوية، ونحو نصفهم أشاروا إلى أنهم غير مسجلين في الضمان الاجتماعي. أصحاب العمل: استغلالٌ فاضح... ولا روادع كيفية تعامل أصحاب العمل مع الأزمة هي إشكالية قائمة بذاتها. فبدلًا من امتصاص الصدمة عبر تقليص هوامش الأرباح مؤقتًا أو تحسين الإنتاجية، لجأ العديد منهم إلى خفض الأجور ورفع أسعار السلع والخدمات التي خضعت للدولرة الشاملة. على الرغم من ارتفاع تكاليف الإنتاج في لبنان لأسباب داخلية وخارجية، إلا أن أصحاب العمل قاموا بتعويض الخسائر الناتجة عن هذا الارتفاع من حصة الأجور محافظين على هامش الربحية. ورغم خفض متوسط الأجور الإسمية وعدم تصحيحها لسنوات، إلا أن السوق شهدت ارتفاعات مسبقة لأسعار السلع والخدمات بمجرد الحديث عن أي تصحيح جزئي للأجور، علمًا أن هذه الارتفاعات طالت أيضًا جميع الخدمات العامة، بالإضافة إلى الرسوم والضرائب. أي أن مفاعيل التصحيح مُلغاة مسبقًا بسبب انفلات السوق اللبناني من الضوابط، وغياب محاسبة القضاء ومنع الاحتكار، وفشل – أو إفشال – الهيئات المعنية دراسة الأسعار والأجور في مهامها. الحقيقة أننا لم نعد أمام التفاف أصحاب العمل على زيادات الأجور فحسب، فقد تجاوزت المسألة رفض تحسين مستوى المعيشة، ووصلنا إلى مرحلة صار فيها أي تصحيح جزئي للأجور لاستعادة جزءٍ من قيمة الأجر الحقيقي للذين تدهورت أوضاعهم المعيشية، خطًا أحمر يتطلب مواجهات أيديولوجية وتحالفات متضادة. رغم التزام العاملين بأجر بالمساهمة في الاقتصاد وأداء واجباتهم المهنية، متسلحين بالأمل في تحسين أوضاعهم. إلا أن هذا الالتزام، النابع من الحاجة للعمل للبقاء على قيد الحياة، يُفهم من قِبَل أصحاب العمل قبولًا للواقع الجديد، ولا يقابله أي درجة من الالتزام من قِبَل أصحاب العمل والدولة بتحقيق أي قدرٍ من العدالة الاجتماعية. وبحسب بيانات متنوعة جمعتها "المدن" من منصات التوظيف ومواقع الإعلانات الوظيفية، يتبين أن معظم الوظائف المتاحة للعمل عن بعد، مثل تصميم الغرافيك ومندوبي المبيعات (مع عمولات) وإدخال البيانات، تتراوح الأجور الأساسية فيها بين 200 إلى 400 دولار فقط. بينما تتراوح أجور وظائف أخرى مثل عمال المطاعم، وموظفي استقبال الفنادق، وعمال النظافة، وسائقي الشاحنات بين 200 إلى 600 دولار فقط. ويشير تقرير منظمة العمل الدولية واليونيسف عام 2022 حول "تأثير الأزمة على سوق العمل اللبناني وفرص العمل والتدريب المحتملة" إلى أن عمال المبيعات والتجارة والعاملين في الزراعة هم الأكثر عرضة لخطر التسريح أو تخفيض الأجور وساعات العمل. لجنة المؤشر تعادي العمال لم تعد لجنة المؤشر آلية فعالة للحوار بين أصحاب العمل والعمال والدولة لتحديد أجور عادلة، فمن الواضح أن هيمنة النخب الاقتصادية على القرار السياسي، بما في ذلك القرارات المتعلقة بالأسعار والأجور، تنعكس انحيازًا دائمًا من قبل الطرف الممثل بوزارة العمل في اجتماعات اللجنة. يضاف إلى ذلك ضعف التمثيل الفعلي للاتحاد العمالي العام، الذي يحتكر تمثيل الطبقة العاملة دون أن يكتسب صفة تمثيلية من القاعدة العمالية الحقيقية. كما تتجاهل اللجنة المعطيات المادية التي يجب أن تستند إليها في دراستها لمؤشر التضخم، ومستوى تطور الأسعار وكلفة المعيشة، وقدرة المؤسسات والدولة على المساهمة في تصحيح الأجور، والأدوات المناسبة لمكافحة غلاء المعيشة، إلى التجاهل التام، حيث يتم الفصل بين مؤشرات التضخم ومستوى الأجور. القضية ليست مجرد أرقام، بل تتعلق بكرامة العاملين بأجر وقدرتهم على العيش بحد أدنى من الاستقرار. إن استمرار سياسة خفض الأجور الحقيقية ورفع الأسعار لا يعدو كونه استنزافًا ممنهجًا لما تبقى من العمال والموظفين الذين لا يستطيعون الهروب من الجحيم اللبناني، الأمر الذي يهدد بانهيار اجتماعي كامل. ليس مطلوبًا من وزير العمل أن يحمل عصا سحرية، فمعالجة أزمة الأجور لا تنفصل عن المعالجة الشاملة للأزمة الاقتصادية. إلا أن ذلك لا يعني منح الوزير أعذارًا تخفيفية لانحيازه الواضح للهيئات الاقتصادية في اجتماعات لجنة المؤشر، التي أثبتت تاريخيًا أنها وُجِدت لتقييد وإخضاع العاملين بأجر. ومنذ عام 2019، صارت تُستخدم لتبرير وقوننة تحميلهم تكاليف الأزمة مثلما تفعل المصارف مع المودعين في تحميلهم تكاليف إفلاسها. بل المطلوب منه الآن هو التراجع عن إرسال مشروع مرسوم الحد الأدنى للأجور إلى مجلس شورى الدولة، والعودة إلى مناقشة الموضوع مع ضرورة الربط بين الحد الأدنى للأجور ومعدلات التضخم وغلاء المعيشة. وإلا، فإن التصعيد العمالي سيكون أمرًا لا مفر منه.

الإدارة الاميركية تحجب تمويلا عن هارفارد
الإدارة الاميركية تحجب تمويلا عن هارفارد

الديار

timeمنذ 2 ساعات

  • الديار

الإدارة الاميركية تحجب تمويلا عن هارفارد

اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب أعلنت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب حجبا جديدا قدره نحو 60 مليون دولار من التمويل الفيدرالي لجامعة هارفارد بسبب ما اعتبرته تقاعسا منها عن اتخاذ إجراءات كافية ضد المظاهرات الطالبية المؤيدة لفلسطين. وفي منشور على منصة إكس، أفادت وزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأميركية بأنها ستحجب تمويلا فدراليا كان مخصصا لجامعة هارفارد بقيمة نحو 60 مليون دولار "لحماية الحقوق المدنية في التعليم العالي". وزعمت الوزارة أن جامعة هارفارد التي برزت بين الجامعات التي شهدت مظاهرات داعمة لفلسطين "فشلت في التعامل مع المواقف المعادية للسامية والتمييز القائم على أساس العرق". وجمدت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب أو أنهت منحا وعقودا فدرالية للجامعة بقيمة تقرب من 3 مليارات دولار خلال الأسابيع الأخيرة. وتستخدم الإدارة الأميركية التخفيضات المالية والتحقيقات في الجامعات للضغط على إداراتها لمنع المظاهرات الطالبية الداعمة لفلسطين. وسبق لإدارة ترامب أن هددت بتجميد التمويل الفدرالي لعدد من الجامعات، بينها هارفارد، مستندة في ذلك إلى احتجاجات طالبية متضامنة مع فلسطين داخل الحرم الجامعي. ومطلع أيار الجاري، أعلنت وزارة التعليم الأميركية أنها لن تمنح جامعة هارفارد أي تمويل فدرالي جديد إلى حين تلبية الأخيرة مطالب البيت الأبيض، في إشارة إلى منع المظاهرات الداعمة لفلسطين. وفي وقت سابق، أعلن البيت الأبيض فتح تحقيق للتأكد من أن المنح التي تتجاوز قيمتها 8.7 مليارات دولار التي تتلقاها جامعة هارفارد من مؤسسات مختلفة تُستخدم بما يتوافق مع قوانين الحقوق المدنية. وفي مواجهة هذا التهديد الفدرالي، قالت جامعة هارفارد إنها "لا تستطيع تحمل التكلفة الكاملة" للمنح المجمدة، وإنها تعمل مع الباحثين لمساعدتهم في العثور على تمويل بديل. كما قامت بمقاضاة إدارة ترامب بسبب قرارها بقطع المنح. وفي نيسان 2024، اندلعت احتجاجات داعمة لفلسطين بدأت بجامعة كولومبيا الأميركية وتمددت إلى أكثر من 50 جامعة في البلاد، واحتجزت الشرطة أكثر من 3 آلاف شخص، معظمهم من الطلاب وأعضاء هيئة التدريس.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store