
القوانين المادية.. والجدلية الأمريكية
حفلت كتب التاريخ بالعبر، ومن أبرز تلك العبر أن جنون القوة إن لم تلجمه حكمة العقل، فإن هذه القوة تصبح وبالاً على صاحبها، فالقوة التي تعادي الحق تضطرب وتسقط في عمق هوة الفراغ.
في هذا السياق يمكن قراءة قرارات الرئيس الأمريكي ترامب الذي يعمل على إحداث تغيير كبير في البنية القانونية والمفاهيمية والسياسية في الولايات المتحدة، وفق المادة الجدلية. ويبرز في هذا الإطار المشروع المادي المعروف باسم «الانتقال الرئاسي 2025»، وهو مبادرة سياسية مادية ديالكتيكية لفهم حركة العالم وفق المادة الجدلية لإعادة تشكيل الحكومة الفيدرالية للولايات المتحدة، وترسيخ السلطة التنفيذية لصالح سياسات اليمين. وقد جمع هذا المشروع أكثر من 100 منظمة مرموقة من مختلف أطياف الحركة المحافظة، وعمل فيه أكثر من 400 باحث وخبير سياسي من جميع أنحاء البلاد.
وقد نُشرت خطة المشروع العام الماضي من قِبل مؤسسة «هيريتدج» الأمريكية المحافظة. وينص هذا المشروع على أن السلطة التنفيذية بأكملها تخضع لسيطرة الرئيس الكاملة، بهدف تفكيك البيروقراطية الحكومية وإلغاء الدولة العميقة. ويدعو المشروع إلى استبدال موظفي الخدمة المدنية الفيدرالية القائمين على الجدارة بأشخاص موالين لترامب، والسيطرة الحزبية على الوكالات الحكومية الرئيسية، بما في ذلك وزارة العدل، ومكتب التحقيقات الفيدرالي، ووزارة التجارة، ولجنة التجارة الفيدرالية، وسيتم تفكيك أو إلغاء وكالات أخرى، بما في ذلك وزارة الأمن الداخلي ووزارة التعليم.
ويدعو المشروع إلى تقليل اللوائح البيئية لصالح الوقود الأحفوري، ويسعى المشروع إلى خفض الضرائب على الشركات، وفرض ضريبة دخل ثابتة على الأفراد، وإلغاء أكبر عدد ممكن من سياسات الرئيس السابق جو بايدن، وتجريم المواد الإباحية، وإزالة الحماية القانونية ضد التمييز ضد مجتمع الميم، وإنهاء برامج التنوع والمساواة والإدماج. ويوصي المشروع باعتقال المهاجرين غير الشرعيين وترحيلهم، ونشر القوات المسلحة الأمريكية لإنفاذ القانون المحلي، كما يقترح المخطط سن قوانين يدعمها اليمين المسيحي، مثل: تجريم أولئك الذين يرسلون ويتلقون أدوية الإجهاض ومنع الحمل، وإلغاء تغطية وسائل منع الحمل الطارئة، وغيرها من القضايا التي تمس المجتمع الأمريكي وهويته.
ومنذ أن عاد ترامب إلى منصب الرئاسة عمل على تطبيق هذا المشروع من خلال أوامر تنفيذية، وترشيح العديد من الأشخاص الذين صاغوها لأهم المناصب الحكومية. وصرحت حملة ترامب بأنه لا توجد مجموعةٌ خارجيةٌ تتحدث باسمه، وأن «أجندة 47» هي الخطة الرسمية الوحيدة لرئاسة ترامب الثانية. و«أجندة 47» هي البيان الذي أعلنه الرئيس المنتخب للحزب الجمهوري ترامب، وعرض فيه السياسات التي يعتزم تطبيقها عند توليه منصب الرئيس السابع والأربعين للولايات المتحدة. وتتألف هذه الأجندة من 47 مجموعة خطط سياسية رسمية، يعتمد فيها ترامب بشكل كبير على الأوامر التنفيذية.
وعلى الرغم من أن ترامب قد نفى علمه بالمشروع، لكن أوامره التنفيذية تؤكد أنه يستلهم ذلك المشروع كأيديولوجيا شاملة لولايته الجديدة. وكان من أوائل الأوامر التنفيذية التي أصدرها ترامب هو الأمر بتصفية الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية «USAID» (يو إس ايد)، والتي أسسها الرئيس الأسبق كينيدي، وكانت تتولى إدارة المساعدات الخارجية، وهي تخضع لسيطرة الدولة العميقة، ومشاريعها الهادفة إلى التدخل في دول العالم المختلفة، وكان تحت تصرفها مليارات الدولارات. وقد كان إلغاء تلك الوكالة بمثابة ضربة كبيرة لمجلس الأمن القومي الأمريكي، كما أصدر الرئيس ترامب أمراً تنفيذياً بعنوان «حماية النساء من التطرف في أيديولوجية النوع الاجتماعي وإعادة الحقيقة البيولوجية للحكومة الفيدرالية»، ويهدف هذا الأمر التنفيذي إلى منع «الجنس الثالث» والمحافظة على «الواقع البيولوجي الثابت للجنس»، أي وجود جنسين فقط «ذكر وأنثى».
كما أصدر ترامب الأمر التنفيذي الذي يرمي إلى «إنهاء التمييز غير القانوني واستعادة الفرص القائمة على الجدارة»، وفي إطار المشروع يعمل ترامب على تعديل الدستور بهدف السماح له بتولي الحكم لولاية ثالثة، وفي هذا الإطار قدم النائب آندي أوغلز، الجمهوري عن ولاية تينيسي، مشروع قرار مشترك لمجلس النواب لتعديل الدستور للسماح بانتخاب الرئيس لثلاث فترات كحد أقصى. ويتطلب تعديل الدستور أن يصوّت ثلثي أعضاء الكونغرس على ذلك، أو الحصول على موافقة ثلثي الولايات على الدعوة لعقد مؤتمر دستوري لاقتراح التغييرات.
ويتطلب أيٌّ من الطريقين تصديق ثلاثة أرباع الولايات، وفي ظل وجود الحزب الديمقراطي كشريك فاعل في الدولة الأمريكية، فإنه سيكون من شبه المستحيل أن يحصل مشروع أوغلز لتعديل الدستور على الموافقة في الكونغرس. وقال ستيف بانون، حليف ترامب، في مقابلة مع قناة «نيوز نيشن» بأنه يعتقد أن ترامب «سيترشح ويفوز مرة أخرى في عام 2028». من دون أن يحدد الطريق للوصول إلى ذلك. لكن يرى بعض الجمهوريين أنه يمكن أن يصل ترامب إلى ولاية ثالثة عن طريق ترشح نائب الرئيس جيه دي فانس للمنصب ثم يُسلم المنصب لترامب.
إن مجريات الأحداث، بعد الصفعات التي تتلقاها سوق الأسهم الأمريكية وخسارة المليارات بعد «حرب الرسوم الجمركية» الأخيرة، قد تغير سيناريوهات ترامب في البيت الأبيض.. الشهور المقبلة ستكشف ماذا سيحدث.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


سكاي نيوز عربية
منذ 2 ساعات
- سكاي نيوز عربية
"البراغي" تعرقل خطة "ترامب-آيفون"
كان ترامب هدد الجمعة بفرض رسوم جمركية تبلغ 25 بالمئة على "أبل"، في حال بيعها هواتف "آيفون" داخل الولايات المتحدة مصنعة خارجها. وقال ترامب للصحفيين، الجمعة، إن الرسوم الجمركية البالغة 25 بالمئة ستطبق أيضا على شركة "سامسونغ" وغيرها من صانعي الهواتف الذكية، ويتوقع أن تدخل الرسوم حيز التنفيذ في نهاية يونيو المقبل. وذكر الرئيس الأميركي أنه "لن يكون من العدل" عدم تطبيق الرسوم على جميع الهواتف الذكية المستوردة، وأضاف: "كان لدي تفاهم مع (الرئيس التنفيذي لشركة أبل) تيم (كوك) بأنه لن يفعل ذلك. قال إنه سيذهب إلى الهند لبناء مصانع. قلت له لا بأس أن يذهب إلى الهند لكنك لن تبيع هنا من دون رسوم جمركية". وكان وزير التجارة الأميركي هوارد لوتنيك قال لشبكة "سي بي إس" الإخبارية الشهر الماضي، إن عمل "الملايين من البشر الذين يثبتون البراغي الصغيرة جدا لصنع أجهزة آيفون" سيأتي إلى الولايات المتحدة وسيصبح آليا، مما سيوفر وظائف للعمال المهرة مثل الميكانيكيين والكهربائيين. لكنه قال لاحقا في تصريحات أخرى، إن كوك أخبره أن "القيام بذلك يتطلب تكنولوجيا غير متوفرة بعد". وأوضح: "قال: أحتاج إلى أذرع روبوتية وأن أقوم بذلك على نطاق ودقة يمكنني بهما جلبها (الصناعة) إلى هنا. وفي اليوم الذي أرى ذلك متاحا ستأتي إلى هنا". وقال محامون وأساتذة بقطاع التجارة إن أسرع طريقة لإدارة ترامب للضغط على شركة "أبل" من خلال الرسوم الجمركية ، هي استخدام نفس الآلية القانونية التي تفرض الرسوم على شريحة واسعة من الواردات. وقال دان إيفز المحلل في " ويدبوش" إن عملية نقل الإنتاج إلى الولايات المتحدة قد تستغرق ما يصل إلى 10 سنوات، وقد تؤدي إلى أن يصل سعر جهاز "آيفون" الواحد إلى 3500 دولار، علما أن أحدث إصدار من هواتف "آيفون" يباع حاليا في حدود 1200 دولار. وأضاف إيفز: "نعتقد أن مفهوم إنتاج أبل لأجهزة آيفون في الولايات المتحدة أمر خيالي غير ممكن". وقال بريت هاوس أستاذ الاقتصاد في جامعة كولومبيا، إن فرض رسوم جمركية على أجهزة " آيفون" سيزيد من تكاليف المستهلكين، من خلال تعقيد سلسلة التوريد والتمويل الخاصة بشركة "أبل". وأوضح: "لا شيء من هذا إيجابي بالنسبة للمستهلكين الأميركيين".


البيان
منذ 2 ساعات
- البيان
أسبوع متقلب وخسائر جماعية لمؤشرات الأسهم العالمية
في الوقت الذي أبدى فيه ترامب استنكاره لموقف التكتل من مفاوضات التجارة، حسب ما نقله وزير الخزانة الأمريكي، سكوت بيسنت، الذي ذكر أن الرئيس الأمريكي ينظر للمقترحات التي قدمها الاتحاد بأنها ليست جيدة بشكل كافٍ، وأن تهديدات ترامب من شأنها تحفيز أوروبا في محادثات التجارة. كذلك تراجع مؤشر «داكس» الألماني بنحو 0.58%، منهياً تعاملات الأسبوع الماضي عند 23629.58 نقطة، مقابل 23767.43 نقطة الأسبوع قبل الماضي. وسجلت العقود الآجلة لخام برنت 64.78 دولاراً للبرميل عند التسوية الجمعة، كما سجلت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 61.53 دولاراً.


البيان
منذ 2 ساعات
- البيان
الناتو .. قمة مفصلية في لاهاي
ولا تقتصر الخلافات على ذلك، بل امتدت إلى ما كان يمكن تسميته بالمحرمات، وهي طبيعة العلاقات الأمريكية مع روسيا. يوم الخميس الماضي، انعقد الاجتماع غير الرسمي لوزراء خارجية دول الحلف في مدينة أنطاليا التركية، لمناقشة قضايا كثيرة أهمها الاستعدادات لقمة لاهاي. بطبيعة الحال فإن الهاجس الأساسي الذي يشغل غالبية دول الحلف هو سياسات وتوجهات الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، والملف الأوكراني. ونتيجة لذلك فإن الأمين العام للحلف، مارك روته الذي تسلم مهام منصبه أكتوبر الماضي، قال: «إن الحلف يحتاج إلى إعادة تطوير نفسه في مجمل الصناعات الدفاعية». وتظل المعضلة الكبرى هي مطالب ترامب للحلف بزيادة الانفاق الدفاعي إلى 3 أو 5 % لأن تحقيق ذلك سيعني مصاعب اقتصادية للعديد من بلدان الحلف. إجمالى الإنفاق الدفاعي لدول الحلف بلغ في عام 2024 نحو 1.47 تريليون دولار، تساهم الولايات المتحدة بنسبة الثلثين بنحو 967 مليار دولار هي نسبة ميزانيتها الدفاعية. ونعلم أن ترامب يضغط على دول الناتو لرفع النسبة إلى 5 % حتى يمكنها تخفيف الأعباء على الولايات المتحدة، وهو أمر يبدو صعباً للغاية ليس فقط نسبة 5 % ولكن حتى نسبة 3 % لبعض دول الحلف. واشنطن تقول إن استمرار صيغة تمويلها الحالية مستحيلة، لأن توفير المظلة الدفاعية لدول الحلف مجاناً تحقق المزيد من التقدم الاقتصادي لدول الحلف، في حين أن واشنطن هي من يدفع الثمن لاحقاً في صورة عجز تجاري. ونعلم أيضاً أن ترامب سبق وهدد دول الحلف علناً بأنه سوف يترك روسيا تلتهمهم إذا لم يرفعوا مساهماتهم في ميزانية الحلف. المعضلة الكبرى أيضاً هي أن ترامب يميل إلى تبني الرواية الروسية المطالبة بعدم انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو. والأخطر الموافقة المبدئية على استمرار سيطرة روسيا على بعض الأراضي التي سيطرت عليها في أوكرانيا، خصوصاً شبه جزيرة القرم منذ عام 2014، إضافة لأراضي أخرى في إقليم الدونباس حيث سيطرت عليها روسيا في الحرب الأخيرة.