logo
التوتر في بيئة العمل.. دوائر التأثير والسيطرة وصناعة التوازن المهني

التوتر في بيئة العمل.. دوائر التأثير والسيطرة وصناعة التوازن المهني

ليس من المبالغة القول إننا نعيش اليوم في عالم يفيض بالتوترات؛ حيث تسيطر المخاوف الكبرى على تفاصيل حياتنا الصغرى. ولم تعد بيئة العمل بمنأى عن هذا المشهد المعقد، بل أصبحت إحدى أبرز بؤر التوتر والتقلبات. وبين ضغط المهام اليومية، وقلق المستقبل المهني، بات 'التوتر في بيئة العمل' مصطلحًا يتردد على ألسنة الموظفين والمديرين على حد سواء، في ظل ارتفاع مؤشرات القلق والإجهاد داخل المؤسسات.
عندما يتداخل القلق بالواجبات
علاوة على ذلك، تكشف إحصاءات جامعة هارفارد أن 62% من الأشخاص يعترفون بأن الإجهاد يعوقهم عن ممارسة حياتهم بصورة طبيعية. ما يشير إلى أن التوتر في بيئة العمل لم يعد استثناءً بل قاعدة مقلقة. ويؤكد متخصصون أن هذا النوع من التوتر لا يتولد فقط من ضغط العمل، بل من صعوبة التكيّف مع التغيرات المتسارعة وانعدام السيطرة على مجريات الأحداث.
من ناحية أخرى، يدور الموظفون في كثير من الأحيان داخل حلقة مفرغة من الانشغال بالعناوين الصاخبة، سواءً كانت تحولات السوق أو المخاوف بشأن أداء المؤسسة. وفي خضم هذا الضجيج النفسي، يتفاقم التوتر في بيئة العمل، ويصبح التركيز مشتتًا بين ما يمكن التأثير فيه وما هو خارج عن الإرادة. ما يؤدي في نهاية المطاف إلى الإرهاق المهني وفقدان الدافع.
فلسفة ستيفن كوفي
في حين يظن البعض أن تقليل التوتر في بيئة العمل يتطلب تغييرات خارجية، يشير نموذج دوائر التأثير للمفكر ستيفن كوفي إلى أن التغيير يبدأ من الداخل. فهناك ثلاث دوائر أساسية: دائرة الاهتمام التي تشمل المخاوف الخارجة عن السيطرة، ودائرة التأثير التي تشمل ما يمكن التأثير فيه جزئيًا، ودائرة التحكم التي تمثل ما يمكن التحكم فيه تمامًا. وكلما زاد تركيز الفرد على ما يمكنه تغييره، تقل حدة التوتر وتتسع دائرة تأثيره.
دائرة الاهتمام:
تشمل هذه الدائرة القلق بشأن أمور خارجة عن سيطرتنا مثل: تقليص أعداد الموظفين أو استراتيجيات المنافسين. وبالطبع فإن إنفاق الطاقة الذهنية في هذه المساحة يؤدي غالبًا إلى حالة من الإرهاق العقلي، نظرًا لعدم وجود نتائج ملموسة يمكن تحقيقها. ما يغذي مشاعر التوتر في بيئة العمل دون فائدة تُرجى.
دائرة التأثير:
كذلك، تعد دائرة التأثير المساحة التي يمكن للفرد من خلالها إحداث تغيير نسبي. كأن يقوم الموظف بتوجيه زميل يواجه صعوبات مهنية، أو يعمل على بناء الثقة مع شركاء العمل. هذه المواقف تمنح الموظف شعورًا بالفعالية والتمكين. ما يخفف من وطأة التوتر ويحول الطاقة السلبية إلى حراك إيجابي.
دائرة التحكم:
أما دائرة التحكم، فهي أكثر الدوائر أهمية؛ حيث تشتمل على القرارات والعادات التي تقع ضمن سيطرة الفرد الكاملة، مثل: تنظيم الوقت، أو تطوير المهارات الأساسية كالتحليل والتواصل. ووفقًا لممارسي النموذج، فإن توجيه الجهد نحو هذه الدائرة يفضي إلى اتساعها. وهو ما ينعكس على جميع مجالات الحياة المهنية بالإيجاب.
ما بين القلق والتعلّم: علاقة عكسية
كما أن هناك علاقة واضحة بين مستوى القلق وموقع التركيز؛ فكلما زاد القلق، اتسعت دائرة الاهتمام وتضاءلت القدرة على التأثير. بينما كلما تعلم الموظف مهارات جديدة وعمق من خبراته، اتسعت دائرة التحكم. ما يساعد على تقليص التوتر في بيئة العمل وتحقيق الاستقرار النفسي والمهني في آنٍ واحد.
لا يقل تحديد الغرض أو الهدف الوظيفي أهمية عن تنفيذ المهام اليومية. فالشعور بالمعنى والاتجاه يمكّن الموظف من تجاوز لحظات التوتر، ويحفزه على اتخاذ قرارات أكثر اتزانًا. ولعل الغرض هنا هو القوة الدافعة التي تمنح المسار المهني روحًا ومعنًى.
الكفاءة: رهان التمكين
بينما تعد الكفاءة حجر الزاوية في بناء الثقة بالنفس وتقليص القلق. فعندما يطور الموظف أدواته ومهاراته، يشعر بتمكنه من الموقف ويصبح أكثر قدرة على التعامل مع تحديات بيئة العمل. وهو ما يعزز دائرة التحكم ويقلص دائرة القلق.
ومن اللافت أن توسيع التأثير لا يقتصر على الأفراد فحسب، بل يشمل المؤسسات ككل. فكلما تبنى فريق العمل عقلية التأثير الإيجابي والتمكين المتبادل، خفت مظاهر التوتر في بيئة العمل. ونشأت ثقافة مؤسسية صحية تدعم النمو المشترك وتقلل من عوامل الانهيار النفسي.
التوازن خيار استراتيجي
في نهاية المطاف، لا يمكن نفي وجود التوتر في بيئة العمل، لكنه ليس قدرًا محتومًا. بل هو تحدٍّ يمكن احتواؤه عبر فهم مصادره، وتحديد ما يمكن التحكم فيه، وتوسيع دوائر التأثير بتعزيز الغرض، وصقل الكفاءة، وبناء مجتمع داعم. فصناعة بيئة عمل صحية تبدأ من وعي الأفراد وتنضج برؤية جماعية تؤمن بأن الراحة النفسية ركيزة من ركائز النجاح المستدام.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

التوتر في بيئة العمل.. دوائر التأثير والسيطرة وصناعة التوازن المهني
التوتر في بيئة العمل.. دوائر التأثير والسيطرة وصناعة التوازن المهني

مجلة رواد الأعمال

timeمنذ 2 أيام

  • مجلة رواد الأعمال

التوتر في بيئة العمل.. دوائر التأثير والسيطرة وصناعة التوازن المهني

ليس من المبالغة القول إننا نعيش اليوم في عالم يفيض بالتوترات؛ حيث تسيطر المخاوف الكبرى على تفاصيل حياتنا الصغرى. ولم تعد بيئة العمل بمنأى عن هذا المشهد المعقد، بل أصبحت إحدى أبرز بؤر التوتر والتقلبات. وبين ضغط المهام اليومية، وقلق المستقبل المهني، بات 'التوتر في بيئة العمل' مصطلحًا يتردد على ألسنة الموظفين والمديرين على حد سواء، في ظل ارتفاع مؤشرات القلق والإجهاد داخل المؤسسات. عندما يتداخل القلق بالواجبات علاوة على ذلك، تكشف إحصاءات جامعة هارفارد أن 62% من الأشخاص يعترفون بأن الإجهاد يعوقهم عن ممارسة حياتهم بصورة طبيعية. ما يشير إلى أن التوتر في بيئة العمل لم يعد استثناءً بل قاعدة مقلقة. ويؤكد متخصصون أن هذا النوع من التوتر لا يتولد فقط من ضغط العمل، بل من صعوبة التكيّف مع التغيرات المتسارعة وانعدام السيطرة على مجريات الأحداث. من ناحية أخرى، يدور الموظفون في كثير من الأحيان داخل حلقة مفرغة من الانشغال بالعناوين الصاخبة، سواءً كانت تحولات السوق أو المخاوف بشأن أداء المؤسسة. وفي خضم هذا الضجيج النفسي، يتفاقم التوتر في بيئة العمل، ويصبح التركيز مشتتًا بين ما يمكن التأثير فيه وما هو خارج عن الإرادة. ما يؤدي في نهاية المطاف إلى الإرهاق المهني وفقدان الدافع. فلسفة ستيفن كوفي في حين يظن البعض أن تقليل التوتر في بيئة العمل يتطلب تغييرات خارجية، يشير نموذج دوائر التأثير للمفكر ستيفن كوفي إلى أن التغيير يبدأ من الداخل. فهناك ثلاث دوائر أساسية: دائرة الاهتمام التي تشمل المخاوف الخارجة عن السيطرة، ودائرة التأثير التي تشمل ما يمكن التأثير فيه جزئيًا، ودائرة التحكم التي تمثل ما يمكن التحكم فيه تمامًا. وكلما زاد تركيز الفرد على ما يمكنه تغييره، تقل حدة التوتر وتتسع دائرة تأثيره. دائرة الاهتمام: تشمل هذه الدائرة القلق بشأن أمور خارجة عن سيطرتنا مثل: تقليص أعداد الموظفين أو استراتيجيات المنافسين. وبالطبع فإن إنفاق الطاقة الذهنية في هذه المساحة يؤدي غالبًا إلى حالة من الإرهاق العقلي، نظرًا لعدم وجود نتائج ملموسة يمكن تحقيقها. ما يغذي مشاعر التوتر في بيئة العمل دون فائدة تُرجى. دائرة التأثير: كذلك، تعد دائرة التأثير المساحة التي يمكن للفرد من خلالها إحداث تغيير نسبي. كأن يقوم الموظف بتوجيه زميل يواجه صعوبات مهنية، أو يعمل على بناء الثقة مع شركاء العمل. هذه المواقف تمنح الموظف شعورًا بالفعالية والتمكين. ما يخفف من وطأة التوتر ويحول الطاقة السلبية إلى حراك إيجابي. دائرة التحكم: أما دائرة التحكم، فهي أكثر الدوائر أهمية؛ حيث تشتمل على القرارات والعادات التي تقع ضمن سيطرة الفرد الكاملة، مثل: تنظيم الوقت، أو تطوير المهارات الأساسية كالتحليل والتواصل. ووفقًا لممارسي النموذج، فإن توجيه الجهد نحو هذه الدائرة يفضي إلى اتساعها. وهو ما ينعكس على جميع مجالات الحياة المهنية بالإيجاب. ما بين القلق والتعلّم: علاقة عكسية كما أن هناك علاقة واضحة بين مستوى القلق وموقع التركيز؛ فكلما زاد القلق، اتسعت دائرة الاهتمام وتضاءلت القدرة على التأثير. بينما كلما تعلم الموظف مهارات جديدة وعمق من خبراته، اتسعت دائرة التحكم. ما يساعد على تقليص التوتر في بيئة العمل وتحقيق الاستقرار النفسي والمهني في آنٍ واحد. لا يقل تحديد الغرض أو الهدف الوظيفي أهمية عن تنفيذ المهام اليومية. فالشعور بالمعنى والاتجاه يمكّن الموظف من تجاوز لحظات التوتر، ويحفزه على اتخاذ قرارات أكثر اتزانًا. ولعل الغرض هنا هو القوة الدافعة التي تمنح المسار المهني روحًا ومعنًى. الكفاءة: رهان التمكين بينما تعد الكفاءة حجر الزاوية في بناء الثقة بالنفس وتقليص القلق. فعندما يطور الموظف أدواته ومهاراته، يشعر بتمكنه من الموقف ويصبح أكثر قدرة على التعامل مع تحديات بيئة العمل. وهو ما يعزز دائرة التحكم ويقلص دائرة القلق. ومن اللافت أن توسيع التأثير لا يقتصر على الأفراد فحسب، بل يشمل المؤسسات ككل. فكلما تبنى فريق العمل عقلية التأثير الإيجابي والتمكين المتبادل، خفت مظاهر التوتر في بيئة العمل. ونشأت ثقافة مؤسسية صحية تدعم النمو المشترك وتقلل من عوامل الانهيار النفسي. التوازن خيار استراتيجي في نهاية المطاف، لا يمكن نفي وجود التوتر في بيئة العمل، لكنه ليس قدرًا محتومًا. بل هو تحدٍّ يمكن احتواؤه عبر فهم مصادره، وتحديد ما يمكن التحكم فيه، وتوسيع دوائر التأثير بتعزيز الغرض، وصقل الكفاءة، وبناء مجتمع داعم. فصناعة بيئة عمل صحية تبدأ من وعي الأفراد وتنضج برؤية جماعية تؤمن بأن الراحة النفسية ركيزة من ركائز النجاح المستدام.

مشروب يظهرك أصغر سنا
مشروب يظهرك أصغر سنا

سعورس

timeمنذ 4 أيام

  • سعورس

مشروب يظهرك أصغر سنا

وقال الدكتور سوراب سيثي، أخصائي الجهاز الهضمي خريج جامعة هارفارد المرموقة، إن شرب كوب من الماء المضاف إليه عصير ليمونة طازجة على مدى شهر قد يساعد على إبطاء مظاهر الشيخوخة، والحفاظ على مظهر أكثر شبابا. ويوضح الدكتور سيثي أن الليمون يحتوي على كنز من العناصر الغذائية، حيث يحوي ما يصل إلى 30 مركبا نباتيا مفيدا. ويساعد هذا المشروب البسيط في الحفاظ على الشباب بثلاث طرق رئيسية: أولا- يساعد الحمض الطبيعي في الليمون الجسم على امتصاص المعادن بشكل أكثر كفاءة، خاصة الحديد الذي يلعب دورا حيويا في صحة الجسم بشكل عام. ثانيا- يعد الليمون مصدرا ممتازا لفيتامين «سي» الذي يحفز إنتاج الكولاجين. ثالثا- يسهم في تقليل تأثير الجذور الحرة التي تسبب تلف الخلايا، وتسارع ظهور علامات الشيخوخة.

مشروب يظهرك أصغر سنا
مشروب يظهرك أصغر سنا

الوطن

timeمنذ 4 أيام

  • الوطن

مشروب يظهرك أصغر سنا

كشف طبيب متخصص من جامعة هارفارد عن أن عادة يومية بسيطة قد تحمل مفاتيح تأخير علامات التقدم في السن، وتعزز نضارة البشرة، وتُظهر الشخص أصغر من عمره الحقيقي. وقال الدكتور سوراب سيثي، أخصائي الجهاز الهضمي خريج جامعة هارفارد المرموقة، إن شرب كوب من الماء المضاف إليه عصير ليمونة طازجة على مدى شهر قد يساعد على إبطاء مظاهر الشيخوخة، والحفاظ على مظهر أكثر شبابا. ويوضح الدكتور سيثي أن الليمون يحتوي على كنز من العناصر الغذائية، حيث يحوي ما يصل إلى 30 مركبا نباتيا مفيدا. ويساعد هذا المشروب البسيط في الحفاظ على الشباب بثلاث طرق رئيسية: أولا- يساعد الحمض الطبيعي في الليمون الجسم على امتصاص المعادن بشكل أكثر كفاءة، خاصة الحديد الذي يلعب دورا حيويا في صحة الجسم بشكل عام. ثانيا- يعد الليمون مصدرا ممتازا لفيتامين «سي» الذي يحفز إنتاج الكولاجين. ثالثا- يسهم في تقليل تأثير الجذور الحرة التي تسبب تلف الخلايا، وتسارع ظهور علامات الشيخوخة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store