
جنوب أفريقيا: تجارة التجزئة ترد على الركود بمزيد من الفروع
في وقتٍ تعاني فيه جنوب أفريقيا من تباطؤ اقتصادي وتقلّص في توقعات النمو، تتخذ كبرى شركات التجزئة قرارًا مفاجئًا بالتوسع. فبدلًا من الانكماش أو تجميد الاستثمارات، تستعد علامات تجارية مثل "بيبكور" و"مستر برايس" لافتتاح مئات المتاجر الجديدة، في خطوة تعبّر عن قراءة دقيقة لحركة السوق وتحوّلات المستهلك. فهل تكون هذه المقاربة مخاطرة محسوبة أم رهانًا على مرونة السوق في مواجهة الركود؟
في هذا الصدد، يعتزم تجار الملابس في جنوب أفريقيا افتتاح مئات المتاجر الجديدة خلال العام المقبل، على الرغم من قيام أكبر اقتصاد صناعي في القارة بخفض توقعاته للنمو الاقتصادي. وتعتزم شركة "بيبكور هولدينجز ليمتد"، أكبر شركة تجزئة للملابس في أفريقيا، ومجموعة "فوشيني جروب ليمتد"، ومجموعة "مستر برايس جروب ليمتد"، افتتاح نحو 600 متجر، مع التركيز بشكل كبير على علاماتهم التجارية منخفضة الأسعار، حسب ما ذكرت وكالة بلومبيرغ للأنباء.
وكانت وزارة الخزانة الوطنية في جنوب أفريقيا قد خفضت، الشهر الماضي، توقعاتها لنمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي خلال السنوات الثلاث المقبلة من 1.8% إلى 1.6%، ويُعزى ذلك جزئيًا إلى الاضطرابات التجارية التي تسبب فيها الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وفي هذا السياق، قالت المديرة التنفيذية في شركة "أفيور كابيتال ماركتس" في جوهانسبرغ أتية فاودا: "يوجد مستوى من التشبع في قطاع التجزئة في جنوب أفريقيا، وعندما يكون النمو الاقتصادي ضعيفًا للغاية، يكون هناك مجال محدود للتوسع في المساحات". وأضافت: "لذا، فإن النمو الجديد يأتي من علامات تجارية جديدة استُحوذ عليها مؤخرًا، ومن علامات تجارية لم يُتوسع فيها بما يكفي في بعض المناطق". ومع ذلك، أشارت فاودا إلى أن وتيرة التوسع في المساحات قد تباطأت مقارنة بالعام الماضي، وأن تجار التجزئة في مجال الملابس باتوا أكثر حذرًا، ولا يفتحون متاجر جديدة إلا في المواقع التي يمكنهم فيها ضمان عوائد كافية، وفقًا لما نقلته "أسوشييتد برس".
وتُظهر تجارة التجزئة في أفريقيا قدرة لافتة على التكيّف مع المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية رغم التحديات البنيوية التي تواجه القارة. ففي وقت يشهد فيه النمو الاقتصادي تباطؤًا في عدد من الدول مثل جنوب أفريقيا، تسعى كبرى شركات التجزئة إلى التوسّع وافتتاح فروع جديدة. ويعكس ذلك إيمانًا بإمكانات السوق الأفريقية، خاصة في ظل التحوّل التدريجي نحو نماذج الاستهلاك الحديثة، وانتقال شرائح واسعة من المستهلكين إلى المدن. ورغم أن
التجارة الإلكترونية
بدأت تحجز مكانًا في المشهد، لا تزال المتاجر الفعلية تلعب دورًا مركزيًا، خصوصًا في المجتمعات ذات الدخل المحدود التي تفضل المعاينة المباشرة قبل الشراء.
اقتصاد دولي
التحديثات الحية
جنوب أفريقيا تعرض شراء الغاز الأميركي مقابل إعفاءات من الرسوم
وتكشف التجربة الاقتصادية في جنوب أفريقيا عن مدى ترابط الاقتصاديات النامية مع السياسات العالمية، لا سيما الأميركية منها. فالقرارات التجارية التي اتخذتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مثل فرض
الرسوم الجمركية
واتباع سياسات حمائية، تسببت في اضطرابات على مستوى التوريد والتجارة الدولية، ما انعكس سلبًا على توقعات النمو في عدد من دول الجنوب. وتسلّط هذه التجربة الضوء على هشاشة موقع الدول النامية ضمن النظام التجاري العالمي، وضرورة تنويع الشراكات الاقتصادية وتخفيف الاعتماد على الأسواق الكبرى.
تأثير الظروف الاقتصادية على خطط التوسع في القطاع الخاص
عادة ما تُفضي الأزمات الاقتصادية إلى انكماش في
الاستثمارات
وتجميد خطط التوسّع، لكن هذا النمط لا ينطبق دائمًا على القطاع الخاص الديناميكي، كما هو الحال في قطاع التجزئة في جنوب أفريقيا. إذ تسعى الشركات إلى استغلال الفجوات السوقية، والتوسع في المناطق التي لا تزال تعاني من نقص في العرض، حتى في ظل تباطؤ النمو العام. وتشير تجارب مثل توسع "بيبكور" و"مستر برايس" إلى أن التخطيط الاستراتيجي وقراءة التحولات في سلوك المستهلك يفتحان الباب أمام فرص واعدة حتى في الأسواق الراكدة.
وشهدت
العلامات التجارية
منخفضة الأسعار انتعاشًا ملحوظًا خلال السنوات الأخيرة، خاصة في الدول التي تعاني من ركود اقتصادي أو ارتفاع مستويات الفقر، إذ يبحث المستهلك عن القيمة مقابل المال، وهو ما توفّره هذه العلامات التي تراعي محدودية الدخل من دون التنازل الكامل عن الجودة. وفي جنوب أفريقيا، باتت هذه العلامات خيارًا أول لشريحة واسعة من السكان، ما دفع شركات كبرى إلى تعزيز وجودها في هذا المجال. ولا تقتصر أهمية هذه العلامات على الجانب التجاري، بل تلعب أيضًا دورًا اجتماعيًا مهمًا في الحفاظ على قدرة الأسر على تلبية احتياجاتها الأساسية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العربي الجديد
منذ 7 ساعات
- العربي الجديد
ترامب الحائر بين إفلاس أميركا وإفلاس إيران
تمارس إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب ، كل أنواع الضغوط على الاقتصاد الإيراني بهدف خنقه وحرمانه من الإيرادات الدولارية والاستثمارات الخارجية ودفعه نحو الإفلاس والتعثر المالي، ومنع وصول إيران إلى النظام المالي العالمي. يضغط ترامب بشدة لتفعيل خطة إفلاس إيران عبر حملة "أقصى الضغوط" التي تعهد بإعادة تطبيقها لعزل طهران اقتصاديا وخفض صادراتها النفطية إلى الصفر، والهدف الأول هو منع إيران وبشكل مطلق من امتلاك القدرة النووية وتطوير برنامج نووي، إذ إن امتلاك أسلحة نووية "خطا أحمر" بالنسبة لواشنطن. أما الهدف الثاني فهو كبح قدرة طهران على تمويل الوكلاء الإقليميين في اليمن ولبنان والعراق وسورية. إذاً، ترامب مصمم على تنفيذ استراتيجية الضغط الأقصى لإفلاس إيران بأسرع وقت ممكن كما يقول هو والمحيطون به، وهو ما يجعل المواجهة الاقتصادية بين البلدين أكثر حدة من أي وقت مضى، فقد هدد ترامب خلال زيارته السعودية يوم 13 مايو الماضي، بدفع إيران إلى الإفلاس إذا تراجعت عن الاتفاق النووي . اقتصاد دولي التحديثات الحية عقوبات أميركية على إيران تشمل 10 مواد استراتيجية وقبلها بأسبوع خرج وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت، قائلا إننا سندفع إيران إلى الإفلاس، وأن جعل إيران تفلس سيمثل بداية لسياستنا المعدلة في فرض العقوبات، واعترف بيسنت بأن الولايات المتحدة ستمارس أقصى الضغوط بفرض عقوبات على إيران لتدمير صادراتها النفطية والضغط على عملتها، وستغلق قطاع النفط في إيران وتمنعها من تصنيع المسيرات. ومن وقت لآخر، تؤتي ضغوط واشنطن ومنها تشديد العقوبات على صادرات النفط الحيوية ثمارها، فقد أظهرت أرقام اليوم تراجع تدفقات النفط الخام والمكثّفات من إيران إلى الصين، مسجلة نحو 1.1 مليون برميل يومياً في مايو/أيار الماضي، بهبوط 20% مقارنة بالعام الماضي 2024. كما تمارس واشنطن ضغوطا على الدول الكبرى المستوردة للنفط الإيراني ومنها الهند وكوريا الجنوبية واليابان. لا يتوقف الأمر عند تلك الضغوط المباشرة، فوسائل الإعلام الأميركية والغربية بدأت تتوسع في الحديث عن الأزمات الاقتصادية العنيفة التي يتعرض لها الاقتصاد الإيراني، وانهيار عملته المحلية، وموجات التضخم الجامح، وأن بنوك إيران تتجه للإفلاس في ظل أزمة اقتصادية مستعصية، وأن رجل الشارع غاضب من الغلاء وتآكل المدخرات والفساد المالي. ورغم أن إيران لوحت باحتمال منح الشركات الأميركية استثمارات تقدر بنحو تريليون دولار في حال التوصل لتسوية للملف النووي والخلافات المعلقة مع واشنطن، إلا أن هذا لم يشفع لها عند إدارة ترامب التي تريد تركيع طهران سياسيا واقتصاديا لصالح إسرائيل وبعض دول المنطقة. أسواق التحديثات الحية ترامب يهدد بمعاقبة أي دولة تشتري النفط الإيراني.. وأسعار الخام ترتفع اللافت أنه في الوقت الذي يهدد فيه ترامب بإفلاس إيران، يخرج علينا واحد من أبرز رموز إدارته هو الملياردير إيلون ماسك ليحذر أمس من إفلاس أميركا ويهاجم الكونغرس، متهماً إياه بقيادة أميركا نحو الإفلاس، ويؤكد أن قرارات الكونغرس المتواصلة التي تؤدي لزيادة العجز الأميركي ستقود البلاد إلى الهاوية. ويكشف عن ارتفاع عجز الموازنة الأميركية من 236 مليار دولار في عام 2000 إلى نحو 1.83 تريليون دولار في عام 2024. وتحدث عن مشروع قانون الإنفاق الضخم "والفاحش والمليء بالفساد" الذي أقره الكونغرس ووصفه بأنه عملٌ مُقزز. ليس هذا هو التصريح الأول من نوعه لماسك، فقد كرر تلك التحذيرات في أوقات سابقة، فيوم 12 فبراير/شباط الماضي شدّد ماسك، الذي كلّفه ترامب بقيادة جهود خفض الإنفاق الفيدرالي، على أن الولايات المتحدة "ستفلس" إذا لم تُجرَ اقتطاعات في الموازنة. وانتقد العجز الكبير في ميزانية البلاد، الذي تجاوز 1.8 تريليون دولار في السنة المالية الماضية. ويوم 24 ديسمبر/كانون الأول الماضي حذر من أن الاقتصاد الأميركي على وشك الإفلاس. وقال إن "أميركا تقترب بسرعة كبيرة من الإفلاس الفعلي"، مستندا إلى مؤشرات خطيرة منها تنامي الديون العامة بشكل غير مسبوق. الاقتصاد الأميركي ليس في أحسن حالاته كما يحاول ترامب وفريقه الترويج، وشبح الإفلاس يهدد الولايات المتحدة على المديين المتوسط والطويل، وخفض تصنيف الاقتصاد الأميركي قبل أيام من قبل وكالة موديز العالمية قد يعد مؤشرا على الأزمة.


العربي الجديد
منذ 7 ساعات
- العربي الجديد
تعديلات جوهرية على قانون ترامب الضريبي في مجلس الشيوخ
يستعدّ الجمهوريون في مجلس الشيوخ الأميركي هذا الأسبوع، للكشف عن تعديلات موسّعة تطاول مشروع الرئيس دونالد ترامب الضريبي المثير للجدل، ضمن الحزمة الاقتصادية الضخمة التي تبلغ قيمتها ثلاثة تريليونات دولار، التي تُعد من العلامات الاقتصادية البارزة للرئيس دونالد ترامب . وبحسب بلومبيرغ، تأتي هذه التعديلات رغم الانتقادات التي وجّهها الملياردير إيلون ماسك لمشروع القانون، فيما يسعى الجمهوريون جاهدين لإقراره قبل عطلة الرابع من يوليو/تموز. وتركّز لجنة المالية في "الشيوخ"، بحسب بلومبيرغ، على تحقيق وفورات من برامج التأمين الصحي، وتحديداً برنامج "ميديكيد" وربما "ميديكير"، وهي خطوة من المحتمل أن تُغيّر كثيراً بعض بنود المشروع مقارنة بالصيغة التي أقرّها مجلس النواب بفارق ضئيل الشهر الماضي. ومن المتوقع أن يؤدي طرح المسودة الجديدة من اللجنة إلى جولة جديدة من المفاوضات بين المحافظين المتشدّدين والجمهوريين المعتدلين. وفي الأثناء، تراقب قطاعات الأعمال المختلفة، مثل الطاقة والصحة والتصنيع والخدمات المالية، تطورات المشروع عن كثب. خصم ضرائب الولايات والسلطات المحلية من أبرز القضايا التي سيواجهها كل من زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ جون ثيون، ورئيس لجنة المالية مايك كراپو، هي كيفية التعامل مع رفع الحد الأقصى لخصم ضرائب الولايات والبلديات (SALT) من 10 آلاف إلى 40 ألف دولار للأفراد الذين يقل دخلهم عن 500 ألف دولار، وهي خطوة كانت حاسمة في تمرير القانون في مجلس النواب. اقتصاد دولي التحديثات الحية عاصفة الاقتصاد الأميركي: ارتفاع التضخم وتباطؤ التوظيف بسبب التعرفات الجمهوريون في مجلس الشيوخ يرغبون في خفض التكلفة المقدّرة لهذه الزيادة والتي تبلغ 350 مليار دولار. لكن رئيس مجلس النواب مايك جونسون وعددًا من النواب الجمهوريين القادمين من ولايات ذات ضرائب مرتفعة حذروا من أن أي تراجع عن هذا الحد الجديد سيؤدي إلى سقوط المشروع حين يعود للتصويت النهائي في مجلس النواب. في المقابل، تضغط شركات الخدمات الصغيرة (ما يُعرف بـ"الشركات المارة" أو pass-through businesses) لإزالة بند في مشروع مجلس النواب يقيّد قدرتها على الاستفادة من خصم SALT. إعفاءات دائمة للأعمال في مشروع ترامب الضريبي ومن المتوقع أن تقترح لجنة المالية تمديد ثلاث مزايا ضريبية للأعمال، والتي كان مجلس النواب قد جعلها مؤقتة حتى 2029، لتصبح دائمة. وتشمل: خصم الإنفاق على البحث والتطوير، استخدام الإهلاك والاستهلاك كأساس لحساب فوائد الدين، خصم بنسبة 100% لمصاريف اقتناء الممتلكات والمعدات الصناعية (Bonus Depreciation). وتُعد هذه الإجراءات من أبرز البنود المؤيدة للنمو، بحسب معظم الاقتصاديين، فيما تضغط قطاعات الصناعة والمصارف لتثبيتها. لكن كيف سيتم تمويل التعديلات؟ لتمويل هذه الإعفاءات، قد يقترح أعضاء مجلس الشيوخ تقليص الإعفاءات المؤقتة المرتبطة بـ الإكراميات وساعات العمل الإضافية، وهي بنود كان ترامب قد روّج لها خلال حملته الانتخابية الأخيرة لكسب دعم العاملين في قطاعي الضيافة والمطاعم. لكن البيت الأبيض يُفضل الإبقاء على هذه البنود دون تغيير. اقتصاد دولي التحديثات الحية قانون ترامب الكبير: هل يدفع الأميركيون ثمن التفاوت الطبقي؟ وفي هذا السياق، قال المستشار الاقتصادي للرئيس ترامب، كيفن هاسيت، في لقاء على قناة CBS ضمن برنامج Face the Nation يوم الأحد: "الرئيس يؤيد تعديل خصم SALT، لكن الأمر متروك للمشرّعين للتوصل إلى توافق. ما نحتاجه فعلًا هو مشروع قانون يُقرّ في الرابع من يوليو". معركة الإعفاء الضريبي الخضراء كما ستواجه اللجنة معضلة أخرى تتعلق بالإعفاءات الضريبية لمشاريع الطاقة المتجددة، والتي تم تقليصها بشكل كبير في نسخة مجلس النواب، مما أتاح وفورات تقترب من 600 مليار دولار. ويوم الجمعة الفائت، صدرت مواقف متضاربة من كتلتين جمهوريتين في مجلس النواب بشأن هذه المسألة: كتلة "الحرية" المحافظة (House Freedom Caucus) أصدرت بياناً تحذيرياً قالت فيه: "نُعلن بوضوح: إذا قام مجلس الشيوخ بتخفيف أو التراجع عن التخفيضات والقيود البيئية التي تم تحقيقها بشق الأنفس في هذا التشريع، فإننا سنصوت ضده". وفي المقابل، مجموعة من 13 نائباً جمهورياً معتدلاً بقيادة براين فيتزباتريك (بنسلفانيا) وجين كيغانز (فرجينيا)، دعت إلى تعديلات تدعم مشاريع الطاقة النظيفة، بخاصة تلك الواقعة في دوائرهم ذات الأغلبية الجمهورية والتي استفادت من قانون "خفض التضخم" الذي أقرته إدارة بايدن عام 2022. وجاء في خطابهم لمجلس الشيوخ: "نشعر بقلق بالغ تجاه بعض البنود، خصوصاً تلك التي تنهي فجأة عدة إعفاءات بعد 60 يوماً فقط من دخول القانون حيز التنفيذ، ما قد يؤثر على مشاريع لم تبدأ الإنشاء بعد". أسواق التحديثات الحية كيف يؤثر اضطراب الاقتصاد الأميركي على العرب؟ في المحصلة، يواجه الجمهوريون تحدياً مزدوجاً: إرضاء الجناح المحافظ الراغب في تقليص الإنفاق وإلغاء الامتيازات البيئية، وفي الوقت نفسه استيعاب الضغوط القادمة من المعتدلين الذين يطالبون بالحفاظ على حوافز اقتصادية تخدم مشاريعهم المحلية. وفي ظل هذا المشهد، يبقى مصير حزمة ترامب الاقتصادية معلقاً بين مجلسين جمهوريين لا يتفقان على التفاصيل، ورئيس جمهوري سابق يسعى لترك بصمته التشريعية مجدداً، وسط ضجيج سياسي واقتصادي متصاعد.


العربي الجديد
منذ 7 ساعات
- العربي الجديد
تعثرات ترامب... الإخفاقات الاقتصادية أولاً
قبل أيام، ظهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب (78 عاماً) وهو يتعثّر على درج الطائرة، قبل أن يمسك بالسلم بسرعة لمحاولة استعادة توازنه وتفادي السقوط، في مشهد لافت أعاد إلى الأذهان تندُّره على سلفه جو بايدن. الحادث أثار سخرية وشماتة أعداء ترامب السياسيين، وفي المقدمة الديمقراطيون وغيرهم، الذين اعتبروا أن الزعيم الجمهوري الذي سخر طويلاً من تأثير السِّن على سلفه قد ذاق من نفس الكأس المرّ. بل وانتشرت تعليقات ساخرة مثل: " حان الوقت لتجهيز العجوز ترامب بكرسي متحرك". تعثُّر ترامب على سلّم الطائرة ليس سوى جزءٍ بسيط من تعثرات وإخفاقات أخرى للرجل الذي حارب طواحين الهواء، خاصّة على المستويين الاقتصادي والسياسي، وكذا على مستوى ملفات الهجرة وكبح التضخم والأسعار وعجز الموازنة، فمنذ دخول ترامب البيت الأبيض في يناير الماضي وهو يواجه إخفاقات اقتصادية قد تؤثر سلباً على شعبيته وشعبية حزبه إذا لم يتداركها خلال ما تبقى من ولايته. أول تعثر للرئيس الأميركي الحالي هو خفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة، إذ أعلنت وكالة موديز العالمية، للمرّة الأولى منذ أكثر من 75 عاماً، خفض التصنيف إلى Aa1 من AAA ؛ وغيرت نظرتها المستقبلية إلى سلبية من مستقرّة. موديز لم تكن الوكالة الأولى التي تتخذ القرار الصادم لترامب وإدارته، فقد سبقتها وكالتا ستاندرد آند بورز وفيتش، اللتان خفضتا تصنيف الولايات المتحدة في عامَي 2011 و2023. خفض التصنيف مثّل لطمة قوية لإدارة ترامب التي تباهت بقوة ومتانة الاقتصاد الأميركي ، ورفعت شعار "أميركا العظمى"، خاصّة أنه يعني تراجع مستوى الثقة في أقوى اقتصاد في العالم وجدارته الائتمانية، كما يعني ارتفاع تكلفة التمويل ومستويات الدين العام والمخاطر طويلة الأجل التي تواجه الاقتصاد الأميركي، وتنامي القلق بشأن المركز المالي للدولة وعجز الموازنة المتنامي بصورة سريعة. ثاني تعثر لترامب يتعلق بزيادة المخاوف من إفلاس الولايات المتحدة في ظل ضخامة أعباء الدين العام والعجز المالي، ووقوع الاقتصاد الأميركي في فخ الديون ومستنقعها العفن، هذه المخاوف عبّرت عنها بنوك استثمار دولية كبرى، كما عبّر عنها الملياردير إيلون ماسك، الذي قاد وزارة الكفاءة الحكومية DOGE ، في حكومة ترامب، وأكد مرات عدّة أن الولايات المتحدة متجهة نحو الإفلاس، وأن خفض النفقات الفيدرالية ليس خياراً بل ضرورة. وحذر مرات من أنّ الولايات المتحدة ستفلس من دون اقتطاعات في الموازنة العامة، وأن إفلاس أكبر اقتصاد في العالم ليس مقبولاً، ودعا الأميركيين إلى الضغط على المشرّعين لرفض مشروع قانون ترامب الرئيسي للضرائب والإنفاق، كما شهدت الولايات المتحدة في عام 2024 أعلى معدل إفلاس للشركات منذ عام 2010، وهو أمر يثير قلق قطاع الأعمال الأميركي. موقف التحديثات الحية ترامب الحائر بين إفلاس أميركا وإفلاس إيران التعثر الثالث لدونالد ترامب ظهر في ملف الحرب التجارية التي قادها ضدّ كل دول العالم منذ اللحظات الأولى لدخوله البيت الأبيض، عبر فرض رسوم جمركية عالية بهدف حصد تريليونات الدولارات للخزانة العامة الخاوية، والحد من الواردات الخارجية، وتشجيع المنتج المحلي وزيادة الصادرات، ونقل الاستثمارات الخارجية للداخل، إلّا أن ترامب لم يحقق معظم الأهداف السابقة، بل تعثر في فرض الرسوم على معظم دول العالم، وفشل في إخضاع الصين وكندا واليابان وغيرها من الاقتصادات الكبرى لابتزازاته التجارية. كما فشل في حصد الحصيلة المالية الضخمة التي خطط لها. التعثر الرابع جاء من ولاية كاليفورنيا التي تشكّل العمود الفقري للاقتصاد الأميركي، إذ تحتضن قطاعات رئيسية، منها: تكنولوجيا المعلومات والاتصالات "وادي السيليكون"، والزراعة، وأنشطة الترفيه "هوليوود" وإنتاج الأفلام، اللذان يدران أكثر من مئة مليار دولار سنوياً، إلى جانب قطاع التصنيع والتصدير. خفض التصنيف مثّل لطمة قوية لإدارة ترامب التي تباهت بقوة ومتانة الاقتصاد الأميركي، ورفعت شعار "أميركا العظمى" ومع اندلاع الاحتجاجات الأخيرة في لوس إنغلوس، وتحوّلها إلى أعمال عنف باتت ولاية كاليفورنيا مصدر قلق لصانع القرار في الولايات المتحدة، وإدارة ترامب التي تخشى تأثير تلك القلاقل والمخاطر المتنامية على الاقتصاد الأميركي، خاصة أنه سبق للولاية أن طالبت بالانفصال عن الولايات المتحدة، كما تعرضت لحرائق ضخمة في يناير الماضي نتج عنها خسائر قدرت بنحو 275 مليار دولار. التعثر الخامس تمثل في إخفاق ترامب في خفض أسعار الفائدة، وفشله في الضغط على البنك الفيدرالي للتخلي عن السياسة النقدية المتشدّدة، صاحَب ذلك الإخفاق تراجع سعر صرف الدولار أمام العملات الرئيسية وفي مقدمتها اليورو والجنيه الإسترليني، وعودة شبح التضخم وارتفاع الأسعار، وتراجع القوة الشرائية وبقاء أسعار الفائدة عند مستويات عالية. موقف التحديثات الحية العرب يحسدون ترامب... نظرة يا دول الخليج التعثر السادس تمثل في تزايد موجة هروب الأموال والمستثمرين من الولايات المتحدة إلى الخارج، خاصّة من سوق الأسهم في وول ستريت، وكذا من أدوات الدين كالسندات والدولار، والبيع الجماعي وتسييل الأصول، مع تصاعد مستوى المخاطر وحدّة التقلبات المالية داخل أسواق المال، وتراجع الثقة في قدرة الولايات المتحدة على الوفاء بالتزاماتها المالية وتغطية عجز الموازنة، حتى على المدى الطويل، في مشهد لم يتكرّر منذ عقود، مع تزايد الهجرة العكسية بسبب مخاوف الركود والكساد.