
رسوم ترمب الجمركية على النفط: خسائر مكسيكية وكندية وفرص للشرق الأوسط
تهدد رسوم ترمب الجمركية على النفط القادم من كندا والمكسيك، استقرار تدفقات الخام في أميركا الشمالية، وتفتح الباب أمام موجة من التغييرات الجذرية في الأسواق العالمية، وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب -المنتخب حديثًا- قد صعّد تهديده بفرض رسوم جمركية بنسبة 25% على واردات النفط من كندا والمكسيك...
تهدد رسوم ترمب الجمركية على النفط القادم من كندا والمكسيك، استقرار تدفقات الخام في أميركا الشمالية، وتفتح الباب أمام موجة من التغييرات الجذرية في الأسواق العالمية، وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب -المنتخب حديثًا- قد صعّد تهديده بفرض رسوم جمركية بنسبة 25% على واردات النفط من كندا والمكسيك في أول أسبوعين من توليه المنصب، وبينما نجحت المفاوضات خلال اللحظات الأخيرة في منح كندا استثناءً جزئيًا بخفض الرسوم إلى 10%، بقي النفط المكسيكي تحت وطأة رسوم ترمب الجمركية على النفط بنسبة 25%، وتوقع تقرير حديث، اطّلعت عليه وحدة أبحاث الطاقة (مقرّها واشنطن)، أن قرار ترمب قد يدفع جزءًا من الواردات الأميركية نحو وجهات بديلة في الخارج، إضافة إلى أن ارتفاع الأسعار الناجم عن الإجراءات قد يحدّ من الطلب الأميركي.
وأشار التقرير إلى أن تأثير رسوم ترمب الجمركية في النفط لن يكون بالحدّة نفسها التي كان سيسببها فرض رسوم كاملة على النفط الكندي؛ فالتشابك العميق بين منتجي النفط الكنديين ومصافي التكرير الأميركية حال دون أزمة أعمق.
الترقب يسود أسواق النفط في أميركا الشمالية
أوضح التقرير الصادر عن شركة أبحاث الطاقة وود ماكنزي، أن أسواق النفط في أميركا الشمالية ستظل على حافة الترقب، كما أن تأجيل تنفيذ هذه الرسوم لشهر إضافي سيُبقِي كل السيناريوهات مطروحة، بين احتمال إلغائها أو تصعيدها إلى عقوبات أشد، قد تعيد تشكيل تدفقات النفط في المنطقة.
يأتي ذلك وسط تحذير المنتجين والمصافي الأميركية من زعزعة استقرار الأسواق وتكبيد الصناعة خسائر فادحة؛ فقد حذّرت شركة التكرير الأميركية "فاليرو" من إمكان خفض معدلات تشغيل المصافي بنسبة 10%، بحسب ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
وخلال الوقت الذي تحاول فيه الأسواق الأميركية استيعاب الصدمة المحتملة، توقعت وود ماكنزي أن تتسبب رسوم ترمب الجمركية على النفط في انخفاض الطلب على الخام داخل الولايات المتحدة بمقدار 50 ألف برميل يوميًا بحلول 2026؛ مدفوعًا بارتفاع طفيف في أسعار المنتجات المكررة.
وفي ظل هذه التوقعات، لا يبدو أن الإنتاج المحلي سيكون طوق النجاة؛ إذ تتوقّع "وود ماكنزي" نموًا متواضعًا في إنتاج الولايات الأميركية الـ48 المتجاورة خلال السنوات المقبلة، خاصة مع التزام المنتجين بالانضباط المالي الصارم؛ إذ لم تتأثر استثمارات التنقيب بالتقلبات في أسعار النفط.
كيف ستتأثر المكسيك برسوم ترمب الجمركية على النفط؟
مع تلويح ترمب بفرض رسوم تصل إلى 25% على النفط المكسيكي، تزداد المخاوف من أن تتحول الأسواق الأوروبية والآسيوية إلى وجهة لصادرات المكسيك، على حساب أميركا، وبحسب تقرير وود ماكنزي، من المتوقع أن يؤثر ذلك في تدفق نحو 600 ألف برميل يوميًا من النفط المكسيكي إلى الولايات المتحدة، بيد أن تأثيرها سيكون أقل وطأة نتيجة إغلاق مصفاة "ليوندل هيوستن"، وتشغيل مصفاة "دوس بوكاس" التابعة لشركة "بيميكس"، وستضطر المصافي الأميركية، خاصة على الساحل الغربي وساحل الخليج، لاستيراد الخام الثقيل من دول أميركا اللاتينية والشرق الأوسط، وعلى رأسها العراق، الذي يمتلك واحدة من أكبر سلات الخام الثقيل، غير أن هذه البدائل أقل تنافسية من حيث التكلفة مقارنة بالإمدادات المكسيكية والكندية، وفي حالة تطبيق رسوم بنسبة 10%، لن يكون التأثير كارثيًا، لكنه سيترك بصمته على الأسعار الإقليمية، وفق ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
هل تغير الرسوم الأميركية مسار النفط الكندي؟
على الجانب الآخر، تواجه صادرات النفط الكندي اختبارًا جديدًا مع احتمالية فرض الولايات المتحدة رسومًا جمركية بنسبة 10%، فرغم اعتماد المصافي الأميركية على الخام الكندي؛ فإن هذه الرسوم قد تدفع كندا للبحث عن وجهات جديدة، ويُنظر إلى خط أنابيب "ترانس ماونتن" وتوسعته، منفذًا قد يمنح النفط الكندي فرصة أكبر للوصول إلى أسواق المحيط الهادئ، ما قد يؤدي إلى زيادة تدفقات الخام باتجاه آسيا وتقليص الصادرات إلى الساحل الغربي الأميركي.
ورغم أن إعادة تصدير النفط الكندي عبر الولايات المتحدة لن تخضع لهذه الرسوم؛ فإن وود ماكنزي لا تتوقع أن تكون التعرفات كافية لإحداث تحول جذري في مسار تدفقات الخام الكندي بعيدًا عن ساحل الخليج الأميركي نحو الأسواق الآسيوية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صوت لبنان
منذ 2 أيام
- صوت لبنان
بعد تعثر المفاوضات.. ترامب يوصي بفرض رسوم جمركية بنسبة 50% على الاتحاد الأوروبي
الشرق أوصى الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الجمعة، بفرض رسوم جمركية بنسبة 50% على البضائع المستوردة من الاتحاد الأوروبي، مشيراً إلى عدم إحراز تقدم في المفاوضات التجارية الجارية بين الجانبين. وكتب ترمب في منشور على منصة "تروث سوشيال"، الجمعة: "أوصي بفرض تعرفة جمركية مباشرة بنسبة 50% على الاتحاد الأوروبي، اعتباراً من مطلع يونيو المقبل. ولن تُفرض أي تعريفة على المنتجات المصنوعة داخل الولايات المتحدة". وأضاف الرئيس الأميركي أن "التعامل مع الاتحاد الأوروبي صعب للغاية"، متابعاً: "الاتحاد الأوروبي، الذي شُكِّل أساساً لاستغلال الولايات المتحدة تجارياً، كان التعامل معه صعباً للغاية. حواجزه التجارية الجبارة، وضرائب القيمة المضافة، وعقوباته الباهظة على الشركات، وحواجزه التجارية غير النقدية، وتلاعباته النقدية، ودعاواه القضائية غير العادلة وغير المبررة ضد الشركات الأميركية، وغيرها، أدّت إلى عجز تجاري مع الولايات المتحدة". ورفض أولوف جيل، المتحدث باسم المفوضية الأوروبية، التعليق لشبكة CNN، قائلاً إنه ينتظر حتى انتهاء مكالمة هاتفية بين ماروش شيفتشوفيتش، المفوض الأوروبي للتجارة، والممثل التجاري الأمريكي جيميسون جرير. ولم يحدد جيل موعد إجراء المكالمة. تأثيرات فوريةوانخفضت مؤشرات أسواق الأسهم الأوروبية الرئيسية الثلاثة، بشكل حاد بعد منشور ترمب، إذ انخفض مؤشر داكس الألماني ومؤشر كاك الفرنسي بنسبة 2.6% و2.8% على التوالي خلال اليوم. وانخفض مؤشر فوتسي في لندن بنسبة 1.3%. كما تراجعت العقود الآجلة للأسهم الأمريكية، حيث انخفضت العقود الآجلة المرتبطة بمؤشر داو جونز بأكثر من 600 نقطة، أي بنسبة 1.7%. وجاء هذا الإعلان في وقت هدد فيه ترمب بفرض رسوم جمركية بنسبة 25% على الأقل على شركة أبل إذا لم تبدأ الشركة بتصنيع هواتف آيفون في الولايات المتحدة. وانخفضت العقود الآجلة للأسهم الأمبركية فور نشر المنشورات، التي أظهرت أن الرئيس الجمهوري يُهدد مجدداً بفرض ضرائب استيراد ضخمة، فيما تراجعت أسواق الأسهم الأوروبية بنسبة 2%. ومن المتوقع أن يبلغ جرير مفوض التجارة الأوروبي ماروس سيفكوفيتش، في اجتماع بأن "أحدث تحركات بروكسل في محادثات التجارة الجارية لا ترقى إلى مستوى التوقعات الأميركية"، حسبما ذكرت صحيفة "فاينانشيال تايمز". ويضغط مفاوضو الرئيس الأميركي دونالد ترمب التجاريون، على الاتحاد الأوروبي لخفض الرسوم الجمركية من جانب واحد على السلع الأميركية، قائلين إنه "من دون تنازلات لن يحرز التكل تقدماً في المحادثات التجارية لتجنب رسوم مضادة إضافية بنسبة 20%". وذكرت الصحيفة البريطانية، أن الولايات المتحدة تشعر بعدم الرّضا، لأن الاتحاد الأوروبي عرض فقط تخفيضات جمركية متبادلة، بدلاً من التعهد بخفض الرسوم الجمركية من طرف واحد، كما اقترح بعض الشركاء التجاريين الآخرين على واشنطن. كما أن الاتحاد الأوروبي لم يدرج الضريبة الرقمية المقترحة ضمن نقاط التفاوض، كما طالبت واشنطن. ولم يتم التوصل إلى اتفاق بعد، في ظل حالة من عدم اليقين تسود الأسواق، وتزايد المخاوف بشأن توقعات النمو الاقتصادي للاتحاد الأوروبي، ومخاطر التضخم والركود المحتملة في أكبر اقتصاد في العالم. لا تقدم في المحادثاتوألقت التطورات التجارية التي تؤثر على الحليفين التاريخيين بظلالها على جهود الاتحاد الأوروبي لإصلاح سياساته المالية وتحفيز الإنفاق الدفاعي في إطار "خطة إعادة تسليح أوروبا" التي وضعها الاتحاد. وفرضت الولايات المتحدة رسوماً جمركية بنسبة 25% على السيارات والصلب والألومنيوم من الاتحاد الأوروبي في مارس الماضي، و20% على سلع أخرى من الاتحاد في أبريل. وخفضت بعد ذلك الرسوم البالغة 20% إلى النصف حتى الثامن من يوليو المقبل، لإتاحة الوقت للمحادثات. وأبقت على نسبة 25% على الصلب والألومنيوم وقطع غيار السيارات، ووعدت باتخاذ إجراءات مماثلة على الأدوية وأشباه الموصلات وغيرها من السلع. وبدأ الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تبادل وثائق التفاوض، لكنهما لم يُحرزا تقدماً يُذكر على الصعيد الجوهري منذ أن أعلن ترمب عن فترة تفاوض مدتها 90 يوماً. وقال مسؤول ثالث مُطلع على تفاصيل المحادثات، إن المسؤولين الأوروبيين "غير متفائلين بشأن إمكانية التوصل إلى أي اتفاق يتجنب الرسوم الأميركية على الواردات الأوروبية". وأضاف: "تبادل الرسائل ليس تقدماً حقيقياً".


سيدر نيوز
منذ 3 أيام
- سيدر نيوز
انتعاشة قياسية لبيتكوين تتجاوز 111 ألف دولار وسط دعم ترمب وموجة تفاؤل في أسواق العملات المشفرة
وسجلت عملة 'بتكوين' قفزة تاريخية جديدة، متجاوزة للمرة الأولى حاجز 111 ألف دولار، وسط موجة من التفاؤل المتصاعد بين المستثمرين حيال مستقبل العملات المشفرة، في ظل تنامي الطلب المؤسسي، والدعم العلني من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب. وتزامن هذا الارتفاع مع إقامة الرئيس ترمب مأدبة عشاء خاصة في نادي الغولف المملوك له قرب العاصمة واشنطن، جمع خلالها كبار مالكي عملته الرقمية الرمزية '$Trump'. وعبر ترمب عن موقفه من العملات الرقمية عبر منشور على منصة 'تروث سوشيال'، قال فيه مساء الخميس، 'الولايات المتحدة تتصدر مجال العملات المشفرة وبتكوين، وسنواصل السير في هذا الاتجاه!'. ويعزز هذا التفاؤل التقدم الذي أحرزه مشروع قانون لتنظيم العملات المستقرة في مجلس الشيوخ الأمريكي، مما رفع الآمال بإقرار إطار تنظيمي أوضح لشركات الأصول المشفرة، في ظل إدارة ترمب، الذي أعلن تأييده العلني لهذا القطاع. كما ساهم الطلب المتزايد من شركة 'ستراتيجي'، التابعة لرجل الأعمال مايكل سايلور، والتي جمعت ما يفوق 60 مليار دولار من عملة 'بتكوين'، إلى جانب مستثمرين كبار آخرين يحتفظون بكميات ضخمة من العملات المشفرة، في دفع الأسعار إلى هذا المستوى القياسي. ما سعر عملة بيتكوين بالدولار اليوم؟ شهد سعر بيتكوين خلال تعاملات اليوم الجمعة 23 مايو/ أيار 2025 هبوطا طفيفا بنسبة 0.53% مع وصولها لسعر قياسي 111.162 ألف دولار، وذلك عند الساعة الـ 9 صباحا بتوقيت أبوظبي. وصعدت القيمة السوقية للعملة المشفرة الأكثر شهرة في العالم عند مستوى 2.21 تريليون دولار. وهبط حجم التداولات على بيتكوين إلى 66.85 مليار دولار خلال الساعات الـ24 الأخيرة. وعلى مدار الأيام الـ7 الأخيرة، أضافت عملة بيتكوين نحو 6.84% إلى قيمتها. ما أسعار العملات المشفرة اليوم بالدولار؟ صعد سعر عملة إيثيريوم Ethereum ETH بنسبة 3.27% اليوم إلى 2.715 دولار. وارتفع سعر عملة بينانس كوين Binance coin BNB بنسبة 0.51% عند 688 دولارا. وزاد سعر عملة كاردانو Cardano بنسبة 5.40% ليبلغ 0.8311 دولار. وصعد سعر عملة ريبل XRP بنسبة 2.13% ليسجل 2.4691 دولار. وارتفع سعر عملة دوغكوين DOGE بنسبة 3.94% ليصل إلى 0.250630 دولار 🛈 تنويه: موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً أو مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.


الشرق الجزائرية
منذ 4 أيام
- الشرق الجزائرية
سوريا في دور لبنان 'التقليدي': فرصة أم ضربة؟
«اساس ميديا» انطلقت مشاريع البنية التحتية في سوريا أسرع من المتوقع بعقود بمليارات الدولارات خلال أشهر قليلة، من دون استعراضات إعلامية أو مؤتمرات للمانحين. وبات الحديث منطقياً عن دور اقتصادي إقليمي، أو حتّى دولي، يمكن لسوريا أن تلعبه كصلة وصل بين أوروبا وآسيا، على نحو الدور الذي كان للبنان، في الواقع أو في الطموح. يمكن الحديث خصوصاً عن سلسلة من الإعلانات المتسارعة في دمشق، فيما لبنان يبحث في الزواريب عن منفذٍ للوصول إلى الطريق السريع: إسناد تطوير ميناء اللاذقية وتشغيله لشركة CMA-CGM الفرنسية، مع تعهّد منها بضخّ استثمارات بـ 230 مليون يورو على مدى خمس سنوات، ليوازي مرفأ بيروت في السعة والعمق والقدرة على استقبال السفن الكبيرة. توقيع مذكّرة تفاهم مع 'موانئ دبي' الإماراتية لتطوير ميناء طرطوس، والتعاون في إنشاء مناطق صناعية وحرّة (يشار إلى أنّ دمشق ألغت في كانون الثاني عقد تشغيل الميناء مع شركة 'إس تي جي إنجينيرينغ' الروسيّة الموقّع عام 2019). زخم قويّ إطلاق المراحل الأوّليّة لمشروع الألياف الضوئية مع ربط شبكة الكوابل البحرية الآتية من أوروبا بشبكتَي الاتّصالات في العراق والأردن، بما يؤهّل سوريا لتكون حلقة وصل لشبكات الإنترنت العالي السرعة بين الخليج وأوروبا في مسار آخر غير الكوابل الممتدّة عبر البحر الأحمر. الكثير من الاتّفاقات في قطاع الطاقة، من ضمنها مشروع أنبوب الغاز بين حلب وتركيا لتزويد محطّات الكهرباء، والربط الكهربائي مع تركيا والأردن، واستيراد الغاز المسال القطريّ عبر الأردن، واستقدام سفينتين لتوليد الكهرباء من تركيا وقطر (إحداهما من شركة 'كارادينيز' التي كانت متعاقدة مع لبنان سابقاً)، بالإضافة إلى بعض مشاريع الطاقة المتجدّدة. يجري الحديث عن مشاريع لإقامة مناطق تجارية وصناعية حرّة في منطقة التنف والبوكمال، ومشاريع لشبكة قطارات لإعادة الربط بين حلب ودمشق ثمّ إلى الحدود الأردنيّة. يبدو زخم المشاريع أقوى بكثير ممّا هو الحال في لبنان اليوم، بل ربّما يذكّر بشيء من الزخم الذي أتى به الرئيس الشهيد رفيق الحريري إلى لبنان في التسعينيات. من المبكر تقويم مدى هذا الزخم وحجم الاستثمارات التي ستُضخّ عندما يكتمل رفع العقوبات الأميركية، كما وعد الرئيس دونالد ترمب، لكنّ المسار الاقتصادي السوريّ يعدّ أهمّ تطوّر يطرأ في جوار لبنان منذ 62 عاماً، أي منذ أن حوّل حزب البعث سوريا إلى دولة اشتراكية ذات اقتصاد مغلق. كانت سوريا الاشتراكية عقبة وفرصة للبنان في آن معاً. فمن جهة، مثّل لبنان الرئة الماليّة والمصرفية واللوجستية لقطاع الأعمال السوري، بوجهٍ رسمي أو في الظلّ. لكنّه أبقى لبنان جزيرة معزولة محاطة بدكتاتورية مغلقة من جهة، وعدوّ إسرائيلي من جهة أخرى، مع كلّ ما يعنيه ذلك من ضيق السوق وصعوبة التوسّع في التبادل التجاري والاستثمار العابر للحدود. وكان ذلك من أسباب تعطّل مشاريع كثيرة للتكامل الاقتصادي الإقليمي مع لبنان، مثل مصفاتَي الزهراني ودير عمار اللتين كانتا تستقبلان النفط من السعودية والعراق. سوريا صلة وصل اليوم، مع انتهاء الحرب وسقوط الاشتراكية في سوريا، يظهر توجّه واضح لدى الحكم الجديد لتوظيف الموقع الجغرافي الاستثنائي للبلاد ليكون صلة الوصل بين الخليج وتركيا وأوروبا، في مجالات النقل واللوجستيات والطاقة والاتّصالات. وإن كان هذا يذكّر بشيءٍ فإنّما يذكّر بمشروع 'الممرّ الهندي الأوروبي عبر الشرق الأوسط' (IMEC)، وهو المبادرة الاقتصادية والجيوستراتيجية التي طرحها الرئيس الأميركي السابق جو بايدن في قمّة مجموعة العشرين في الهند في أيلول 2023، بهدف ربط آسيا بأوروبا عبر دول الخليج وإسرائيل من خلال شبكة من السكك الحديدية والموانئ والبنى التحتية الرقميّة والطاقة. حينذاك، كانت سوريا خارج الخرائط والمشاريع الاقتصادية الإقليمية، خلافاً لما تطمح إليه اليوم، ولما بدأت تعمل في اتّجاهه في السرّ والعلن. فعلى الرغم من أنّ هذا المسار لا يمرّ عبر الأراضي السورية حتّى الآن، فإنّ دمشق ستحاول بالتأكيد تقديم نفسها بديلاً من بعض المسارات الأكثر حساسيّة سياسيّاً، مستفيدة من التوازنات المستجدّة. لا بد أن توضع الاتّفاقات المعلنة أو التي يجري التحضير لها في هذا الإطار. ومن مؤشرات ذلك غير الخفية أن وزارة الاتصالات السورية أعدّت رسماً توضيحياً لشبكة البنية التحتية للإنترنت والاتصالات أرسلته إلى الشركات، وفيه سبع محطات أساسية لنقل البيانات داخل سوريا، وأسهماً تشير إلى الوصل مع العراق والأردن وتركيا وأوروبا، لكن ليس ثمة سهم يشير إلى لبنان(؟) لا شكّ أنّ الجهات التي تستند إلى العقود تشير إلى مواءمة دقيقة للتموضع الاستراتيجي الجديد لسوريا دوليّاً وإقليميّاً، فميناء اللاذقية فازت به شركة CMA-CGM الفرنسية التي يرأسها رودولف سعادة، ذو الأصول اللبنانية، والصديق القريب إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وثمّة إشارة لافتة تتمثّل في وجود مساهمة تركيّة ضخمة في الشركة الفرنسية، من خلال مجموعة يلدريم العملاقة التي تملك 24% من الأسهم، وإشارة أخرى لا تخفى في إسناد ميناء طرطوس إلى شركة إماراتيّة. في معلومات خاصّة، تواصلت سوريا مع شركات اتّصالات خليجية وأميركية لطلب إبداء الاهتمام بشأن مشروع البنية التحتيّة للاتّصالات. ستتّضح الصورة أكثر مع مشاريع الربط الكهربائي وأنابيب الغاز، التي يمكن أن تربط سوق الكهرباء الخليجية بأوروبا، وهذا ما يمكن أن يكتسب أهميّة استراتيجية في ظلّ سعي أوروبا إلى استيراد الطاقة الكهربائية 'النظيفة' المولّدة من الطاقة المتجدّدة المتوافرة بتكلفة منخفضة في دول الخليج. لبنان لم يخرج من أزماته.. للبنان فرص كبيرة للاستفادة من الوضع المستجدّ. فالدول المتجاورة تأتي لبعضها بازدهار متجاور. وعلى سبيل المثال لا الحصر، للبنان فرص كبيرة في حال ربط شبكة الأنابيب الممتدّة بالفعل من حمص إلى دير عمار شمال لبنان، بالشبكة السورية المرتبطة بالأردن ومصر، أو تلك التي سترتبط بتركيا، ومن ورائها أوروبا. إذ إنّها ستخفض كثيراً من تكلفة إنتاج الكهرباء في لبنان. وهناك فرصة كبيرة لانتعاش مرفأ بيروت، حتّى مع انتعاش اللاذقية وطرطوس. وعلى سبيل المقاربة لا المقارنة، في الإمارات وحدها ثلاثة مرافئ عالميّة في جبل علي وأبوظبي وخورفكان، وكلّ منها يعزّز موقع الآخر. ليست مشكلة لبنان في أنّ سوريا خرجت من القفص الاشتراكي، بل في أنّ لبنان لم يخرج من أزماته، ولم يعد قادراً على المواكبة. القرار الاستثماري في سوريا يُتّخذ اليوم بسرعة، فيما بيروت لا تزال منشغلة بالتوزيع الطائفي لبلديّة بيروت وصلاحيّات المحافظ وكيفيّة مفاتحة 'الحزب' بضرورة نزع سلاحه. ومثلما ضاعت فرصة رفيق الحريري قبل عقدين، يُخشى أن يضيع لبنان اليوم الفرصة مجدّداً.