
الصين توسع مسارا للطيران وتايوان تندد بمحاولة تغيير الوضع القائم
ويأتي افتتاح توسعة المسار، التي يطلق عليها دبليو121، قبل أيام من مناورات "هان كوانغ" السنوية التي تجريها تايوان لمحاكاة حصار وغزو صيني للجزيرة.
وقالت هيئة الطيران المدني الصينية إن الطيران المدني سيستخدم من الآن فصاعدا خط الاتصال دبليو121 بالمسار إم 503، وأضافت أن الهدف من ذلك زيادة تحسين المجال الجوي والكفاءة التشغيلية.
من جهته، قال مكتب شؤون تايوان في الصين إن الإجراء يهدف لضمان سلامة الرحلات الجوية، والحد من تأخير الرحلات، وحماية حقوق الركاب ومصالحهم، معتبرا أنه مفيد على جانبي المضيق.
ورفضت تايبيه هذا التفسير واعتبرته غير مبرر، مشيرة إلى أن عدد المسافرين الدوليين جوا بالبر الرئيسي (الصين) لم يتعاف بعد إلى مستويات ما قبل جائحة كوفيد-19.
إجراءات أحادية
وذكر مجلس شؤون البر الرئيسي في تايوان (المعني باتخاذ السياسات المتعلقة بالصين) أن بكين استخدمت إجراءات أحادية الجانب لتغيير الوضع القائم وزيادة الاضطرابات عبر المضيق والاضطرابات الإقليمية.
والتوسعة التي أعلن عنها اليوم هي الثالثة بعد افتتاح التوسعتين دبليو122 ودبليو123، الواقعتين إلى الجنوب من الامتداد الجديد، العام الماضي.
والعام الماضي، حركت الصين مسار إم 503 ليصبح أقرب من الخط الأوسط، مما أثار رد فعل غاضبا مماثلا من تايبيه التي تقول إن أي تغييرات في مسارات الرحلات الجوية وامتداداتها يجب الإبلاغ عنها مسبقا والاتفاق عليها بين الجانبين.
وعلى مدار سنوات، ظل الخط الأوسط الفاصل يعمل كحاجز غير رسمي بين تايوان والصين التي تعتبر الجزيرة جزءا من أراضيها.
لكن بكين تقول إنها لا تعترف بوجود هذا الخط، وتحلق الطائرات الحربية الصينية الآن فوقه بشكل متكرر. ويأتي ذلك وسط ضغوط عسكرية متصاعدة من جانب الصين على تايوان، وذلك في ظل مخاوف من أن تقدم على اجتياح الجزيرة.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 2 ساعات
- الجزيرة
قانون الأوقاف لعام 2025 تشريع أثار مخاوف المسلمين في الهند
تشريع أصدرته الحكومة الهندية عام 2025، تضمن تعديلات جوهرية في البنية القانونية والإدارية التي تحكم نظام الوقف الإسلامي، وهو ما أثار جدلا واسعا في الأوساط القانونية والأكاديمية والمجتمع الإسلامي، رغم زعم الحكومة أن هدف التعديلات تعزيز الشفافية وزيادة كفاءة إدارة الوقف. وعبّر العديد من القيادات الدينية وأعضاء المجتمع المدني وأحزاب المعارضة الهندية عن قلقهم من انتهاك القانون حقوق المسلمين الدينية التي يكفلها الدستور الوطني، لتعارضه الصريح مع مبادئ المساواة وروح التعددية التي تحمي حقوق الأقليات في إدارة شؤونها ومؤسساتها الدينية. ويرى المعارضون أن القانون يهدف إلى تقويض استقلالية الأوقاف وتهميش المسلمين في الهند، وبسط سيطرة الدولة على ممتلكاتهم الوقفية، بسبب ما تضمنه القانون من أحكام مثيرة للجدل، أبرزها فرض مشاركة أفراد غير مسلمين في هيئات إدارة الأوقاف، وإلغاء العمل بنظام "الوقف بالاستخدام". وقد فتح قرار إلغاء "الوقف بالاستخدام" الباب على مصراعيه أمام احتمالات الاستيلاء على ممتلكات الأوقاف، مما يثير القلق بشأن مصير العديد من المساجد والمقابر وغيرها من عقارات الوقف وأراضيه غير المسجلة رسميا، والتي تعود ملكيتها لمئات السنين، حيث باتت مهددة بالهدم أو المصادرة، رغم ما تحمله من قيمة تاريخية للمسلمين. وحذر المعنيون من أن القانون يُضعف المشاركة المجتمعية في إدارة الأوقاف، وهو ما تترتب عليه آثار اجتماعية وقانونية تضرّ بالطائفة المسلمة التي تعتمد اعتمادا كبيرا على مؤسسات الوقف في توفير خدمات حيوية مثل التعليم وإقامة الشعائر الدينية وتوفير أماكن الدفن والرعاية الاجتماعية وتقديم المساعدات الإنسانية للفقراء والمحتاجين. خلفية تاريخية نشأ نظام الوقف الإسلامي في الهند مع مطلع القرن 13 الميلادي، حين خصص السلطان معز الدين محمد بن سام الغوري أراضي واسعة لبناء مسجد جامع في ملتان. ومع ازدهار سلطنة دلهي لاحقا، ثم الدول الإسلامية الأخرى في الهند، ازدهرت ممتلكات الوقف في البلاد وزاد عددها. وكان المسلمون يديرون أملاك الوقف وفق التعاليم الإسلامية، ويُكرّسون ريعها لخدمة المجتمع المسلم عبر بناء وصيانة المدارس والمساجد والمؤسسات التعليمية والمقابر والمراكز الصحية وغيرها من الأعمال الخيرية. وقد أبقت السلطات البريطانية في الحقبة الاستعمارية على الممارسات الوقفية السائدة، وفي عام 1913 أصدرت حكومة الهند البريطانية أول قانون لتنظيم الأوقاف الإسلامية، عُرف باسم قانون توثيق الوقف الإسلامي، وقد أُجريت عليه تعديلات لاحقة في عامي 1923 و1930، بهدف تعزيز الشفافية والمساءلة في إدارة الأوقاف. وبعد انفصال الهند وباكستان عام 1947، أُعيد النظر في شؤون الأوقاف الإسلامية، وعدلت الحكومة الهندية عام 1954 قانون الأوقاف، وأنشأت لأول مرة مجالس أوقاف حكومية في مختلف الولايات، أوكلت إليها مهمة الإشراف على ممتلكات الأوقاف ضمن نطاق كل ولاية. وصُنف الوقف الإسلامي حينها وفق الغرض من استخدامه، مثل: أوقاف المقابر وابن السبيل، وأوقاف نهاية الخدمة للموظفين، وأوقاف القضاة والأئمة والخطباء، وأوقاف ذوي القربى، وغيرها من الأوقاف الخيرية والدينية. وفي عام 1964 أسست الحكومة مجلس الأوقاف المركزي الذي بات يشرف على عمل الأوقاف في عموم البلاد بالتنسيق مع مجالس الأوقاف الحكومية في الولايات، وأُجريت تعديلات طفيفة على القانون في السنوات 1959 و1969 و1984. وكان قانون الوقف لسنة 1995 من أبرز القوانين ذات الصلة، إذ نص على إنشاء محاكم الأوقاف التي تتمتع بصلاحيات مماثلة للمحاكم المدنية، وتُصدر قرارات نهائية ولا يجوز الطعن فيها أمام المحاكم المدنية. وحدد هذا القانون صلاحيات الهيئات الإدارية الرئيسية للأوقاف ووظائفها، وهي: مجلس الأوقاف المركزي: ومهمته تقديم المشورة للحكومة ومجالس الأوقاف بشأن السياسات المتعلقة بالأوقاف، وإن كان لا يتحكم بشكل مباشر في ممتلكات الأوقاف. مجالس الأوقاف الحكومية: ووظيفتها إدارة ممتلكات الأوقاف في كل ولاية وحمايتها. محاكم الوقف: وهي هيئات قضائية، تختص بالفصل في النزاعات المتعلقة بملكية الوقف وإدارته. وفي عام 2013 أُجريت تعديلات إضافية على القانون، كان أبرزها: تشكيل المحاكم الوقفية من 3 أعضاء، على أن يكون من بينهم خبير في القانون الإسلامي. اشتراط وجود امرأتين ضمن عضوية كل مجلس وقف. تمديد الحد الأقصى لإيجار العقارات الوقفية من 3 سنوات إلى 30 سنة. وتضم الهند أكبر عدد من الممتلكات الوقفية في العالم، وتشكل مجالس الأوقاف أكبر مالك للأراضي الحضرية في الهند، والثالثة من حيث الحجم بعد كل من الجيش ومؤسسة السكك الحديد. ووفق بيان مكتب معلومات الصحافة الحكومي الصادر في سبتمبر/أيلول 2024، تضم الأوقاف الإسلامية أكثر من 872 ألف عقار، بمساحة إجمالية تزيد على 400 ألف هكتار، وتقدر قيمتها بنحو 14.2 مليار دولار. وتشمل العقارات مساجد ومدارس دينية وأضرحة وعقارات أخرى وأراضي شاسعة، تديرها مجالس الأوقاف الموزعة على 30 ولاية وإقليما اتحاديا. قانون الأوقاف لعام 2025 في أغسطس/آب 2024، قدّم حزب بهاراتيا جاناتا، الحزب القومي الهندوسي الحاكم، مشروع تعديل قانون الأوقاف الإسلامية، وفي مطلع أبريل/نيسان 2025 أُقرّ المشروع مجلس النواب ثم مجلس الشيوخ، قبل أن تصادق عليه رئيسة الهند، دروبادي مورمو. وأعلنت وزارة شؤون الأقليات أن الأهداف من التعديلات التي أقرها القانون هي: إعلان معالجة القصور في قانون عام 1995. تعديل قانون عام 2013. تعزيز الشفافية وحماية أصول الأوقاف بمنع التعدي أو إساءة الاستخدام. تسهيل إدارة ممتلكات الوقف، عن طريق تحديث الإدارة، والحد من النزاعات القانونية وتحسين الكفاءة. وقد لاقى القانون معارضة واسعة في البلاد، قادها حقوقيون وأكاديميون وأحزاب من المعارضة. واعتبر معارضو القانون أنه مخالف للدستور، ويشكل هجوما على الأقلية المسلمة التي يبلغ تعدادها 200 مليون نسمة. وعبر المؤتمر الوطني، أبرز أحزاب المعارضة، عن رفضه للقانون، معتبرا إياه غير دستوري وينطوي على طابع تمييزي ضد المسلمين. وحذّرت جماعات مسلمة، مثل "مجلس قانون الأحوال الشخصية لعموم الهند"، من أن القانون يشكّل تدخلا في الشؤون الدينية وانتهاكا صريحا للحقوق الدستورية، ونبّهت على خطورة استخدام القانون أداة لمصادرة أراضي المسلمين تحت ذرائع إدارية أو قانونية، وأدان "مجلس اتحاد المسلمين لعموم الهند" التشريع ووصفه بأنه غير دستوري، وقدّم التماسا للطعن فيه أمام المحكمة العليا. وقد أثار مشروع القانون منذ طرحه موجة من السخط في أوساط المسلمين الذين نظموا احتجاجات واسعة في مختلف أنحاء البلاد بهدف منع إقراره، وفي 24 مارس/آذار 2025 أطلقوا حملة وطنية رافضة للمشروع. وفي أعقاب إقرار القانون اندلعت مظاهرات واسعة النطاق، لا سيما في المناطق ذات الأغلبية المسلمة بولاية البنغال الغربية شرقي البلاد، وأسفرت عن وقوع قتلى وتوقيف أكثر من 100 شخص. وفي أواخر يونيو/حزيران احتشد مئات الآلاف من المسلمين في ساحة "غاندي ميدان" بمدينة باتنا، احتجاجا على القانون الذي اعتبره المتظاهرون غطاء قانونيا لنهب الأوقاف الإسلامية وهدم المساجد والمقابر والمدارس الدينية. أحكام مثيرة للجدل قانون الأوقاف لعام 2025 نسخة معدّلة من قانون عام 1995، وقد تضمّن أكثر من 40 تعديلا، شملت ضوابط تنظيمية أكثر صرامة على تأجير ممتلكات الوقف أو نقلها أو التصرف فيها. ويفرض القانون تحويل وثائق الوقف إلى نسخ رقمية، واعتماد نظام تسجيل مركزي بدلا من النظام الذي كان يقتصر على مستوى الولايات، كما فرض إنشاء نظام وطني موحّد لإدارة ممتلكات الوقف، وحدد أعضاء المحكمة الوقفية بعضوين، مع إمكانية الاستئناف على قراراتها أمام المحكمة العليا في أجل لا يتعدى 90 يوما. وقد أُعيدت تسمية القانون ليحمل اسم "قانون الإدارة الموحدة وتعزيز كفاءة الوقف وتطويره"، وشمل مجموعة من الأحكام المثيرة للجدل، أبرزها: إعادة تعريف "الوقف" بأنه العقار الذي يمتلكه شخص يمارس الإسلام لمدة لا تقل عن 5 سنوات، مع إثبات ملكيته للعقار. اشتراط ضم مجلس الأوقاف المركزي عضوين غير مسلمين، وأن يضم على الأقل امرأتين مسلمتين، مع عدم الإلزام بأن يكون أعضاء المجلس المعينين من النواب السابقين أو القضاة أو الشخصيات البارزة مسلمين. إلزام مجالس الولايات بترشيح أعضاء من خلفيات متنوعة، تشمل غير المسلمين، مع ضمان تمثيل الشيعة والسنة، والطبقات المسلمة الأقل حظا، بما في ذلك امرأتان مسلمتان على الأقل. نزع سلطة تحديد وضع الممتلكات المتنازع عليها والفصل في النزاعات من مجالس الأوقاف ونقلها إلى محصلي الأوقاف في المقاطعات. إنشاء مجالس أوقاف منفصلة لطوائف إسلامية محددة، مثل البهرة والأغاخانية، وإدارة ممتلكاتهم الوقفية بشكل مستقل. تشديد شروط تسجيل الوقف وتوثيقه بحيث لا يكفي الاعتماد على الوقف الشفهي، بل يجب أن يكون مصحوبا بصك وقف سار ووثائق ملكية داعمة. الانتهاكات الدستورية أثار قانون الأوقاف الهندي لعام 2025 جدلا واسعا في الأوساط القانونية والأكاديمية والطائفة المسلمة في البلاد، وذلك بسبب التعديلات التي لها أثر بالغ في تقويض مبادئ الدستور الوطني وحرمان المسلمين من حقوق أساسية يكفلها القانون. ويسمح الدستور الهندي بموجب المادة 26 لكل طائفة دينية بإدارة شؤونها الدينية الخاصة، وهو عنصر مهم في الإطار العلماني والتعددي للدولة، ويحافظ الدستور كذلك على حقوق الأقليات بمقتضى المادتين 29 و30 اللتين تنصان على حماية الهويات الثقافية والتعليمية والدينية للأقليات. وبموجب الدستور، يحق لأي فئة من المواطنين على الأراضي الهندية تتمتع بلغة أو دين أو ثقافة مميزة الحفاظ عليها، ويدخل نظام الوقف في هذا الإطار، إذ يمثل أهمية جوهرية للمسلمين من الناحيتين الدينية والثقافية. وتتمثل الانتهاكات التي ينطوي عليها هذا القانون في جوانب عدة، من أبرزها: يعد اشتراط إشراك أعضاء غير مسلمين في تشكيل مجالس الأوقاف تدخلا مباشرا في الشؤون الداخلية لأقلية دينية، وتهديدا للطابع الحقيقي للوقف، إذ يحوله إلى كيان حكومي يضطلع غير المسلمين بدور رئيسي في إدارته، وذلك يمنع من إدارته وفق التعاليم الإسلامية ويقوض استقلاليته. كما يُشكّل هذا البند انتهاكا لمبدأ المساواة الذي يكفله الدستور الهندي، إذ لم يُفرض على أي من مجالس الطوائف الأخرى في البلاد، سوى المسلمين، إشراك أفراد من خارج ديانتها في إدارة مؤسساتها الدينية. يعزز القانون من سيطرة الحكومة المركزية على ممتلكات الأوقاف الإسلامية التي كانت تُديرها سابقا مجالس الأوقاف على مستوى الولايات، ويُخشى أن يؤدي هذا التحوّل إلى التأثير على طبيعة إدارة الأوقاف، وربما إلى تحويلها عن الأغراض الدينية والاجتماعية التي أُنشئت من أجلها. وسع القانون صلاحيات محاكم الأوقاف، وهي مؤسسات خاضعة لسيطرة السلطة التنفيذية، وجعل قراراتها نهائية مع نطاق محدود للمراجعة القضائية، وتعد هذه المحدودية في الرقابة القضائية مساسا بحق المجتمع المسلم في الوصول إلى العدالة، لا سيما في حالات التعدي على الممتلكات أو سوء إدارة الأوقاف. ولا يعتبر المعارضون هذه التعديلات مجرد إجراء إداري محايد، لأنه يضعف بشكل مباشر قدرة المجتمع المسلم على حماية أراضيه أثناء النزاعات والتعديات والهجمات السياسية الممنهجة. ويؤكد خبراء قانونيون هذه المخاوف، مشيرين إلى أن التعديلات تستهدف تقويض الإطار القانوني والدستوري الذي نظّم تاريخيا شؤون الأوقاف في الهند. يشترط القانون مرور 5 سنوات على اعتناق الشخص الإسلام قبل السماح له بإنشاء وقف، وهو ما يُعد شرطا تعسفيا وتمييزيا، وينتهك مبدأ المساواة في الدستور الهندي، إذ لم يُفرض شرط مماثل على أتباع أي طائفة دينية أخرى. ويمنع القانون كذلك غير المسلمين من إنشاء أوقاف إسلامية، رغم أن التشريعات السابقة كانت تتيح لهم ذلك في إطار دعم الأقليات. يلغي القانون مبدأ "الوقف بالاستخدام"، وهو بند أساسي في قانون الوقف لعام 1954، كان يُقرّ باعتبار العقارات التي استُخدمت تاريخيا لأغراض دينية أو خيرية أوقافا، حتى عند عدم تسجيلها رسميا، وقد مكّن هذا المبدأ من حماية مساجد ومقابر ومدارس قديمة يعود استخدامها لمئات السنين. وبإلغاء هذا البند، يُفتح الباب على مصراعيه أمام الاستيلاء على ممتلكات الوقف، خصوصا في القرى والمناطق التي تفتقر إلى وثائق ملكية رسمية، وهو ما يُعرّض العديد من الأوقاف، حتى ذات الأهمية التاريخية، لخطر المصادرة أو الهدم، بما يؤثر بشكل مباشر على الممارسة الدينية والاستمرارية الثقافية للمجتمعات الإسلامية. يحدّ القانون -بنصه على مركزية إدارة الأوقاف في ظل حكومات الولايات والحكومات المركزية- من إمكانات الحوكمة المجتمعية، ويقلل من مشاركة المجتمع المسلم المحلي والمنظمات المجتمعية في كيفية إنفاق دخل الأوقاف، وتتصرف به الدولة من دون تشاور كاف مع المسلمين، وذلك من شأنه أن يتعارض مع النية الأصلية للواقف، وينتهك روح الوقف في الشريعة الإسلامية. وتُستخدم ممتلكات الوقف دينيا وتاريخيا لتمويل التعليم والرعاية الصحية والإسكان والرعاية الاجتماعية للفئات الأضعف اقتصاديا في المجتمع الإسلامي، ومع إمكانية تحويل دخل أراضي الوقف إلى نفقات إدارية أو مشاريع تنموية تقودها الحكومة قد يُقلل ذلك من أثر الرعاية الاجتماعية بين المسلمين المهمشين. أخلّ القانون بالتوازن الفدرالي الذي أرساه الدستور، إذ يوزع الدستور الهندي السلطات التشريعية بين الاتحاد الفدرالي والولايات، وبموجبه تقع ممتلكات الوقف الدينية ضمن الاختصاص التشريعي للولايات. يُلزم القانون مجالس الأوقاف بتسجيل جميع ممتلكاتها لدى سلطات المقاطعات التي باتت تملك صلاحية تقرير ما إذا كانت هذه الممتلكات تُعد أوقافا شرعية أم لا، وذلك ما يقلص من صلاحيات مجالس الأوقاف، ويمنح المسؤولين الحكوميين سلطة التحقيق في أملاك الوقف، واسترداد الأراضي غير الموثقة، أو ما يُزعم أنها أراض حكومية أو "مُعتدى عليها". دخول القانون حيز التنفيذ بعد مصادقة الحكومة على قانون الأوقاف لعام 2025، قدم العديد من الأفراد والمنظمات التماسات إلى المحكمة العليا الهندية للطعن في القرار، بحجة انتهاك أحكام الدستور الهندي والاعتداء على حقوق الأقلية المسلمة. وذكر موقع المحكمة العليا أنها استقبلت عددا قياسيا من الالتماسات، تجاوز 65، وكان من بينها طلبات قدمها سياسيون ومنظمات مدنية ومناصرون، وأعلنت المحكمة في الأول من مايو/أيار 2025 أنها لن تقبل أي التماسات أخرى في هذه الشأن. وأثناء جلسات الاستماع المتعددة، قدم الملتمسون أدلة على أن القانون يخالف مواد دستورية، مؤكدين أن تطبيقه سيؤدي إلى أضرار لا يمكن إصلاحها. ومن جانبها، ردت المحكمة على الاعتراضات، مؤكدة أن إنشاء الوقف ليس جوهريا في الإسلام، بل هو نوع من المؤسسات الخيرية ذات الطابع العلماني، وتخضع لإدارة الدولة بموجب الدستور، واعتبرت أن "الوقف بالاستخدام" كان امتيازا قانونيا وليس حقا ثابتا. وأفادت المحكمة بأن وجود أعضاء غير مسلمين في مجالس الأوقاف يشكل أقلية، واعتبرت هذا الإدماج يُحسّن من أداء الإدارة، لا سيما أن هذه المجالس لا تمارس وظائف دينية، بل تدير شؤونا دنيوية مثل التدقيق والملكية والقضاء. وأكدت المحكمة أن القانون لا يُمثّل تهديدا جسيما يستدعي وقف تنفيذه، مشيرة إلى أنه لم تُسجَّل أي دعاوى قانونية من قبل متضررين بشكل مباشر. وأضافت أن التحديات المرتبطة بالحفاظ على المواقع ذات القيمة التاريخية لم تؤثر على استمرار استخدامها للأغراض الدينية. ورغم تصاعد الاعتراضات، دخل القانون حيز التنفيذ ابتداء من 8 أبريل/نيسان 2025، وأسفر عن هدم عدد من المساجد والمدارس الدينية، خصوصا في المناطق الريفية.


الجزيرة
منذ يوم واحد
- الجزيرة
التجارة البينية للبريكس على خطى الدول النامية
تمثل التجارة البينية واحدة من علامات قوة العلاقات الدولية أو ضعفها، خاصة في جانبها التجاري والاقتصادي، ولذلك وجدنا هذه الحرب الشرسة التي أشعل جذوتها الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع الصين ودول أخرى، بسبب ما تسفر عنها العلاقة التجارية لأميركا مع هذه الدول من عجز يقدر بنحو 1.29 تريليون دولار في عام 2024، وفق أرقام قاعدة بيانات البنك الدولي. وقبل نحو 10 أيام من انعقاد القمة الـ17 ل مجموعة بريكس في البرازيل يومي 6 و7 يوليو/تموز الجاري صرح كيريل ديمترييف الممثل الخاص للرئيس الروسي بأن التجارة البينية لدول البريكس بلغت تريليون دولار. جاء تصريح الرجل على سبيل الفخر، وهو ما يمكن أن يستشف منه أن التجمّع يسير نحو خطى جيدة من التعاون الاقتصادي، لكن عند قراءة الرقم المذكور في ضوء أداء الناتج المحلي الإجمالي والتجارة الخارجية لدول البريكس مع العالم نجد أن الرقم محدود ولا يزيد على معدلات أداء التجمعات الخاصة بالدول النامية. فالتجارة البينية مثلا للدول العربية تتراوح بين 8% و10% منذ عقود، وذلك بسبب تنافس الاقتصاديات العربية، وغياب البيئة التكاملية بينها، وكونها تعتمد في تجارتها مع العالم مع شركاء غير عرب بشكل رئيسي. وتقدّر التجارة البينية لتجمع الآسيان بنحو 25%، وفي الاتحاد الأوروبي تتراوح نسبة التجارة البينية لدوله بين 50% و75%، وهو ما يعني أن درجة التعاون الاقتصادي وكذلك التكامل تصل إلى درجات متوسطة في تجمّع الآسيان، وعالية في الاتحاد الأوروبي. قصور معلوماتي بالاطلاع على الموقع الرسمي لتجمّع البريكس لم نجد قاعدة إحصائية خاصة به يمكن من خلالها معرفة الأداء للمؤشرات الكلية للتجمّع، بخلاف ما هو متاح مثلا في شأن الكيانات الأوروبية، وحتى لم يصل أداء البريكس في إنتاج الإحصاءات بعد إلى مستوى مؤسسات العمل العربي المشترك التي تعتمد إحصائيا على تجميع ما يخص دولها من قواعد البيانات الخاصة بالبنك والصندوق الدوليين أو المؤسسات الدولية الأخرى. إعلان ونقطة الضعف هنا أن تجمّع البريكس مضى على انطلاقه وعمله المنظور أكثر من عقد ونصف من الزمن، ويعد إنتاج بياناته الإحصائية أمرا مهما يساهم بشكل كبير في عمل الدراسات اللازمة، والوصول إلى تقييم حقيقي لأداء التجمّع وقراءة مستقبله بعيدا عن الادعاءات الإعلامية أو التوظيف السياسي لبعض الفعاليات الخاصة به. ضعف التجارة البينية من خلال تجميع قيم التجارة الخارجية لدول البريكس عبر أرقام قاعدة بيانات البنك الدولي نجد أن إجمالي التجارة العالمية للتجمّع بحدود 10.8 تريليونات دولار، وإذا ما قارنا الرقم المذكور على لسان المسؤول الروسي -والذي قدّر قيمة التجارة البينية للبريكس بتريليون دولار- فنحن أمام نسبة لا تزيد على 9.2% من إجمالي التجارة الخارجية للتجمّع. ويرجع ضعف التجارة البينية لدول البريكس إلى كون هذه الدول ترتبط في تجارتها الخارجية بشكل كبير مع أميركا والاتحاد الأوروبي، فتجارة الصين مثلا تشكل مع أميركا والاتحاد الأوروبي نسبة 25% تقريبا من إجمالي تجارتها الخارجية. وينبغي أن نأخذ في الاعتبار الأحداث الجارية منذ عام 2022 فيما يتعلق بتجارة روسيا مع كل من الصين والهند، إذ تم تحويل جزء لا بأس به من تجارتها الخارجية من أميركا والاتحاد الأوروبي إلى الصين والهند، وكانت الصين صاحبة النصيب الأوفر من التعاملات التجارية والاقتصادية مع روسيا. وفي حالة التوصل إلى اتفاق بشأن إنهاء الحرب في أوكرانيا من المتوقع أن تتغير قيمة التجارة لروسيا مع الصين، فتتراجع لصالح الاتحاد الأوروبي على وجه التحديد كما كانت قبل الحرب في عام 2022. والأمر نفسه من المتوقع أن يحدث مع إيران في حالة رفع العقوبات عنها، فهي بحاجة شديدة إلى عودة علاقاتها التجارية والاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي، فقبل العقوبات الاقتصادية في 2012 كان الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأول لإيران. الأمر الأخر أنه على الرغم من أن قيمة التجارة الخارجية للبريكس بحدود 10.8 تريليونات دولار فإن الصين وحدها تستحوذ على 6.1 تريليونات دولار من هذه القيمة، أي نسبة 56.4% من إجمالي التجارة الخارجية للبريكس. وينقلنا هذا إلى النسب المتواضعة لبقية الدول الأعضاء، مثل إثيوبيا التي لديها تجارة خارجية بنحو 15.7 مليار دولار أو مصر 128 مليارا أو جنوب أفريقيا 233 مليار دولار، وهي أرقام تجعلنا ننظر بعين الاعتبار إلى الرقم المذكور بشأن التجارة البينية للبريكس على لسان المسؤول الروسي بكونها تصل إلى تريليون دولار. والقاعدة تقول إن الأرقام تصف الواقع ولا تعكس الحقائق، فحسب بيانات هيئة الجمارك الصينية بلغ التبادل التجاري بين الصين وروسيا 245 مليار تقريبا في عام 2024، أي نسبة تصل إلى قرابة 25% من إجمالي التجارة البينية للبريكس. وإذا دققنا النظر في التبادل التجاري للصين مع بقية دول البريكس فقد نصل إلى أن الصين تستحوذ على نسبة لا تقل عن 60% من التجارة البينية مع دول البريكس، وهنا يتشابه وضع الصين بين دول البريكس بصورة كبيرة بوضع أميركا في تعاملاتها مع العالم أو مع التجمعات الإقليمية المختلفة. ليس هذا فحسب، فلو قارنا قيمة التجارة البينية للبريكس المقدرة بنحو تريليون دولار في عام 2024 بقيمة الناتج المحلي الإجمالي لوجدنا أن النسبة ضعيفة جدا تصل إلى 3.3%. مسارات التطوير لا تأتي التجارة البينية من فراغ أو قرار إداري أو رغبة سياسية، لكن تأتي من خلال قواعد إنتاجية قوية ومنافسة قادرة على أن تجعل من التجارة البينية مبنية على المصالح وتبادل المنافع، ولا شك في أن بناء القواعد الإنتاجية وامتلاك أدوات المنافسة يستلزمان وقتا، خاصة بالنظر إلى أن أغلبية الدول العشر أعضاء بريكس دول نامية. وثمة خطوات تتخذ بين بعض دول بريكس لتوسيط العملات المحلية في التجارة البينية، مما من شأنه أن يخفف وطأة الاحتياج للنقد الأجنبي، خاصة الدولار الأميركي، لكن تبقى المشكلة الرئيسية في توفير السلع التكنولوجية والعدد والآلات، حتى تؤتي سياسة توسيط العملات المحلية ثمارها في حالة البريكس. ولتحقيق معدلات أفضل في التجارة البينية يحتاج تجمّع البريكس أن يزيد الاستثمارات البينية والمساعدة في نقل وتوطين التكنولوجيا بين أعضائه، وكذلك النهوض بمستوى التنمية في دول أعضائه الفقيرة. والرهان على الزمن وحده من دون توفر اتخاذ خطوات أوسع في مشروع تكاملي للبريكس لن يجدي، فمن غير المناسب إلى الآن أن البريكس لم يدع إلى تكوين منطقة تجارة حرة بين أعضائه وإن كانت كافة دوله أعضاء في منظمة التجارة العالمية باستثناء إيران. ويبقى التحدي أمام تجمّع البريكس خلال المرحلة المقبلة في أمرين: اتخاذ خطوات جادة في تفعيل مطالبة تجاه أميركا والغرب في القضايا الخاصة بالعدالة والمساواة وحرية التجارة. أن يضع التكتل خططا وبرامج زمنية لتفعيل حالة من حالات التعاون أو التكامل الاقتصادي، بحيث تلتزم الدول الأعضاء بتهيئة هياكلها التجارية والاقتصادية لمتطلبات البقاء الفاعل في التجمع، وإلا سيظل التجمّع صورة أخرى من صور تجمعات الجنوب لا يزيد دوره على رفع لافتات فقط في وجه الغرب وأميركا.


الجزيرة
منذ يوم واحد
- الجزيرة
هل تحلق أجنحة التنين في سماء إيران؟
منذ دخولها الخدمة مطلع الألفية عام 2006، شكّلت طائرة "تشنغدو جيه-10 (Chengdu J-10) أو "التنين القوي" حجر الزاوية في تحديث سلاح الجو الصيني، كونها أول مقاتلة متعددة المهام تُنتجها بكين محليًا بتكنولوجيا متقدمة، وبقدرات تنافس مقاتلات غربية وروسية من نفس الجيل. وتتميز نسخة "جيه-10 سي" (J-10C) المطورة بأنظمة طيران متقدمة تضاهي تلك الموجودة في أغلب الطائرات الحربية الغربية، مما يعزز من قدرات الطيار على تنفيذ المهام بفعالية عالية. وقد أثار الحديث مؤخرا عن صفقة عسكرية محتملة بين الصين و إيران -لبيع طائرات "جيه-10 سي" وذلك بعد أيام قليلة من وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران – تساؤلات حول أهداف هذه الصفقة ودلالاتها الإستراتيجية. فهل هي مجرد صفقة أسلحة لتعزيز قدرات إيران الدفاعية، أم خطوة إستراتيجية تعكس تحولا في الدور الصيني بالمنطقة؟ وهذا التقرير يحاول تفكيك أبعاد الصفقة المحتملة، ويقاربها ضمن السياقات الإقليمية والدولية الراهنة. تفاصيل الصفقة وبينما يسود الغموض حول تفاصيل هذه الصفقة الجوية التاريخية، تطفو على السطح تساؤلات مثيرة حول ماهية هذه الطائرات وقيمتها الإستراتيجية؟ وتعد طائرة "جيه-10 سي" من مقاتلات الجيل الرابع المتقدمة، وتُصنف ضمن فئة "الجيل 4.5" وهي مزوّدة برادار "إيه إي إس إيه" (AESA) ومحرك مطور من طراز "دبليو إس-10 بي" (WS-10B) وتتمتع بقدرات مناورة وتسليح متقدمة تشمل صواريخ جو جو طويلة المدى. ويُعتقد أن إيران تسعى منذ سنوات لامتلاك هذه الطائرة لتعويض عجز سلاحها الجوي الذي يعتمد على أسطول قديم من مقاتلات أميركية وروسية. ووفق ما نقلته صحيفة ساوث تشاينا مورنينغ بوست، في 26 يونيو/حزيران 2025، نقلا عن مصادر استخباراتية آسيوية، فإن "الاتفاق بين بكين وطهران يشمل تسليم 24 طائرة على دفعات تبدأ نهاية العام الجاري، مقابل دعم طهران لتمركز الشركات الصينية في ممرّات الطاقة الإيرانيّة". وقد بدأت المحادثات حول الصفقة منذ عام 2021، لكنها تسارعت في أعقاب توقيع اتفاق التعاون الإستراتيجي بين البلدين عام 2021، والذي مهّد لإطار تعاون عسكري واقتصادي أوسع. ففي 27 مارس/آذار 2021، وقّعت الصين وإيران "اتفاقية الشراكة الإستراتيجية الشاملة" تمتد إلى 25 عاما، لتكون بمثابة خارطة طريق لتعاون طويل الأمد بين البلدين في مجالات الاقتصاد والطاقة والبنية التحتية والدفاع. وتستند الاتفاقية إلى مبدأ المنفعة المتبادلة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وتشمل التزامات صينية ضخمة تبلغ قيمتها 400 مليار دولار، بالاستثمار في قطاعات إيرانية حيوية مثل تطوير الموانئ والسكك الحديدية، والنفط والغاز والبتروكيماويات، مقابل حصول بكين على إمدادات طاقة مستقرة بأسعار تفضيلية. وتُعد الاتفاقية جزءا من سياسة الصين لتعزيز نفوذها عبر "مبادرة الحزام والطريق" في حين تسعى إيران عبرها إلى التخفيف من وطأة العقوبات الغربية وتثبيت حضورها في التوازنات الآسيوية. كما تفتح الاتفاقية الباب أمام تعاون عسكري وأمني، من خلال تبادل الخبرات، وتنظيم تدريبات مشتركة، وتعزيز الصناعات الدفاعية، وهو ما انعكس لاحقا في تسارع التنسيق العسكري بين الجانبين، وصولا إلى صفقة مقاتلات "جيه-10 سي". وجاءت المواجهات بين إسرائيل وإيران في يونيو/حزيران 2025 لتُعيد تحفيز الصين على تفعيل هذا التعاون مع طهران، في إطار سعيها لتقويض النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط ، وفق تحليل معهد ستراتفور. هل تكسر الصين قواعد اللعبة؟ وبينما تتسارع الأحداث في الشرق الأوسط، تبرز الصين كلاعب جديد يحمل مفاتيح تغيير الموازين، مما قد يؤدي إلى تحول جذري في دور بكين من شريك اقتصادي إلى ضامن أمني في المنطقة. ففي 24 يونيو/حزيران الماضي، وضعت المواجهة المباشرة بين إيران وإسرائيل أوزارها بعد 12 يومًا من القصف المتبادل، وخلّفت دمارا واسعا في منشآت عسكرية وبنى تحتية إيرانية، مقابل استهدافات دقيقة للبنية التحتية العسكرية الإسرائيلية خاصة في الجليل والنقب. وفي هذا السياق، تبدو الصفقة الإيرانية المحتملة مع الصين بمثابة رد إستراتيجي لتعويض الخسائر، وخطوة تعكس مزيدا من الانفتاح الإيراني على المعسكر الشرقي. وقد غرد الأمين السابق لمجلس الأمن القومي الإيراني علي شمخاني ، في 28 يونيو/حزيران، قائلًا "العقيدة الدفاعية الإيرانية بحاجة إلى إعادة هيكلة جوية، والتعاون مع الصين ليس مجرد خيار تكتيكي بل هو تحوّل إستراتيجي". لطالما آثرت بكين أدوات النفوذ الاقتصادي على التدخلات العسكرية المباشرة في الشرق الأوسط. لكن الصفقة المرتقبة -إن تمّت- فستكون أول صفقة علنية تبيع فيها الصين طائرات قتالية لدولة تخوض مواجهة مفتوحة مع إسرائيل، وتحت طائلة العقوبات الأميركية. ووفق تحليل صادر عن مركز الدراسات التابع لوزارة الدفاع الأميركية ، فإن "بكين تُدشّن مرحلة جديدة من الدبلوماسية الدفاعية، تعيد تشكيل موازين القوى التقليدية، وتخترق هيمنة واشنطن على أمن الشرق الأوسط". من المتوقع أن تلقي هذه الصفقة بين طهران وبكين بظلالها على المنطقة والعالم، وأن تثير ردود الفعل المتوقعة من القوى الكبرى، فهل نحن على أعتاب مرحلة جديدة من التوتر الجيوسياسي الذي سيشعل صراعات خفية وعلنية؟ إعلان ورغم عدم صدور أي تصريح رسمي مباشر من الحكومة الإسرائيلية بشأن الصفقة الصينية الإيرانية المحتملة، فإن مصادر استخباراتية إسرائيلية أعربت عن قلقها من تداعياتها. فقد نقل تقرير نشره موقع صحيفة "إنديا تودي" عن مسؤول سابق باستخبارات الجيش الإسرائيلي قوله إن الصفقة "قد تتضمن تبادل معلومات عسكرية وتقنيات حساسة، وهو ما يثير قلقا إستراتيجيًا متزايدا في إسرائيل". وأشار المصدر إلى أن امتلاك إيران مقاتلات من نوع "جي-10 سي" قد يقلص من هامش التفوق الجوي الإسرائيلي في أي مواجهة مستقبلية. وفي المقابل، لم يصدر أي تعليق رسمي إسرائيلي من وزير الدفاع يسرائيل كاتس أو مكتب رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ، الأمر الذي فسره مراقبون بأنه محاولة لتفادي توتير العلاقات مع بكين، أو إعطاء الصفقة طابعًا تضخيميًا إعلاميًا يخدم طهران. ويعكس هذا الصمت الرسمي ترددا إسرائيليا في الدخول بمواجهة علنية مع الصين، خاصة في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية العالمية واشتباك واشنطن وبكين على أكثر من جبهة. وتُعد الصفقة أيضا اختبارا حقيقيا للسياسة الأميركية تجاه كل من الصين وإيران، فإذا التزمت واشنطن الصمت، فقد تُتهم بالعجز عن فرض الانضباط الإستراتيجي على خصومها، أما إذا ردّت بعقوبات على الصين فإنها تخاطر بتأزيم علاقاتها مع ثاني أكبر اقتصاد في العالم. وفي هذا السياق، صرّح السيناتور الجمهوري جيم ريش -خلال جلسة استماع في مجلس الشيوخ مطلع يوليو/تموز الجاري- بأن الصفقة "تتجاوز الخطوط الحمراء، ويجب معاقبة أي كيان صيني يزود إيران بتقنيات قتالية تهدد حلفاءنا في المنطقة". أما روسيا ، التي لطالما كانت المزود الأساسي لطهران بالسلاح عبر صفقات شملت مقاتلات سوخوي ومنظومات دفاع جوي، فتتابع بقلق دخول الصين على خط السوق العسكرية الإيرانية. وقد عبّر سيرغي ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي -خلال مؤتمر أمني في موسكو – عن قلق بلاده من "التسرع في تسليح أطراف إقليمية خارج نطاق التفاهمات التقليدية بين موسكو وطهران". عقيدة عسكرية إيرانية جديدة رغم أن العمود الفقري لقوة الردع الإيرانية لا يزال قائما على الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة ، فإن المواجهات الأخيرة مع إسرائيل أعادت إلى الواجهة نقاشا متزايدا داخل الأوساط العسكرية والإعلامية الإيرانية حول ضرورة تحديث القدرات الجوية الهجومية التقليدية. ويرى مسؤولون ومحللون إيرانيون أن أي صفقة محتملة لشراء مقاتلات متطورة -في إشارة ضمنية إلى طائرات "جيه-10 سي" الصينية- من شأنها أن تعزز من قدرة طهران على فرض معادلات ردع جديدة، وتقليص الفجوة في ميزان التفوق الجوي، التي شكلت تقليديا نقطة ضعف في البنية العسكرية الإيرانية. ومع إدخال البعد الجوي إلى الشراكة الصينية الإيرانية، يبدو أن طهران تمضي في تعزيز تموضعها ضمن محور الشرق، مستفيدة من انشغال الولايات المتحدة في ساحات التوتر الأخرى، مثل أوكرانيا وتايوان. وتُقرأ الصفقة في هذا السياق بوصفها رسالة صريحة إلى واشنطن: النفوذ الصيني لم يعد محصورا في مشاريع البنية التحتية بل بات يمتد إلى أدوات الردع الصلبة. وفي خضم هذه التحولات الدراماتيكية، تبقى الأعين شاخصة نحو السماء: هل ستحلق أجنحة التنين الصيني فوق الشرق الأوسط لترسم خريطة جديدة للمنطقة، أم أن التحديات الجيوسياسية ستحد من طموحاته؟ وإذا تمت صفقة "جيه-10 سي" بين الصين وإيران، فلن تكون مجرد صفقة سلاح، بل هي إعلان عن مرحلة جديدة من التموضع الجيوسياسي في الشرق الأوسط. فإيران تسعى لتعويض خسائرها العسكرية وإعادة هيكلة عقيدتها الجوية، في حين ترسل الصين رسالة ضمنية بأنها باتت فاعلا أمنيا لا يُستهان به في المنطقة. أما إسرائيل والولايات المتحدة، فتقفان أمام تحدي الردّ على هذا التطور دون إشعال حرب إقليمية جديدة.