أزمات المنطقة لا تنتهي
علينا أن ندرك تمامًا أننا، رغم ما نتمتع به من موقع جغرافي استثنائي يشكّل حلقة وصل وبوابة تجارية بين محاور الإقليم، فإن هذا الموقع نفسه يحمل تحديات اقتصادية متواصلة بسبب التوترات السياسية والاضطرابات المتكررة في المنطقة. فالأزمات في هذه البقعة من العالم لا تنتهي، وهي تكاد تكون المنطقة الوحيدة التي ما زالت تخضع لصراعات مسلحة، ما يجعل تأثير العوامل السياسية على الواقع الاقتصادي أكثر حدة وعمقًا، خاصة في ما يتعلق بضعف تدفقات الاستثمار، وارتفاع كلف الطاقة، وتزايد تقلبات الأسعار في الأسواق العالمية، إضافة إلى الت?ثيرات المباشرة على كلف النقل وسلاسل التوريد.
من خلال تتبع مسار الأزمات خلال العقود الثلاثة الماضية، وتحديدًا بعد أزمة العام 1989، نلاحظ أن الأردن واجه أزمة إقليمية كبرى بمعدل مرة كل ست سنوات. هذه الأزمات شملت: غزو الكويت عام 1990، غزو العراق عام 2003، الأزمة المالية العالمية عام 2009، الربيع العربي عام 2011، أزمة التنظيمات الإرهابية في 2014، جائحة كورونا في 2020، الحرب الروسية الأوكرانية في 2022، وأخيرًا الحرب الإسرائيلية على غزة في 2023. وكل أزمة من هذه الأزمات كانت لها انعكاسات مباشرة ومتراكمة على الاقتصاد الأردني من حيث تراجع النمو، واتساع عجز الم?ازنة، وزيادة الدين العام، وزيادة معدلات البطالة وعرقلة تنفيذ الاستراتيجيات والخطط الاقتصادية!.
فعلى سبيل المثال، أدت الأزمة المالية العالمية في 2009 إلى رفع نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي بحوالي 15%. أما آثار الربيع العربي وأزمة الطاقة الناتجة عن انقطاع الغاز المصري ما بين 2011 و2014، فقد ساهمت في زيادة الدين بنحو 30%. في حين أن إغلاق الحدود الشمالية والشرقية بين 2014 و2017، بالتزامن مع عبء استضافة اللاجئين السوريين، تسبب بزيادة جديدة في المديونية بنسبة تقارب 15%.
هذا السياق يفرض على الفريق الاقتصادي الحكومي أن يتبنى بشكل دائم مبدأ «التحوط الاقتصادي» كخيار استراتيجي لتعزيز الاستقرار المالي وتخفيف أثر الأزمات الإقليمية. هذا التحوط يجب أن يتجسد في تحديد واضح للأولويات الاقتصادية في هذه المرحلة، وعلى رأسها: الاحتياطيات من العملات الأجنبية، والمخزون الغذائي، وأمن التزود بالطاقة، والتوقع المسبق لانخفاض الإيرادات نتيجة تراجع الطلب في الاقتصاد من الاستهلاك، والاستثمار، والصادرات، وأعداد السياح وحوالات المغتربين!.
في السياسة النقدية، تشير بيانات البنك المركزي إلى أن الاحتياطيات الأجنبية الحالية تغطي مستوردات المملكة لثمانية أشهر (قاربت 23 مليار دولار حتى نهاية أيار)، وهي نسبة مطمئنة، أما على صعيد الأمن الغذائي، فمخزون القمح الاستراتيجي يكفي لمدة تصل إلى عشرة أشهر. في المقابل، لا يزال مخزون النفط محدودًا ويكفي لمدة لا تتجاوز شهرين فقط، ما يشكّل نقطة ضعف ينبغي التعامل معها بجدية ضمن سياسة الطوارئ.
ومع اقتراب إعداد موازنة عام 2026، تبرز الحاجة إلى وضع سيناريوهات مختلفة تأخذ في الحسبان احتمال تراجع الإيرادات وزيادة النفقات الاضطرارية، خاصةً مع توقع انخفاض الطلب الكلي داخليًا وخارجيًا. وهذا يستدعي تفكيرًا شموليًا في بناء الموازنة، يتضمن تقييمًا دقيقًا لمصادر الخطر ووضع بدائل مالية مرنة تحافظ على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.
على صعيد السياسات العامة، من المهم تذكير صناع القرار الاقتصادي بأن الإصلاحات الاقتصادية التي طبّقت خلال العقود الأخيرة ارتكزت على ثلاثة محاور رئيسية: الأول، زيادة الإيرادات من خلال توسيع القاعدة الضريبية. الثاني، تقليص النفقات عبر إعادة توجيه الدعم وتخفيض كلفة الخدمات العامة. الثالث، تحفيز النمو من خلال جذب الاستثمارات وتعزيز الصادرات وتطوير القطاعات الإنتاجية. غير أن هذه السياسات، مهما كانت متماسكة نظريًا، تبقى مهددة بعدم التنفيذ الكامل بسبب الأزمات المتلاحقة التي تمر بها المنطقة.
لذلك، وعند تطبيق رؤية التحديث الاقتصادي، من الضروري أن تتضمن الخطة الوطنية هامشًا لاحتمالات التعثر أو الإرجاء أو حتى الإلغاء الجزئي لبعض المبادرات، تبعًا لتطورات الإقليم. كما ينبغي إعادة صياغة الرؤية بمرونة تسمح ببناء سيناريوهات متعددة –من أفضل احتمال إلى أسوأ احتمال– لضمان الجاهزية لمواجهة أزمات مستقبلية محتملة، لا قدّر الله.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


جفرا نيوز
منذ ساعة واحدة
- جفرا نيوز
الصناعة والتجارة: تجارتنا الخارجية تتم من خلال مضيق باب المندب
جفرا نيوز - الصناعة والتجارة: استخدام موانئ طرطوس واللاذقية السوريين إذا تعرضنا لتداعيات تعطل سلاسل التوريد قال الناطق الإعلامي لوزارة الصناعة والتجارة والتموين، ينال البرماوي، إن مخزون المملكة من المواد التموينية "آمن ومريح جدا، ويتجاوز الحدود المطلوبة من كل سلعة بما في ذلك مادتي القمح والشعير". وأضاف البرماوي، أن سلاسل التوريد تعمل كالمعتاد وبانتظام ويتم متابعتها بشكل مستمر لتلبية احتياجات السوق من مختلف السلع خاصة التموينية منها والتي يتم استيرادها من مناشئ مختلفة إضافة إلى عمليات الإنتاج الغذائي محليا. وطمأن المواطنين على وفرة المخزون الغذائي وتوفر السلع كالمعتاد في كافة المحلات التجارية واستقرار أسعارها. وقال البرماوي إن الوزارة تراقب أي تداعيات تحدث على صعيد التجارة الخارجية والشحن البحري في المنطقة بخاصة من خلال باب المندب والموانئ الأخرى التي يتعامل معها الأردن؛ استيرادا وتصديرا، نتيجة للهجمات العسكرية المتبادلة بين إسرائيل وإيران. وأشار الى أن معظم تجارة الأردن الخارجية استيرادا وتصديرا تتم من خلال باب المندب ولا يتم استخدام مضيق هرمز لهذه الغاية. وقال البرماوي إن لدى الوزارة عدة سيناريوهات للتعامل مباشرة مع أي تداعيات محتملة بما يضمن إدامة استيراد السلع وتصدير المنتجات الأردنية وانتظام عمل سلاسل التوريد بما في ذلك التصدير من خلال موانئ أخرى مثل ميناء طرطوس وميناء اللاذقية السوريين وكذلك إمكانية التصدير ترانزيت من خلال الأراضي السورية، سيما إلى دول أوروبا الشرقية وتركيا وروسيا وغيرها. وبين أنه تمت الاستجابة سابقا وبشكل مباشر لظروف مستجدة مثل جائحة كورونا والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والحرب الروسية الأوكرانية والظروف الجيوسياسية العالمية، واتخذت الحكومة العديد من الإجراءات التي هدفت لانتظام عمل سلاسل التوريد والمحافظة على المخزون الغذائي والحد من آثار ارتفاعات أجور الشحن على السوق المحلي. وقال إن الوزارة تعمل بتشاركية مستمرة مع القطاعين التجاري والصناعي للمحافظة على المخزون الغذائي وتعزيزه والتعامل مع أي ظروف طارئة.

السوسنة
منذ ساعة واحدة
- السوسنة
ترامب يقطع زيارته ويدعو لاجتماع طارئ وسط حديث عن معركة كبرى
واشنطن – السوسنة - في تطور مفاجئ ومثير، دعا الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى إخلاء العاصمة الإيرانية طهران "فورًا"، ما أثار موجة من الترقب والقلق على المستويين الإقليمي والدولي. تصريح ترامب، الذي نشره عبر منصته "تروث سوشال"، جاء بالتزامن مع تصعيد عسكري غير مسبوق بين إيران وإسرائيل، وسط تقارير متضاربة حول تورط الولايات المتحدة في ضربات على الأراضي الإيرانية.وكتب ترامب في منشوره صباح الثلاثاء:"على الجميع إخلاء طهران فورًا. كان ينبغي على إيران توقيع الاتفاق عندما طُلب منها ذلك. يا له من إهدارٍ للأرواح. ببساطة، لا يمكن السماح لها بامتلاك سلاح نووي."وأثار هذا التصريح تساؤلات واسعة حول ما إذا كانت واشنطن تستعد لعمل عسكري مباشر، خصوصًا مع غياب التفاصيل حول طبيعة التحرك الأميركي المقترح، ومخاوف من أن يكون الأمر تمهيدًا لضربة عسكرية كبرى.تفسير رسمي لتصريح ترامبمسؤول رفيع في البيت الأبيض فسّر دعوة ترامب لإخلاء طهران بأنها "تعكس الإلحاح في دفع إيران نحو المفاوضات"، مؤكدًا أن التصعيد السياسي هدفه الضغط على طهران للانخراط في اتفاق نووي جديد. ووفقًا لشبكة "سي إن إن"، فإن ترامب تلقى خلال وجوده في قمة مجموعة السبع في كندا تقارير ميدانية مستمرة من وزير الخارجية ماركو روبيو ومسؤولين أمنيين رفيعي المستوى، الأمر الذي دفعه للعودة إلى واشنطن بشكل عاجل مساء الاثنين، كما أعلنت شبكة "سي بي إس".دعوة لاجتماع أمني عاجلقناة "فوكس نيوز" أكدت أن ترامب أمر بعقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن القومي في غرفة العمليات بالبيت الأبيض لمناقشة تطورات الشرق الأوسط، في ظل أنباء عن احتمال اندلاع حرب شاملة بين إيران وإسرائيل.تضارب في التقارير حول الغاراتفي الوقت الذي ذكرت فيه تقارير إعلامية إسرائيلية أن الولايات المتحدة بدأت بالفعل تنفيذ غارات جوية "عنيفة" على أهداف داخل إيران، من بينها طهران ونطنز والأهواز، نفى تقرير عبري آخر صحة هذه المعلومات، مؤكدًا أن واشنطن لم تشارك في أي هجوم عسكري حتى لحظة النشر.من جانبها، قالت وسائل إعلام إيرانية إن الدفاعات الجوية الإيرانية تم تفعيلها في منطقة الأهواز، التي تضم معظم المنشآت النفطية جنوب غربي البلاد، بالتزامن مع أنباء عن انفجارات في مدينة مشهد وهجمات على قواعد صاروخية قرب شيراز. وقالت وسائل اعلام صهيونية ان المعركة الكبرى بدأت .تأثيرات اقتصادية واستنفار دوليفي أعقاب تصريحات ترامب، ارتفعت العقود الآجلة للخام الأميركي بأكثر من دولار، لتصل إلى 72.88 دولارًا للبرميل، بزيادة نسبتها 1.55%. كما أصدرت السفارة الصينية في إسرائيل تحذيرًا لمواطنيها، حاثّة إياهم على مغادرة البلاد عبر الأردن "في أقرب وقت ممكن"، في مؤشر على تنامي القلق الدولي من توسع رقعة الحرب.وفي باريس، وصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مغادرة ترامب لقمة G7 بأنها "خطوة إيجابية" إذا كانت تهدف إلى منع التصعيد في الشرق الأوسط، في إشارة إلى إمكانية تحرك دبلوماسي لاحتواء الأزمة.جدل حول تصريحات غير مسبوقةمحللون سياسيون رأوا في دعوة ترامب لإخلاء طهران — التي يسكنها قرابة 10 ملايين نسمة — خطوة غير معتادة في الخطاب الأميركي، خاصة أنها لم تقترن بموقف واضح حول المشاركة العسكرية المباشرة. واعتبر بعضهم أن التصريح قد يُفهم كتلويح باستخدام القوة، أو حتى أسلحة غير تقليدية، ما لم يتم احتواء التصعيد عبر المفاوضات.وسط هذه الأجواء المشحونة، تترقب العواصم العالمية نتائج الاجتماع الأمني في البيت الأبيض، فيما تستمر إسرائيل في ضرب أهداف قالت إنها مرتبطة ببرنامج إيران النووي. وفي الوقت ذاته، تزداد الضغوط على طهران للعودة إلى طاولة المفاوضات، في ظل تصعيد سياسي وعسكري قد يفتح أبواب مواجهة شاملة في المنطقة.


هلا اخبار
منذ 2 ساعات
- هلا اخبار
البنك الدولي: تدفقات الاستثمار بالبلدان النامية عند أدنى مستوى منذ 2005
هلا أخبار – أعلن البنك الدولي أن تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى الاقتصادات النامية انخفضت إلى 435 مليار دولار في 2023، وهو أدنى مستوى لها منذ 2005، وذلك مع تدفق 336 مليار دولار فقط إلى الاقتصادات المتقدمة، في أدنى مستوى لها منذ 1996. وقال البنك، في تقرير صادر الإثنين، يستند إلى بيانات من 2023 وهي أحدث البيانات المتاحة، إن تزايد الحواجز الاستثمارية والتجارية ومخاطر الاقتصاد الكلي والمخاطر الجيوسياسية تؤثر على توقعات تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى البلدان النامية، مما يشكل تهديدا لجهود التنمية. وأشار التقرير إلى أن الركود العالمي وفي مختلف البلدان مرتبط بتراجع كبير في الاستثمار الأجنبي المباشر، مشيرا إلى أن تراجع الاستثمار الأجنبي ترك 'فجوات واسعة في البنية التحتية' في البلدان النامية، وأدى إلى تقويض الجهود الرامية إلى القضاء على الفقر العالمي وتلبية الاحتياجات الملحة لتغير المناخ. وأوضح، أن على الاقتصادات النامية تخفيف القيود التي تراكمت في السنوات القليلة الماضية وتعزيز التكامل التجاري وتشجيع المزيد من الناس على المشاركة في الاقتصاد الرسمي، حاثا البلدان على العمل معا للتأكد من تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر إلى الاقتصادات النامية ذات الاحتياجات الاستثمارية الأكبر.