عدو عاقل صديق جاهل
مشاعر مختلطة انتابتني كأب وابن وأخ لقرار تعليق تأشيرات الدخول إلى بلاد العم سام من غزة هاشم. أعرف أفرادا وأسرا من الأمريكيين أبا عن جد، ومن الأمريكيين الفلسطينيين لا بل الغزيين تحديدا الذي يريدون ما هو أكثر من تضميد جروح، وشفاء جراح من لا قِبل لهم بدفع أذى المتحاربين من تحت الأرض وفوقها، في القطاع المحتل سابقا وحاليا من الناحية العملية، عن فلذات أكبادهم والعجزة والمرضى والطاعنين في السن والرّضع الذي جفّت أثداء أمهاتهم ومرضعاتهم، ولم تسلم عبوات الحليب المجفف البديل -المساعدات الإغاثية- من أيدي السرّاق الآثمة ورشاشات «غدّارات» -كما في لهجة إخوتنا العراق الشقيق- التي لم تخجل من اختطاف مواد الإغاثة الإنسانية بعد ارتهان المدنيين ومنهم من نزح «نكبة ونكسة»، وما تلاها من حروب العبث الدامي الانتحاري أو الأحمق الأرعن المتواطئ إلى حد العمالة والخيانة.
دون ذكر تفاصيل لاعتبارات قانونية وسياسية وأخرى احتراما للخصوصية، شهدت سجالات بين الداعين إلى تمسك أهالي غزة وسائر الأراضي الفلسطينية بالثبات، وبين دعاة «واقعية» مؤلمة مؤسفة، تدعو إلى النجاة بالنفس والنأي بها، على حد سواء. أعرف فلسطينيين أمريكيين وعربا أمريكيين وآخرين لا تجمعهم لا الديانة ولا العرق بالضحايا، يريدون بصدق تبني أطفال لم تبق لهم أسر مباشرة، لكن -ما شاء الله- الخير عامر زاخر في قرابة كافلة لليتيم، امتثالا للواجب الإنساني والديني والوطني. في حروب وأزمات كثيرة تبنت الأمة الأمريكية الملايين من ضحايا الحروب والقمع والفقر، منذ قيام أمريكا منارة وأيقونة للعالم الحر. بلاد العم سام هي الأكثر كرما وسخاء وبلا منازع، في تبني الأيتام وكفالتهم -خارج أمريكا وداخلها- وإتاحة فرص المواطنة عبر القنوات القانونية، للناس كافة.
المؤسف -وتلك خطيئة وليس خطأ فقط- معضلة وليست مشكلة، أن هناك من يتعمد «تسييس» الأشياء كلها و»تديينها» بمعنى إقحام السياسة والدين في جميع الأمور، بما فيها الإنسانية الصرفة. اختطف تيارات بائسة معروفة، اختطفت بمشاهد فجّة دعائيا، وصول الجرحى الفلسطينيين وأسرهم من غزة إلى عدة مطارات في ولايات أمريكية متعددة. رفع «النشطاء» وحلفاؤهم من اليسار نكاية في إدارة ترمب وحزبه، رفعوا أعلاما ورايات ويافطات وهتافات أثارت حفيظة كثيرين، فتلقفها أقصى يمين اليمين في أمريكا ودول أخرى منها إسرائيل وأوروبا، لإطلاق صرخة -عاصفة إلكترونية- لم تستغرق سوى بضع ساعات حتى أعلنت الخارجية الأمريكية بقرار من الوزير والسناتور السابق المخضرم والمرشح الرئاسي المحتمل ماركو روبيو الذي يتولى مهام أخرى من ضمنها مستشار الأمن القومي للرئيس دونالد ترمب، قراره تعليق جميع التأشيرات، والتدقيق الأمني المشدد في كل الحالات التي وصلت على نحو «طارئ ومؤقت» لعلاج الأطفال والجرحى والمرضى الفلسطينيين.
تلك الجماعات، التيارات إياها، شلل الظاهرة الصوتية والاستعراض، لم يرحموا هؤلاء لا في الوطن ولا المهجر ولا حتى في ملاذ مؤقت لتضميد الجروح وعلاج الجراح، قبل العودة إلى الوطن مرة أخرى، على أمل هدنة الستين يوما وإحلال الأمن والأمان والسلام.
ما ظننت أولئك الخاطفين للمشاهد الإنسانية مجرد أصدقاء جهلة، فمنهم من هو أخطر من العدو العاقل والجاهل معا..

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

عمون
منذ 4 ساعات
- عمون
شكر على تعاز بوفاة غالب عايد المجالي
عمون - تتقدم عشيرة المجالي كافة بعظيم الشكر والامتنان والعرفان إلى مقام حضرة صاحب الجلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين وولي عهده الأمين الأمير الحسين بن عبد الله والذين غمرونا بمشاعرهم النبيلة الطيبة والذي خفف مصابنا ولتفضلهما بانتداب معالي رئيس الديوان الملكي العامر معالي يوسف العيسوي لتقديم التعازي بفقيدنا الغالي المرحوم ( غالب عايد المجالي / أبو بسام ) فالشكر لمقامكم السامي لهذه اللفتة الهاشمية الكريمة وقد عودتمونا على مشاركة شعبكم أفراحهم وأحزانهم. كما ونتقدم بخالص الشكر والتقدير إلى أصحاب الدولة والمعالي والعطوفة والسعادة والوجهاء وشيوخ العشائر وكبار ضباط وأفراد القوات المسلحة والأجهزة الأمنية من الأمن العام وقوات الدرك والدفاع المدني والمخابرات العامة، وممثلي المؤسسات الرسمية والخاصة والزملاء جميعاً من الحكام الإداريين والموظفين من وزارة الداخلية وأبناء الوطن جميعاً، الذين قدموا واجب العزاء سواء الحضور إلى بيت العزاء أو الاتصال الهاتفي أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي والذين شاركونا مصابنا الجلل مما كان له عميق في تخفيف المصاب وترسيخ العلاقة الاجتماعية الراقية التي تزين نسيج العائلة الأردنية الواحدة. داعين المولى عز وجل أن يحفظ قيادتنا الهاشمية وطننا الغالي ويديم علينا نعمة الأمن والاستقرار. ولا أراكم الله مكروه في عزيز.


الانباط اليومية
منذ 4 ساعات
- الانباط اليومية
خدمة العلم… نحو جيل وطني منتمٍ
الأنباط - خدمة العلم… نحو جيل وطني منتمٍ أ. د. اخليف الطراونة ــــــــــــــــــــــــــــــــ جاء قرار سيدي صاحب السمو الملكي الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، ولي العهد المعظم، حفظه الله ورعاه، بإعادة تفعيل قانون خدمة العلم خطوة استراتيجية في لحظة فارقة من تاريخنا الوطني، لما تحمله من دلالات عميقة تتجاوز البعد العسكري إلى بناء الإنسان الأردني وتعزيز هويته وانتمائه. فخدمة العلم في جوهرها ليست إجراءً إداريًا عابرًا، بل مشروع وطني لإعادة وصل الأجيال بجذورهم، ولغرس قيم الانضباط والمسؤولية والتضحية، في زمن تتسارع فيه المتغيرات وتتعاظم التحديات. لقد دعوت، بصفتي الأكاديمية، منذ عام 2010 – بصيغة مختلفة – إلى تفعيل هذا المسار، إيمانًا بأن الشباب هم الركيزة الأولى في معادلة النهضة الوطنية. وما زلت أؤكد أن خدمة العلم لا ينبغي أن تكون تجربة معزولة، بل جزءًا من منظومة تعليمية وتربوية متكاملة تعزز رسالة الجامعة وتعيد الاعتبار لدورها في إعداد جيل متوازن: عالمٍ في تخصصه، ثابتٍ على قيمه، قادرٍ على حمل مسؤولياته تجاه نفسه ومجتمعه ووطنه. وانطلاقًا من هذه الرؤية، أعيد طرح مقترحي القائم على دمج مادتي التربية الوطنية والعلوم العسكرية في مادة عملية واحدة (بواقع ست ساعات معتمدة)، تُنفذ على شكل تدريب ميداني مكثف في أحد الفصول الصيفية، وتشمل جميع طلبة الجامعات والكليات الجامعية وكليات المجتمع، ذكورًا وإناثًا، دون استثناء. وتُموَّل هذه التجربة من خلال رسوم المادة، بحيث يُخصص جزء منها لدعم الجامعات، ويُوجَّه الجزء الآخر لتغطية كلفة التدريب وتنظيمه. ولا يقتصر هذا التدريب على المحاضرات الصفية، بل يُبنى على أسس عملية واضحة: * الذكور يتلقون تدريبات ميدانية عسكرية بإشراف المتقاعدين العسكريين، مقرونة بمحاضرات في الهوية الوطنية والانضباط. * الإناث يشاركن في برامج تدريبية نوعية، مثل الخدمات الطبية، والشرطة النسوية، والأمن الوطني، والعمل المجتمعي، بما يعكس أن خدمة الوطن مسؤولية مشتركة. إن دمج البعدين الوطني والعسكري في تجربة تعليمية واحدة سيُحدث نقلة نوعية في مسيرة التعليم العالي، إذ يربط الطالب بالواقع العملي، ويمنحه خبرات حياتية ومجتمعية لا تقل أهمية عن تحصيله الأكاديمي. وبهذا تصبح الجامعات الأردنية أكثر التصاقًا برسالتها التربوية والوطنية، وأقرب إلى دورها التاريخي في صياغة وعي الأجيال وصناعة مستقبل الدولة. إن خدمة العلم حين تقترن بالتربية الوطنية والتدريب الميداني، تتحول إلى مشروع دولة، لا مجرد برنامج مؤقت. مشروع يعيد للشباب ثقتهم بأنفسهم وبوطنهم، ويمنحهم أدوات القوة والمعرفة، ويصوغ جيلًا مسلحًا بالعلم والانضباط والهوية. جيل يعرف أن الوطن ليس مجرد مساحة جغرافية، بل هو هوية وواجب ورسالة ومسؤولية. ومن هنا، فإنني أتوجه بهذا المقترح إلى أصحاب القرار، وإلى مجلس التعليم العالي، وإلى شبابنا وطلبتنا، ليكون تعزيزًا لخدمة العلم وإضافة نوعية لأهدافه، لا بديلاً عنه. فخدمة العلم تبقى في جوهرها مشروعًا عسكريًا وطنيًا، وما أقترحه هو تكامل بين الجامعة والدولة، بين قاعة الدرس وساحة التدريب، ليكون شبابنا أكثر وعيًا وانتماءً، وأقدر على حمل مسؤوليات المستقبل.

عمون
منذ 5 ساعات
- عمون
خدمة العلم… نحو جيل وطني منتمٍ
جاء قرار سيدي صاحب السمو الملكي الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، ولي العهد المعظم، حفظه الله ورعاه، بإعادة تفعيل قانون خدمة العلم خطوة استراتيجية في لحظة فارقة من تاريخنا الوطني، لما تحمله من دلالات عميقة تتجاوز البعد العسكري إلى بناء الإنسان الأردني وتعزيز هويته وانتمائه. فخدمة العلم في جوهرها ليست إجراءً إداريًا عابرًا، بل مشروع وطني لإعادة وصل الأجيال بجذورهم، ولغرس قيم الانضباط والمسؤولية والتضحية، في زمن تتسارع فيه المتغيرات وتتعاظم التحديات. لقد دعوت، بصفتي الأكاديمية، منذ عام 2010 – بصيغة مختلفة – إلى تفعيل هذا المسار، إيمانًا بأن الشباب هم الركيزة الأولى في معادلة النهضة الوطنية. وما زلت أؤكد أن خدمة العلم لا ينبغي أن تكون تجربة معزولة، بل جزءًا من منظومة تعليمية وتربوية متكاملة تعزز رسالة الجامعة وتعيد الاعتبار لدورها في إعداد جيل متوازن: عالمٍ في تخصصه، ثابتٍ على قيمه، قادرٍ على حمل مسؤولياته تجاه نفسه ومجتمعه ووطنه. وانطلاقًا من هذه الرؤية، أعيد طرح مقترحي القائم على دمج مادتي التربية الوطنية والعلوم العسكرية في مادة عملية واحدة (بواقع ست ساعات معتمدة)، تُنفذ على شكل تدريب ميداني مكثف في أحد الفصول الصيفية، وتشمل جميع طلبة الجامعات والكليات الجامعية وكليات المجتمع، ذكورًا وإناثًا، دون استثناء. وتُموَّل هذه التجربة من خلال رسوم المادة، بحيث يُخصص جزء منها لدعم الجامعات، ويُوجَّه الجزء الآخر لتغطية كلفة التدريب وتنظيمه. ولا يقتصر هذا التدريب على المحاضرات الصفية، بل يُبنى على أسس عملية واضحة: * الذكور يتلقون تدريبات ميدانية عسكرية بإشراف المتقاعدين العسكريين، مقرونة بمحاضرات في الهوية الوطنية والانضباط. * الإناث يشاركن في برامج تدريبية نوعية، مثل الخدمات الطبية، والشرطة النسوية، والأمن الوطني، والعمل المجتمعي، بما يعكس أن خدمة الوطن مسؤولية مشتركة. إن دمج البعدين الوطني والعسكري في تجربة تعليمية واحدة سيُحدث نقلة نوعية في مسيرة التعليم العالي، إذ يربط الطالب بالواقع العملي، ويمنحه خبرات حياتية ومجتمعية لا تقل أهمية عن تحصيله الأكاديمي. وبهذا تصبح الجامعات الأردنية أكثر التصاقًا برسالتها التربوية والوطنية، وأقرب إلى دورها التاريخي في صياغة وعي الأجيال وصناعة مستقبل الدولة. إن خدمة العلم حين تقترن بالتربية الوطنية والتدريب الميداني، تتحول إلى مشروع دولة، لا مجرد برنامج مؤقت. مشروع يعيد للشباب ثقتهم بأنفسهم وبوطنهم، ويمنحهم أدوات القوة والمعرفة، ويصوغ جيلًا مسلحًا بالعلم والانضباط والهوية. جيل يعرف أن الوطن ليس مجرد مساحة جغرافية، بل هو هوية وواجب ورسالة ومسؤولية. ومن هنا، فإنني أتوجه بهذا المقترح إلى أصحاب القرار، وإلى مجلس التعليم العالي، وإلى شبابنا وطلبتنا، ليكون تعزيزًا لخدمة العلم وإضافة نوعية لأهدافه، لا بديلاً عنه. فخدمة العلم تبقى في جوهرها مشروعًا عسكريًا وطنيًا، وما أقترحه هو تكامل بين الجامعة والدولة، بين قاعة الدرس وساحة التدريب، ليكون شبابنا أكثر وعيًا وانتماءً، وأقدر على حمل مسؤوليات المستقبل.