صناعة الرياضة السعودية: من استضافة البطولات إلى بناء الاقتصاد
إطلاق شراكات أكاديمية وبحثية مع الجامعات السعودية والعالمية لتقديم برامج نوعية في الإدارة الرياضية
التحدي الاستراتيجي يكمن في الانتقال من تنظيم الأحداث إلى بناء بنية اقتصادية دائمة
منذ مطلع العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، لم تعد الرياضة مجرد نشاط تنافسي أو وسيلة للترفيه، بل أصبحت رافدًا اقتصاديًا متقدمًا ومسرّعًا للتنمية الوطنية، وأداة استراتيجية فعّالة لتعزيز القوة الناعمة للدول. وبينما تشهد الدول المتقدمة ازدهارًا غير مسبوق فيما بات يُعرف ب"الصناعة الرياضية السياحية"، تأتي المملكة العربية السعودية اليوم في لحظة مفصلية تستند فيها إلى رؤية 2030، وإلى إمكاناتها البشرية واللوجستية والموقع الجغرافي، لتبني نموذجًا رياضيًا بيئيًا متكاملًا يُعيد تعريف الرياضة بوصفها محفّزًا اقتصاديًا وثقافيًا وسياحيًا وتنمويًا مستدامًا.
وما تحتاجه المملكة في هذه المرحلة ليس استنساخ التجارب العالمية، بل توطين النماذج الفاعلة ضمن قالب سعودي يعكس خصوصيتنا وهويتنا، ويستثمر طاقاتنا وشراكاتنا بذكاء استراتيجي، وهنا يبرز "نظام بيئة قطاع الرياضة السعودي – Saudi Sports Sector Ecosystem (SSSE)" بوصفه إطارًا تحويليًا شاملًا، يتجاوز التنظيم التقليدي نحو بناء صناعة وطنية ترتكز على التعليم، والسياحة، والابتكار، وتكامل القطاعات.
ومن بين التجارب العالمية التي يُمكن الاستلهام منها، تبرز تجربة إقليم كتالونيا في إسبانيا بوصفها نموذجًا متقدمًا في توظيف الرياضة كأداة اقتصادية عابرة للقطاعات، إذ استطاع الإقليم، عبر منظومة متكاملة من السياسات، والتشريعات، والشراكات الأكاديمية، أن يحوّل الرياضة من منتج ترفيهي إلى أداة اقتصادية عالية الأثر. ففي عام 2024، استضافت مدينة برشلونة النسخة السابعة والثلاثين من كأس أمريكا للإبحار، بين 22 أغسطس و19 أكتوبر، محققة نتائج مذهلة على مختلف المستويات.
ووفق دراسة رسمية مشتركة بين جامعة برشلونة ومؤسسة Barcelona Capital Nàutica، فقد تجاوز الأثر الاقتصادي المباشر للحدث 1.034 مليار يورو، وساهم في خلق ما يعادل 12,872 وظيفة، وحقق عوائد ضريبية وصلت إلى 208.5 مليون يورو، كما جذب 1.8 مليون زائر، منهم ما يقارب نصف مليون سائح قدموا خصيصًا للمشاركة أو المشاهدة. الحدث حقق كذلك أكثر من 954 مليون مشاهدة تلفزيونية حول العالم، ونتج عنه قيمة إعلامية قاربت 1.4 مليار يورو، مما عزز صورة برشلونة العالمية بوصفها مدينة رياضية – سياحية مستدامة.
لم يكن هذا الإنجاز وليد المصادفة، بل نتاج بيئة تنظيمية متكاملة تضم تشريعًا رياضيًا متقدمًا، وسجلًا وطنيًا للكوادر والممارسين (ROPEC)، وشراكات استراتيجية مع مراكز بحثية وأكاديمية مثل INEFC وBarça Innovation Hub، إلى جانب رؤية حكومية واضحة لدمج الرياضة ضمن مشاريع إعادة إحياء الميناء الحضري (Port Vell) دون بناء إنشائي جديد، بل عبر توجيه الاستثمار نحو البنية التحتية الذكية والمرنة والمستدامة. لقد أثبتت كتالونيا أن الرياضة إذا نُظّمت وفق بنية حوكمة محكمة، وسُخّرت كأداة تطوير حضري واقتصادي، فإن أثرها يتجاوز المستطيل الأخضر إلى خلق وظائف، وإحياء مدن، وابتكار تقنيات، وتعزيز صورة الدولة خارجيًا.
في المقابل، قطعت المملكة شوطًا كبيرًا في مسار التمكين الرياضي، حيث شهدت السنوات الأخيرة استضافة بطولات دولية ضخمة مثل الفورمولا 1 (منذ 2021)، كأس السوبر الإسباني (منذ 2020)، عروض WWE (2018، 2023)، وبطولات دولية في التنس والملاكمة، إضافة إلى فوزها بملف كأس آسيا 2027، وتوجهها لطرح ملف محتمل لاستضافة الألعاب الأولمبية، ما يعكس تنامي الثقة الدولية بقدرة المملكة على التنظيم والابتكار في آن واحد.
ومع هذا الزخم، يبقى التحدي الاستراتيجي في الانتقال من مجرد تنظيم الأحداث الكبرى إلى بناء بنية اقتصادية دائمة قائمة على صناعة رياضية متكاملة. وهنا يأتي دور SSSE، الذي يمثل نقلة مفاهيمية تهدف إلى إعادة تصميم قطاع الرياضة من الجذور، بحيث يتم دمجه في منظومة التنمية الوطنية من خلال التكامل مع السياحة، عبر إقامة الفعاليات الرياضية في وجهات مثل العُلا، نيوم ، الطائف ، وجدة التاريخية، لتصبح الفعالية الرياضية جزءًا من تجربة سياحية وثقافية ممتدة تنعكس على إشغال الفنادق، وتنشيط الحرف، وتحفيز الاقتصاد المحلي. كما يسعى النظام إلى تطوير التشريعات الرياضية لضمان مرونة العلاقة بين القطاعين العام والخاص، وتحفيز الاستثمار الأجنبي والمحلي في الأندية والمنشآت والتقنيات الرياضية، إلى جانب إطلاق سجل وطني شامل للممارسين والكوادر الرياضية، لتصنيف وتأهيل القوى البشرية عبر برامج احتراف وتدريب وطنية ودولية، وبناء قاعدة بيانات تنموية دقيقة.
ولا يتوقف الأمر عند التنظيم، بل يشمل إطلاق شراكات أكاديمية وبحثية مع الجامعات السعودية والعالمية لتقديم برامج نوعية في الإدارة الرياضية، إدارة الفعاليات، الاقتصاد الرياضي، وتحليل الأداء، ما يُسهم في بناء رأسمال بشري سعودي قادر على المنافسة والتصدير. كما يتضمن SSSE بناء نظام أداء وطني يقيس الفعالية والأندية وفق مؤشرات اقتصادية وسياحية واجتماعية واضحة، ويساعد في توجيه الدعم والتمويل حيث يكون الأثر أكبر.
وفي ظل هذا التحول المتسارع، تُشير التقديرات إلى إمكانية رفع مساهمة القطاع الرياضي في الناتج المحلي إلى ما يتجاوز 2.5 % بحلول 2033، وهو رقم قابل للارتفاع السريع في حال تم تفعيل أدوات التمكين المؤسسي، والاستفادة من الطاقات الشابة، والشراكات التقنية، والتوسع الذكي في السياحة الرياضية. كما يُتوقع أن يُخلق آلاف الوظائف الجديدة في مجالات نوعية مثل التكنولوجيا الرياضية، تحليل البيانات، التسويق الرياضي، وإدارة المنشآت، إلى جانب زيادة متوسط الإقامة السياحية بسبب تكرار الفعاليات في الوجهات نفسها، وتصدير الكفاءات الوطنية إلى أسواق الرياضة العالمية في المنطقة.
الرؤية النهائية التي يجب أن ننطلق منها ليست مجرد تنظيم مزيد من الفعاليات، بل تأسيس بنية مؤسسية لصناعة رياضية وطنية مستدامة، تتكامل مع الهوية الاقتصادية والتعليمية والسياحية والثقافية للمملكة. تجربة كتالونيا لا تُقدَّم بوصفها وصفة جاهزة، بل كدليل حي على أن الاقتصاد الرياضي لا يُبنى بالبنية التحتية وحدها، بل بالحكومة الذكية، والتشريع المحكم، والتعليم المتخصص، والشراكة المجتمعية. والسعودية، بإرادتها السياسية، ومواردها الهائلة، وفكرها الاستراتيجي، تملك فرصة حقيقية لأن تنتقل بالرياضة من طور الاستضافة إلى عصر التمكين، ومن الاستيراد إلى التصدير، ومن التنظيم إلى الريادة.
*رئيس مجلس ادارة نادي الدرعية السابق-
خبير الحوكمة والاستراتيجية الرياضية.
الأحداث والفعاليات الرياضية الكبرى التي استضافتها السعودية مؤخراً
معدل نمو إيرادات الصناعة الرياضية في السعودية
الشراكة الاستراتيجية بين الرياضة والسياحة لتحقيق التنويع الاقتصادي
الدكتور خالد بن سعد الحبشان *

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


حضرموت نت
منذ 8 دقائق
- حضرموت نت
اخبار النصر السعودي : رغم تهديدات برشلونة .. النصر يخطط لإبرام صفقة كبرى من الدوري البرتغالي
كشفت تقارير صحفية عن تطورات جديدة في مستقبل البرتغالي فرانسيسكو ترينكاو، لاعب نادي سبورتينغ لشبونة البرتغالي، حيث يوجد اهتمام باللاعب من جانب أحد أندية دوري روشن السعودي، خلال فترة الانتقالات الصيفية الحالية. وتكثف أندية دوري روشن السعودي العمل خلال الفترة الحالية بكل قوة، من أجل تدعيم صفوفها بمجموعة من اللاعبين المميزين، في ظل البطولات العديدة التي يتم التنافس فيها محليًا وقاريًا خلال الموسم الحالي. النصر يستهدف لاعب سبورتينغ لشبونة البرتغالي أكدت صحيفة 'سبورت' الكتالونية مساء اليوم، أن نادي النصر مهتم بالتعاقد مع لاعب برشلونة السابق وسبورتينغ لشبونة الحالي، البرتغالي فرانسيسكو ترينكاو، بطلب من المدرب الحالي للفريق خورخي خيسوس. ويرغب المدرب البرتغالي جيسوس في التعاقد مع مهاجم خلال الفترة القادمة، خاصة مع الرحيل المتوقع لبعض محترفي الفريق خلال فترة الانتقالات الصيفية الحالية؛ وذلك من أجل العودة مجددًا إلى منصات التتويج. ومن المتوقع أن تشهد الفترة القادمة تحركات رسمية من نادي النصر، بالتواصل مع اللاعب ووكيله خلال الساعات المقبلة، من أجل العمل على إتمام التعاقد بشكل رسمي، تمهيدًا لانضمامه إلى صفوف الفريق قبل بطولة السوبر السعودي، نهاية الشهر الجاري. عقد ترينكاو مع سبورتينغ لشبونة البرتغالي يمتد عقد ترينكاو مع سبورتينغ لشبونة حتى 30 يونيو 2027، ولا يحق له التفاوض مع أي نادٍ دون الرجوع إلى إدارة النادي البرتغالي، وتبلغ القيمة السوقية للاعب، حسب موقع 'ترانسفير ماركت' العالمي، نحو 35 مليون يورو. برشلونة يهدد صفقة النصر وبالتالي، تصبح صفقة النصر مهددة بالفشل في حال طلب النادي البرتغالي مقابلاً ماليًا أعلى لتغطية نسبة برشلونة، أما في حال رغبة النادي الكتالوني في استعادة اللاعب فقد تصبح الأمور أكثر تعقيدًا. إحصائيات ترينكاو في الموسم الحالي زلزال خيسوس الجديد في النصر | البرتغالي يطلب صفقة جديدة .. ونجم آخر يبتعد عن العالمي


حضرموت نت
منذ 8 دقائق
- حضرموت نت
اخبار الاهلي السعودي : الأهلي ينهي صفقة عالمية مدوية .. انتهت
يواصل النادي الأهلي خطواته الجادة في سوق الانتقالات الصيفية، ضمن مساعيه لتدعيم صفوف الفريق قبل انطلاق الموسم الجديد، سواء على المستوى المحلي أو القاري. ويبدو أن إدارة النادي عازمة على إبرام صفقات نوعية تُحدث الفارق داخل الملعب، خاصة في ظل الرغبة المتجددة في العودة إلى منصات التتويج المحلية مرة أخرى. الأهلي يحسم صفقة نارية ووفقًا للصحفي الإيطالي الموثوق فابريزيو رومانو، فقد توصل النادي الأهلي إلى اتفاق نهائي مع نادي شتوتغارت الألماني من أجل التعاقد مع لاعب الوسط الفرنسي إنزو ميلوت، الذي تألق بشكل لافت مع فريقه في الموسم الماضي. وأشار الصحفي الإيطالي الموثوق في حديثه إلى أن المدرب الألماني ماتياس يايسله، المدير الفني للنادي الأهلي، كان له دور بارز في حسم صفقة اللاعب خلال فترة الانتقالات الصيفية المقبلة، وذلك تمهيدًا لرحيل الإيفواري فرانك كيسييه. تفاصيل عقد ميلوت مع الأهلي وأكد رومانو أن صفقة انتقال إنزو ميلوت إلى الأهلي تمت مقابل 28 مليون يورو، في واحدة من أبرز صفقات الصيف بالنسبة للنادي السعودي، ومن المتوقع أن تشكّل الصفقة إضافة قوية لوسط ميدان الأهلي، خاصة مع الإمكانيات الفنية والبدنية التي يمتلكها اللاعب. ومن المنتظر أن يسافر إنزو ميلوت خلال الأيام القليلة المقبلة إلى المملكة العربية السعودية من أجل إجراء الفحوصات الطبية، تمهيدًا لتوقيع العقود والانضمام الرسمي إلى صفوف الفريق، وفقًا لما كشف عنه الصحفي الإيطالي الموثوق. أبرز إحصائيات ميلوت الموسم الماضي


Independent عربية
منذ 23 دقائق
- Independent عربية
بردغجي يثير إعجاب فليك في برشلونة قبل انطلاق الموسم الجديد
أنهى فريق برشلونة الإسباني الموسم الماضي (2024 - 2025) بسلسلة نجاحات لم تكن متوقعة، إذ توج بثلاثية الدوري الإسباني وكأس ملك إسبانيا وكأس السوبر الإسبانية، وودع مسابقة دوري أبطال أوروبا من الدور نصف النهائي أمام إنتر ميلان الإيطالي بفارق هدف واحد. فليك يعيد ترتيب الأوراق قبل انطلاق الموسم وفي ظل غياب "البارسا" عن المشاركة في بطولة كأس العالم للأندية 2025 التي استضافتها أميركا في يونيو (حزيران) ويوليو (تموز) الماضيين، فإن المدير الفني الألماني هانسي فليك عكف على إعادة ترتيب أوراق الفريق وسد كل ثغراته التي ظهرت في بعض مباريات الموسم الماضي. وتعاقد برشلونة مع حارس المرمى الإسباني جوان غارسيا (24 سنة) من إسبانيول في مقابل 25 مليون يورو (28.9 مليون دولار)، واستعار الجناح الهجومي الإنجليزي ماركوس راشفورد (27 سنة) من مانشستر يونايتد. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وبعيداً من الصفقات المنضمة لتدعيم قائمة الفريق الأول بصفة مباشرة تعاقد برشلونة مع الجناح الأيمن السويدي روني بردغجي (19 سنة) من كوبنهاغن الدنماركي في مقابل 2.5 مليون يورو (2.89 مليون دولار) ليضاف لقائمة الفريق الرديف "بارسا أتلتيك". بردغجي يخطف الأنظار ومع انتهاء المرحلة الأولى من فترة الإعداد يبدو أن بردغجي أثار إعجاب المدرب فليك والمدير الرياضي ديكو، على رغم أن هذا الإعجاب لن يغير - حتى الآن - من واقع التعامل معه كلاعب مسجل في الفريق الرديف، مع مشاركته يومياً في تدريبات الفريق الأول. ووفقاً لما ذكرته صحيفة "سبورت" الكتالونية فإن المدرب الألماني المخضرم مقتنع تماماً بأن النجم السويدي الصاعد سيحظى ببعض المشاركات مع الفريق الأول إن واصل تألقه في فترة الإعداد. وأضاف التقرير الإسباني أن درو فيرنانديز هو ثاني المفاجآت السارة للمدرب فليك في فترة الإعداد والجولة الآسيوية للفريق. ومثله مثل بردغجي، سيكون اللاعب البالغ من العمر 17 سنة ضمن قائمة الفريق الرديف مع دمجه تدريجاً في قائمة الفريق الأول.