
ندوة مشتركة السفارة الايطالية و LAU حول 'إعادة الاعمار بعد الحرب'
نظمت كلية العمارة والتصميم في الجامعة اللبنانية الاميركية – LAU بالتعاون مع سفارة إيطاليا والمركز الثقافي الايطالي ندوة ومعرضا بعنوان: 'إعادة الإعمار بعد الحرب: أدوات لما بعد'،. في مقاربة جديدة وعصرية تهدف الى استكشاف مواد بيئية بديلة وطبيعية، تندرج ضمن تحول ثقافي أوسع نحو ممارسات بناء وإعادة تأهيل مستدامة للافادة من الواقع الذي افرزته الحرب.
واقيمت الندوة والمعرض في قاعات كلية العمارة والتصميم في مبنى الجزائري في حرم بيروت، برعاية السفير الايطالي فابريتسيو مارتشيلي وحضوره والمديرة العامة لوزارة الصناعة المهندسة شانتال عقل ممثلة وزير الصناعة جو عيسى الخوري، مدير المركز الثقافي الايطالي انجيلو جووي، رئيس الجامعة الدكتور شوقي عبدالله، عميد كلية العمارة والتصميم الدكتور ايلي حداد واساتذة ومهتمين وطلاب.
دكاش
أستهل النشاط بتقديم من منظم الحدث الدكتور مارون دكاش الذي شكر الباحثين والخبراء من الجامعة وغيرها من مراكز الابحاث على مستوى لبنان والعالم على 'مشاركتهم في الندوة التي ستناقش البدائل الايكولوجية والطبيعية من اجل ثقافة وممارسات إعمار وإعادة تأهيل مستدامة تلتزم معايير المدن والهندسة المعمارية المستدامة'.
واعتبر دكاش ان 'مشكلة المدن المدمرة تكمن في فقدان المواطنين للذاكرة وخسارة الأشياء والمعالم، وتاليا فإن إعادة بناء صورة المدينة كما كانت قبل الدمار تعني محو حقبة من التاريخ'، وشدد على 'اهمية التغيرات الحضرية الاجتماعية والاقتصادية في مرحلة ما بعد الدمار لأنها أساسية لتطور المجتمعات'، وتوقف عند 'إمكانية تصميم 'مكان' حيث يمكن للتنوع والتعددية الاجتماعية والثقافية اكتشاف آفاق جديدة، لإن إعادة الإعمار فرصة لإعادة تشكيل الزمن، من خلال التطرق إلى الماضي والحاضر في تصميم مساحات مدنية جديدة قادرة على احتضان التنوع وخلق آفاق جديدة'.
مارتشيلي
وتحدث السفير مارتشيلي عن الغرض من الندوة لجهة 'التفكير بشكل جاد في إعادة إعمار لبنان بطرق أكثر ذكاء واستدامة'، وطرح نظرة جديدة على كيفية 'بناء الحواضر اللبنانية المدمرة والعيش فيها'، وشدد على 'الحاجة الى أفكار ومواد وعقلية جديدة، وإعادة البناء بشكل أفضل، لإنشاء مبان ومساحات أكثر صحة وتكيفا وترابطا مع البيئة والمجتمع المحيط بها'.
واعتبر ان 'ما تقدمه إيطاليا ليس نهج إعادة الإعمار التقني فحسب بل هو إنساني بعمق، مبني على عقود خبرة في إعادة بناء المدن والمجتمعات في أعقاب الكوارث الطبيعية والتحديات الاقتصادية'، ورأى أن 'البنية التحتية للهندسة المعمارية والأماكن العامة ليست مجرد هياكل مادية بل تعبير عن الهوية والانتماء'، ولفت الى أن 'نهج إيطاليا في لبنان هدفه تحويل الكلام إلى عمل، بدءا من إعادة تأهيل محطة مار مخايل التاريخية الى تجديد النافورة في منطقة فردان، وتشارك الخبرة الإيطالية من أجل مستقبل حضري أكثر شمولية واستدامة'، وقال: 'نحن هنا معكم، إيطاليا ليست فقط صديقة للبنان في أيام الحرب، إنما هي معكم في تصور المستقبل وبنائه معا'.
وتناولت اعمال الندوة الاولى بعنوان 'المدن المستدامة' ادارتها الدكتورة رامونا عبدو وعرضت لموضوع: 'العيش خارج الأرض: تصميم الحياة في المجهول' وتحدثت عنها الباحثة الايطالية فالنتينا سوميني من جامعة بوليتكنيك ميلانو. وموضوع 'نقل الأشخاص في بولونيا (ايطاليا): بنية تحتية مستدامة بين التكنولوجيا والهندسة المعمارية والمناظر الطبيعية' وتحدثت عنه الاستاذة في ميلان فيرجينيا كوربيزيرو من 'استديو جيني'. وفي موضوع 'من الأيدي إلى الموائل: التصنيع الحيوي لدعم التعايش بين الأنواع المتعددة والاستدامة المجتمعية' تحدثت عنه المهندسة المعمارية الحيوية الايطالية سيلينيا مارينيللي. اما الندوة الثانية فتناولت 'هندسة العمارة المستدامة' وادارتها الدكتورة صوفي خياط وعرضت لمواضيع: 'الأرض الخام في العمارة المعاصرة: الاستدامة والابتكار'وتحدثت عنها الدكتورة الايطالية الخبيرة في فن العمارة مادلينا فيراريسي. وموضوع 'إنشاءات بالات القش: ابتكار مستدام في الهندسة المعمارية' للخبيرة الايطالية باربرا ناريتشي. وموضوع 'أروندو: طريقة جديدة لفهم البنية والطبيعة والوظيفة والمشاركة والفضاء والاجتماعية' وتحدثت عنها الخبيرة الايطالية كريستينا سيتي. وموضوع 'BooTech، أداة معمارية لما بعد' للخبير الذائع الصيت في هندسة البناء بواسطة نبات البامبو الايطالي موريسيو كارديناس لافيردي. واختتمت الندوتان بملاحظات ختامية للعميد الدكتور ايلي حداد.
أما المعرض الذي تضمن عروضات متلفزة وشروحات عن احدث الابتكارات الايطالية في عالم البناء الحديث، فقد أستهل بكلمة العميد حداد الذي رحب بالحضور، وتقدم بشكر خاص للسفارة الايطالية على التعاون، وتمنى إستمراره وتطويره وصولا الى تبادل الطلاب. وخص بالشكر الدكتور مارون دكاش على الجهود التي يبذلها لما فيه مصلحة الطلاب والجامعة.
ورحب رئيس الجامعة الدكتور شوقي عبدالله بالحضور والاصدقاء الايطاليين والتعاون القائم مع الجامعة، وقال ان LAU 'سعيدة بذلك لا سيما أنه ليس هناك افضل من ايطاليا لمساعدة لبنان على إعادة الاعمار وخصوصا كلية العمارة والتصميم في الجامعة، وهي المكان المناسب لترجمة هذا التعاون علميا تمهيدا لتطبيقه عملانيا'. وتوقف عند 'اهمية التعلم من الايطاليين وتجربتهم الغنية في حفظ التراث والثقافة خصوصا في منطقة الجنوب اللبناني'، ورأى 'اهمية قصوى لعدم العودة الى الانماط القديمة في اعادة البناء بل العمل من اجل دمج المؤثرات البيئية والعمرانية الحديثة وصولا الى افضل النتائج'.
واشار الى 'فن العمارة اللبناني المستوحى من فن العمارة الايطالية'، وحض اللبنانيين على 'التعلم من الايطاليين رواد فن العمارة في العالم'.
وخلص عبدالله الى 'اهمية إنخراط الجامعة مع محيطها وبيئتها وتفاعلها معهم، وأن (LAU) كانت منذ 100 عام وستبقى هنا بعد مئة عام أخر وواجبها ورسالتها يدعوانها الى الاهتمام بكل هذه التفاصيل'.
كما القى مدير المركز الثقافي انجيلو جووي كلمة، تحدث فيها عن 'التعاون في مجال اعادة الاعمار وفي مجالات عدة اخرى'، وحض على التفكير في 'كيفية مساعدة لبنان على النهوض بعد الحرب
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

القناة الثالثة والعشرون
منذ 13 ساعات
- القناة الثالثة والعشرون
كما في زحلة كذلك في جزين! نجِّنا من التجارب
كما في زحلة كذلك في جزين، لا تُدخلنا يا ربّ في التجارب ونجّنا من الشرير آمين. والشرير هنا ليس "التيار الوطني الحر" الذي لم يعد قادراً على حسم المعركة في جزين منفرداً بل "الثنائي الشيعيّ" الطامح إلى إعادة زمن وصاية عين التينة على عروس الشلال. أما التجارب التي نتضرع إلى الله أن ينجّيَنا منها فهي ضعف بعض النفوس أمام مغرياتٍ عازارية أو بعض "الحلو" من بيت الحلو. المعركة في جزين هي معركة تأكيد هُويّة قضاء قرّر القضاء على هيمنة ورقة تفاهم مار مخايل مستعيداً سيادته فانتخب نائبة مشرّعة تليقُ بها النيابة غادة أيوب ونائباً متواضعاً وصلباً في آن عاش في جزين وشرب من مياهها سعيد الأسمر، بعدما ظنّ الجميع بأن جزين هي قلعة العونيين ومسقط رأس رئيس الجمهورية السابق والرئيس الفخري لـ "التيار الوطني الحرّ" ميشال عون. جزين اليوم تخوض معركة مصيرية وهي حسمت على مستوى القضاء نتيجة اتحاد بلدياتها لصالح "القوات اللبنانية" في خطوة واضحة ومعبّرة عن ثبات المزاج الشعبي على خطى السياديين، لكنّ "القوات" تحتاج إلى الفوز في عاصمة القضاء لما لهذا الفوز من دلالات واضحة خصوصاً وأن المعركة ضد الجميع كما معركة زحلة. فالمتحالفون ضدّ "القوات" لكسرها في جزين هم: "التيار الوطني الحرّ" ، "حركة أمل" و"حزب الله"، الحزب "السوري القومي الاجتماعي"، النائب السابق زياد أسود. جميعهم يخافون وصول رئيس حزب "القوات اللبنانية" الدكتور سمير جعجع للاحتفال مساء السبت المقبل في ساحة جزين. جميعهم يخافون من صورة الحكيم مع سيدة المعبور، جميعهم يهالهم مشهد الانتخابات النيابية في الـ 2022 حين أشرقت شمس "القوات" على قلعة العونيين، لكنّ تحالف عازار بالتحديد اليوم مع العونيين يُعطي فرصة كبيرة للقواتيين المتحالفين مع العائلات الجزينية لتحقيق انتصار تاريخيّ وتحضيريّ للانتخابات النيابية المقبلة. ومن عوامل القوة أيضاً عند "القوات" اسم المرشح لـ "التيار الوطني الحرّ" وتاريخ شقيقه الذي كان رئيساً سابقاً للبلدية في جزين قبل الـ 2016 ولقيَ معارضة جزينية واسعة أدت إلى شلل في البلدية ناهيك عن شكاوى بحقه في أكثر من ملف. وفي السياق يرى العونيون أن الانتخابات الحالية في جزين مصيرية فهُم خسروا اتحاد بلديات البترون واتحاد بلديات كسروان واتحاد بلديات المتنين الجنوبي والشمالي وخسروا زحلة والجديدة وجونيه والعديد من البلدات والمدن الكبيرة ويحتاجون إلى فوز في جزين يُعيد لهم بعضاً من خطاب النصر قبيل الانتخابات النيابية المقبلة. في المقابل تتحدث الأرقام عن تقارب كبير بين المتنافسين، ففي حين ينطلق القواتيون من حوالى 2100 صوت في جزين المدينة يقابلهم "التيار" بحوالى 2000 صوت في جزين إلا أن الفارق لمصلحة "التيار" هو في عين مجدلين حيث يحظى التيار بحوالى 400 صوت مقابل 200 لـ"القوات اللبنانية"، وستكون الساعات المقبلة حاسمة في تحديد هُوية جزين السياسية للمرحلة المقبلة خصوصاً وأن رئيس "التيار الوطني الحرّ" النائب جبران باسيل سيزور جزين غداً في محاولة لشدّ العصب العوني مقابل موجة شعبية كبيرة خلقتها نتائج انتخابات زحلة في قلوب الفريق السيادي من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب. يبقى أن جزين تحتاج نفسَاً سيادياً في ظل هيمنة سلاح "حزب الله" لسنوات وسنوات على قضائها وناسها وسياسييها، وهي مُحاصرة بمطار عسكريّ لحزب إرهابي وبعض الذين خافوا ولا يزالون من علمٍ أصفر هُنا وإصبع مرفوع هناك، وما علينا سوى تحفيز الجزينيين على الضرب بيد من حديد وحسم الخيارات في مواجهة الزاحفين إلى عين التينة والضاحية الجنوبية عبر صناديق الاقتراع. رامي نعيم -نداء الوطن انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News

القناة الثالثة والعشرون
منذ 14 ساعات
- القناة الثالثة والعشرون
من "التسونامي" العوني إلى " التسونامي" القواتي
استحضر الزخم الذي حققته "القوات اللبنانية" في الانتخابات البلدية مشهد "التسونامي العوني" الذي اجتاح صناديق الاقتراع في الانتخابات النيابية عام 2005، وسط ترجيحات بأن يمتد هذا المدّ القواتي إلى الاستحقاق النيابي المقبل. ورغم أوجه الشبه في الصورة العامة، فإن المقارنة بين الظاهرتين تبقى سطحية، إذ تختلف الأسباب والسياقات بشكل جوهري. فـ "تسونامي التيار الوطني الحر" عام 2005 ارتكز على عاملين أساسيين: الركيزة الأولى، الاتفاق الرباعي بين القوى الإسلامية الرئيسية آنذاك، والذي رأى فيه المسيحيون محاولة لإعادة إنتاج منظومة ما بعد الوصاية السورية، مع استمرار تهميش التمثيل المسيحي وحضورهم في مؤسسات الدولة. أما الركيزة الثانية فقد جاءت بمثابة محاكاة للركيزة الأولى، حيث استمر "التيار الوطني الحر" بالخطاب السيادي الذي يحاكي الوجدان المسيحي في العلن، الذي لخّصه في ما عُرف بـ"الكتاب البرتقالي" وقدّمه للرأي العام المسيحي الغاضب، قبل أن يُسحب لاحقاً من التداول. أقول "في العلن" لأن ما جرى في الواقع كان أقرب إلى عملية خداع واسعة للمسيحيين، إذ تبيّن لاحقاً أن الرئيس ميشال عون كان قد أبرم اتفاقاً سرياً مع قوى الممانعة في العاصمة الفرنسية باريس، وذلك قبل عودته إلى لبنان. في المحصلة، لم ينبثق "التسونامي العوني" من مشروع وطني متماسك أو رؤية استراتيجية راسخة، بل تشكّل كارتداد سياسي على الاتفاق الرباعي، مدفوعاً بخديعة الخطاب السيادي والإصلاحي الموجّه للرأي العام المسيحي. لكنه بدأ بالانحسار تدريجياً حين دخل "التيار" في دهاليز المحاصصة وتقاسم المغانم، وتحوّل التفاهم الباريسي السري مع قوى الممانعة إلى اتفاق مار مخايل العلني مع "حزب الله". في المقابل، بَنَت "القوات اللبنانية" حضورها السياسي على قاعدة راسخة من الثوابت الوطنية، أبرزها احتكار الدولة للسلاح، تعزيز دور الدولة ومؤسساتها، الحفاظ على علاقات متوازنة مع العالم العربي والمجتمع الدولي، والشفافية ومحاربة الفساد وتحديث الأداء المؤسساتي ومكننته. هذا الالتزام لم يقتصر على الخطاب السياسي، بل تُرجم عملياً في الأداء البرلماني والوزاري، ما أضفى صدقية على مواقفها. طبعاً "القوات اللبنانية" ليست حزباً من جنس الملائكة، بل شأنها شأن أي حزب سياسي، قد وقع في أخطاء خلال مسيرته، إلا أنها لم تجعل من مصالحها الحزبية تتقدم على المصلحة الوطنية أو سُلّماً تتجاوز عبره ثوابتها، وقد برهنت عن ذلك في أكثر من محطة مفصلية، كما في تبني ترشيح العماد جوزاف عون لرئاسة الجمهورية، وتراجعها عن دعم النائب فؤاد مخزومي لرئاسة الحكومة لصالح القاضي نواف سلام انسجاماً مع مقتضيات المعركة السياسية. وإن كان حقها المشروع، كما هو حق أي طرف فاعل في الحياة السياسية اللبنانية، أن تسعى إلى ترسيخ حضورها السياسي، لكنها تفعل ذلك من دون التفريط بمبادئها. في الخلاصة، استند "التسونامي" العوني إلى موجة ظرفية هشّة قوامها ردّ فعل شعبي وخطاب خداعي سرعان ما تكشفت حقيقته، بينما جاء صعود "تسونامي القوات" مدفوعاً بعوامل أكثر رسوخاً. وقد شكلت التحولات الإقليمية، ولا سيما الضربة التي تلقاها المشروع الإيراني في لبنان والمنطقة، رافعة إضافية لمشروع ومسار "القوات" باتجاه قيام دولة سيّدة وإصلاحيّة. جميع هذه العوامل التي عزّزت صدقية مسارها وخطابها السياسي، لاقت صدى واسعاً لدى الرأي العام المسيحي، الذي يرى في مشروع الدولة خياراً تاريخياً ومصيرياً يعبّر عن تطلعاته السياسية والوطنية، فكان "التسونامي القواتي". مروان الأمين -نداء الوطن انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News


IM Lebanon
منذ 7 أيام
- IM Lebanon
'تيتانيك' باسيل و'التيار': إنّي أغرق
كتب نجم الهاشم في تداء الوطن: قبل أن يبشّر الرئيس السابق ميشال عون اللبنانيين بأنّنا 'رايحين على جهنّم' كان شبّه الوضع في لبنان بباخرة التيتانيك التي كانت تغرق بينما الركاب يرقصون على أنغام الموسيقى غير مدركين خطورة ما يحصل وما ينتظرهم. هذا الوصف يكاد ينطبق على 'التيار الوطني الحر' ورئيسه النائب جبران باسيل، الآخذ في الغرق منذ إصاباته الخطيرة التي أصيب بها بعد ثورة 17 تشرين، وقد زادت خطورة بعد فشله في حجز مقعد رئاسي له، وبعد الخلاف مع 'حزب الله' وخسارة الذين أحاطوا به بعد بداية العهد، وتصدُّع وضعه الداخلي بعد قرارات الطرد التي اتخذها. تجربة الانتخابات البلدية تؤكّد اتجاه 'التيار' الانحداري. ولكن ما يفعله رئيسه باسيل في تقييم نتائج هذه الانتخابات، يشبه ما يفعله 'حزب الله' في تقييمه لهزيمته في الحرب، كأنّ تفسيرهما للخسارة واحد على قاعدة أنّه 'مهما صار انتصار'. بعد كل جولة انتخابات بلدية، كما حصل في جبل لبنان ثم في الشمال وعكار، وكما سيحصل في بيروت والبقاع وفي الجنوب، يسارع رئيس 'التيار الوطني الحر' وقبل ظهور النتائج النهائية إلى إعلان الانتصار. ولكن هذا الإعلان غير الاحتفالي يبقى مطعّماً بطعم الخسارة. فـ 'التيار' ينطلق في تقييمه للنتائج من قاعدة يستند إليها وهي أنّه لا يزال يتنفّس ولا يزال حيّاً، بينما كان هدف المعركة القضاء عليه انتخابياً بعد محاولة القضاء عليه سياسياً. هكذا هو منطق 'حزب الله' أيضاً في تقييمه للحرب وفيه أنّه طالما لا يزال يتنفس وواقفاً على رجليه، كما يقول أمينه العام الشيخ نعيم قاسم، فهذا يعني أنّ أهداف الحرب فشلت لأنّ إسرائيل كانت تريد أن تقضي عليه. طالما لم يمُت فهو انتصر. من التسونامي إلى التسلّل ينطلق رئيس 'التيار' جبران باسيل في تقييم نتائج الانتخابات البلدية والاختيارية من خلال تعداد التياريين أو المؤيّدين له الذين فازوا في المجالس البلدية أو في المخترة. ولكنّه لا ينطلق من الأساس الذي بدأت معه رحلة الذهاب إلى هذه الانتخابات، ولا يقارن بما كان عليه وضعه في انتخابات العام 2005 النيابية بعد عودة العماد ميشال عون من باريس وبين الوضع الذي آل إليه اليوم. لم يقل أحد أنّ 'التيار' سينتهي وأنّ هناك حرب إلغاء ضده حتى يأتي ويقول إنه أفشل هذه الحرب. فهو لا يزال موجوداً طبعاً، وبعد أعوام سيبقى موجوداً. ولكنّ السؤال هو عن حجمه ودوره وعلّة وجوده. التسونامي الذي شكّله العماد ميشال عون، خصوصاً في الشارع المسيحي، أخذ يتلاشى مع كل جولة انتخابات. قبل عودته إلى لبنان، وقبل اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005، أبرم عون تفاهماً مع النظام السوري و'حزب الله'، ورئيس الجمهورية الذي مثّلهما في لبنان العماد إميل لحود حول موضوع العودة ومعركة الانتخابات النيابية بحيث يكون إلى جانب لحود و'الحزب' وضد قوى المعارضة التي كانت تتّكل على قاعدة ثلاثية: الرئيس رفيق الحريري ووليد جنبلاط والبطريرك مار نصرالله بطرس صفير و'القوات اللبنانية'، ومن ضمن هذه الاستراتيجية كان قرار إبقاء سمير جعجع في الاعتقال. وقياساً على تلك النتائج التي حقّقها، ذهب عون إلى تفاهم كنيسة مار مخايل مع 'الحزب' في 6 شباط 2006. ذلك التفاهم كان مبرماً قبل أن يلتقي عون ونصرالله لأخذ الصورة التذكارية. ليس حبّاً بـ 'التيار' بل كرهاً بـ 'القوات' منذ ذلك التاريخ مضى عون مع تياره في رحلة صعود إلى السلطة بدعم من 'حزب الله' حيث كان يتمّ تجميد البلد كرمى لعيون باسيل ومن أجل إعطائه الحقائب الوزارية التي يريدها. ولكن طريق الصعود إلى السلطة كان يقابله هبوط في الشعبية وفي التمثيل النيابي الذي بقي يعتمد فيه على دعم 'الحزب' لكي تبقى كتلة نواب 'التيار' أكبر من كتلة 'القوات اللبنانية'. احتضان 'الحزب' لـ 'التيار لم يكن حبّاً وغراماً به وبباسيل وعون بل كرهاً بـ 'القوات'. هكذا تمّ تعطيل الحكومات والانقلاب على الرئيس سعد الحريري في كانون الثاني 2011، وتشكيل حكومات موالية لـ 'الحزب' و'التيار' فشلت في تحقيق أي إنجازات، وقادت اللبنانيين إلى جهنم. وهكذا تم فرض الفراغ في قصر بعبدا بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان حتى تأمين انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية. كان من الطبيعي أن يلتفّ طامحون إلى جنّة الحكم حول العهد في بداية انطلاقته. هذا ما حصل في الانتخابات النيابية عام 2018 عندما انضم إلى تكتله النيابي بعض النواب المستقلين، كميشال ضاهر وميشال معوض ونعمت افرام وإيلي الفرزلي وشامل روكز وطلال أرسلان، بالإضافة إلى 'تيار المردة' وسليمان فرنجية وحزب 'الطاشناق'… ولكن معظم هؤلاء لم يبقوا على العهد مع العهد وانفكوا من حوله، وهو في نصف الولاية بعد ثورة 17 تشرين والسقوط العظيم، وقبل انتخابات أيار 2022 التي كابد فيها 'التيار' للحفاظ على موقع متقدم ولتأمين فوز باسيل بمقعده في البترون، ولو بخسارة عدد كبير من الأصوات. بعد تلك الانتخابات خرج رئيس 'التيار' ليقول أيضاً إن التيار لم يخسر على رغم الحملات التي تعرّض لها وشوّهت سمعته وسمعة رئيسه، وإنّه واجه حرب إلغاء وانتصر. ولكن حتى بعد تلك الانتخابات لم يتوقّف النزف داخل 'التيار' فخسر أربعة من نوابه الأساسيين: ابرهيم كنعان والياس بو صعب في المتن وألان عون في بعبدا وسيمون أبي رميا في جبيل. التوازن السياسي المفقود استمر نزف 'التيار' وتتالت خساراته السياسية والشعبية. منذ بدأ 'حزب الله' حرب المساندة في 8 تشرين الأول 2023 بدأ 'التيار' يبتعد عن 'الحزب' نظراً إلى النتائج المدمّرة لهذه الحرب ولأنّه تحمّل منه ما لا يحتمل في مسألة تمسك أمين عام 'الحزب' السيد حسن نصرالله بدعم رئيس 'تيار المرده' سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية. انهارت علاقة باسيل مع 'تيار المرده' وتصدعت مع 'حزب الله' عندما أعلن أكثر من مرة أنّه ضد هذه الحرب. ولكن على رغم ذلك فقد شعر باسيل بالهزيمة التي تكبّدها 'حزب الله' بعد اغتيال أمينه العام السيد حسن نصرالله ومعظم قياداته واضطراره إلى القبول باتفاق وقف النار المذل الذي يعطي إسرائيل حقّ التدخل الدائم في لبنان. مع انتخاب العماد جوزاف عون رئيساً للجمهورية فقد باسيل التوازن السياسي. فهو لم يسمّه وخاض حملات شخصية ضدّه واتّّهمه بالغدر والخيانة، وحاول فتح ملفات فساد تتعلّق بموقعه في قيادة الجيش. ولكنّ هذه الحملة انقلبت ضده. لذلك حاول استلحاق نفسه بتسمية نواف سلام لرئاسة الحكومة ولكن كل ذلك المسار وضعه تلقائياً خارج السلطة والحكم والحكومة. من هنا اعتبر أن هناك حرباً كونية ضدّه وضدّ 'التيار' ومن هذه الخلفية اعتبر باسيل أنه طالما لا يزال يتنفّس فهو منتصر. ابتعد عن 'التيار' مدركاً وضعه الشعبي والسياسي المحاصر، لم يقتحم باسيل معركة الانتخابات البلدية. عزف عن خوض المعارك واختبأ خلف لوائح زجّ فيها بعض المنتسبين إليه. وهو لم يختر هذا الأمر راضياً إنّما لأنّ أطرافاً كثيرة لم تقبل أن تتحالف معه، أو ابتعدت عن هذا التحالف لأن الصورة مع التيار صارت تؤدّي إلى خسارات سياسية وشعبية بعدما التصقت به اتهامات الفساد وتمّ تحميله مسؤولية الانهيار الاقتصادي والمالي. 'ابتعد عن التيار' تلك كانت قاعدة لجأ إليها كثيرون ممن كانوا حلفاءه. هذا ما حصل في بلدية جونيه مثلاً وفي زحلة وجزين والجديدة وغيرها. بينما في المقابل كانت 'القوات اللبنانية' في صلب هذه اللوائح تستقطب المتحالفين معها شخصيات مستقلة وأحزاباً، وبدت من خلال هذه الصورة وكأنها حزب العهد أو الحزب الذي يشكل قوة له. لا يمكن قياس قوة بقاء 'التيار' وباسيل على قيد الحياة السياسية من خلال تعداد المقاعد في المجالس البلدية. فالتحدي الأكبر الذي سيواجهه باسيل سيكون في الانتخابات النيابية في أيار 2026 حيث بدأت بوادر المعركة تشير إلى احتمال ألا يترشح باسيل شخصياً في البترون. وإلى احتمال خوض معارك ضد من كانوا إلى جانبه في التيار قبل المعارك ضدّ من يعتبرهم خصومه الأساسيين كـ 'القوات اللبنانية'. هذه الانتخابات ستؤشر إلى طول مرحلة عبور الصحراء التي سيعيشها 'الحزب' وإلى قدرته على البقاء تحت الماء.