
جوع وقتل ونزوح... صحافيو غزة في قلب دائرة الاستهداف
لم يسقط ذلك الصحافي وحده، بل كان معه زملاء آخرون يعملون لصالح مؤسسات إعلامية محلية ودولية بنظام العمل الحر.
وما إن غردت الزوجة المكلومة بكلماتها الموجعة، حتى أطلق زملاء المهنة حملة تبرعوا بها بآلاف الشواقل، لكن تلك الحملة كشفت اللثام عن حالات كثيرة مشابهة.
فالعديد من عوائل الصحافيين لا يجدون معاشاً يخفف من قسوة ظروف الحياة التي يواجهها سكان القطاع، خاصةً من يعملون بعقود عمل يومية لا تُلزم مؤسساتهم بأي حقوق حال مقتلهم، أو وفاتهم، أو تعرضهم لأي طارئ آخر.
ودخل الصحافيون منذ اليوم الأول للحرب في دائرة الاستهداف التي تسحق آلاف الغزيين... قتلاً، وتشريداً، وتجويعاً.
�نعيش مع الموت لحظة بلحظة�
إبراهيم قنن، أحد أوجه الصحافة بغزة منذ عقود، يصف الحرب الحالية بأنها الأصعب التي تمر عليه منذ 30 عاماً؛ ويتحدث عن شدة المعاناة التي يتكبدها الصحافيون، سواء لاستهدافهم بشكل مباشر، أو استهداف مقرات عملهم، أو سيارات البث، أو المركبات والمكاتب الخاصة بهم، أو حتى خيام النزوح، أو المنازل والشقق السكنية التي يقيمون بها، ناهيك من المخاطر أثناء تغطيتهم للأحداث.
وأضاف في حديث لـ�الشرق الأوسط� أن الصحافي بغزة يواجه قائمة طويلة من الصعوبات البالغة، مع عدم توفر الكهرباء والماء، وانقطاع الإنترنت.
وفي الأشهر الأربعة الأخيرة، تضاعفت الأزمات على الصحافيين، إذ لا يستطيعون توفير الغذاء لأنفسهم وعوائلهم وزملائهم، وتمر عليهم الساعات الطوال لا يأكلون فيها شيئاً، ولا يجدون حتى النذر اليسير من الطعام، مع اختفاء الخبز والبيض والدواجن، وأي طعام يمنح الإنسان قدراً من الطاقة، فإن توافر كان السعر باهظاً.
الأصعب من هذا كله، كما يقول قنن، هو أن الصحافي بغزة لا يشعر بأي نوع من الأمان، فلا تكاد تمر بضعة أيام إلا ويُقتل صحافي هنا، أو يصاب آخر هناك. ويضيف: �نشعر كأننا مستهدفون على مدار الساعة، ونتحرك بخوف شديد، ونعيش حالة من الرعب والقلق. فرغم أننا نرفع شارات الصحافة، ونرتدي الخوذة والسترة المخصصتين لعملنا، فإننا لا نشعر بالأمان�.
ووفقاً لآخر الإحصائيات الصادرة عن نقابة الصحافيين الفلسطينيين، قُتل 232 صحافياً في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023.
وكان قنن أول صحافي يصاب في غزة بعد ساعات من بدء الهجوم الإسرائيلي على القطاع صبيحة هجوم �حماس� في ذلك اليوم. كان يستعد وقتها لتغطية مباشرة على الهواء عقب استهداف مركبة إسعاف في ساحة مجمع ناصر الطبي في خان يونس، لكنه أصيب وعدد من زملائه الذين كانوا على بعد بضعة أمتار من المركبة.
وعن تلك اللحظة يقول: �لثوانٍ معدودة، شعرت بأن الموت يقترب مني. وبعدما استعدت وعيي، تفقدت أطرافي ووجدت أنني مصاب ببعض الشظايا في أماكن مختلفة إحداها قرب القلب. ورغم ذلك وبعد 4 ساعات فقط، ظهرت في تغطية مباشرة على الهواء وأنا مصاب�.
ويضيف: �اخترت مواصلة التغطية ونقل معاناة شعبنا، ولم نغادر ميدان التغطية، لأن الصحافة رسالة إنسانية وسامية للشعوب، ونؤمن بهذه الرسالة�، مشيراً إلى أنه تعرض لاحقاً لعدة عمليات قصف برفقة زملاء، وكادوا يفقدون حياتهم فيها.
ويواصل حديثه قائلاً: �هذا جزء من معاناتنا، الرعب والخوف يلاحقنا، ولذلك نحن نعمل تحت ضغط شديد. نحن نعيش مع الموت لحظة بلحظة، ونشاهده يومياً، وكأننا رفاق درب، وهذا يزيد من الضغط علينا... ولا يتوفر لدينا الحد الأدنى من الإمكانيات�.
ومع نزوح الصحافيين المتكرر، مثلهم مثل باقي مواطني غزة، يؤكد قنن أنه لا توجد منطقة آمنة في القطاع.
يقول: �رغم كل هذا الألم، نحن مضطرون لمواصلة العمل، ولا نستطيع التراجع، أو أن نخذل المواطنين، نحن ننقل معاناتهم التي تعطينا حافزاً لاستمرار التغطية. مرهقون وجوعى وعطشى، ونواجه ونكابد الأمرّين، إلا أننا ننوب عن كل مواطن وعن كل صحافي في العالم حُرم من دخول القطاع، لننقل حقيقة معاناة شعبنا�.
الموت جوعاً
الصحافية مادلين شقليه، التي كانت قبل الحرب تعمل في إذاعة محلية، وتقدّم برنامجاً صباحياً شهيراً يستمع إليه الآلاف، وباتت حالياً تعمل في إحدى قنوات التلفزة العربية مراسلة لتغطية الأحداث بالقطاع، ذاقت هي الأخرى مرارة النزوح المتكرر، وفقدان العديد من الأهل.
تقول لـ�الشرق الأوسط�: �حياتنا تغيرت وتبدلت، وفقدنا أعز الناس علينا�، مشيرةً إلى أن شقيقتها وأطفالها قُتلوا في قصف إسرائيلي، ولم تستطع حتى توديعهم، إذ كانوا في شمال القطاع بينما هي نازحة في جنوبه.
لم تكن شقليه تتوقع أن تطول الحرب كل هذه المدة، وتقول إن الصحافيين عانوا، مثل الجميع في غزة، من النزوح المتكرر بعد ضياع البيوت، وتدمير المنازل. وتشير إلى أن منزلها دُمّر بالكامل، لكنها رغم كل ذلك لم تتوقف عن التغطية.
وتضيف: �كل شيء مؤلم ويوجعنا، لكن رسالتنا لا بد أن تصل، وهذا واجب�.
تتحدث عن المجاعة فتقول إنها عانت فيها كثيراً، لكن ألمها الأكبر كان للوضع المأساوي الذي يعيشه المسنون والأطفال. وكان الوجع يعتصر قلبها وهي ترى حال زملائها الصحافيين الذين كانوا ينهارون ويقعون نتيجة التغطية المتواصلة في ظل التجويع والاستهداف المتكرر.
وأعربت مادلين شقليه عن أملها في أن يُسدل الستار على الحرب، وأن تنتهي المجاعة التي أكدت أن إسرائيل تستخدمها سلاحاً ضد الفلسطينيين، وقالت: �لما حدا بيقول ما أكلناش... صدقوه، هذا حقيقي. ما يحصل في غزة أكبر من إن أي حدا يتحمله�؛ مشيرةً إلى أن اهتمامات السكان باتت تتركز على توفير الطحين والأرز دون خوف من الموت الذي بات أهل غزة يتمنون لقاءه وهم شبعى على الموت جياعاً.
وخلال الشهر الماضي، سُجّل دخول أربعة صحافيين إلى المستشفيات لتلقي العلاج، خاصةً في مجمع ناصر الطبي بخان يونس، بعد انهيارهم في أعقاب شعورهم بالإعياء نتيجة عدم تناولهم أي طعام لعدة أيام سوى القليل من الأرز الذي استطاعوا توفيره بصعوبة بالغة لهم ولعوائلهم.
هزال وضعف
من كان يتابع الصحافيون والمراسلون والمصورون في غزة قبل الحرب يستطيع أن يرى بسهولة ما طرأ عليهم من هزال ووهن، ونقص شديد في الوزن بعد شهور طوال من الحياة القاسية.
ويقول المراسل الصحافي عبد الله مقداد إن الصحافيين، مثلهم مثل أي مواطن بغزة، يعانون الهزال والصداع، وتراجعاً في الوزن والصحة نتيجة المجاعة والظروف الصعبة، وهو ما يجعل بعضهم غير قادر على البقاء طويلاً في تغطية مستمرة على الهواء
نزح مقداد مرات عديدة، والتقى بعائلته أول مرة بعد قرابة شهرين من اندلاع الحرب، نظراً لأنه كان يقوم بتغطية مباشرة.
وبسبب الحرب وقسوة الحياة، اتخذ قراراً صعباً بسفر عائلته، مفضَّلاً قسوة البُعد على مخاطر القُرب. وبنبرة غلبها الحزن والقهر قال: �كثير باشتاق لعائلتي�.
ووصف الحرب الحالية بأنها �من أقسى ما مر على الصحافيين في القطاع�، خاصةً أن عوائلهم كانت جزءاً من الاستهداف المباشر من قِبل قوات الجيش الإسرائيلي التي لا تُفرّق بين مدني وعسكري. وأكد هو الآخر أن الصحافيين، مثل باقي المواطنين، يعجزون عن توفير لقمة العيش والاحتياجات الأساسية.
الصحافي عامر السلطان تحدث أيضاً عما تكبده من ظروف قاسية أثناء نزوحه من شمال القطاع إلى جنوبه، قبل أن تقتل طائرة إسرائيلية عدداً من أفراد عائلته، من بينهم أشقاء لم يستطع توديعهم.
يقول: �في قلبي حرقة كبيرة�
ويؤكد السلطان أنه رغم الظروف التي يمر بها الصحافي من استهداف ومجاعة وغيرهما، فإنه يصر على تصوير القصص الإنسانية، ونقل معاناة السكان إلى العالم، قائلاً: �نحن مثل أي مواطن، نتناول ربع وجبة في اليوم مما نستطيع أن نتحصل عليه�.
وتابع: �أحزن على حال الناس الجعانة، ولما أصوَّر باتوجّع لألمهم؛ لكن أنا بعد ما أخلص أكون مثلهم... ما بالاقي الأكل�.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


اليمن الآن
منذ 7 دقائق
- اليمن الآن
عوائق خورمكسر تزيل استحداثاث عشوائية لفتح طريق عام بمنطقة العريش
نفّذ مكتب الأشغال العامة والطرق بمديرية خورمكسر، عبر قسم العوائق، حملة لإزالة عدد من الأساسات والأحواش العشوائية والمخالفة في منطقة العريش – غازي علوان، وذلك بتوجيهات من وزير الدولة، محافظ العاصمة عدن، أحمد حامد لملس، وإشراف مباشر من مدير عام المديرية، عواس الزهري. واستهدفت الحملة إزالة الاستحداثات التي أقيمت بشكل مخالف على طريق عام بعرض 25 مترًا في وحدة الجوار 61 4A، والتي شملت أساسات حجرية وأحواشًا عشوائية ، حيث قامت فرق الحملة بإزالتها بشكل كامل تمهيدًا لفتح الطريق أمام المواطنين. وأوضح رئيس قسم العوائق بالمديرية، قاسم الدابولي، أن القسم يعمل بشكل مستمر على رصد وإزالة التعديات على أراضي الدولة والمواطنين، وفق توجيهات قيادة المديرية ممثلة بالمدير العام، عواس الزهري، الذي شدد على عدم التهاون مع أي أعمال بسط أو تعدٍ على الممتلكات العامة والخاصة. وأكد الدابولي أن الحملات ستستمر لضمان الحفاظ على المخطط العمراني والحد من العشوائيات، بما يسهم في تحسين البنية التحتية وخدمة المواطنين في المديرية.


يمن مونيتور
منذ 7 دقائق
- يمن مونيتور
رئيس الوزراء اليمني: على الأسعار أن تعكس تحسن العملة
يمن مونيتور/ قسم الأخبار عقد مجلس الوزراء اليمني اجتماعه الدوري اليوم الأربعاء في العاصمة المؤقتة عدن، برئاسة رئيس الوزراء سالم بن بريك، لمناقشة التحديات الاقتصادية والخدمية، والسبل الكفيلة بتحويل التحسن النقدي إلى نتائج ملموسة في حياة المواطنين. وأكد المجلس أن التحسن الأخير في قيمة الريال اليمني يعكس تكامل السياسات النقدية والمالية التي انتهجتها الحكومة مؤخرًا، داعيًا كافة الوزارات والمؤسسات إلى تفعيل هذا الإنجاز من خلال كبح جماح الأسعار، وضبط الأسواق، ومكافحة الاحتكار والمضاربة. وقال إن 'تحسّن سعر صرف العملة الوطنية ليس مجرد رقم اقتصادي، بل التزام حكومي بضرورة انعكاسه المباشر على أسعار السلع والخدمات'. في السياق ذاته، اعتبر رئيس الوزراء أن الحرب الاقتصادية التي تقودها جماعة الحوثي – عبر استهدافها المتكرر للبنية التحتية النفطية، وفرضها قيودًا على تداول العملة الوطنية – تمثل تحديًا استراتيجيًا لا يقل خطورة عن المعركة العسكرية، مشددًا على أن الانتصار فيها هو جزء من معركة استعادة الدولة. ووجّه رئيس الوزراء السلطات المحلية بتنفيذ حملات مكثفة للرقابة التموينية، لضمان تراجع أسعار السلع الأساسية بما يتناسب مع تحسن سعر الصرف، إلى جانب ضبط هوامش الأرباح ومواجهة كل أشكال التلاعب التجاري. كما شدد المجلس على ضرورة الالتزام بالتعامل الحصري بالريال اليمني في المعاملات التجارية والعقارية، دعمًا للسيادة النقدية، داعيًا البنك المركزي إلى مواصلة دوره الرقابي على القطاع المصرفي وتعزيز الإجراءات لضبط سوق الصرف. وأشاد المجلس بجهود وزارة الصناعة والتجارة وفرقها الرقابية، خصوصًا في عدن والمحافظات المحررة، مع التأكيد على أهمية استمرار التنسيق بين مختلف الجهات لضمان حماية المستهلك وتحقيق قدر أكبر من الاستقرار الاقتصادي. مقالات ذات صلة


اليمن الآن
منذ 7 دقائق
- اليمن الآن
الضالع.. مليشيا الحوثي تحشد مئات المقاتلين من الحشُاء وتدفع بهم نحو جبهات القتال في حجر
المرسى- الضالع دفعت مليشيا الحوثي الإرهابية بتعزيزات بشرية جديدة إلى المواقع المتقدمة في جبهة حجر شمال غرب محافظة الضالع، قادمة من مناطق سيطرتها في مديرية الحشُاء. وأكدت مصادر خاصة لـ' المركز الإعلامي لجبهة الضالع'، أن المئات من عناصر المليشيا، الذين أنهوا مؤخراً دورة تدريبية عسكرية في معسكر 'المشواس' شرق الحشاء، شوهدوا وهم يتجهون إلى مواقع قريبة من خطوط التماس في جبهة حجر، مشياً على الأقدام في تشكيلات استعراضية، وهم مدججون بمختلف أنواع الأسلحة الثقيلة والمتوسطة. وأظهرت صور نشرها المركز الإعلامي مسيراً عسكرياً لعناصر الحوثي تم تنظيمه في مناطق مجاورة للحشُاء، تمهيداً للزج بهم إلى جبهات القتال في الضالع.