logo
لهيب الغاز يشعل طريق بغداد- اربيل: تفكيك لصفقة الـ110 مليار دولار

لهيب الغاز يشعل طريق بغداد- اربيل: تفكيك لصفقة الـ110 مليار دولار

شفق نيوزمنذ 8 ساعات

شفق نيوز/ في منعطف جديد من نزاع الطاقة الذي لم يُغلق منذ أكثر من عقد، عادت التوترات لتتصاعد بين بغداد وأربيل بعد إعلان حكومة إقليم كوردستان توقيع اتفاقيات نفط وغاز ضخمة مع شركتين أميركيتين بقيمة استثمارية تبلغ 110 مليارات دولار.
خطوة أربيل الجريئة جاءت في لحظة سياسية واقتصادية شديدة الحساسية؛ فالإقليم يسعى لتأمين حاجاته الطاقية وتخفيف اعتماده على الخارج، بينما ترى بغداد في هذه العقود تجاوزاً جديداً على صلاحياتها وخرقاً لأحكام المحكمة الاتحادية.
ورغم محاولات التهدئة السابقة، ظل غياب قانون اتحادي ينظم إدارة الثروة النفطية الباب الأوسع لنشوء مثل هذه الأزمات المتكررة. اليوم، تجد الحكومة العراقية نفسها أمام معضلة جديدة: إما التصعيد القانوني والدبلوماسي، أو العودة إلى طاولة الحوار بحثاً عن تسوية شاملة طال انتظارها.
أما في أربيل، فالموقف يبدو محسوباً بعناية؛ توقيع العقود خلال زيارة رسمية إلى واشنطن يحمل بين طياته رسائل سياسية تتجاوز حدود الاقتصاد، في مشهد يؤكد أن ملف النفط في العراق ما زال الساحة الأبرز لصراع الإرادات بين المركز والإقليم.
هذه الإشكالية ليست الوحيدة بهذا المضمار، حيث تصاعد التوتر العام الماضي عندما توقفت صادرات نفط كوردستان عبر تركيا تماماً منذ مارس/آذار 2023، إثر حكم دولي اعتبر سماح أنقرة بتصدير نفط الإقليم بدون موافقة بغداد انتهاكاً للاتفاقيات. تسبب ذلك بخسائر تقدّر زادت عن 20 مليار دولار من الإيرادات المهدورة على العراق، وفاقم الضغوط على اقتصاد الإقليم الذي يعتمد بشدة على عائدات النفط.
الدكتور بول سوليفان، الأستاذ في جامعة الدفاع الوطني الأميركية بواشنطن والمتخصص في شؤون الطاقة، يرى خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، أن هذه التطورات تحمل بعداً سياسياً بقدر ما لها أهمية اقتصادية.
ويقول: "إن إقدام أربيل على إبرام صفقات ضخمة مع شركات أميركية يعكس توطيداً للعلاقات بين كوردستان وواشنطن في قطاع حيوي، وربما يحمل رسالة ضمنية عن دعم أمريكي للإقليم. لكنها في الوقت نفسه خطوة تعمّق التعقيدات مع بغداد، ما لم تُحل المعضلات الدستورية عبر قانون نفط وغاز اتحادي يحدد بوضوح صلاحيات كل طرف".
تصريح سوليفان يُبرز التشابك السياسي والدستوري في هذا الملف؛ فبينما تسعى أربيل لتعزيز استقلاليتها الاقتصادية بدعم دولي، تُذكر بغداد بأن أي تحرك خارج الأطر الاتحادية قد يُفاقم الانقسام ويطيل أمد النزاع القائم.
أهمية الصفقة
تصف حكومة إقليم كوردستان اتفاقياتها الجديدة بأنها خطوة استراتيجية لتلبية احتياجات الإقليم من الطاقة. فالإعلان الرسمي أشار إلى أن تطوير حقلي الغاز الطبيعي الرئيسيين اللذين تشملها العقود – حقل ميران وحقل توبخانة-كردمیر في محافظة السليمانية – سيوفر وقوداً كافياً لتوليد الكهرباء على مدار الساعة لجميع سكان الإقليم مع إمكانية تزويد مناطق أخرى من العراق بالفائض مستقبلاً.
هذه الوعود تأتي في وقت يعاني فيه الإقليم، كسائر أنحاء العراق، من أزمة كهرباء مزمنة خاصة في أشهر الصيف، بسبب نقص إمدادات الغاز الوقودي لمحطات التوليد.
وبهذه الأثناء اعتبرت وزارة الخارجية الأميركية، أن هذه الاتفاقيات تشكّل خطوة مهمة لمعالجة الخلل المزمن في قطاع الطاقة العراقي، داعية بغداد وأربيل إلى التنسيق العاجل لتسريع تنفيذ المشاريع وتعزيز استقلال العراق الطاقي.
وقال مسؤول في الوزارة في تصريح رسمي خاص لوكالة شفق نيوز، إن 'الولايات المتحدة ترى أن العراق سيكون أكثر استقراراً وسيادة من خلال تحقيق الاستقلال في مجال الطاقة والابتعاد عن النفوذ الضار لإيران'.
وأضاف أن 'الاتفاقات التي وقعها رئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني مؤخراً مع شركات أميركية لتوسيع إنتاج الغاز الطبيعي في كوردستان العراق تدعم هذا الهدف'، مشيراً إلى أن 'هذه المشاريع، سواء في الإقليم أو باقي أنحاء البلاد، تصب في مصلحة جميع العراقيين، لا سيما في ظل استمرار أزمة الكهرباء'.
وتابع المسؤول الأميركي: 'نشجع بغداد وأربيل على العمل معاً من أجل الشروع في إنتاج الغاز بأسرع وقت ممكن'.
هذا المسار يؤكد عليه كوفند شيرواني، الخبير في قطاع النفط والغاز خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، بالإشارة إلى "الأهمية الاستراتيجية لهذه العقود" لاقتصاد الإقليم ومعيشة سكانه.
ويقول: "إن منتقدي هذه الاتفاقيات يغفلون عن حقيقة أنها ستكون طوق نجاة لحل مشكلة مزمنة؛ فأي تأخير في استثمار غازنا يعني بقاء الإقليم أسيراً للغاز الإيراني واستمرار انقطاع الكهرباء. العقود الجديدة تمثل خطوة جريئة نحو تأمين طاقة محلية مستقرة، وهو ما سينعكس إيجاباً على حياة المواطنين" بحسب تعبيره.
هذه النظرة تعكس موقف المؤيدين في أربيل، الذين يرون أن فوائد العقود تتجاوز الجانب الاقتصادي إلى البعد السيادي، إذ تمنح الإقليم قدرة أكبر على إدارة موارده وتوفير الخدمات الأساسية دون الاعتماد على بغداد أو طهران.
معارضة بغداد
في المقابل، قوبلت خطوة أربيل باعتراض صارم من قبل السلطات الاتحادية في بغداد التي اعتبرتها انتهاكاً صريحاً للدستور والقوانين النافذة. فبُعيد إعلان العقود، أصدرت وزارة النفط العراقية بياناً تعلن فيه رفضها لهذه الاتفاقيات ووصفتها بأنها "باطلة ولاغية".
وأكدت الوزارة أن الثروات الطبيعية هي ملك لجميع العراقيين ولا يجوز إبرام أي اتفاق لاستثمارها إلا عبر الحكومة الاتحادية حصراً، مشيرةً إلى أن ما قام به الإقليم يمثل خرقاً للقانون ولقرارات المحكمة الاتحادية التي سبق أن قضت بعدم شرعية العقود المبرمة دون موافقة بغداد.
كما أكد وزير النفط العراقي، حيان عبد الغني، أن الوزارة سجلت ملاحظات بشأن الاتفاق الذي أبرمته حكومة إقليم كوردستان مع شركات نفطية أمريكية لاستثمار عدد من الحقول داخل الإقليم.
وقال عبد الغني، لوكالة شفق نيوز، إن "مثل هذه العقود والاتفاقيات يجب أن تُبرم من قبل الحكومة الاتحادية حصراً، كون ملف إدارة الثروات النفطية من صلاحياتها".
وتستند بغداد أيضاً إلى كون حكومة الإقليم الحالية حكومة تصريف أعمال (منتهية الولاية- بانتظار تشكيل حكومة جديدة) وبالتالي فهي غير مخولة – من وجهة نظرها – بإبرام تعاقدات طويلة الأمد قد ترتب التزامات على الحكومات المقبلة.
النائب باسم نغيمش، عضو لجنة النفط والغاز في مجلس النواب العراقي، عبّر عن هذا الموقف بوضوح. إذ وصف توقيع حكومة الإقليم للعقود الجديدة بأنه "تجاوز على الدستور وضرب لسيادة القانون".
ويقول لوكالة شفق نيوز: "لا يمكن القبول بأن تعمل أي جهة بمعزل عن الحكومة الاتحادية في ملف النفط. ما قامت به أربيل من إبرام عقود مع شركات أجنبية بشكل منفرد يعد خرقاً دستورياً ومالياً فادحاً. سنستخدم كل السبل القانونية لوقف هذه الخطوة الأحادية وحماية ثروة العراق الوطنية" على حد تعبيره.
من الناحية القانونية، يكتنف الملف تعقيد دستوري: فالدستور العراقي يمنح الأقاليم صلاحيات واسعة ويدعو لتشريع قانون ينظم إدارة النفط والغاز بالتعاون بين الحكومات المحلية والاتحادية (المادة 112). لكن غياب هذا القانون أبقى الباب مفتوحاً لاجتهادات متعارضة. أربيل تستند إلى تفسيرها بأن لها حق إدارة الحقول المكتشفة بعد 2005 وجذب الاستثمارات لضمان ازدهار الإقليم، فيما تعتبر بغداد ذلك التفافاً على مفهوم المركزية في إدارة الثروات السيادية.
وفي ظل هذه الثغرة التشريعية، يتحول كل اتفاق جديد إلى ساحة صراع قانوني.
ويقول الباحث في الشأن السياسي ياسين عزيز لوكالة شفق نيوز إن 'هذا الفراغ التشريعي أفرز خلافات دستورية حادة بشأن الصلاحيات، إذ ينص الدستور العراقي على شراكة بين الحكومة الاتحادية والأقاليم في إدارة الموارد، لكن دون توضيح دقيق لحدود هذه الشراكة في كل مراحل العملية النفطية، من الاستكشاف إلى الإنتاج والتسويق'.
وأشار إلى أن 'المشكلة تتعمق أكثر بسبب اختلاف الفهم بين الطرفين حول طبيعة النظام الفيدرالي؛ فبينما يرى الإقليم أن الدستور يمنحه صلاحيات حقيقية وواسعة، لا تزال بعض الجهات في الحكومة الاتحادية متمسكة بعقلية الحكم المركزي، ما يدفعها للاعتراض على أي خطوة أو عقد أو نشاط اقتصادي تقوم به حكومة الإقليم بشكل مستقل، وتصرّ على ضرورة العودة إلى ما يُعرف بـ'المركز'.
التقييم الاقتصادي
تعمل شركة HKN Energy الأمريكية، منذ عام 2007 تقريبا، وهو عام تأسيسها في كوردستان العراق، حيث تستثمر مئات الملايين من الدولارات في مشاريع نفط وغاز ستراتيجية، رغم التحديات السياسية والقانونية المتصاعدة بين أربيل وبغداد.
تتخذ هذه الشركة من أربيل مقرا لها، إضافة إلى مكتب رئيسي في مدينة دالاس الأمريكية، وفق الموقع الرسمي للشركة.
وتقول الشركة إنها توظف ما بين 201 و500 موظف، ويتميز فريقها بخبرة دولية تمتد عبر أكثر من 80 دولة.
من بين أهم أصول الشركة في كوردستان، حقل "سرسنك" الذي تبلغ مساحته 420 كيلومترا مربعًا شمالي الإقليم. تمتلك HKN حصة الأغلبية فيه بنسبة 62 في المئة، بينما تشاركها شركة ShaMaran بنسبة 18 في المئة، وتحتفظ حكومة إقليم كوردستان بنسبة 20 في المئة.
أنتج الحقل منذ تشغيله أكثر من 63 مليون برميل نفط، عبر حقلي "سوارا تيكا" و"إيست سوارا تيكا"، بحسب بيانات الشركة.
أما شركة ويسترن زاغروس فهي كندية الأصل وتعمل في كوردستان العراق منذ عام 2005 بحسب حسابها على موقع لينكد إن.
تأسست الشركة في عام 2003، وتتخذ من كالغاري الكندية مقرا لها، فيما تدير عملياتها التشغيلية من أربيل والسليمانية داخل إقليم كوردستان.
استثمرت الشركة أكثر من مليار دولار أمريكي في مشاريع الاستكشاف والإنتاج بإقليم كوردستان، وفق ما أفاد به موقع جمعية صناعة النفط الدولية في كوردستان.
تتمحور استثمارات الشركة حول حقلين رئيسيين هما كوردمير وكرميان.
ويحتوي الحقلان مجتمعَين على ما يقدر بخمسة تريليونات قدم مكعب قياسي من الغاز الطبيعي، و900 مليون برميل من النفط القابل للاستخراج.
اقتصادياً، فعلى الرغم من ضخامة الرقم المعلن للاستثمارات 110 مليارات دولار على مدى عمر المشاريع إلا أن الخبراء يشيرون إلى أن العوائد المباشرة قد لا تكون فورية. فهذه العقود تتعلق بتطوير حقول على مراحل تمتد لسنوات، حيث سيتركز الإنتاج في بداياته لتلبية الطلب المحلي من الغاز خلال العامين المقبلين قبل التفكير بالتصدير الواسع كما أن نجاحها الاقتصادي مرهون بحل المعضلات السياسية؛ إذ سيصعب جذب رؤوس الأموال الضخمة في ظل مناخ عدم اليقين القانوني بين أربيل وبغداد.
إضافة لذلك، لا يزال الإقليم يعاني من أزمة سيولة مالية خانقة نتيجة توقف صادراته النفطية عبر تركيا منذ أكثر من سنة، ما جعل قدرته على الوفاء بالتزاماته محل شك، بالإضافة إلى الخلاف الأخير مع بغداد التي تعثرت بسداد رواتب الموظفين لشهر آيار مايو.
الخبير الاقتصادي مصطفى فرج يقيّم الاتفاق الجديد بلهجة متوازنة، معتبراً أنه "سيف ذو حدين" من المنظور الاقتصادي.
ويوضح لوكالة شفق نيوز، قائلاً: "لا شك أن هذه الاتفاقيات تمثل فرصة استثمارية كبيرة ويمكن أن تسهم في إنعاش اقتصاد الإقليم عبر تطوير البنية التحتية للطاقة وخلق فرص عمل وتعزيز إيرادات الكهرباء. لكنها ليست حلاً سحرياً للمشكلات الاقتصادية المزمنة. فالاستفادة القصوى منها مشروطة باستقرار البيئة السياسية والقانونية. إذا استمر الخلاف مع بغداد بلا تسوية، قد يتعثر تنفيذ هذه المشاريع أو يتأخر، وحينها لن يتحقق العائد المأمول" على حد وصفه.
مشهد معقد
أثار توقيع العقود النفط موجة من التفاعلات السياسية الحادة في العراق. الأحزاب والقوى السياسية في بغداد رأت في اتفاقيات أربيل رسالة تحدٍ لاتفاقات سابقة، حتى بعض الحلفاء السياسيين التقليديين للكورد في مجلس النواب وجدوا أنفسهم محرجين، داعين إلى التهدئة والحوار لتجنب صدام قد يعطّل إقرار الموازنة العامة أو قوانين أخرى بانتظار تسويات في ملف النفط.
بالمقابل، تلقى الإقليم دعماً معنوياً من شخصيات وبرلمانيين محليين وأمريكيين اعتبروا أن بغداد هي التي تلكأت في تنفيذ التزاماتها مثل إرسال حصة الإقليم المالية مما "دفع حكومة أربيل للبحث عن حلول لسد حاجاتها الأساسية".
في ضوء هذه المعطيات، يبدو المشهد معقداً ومفتوحاً على عدة سيناريوهات. الحكومة العراقية تجد نفسها أمام اختبار صعب: فإما أن تتخذ إجراءات تصعيدية – قضائية أو اقتصادية – لعرقلة تنفيذ العقود، ما قد يزيد حدة الخلاف مع أربيل وربما ينعكس سلباً على استقرار ائتلافها الحاكم الهش؛ أو أن تلجأ إلى طاولة الحوار مجدداً لمحاولة استيعاب الموقف والتوصل إلى اتفاق مرحلي يضمن بعض التنسيق، ريثما يُقر قانون النفط والغاز المنتظر.
بالمقابل، حكومة الإقليم تبدو مصممة على المضي في تعزيز قطاعها النفطي رغم التحفظات، مستندةً إلى وعود الدعم الأميركي ورغبة الشركات الأجنبية في الاستثمار طويل الأمد.
وقد تعوّل أربيل على ورقة الضغط هذه لتحريك الجمود في المفاوضات مع بغداد، لعل الأخيرة تُسارع لإيجاد تسوية تضمن عودة تصدير النفط وحصة الإقليم في الموازنة مقابل حصولها على بعض الضمانات حول العقود المبرمة.
ويرى مراقبون أن المخرج الأمثل هو صفقة شاملة: تتفاهم فيها بغداد وأربيل على إطار قانوني ودستوري مشترك لإدارة النفط، وتدمج العقود الجديدة ضمن هذا الإطار بما يحقق مصلحة الطرفين.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

رحلة النخبة العراقية المصيرية لمدينة نيس الفرنسية لمؤتمر المحيطات للتسوّق والتبضّع على حساب الشعب الجائع؟
رحلة النخبة العراقية المصيرية لمدينة نيس الفرنسية لمؤتمر المحيطات للتسوّق والتبضّع على حساب الشعب الجائع؟

موقع كتابات

timeمنذ 3 ساعات

  • موقع كتابات

رحلة النخبة العراقية المصيرية لمدينة نيس الفرنسية لمؤتمر المحيطات للتسوّق والتبضّع على حساب الشعب الجائع؟

في بلدٍ يعاني ويتخبط مواطنوه بظلام انقطاع الكهرباء، وتردّي الخدمات الصحية، وانهيار البنية التحتية، يبدو أن قادة العراق ((الديمقراطي)) الجديد قد وجدوا لأنفسهم ملاذًا أكثر إشراقًا بعيدًا عن معاناة شعبهم. يوم الأحد 8 حزيران 2025 فها هو رئيس الجمهورية، السيد عبد اللطيف جمال رشيد، يقود وفدًا 'جيشًا جرارًا' من المسؤولين والمستشارين والوزراء، برفقة السيدة الأولى، شاناز إبراهيم أحمد، ونائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية فؤاد حسين، في رحلةٍ فاخرة إلى مدينة 'نيس' الفرنسية للمشاركة في مؤتمر الأمم المتحدة الثالث للمحيطات. نعم، للمحيطات! صدق أو لا تصدق؟ وكأن العراق، ذلك البلد الذي يكاد يخسر شريطه الساحلي الضئيل على الخليج لصالح جارته الكويت، قد أصبح فجأة دولةً بحرية تملك محيطاتٍ شاسعة تؤهلها لمثل هذه المؤتمرات! المؤتمر الذي تشارك في استضافته حكومتا فرنسا وكوستاريكا، في المدّة من 9 إلى 13 حزيران 2025. و يا للمفارقة المرّة! وبينما يغرق العراقيون في الديون، ويتصارعون مع الحرّ الجهنمي دون كهرباء، ويواجهون نظامًا صحيًا منهارًا يفتقر إلى أبسط مقومات العلاج وشح الدواء وبالأخص أدوية الأمراض المزمنة، يجد قادتنا الوقت والمال – خمسون مليون دولار، حسب التسريبات – للتنزّه على سواحل نيس الخلابة والتسوّق في متاجرها الفاخرة. وكأن هذا الوفد الضخم، الذي يضم حاشية السيدة الأولى التي لم تجد في المؤتمر سوى فرصة للتبضّع، قد أُرسل لتمثيل العراق في معرضٍ للرفاهية بدلاً من مؤتمرٍ دولي. أما الاستقبال في مدينة نيس الساحلية؟ فقد كان مخيب الآمال بكل المقاييس: لا سجادة حمراء، ولا مسؤولين فرنسيين بارزين، بل مجرد موظفين عاديين من وزارة الخارجية الفرنسية. يبدو أن السجادة الحمراء، كما يُشاع بسخرية، 'محجوزة للدول التي تملك محيطات فعلاً ! '. ما الذي يبرر هذه الرحلة الباذخة؟ وما الذي يُؤمّل منها سوى صورة جديدة تضاف إلى ألبوم الزيارات العقيمة لرئيس الجمهورية؟ هل كان حضور العراق في هذا المؤتمر ضروريًا لدرجة استنزاف خزينة الدولة، بينما يعاني المواطن من الجوع والفقر والإهمال؟ إنها فضيحة بكل معنى الكلمة، وصفعة على وجه كل عراقي ينتظر كهرباءً مستقرة أو مستشفى يقدم العلاج بدلاً من الإهمال. هذا هو العراق 'الديمقراطي' الذي يُحكم بمنطق الامتيازات والنثريات والرفاهية على حساب شعبٍ محروم من أبسط حقوقه. والمفارقة العجيبة المذهلة؟ الولايات المتحدة الأمريكية، التي تملك سواحل شاسعة مطلة على المحيط الأطلسي شرقًا والهادئ غربًا، قررت مقاطعة هذا المؤتمر تمامًا، كما فعلت في مفاوضات مناخية سابقة. ويبدو أن الأمريكيين، على عكس قادتنا الأشاوس ، يعرفون أن هذه المؤتمرات ليست سوى مسرحيات باهظة الكلفة بلا نتائج ملموسة. لكن العراق؟ لا، لا , لا ! يجب أن نكون في صدارة المشهد، نلوّح بأموال الشعب المنهوبة لننال شرف التصفيق في قصر الإليزيه، حيث يسعى الرئيس 'ماكرون'، لجمع مبلغ 100 مليار دولار من الدول المشاركة بالمؤتمر . ومن الأفضل والاجدى لتلبية هذا النداء العاجل من العراق، الذي يبدو أن قادته يعتقدون أن خزينة الدولة خزانة شخصية لتأمين مكانة السيدة الأولى بين المجتمع المخملي الفرنسي كـ'صاحبة التبرع الأعلى'؟ وفي الوقت ذاته، يقضي الوفد أيام المؤتمر في التسوق الفاخر على شواطئ نيس، بينما حاشية السيدة الأولى تتجول في متاجر الرفاهية، ممولة بنفس الأموال التي كان يمكن أن توفر كهرباءً مستقرة أو مستشفيات لائقة للعراقيين. هل هذه هي القيادة التي يستحقها العراق؟ حكامٌ يرمون بمليارات الدولارات في مؤتمرات لا تعنينا، بينما يتركون شعبهم يغرق في الديون وانعدام الخدمات؟ إنها ليست مجرد فضيحة، بل خيانة موصوفة بحق شعبٍ يعاني من الإهمال والجوع والفقر والمرض . هؤلاء الذين يتباهون تسوقهم وتبرعاتهم الباذخة على حساب الفقراء، يظنون أن الشعب سيظل صامتًا إلى الأبد. لكن، أيها السادة، احذروا! غضب العراقيين قادم، وعندما يثور الشعب، لن تنفعكم لا صور نيس ولا تصفيق الإليزيه. أما دعوتكم لإعادة انتخابكم، فهي سخرية مريرة تذكّرنا بأنكم لن تتوقفوا عن إفقارنا إلا إذا أوقفناكم. وبما أننا نغرق الآن في خضم موسم انتخابي محموم، حيث تتصارع أحزاب السلطة الحاكمة في معركة ضارية لنهب ما تبقى من كرامة الشعب، ومع الحرب العبثية بين بغداد وأربيل حول رواتب الموظفين ومخصصاتهم المسروقة، تلوح في الأفق بوادر استجواب برلماني عاجل يفضح هذه المسرحية المسماة 'مؤتمر المحيطات' نعم، العراق، ذلك البلد الذي بالكاد يملك شريطًا ساحليًا تطمع به الجارة الكويت، يجد نفسه ممثلاً بوفدٍ باذخ يقوده فخامة الرئيس عبد اللطيف جمال رشيد، متأبطًا جيشًا من المستشارين والحاشية، ليبدد خمسين مليون دولار من أموال الشعب في نيس، حيث لا محيطات ولا فائدة تُرتجى سوى صور تذكارية وجولات تسوق فاخرة. هذه المسائلة البرلمانية، التي ستُستغل بشراسة من خصوم السلطة، لن تكون مجرد محاسبة، بل سلاحًا لتسوية الحسابات السياسية، حيث سيُسحق من تبقى من هؤلاء القادة المتباهين بالرفاهية على حساب شعبٍ يتضور جوعًا. فهل كانوا يظنون أن هذا العبث سيمر دون أن يوقظ غضب الشعب وفضيحة الخصوم؟. إلى متى ستستمر هذه المهزلة؟ إلى متى سيظل المسؤولون ينهبون خيرات البلاد لتمويل ونزواتهم وسفراتهم ، بينما يُترك الشعب ليواجه مصيره المظلم؟ إن كان هؤلاء ((القادة)) يظنون أن بإمكانهم الاستمرار في هذا النهج دون محاسبة، فقد نسوا أن الشعب العراقي، رغم صبره الطويل، لن يظل صامتًا إلى الأبد. لكن، كما يبدو، فإن دعوة السخرية لانتخابهم مرة أخرى ليست سوى مرآة تعكس واقعًا أليمًا: فهؤلاء الذين يتسوّقون على حساب الجائعين هم من يقررون مصير العراق اليوم. فهل سنظل نصفق لهم، أم أن الوقت قد حان لمحاسبتهم على هذا العبث الذي ما يزال مستمر ؟. غدًا، سينتفض الشعب العراقي بعنفوانٍ لا يلين، وسيستيقظ من سباتٍ طال أمده ليُلقي بقادة أحزاب السلطة، هؤلاء المتأنقين، خلف قضبان العدالة التي طال انتظارها. لن يظل الشعب رهينةً لنخبةٍ تتاجر بدمائه وتتباهى بثرواته المنهوبة في جولات تسوقٍ باذخة، بينما يغرق هو في ظلام انقطاع الكهرباء وذلّ الفقر والحرمان . حان الوقت ليقول الشعب كلمته الفصل ، لا بالهتافات فحسب، بل بمحاسبةٍ صلبة ترمي بهؤلاء المترفين، الذين يتبرعون بمليارات الشعب لمحيطاتٍ وهمية، إلى حيث يستحقون: زنازين العدالة التي تنتظرهم لتذكّرهم بأن العراق ليس ملكيةً خاصة او مزرعة ، بل وطنٌ لشعبٍ لن يصمت بعد اليوم!

حتى أنت يا ترامب
حتى أنت يا ترامب

موقع كتابات

timeمنذ 3 ساعات

  • موقع كتابات

حتى أنت يا ترامب

حذر الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) الأسر الأمريكية من احتمالية مواجهة ارتفاع أسعار الألعاب وقلة توفرها خلال موسم العطلات. وفي الوقت الذي تعاني فيه الكثير من الأسر، يبدو أن أعضاء دائرة ترامب الداخلية يعيشون 'عصرهم الذهبي'، حيث استفادوا من موقعهم القريب من السلطة بشكل مدهش. الأمر الذي يجعله مهما هو أنه بدلاً من البعد عن أي صورة لاستغلال المنصب لتحقيق منافع اقتصادية شخصية، كما يفعل معظم الرؤساء، وجد ترامب طرقا مبتكرة لدمج سلطته الرسمية مع مصالحه التجارية الخاصة، وبشكل علني في كثير من الأحيان. في الأشهر الماضية، أطلق ترامب وأبناء عائلته وشركاؤهم سلسلة من المشاريع الهادفة إلى الاستفادة من النفوذ السياسي. على سبيل المثال : 1. شركة العملات المشفرة المدعومة من ترامب، 'وورلد ليبرتيفاينانشال'، جمعت أكثر من 550 مليون دولار عبر بيع عملات رقمية، مع ترامب كواجهة رئيسية لشركتهم. سياسات إدارته المتعلقة بالعملات المشفرة ساهمت أيضًا في رفع قيمة الأصول التابعة للشركة. 2. شهدت العملة المشفرة المرتبطة بترامب ارتفاعًا كبيرًا في قيمتها بعد إعلان حمل بطابع مميز لحاملي العملات بإتاحة لقاء خاص وعشاء مع الرئيس الحالي، بالإضافة إلى جولات VIP وفعاليات أخرى. مع ذلك، حُذفت نصوص تتعلق بجولة البيت الأبيض من موقع الشركة لاحقًا. 3. أطلق (دونالد ترامب) الابن مع شركاء آخرين ناديًا حصريًا في واشنطن العاصمة برسوم عضوية تصل إلى نصف مليون دولار، كمنصة للتواصل بين رجال الأعمال وكبار المسؤولين في إدارة والده. 4. على المستوى الدولي، أعلنت منظمة ترامب عن تطوير 19 مشروعًا أجنبيًا تحمل علامتها التجارية خلال السنوات المقبلة، شملت صفقة مع قطر ومنتجع جولف فاخر هناك. كما استضاف ترامب بطولة جولف برعاية سعودية الشهر الماضي في أحد أنديته بفلوريدا. 5. على صعيد البضائع، يعزز ترامب مبيعات قبعات تحمل شعار 'ترامب 2028″، ملمحًا إلى طموحات سياسية مستقبلية غير دستورية، إلى جانب كتب ومستلزمات أخرى تحت علامة 'لنجعل أمريكا عظيمة مجددًا'. 6. في مجالات الشركات، شهدت بعض المؤسسات التي انضم إليها أبناء ترامب ارتفاعات هائلة في قيم أسهمها بعد مشاركتهم. ومن بين ذلك، شركة مالية صغيرة مقرها برج ترامب بنيويورك ارتفعت أسهمها بشكل دراماتيكي بعد انضمام أبناء ترامب لمجلسها الاستشاري. من جهة أخرى، يؤكد حلفاء العائلة أن مشاريع أفراد عائلة ترامب تتم بشكل مستقل عن السياسة، وأن هذه الأنشطة لا تشكل تجاوزًا أخلاقيًا بل استمرارًا لتاريخهم المهني في مجال الأعمال.

ناسا تواجه تخفيضات حادة في ميزانيتها، وخلاف ترامب وماسك يزيد الغموض
ناسا تواجه تخفيضات حادة في ميزانيتها، وخلاف ترامب وماسك يزيد الغموض

شفق نيوز

timeمنذ 5 ساعات

  • شفق نيوز

ناسا تواجه تخفيضات حادة في ميزانيتها، وخلاف ترامب وماسك يزيد الغموض

أدى الخلاف بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وإيلون ماسك حول مشروع قانون إنفاق كبير إلى تفاقم الغموض بشأن مستقبل ميزانية وكالة الفضاء الأمريكية ناسا، التي تواجه تخفيضات كبيرة. ونشرت الوكالة الأمريكية طلب ميزانيتها للكونغرس، والذي من شأنه خفض تمويل المشاريع العلمية بما يقارب النصف. هناك أربعون مهمة علمية قيد التطوير أو في الفضاء بالفعل، على وشك الإلغاء. هدد الرئيس بسحب العقود الفيدرالية مع شركة ماسك، سبيس إكس. تعتمد ناسا على أسطول صواريخ (فالكون 9) التابع للشركة لإعادة تزويد محطة الفضاء الدولية بالطاقم والإمدادات. كما تتوقع وكالة الفضاء استخدام صاروخ (ستارشيب) لإرسال رواد فضاء إلى القمر، وفي النهاية إلى المريخ بعد تطويره. قال الدكتور سيميون باربر، عالم الفضاء في الجامعة المفتوحة، إن حالة عدم اليقين تُلقي بظلالها المُخيفة على برنامج الفضاء البشري. ويضيف: "إنّ النقاشات المُثيرة للدهشة والقرارات المُتسرّعة والانعطافات التي شهدناها الأسبوع الماضي تُقوّض الأسس التي نبني عليها طموحاتنا. "يعتمد علم الفضاء واستكشافه على التخطيط والتعاون طويل الأمد بين الحكومة والشركات والمؤسسات الأكاديمية"، بحسب باربر. NASA/Johns Hopkins إلى جانب الخلاف بين ترامب وماسك، ثمة مخاوف أيضاً بشأن التخفيضات الكبيرة التي طلبها البيت الأبيض في ميزانية ناسا. تم تخصيص إجراءات تقشف لجميع القطاعات، باستثناء برنامج إرسال رواد فضاء إلى كوكب المريخ، الذي حصل على دعم إضافي قدره 100 مليون دولار. بحسب كيسي دريير، رئيس السياسات الفضائية في "الجمعية الكوكبية" ومقرها باسادينا، والتي تروج لاستكشاف الفضاء، فإن التخفيضات المحتملة تمثل "أكبر أزمة واجهها برنامج الفضاء الأمريكي على الإطلاق". من جانبها، قالت وكالة ناسا إن طلبها لتقليص ميزانيتها الإجمالية بنحو الربع "يأتي في إطار مواءمة برامجها العلمية والتكنولوجية مع المهام الأساسية لاستكشاف القمر والمريخ". قال الدكتور آدم بيكر، محلل شؤون الفضاء في جامعة كرانفيلد، لبي بي سي إنه إذا تمت الموافقة على هذه المقترحات من قبل الكونغرس، فإن ذلك سيؤدي إلى تحول جذري في تركيز وكالة ناسا. وأضاف: "الرئيس ترامب يعيد توجيه ناسا نحو هدفين رئيسيين: إنزال رواد فضاء على سطح القمر قبل الصينيين، وزرع علم الولايات المتحدة على كوكب المريخ. وكل ما عدا ذلك يأتي في المرتبة الثانية". NASA يقول مؤيدو هذه المقترحات إن ميزانية البيت الأبيض منحت وكالة ناسا هدفاً واضحاً لأول مرة منذ أيام هبوط أبولو على القمر في الستينيات والسبعينيات، حين كان الهدف هو التفوق على الاتحاد السوفييتي في الوصول إلى القمر. أما منتقدو ناسا، فيرون أنها منذ ذلك الحين تحولت إلى بيروقراطية ضخمة ومشتتة، تتجاوز ميزانياتها بشكل روتيني في مهمات الفضاء، مما يؤدي إلى هدر أموال دافعي الضرائب. ويُعد أحد أبرز الأمثلة على ذلك صاروخ ناسا الجديد ضمن خططها لإعادة رواد الفضاء الأمريكيين إلى القمر، وهو نظام الإطلاق الفضائي (إس إل إس)، حيث تأخر تطويره، وارتفعت تكاليفه بشكل كبير ليصل إلى 4.1 مليار دولار لكل عملية إطلاق. في المقابل، تُقدَّر تكلفة إطلاق نظام الصواريخ المكافئ الذي تطوره شركة "سبيس إكس" — ستارشيب — بنحو 100 مليون دولار لكل عملية إطلاق، نظراً لتصميمه القابل لإعادة الاستخدام. وتعِد شركة "بلو أوريجن" الفضائية، التابعة لجيف بيزوس، بتحقيق وفورات مماثلة من خلال صاروخها المقترح "نيو غلين". وليس من المستغرب أن يتم التخلص التدريجي من نظام الإطلاق الفضائي (إس إل إس) بموجب مقترحات البيت الأبيض، على أمل أن يتمكن "ستارشيب" و"نيو غلين" من أخذ مكانه. لكن تجدر الإشارة إلى أن عمليات الإطلاق التجريبية الثلاث الأخيرة لـ"ستارشيب" لم تُكلل بالنجاح، كما أن "بلو أوريجن" بدأت مؤخراً فقط في اختبار صاروخها المخصص للمهام القمرية. يقول الدكتور باربر: "القلق هو أن ناسا قد تقفز من المقلاة إلى النار". ويضيف: "تطوير البدائل لنظام (إس إل إس) يتم تمويله من قبل إيلون ماسك وجيف بيزوس. وإذا فقد أحدهما حماسه لهذا المشروع، وطلبت شركتا سبيس إكس أو بلو أوريجن مزيداً من الأموال لاستكمال تطوير أنظمتهما، فلن يكون أمام الكونغرس خيار سوى تلبية تلك الطلبات". ما يثير القلق بشكل أكبر، بحسب الدكتور باربر، هو احتمال إلغاء نحو 40 مهمة فضائية تهدف إلى استكشاف كواكب أخرى ومراقبة تأثير تغيّر المناخ على الأرض من الفضاء، والتي يشمل العديد منها تعاوناً مع شركاء دوليين. ويضيف: "أعتقد أنه من المحزن جداً أن ما استغرق وقتاً طويلًا لبنائه يمكن هدمه بهذه السرعة، وكأنها ضربة بكرة هدم، من دون وجود خطة لإعادة البناء بعد ذلك". وتشمل المشاريع المهددة بالإلغاء عشرات المهام الكوكبية التي هي بالفعل في الفضاء، والتي تم دفع معظم تكاليف تطويرها وإطلاقها مسبقاً، بينما توفر المقترحات الحالية وفورات مالية محدودة نسبياً عبر تقليص نفقات تشغيلها. وهناك شراكتان مهمتان مع وكالة الفضاء الأوروبية (إي إس أيه) تواجهان الخطر أيضاً: خطة طموحة لإعادة عينات من الصخور المريخية التي جمعها مسبار "بيرسيفيرنس" التابع لناسا إلى الأرض، ومهمة إرسال العربة الجوالة الأوروبية "روزاليند فرانكلين" إلى الكوكب الأحمر للبحث عن آثار لحياة سابقة. ويقول البروفيسور السير مارتن سويتينغ، رئيس شركة "سري ساتلايت تكنولوجي" البريطانية والمؤلف المشارك في تقرير الجمعية الملكية حول مستقبل الفضاء، إنه رغم أن هذه التطورات "غير مرحب بها"، إلا أنها قد تتيح لأوروبا فرصة لتحمل مسؤولية أكبر عن برنامجها الفضائي الخاص. وأضاف في حديثه لـبي بي سي: "ربما كنا نعتمد بشكل مفرط على ناسا كلاعب رئيسي لتحمل العبء الأكبر في مجال الفضاء. وهذه فرصة للتفكير في كيفية تحقيق أوروبا لتوازن أفضل في أنشطتها الفضائية". لكن الجانب السلبي لأوروبا يبدو أكبر على المدى القصير. فإلى جانب مصير عربة المريخ وعودة العينات، تواجه وكالة الفضاء الأوروبية خطر تقليص وصولها إلى محطة الفضاء الدولية في حال إيقافها، كما أن خفض ميزانية ناسا قد يؤدي إلى إلغاء مساهماتها الكبيرة في مشروع "بوابة القمر" — محطة الفضاء متعددة الجنسيات المزمع إنشاؤها في مدار القمر. NASA في استراتيجيتها التي نُشرت مؤخراً، أعلنت وكالة الفضاء الأوروبية (إي إس أيه) أنها "ستسعى إلى بناء قدرات فضائية أكثر استقلالية، مع الاستمرار في كونها شريكاً موثوقاً وقوياً وجاذباً لوكالات الفضاء حول العالم"، في إشارة ضمنية إلى استعدادها للمضي قدماً سواء بالتعاون مع ناسا أو بدونها. ويقول الدكتور بيكر إن العديد من برامج مراقبة الأرض الحالية والمقترحة تواجه أيضاً خطر الإلغاء. وأضاف في تصريحه لـبي بي سي: "برامج مراقبة الأرض هذه هي بمثابة طائر الكناري في منجم الفحم". "قدرتنا على التنبؤ بتأثيرات تغير المناخ والحد منها قد تنخفض بشكل كبير. إيقاف هذا النظام المبكر للإنذار يُعد احتمالًا مخيفاً"، بحسب بيكر. حتى الآن، لم تتم الموافقة على مقترحات الميزانية من قبل الكونغرس. ووفقاً لكيسي دريير من الجمعية الكوكبية، فقد أخبره عدد من أعضاء الحزب الجمهوري، في أحاديث خاصة مع جماعات الضغط، بأنهم مستعدون للتصويت ضد هذه التخفيضات. لكن دريير أعرب عن قلقه من أن حالة الجمود السياسي قد تؤدي إلى عدم إقرار أي ميزانية على الإطلاق، مما قد يؤدي إلى تطبيق ميزانية البيت الأبيض المُخفضة كحل مؤقت، يصعب لاحقاً التراجع عنه. ويرى أن "إيقاف المهمات الفضائية يعني عملياً القضاء عليها، إذ يصعب، إن لم يكن مستحيلًا، إعادة تشغيلها من جديد".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store