logo
المبادرة الأطلسية المغربية: تحول استراتيجي يعيد رسم خريطة الساحل والصحراء

المبادرة الأطلسية المغربية: تحول استراتيجي يعيد رسم خريطة الساحل والصحراء

أخبارنامنذ 6 ساعات

في ظل بيئة دولية مأزومة وتغيرات جيواستراتيجية متسارعة، برزت المبادرة الأطلسية المغربية لدول الساحل والصحراء كتحول نوعي في المقاربة السياسية والاقتصادية والأمنية للعلاقات المغربية-الإفريقية. وهي مبادرة مدفوعة برؤية استباقية تعكس تموضع المغرب كفاعل إقليمي صاعد يسعى إلى تكريس منطق "رابح/رابح"، وتثبيت الأمن والاستقرار في منطقة طالما عانت من التهميش والصراعات البنيوية.
●قراءة في السياق الدولي والإقليمي
تأتي هذه المبادرة الملكية، التي أعلن عنها جلالة الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى 48 للمسيرة الخضراء، في لحظة حاسمة من تاريخ المنطقة. إذ تعيش منطقة الساحل والصحراء على وقع سلسلة من الانقلابات السياسية، وتنامٍ للجماعات الجهادية المسلحة، وانسحاب تدريجي للقوى الاستعمارية التقليدية، وعلى رأسها فرنسا. وفي المقابل، تزايد حضور قوى دولية جديدة مثل روسيا، الصين، والولايات المتحدة، في ساحة التنافس الجيوسياسي الإفريقي، مما يجعل من هذه المنطقة نقطة صراع نفوذ متعدد الأقطاب.
ضمن هذا الإطار، جاءت المبادرة المغربية كبديل تنموي وأمني متكامل، يحمل مقومات "الفعل" بدل "رد الفعل"، ويوظف البعد البحري الأطلسي للمغرب كنقطة ارتكاز استراتيجية نحو إفريقيا، من خلال دمج دول الساحل غير المطلة على البحر ضمن منظومة لوجستية واقتصادية متقدمة.
●الرؤية المغربية: من الجغرافيا إلى الجيو-استراتيجية
أدرك المغرب، انطلاقًا من موقعه الجيوسياسي الفريد، أهمية البُعد الأطلسي ليس فقط كواجهة بحرية، بل كأداة تأثير دبلوماسي، أمني، واقتصادي. فالمبادرة لا تهدف فقط إلى إنشاء ممر بحري لدول الساحل، بل إلى بناء فضاء إقليمي مندمج يقوم على:
-تعزيز البنية التحتية للربط الطرقي والمينائي بين المغرب ودول الساحل؛
-تطوير أسطول بحري تجاري يخدم المبادلات جنوب/جنوب؛
-تشجيع الاستثمار في الاقتصاد الأزرق، وتحلية المياه، والزراعة الساحلية؛
-تحويل المنطقة إلى وجهة سياحية مستدامة؛
-فتح آفاق الشراكة في مجالات الطاقة المتجددة والثروات البحرية.
●التحديات البنيوية والرهانات الواقعية
لا يمكن إنجاح هذه المبادرة دون وعي عميق بالتحديات التي تواجه دول الساحل، مثل هشاشة البنى الاقتصادية، ارتفاع معدلات الأمية، ضعف الناتج الداخلي الخام، واستفحال الفقر. كما أن الطبيعة الجغرافية القاسية، إلى جانب الامتدادات القبلية العابرة للحدود، تزيد من تعقيد مشهد الاستقرار السياسي والاجتماعي.
ورغم ما تزخر به هذه الدول من ثروات طبيعية، كالنفط واليورانيوم والذهب، فإنها تعاني من ضعف في إدارة الموارد وغياب رؤية تنموية شاملة. المبادرة المغربية تراهن على تجاوز هذه الإكراهات عبر نقل نموذج مغربي ناجح قائم على الاستقرار السياسي، والإصلاح التدريجي، والانفتاح الاقتصادي.
●بُعد أمني لا يمكن تجاهله
يحتل الجانب الأمني موقعًا محوريًا في هذه المبادرة، التي تسعى إلى سد الفراغات الأمنية التي تستغلها التنظيمات الجهادية العابرة للحدود. ويبرز في هذا السياق البعد المغربي الرامي إلى تصدير تجربته الأمنية، ومأسسة التعاون الأمني مع دول الجوار الجنوبي، كوسيلة لحماية الأمن القومي المغربي من التهديدات الإرهابية المتصاعدة.
كما تتيح المبادرة فرصة لبناء تحالفات أمنية جديدة بعيدًا عن النماذج الاستعمارية التقليدية، ووفق رؤية إفريقية خالصة تضمن الاستقلالية وتعزز مناعة دول الجنوب.
●نحو دبلوماسية تنموية متقدمة
ترتكز المبادرة الأطلسية على تصور جديد للدبلوماسية المغربية، يقوم على الانتقال من "رد الفعل" إلى "الفعل الاستباقي"، ومن دبلوماسية الملفات إلى دبلوماسية التنمية والاندماج الإقليمي. فهي ليست مجرد مشروع اقتصادي أو أمني، بل رؤية متكاملة لتعزيز الدور المغربي داخل القارة، وتكريس نموذج شراكة جنوب/جنوب فعّالة ومستدامة.
●من المبادرة إلى المنظومة
يبقى نجاح المبادرة رهينًا بمدى انخراط دول الساحل والصحراء في هذا التصور، واستعدادها للقطع مع الماضي المرتبط بالتبعية والخضوع للمقاربات الأمنية الغربية. إنها فرصة لبناء نظام إقليمي جديد، قائم على التعاون المتوازن، واستثمار الرأسمال البشري، والثروات الطبيعية، والبنية الجغرافية المشتركة.
في زمن التحولات الكبرى، لا مكان للحياد الجغرافي أو الجمود السياسي. والمغرب، من خلال هذه المبادرة، يضع نفسه في قلب دينامية إقليمية واعدة، قد تُمهّد الطريق لصياغة عقد جيواستراتيجي جديد بين شمال إفريقيا وعمقها الساحلي والصحراوي.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الشعب المغربي يحتفل بالذكرى الـ55 لميلاد الأمير مولاي رشيد
الشعب المغربي يحتفل بالذكرى الـ55 لميلاد الأمير مولاي رشيد

LE12

timeمنذ 3 ساعات

  • LE12

الشعب المغربي يحتفل بالذكرى الـ55 لميلاد الأمير مولاي رشيد

تحل غدا الجمعة، الذكرى الخامسة والخمسون لميلاد الأمير مولاي رشيد، وهي مناسبة يشاطر فيها الشعب المغربي قاطبة الأسرة الملكية الشريفة أفراحها ومسراتها بهذا الحدث السعيد. ويشكل الاحتفال بهذه الذكرى فرصة لإبراز الانخراط الدائم للأمير مولاي رشيد في مختلف الأنشطة والمبادرات ذات الطابع الدبلوماسي والاجتماعي والثقافي والرياضي. وقد ازداد صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد يوم 20 يونيو 1970 بالرباط، حيث تابع بها دراسته حتى حصوله في ماي 1993 على الإجازة في القانون العام (فرع الإدارة الداخلية)، ودبلوم القانون المقارن بميزة 'حسن جدا' من كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالرباط. وفي يونيو 1996، نال سموه الشهادة الثانية للدراسات العليا في شعبة العلاقات الدولية بميزة 'حسن جدا' ليحصل في 18 ماي 2001 على شهادة الدكتوراه في القانون من جامعة بوردو بميزة 'مشرف جدا مع التنويه وتوصية خاصة بالنشر'، نظرا لأهمية الموضوع وقيمة الرسالة التي ناقشها سموه تحت عنوان 'منظمة المؤتمر الإسلامي.. دراسة لمنظمة دولية متخصصة'. وقد أولى صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد، على الدوام، اهتماما بالغا بالأنشطة الثقافية والاجتماعية والرياضية. وفي هذا الصدد، يترأس سموه منذ أبريل 1997 الجامعة الملكية المغربية للرماية بسلاح القنص، كما يرأس سموه مؤسسة المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، وجمعية جائزة الحسن الثاني للغولف، والجامعة الملكية المغربية للغولف منذ 2018. وقد قام سموه بأنشطة رسمية مكثفة، في المغرب وخارجه، كما ترأس تظاهرات كبرى في مختلف المجالات، لاسيما منها الثقافية والرياضية، إلى جانب عدد من الاحتفالات الرسمية، علاوة على تمثيل سموه لجلالة الملك في عدد من المحافل والأحداث الوطنية والدولية. وهكذا، ترأس صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد، يوم الاثنين الماضي، الجمع العام الاستثنائي للجامعة الملكية المغربية للغولف. كما ترأس سموه في 17 أبريل، بفضاء أو إل إم- السويسي بالرباط، افتتاح الدورة الثلاثين للمعرض الدولي للنشر والكتاب. وفي التاسع من نفس الشهر، زار صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد، مرفوقا بصاحبي السمو الأميرين مولاي أحمد ومولاي عبد السلام، ضريح المولى إدريس الأزهر في فاس، بمناسبة حفل ختان صاحب السمو الأمير مولاي أحمد وصاحب السمو الأمير مولاي عبد السلام، وذلك جريا على التقاليد المغربية الأصيلة. وفي 07 فبراير الماضي، ترأس صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد، بالموقع الأثري شالة بالرباط، حفل عشاء أقامه صاحب الجلالة الملك محمد السادس، بمناسبة الدورة الـ 49 لجائزة الحسن الثاني للغولف والدورة الـ 28 لكأس صاحبة السمو الملكي الأميرة للا مريم. وفي اليوم الموالي، ترأس صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد، بالنادي الملكي للغولف دار السلام بالرباط، حفل تسليم الجوائز للفائزين بالدورة الـ 49 لجائزة الحسن الثاني، والدورة الـ 28 لكأس للا مريم. ويوم 07 دجنبر 2024، مثل صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد صاحب الجلالة الملك محمد السادس، في حفل إعادة افتتاح كاتدرائية نوتردام بباريس، قبل أن يحضر سموه، في نفس اليوم، مأدبة عشاء أقامها الرئيس الفرنسي، السيد إيمانويل ماكرون والسيدة بريجيت ماكرون، بقصر الإليزيه، على شرف رؤساء الدول والحكومات والمنظمات الدولية المدعوين لهذا الحفل. وفي 30 نونبر من نفس السنة، ترأس صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد، رئيس مؤسسة المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، بقصر البديع في المدينة الحمراء، حفل عشاء أقامه صاحب الجلالة الملك محمد السادس، بمناسبة الافتتاح الرسمي للدورة الحادية والعشرين للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش. وبتاريخ 28 أكتوبر 2024، حضر صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد، إلى جانب صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير مولاي الحسن، وصاحبة السمو الملكي الأميرة للا خديجة، وصاحبة السمو الملكي الأميرة للا مريم، حفل الاستقبال الرسمي، الذي ترأسه صاحب الجلالة الملك محمد السادس، على شرف رئيس الجمهورية الفرنسية، فخامة السيد إيمانويل ماكرون وحرمه السيدة بريجيت ماكرون، اللذين قاما بزيارة دولة للمملكة بدعوة كريمة من جلالة الملك. وفي نفس اليوم، حضر صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد حفل التوقيع على عدد من الاتفاقيات بين المملكة المغربية والجمهورية الفرنسية، والذي ترأسه صاحب الجلالة الملك محمد السادس، الذي كان مرفوقا أيضا بصاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير مولاي الحسن، وصاحبة السمو الملكي الأميرة للا خديجة، وصاحبة السمو الملكي الأميرة للا مريم، والرئيس الفرنسي فخامة السيد إيمانويل ماكرون الذي كان مرفوقا بحرمه السيدة بريجيت ماكرون. وفي 29 أكتوبر 2024، أقام صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، مرفوقا بصاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير مولاي الحسن، وصاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد، وصاحبات السمو الملكي الأميرات الجليلات للا خديجة وللامريم وللا أسماء وللا حسناء، مأدبة عشاء رسمية على شرف رئيس الجمهورية الفرنسية فخامة السيد إيمانويل ماكرون وحرمه السيدة بريجيت ماكرون. ويوم 30 شتنبر 2024، ترأس صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد بمركز المعارض محمد السادس، حفل افتتاح الدورة الخامسة عشرة لمعرض الفرس للجديدة، الذي أقيمت فعالياته، تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، تحت شعار 'تربية الخيول في المغرب.. الابتكار والتحدي'. هكذا، فإن الاحتفال بالذكرى الخامسة والخمسين لميلاد صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد يعد مناسبة سعيدة تحتفل بها كافة مكونات الشعب المغربي، وتعبر من خلالها عن مشاطرة الأسرة الملكية الشريفة أفراحها ومسراتها، وتجدد بالمناسبة آيات الولاء والإخلاص لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، أيده الله.

مجلس الحكومة يصادق على مشروع قانون يتعلق بإحداث الوكالة الوطنية لحماية الطفولة
مجلس الحكومة يصادق على مشروع قانون يتعلق بإحداث الوكالة الوطنية لحماية الطفولة

يا بلادي

timeمنذ 6 ساعات

  • يا بلادي

مجلس الحكومة يصادق على مشروع قانون يتعلق بإحداث الوكالة الوطنية لحماية الطفولة

صادق مجلس الحكومة، اليوم الخميس، على مشروع القانون رقم 29.24 يتعلق بإحداث الوكالة الوطنية لحماية الطفولة وبمراكز حماية الطفولة التابعة لها وبمؤسسات الرعاية الاجتماعية الخاصة بالأطفال، قدمه وزير العدل عبد اللطيف وهبي. وذكر بلاغ للوزارة المنتدبة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان، الناطق الرسمي باسم الحكومة، أن هذا المشروع يندرج في إطار ما تحظى به الطفولة من أهمية بالغة في المنظومة التشريعية والمؤسسات الوطنية، حيث يوليها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله رعاية خاصة في مختلف الأوراش والإصلاحات الكبرى التي تعرفها البلاد، بما يحقق الحماية الناجعة للأطفال ويضمن كافة حقوقهم الإنسانية. ويتوخى هذا المشروع، يضيف البلاغ، مواصلة مختلف الإصلاحات التشريعية والمؤسساتية المهمة في مجال حماية الطفولة، وذلك من خلال الإجابة عن مجموعة من الإشكاليات القانونية والعملية التي تواجه الحماية المؤسساتية للطفولة، ولاسيما ما يتعلق منها بالفراغات التشريعية المتعلقة بمراكز حماية الطفولة، والإكراهات المرتبطة بتعدد المتدخلين والصعوبات الواقعية ذات الصلة بعدم مراعاة خصوصية كل فئة من فئات الأطفال، فضلا عن التحديات المتصلة بغياب التنسيق المؤسساتي. ويهدف مشروع هذا القانون على وجه الخصوص إلى إحداث 'الوكالة الوطنية لحماية الطفولة'، كمؤسسة عمومية تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي، تناط بها مهمة تنفيذ سياسة الدولة في مجال حماية الطفولة والنهوض بها.

المبادرة الأطلسية المغربية: تحول استراتيجي يعيد رسم خريطة الساحل والصحراء
المبادرة الأطلسية المغربية: تحول استراتيجي يعيد رسم خريطة الساحل والصحراء

أخبارنا

timeمنذ 6 ساعات

  • أخبارنا

المبادرة الأطلسية المغربية: تحول استراتيجي يعيد رسم خريطة الساحل والصحراء

في ظل بيئة دولية مأزومة وتغيرات جيواستراتيجية متسارعة، برزت المبادرة الأطلسية المغربية لدول الساحل والصحراء كتحول نوعي في المقاربة السياسية والاقتصادية والأمنية للعلاقات المغربية-الإفريقية. وهي مبادرة مدفوعة برؤية استباقية تعكس تموضع المغرب كفاعل إقليمي صاعد يسعى إلى تكريس منطق "رابح/رابح"، وتثبيت الأمن والاستقرار في منطقة طالما عانت من التهميش والصراعات البنيوية. ●قراءة في السياق الدولي والإقليمي تأتي هذه المبادرة الملكية، التي أعلن عنها جلالة الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى 48 للمسيرة الخضراء، في لحظة حاسمة من تاريخ المنطقة. إذ تعيش منطقة الساحل والصحراء على وقع سلسلة من الانقلابات السياسية، وتنامٍ للجماعات الجهادية المسلحة، وانسحاب تدريجي للقوى الاستعمارية التقليدية، وعلى رأسها فرنسا. وفي المقابل، تزايد حضور قوى دولية جديدة مثل روسيا، الصين، والولايات المتحدة، في ساحة التنافس الجيوسياسي الإفريقي، مما يجعل من هذه المنطقة نقطة صراع نفوذ متعدد الأقطاب. ضمن هذا الإطار، جاءت المبادرة المغربية كبديل تنموي وأمني متكامل، يحمل مقومات "الفعل" بدل "رد الفعل"، ويوظف البعد البحري الأطلسي للمغرب كنقطة ارتكاز استراتيجية نحو إفريقيا، من خلال دمج دول الساحل غير المطلة على البحر ضمن منظومة لوجستية واقتصادية متقدمة. ●الرؤية المغربية: من الجغرافيا إلى الجيو-استراتيجية أدرك المغرب، انطلاقًا من موقعه الجيوسياسي الفريد، أهمية البُعد الأطلسي ليس فقط كواجهة بحرية، بل كأداة تأثير دبلوماسي، أمني، واقتصادي. فالمبادرة لا تهدف فقط إلى إنشاء ممر بحري لدول الساحل، بل إلى بناء فضاء إقليمي مندمج يقوم على: -تعزيز البنية التحتية للربط الطرقي والمينائي بين المغرب ودول الساحل؛ -تطوير أسطول بحري تجاري يخدم المبادلات جنوب/جنوب؛ -تشجيع الاستثمار في الاقتصاد الأزرق، وتحلية المياه، والزراعة الساحلية؛ -تحويل المنطقة إلى وجهة سياحية مستدامة؛ -فتح آفاق الشراكة في مجالات الطاقة المتجددة والثروات البحرية. ●التحديات البنيوية والرهانات الواقعية لا يمكن إنجاح هذه المبادرة دون وعي عميق بالتحديات التي تواجه دول الساحل، مثل هشاشة البنى الاقتصادية، ارتفاع معدلات الأمية، ضعف الناتج الداخلي الخام، واستفحال الفقر. كما أن الطبيعة الجغرافية القاسية، إلى جانب الامتدادات القبلية العابرة للحدود، تزيد من تعقيد مشهد الاستقرار السياسي والاجتماعي. ورغم ما تزخر به هذه الدول من ثروات طبيعية، كالنفط واليورانيوم والذهب، فإنها تعاني من ضعف في إدارة الموارد وغياب رؤية تنموية شاملة. المبادرة المغربية تراهن على تجاوز هذه الإكراهات عبر نقل نموذج مغربي ناجح قائم على الاستقرار السياسي، والإصلاح التدريجي، والانفتاح الاقتصادي. ●بُعد أمني لا يمكن تجاهله يحتل الجانب الأمني موقعًا محوريًا في هذه المبادرة، التي تسعى إلى سد الفراغات الأمنية التي تستغلها التنظيمات الجهادية العابرة للحدود. ويبرز في هذا السياق البعد المغربي الرامي إلى تصدير تجربته الأمنية، ومأسسة التعاون الأمني مع دول الجوار الجنوبي، كوسيلة لحماية الأمن القومي المغربي من التهديدات الإرهابية المتصاعدة. كما تتيح المبادرة فرصة لبناء تحالفات أمنية جديدة بعيدًا عن النماذج الاستعمارية التقليدية، ووفق رؤية إفريقية خالصة تضمن الاستقلالية وتعزز مناعة دول الجنوب. ●نحو دبلوماسية تنموية متقدمة ترتكز المبادرة الأطلسية على تصور جديد للدبلوماسية المغربية، يقوم على الانتقال من "رد الفعل" إلى "الفعل الاستباقي"، ومن دبلوماسية الملفات إلى دبلوماسية التنمية والاندماج الإقليمي. فهي ليست مجرد مشروع اقتصادي أو أمني، بل رؤية متكاملة لتعزيز الدور المغربي داخل القارة، وتكريس نموذج شراكة جنوب/جنوب فعّالة ومستدامة. ●من المبادرة إلى المنظومة يبقى نجاح المبادرة رهينًا بمدى انخراط دول الساحل والصحراء في هذا التصور، واستعدادها للقطع مع الماضي المرتبط بالتبعية والخضوع للمقاربات الأمنية الغربية. إنها فرصة لبناء نظام إقليمي جديد، قائم على التعاون المتوازن، واستثمار الرأسمال البشري، والثروات الطبيعية، والبنية الجغرافية المشتركة. في زمن التحولات الكبرى، لا مكان للحياد الجغرافي أو الجمود السياسي. والمغرب، من خلال هذه المبادرة، يضع نفسه في قلب دينامية إقليمية واعدة، قد تُمهّد الطريق لصياغة عقد جيواستراتيجي جديد بين شمال إفريقيا وعمقها الساحلي والصحراوي.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store