logo
حرب الكبار.. بين التنين والعم سام

حرب الكبار.. بين التنين والعم سام

موقع كتابات٢٤-٠٤-٢٠٢٥

في إحدى زوايا الكوكب، وتحديداً في زاوية ساخنة من خريطة العالم، حيث تُحشى الرمانة بالنفط، وتُطبخ السياسة على نار طائفية هادئة، تجلس منطقة تدعى الشرق الأوسط، تضع ساقاً على ساق، تحتسي الشاي بنكهة النعناع أو النفط الخام (بحسب المزاج)، وتقلب صفحات الصحف، تتابع نشرة الأخبار الاقتصادية كما تتابع المسلسلات التركية: مشدودة، مشوشة، ولا تفهم شيئاً، وإذا بعناوينها تهدر كصافرات الإنذار: تصعيد في الحرب التجارية بين الصين وأمريكا، فتتنهد المنطقة، وترفع حاجبيها، ثم تضحك ضحكة باهتة وتهمس لنفسها: وماذا بعد؟ هل سنُطلب للشهادة؟ أم نُستدعى كخبراء في اقتصاد الكباب والبطالة؟ ثم ما علاقتنا نحن؟ وهل نحن إلا خلفية مشوشة في هذه الصورة فائقة الدقة؟
نعم، إنها الحرب التي لا تُطلق فيها رصاصة، بل يُطلق فيها تغريدة من حساب البيت الأبيض واشنطن تقابلها فيديوهات على 'ويبو' من بكين فتتساقط الأسهم كما يتساقط سعر الدينار أمام إشاعة عن حرب وينتج عن ذلك ارتفاع أسعار لا يشرحه حتى البنك الدولي، ففي هذه الحرب، لا يُقتل الجنود، بل تُقتل أحلام المستهلكين، ولا تُسفك فيها دماء، بل تُسفك فيها صفقات، وتُقصف فيها الأسواق بالبضائع، وتُحتل فيها العقول بالإعلانات الممولة، حرب بأسلحة دمار اقتصادي شامل: تعريفات جمركية، حظر تكنولوجي، و'تيك توك' يُمنع من التنفس في أمريكا، بينما 'أبل' يتعثر في بكين كأنه جمل في سوق شعبي.
إنها الحرب التي لا يُستخدم فيها البارود، بل 'باور بوينت' محشو بالرسوم البيانية والعقوبات الاقتصادية. حرب يتبادل فيها التنين والعم سام اللكمات التجارية بوجوه باسمة ونوايا مسمومة، حرب لا تُحرق المدن، بل تُحرق فواتير الشحن، وتفوح منها رائحة البلاستيك الإلكتروني والعطور المزيفة، فتُمنع شركة هواوي في الغرب، لتختنق الأسواق. يُمنع تيك توك في أمريكا، فيصاب المراهقون بالاكتئاب الجماعي. يُحاصر 'آيفون' في الصين، فيبدأ الآيفون نفسه يشك في ولائه.
لكن مهلا.. من الذي علق في منتصف هذه الحرب؟ من الذي وقع بين المطرقة الصينية والسندان الأمريكي؟ إنها تلك المنطقة التي كانت تجلس في زاوية ساخنة من خريطة العالم والتي تدعى الشرق الأوسط، تتفرج على المشهد وكأنه مسلسل طويل: فيه إثارة، لكن نهايته غير مفهومة.
وبينما واشنطن وبكين تتبادلان اللكمات الاقتصادية، تجد دول المنطقة نفسها مضطرة أن تختار: هل تستورد أجهزة هواوي؟ أم تلتزم بالعقوبات الأمريكية؟ هل تشتري سيارات شيري الأرخص من التكتك؟ أم تتمسك بسيارة الجيب الأمريكية التي تكلف نصف ميزانية وزارة غير سيادية بحسب لجان المشتريات فيها؟
فتجلس دول المشرق مثل العراق وسوريا والأردن وحتى لبنان، على دكة المتفرجين، بيد تحمل قائمة استيراد، وبالأخرى كأس شاي مغلي بالأزمات، كل يوم يتغير المشهد، مرة يمنع الين الصيني والتومان، فيهرع السوق لتصريفها كما تُصرف الحكايات الرسمية، ومرة يُسمح بهما، فيعود المستوردون من الحدود وعلى وجوههم نفس التعب الذي تحمله كتب المناهج الوزارية، أما المواطن، ذلك الكائن الملحمي، فهو يعيش مغامرة من نوع خاص، يستفيق صباحاً ليجد أن هاتفه الصيني أصبح سلعة محرّمة، محاصرا كأنه عنصر معارض في مؤتمر اقتصادي أمريكي. وفي المساء، يُقال له: لا، لا، لم يكن الحظر حقيقياً، فقط ضغط نفسي، ليسمع أن أمريكا سمحت به مجددا، فيهرول للشراء، ثم يكتشف أن الشاحن صار يباع لوحده بسعر خرافي، لأن الشركات تعيد هيكلة التكاليف بسبب النزاع التجاري.
في دول الخليج، المشهد أكثر رقياً وفخامة، أو لنقل أكثر تصميماً داخلياً، فالإمارات تحاول أن تصبح سويسرا الحيادية لهذا النزاع: تستقبل الطرفين، تحتسي الشاي الأخضر مع الصين، وتشرب الكابتشينو مع أمريكاوتصافحها وهي تضحك لقصص الديمقراطية، أما السعودية، فمن جهتها تبحث إن كان يمكن تحويل هذه الحرب إلى فرصة، وتتساءل: هل يمكننا استخراج النفط من هذه الحرب؟ وإن لم نستخرج، فهل يمكننا على الأقل تصدير تصريح ناري عنها؟.. ثم تطلق مبادرة غامضة اسمها: 'رؤية اقتصاد بلا ضرائب… لكن بشروط تجارية متقلبة.
أما في الكواليس فكانت هناك مفاجأة كبرى أتت من حيث لا يتوقع أحد، إذ لم تأتِ من البنتاغون، ولا من سور الصين العظيم، بل من صناع المحتوى الصينيين، أولئك الذين كنّا نظنهم مشغولين برقصة الباندا وتحديات الأكل الحار، فجأة يتحولون إلى صحفيين استقصائيين، يدخلون المصانع كما تدخل الجرذان مخازن الحبوب، ويصورون لنا الحقيقة المجردة، ويكشفون الكارثة: كل شيء تقريباً… صُنع في الصين، معظم البضائع الفاخرة التي نشتريها من ماركات العالم الأول تُصنع في الصين، الملابس الفاخرة، الحقائب التي تبيعها ماركات أوروبية بعينين زرقاوين ولهجة فرنسية، الساعات التي تُقال عنها إنها صُنعت يدوياً في جبال سويسرا على ضوء القمر، كلها صُنعت في مصنع صيني في مدينة لا يعرف أحد موقعها على الخريطة، يعمل فيه عمّال لا يعرفون معنى اسم الماركة، لكنهم يعرفون تماماً أن القميص الذي صنعوه اليوم سيُباع لاحقاً بسعر يعادل إيجار شقتهم لستة أشهر.
ولكن الفضيحة ليست في الصناعة نفسها، وليست الصدمة في كون التنين هو العامل المتعب، بل في الفارق الصادم بين كلفة الإنتاج وسعر البيع، قميص يكلف 5 دولارات، يُباع في نيويورك بـ100 دولار.. ساعة تكلف 50 دولاراً تُعرض في ميلانو بـ2000 دولار، مع عبارة: مصنوعة بحرفية أوروبية، وإعلان فيه رجل يركض في جبال الألب وكأنه فقد عقله أو جيبه، والحقيقة؟ أنها صُنعت في مدينة صينية اسمها لا يمكن نطقه بدون ممارسة تاي تشي أسبوعية.
وهنا ينهض المواطن في دول المشرق من سباته، يصفق كفاً بكف، ويسأل: إذا كانت البضاعة تُصنع في الصين وتُباع في الغرب، لماذا لا نشتريها من المصنع مباشرة؟ لماذا نمنح هذه الشركات الغربية فرصة سرقتنا بخفة راقصة باليه؟.. لكن الجواب يأتي سريعاً: لأنك تشتري الحلم، يا عزيزي، لا القميص، بل تشتري ماركة، وواجهة متجر، وإعلاناً صوّره عارض أزياء على متن يخت لم يركبه في حياته، تشتري وهماً، بنكهة الرأسمالية المغلفة ببلاستيك معاد تدويره، أما الحكومات في المنطقة، فهي تحاول أن توازن بين الرغبة في استيراد الأرخص، والخوف من غضب العم سام الذي يراقب كل صفقة كما يراقب شرطي مدرسة حقيبة طالب مشاغب.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

بسبب 'ماغا' .. ترمب يقلّص مجلس الأمن القومي ويقيل عشرات المسؤولين دفعة واحدة
بسبب 'ماغا' .. ترمب يقلّص مجلس الأمن القومي ويقيل عشرات المسؤولين دفعة واحدة

موقع كتابات

timeمنذ 3 ساعات

  • موقع كتابات

بسبب 'ماغا' .. ترمب يقلّص مجلس الأمن القومي ويقيل عشرات المسؤولين دفعة واحدة

وكالات- كتابات: قلّص الرئيس الأميركي؛ 'دونالد ترمب'، بشكلٍ كبير في حجم 'مجلس الأمن القومي'؛ التابع لـ'البيت الأبيض'، حيث أقال عشرات المسؤولين، ووضع آخرين في إجازة إدارية، وأعاد غيرهم إلى وكالاتهم الأصلية، في خطوة يقول مؤيّدوه إنها تهدف إلى تكليف أعضاء في المجلس بأشخاص مناصرين لأجندة (ماغا). وذكرت صحيفة (فايننشال تايمز) البريطانية؛ أنّ العديد من الأشخاص المطلعين على عمليات الفصل، يقولون إن 'مجلس الأمن القومي'؛ (NSC)، الذي يُدّيره مؤقتًا وزير الخارجية؛ 'ماركو روبيو'، قد احتفظ ببعض الموظفين، معظمهم من كبار المدَّيرين، بينما ألغى عشرات الوظائف في المكتب. وتأتي هذه الخطوة؛ التي وصفها أحد الأشخاص بأنها: 'تصفية'، بعد ثلاثة أسابيع من فصل الرئيس؛ 'مايك والتز'، من منصبه كأول مستشار للأمن القومي، وهو أعلى منصب في 'مجلس الأمن القومي'. وكتب 'روبرت أوبراين'؛ الذي شغّل منصب مستشار الأمن القومي في إدارة 'ترمب' الأولى، مؤخّرًا، مقال رأي، يدعو فيه إلى تقليص عدد أعضاء 'مجلس الأمن القومي' إلى: (60) مسؤولًا فقط. وكان المجلس؛ الذي لطالما عمل كمكتب تنسيّق، ولكنه استُخدم أحيانًا لمركزية السلطة في 'البيت الأبيض'، يضم أكثر من (200) مسؤول خلال إدارة 'بايدن'. بدوره؛ قال 'دينيس وايلدر'، المسؤول السابق في 'مجلس الأمن القومي'، في إدارة 'جورج دبليو بوش': 'لا شكّ في أنّ مجلس الأمن القومي في إدارة بايدن؛ أصبح متضخّمًا، وكان يُحاول تطبيق السياسة الخارجية، بتسلّط، بدلًا من القيام بدوره التقليدي المتمثّل في تنسيق تنفيذ بقية مؤسسات الأمن القومي'. وأضاف: 'مع ذلك، هناك خطر من أنّ مجلس الأمن القومي المُقلّص بشدة لن يمتلك القوة التنفيذية اللازمة للسيطرة على نظام الأمن القومي'. وقال بعض المؤيّدين إنّ هذه الخطوة ستَّساعد 'ترمب'، بعد تقليل عدد المسؤولين من الوكالات الأخرى الذين قد لا يدعمون أجندته. لكنّ آخرين شكّكوا في تأثير ذلك على السياسة الأميركية.

خفايا جديدة لـ'سيغنال غيت' .. رويترز تكشف مخترق هاتف مستشار ترمب الأمني السابق سرق بيانات حساسة
خفايا جديدة لـ'سيغنال غيت' .. رويترز تكشف مخترق هاتف مستشار ترمب الأمني السابق سرق بيانات حساسة

موقع كتابات

timeمنذ 4 ساعات

  • موقع كتابات

خفايا جديدة لـ'سيغنال غيت' .. رويترز تكشف مخترق هاتف مستشار ترمب الأمني السابق سرق بيانات حساسة

وكالات- كتابات: شهد 'البيت الأبيض'؛ الأشهر الماضية، مجموعة من الأزمات التقنية، كانت في مقدمتها أزمة (سيغنال غيت-Signal Gate) الشهيرة، فضلًا عن أزمة اختراق هاتف 'مايك والتز'؛ المستشار الأمني السابق للرئيس؛ 'دونالد ترمب'، وذلك عقب استخدامه نسخة غير مرخَّصة من تطبيق (سيغنال) الشهير للتواصل، حسّب وكالة (رويترز). ويبدو أن أزمة 'والتز' لم تنتّه عند اختراق هاتفه فقط، فوفق تقرير (رويترز)، فإن تطبيق (تيلي ماسيج-TeleMessage) الذي استخدمه 'والتز'؛ وكان سببًا في الاختراق، يُستخدم من قبل (60) موظفًا حكوميًا مختلفًا في مناصب مختلفة وحساسة، وتسبب في تسّريب حجم كبير من البيانات السرية من الحكومة الأميركية. وتضم البيانات المسَّربة مجموعة كبيرة من المعلومات والمستَّندات، بدايةً من المستنَّدات المتعلقة بخدمة 'البيت الأبيض' ونظام الحماية فيه وحتى أوامر الاستجابة للكوارث ومستنَّدات خاصة بالجمارك وحتى بعض المستَّندات الخاصة بهيئات دبلوماسية داخل 'الولايات المتحدة'، وبينما اطلعت (رويترز) على جزء من البيانات المسَّربة، فإنها لم تستطع التأكد من دقتها كلها. كما تمكنت (رويترز) من التحقق من هوية المستَّخدمين الذين ظهرت أسماؤهم وأرقام هواتفهم في التسَّريب، فضلًا عن التأكد من استخدام التطبيق داخل عدد كبير من الهيئات والمنظمات الحكومية، فحسّب التقرير، تتعاقد مجموعة من الهيئات الحكومية مثل 'وزارة الأمن الداخلي' و'مركز التحكم في الأمراض'، وذلك عبر مجموعة من العقود الخاصة بين كل واحدة من هذه المؤسسات وبين الشركة المطورة للتطبيق. ويُذكر بأن التطبيق هو المفضل للاستخدام في الهيئات الحكومية الأميركية بفضل قدرته على الاحتفاظ بنسخة للرسائل وأرشفتها، بما يتناسب مع تعليمات الحكومية الأميركية، وهي العقود التي توقفت فور حدوث الاختراق. وأزيح 'مايك والتز' من منصبه؛ بعدما تسبب في أزمة (سيغنال غيت) الشهيرة ثم أزمة اختراق (تيلي ماسيج)، ومن المتوقع أن يتم تزكيته ليُصبّح سفير 'الولايات المتحدة' في 'الأمم المتحدة' مستقبلًا.

عُقد التفاوض الأمريكي- الإسرائيلي!راسم عبيدات
عُقد التفاوض الأمريكي- الإسرائيلي!راسم عبيدات

ساحة التحرير

timeمنذ 5 ساعات

  • ساحة التحرير

عُقد التفاوض الأمريكي- الإسرائيلي!راسم عبيدات

عُقد التفاوض الأمريكي- الإسرائيلي! بقلم :- راسم عبيدات* على جبهة ايران والمفاوضات حول الملف النووي الإيراني، عقدة تخصيب اليورانيوم، فأمريكا نتيجة ضغوط المتشددين في البيت الأبيض من القوى الصهيونية واليمين المتطرف الأمريكي الانجليكاني، يرفض الحق الإيراني في تخصيب اليورانيوم، وامتلاك برنامج نووي سلمي، وطرحت مسألة تخصيب ايران لليورانيوم بشكل منخفض، عبر اقامة منشأة تخصيب ايرانية في قطر، أثناء زيارة مشتركة للوسيط العُماني ورئيس وزراء ووزير خارجية قطر الى طهران، بحيث تكون تلك المنشأة تحت اشراف وكالة الطاقة الذرية، وبأن تكون المنشأة بمثابة ارض ايرانية تتمتع بحقوق الحصانة، ولكن يبدو بأن هذا المقترح والذي ينتقص من حق ايران، في التخصيب على اراضيها، رفض ايرانياً، وعلى لسان المرشد الأعلى الإيراني الإمام خامنئي يقال' بأن منع او سلب ايران حقها في التخصيب، بمثابة هراء' ،وهذا العقدة ،اذا لم يجر التفكير بحلول ابداعية لها، فواضح بأن العودة ستكون الى سياسة ما تسميه امريكا بالعقوبات القصوى، أو ربما الخيار العسكري، وخاصة بأن الحديث يجري، بأن اسرائيل قد تحاول استغلال الظرف الناتج عن عقدة التفاوض هذه، لكي تقوم ب 'ببروغندا' ،عملية عسكرية استعراضية ضد منشآت ايران النووية وقدراتها العسكرية من الصواريخ البالستية، بدعم من صقور البيض الأبيض والمتصهينين والمتشددين فيه. ايران والتي لها تجربة سيئة مع الإدارة الأمريكية التي انسحبت من الاتفاق النووي في عام2018 ،والتي شاركت في التوقيع عليه روسيا والصين وبريطانيا وفرنسا والمانيا والأمم المتحدة عام2015، تريد ضمانات بأن لا يجري التحلل من هذا الاتفاق من قبل الرئيس الأمريكي القادم، وضمان رفع العقوبات، وامريكا تريد ان لا يتحول البرنامج النووي الإيراني الى برنامج عسكري. أما عقدة اسرائيل التفاوضية في قطاع غزة، فهي لربما اعقد من العقدة الأمريكية، فإسرائيل التي تواصل حربها الجنونية على القطاع، وارتكاب المجازر بحق المدنيين وسياسة الحصار والتجويع، والتهديد بعملية برية واسعة ' مركبات جدعون' التوراتية، واستخدام 'عقيدتي' الضاحية وجباليا معاً، أي تدمير ممنهج وإبادة للحاضنة الشعبية ،كما جرى في لبنان، وحرق لتلك الحاضنة في قطاع غزة، والهدف الوصول الى اتفاق يستجيب لطموحاتها بنزع سلاح المقاومة واسقاط 'طحن' كل من يقول بفكرة المقاومة او ينظر لها او يدعمها او يمولها او يمارسها، او يبشر بها او يقول بنهجها وخيارها وثقافتها، واعتبار' اسرائيل' بمثابة البقرة المقدسة، التي لا يجوز المساس بها بالمطلق، ولتكن لبنان وغزة، نموذج ومثال، لكل من يحاول أن يمس بها ،أي ما يتعدى ' كي' الوعي العربي والفلسطيني الى 'تجريف' كامل لهذا الوعي، ولعل دول النظام الرسمي العربي، قاطبة تقف الى جانب اسرائيل في هذه النقطة الجوهرية، أي انها تكره حتى سماع لفظة مقاومة، وتريد التخلص من كل من يقوم بها، ولذلك جزء من دول النظام الرسمي في المفاوضات الدائرة للوصول الى وقف إطلاق النار، تضغط لنزع سلاح المقاومة واسقاطها. اسرائيل وامريكا كمن يبتلعون منجلاً ،فهم غير قادرين على مواصلة الحروب او التراجع عنها والذهاب الى تسويات قادرون على دفع ثمنها، فقوة الدفع لحروب نتنياهو تقترب من النفاذ سواء على الصعيد الداخلي، حيث لم يعد المجتمع الإسرائيلي متماسكاً حول الحكومة والجيش، ويشعر بان هذه الحرب المستمرة، هي فقط من أجل خدمة اهداف نتنياهو السياسية والشخصية، وهي استنفذت اهدافها العسكرية والأمنية، وكذلك الجيش لم يعد متماهياً مع الحكومة في حربها، وهذا الجيش يشهد حالة من تراجع الروح القتالية، والتمرد وعدم الالتحاق بالوحدات العسكرية، وانخفاض الروح المعنوية، والنقص في العنصر البشري، ناهيك عن توقيع عشرات الآلاف الجنود والضباط والمفكرين والسياسيين والأطباء على عرائض تطالب بوقف الحرب واستعادة الأسرى، في حين قوة محرك الدفع الخارجي لاستمرار هذه الحرب، حرب الإبادة والتجويع، يتراجع خارجياً، حيث لم تعد هناك فقط حركة شعبية واعلامية وسياسة ضاغطة لوقف هذه الحرب ،والدعوة الى ادخال مساعدات عاجلة الى سكان القطاع، ورفض سياسة التجويع كأداة في الحرب، بل ارتفع هذه الحراك ليصل الى العديد من الحكومات الأوروبية، فهناك 19 دولة أوروبية وقعت على بيان يدعو الى وقف الحرب وادخال المساعدات الإنسانية ورفض سياسة التجويع، وثلاث دول أوروبية ،وهي الأكثر مناصرة ودعماً لإسرائيل، بريطانيا وفرنسا وكندا، دعت الى اعادة النظر في اتفاقية الشراكة للتجارة الحرة مع دولة الاحتلال، وتفعيل المادة الثانية منها الخاصة بحقوق الإنسان، وبريطانيا التي رعت دولة الاحتلال منذ قيامها، واستمرت في دعمها عسكرياً ومالياً وسياسياً واعلامياً، ووقفت الى جانبها في رفض أي عقوبات قد تفرض عليها في المؤسسات الدولية، نتيجة لخرقها السافر للقوانين الدولية او الدولية الإنسانية ،او ارتكابها لجرائم حرب، باتت تتخذ قرارات بوقف تصدير السلاح الى اسرائيل، ودراسة فرض عقوبات عليها ، اذا لم توقف حربها العبثية على القطاع، ولا تسمح بدخول المساعدات الإنسانية. مأزق نتنياهو يتعمق ونسبة المؤيدين لاستمرار الحرب، والتي كانت في بدايتها ،تصل الى 94%،في تموز 2024 هبطت الى 58%،وهي الآن تقف عند حدود 20%،وبات الانتقاد لهذه الحرب يطال قيادات عسكرية وأمنية اسرائيلية، فها هو زعيم حزب الديمقراطيين الإسرائيليين يائير جولان، يصف دولته بان جيشها يقتل الأطفال كهواية، في حين رئيس الوزراء الأسبق أولمرت، يقول بأن هذه الحرب العبثية، قد ترتقي الى جريمة حرب، ونتنياهو يعرف جيداً بانه في النهاية سيجبر على وقف الحرب، دون ان يحقق اهدافه في نزع سلاح المقاومة او ابعاد قادتها، وهذا يعني العودة للتساكن مجدداً مع قوى المقاومة على حدود مستوطنات الغلاف، وهذه المقاومة، قد تعيد بناء نفسها مجدداً، ولو بعد سنوات، كما حصل بعد 2005 ،وبالتالي يستمر المأزق الوجودي لإسرائيل، وحتى في إطار التعويض المعنوي، هو لن ينجح لا هو ولا ترامب، في ' هندستهم' الديمغرافية ولا الجغرافية للقطاع، ولا مخططاتهم، للتهجير سكان القطاع، بما يشكل تعويض معنوي للمستوطنين، عن عدم القضاء على المقاومة الفلسطينية، بأن يبقون ما بين النهر والبحر اغلبية، بعد تهجير مليون فلسطيني. ومأزق ترامب لا يقل عن مأزق نتنياهو، فهو يدرك تماماً بان فشل المفاوضات مع ايران حول برنامجها النووي، قد يقود الى نتائج كارثية، اذا ما ذهب الى الخيار العسكري، والذي ستكون كلفته باهظه، استهداف للوجود والقواعد الأمريكية في المنطقة، اهتزازات عميقة في الاقتصاد العالمي، واضطرابات في اسواق البورصة والأسهم، وتأثير كبير لى خطوط توريد وسلاسل الطاقة، ناهيك عن ذهاب ايران لخيار البرنامج النووي العسكري. ترامب استخلص العبر من حربه التي شنها على وسببت له مأزق استراتيجي وفشل كبير، اضطره للانسحاب من حربه الإسنادية لدولة الاحتلال، وهو يدرك بان الرسائل التي اراد توجيها لطهران، قد ارتدت عليه، فاليمن امكانياته متواضعة امام ما تمتلكه ايران من قدرات عسكرية، ولذلك قضية اللجوء للخيار العسكري ،قد يدفع نحو تفجر الأوضاع وخروجها عن السيطرة وتوسع الحرب بشكل أعم واوسع واشمل، ولذلك على ترامب ونتنياهو، كل من ملفه، البحث عن تسويات من خارج تفكيك برنامج ايران النووي ونزع سلاح المقاومة الفلسطينية. كل التطورات التي تحدث في المنطقة والإقليم، تقول بأن الوقت ينفذ أمام نتنياهو لمواصلة حربه العبثية بدون اهداف وبدون انجازات على الصعيدين الداخلي مجتمعاً وجيشاً والخارجي دعم عسكري وسياسي ومالي واعلامي وتبني رواية وسردية. فلسطين – القدس المحتلة ‎2025-‎05-‎24

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store