logo
المقاهي الثقافية تقاوم اجتياح الـ«coffee shop»

المقاهي الثقافية تقاوم اجتياح الـ«coffee shop»

عكاظمنذ 4 أيام
ارتبط المقهى الثقافي في أذهان عشّاق الأدب، بالرموز الكتابية؛ الذين كانوا يؤثرون الالتقاء اليومي أو الأسبوعي في مساحة محايدة، يتبادلون فيها أخباراً وحكايات وقصصاً وقصائد، وفي القاهرة، وجدة والرياض، والمنامة، وبغداد، وعمّان، وبيروت، مقاهٍ ظهرت منها أصوات إبداعية، وربما لا تزال تجوب أجواء هذه المقاهي أصوات من راحوا، وتعود فكرة المقاهي الثقافية إلى رفاعة رافع الطهطاوي الذي عاد من رحلته الباريسية عام 1831م، وعقب نشره كتابه (تخليص الإبريز في تلخيص باريز) الذي ضمّنه بانوراما من الحياة الثقافية للعاصمة الفرنسية؛ التي كانت تضم مقاهيها أطيافاً فكرية وأدبية عدة أخرجت أفكاراً ونظريات ومدارس أدبية ونقدية.
ومن تسعفه الظروف والوقت بزيارة القاهرة، يلفت انتباهه في نهاية (كوبري فيصل) مقهى نصب تمثالاً للأديب نجيب محفوظ، مكتوب على بابه (الحرافيش) وهو عنوان إحدى روايات الكاتب (النوبلي)، ووصف الحرافيش أطلقه الفنان أحمد مظهر على مجموعة من الأدباء والفنانين الذين يحرص نجيب محفوظ على الالتقاء بهم أسبوعياً، وفي المقهى ركن لصاحب أولاد حارتنا، وثان للكاتب الساخر محمود السعدني، وثالث للشاعر بيرم التونسي، ورابع لصور كبار الفنانين منهم طلال مداح، أنجزتها ريشة رسام الكاريكاتير السوري حسن أدلبي.
فيما يعد (مقهى ريش) من أبرز المقاهي الثقافية والفكرية في مصر، إذ شهد عقد ندوات؛ نجيب محفوظ والعقاد وأمل دنقل، وزكي نجيب محمود، وفتحي غانم، ونجيب سرور، وصلاح جاهين.
وعرفت عروس البحر الأحمر (جدة) المقاهي الثقافية؛ ومنها مقهى (الدروبي) شرق المحكمة العامة في موقعها القديم، الذي كان يلتقي فيه الكاتب علي خالد الغامدي، بأصدقائه من الصحفيين والكُتّاب منهم محمد الفايدي، والمخرج عبدالله الرواس، وكذلك مقهى (الأبراج) الذي يلتقي فيه نخبة من الأدباء والإعلاميين والرياضيين والفنانين التشكيليين والشعراء الشعبيين.
وفي بغداد اشتهر (مقهى الزهاوي) الذي كان يكتب فيه مقالاته، ودارت فيه حوارات بينه وبين الرصافي، تولى زمامها أحمد حامد الصراف، وكانت كثيراً ما تنتهي بخروج الرصافي غاضباً، وانتقاله إلى مقهى (عارف أغا) الذي اتخذه مجلساً دائماً يحيط به أنصاره ومريدوه.
ونتساءل هنا في ظلّ تزايد مدّ مقاهي الـ(coffee shop) هل سيبقى للمقهى الثقافي حضوره التاريخي؟ وينجح في مقاومة الاجتياح بشيء من عبق الماضي؟ هذا ما نؤمّله خصوصاً أن مبادرة الشريك الأدبي، تحاول أن تجعل منها مساحة للوعي والتثقيف المجتمعي، وهنا استطلاع لآراء عدد من الأدباء لاستشراف مستقبل (الظاهرة) التي تجنح شمسها نحو المغيب.
فيرى الشاعر علي عطا، أن المقهى الثقافي اليوم، يختلف إلى حد كبير عما كان عليه في السابق، إذ من النادر أن تجد بين رواده وجوهاً معروفة ومؤثرة، ما جعل النقاشات الأدبية تتوارى في رداء الأوضاع السياسية، موضحاً أن (مقهى ريش) سبق إغلاقه لمدة تزيد على عشرة أعوام، واستأنف نشاطه على نحو يتحاشى من خلاله أن يكون جاذباً لحرافيش المثقفين ممن لا يعجبهم العجب، وتحول إلى مطعم ومشرب سياحي بأسعار تفوق قدرات هؤلاء المشاغبين، لافتاً إلى أن مقهى (زهرة البستان) لا يزال يقدم المشروبات بأسعار في المتناول، لذا يقصده مئات الشباب والعجائز على مدار الساعة، إلا أن غالبيتهم من أدعياء الثقافة والأدب، ويكاد يفقد صفته كمقهى ثقافي عتيد، وعزا ذلك إلى رواج التواصل الافتراضي، وأثر غياب ظاهرة المقاهي الثقافية في مصر، التي يرى أن دورها محصور في النميمة الاجتماعية أكثر من أي شيء آخر.
ويرى الناقد الدكتور أحمد القيسي، أنه على الرغم من أهمية الدور الذي اضطلعت به المقاهي الثقافية في المشهد الأدبي طوال القرن الماضي، فإن حضورها يتلاشى الآن، لتتبوأ رفوف ذكرى مرحلة جميلة، وإن زعم بعضهم استمرارها، وعارك الظروف من أجل بقائها بصورتها الكلاسيكية، إلا أن أثرها مفقود، كون تحولات المرحلة تقتضي التعامل مع معطياتها، والأخذ بكل ما تهيئه من ظروف، كون ظهور مواقع التواصل الاجتماعي أغنت عنها، وغدا اتصال الأدباء عبر مجموعات افتراضية، هو البديل الذي حل محل المقاهي، مؤكداً أن مبادرة الشريك الأدبي في الأعوام الأربعة الأخيرة أحيت الفكرة القديمة، وأعادت للمقاهي ذلك الوهج الثقافي الجميل بصورة وهيكلة تلائم المرحلة الجديدة، وعدّها ناجحةً في ذلك.
وذهب الروائي صبحي موسى، إلى أن المقاهي الثقافية كانت مَعْلَماً من معالم القاهرة، وأن القادمين من البلدان العربية أو الاجنبية، خصوصاً المنشغلين بالشأن الثقافي، يسألون أول ما يدخلون مصر عن مقاهيها الثقافية، ولا يشعرون أنه تم اعتمادهم مثقفين أو منشغلين بالثقافة إلا إذا نشأت بينهم وبين رواد المقاهي الثقافية صداقات وعلاقات وأواصر ود، ليتم تعميدهم واعتمادهم، مشيراً إلى التغيرات التي طرأت وأفقدت المقاهي وهجها السابق، وباتت وسائل التواصل الاجتماعي بديلاً مهما عنها وعن أشياء أخرى كما وصف، وتساءل موسى: ما الذي يدفع كاتباً لترك بيته ليجلس على المقهى طيلة اليوم، علماً أن بإمكانه أن يفعل كل ما كان يفعله على المقهى من البيت، ومن خلال شاشة هاتفه؟ لافتاً إلى أنه يمكن أن يقابل ويحكي مع كل أصدقائه عبر الماسنجر على الفيس، ويمكنه أن يعلّق أو يعقّب على كل ما يقولونه، وأن يدلي بدلوه في أي موضوع بمجرد سماعه له، ويتفاعل مع المتداخلين، ويتعرف على أصدقاء جدد، ويوثق علاقات ويربح معارف دائمة على نطاق أوسع وأكبر. وأضاف: وفي ظلّ غلاء المعيشة، وتكلفة الانتقال والجلوس والتورط في طلب مشاريب للأصدقاء والمحبين، مؤكداً أن غياب كثير من الأصدقاء بسبب الموت أو المرض أو العزلة، وظهور أجيال جديدة ترى وظيفة جديدة للمقهى، أسهم في التزهيد في المقهى بحكم سرعة إيقاع الحياة وانتهاء زمن التكافل.
أخبار ذات صلة
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

«علي كلاي».. أحمد العوضي يتحدث عن تفاصيل مسلسله الرمضاني الجديد
«علي كلاي».. أحمد العوضي يتحدث عن تفاصيل مسلسله الرمضاني الجديد

عكاظ

timeمنذ ساعة واحدة

  • عكاظ

«علي كلاي».. أحمد العوضي يتحدث عن تفاصيل مسلسله الرمضاني الجديد

كشف الفنان المصري أحمد العوضي، التفاصيل الأولى لفكرة مسلسله الجديد الذي يحمل عنوان «علي كلاي»، الذي سينافس به في موسم رمضان 2026، مؤكداً أن العمل سيدور في إطار قصة شعبية. وقال أحمد العوضي خلال بث مباشر عبر حسابه الشخصي على منصة «فيسبوك»، إن مسلسله الرمضاني الجديد سيكون مختلفاً عما قدمه من قبل في أعماله الدرامية، متوقعاً أن يكون «رقم واحد» في الموسم، لأن «تيمة» العمل ستدور حول إطار بطل شعبي. وتابع العوضي: «هعملكم مسلسل هيبقى رقم واحد، وآه البطل هيطلع جدع وبيضرب الناس كلها وابن بلد، ما هو اسمه البطل ليه؟ عشان يبقى كويس وتبقى عايز تقلده وتخلي أخوك الصغير زيه اطلعه وحش ليه؟ ما أطلع حلو». ويقوم صناع العمل حالياً بوضع اللمسات النهائية على المسلسل تمهيداً لبدء التصوير خلال الفترة القادمة، والمسلسل سيكون من تأليف محمود حمدان وإخراج محمد عبدالسلام. يذكر أن أحمد العوضي نافس في موسم رمضان 2025 بمسلسل «فهد البطل» الذي شارك فيه كل من: أحمد عبدالعزيز، ميرنا نورالدين، عصام السقا، لوسي، كارولين عزمي، عايدة رياض، صفاء الطوخي، حجاج عبدالعظيم، محمود البزاوي، يارا السكري، صفوة، وهو من تأليف محمود حمدان، وإخراج محمد عبدالسلام. أخبار ذات صلة

«تعليم الرياض» تطلق معسكراً لرعاية الموهبة والابتكار
«تعليم الرياض» تطلق معسكراً لرعاية الموهبة والابتكار

عكاظ

timeمنذ 2 ساعات

  • عكاظ

«تعليم الرياض» تطلق معسكراً لرعاية الموهبة والابتكار

أطلقت الإدارة العامة للتعليم بمنطقة الرياض «المعسكر الإثرائي للطلبة الموهوبين»، تحت شعار «اكتشف قدراتك.. نافس العالم»، الذي يُقام خلال هذه الفترة وحتى 13 أغسطس 2025، بمشاركة أكثر من 1500 طالب وطالبة من مختلف المراحل الدراسية. ويقدم المعسكر برامج نوعية في مجالات الروبوتكس، والابتكار، والأولمبيادات العلمية، من خلال نمطَي الحضور المباشر والتعليم عن بُعد، في تجربة تعليمية محفّزة تهدف إلى تمكين الطلبة من مهارات القرن الـ21، وتأهيلهم للمشاركة في المحافل المحلية والدولية. وفي خطوة متزامنة، أعلنت إدارة تعليم الرياض فتح باب التسجيل في مدارس الموهوبين الثقافية، التي تنطلق بالشراكة مع وزارة الثقافة، وتُعد أولى المدارس الحكومية المتخصصة، في رعاية المواهب في الفنون البصرية والسمعية والأدائية. وتستهدف هذه المدارس الطلبة المتميزين في الصف الرابع الابتدائي والصف الأول متوسط (بنين)، مقدّمةً مزيجاً بين المنهج الوزاري المعتمد، وبرامج فنية وثقافية إثرائية، تُنمي الحس الإبداعي وتفتح آفاقاً جديدة أمام الطلبة، في مجالات الفنون والثقافة. وتأتي هذه المبادرات ضمن منظومة وطنية متكاملة لرعاية الموهبة، تؤكد حرص الدولة على الاستثمار في رأس المال البشري، وبناء جيل مبدع ومؤهل للمنافسة في مختلف ميادين المعرفة والإبداع. أخبار ذات صلة

المسرح مسيرة تحول ثقافي
المسرح مسيرة تحول ثقافي

الرياض

timeمنذ 3 ساعات

  • الرياض

المسرح مسيرة تحول ثقافي

منذ تأسيسها في فبراير 2020، شكّلت هيئة المسرح والفنون الأدائية علامة فارقة في مشهد الثقافة السعودية، لم تكن مجرّد هيكل تنظيمي، بل انطلقت بوصفها قاطرة للتجديد الفني، ومكوّنًا حيويًا من استراتيجية التحول الوطني الطموح ضمن مستهدفات رؤية المملكة 2030. وجاء إنشاؤها ضمن سلسلة الهيئات الثقافية التي أطلقتها وزارة الثقافة لتكون الذراع التنفيذي المتخصص في تنمية الفنون الأدائية بمختلف أنماطها، من المسرح والرقص إلى الأوبرا والعروض المعاصرة، مؤكدة التزام المملكة بأن تكون مركزًا للإبداع على المستويين الإقليمي والدولي. وانطلقت الهيئة منذ بدايتها بخطى واثقة نحو تأسيس بنية متكاملة للقطاع، عبر استراتيجيات مدروسة تستهدف بناء القدرات وتطوير المواهب. فقد أسهمت برامج مثل: "المحترف المسرحي" وورش العمل التدريبية في تمكين جيل جديد من المبدعين، فيما قدّم برنامج "ستار" دعمًا نوعيًا للفرق المسرحية وأندية الهواة والشركات الناشئة، محفزًا إياها على إيجاد نماذج استدامة ذاتية، تعزز من قدرة القطاع على الاستمرار والتأثير بعيدًا عن الدعم المرحلي. ولم يقتصر دور الهيئة على تمكين الأفراد، بل شمل البنية التحتية أيضًا، من خلال تطوير المسارح وتجهيز قاعات العروض في مختلف مناطق المملكة بأحدث التقنيات، بما يتواكب مع الحراك الفني المتصاعد. كما حرصت على توسيع قاعدة الجمهور ورفع مستوى التفاعل المجتمعي عبر فعاليات متنوعة وعروض جاذبة تُسهم في إثراء الذائقة العامة. وتُعد مبادرات الهيئة النوعية محطات مفصلية في مسيرة الفنون الأدائية، أبرزها مهرجان الرياض للمسرح الذي أصبح منصة وطنية لاكتشاف الطاقات الإبداعية واستعراض الإنتاجات المتميزة، إلى جانب "حاضنة المسرح والفنون الأدائية" التي توفر بيئة نمو للمشاريع الناشئة. كما لم تغفل الهيئة أهمية التعاون مع المؤسسات التعليمية لغرس حب المسرح لدى الأجيال الجديدة، وتعزيز ثقافة الفنون في النشء ضمن سياق تربوي شامل. ولضمان وصول الفن إلى كافة أنحاء المملكة، أُطلقت "جولة المسرح" التي تحمل العروض إلى مختلف المناطق، في حين وفّرت المنصات الرقمية مثل "أبدع" حلولاً مرنة لتيسير التراخيص والإجراءات، ما ساعد على تسهيل الانخراط في العمل الفني. وتخطط الهيئة لإنشاء أكاديمية متخصصة لتأهيل كوادر فنية ونقدية تسهم في الارتقاء بالمشهد من مختلف جوانبه، فيما جاءت مبادرات مثل: "يبرق" و"صناع المسرح" لتعزيز قدرات الشباب وتوفير أدوات احترافية تضمن استدامة النمو في القطاع. وقد بدأت هذه الجهود تؤتي أُكلها بوضوح، حيث شهدت الساحة الفنية السعودية ازدهارًا غير مسبوق في عدد العروض وجودتها، إلى جانب تزايد الإقبال الجماهيري وتحسن مستويات الإنتاج، ما حوّل المسرح من نشاط محدود إلى صناعة متكاملة تخدم الهوية الوطنية وتفتح أفقًا رحبًا للتعبير الإبداعي. وفي هذا السياق، تبرز الحاجة اليوم لتوسيع دائرة التأثير عبر تكامل مؤسسي أعمق، لا سيما من خلال تفعيل المسارح المتوفرة في المدارس والجامعات والمكتبات العامة، واستثمارها بشكل ممنهج تحت إشراف الهيئة. يتطلب ذلك شراكة استراتيجية مع وزارة التعليم، تتيح توحيد المعايير الفنية وتفعيل آليات حجز موحدة، ما يُسهّل على الفرق والطلاب استخدام هذه المنشآت، ويُوفر بيئة مثالية لاكتشاف المواهب المبكرة، ويعزز من حضور الفنون الأدائية في عمق النسيج المجتمعي. وفي ظل هذه المبادرات المؤثرة، يظل التعويل كبيرًا على استمرارية الزخم النوعي، وتطوير البرامج الداعمة مثل "ستار"، بما يُمكن الفرق المسرحية من ترسيخ نماذج استدامة تواكب الطموحات الوطنية، وترتقي بالمسرح السعودي نحو مصاف التأثير العالمي. فليست الهيئة مجرّد جهة داعمة، بل هي عقل مدبر وقائد لمسيرة فنية متجددة، تُسهم بعمق في تحقيق رؤية المملكة 2030، وتؤسس لمستقبل ثقافي زاخر يرتكز على الإبداع والابتكار.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store