
تونس تسعى إلى بناء علاقات مع الصين خارج الأسواق التقليدية قائمة على مساري التبادل التجاري والاستثمار
وتعدّ زيارة وفد من مجموعة "يوهان ينغالو بورت سرفيس" الحكومية الصينية، برئاسة المدير التنفيذي، اكسي بياهاوي، وعقدها اجتماعات مع مسؤولين حكوميين من بينهم وزير التجارة وتنمية الصادرات، سمير عبيد، هذا الأسبوع، من بين أهم الزيارات ضمن أجندة التعاون واستكشاف فرص تعاون تجاري واستثماري.
وترصد وكالة تونس إفريقيا للأنباء "وات"، في هذا المقال أهم مراحل تطور العلاقات التونسية الصينية، خاصة مع الانطلاق، لأول مرّة، في استغلال الحافلات الجديدة المورّدة من الصين، وتسجيل أهم المشاريع الاستثمارية الكبرى على غرار قنطرة بنزرت أو الملعب الأولمبي بالمنزه تقدّماً على مستوى التنفيذ أو الدراسات.
"بورت سرفيس" الحكومية الصينية: زيارة استكشافية
حلّ بتونس، مؤخرًا، وفد رفيع المستوى عن مجموعة "يوهان بنغالو بورت"، يعمل على استكشاف مجالات التعاون ومزيد تعزيز العلاقات التجارية وفرص الاستثمار في القطاع التجاري بين تونس وبيكين.
وتعدّ الزيارة، التي تتواصل حتى 29 جويلية 2025، وفق وزارة التجارة وتنمية الصادرات، تنفيذًا للخطوط العريضة للمحادثات التي دارت بين وزير التجارة ورئيس هذه المؤسسة الصينية، عقب ترؤس عبيد للوفد التونسي المشارك في فعاليات الدورة الرابعة للمعرض الاقتصادي والتجاري الصيني الإفريقي بمدينة شانغشا في جوان 2025.
وقال عبيد، خلال لقاء الوفد الصيني بتونس، إن هذه الزيارة تكتسي أهمية كبرى باعتبارها فرصة للتباحث حول السبل الكفيلة بمزيد تطوير علاقات التعاون والاستثمار بين الجانبين وتأسيس علاقات جديدة والاستفادة من كل الإمكانات المتوفرة في هذا المنحى والرفع في حجم مستويات المبادلات التجارية.
من جانبه، أفاد اكسي بياهاوي، أنّ هذه الزيارة تأتي في إطار مهمة استكشافية بغاية البحث عن فرص جديدة للتجارة والاستثمار والتعاون في مجالات مختلفة بتونس، من جهة، والتعريف بالمنتوجات التونسية ذات القدرة التنافسية العالية على غرار زيت الزيتون والتمور ومواد أخرى.
وترغب المجموعة الصينية في تقديم الدعم الضروري للمؤسسات التونسية، سواء على المستوى اللوجيستي أو المالي أو في ما يتعلق بالإجراءات الديوانية، لتسهيل نفاذ منتوجاتها وترويجها بالسوق الصينية، وفق بلاغ الوزارة.
وكان للوفد الصيني، أيضًا، اجتماع مع مسؤولي مركز النهوض بالصادرات، وعقدوا لقاءات شراكة مهنية ثنائية مباشرة مع ممثلين عن نحو 25 مؤسسة تونسية تنشط في قطاعات ذات إمكانيات تصديرية عالية نحو السوق الصينية، بما يعكس الإرادة المشتركة لبناء علاقات اقتصادية مستدامة ومثمرة بين الجانبين.
فرص غير مستغلة لكنها ناضجة
بلغت المبادلات التجارية بين تونس والصين سنة 2024 نحو 2.9 مليار دينار تونسي، مسجلة نموًا بنسبة 8 بالمائة مقارنة بسنة 2023. وتشير التقديرات إلى وجود فرص تصديرية غير مستغلة نحو السوق الصينية بقيمة تفوق 214 مليون دولار أمريكي، منها قرابة 20 مليون دولار لزيت الزيتون، و15 مليون دولار للمنتجات البحرية، و2.5 مليون دولار للتمور، ما يؤكد الإمكانات الكبيرة المتاحة لتقليص العجز التجاري وتعزيز التبادل المتوازن بين البلدين، وفق بيانات مركز النهوض بالصادرات.
ومن جهته، يعتبر المعهد الوطني للإحصاء أن مبادلات الصّين التّجارية مع تونس تسجل تطورًا مطّردًا وذلك في سياق وجود إمكانيات كبيرة للارتقاء بهذه الشّراكة رغم التّحديات المتعلّقة بالبعد الجغرافي وتكاليف الشّحن.
وتشير دراسات المعهد إلى وجود إمكانيات كبيرة لدعم الاستثمار ونقل التكنولوجيا بين البلدين، بما من شأنه أن يطوّر الاستثمارات الصّينية في تونس، لا سيما وأنّ البلاد تنتمي إلى منطقة التّجارة الحرّة القارية الإفريقية التي تدعمها الصّين وهي تسعى لخلق سوق كبيرة تعدّ أكثر من مليار مستهلك.
وتعمل تونس، لمجابهة بيئة تجارية صارمة في الصين، على تكثيف الحملات الترويجية، وتقوم السلطات في هذا الصدد، بمضاعفة الأنشطة لتستجيب إلى الإجراءات التشريعية الصينية القائمة على الجودة والأصالة الثقافية للمنتوجات المصدرة.
زيارة الدولة وإيجاد البدائل
يرى المراقبون للعلاقات الاقتصادية التونسية الصينية أن زيارة الدولة التي قام بها رئيس الجمهورية، قيس سعيّد، إلى الصين واستمرت 5 أيام، من 28 ماي إلى 1 جوان 2024، بدعوة من الرئيس الصيني، شي جين بينغ، وضعت ملف التعاون متعدد المجالات محلّ التنفيذ.
وقد توجت الزيارة، بإشراف الرئيسين سعيّد وبينغ، بالتوقيع على حزمة اتفاقيات تعاون منها اتفاقية تعاون اقتصادي وفني ومذكرة تفاهم بشأن إحداث فريق عمل للاستثمار، فتحت الأبواب أمام السوقين للتعاون في المجال التجاري والاستثماري.
وأفضت الزيارة، كذلك، إلى توقيع مذكرة تفاهم بشأن تعزيز التعاون التنموي وتعزيز مبادرة التنمية العالمية ومذكرة تفاهم في مجال التنمية الخضراء والمنخفضة الكربون واتفاقيات التعاون في مجالات الإعلام والاتصال.
وعبّر الوزير الأول بجمهورية الصين الشعبية، لي كيانغ، أثناء لقائه رئيس الجمهورية، قيس سعيّد، عن استعداد بلاده لترجمة الصداقة التاريخية مع تونس إلى فرص تعاون جديدة في إطار ثنائي أو ضمن مختلف المبادرات التي أطلقتها الصين.
وأوضح لي كيانغ، أن بكين تسعى إلى تعزيز التبادل التجاري وتشجيع الصادرات التونسية نحو السوق الصينية وفتح خط جوي مباشر بين البلدين وتشجيع المزيد من السياح الصينيين على اختيار الوجهة التونسية فضلاً عن مواصلة التعاون في مجالات الاقتصاد الأخضر والتعليم العالي والصحة والشباب.
ولاحقًا، وبعد زهاء عام وخلال انعقاد الاجتماع السنوي للبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، بالعاصمة الصينية بيكين، من 24 إلى 26 جوان 2025، تم الاتفاق على تنظيم بعثة فنية من البنك إلى تونس للاطلاع على البرامج والمشاريع التنموية المزمع إنجازها.
كما وقع التطرق، خلال الاجتماع الذي انعقد هذه السنة تحت شعار "التواصل من أجل التنمية، التعاون من أجل الازدهار"، إلى الآفاق المتاحة لتعزيز التعاون المالي بين البنك وتونس وسبل الاستفادة من الآليات المتوفرة لديه للمساهمة في تمويل المشاريع التنموية.
وقال السفير الصيني بتونس، وان لي، يوم 23 مارس 2025: "إنه خلال الأشهر الماضية شهدت العلاقات الثنائية بين تونس والصين زيارات متبادلة على المستوى الوزاري، مكنت من تجسيم التوافقات الهامة التي توصل إليها رئيسا البلدين".
وأضاف في حوار خص به وكالة تونس إفريقيا للأنباء: "إن المباحثات كانت معمقة جدًا وبشكل جدي، وقد تم توقيع الرسائل المتبادلة حول مشروع إنجاز مركز العلاج للأمراض السرطانية بالمستشفى الجامعي بقابس وحاليًا يعمل الجانب الصيني على تصميم هذا المركز".
ومنحت تونس جمهورية الصين الشعبية لقب ضيف شرف الدورة 39 من معرض تونس الدولي للكتاب الذي انعقد من 25 أفريل إلى 4 ماي 2025، في خطوة تعكس عمق العلاقات الثقافية المتنامية بين البلدين.
علاقات تتطور بين مساري التجارة والاستثمار
عاش التونسيون، مؤخرًا، تجربة ركوب الحافلات الصينية الجديدة التي تسلمتها شركة نقل تونس ضمن طلبية، كلفت 152 مليون دينار تمثلت في اقتناء 300 حافلة جديدة على دفعتين، تتوزع إلى 140 حافلة عادية و160 حافلة مزدوجة في خطوة لتطوير منظومة النقل العمومي داخل إقليم تونس الكبرى.
وتعوّل تونس على تعزيز الحافلات الجديدة أسطول الشركة لتلبية الحاجيات اليومية لحوالي 3 ملايين ساكن في إقليم تونس الكبرى ما يستدعي توفير ما لا يقل عن 700 خط حافلة متجولة مع التركيز على التجمعات الكبرى.
كما أدّى، مؤخرًا، وفد من شركة "هواوي"، التي يعود حضورها في تونس إلى سنة 1999، وباتت شريكًا أساسيًا في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصال بالإضافة إلى تقديم حلول مبتكرة في قطاع الطاقة، زيارة إلى وكالة للنهوض بالاستثمار الخارجي، في إطار خطط مزيد الاهتمام بالسوق التونسية.
وتسلّمت الشركة الصينية "سينوما" يوم 15 أفريل 2025، حصة الشركة البرازيلية من مصنع الإسمنت بجبل الوسط بزغوان.
وتقدر قيمة استثمارات المشروع بحوالي 140 مليون دولار، أكثر من 418 مليون دينار، ويعدّ من أول المشاريع الهامة التي تندرج ضمن استراتيجية الجمهورية الصينية في دعم الاستثمار وتعزيز العلاقات التجارية مع تونس.
وأعرب وفد عن الشركة الصينية "شاندونغ هايوانغ للكيمياء"، في تونس يوم 16 جويلية 2025 خلال لقاء جمعهم بوزيرة الصناعة والمناجم والطاقة، فاطمة الثابت شيبوب، بتونس العاصمة، عن رغبة الشركة في إحداث مشروع جديد باستثمارات تناهز 95 مليون دولار مما سيمكنها من إنتاج حوالي 92 ألف طن سنويًا من مشتقات البروم.
وأكد ممثلو الشركة الصينية "آسيا بوتاس"، يوم 1 جويلية 2025 الاهتمام بتطوير مشروع استغلال الفسفاط بمنجم سراورتان وعقد شراكة مع تونس في مجال إنتاج الأسمدة على غرار البوتاس والبروم.
وعبر المجمع الصيني "تايكنغ الكترونيكس" يوم 29 جوان 2025، عن اعتزامه إنجاز وحدة صناعية في تونس إثر قيامه بزيارة ثانية لعدة مواقع تونسية وإجرائه للقاءات مع مسؤولين تونسيين وممثلين عن شركات تنشط في قطاع مكونات السيارات في البلاد.
من جسر بنزرت إلى ملعب المنزه
تعهّد الفريق الفني والإداري للشركة الصينية المكلفة بإنجاز القسط الثاني والرئيسي لجسر بنزرت الجديد يوم 17 جوان 2025، أمام سفير الصين بتونس، وان لي، باستكمال إنجاز كامل الأسس العميقة الخاصة بالأعمدة الأساسية للجسر في غضون نهاية السنة الجارية 2025. علما وأن كلفة مشروع جسر بنزرت الجديد الأولية قدرت بـ 761 مليون دينار.
أما على مستوى التعاون في مجال الرياضة، فقد استقبل وزير الشباب والرياضة، الصادق المورالي، يوم 3 جوان 2025 وفدًا من الخبراء الصينيين لاستكمال بعض المسائل الفنّية بخصوص إعادة بناء الملعب الأولمبي بالمنزه والانطلاق في تنفيذ المشروع.
وكان سفير جمهورية الصين الشعبية لدى تونس، أكد في تصريح سابق لوكالة تونس إفريقيا للأنباء، بخصوص مشروع إعادة بناء الملعب الأولمبي بالمنزه، بأن الجانبين التونسي والصيني توصلا إلى توافق بشأن التمويل.
وفي خضم التعاون المالي والتجاري والاستثماري، تراهن تونس على حضور أقوى للسائح الصيني في تونس، وجسدت هذا التوجه عبر مشاركة الديوان الوطني التونسي للسياحة، في معرض "بورصة السياحة العالمية"، من 27 إلى 29 ماي 2025 بمدينة شنغهاي الصينية.
وأتاحت المشاركة للجانب التونسي تقديم عروض تعريفية حول تنوّع المنتوج السياحي التونسي، مع التركيز على فرص الاستثمار في قطاعات الفندقة والسياحة الثقافية والسياحة المستدامة.
وفي الوقت الذي لا تزال فيه كفّة الميزان التجاري ترجح لفائدة الواردات من الصين، لا تدّخر تونس جهدًا لعكس هذا الاتجاه، وتواصل الحكومة التونسية توسيع نطاق الصادرات المحلية والاستفادة من موقعها الجغرافي الاستراتيجي، لترسيخ مكانتها كحلقة وصل بين أفريقيا وأوروبا وآسيا في ظل توجهات رئاسية انطلقت منذ 25 جويلية 2021 في تعزيز علاقات البلاد سياسيًا واقتصاديًا بدول الشرق وأساسًا بالصين وروسيا وإندونيسيا ومصر.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الصحراء
منذ 3 دقائق
- الصحراء
الرئيس اللبناني يبحث في الجزائر مشاريع إعادة إعمار بلاده
توجه الرئيس اللبناني العماد جوزيف عون إلى الجزائر اليوم الثلاثاء في زيارة رسمية، حيث سيناقش مع نظيره عبد المجيد تبون مشاريع إعادة إعمار البنى التحتية المدمرة في جنوب البلاد، بحسب ما ذكره مصدر في القصر الرئاسي ببعبدا لمراسل "تاس". وأضاف المصدر أن المحادثات بين الرئيسين ستبدأ في وقت لاحق من المساء، موضحاً أن هذه أول زيارة لرئيس الجمهورية إلى الجزائر منذ 25 عامًا، وهي تعتبر زيارة استثنائية للجانبين. وأوضح أن الرئيس عبد المجيد تبون سيستقبل الجنرال عون استقبالاً رسمياً في مطار العاصمة الجزائرية الدولي. وبحسب المصدر، تعتزم الجزائر المساهمة في إنعاش لبنان اقتصاديًا، الذي عانى خلال العدوان الإسرائيلي عام 2024، وكما هو متوقع، سيُعلن عقب المحادثات عن مساهمة الجزائر بمبلغ 200 مليون دولار كمرحلة أولى في عملية إعادة الإعمار بعد الحرب. وأشار المصدر إلى اهتمام لبنان بالدعم الجزائري، نظرا للوضع الإقليمي الصعب والأزمة التي يمر بها، مؤكدا أن قيادة الجزائر تسعى إلى لعب دور فاعل في الساحة العربية، مستغلةً حيادها السياسي وانفتاحها الاقتصادي. ومن المتوقع أن تعلن شركة النفط والغاز الجزائرية "سوناطراك" عن تخصيص شحنة كبيرة من وقود الديزل كهدية للجانب اللبناني لضمان تشغيل محطات توليد الطاقة وتحسين إمدادات الكهرباء. وكانت سوناطراك قد أرسلت قبل عام 30 ألف طن من وقود الديزل إلى ميناء طرابلس شمال لبنان. وأوضح المصدر أن برنامج زيارة الرئيس عون يتضمن زيارة الجامع الأعظم والكاتدرائية في قلب العاصمة الجزائرية، الأمر الذي يرمز إلى التنوع الثقافي والديني المشترك، ويؤكد أن العلاقات اللبنانية الجزائرية مبنية على تاريخ عريق وتتجه نحو المستقبل. نقلا عن العربية نت


تونس تليغراف
منذ 3 ساعات
- تونس تليغراف
Tunisie Telegraph جندوبة تنتظر منذ 9 سنوات: هل يتحرك مشروع "كوستا كوراليس" أخيرًا؟
عاد الحديث مجددًا عن مشروع 'كوستا كوراليس جندوبة-طبرقة'، الذي يُعد من أبرز المشاريع الاستثمارية المعلنة في الشمال الغربي، بعد سنوات من الجمود بسبب تعقيدات إدارية وعقارية حالت دون انطلاقه الفعلي، رغم تقديمه لأول مرة في ديسمبر 2016. ويطمح هذا المشروع السياحي المتكامل، الذي يمتد على مساحة تقارب 140 هكتارًا، إلى تحويل جهة جندوبة إلى قطب سياحي واقتصادي رائد، باستثمار إجمالي يُقدّر بـحوالي 2000 مليون دينار، وبدعم من مجموعة من المستثمرين المحليين في إطار جمعية 'استثمار وتنمية جندوبة 2050″، التي أنشأت بدورها شركة خاصة لتأمين التمويل والتسيير. ويتضمن المشروع في مرحلته الأولى، التي يُنتظر أن تمتد بين 10 و15 سنة، مجموعة من المكونات المتكاملة، من بينها مركز طبي متطور، ونُزل فخم من فئة خمس نجوم، وفضاءات ترفيهية كبرى تشمل حديقة مائية، وتلفريك بطول 1.5 كلم، وحديقة مغامرات، إلى جانب مركز تجاري وممشى بحري بطول 1.2 كلم، بالإضافة إلى مزرعة تعليمية بيئية. ورغم الوعود السابقة التي طُرحت في مناسبات سابقة، خاصة خلال عرض المشروع سنة 2019 أمام عدد من نواب الجهة ووالي جندوبة وممثلين عن وزارة السياحة، فإن المشروع ظل معطلاً بفعل صعوبات تتعلق بالحصول على التراخيص الضرورية والانتهاء من الإجراءات العقارية. وفي تصريحات إعلامية، شدد سعد الله الخلفاوي، الأمين العام للجمعية ورئيس الاتحاد الجهوي للصناعة والتجارة بجندوبة، على ضرورة 'رفع العراقيل الإدارية بشكل عاجل'، مشيرًا إلى أن تمويلًا أوليًا قدره 5.3 مليون دينار تم تأمينه، كما تم إدماج مساهمين جدد في هيكل المشروع. ويتوقع القائمون على المشروع أن تنطلق أشغال التهيئة خلال هذه السنة، فيما يُرتقب أن تدخل أولى المكونات حيّز الاستغلال في الفترة ما بين 2029 و2030. ويُقدّر عدد مواطن الشغل التي سيوفرها المشروع بـ 12,500 موطن عمل، منها 3,000 مباشرة والبقية بصفة غير مباشرة. يُذكر أن جهة جندوبة تتمتع بمؤهلات طبيعية فريدة، إضافة إلى مطار طبرقة الدولي الذي لا يزال إلى اليوم تحت الاستغلال المحدود. ويأمل المستثمرون أن يكون 'كوستا كوراليس' بوابة حقيقية لانعاش التنمية في الشمال الغربي وجعل المنطقة وجهة مفضلة للسياحة العائلية والاستثمار المستدام.


الصحراء
منذ 4 ساعات
- الصحراء
تحول اقتصادي موريتاني كبير
تستعد موريتانيا اليوم للدخول في تحول اقتصادي كبير قد يغير وجهها إلى الأبد، ويفتح لها أبواباً من النمو والازدهار المتسارع. هذا البلد مترامي الأطراف، الذي ظل يعاني لستة عقود من تحديات الفقر والتغير المناخي، يمتلك موارد طبيعية هائلة تجعله مرشحاً ليصبح أحد اللاعبين الرئيسيين في سوق الطاقة العالمية. مع بدء الإنتاج التجاري للغاز الطبيعي من مشروع أحميم الكبير (GTA) مطلع عام 2025، وطموحاتها في إنتاج الهيدروجين الأخضر، تبدو موريتانيا جاهزة للانتقال من اقتصاد يعتمد على التعدين التقليدي إلى نموذج أكثر تنوعاً واستدامة. ومع ذلك، يظل الطريق مليئاً بالعقبات، حيث يتطلب النجاح في استغلال هذه الفرص الكبيرة، استثمارات هائلة وإدارة حكيمة للموارد. في تاريخه القريب، اعتمد اقتصاد موريتانيا على قطاعين رئيسيين: التعدين والصيد البحري. إذ يُعد خام الحديد أحد أبرز الصادرات، منذ حقبة الاستعمار الفرنسي، حين وقع الفرنسيون بالصدفة على كنز كبير من خام الحديد في الشمال الموريتاني. وفي عام 2022، أنتجت موريتانيا أكثر من 13 مليون طن من خامات الحديد، ما جعلها ثاني أكبر منتج للحديد في أفريقيا. كما أسهم قطاع التعدين بنسبة 24 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في ذلك العام، مع إنتاج الذهب الذي بلغ 620.8 ألف أونصة من قبل شركة «تازيازت موريتانيا»، والصعود الكبير في إنتاج الذهب من طرف المنقبين التقليديين، بفضل توجه الدولة نحو تنظيم هذا القطاع وتأطيره. مع ذلك، يواجه قطاع التعدين كثيراً من التحديات؛ مثل انخفاض أسعار السلع العالمية وتذبذبها المتكرر، واستنزاف الاحتياطيات، مما يدفع موريتانيا نحو تنويع مصادر دخلها، والتوجه نحو موارد أكثر استقراراً واستدامة. في السنوات الأخيرة، اكتشفت موريتانيا احتياطيات هائلة من الغاز الطبيعي قبالة سواحلها، بالشراكة مع السنغال. كما اكتشفت احتياطيات ضخمة قبالة سواحل العاصمة نواكشوط، لا تزالُ نائمة، وتراقبها كبريات الشركات العالمية. ويُعد مشروع أحميم الكبير (GTA) نقطة التحول الرئيسية. بدأ الإنتاج التجاري في أوائل 2025، مع تحميل أول شحنة من الغاز الطبيعي المسال في أبريل (نيسان) 2025، وإطلاق رسمي في مايو (أيار) 2025 بالشراكة مع السنغال. ويتوقع أن ينتج المشروع نحو 2.3 - 2.4 مليون طن سنوياً، مما يسهم في دفع النمو الاقتصادي. ووفقاً للبنك الدولي، يتوقع أن يتراوح النمو بين نسب 4.9 في المائة إلى 5 في المائة في المدى المتوسط، مدفوعاً بصادرات الغاز، بينما يرى صندوق النقد الدولي نمواً بنسبة 4.4 في المائة في 2025، وآخرون يتوقعون 7.9 في المائة. ولكن التحول الحقيقي سيبدأ حين يدخل المشروع مرحلته الثانية، والأهم حين تبدأ موريتانيا استغلال حقل «بير الله» للغاز الطبيعي، وهو حقل موريتاني مائة في المائة، واحتياطياته تقدر بعشرة أضعاف احتياطيات حقل أحميم الكبير، وتسعى كبريات الشركات العالمية للفوز بصفقة استغلاله، فيما لا يبدو أن الموريتانيين متسرعون في الموضوع، ويميلون أكثر للتأني والدراسة. ولم تتوقف موريتانيا عند الغاز؛ بل إن إمكاناتها في الطاقة المتجددة، خصوصاً الطاقة الشمسية (457.9 غيغاواط) والرياح (47 غيغاواط)، تجعلها مرشحاً مثالياً لإنتاج الهيدروجين الأخضر، الذي يُعدّ وقود المستقبل في أفق الانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون. وأعلنت موريتانيا طموحاتها لإنتاج 12.5 مليون طن سنوياً بحلول 2035، محتلة 1.5 في المائة من السوق العالمية بحلول 2050. ومن أبرز المشاريع مشروع أمان بقيمة 40 مليار دولار، الذي يهدف إلى إنتاج 1.7 مليون طن من الهيدروجين الأخضر، و10 ملايين طن من الأمونيا الخضراء سنوياً، مما قد يرفع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 50 - 60 في المائة بحلول 2035. ومع ذلك، أعلنت عدة شركات في يونيو (حزيران) 2025، تأجيل مشاريعها بسبب ضعف الطلب، لكنها أكدت الالتزام بالعمل على تطويرها مستقبلاً. ومع ذلك، اعتمدت موريتانيا قانون الهيدروجين الأخضر في أكتوبر (تشرين الأول) 2024، لجذب مزيد من الاستثمارات في هذا المجال الحيوي، ولأخذ مكان محوري في سوق لا تزالُ قيد التشكل. أما في قطاع التعدين، فإن موريتانيا تهدف إلى مضاعفة إنتاج خام الحديد إلى أكثر من 45 مليون طن بحلول 2030، مع التركيز على الدرجات العالية لتلبية الطلب على الصلب النظيف. يدعم البنك الدولي مشاريع لاستكشاف المعادن الحرجة وتطوير القوانين. وتسعى موريتانيا إلى دمج قدراتها في إنتاج الهيدروجين الأخضر، في منطقة الشمال، حيث الشمس والصحراء والرياح والمحيط، مع احتياطياتها في الحديد، والتوجه نحو التصنيع، وإنتاج الصلب الأخضر، الذي يعدّ الطلب عليه عالياً في السوق العالمية. ورغم هذه الإمكانات، تواجه موريتانيا عقبات كبيرة، إذ يبلغ معدل الفقر نحو 31.8 في المائة، مع تأثير التضخم المتوقع عند 3.5 في المائة في 2025. كما تشكل مخاطر الأمن في الساحل والصدمات المناخية، مثل الجفاف والفيضانات، تهديداً للاستثمارات الأجنبية. بالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي انخفاض إنتاج الذهب والحديد إلى تعويض جزء من النمو المتوقع من الغاز. وتحتاج البلاد إلى تحسين البنية التحتية، مثل شبكات الأنابيب والكهرباء، وتعزيز الشراكات العامة الخاصة لضمان توزيع الثروة بشكل عادل. مع دعم من الاتحاد الأوروبي (برنامج «غيت واي» بقيمة 300 مليار يورو) والبنك الأفريقي للتنمية (شراكة بقيمة 289.5 مليون دولار لتوسيع الكهرباء)، تسعى موريتانيا لتحقيق 50 في المائة من مزيج الطاقة المتجددة بحلول 2030، وإذا نجحت في استغلال هذه الموارد، فقد تصبح عاصمة الهيدروجين الأخضر في أفريقيا، مما يخلق فرص عمل ويقلل الاعتماد على التصدير الخام. من الواضح أن موريتانيا على أعتاب ثروة حقيقية، لكن النجاح في تسيير هذه الثروة واستغلالها، يعتمد على الإدارة الجيدة والالتزام بالاستدامة، ومع الاستثمارات الدولية والإصلاحات القانونية، يمكن أن تتحول هذه العتبة إلى بوابة للازدهار الدائم. نقلا عن صحيفة الشرق الأوسط