logo
د. محمد العرب : القبائل الرقمية: من يحكم الكوكب بعد زوال الدول..!

د. محمد العرب : القبائل الرقمية: من يحكم الكوكب بعد زوال الدول..!

أخبارنامنذ 3 أيام

أخبارنا :
مع تآكل سلطة الدول القومية وتراجع مفهوم الحدود التقليدية، بدأت ظاهرة جديدة بالظهور، لا تحمل علَماً ولا نشيداً وطنياً ، لكنها أقوى وأكثر نفوذاً من كثير من الحكومات إنها (القبائل الرقمية) ، التشكيلات البشرية الجديدة التي لا يجمعها الجغرافيا، بل تشبكها الخوارزميات، ولا توحّدها اللغة، بل توحّدها الفكرة، والرمز، والانتماء إلى خادم إلكتروني أو هوية افتراضية...!
لم تعد الهويات تُبنى على الوطن والمكان، بل على المعتقد الرقمي، والانتماء السيبراني، والولاء لتجربة افتراضية مشتركة تتجاوز المسافات والثقافات، وتصوغ إنساناً لا يعيش في بلد، بل في طبقة بيانات ، في هذا العالم لم تعد الحكومة مصدر السلطة العليا، بل فقدت تدريجياً قدرتها على احتكار الحقيقة، أو السيطرة على السلوك، أو فرض العقوبات. فقد أصبحت هذه القبائل الرقمية تُصدر أوامرها من غرف مغلقة في السيرفرات، وتُنفذ إرادتها عبر شبكات المستخدمين الذين لا يعرف بعضهم بعضاً ، لكنهم يتحركون كجسم واحد، يمتلك قوة تأثير هائلة وهم لا يحتاجون لوزارة دفاع، بل لمنصة ولا يملكون عملة رسمية، بل يتداولون رموزاً مشفّرة يتقنون فهم تقلباتها ولا يحتفلون بأيام وطنية، بل بوسوم (هاشتاغات) تشعل المنصات، وتقلب الرأي العام، وتستبدل الأجندات في غضون ساعات.
كل قبيلة رقمية لها زعيم، لكنه ليس رئيساً أو ملكاً ، بل قد يكون مؤثراً على تيك توك، أو هاكراً مجهولاً ، أو مبرمجاً عبقرياً صنع خوارزمية يتبعها الملايين دون أن يعرفوا اسمه.
ولها رموزها المقدسة: صورة بروفايل، أو مقطع فيديو، أو ميم يتم تداوله كوثيقة انتماء.
ولها طقوسها: جلسات مباشرة، بثوث حيّة، تصويتات لحظية، وتجمعات في منصات الديسكورد أو الميتافيرس.
ولها كذلك أعداؤها: قبائل أخرى تنافسها على التأثير، أو تشكك في معتقداتها الرقمية، أو تسخر من خطابها وتعطل نموها.
تغير مفهوم الأمن، فبات التهديد ليس دبابة تعبر الحدود، بل ترند يُطلق ضدك في لحظة، ويُدمّرك معنوياً ، واقتصادياً ، وربما سياسياً. أصبح السلاح ليس صاروخاً، بل تسريباً والمعركة ليست في ساحة، بل في واجهة موقع، أو تسلسل تعليقات.
انقلبت قواعد السلطة: لم يعد الأقوى من يملك الأرض، بل من يملك الاتصال.
لم يعد القائد من يرفع الصوت في البرلمان، بل من يسيطر على النغمة في الخوارزمية.
وبات (النفوذ) يُقاس بعدد المشتركين، وليس بعدد الجنود.
لم تقف هذه القبائل عند حدود التفاعل الافتراضي، بل بدأت تتمدد إلى الواقع.
فأصبحت قادرة على تغيير نتائج الانتخابات، وتحريك الأسواق، وإسقاط رموز سياسية، وفرض واقع اجتماعي جديد دون أن تطلق رصاصة واحدة. بل إنها في بعض الحالات، باتت تصيغ القوانين نفسها، وتفرض مفاهيمها الأخلاقية من خلال ما تعتبره (صحيحاً ، حتى لو تعارض مع الدساتير والقيم التاريخية.
لقد ولّى عصر الحاكم الواحد، وجاء زمن الزعيم الرقمي المتعدد: موجود في كل مكان، وغير مرئي في كل مكان.
ظهر جيل جديد لا ينتمي لدولة، بل لسيرفر. لا يُعرّف نفسه بجواز سفر، بل باسم مستخدم واسم قبيلته الرقمية. يتحدث بلغات مشفّرة، لا يفهمها الأهل ولا المعلمون، يثقون ببوت أكثر مما يثقون برجال الدين.
يعتبرون الذكاء الاصطناعي سلطة عليا، ويلجؤون إلى الشات بوتات للحصول على إجابات مصيرية، وليس إلى مؤسسات الدولة.
هم لا يحلمون بوظيفة حكومية، بل بإطلاق مشروع NFT ناجح، أو دخول شبكة DAO تتيح لهم التصويت والمكاسب دون الحاجة لتصويت برلماني.
الأطفال في هذا العالم لم يعودوا يحلمون بأن يصبحوا طيارين أو أطباء، بل يتمنون أن يكونوا (مؤثرين) أو (لاعبين محترفين) أو حتى مجرّد مديرين لمجتمع رقمي ناجح.
وحين يسألهم أحد عن وطنهم، قد لا يجيبون باسم دولة، بل باسم مجتمع افتراضي، أو سلسلة بلوك تشين ينتمون إليها بكل الولاء.
الدول القديمة تحاول الصمود، لكنها تترنح أمام زحف القبائل الجديدة التي لا يمكن القبض على قادتها، ولا محاكمة قوانينها، ولا قصف عواصمها.
إذ لا عواصم لها بل منصات.
ولا جيوش لها بل مستخدمون.
ولا أعلام لها بل رموز.
هكذا يتشكل مستقبل لا تحكمه الحكومات، بل تديره الخوارزميات. لا يكتب تاريخه المؤرخون، بل تكتبه البيانات. لا يصنع قوانينه البرلمان، بل يقترحها الذكاء الاصطناعي ويوافق عليها مجتمع لا يعرف النوم.
من يحكم الكوكب بعد زوال الدول؟
الإجابة ببساطة: من يملك القَبيلة الرقمية الأقوى طبعاً.
في عالم بلا حدود، ولا طغاة، ولا قلاع،
قد تكون أول حكومة عالمية ليست حكومة أصلاً بل شبكة !
هذا المقال ينتمي إلى أدبيات الفكر الاستشرافي السيبراني، وهو مزيج من التحليل السياسي المستقبلي والفلسفة الرقمية للسلطة.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

مدى امكانية ضمّ مؤثّري وسائل التواصل إلى نقابة الصحفيين
مدى امكانية ضمّ مؤثّري وسائل التواصل إلى نقابة الصحفيين

السوسنة

timeمنذ 3 أيام

  • السوسنة

مدى امكانية ضمّ مؤثّري وسائل التواصل إلى نقابة الصحفيين

في إطار اتّساع الحديث عن تعديل قانون نقابة الصحفيين، لمواكبة تطوّرات الصحافة الرقمية، ومعالجة الثغرات فيه، خطر في بالي تساؤل هو: هل قبول مَن يسمّون «مؤثري مواقع التواصل الاجتماعي» أعضاء في نقابة الصحفيين أمر صائب؟ أم الصائب محاربتهم وملاحقتهم قضائياً؟ وهل فعلاً أنهم يعملون على الهامش وغير «مؤثرين» كما يُشاع؟.للإجابة عن هذه الاستفسارات، علينا أن نؤمن بحقائق مهمّة، أوّلها أن هناك شريحة واسعة من هؤلاء استطاعوا أن يؤثّروا فعلاً في المجتمع ويحقّقوا نسبة مشاهدات عالية جداً، عجزت عنها وسائل إعلام كبرى، لكن يبقى المعيار الأهم متعلقاً بجودة المحتوى ونوعيته لا بارتفاع أعداد المشاهدات، ولكن، ماذا لو كان المحتوى ذا جودة عالية ونسبة المشاهدات أيضاً مرتفعة؟.كما نعلم؛ فكثير من المؤثرين على المنصات الاجتماعية مثل: فيسبوك، يوتيوب، إنستغرام، تيك توك، وغيرها، باتوا ينقلون الأخبار، ويؤثرون في الرأي العام، ويقدمون محتوى إعلامياً قد يتفوق أحياناً على المؤسّسات التقليدية، كما أن حرية التعبير وفقاً للمادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية تشمل الصحفي المهني وغير المهني، وكل من يساهم في إنتاج ونشر المعلومات، ويجب أن يحظى بالحماية من أيّ انتهاك أو تضييق.فالفرق هنا ليس المنصة، بل الوظيفة الإعلامية، فمَن يستخدم إنستغرام أو فيسبوك أو تيك توك للتأثير والتوعية قد يكون أكثر صَحَفيّةً من موظف في صحيفة لا يمارس أي نقد أو تغطية حقيقية.وبناء على ذلك؛ فإنني أرى، وأرجو ألّا أكون مخطئاً، أنّه يجب على نقابة الصحفيين التفكير جدياً بضمّ هذه الفئة التي لا يُستهان بها إلى الجسم الصحفي، ومواكبة التطوّر الرقمي وصحافة تطبيقات "السوشل ميديا" التي باتت تنتشر في جميع أنحاء العالم، ولكنّ هذا الانضمام يجب أن يكون بضوابط مهمة أعرضها وفق الآتي:- إعادة تعريف مفهوم الصحفي الوارد في المادتَين الثانية والثامنة من القانون، واقترح هنا تعريفاً قد يحقق الغاية المرجوة وفق الآتي: "كل من يمارس نقل المعلومات أو إنتاج المحتوى الإخباري أو الرقابي أو التوعوي، الموجه للجمهور، عبر أيّ وسيلة إعلامية تقليدية أو رقمية، بما في ذلك المنصات الإلكترونية والتطبيقات الاجتماعية، شريطة أن يكون مسجلاً في سجل نقابة الصحفيين المزاولين".- يجب أن يكون المحتوى المقدم إخبارياً مهنياً يستند إلى مصادر حقيقية، وبجودة عالية.- يجب أن يتمتع الشخص بمواصفات الصحفي، الواردة في القانون، منها مثلاً حسن السيرة والسلوك والشهادة الجامعية الأولى حداً أدنى ويخضع للتدريب.- أن يزود النقابة، باسم المنصة التي يعمل فيها، ورابطها الإلكتروني.- يعامل المحتوى المقدَّم، معاملة المحتوى الصحفي، وفق تعريف مستقل، حتى لا يخضع لقواعد تراخيص المطبوعة الصحفية، او المؤسسة الإعلامية، وإنما وفق نصوص قانونية أو تعليمات جديدة تراعي خصوصية المنصة أو الحساب.- الالتزام بأخلاقيات العمل الإعلامي منها على سبيل المثال لا الحصر؛ عدم نشر أخبار كاذبة، احترام الخصوصية، عدم التحريض.- النصّ على فئة عضوية جديدة "إعلامي رقمي" أو "صانع محتوى إعلامي"، على أن تشمل المؤثرين والمدونين والمشرفين على صفحات إخبارية على الإنترنت أو مواقع التواصل، تتوفر فيهم الشروط التي تحدثنا عنها.ولضم فئة المؤثرين إلى نقابة الصحفيين فوائد منها:- القضاء على صفحات وحسابات التواصل الاجتماعي التي لا تنطبق عليها الشروط وتبثّ أخباراً كاذبة ولا تتمتع بالمهنية.- مواجهة مثيري الإشاعة والبلبلة في صفوف المجتمع، والقضاء على ظاهرة منتحلي المهنة.- ضبط المشهد الإعلامي الرقمي وحمايته والعاملين فيه وتأطيره قانونياً بما ينسجم مع حرية التعبير.- توسيع باقة العضوية في النقابة، بما يواكب التطوّر الإعلامي الرقمي، والخروج من دائرة الاتهام بالانغلاق والجمود.- تحقيق نقاط على سلم الحريات الصحفية العالمية.- توفير الدفاع القانوني في قضايا النشر، وتقديم التدريب والدعم الفني، ومنحهم الحقوق النقابية كافة.- تحقيق دخل جديد للنقابة من خلال إلزامهم بدفع 1% من قيمة الإعلانات المتحقّقة على تلك المنصات.المؤثرون اليوم على منصات التواصل الاجتماعي، واقع لا يمكن تجاهله، وجزء مهم من المشهد الإعلامي سواءً محلياً أو دولياً، وإقصاؤهم أو ملاحقتهم قضائياً هو الجري خارج الزمن، ورفض للتغير والتطوير، ويضر بحرية التعبير في المملكة، إلّا أن دمجهم في النقابة كما أسلفت يجب أن يكون بضوابط صارمة ومتابعة مسؤولة تحقق مصالح الجميع.

د. محمد العرب : القبائل الرقمية: من يحكم الكوكب بعد زوال الدول..!
د. محمد العرب : القبائل الرقمية: من يحكم الكوكب بعد زوال الدول..!

أخبارنا

timeمنذ 3 أيام

  • أخبارنا

د. محمد العرب : القبائل الرقمية: من يحكم الكوكب بعد زوال الدول..!

أخبارنا : مع تآكل سلطة الدول القومية وتراجع مفهوم الحدود التقليدية، بدأت ظاهرة جديدة بالظهور، لا تحمل علَماً ولا نشيداً وطنياً ، لكنها أقوى وأكثر نفوذاً من كثير من الحكومات إنها (القبائل الرقمية) ، التشكيلات البشرية الجديدة التي لا يجمعها الجغرافيا، بل تشبكها الخوارزميات، ولا توحّدها اللغة، بل توحّدها الفكرة، والرمز، والانتماء إلى خادم إلكتروني أو هوية افتراضية...! لم تعد الهويات تُبنى على الوطن والمكان، بل على المعتقد الرقمي، والانتماء السيبراني، والولاء لتجربة افتراضية مشتركة تتجاوز المسافات والثقافات، وتصوغ إنساناً لا يعيش في بلد، بل في طبقة بيانات ، في هذا العالم لم تعد الحكومة مصدر السلطة العليا، بل فقدت تدريجياً قدرتها على احتكار الحقيقة، أو السيطرة على السلوك، أو فرض العقوبات. فقد أصبحت هذه القبائل الرقمية تُصدر أوامرها من غرف مغلقة في السيرفرات، وتُنفذ إرادتها عبر شبكات المستخدمين الذين لا يعرف بعضهم بعضاً ، لكنهم يتحركون كجسم واحد، يمتلك قوة تأثير هائلة وهم لا يحتاجون لوزارة دفاع، بل لمنصة ولا يملكون عملة رسمية، بل يتداولون رموزاً مشفّرة يتقنون فهم تقلباتها ولا يحتفلون بأيام وطنية، بل بوسوم (هاشتاغات) تشعل المنصات، وتقلب الرأي العام، وتستبدل الأجندات في غضون ساعات. كل قبيلة رقمية لها زعيم، لكنه ليس رئيساً أو ملكاً ، بل قد يكون مؤثراً على تيك توك، أو هاكراً مجهولاً ، أو مبرمجاً عبقرياً صنع خوارزمية يتبعها الملايين دون أن يعرفوا اسمه. ولها رموزها المقدسة: صورة بروفايل، أو مقطع فيديو، أو ميم يتم تداوله كوثيقة انتماء. ولها طقوسها: جلسات مباشرة، بثوث حيّة، تصويتات لحظية، وتجمعات في منصات الديسكورد أو الميتافيرس. ولها كذلك أعداؤها: قبائل أخرى تنافسها على التأثير، أو تشكك في معتقداتها الرقمية، أو تسخر من خطابها وتعطل نموها. تغير مفهوم الأمن، فبات التهديد ليس دبابة تعبر الحدود، بل ترند يُطلق ضدك في لحظة، ويُدمّرك معنوياً ، واقتصادياً ، وربما سياسياً. أصبح السلاح ليس صاروخاً، بل تسريباً والمعركة ليست في ساحة، بل في واجهة موقع، أو تسلسل تعليقات. انقلبت قواعد السلطة: لم يعد الأقوى من يملك الأرض، بل من يملك الاتصال. لم يعد القائد من يرفع الصوت في البرلمان، بل من يسيطر على النغمة في الخوارزمية. وبات (النفوذ) يُقاس بعدد المشتركين، وليس بعدد الجنود. لم تقف هذه القبائل عند حدود التفاعل الافتراضي، بل بدأت تتمدد إلى الواقع. فأصبحت قادرة على تغيير نتائج الانتخابات، وتحريك الأسواق، وإسقاط رموز سياسية، وفرض واقع اجتماعي جديد دون أن تطلق رصاصة واحدة. بل إنها في بعض الحالات، باتت تصيغ القوانين نفسها، وتفرض مفاهيمها الأخلاقية من خلال ما تعتبره (صحيحاً ، حتى لو تعارض مع الدساتير والقيم التاريخية. لقد ولّى عصر الحاكم الواحد، وجاء زمن الزعيم الرقمي المتعدد: موجود في كل مكان، وغير مرئي في كل مكان. ظهر جيل جديد لا ينتمي لدولة، بل لسيرفر. لا يُعرّف نفسه بجواز سفر، بل باسم مستخدم واسم قبيلته الرقمية. يتحدث بلغات مشفّرة، لا يفهمها الأهل ولا المعلمون، يثقون ببوت أكثر مما يثقون برجال الدين. يعتبرون الذكاء الاصطناعي سلطة عليا، ويلجؤون إلى الشات بوتات للحصول على إجابات مصيرية، وليس إلى مؤسسات الدولة. هم لا يحلمون بوظيفة حكومية، بل بإطلاق مشروع NFT ناجح، أو دخول شبكة DAO تتيح لهم التصويت والمكاسب دون الحاجة لتصويت برلماني. الأطفال في هذا العالم لم يعودوا يحلمون بأن يصبحوا طيارين أو أطباء، بل يتمنون أن يكونوا (مؤثرين) أو (لاعبين محترفين) أو حتى مجرّد مديرين لمجتمع رقمي ناجح. وحين يسألهم أحد عن وطنهم، قد لا يجيبون باسم دولة، بل باسم مجتمع افتراضي، أو سلسلة بلوك تشين ينتمون إليها بكل الولاء. الدول القديمة تحاول الصمود، لكنها تترنح أمام زحف القبائل الجديدة التي لا يمكن القبض على قادتها، ولا محاكمة قوانينها، ولا قصف عواصمها. إذ لا عواصم لها بل منصات. ولا جيوش لها بل مستخدمون. ولا أعلام لها بل رموز. هكذا يتشكل مستقبل لا تحكمه الحكومات، بل تديره الخوارزميات. لا يكتب تاريخه المؤرخون، بل تكتبه البيانات. لا يصنع قوانينه البرلمان، بل يقترحها الذكاء الاصطناعي ويوافق عليها مجتمع لا يعرف النوم. من يحكم الكوكب بعد زوال الدول؟ الإجابة ببساطة: من يملك القَبيلة الرقمية الأقوى طبعاً. في عالم بلا حدود، ولا طغاة، ولا قلاع، قد تكون أول حكومة عالمية ليست حكومة أصلاً بل شبكة ! هذا المقال ينتمي إلى أدبيات الفكر الاستشرافي السيبراني، وهو مزيج من التحليل السياسي المستقبلي والفلسفة الرقمية للسلطة.

القبائل الرقمية: من يحكم الكوكب بعد زوال الدول..!
القبائل الرقمية: من يحكم الكوكب بعد زوال الدول..!

الدستور

timeمنذ 3 أيام

  • الدستور

القبائل الرقمية: من يحكم الكوكب بعد زوال الدول..!

مع تآكل سلطة الدول القومية وتراجع مفهوم الحدود التقليدية، بدأت ظاهرة جديدة بالظهور، لا تحمل علَماً ولا نشيداً وطنياً ، لكنها أقوى وأكثر نفوذاً من كثير من الحكومات إنها (القبائل الرقمية) ، التشكيلات البشرية الجديدة التي لا يجمعها الجغرافيا، بل تشبكها الخوارزميات، ولا توحّدها اللغة، بل توحّدها الفكرة، والرمز، والانتماء إلى خادم إلكتروني أو هوية افتراضية...! لم تعد الهويات تُبنى على الوطن والمكان، بل على المعتقد الرقمي، والانتماء السيبراني، والولاء لتجربة افتراضية مشتركة تتجاوز المسافات والثقافات، وتصوغ إنساناً لا يعيش في بلد، بل في طبقة بيانات ، في هذا العالم لم تعد الحكومة مصدر السلطة العليا، بل فقدت تدريجياً قدرتها على احتكار الحقيقة، أو السيطرة على السلوك، أو فرض العقوبات. فقد أصبحت هذه القبائل الرقمية تُصدر أوامرها من غرف مغلقة في السيرفرات، وتُنفذ إرادتها عبر شبكات المستخدمين الذين لا يعرف بعضهم بعضاً ، لكنهم يتحركون كجسم واحد، يمتلك قوة تأثير هائلة وهم لا يحتاجون لوزارة دفاع، بل لمنصة ولا يملكون عملة رسمية، بل يتداولون رموزاً مشفّرة يتقنون فهم تقلباتها ولا يحتفلون بأيام وطنية، بل بوسوم (هاشتاغات) تشعل المنصات، وتقلب الرأي العام، وتستبدل الأجندات في غضون ساعات. كل قبيلة رقمية لها زعيم، لكنه ليس رئيساً أو ملكاً ، بل قد يكون مؤثراً على تيك توك، أو هاكراً مجهولاً ، أو مبرمجاً عبقرياً صنع خوارزمية يتبعها الملايين دون أن يعرفوا اسمه. ولها رموزها المقدسة: صورة بروفايل، أو مقطع فيديو، أو ميم يتم تداوله كوثيقة انتماء. ولها طقوسها: جلسات مباشرة، بثوث حيّة، تصويتات لحظية، وتجمعات في منصات الديسكورد أو الميتافيرس. ولها كذلك أعداؤها: قبائل أخرى تنافسها على التأثير، أو تشكك في معتقداتها الرقمية، أو تسخر من خطابها وتعطل نموها. تغير مفهوم الأمن، فبات التهديد ليس دبابة تعبر الحدود، بل ترند يُطلق ضدك في لحظة، ويُدمّرك معنوياً ، واقتصادياً ، وربما سياسياً. أصبح السلاح ليس صاروخاً، بل تسريباً والمعركة ليست في ساحة، بل في واجهة موقع، أو تسلسل تعليقات. انقلبت قواعد السلطة: لم يعد الأقوى من يملك الأرض، بل من يملك الاتصال. لم يعد القائد من يرفع الصوت في البرلمان، بل من يسيطر على النغمة في الخوارزمية. وبات (النفوذ) يُقاس بعدد المشتركين، وليس بعدد الجنود. لم تقف هذه القبائل عند حدود التفاعل الافتراضي، بل بدأت تتمدد إلى الواقع. فأصبحت قادرة على تغيير نتائج الانتخابات، وتحريك الأسواق، وإسقاط رموز سياسية، وفرض واقع اجتماعي جديد دون أن تطلق رصاصة واحدة. بل إنها في بعض الحالات، باتت تصيغ القوانين نفسها، وتفرض مفاهيمها الأخلاقية من خلال ما تعتبره (صحيحاً ، حتى لو تعارض مع الدساتير والقيم التاريخية. لقد ولّى عصر الحاكم الواحد، وجاء زمن الزعيم الرقمي المتعدد: موجود في كل مكان، وغير مرئي في كل مكان. ظهر جيل جديد لا ينتمي لدولة، بل لسيرفر. لا يُعرّف نفسه بجواز سفر، بل باسم مستخدم واسم قبيلته الرقمية. يتحدث بلغات مشفّرة، لا يفهمها الأهل ولا المعلمون، يثقون ببوت أكثر مما يثقون برجال الدين. يعتبرون الذكاء الاصطناعي سلطة عليا، ويلجؤون إلى الشات بوتات للحصول على إجابات مصيرية، وليس إلى مؤسسات الدولة. هم لا يحلمون بوظيفة حكومية، بل بإطلاق مشروع NFT ناجح، أو دخول شبكة DAO تتيح لهم التصويت والمكاسب دون الحاجة لتصويت برلماني. الأطفال في هذا العالم لم يعودوا يحلمون بأن يصبحوا طيارين أو أطباء، بل يتمنون أن يكونوا (مؤثرين) أو (لاعبين محترفين) أو حتى مجرّد مديرين لمجتمع رقمي ناجح. وحين يسألهم أحد عن وطنهم، قد لا يجيبون باسم دولة، بل باسم مجتمع افتراضي، أو سلسلة بلوك تشين ينتمون إليها بكل الولاء. الدول القديمة تحاول الصمود، لكنها تترنح أمام زحف القبائل الجديدة التي لا يمكن القبض على قادتها، ولا محاكمة قوانينها، ولا قصف عواصمها. إذ لا عواصم لها بل منصات. ولا جيوش لها بل مستخدمون. ولا أعلام لها بل رموز. هكذا يتشكل مستقبل لا تحكمه الحكومات، بل تديره الخوارزميات. لا يكتب تاريخه المؤرخون، بل تكتبه البيانات. لا يصنع قوانينه البرلمان، بل يقترحها الذكاء الاصطناعي ويوافق عليها مجتمع لا يعرف النوم. من يحكم الكوكب بعد زوال الدول؟ الإجابة ببساطة: من يملك القَبيلة الرقمية الأقوى طبعاً. في عالم بلا حدود، ولا طغاة، ولا قلاع، قد تكون أول حكومة عالمية ليست حكومة أصلاً بل شبكة ! هذا المقال ينتمي إلى أدبيات الفكر الاستشرافي السيبراني، وهو مزيج من التحليل السياسي المستقبلي والفلسفة الرقمية للسلطة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store