logo
البلاسيبو.. عندما يتحول الوهم إلى شفاء

البلاسيبو.. عندما يتحول الوهم إلى شفاء

الرياضمنذ 18 ساعات
عندما يتناول مريض يعاني من ألم مزمن حبة دواء صغيرة يعتقد أنها مسكن قوي، ليتفاجأ بعد ساعات بانخفاض الألم بشكل ملحوظ، لكن الحبة كانت خالية من أي مادة فعالة؛ مجرد سكر مُغلف. هذه ليست خدعة، بل ظاهرة طبية غامضة تُسمى "تأثير البلاسيبو"، حيث يتحول الإيمان بالعلاج إلى قوة شفائية حقيقية، تُلقي بظلال من التساؤل على الحدود التقليدية بين العقل والجسم.
البلاسيبو (من اللاتينية "Placebo"، بمعنى "سأُرضي") هو علاج وهمي لا يحتوي على مكونات طبية فعالة، لكنه يُحفز استجابة شفائية لدى المرضى بسبب توقعاتهم الإيجابية، اكتسب المصطلح شهرته في عام 1955، عندما نشر الطبيب هنري بيشر دراسة ثورية أظهرت أن 35 % من الجنود الجرحى في الحرب العالمية الثانية شعروا بتخفيف الألم بعد إعطائهم محلولاً ملحياً بدلًا من المورفين، مؤكدًا أن "الوهم" قد يكون أداة علاجية. ومنذ ذلك الحين، أصبح البلاسيبو جزءًا أساسيًّا من التجارب السريرية لاختبار فعالية الأدوية الجديدة، حيث يُقارن تأثير الدواء الفعلي مع تأثير "الشيء الوهمي" لعزل النتائج الحقيقية.
لم يعد تأثير البلاسيبو مجرد خدعة نفسية؛ فالأبحاث الحديثة تكشف آليات بيولوجية مُعَقدة، عندما يعتقد المريض أن العلاج فعّال، يُحفز دماغه إفراز مواد كيميائية مثل: الإندورفين (المسكن الطبيعي للألم) والدوبامين (المرتبط بالمتعة)، مما يؤدي إلى تغييرات جسدية قابلة للقياس، في دراسة أجريت على مرضى باركنسون، سبب البلاسيبو زيادةً ملحوظة في إنتاج الدوبامين، مما يثبت أن التوقعات الذهنية تُعيد برمجة وظائف الجسم البيولوجية.
يظهر تأثير البلاسيبو بقوة في الحالات التي تعتمد على التقييم الذاتي، مثل: الألم والاكتئاب، حيث قد يصل معدل الاستجابة إلى 30-40 % من المرضى. ففي تجارب الأدوية المضادة للاكتئاب، غالبًا ما يصعب التمييز بين تأثير الدواء والبلاسيبو، مما يدفع الباحثين إلى إعادة تقييم معايير الفعالية، لكن البلاسيبو ليس سحرًا شاملًا؛ فتأثيره محدود في الأمراض التي تحتاج إلى تدخلات جسدية واضحة، مثل: انخفاض حجم الورم السرطاني أو عدوى بكتيرية، مما يؤكد أن قوته تكمن في "التجربة الذاتية" للمرضى، لا في علاج الأسباب الجذرية.
يطرح البلاسيبو تحديات أخلاقية معقدة، فاستخدامه في الممارسة الطبية اليومية يتطلب عادةً خداع المريض، وهو ما يتعارض مع مبدأ الموافقة المستنيرة، لكن دراسة رائدة لجامعة هارفارد عام 2010 قلبت المفاهيم: أعطى الباحث تيد كابتشوك لمرضى القولون العصبي حبوباً سكرية مع إخبارهم صراحة أنها "بلاسيبو"، ومع ذلك شعر 60 % منهم بتحسن ملحوظ. هذه "البلاسيبو المفتوح" تُظهر أن الشفاء قد يحدث حتى دون خداع، عبر تعزيز الثقة في العلاقة بين الطبيب والمريض، والإجراءات الرمزية المرتبطة بالعلاج (مثل: التشخيص الدقيق والاهتمام البشري)، ورغم الجدل حول إمكانية دمج هذه المنهجية في الطب التقليدي، يرى الخبراء أن فهم آليات البلاسيبو قد يُحسّن العناية الطبية دون التضحية بالشفافية.
أصبحت الأبحاث اليوم تركّز على استغلال تأثير البلاسيبو بشكل أخلاقي لتعزيز العلاجات، فالتواصل الفعّال من الطبيب، والبيئة المريحة في العيادة، وحتى لون حبة الدواء (الأزرق يُهدئ، والأحمر ينشط) يمكن أن يضخّم الاستجابة العلاجية. في الوقت نفسه، يحذر العلماء من المبالغة في تفسير الظاهرة: فالبلاسيبو ليس بديلًا عن الأدوية الحيوية، بل مكمل يذكّرنا بأن الشفاء عملية معقدة تشمل الجسد والروح معًا.
إن تأثير البلاسيبو ليس مجرد لغز علمي، بل دليل قاطع على أن الإيمان والأمل جزء لا يتجزأ من الرحلة العلاجية، ففي عالم يبحث باستمرار عن حبوب سحرية، تُذكّرنا هذه الظاهرة بأن أقوى "دواء" قد يكون مختبئًا في عقولنا، كما قال البروفيسور فابريزيو بينيديتي: "تأثير البلاسيبو ليس خيالًا، بل عملية بيولوجية حقيقية تُظهر أن الدماغ قادر على تعديل أعراض المرض عبر التوقعات والتعلم.. إنه جسر بين العقل والجسد نبدأ فقط باكتشاف أسراره".. قد يكون السر الحقيقي للشفاء ليس في الحبة التي نبتلعها، بل في القصة التي نحكيها لأنفسنا عنها.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

"الصحة العالمية": غزة تشهد أعلى معدل لحالات سوء التغذية الحاد بين الأطفال
"الصحة العالمية": غزة تشهد أعلى معدل لحالات سوء التغذية الحاد بين الأطفال

صحيفة سبق

timeمنذ ساعة واحدة

  • صحيفة سبق

"الصحة العالمية": غزة تشهد أعلى معدل لحالات سوء التغذية الحاد بين الأطفال

أكد المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم جيبريسوس أن قطاع غزة شهد أعلى معدل شهري لسوء التغذية الحاد لدى الأطفال مع ارتفاع الوفيات المرتبطة بالجوع في القطاع. وقال في تصريحات من مقر المنظمة بجنيف اليوم، "في يوليو، شُخص ما يقرب من (12) ألف طفل دون سن الخامسة على أنهم يعانون من سوء التغذية الحاد في غزة، وهو أعلى رقم شهري يُسجل على الإطلاق". وأضاف أن (99) شخصًا على الأقل لاقوا حتفهم بسبب سوء التغذية منذ بداية العام وحتى 29 يوليو الماضي، وهم (64) بالغًا و(35) طفلًا من بينهم (29) دون سن الخامسة. وتشير إحصاءات المنظمة إلى أن نحو (25) ألف طفل يعانون سوء تغذية حاد في القطاع، وقال ممثل منظمة الصحة العالمية في الأراضي الفلسطينية المحتلة ريك بيبركورن: "لا يزال إجمالي حجم الإمدادات الغذائية غير كاف على الإطلاق لمنع المزيد من التدهور، ويجب تكثيف الإمدادات، وتنوع الغذاء".

وفد من جمعية حقوق الإنسان يزور دار الرعاية الاجتماعية للمسنين بالرياض
وفد من جمعية حقوق الإنسان يزور دار الرعاية الاجتماعية للمسنين بالرياض

الرياض

timeمنذ ساعة واحدة

  • الرياض

وفد من جمعية حقوق الإنسان يزور دار الرعاية الاجتماعية للمسنين بالرياض

زار وفد من الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان اليوم دار الرعاية الاجتماعية للمسنين بمدينة الرياض، وذلك في إطار برنامج الزيارات الميدانية التي تنفذها الجمعية للوقوف على أوضاع الفئات المشمولة بالرعاية، والتعرف على جودة الخدمات المقدمة لهم. واطّلع الوفد خلال الزيارة على مرافق الدار والخدمات الصحية والاجتماعية المُقدمة للنزلاء، كما عقد لقاءً مع مدير الدار الأستاذ بندر الناجم وعدد من منسوبي الدار، جرى خلاله مناقشة أبرز التحديات، وسبل تطوير مستوى الخدمات، وتعزيز مجالات التعاون بين الجمعية والدار بما يخدم كبار السن ويكفل تمتعهم بحقوقهم الإنسانية والاجتماعية. وأكد وفد الجمعية في ختام الزيارة أهمية استمرار الشراكة والتكامل المؤسسي بين الجانبين، بما يُسهم في تحسين جودة الحياة للمسنين، ورفع كفاءة الرعاية المقدمة لهذه الفئة العزيزة على المجتمع.

خطوات ضرورية فور تشخيصك بمرض السكري .. تعرف عليها
خطوات ضرورية فور تشخيصك بمرض السكري .. تعرف عليها

صحيفة سبق

timeمنذ 2 ساعات

  • صحيفة سبق

خطوات ضرورية فور تشخيصك بمرض السكري .. تعرف عليها

مع تزايد حالات الإصابة بمرض السكري، بات من المهم معرفة الخطوات الأولى التي يجب اتخاذها فور التشخيص. ورغم أن الخبر قد يبدو مقلقًا في البداية، إلا أن المبادرة المبكرة بالتغيير يمكن أن تُحدث فرقًا كبيرًا في إدارة المرض والوقاية من مضاعفاته. ووفق ما نشره موقع Indian Express، فإن أول ما يجب فهمه هو قراءات السكر المختلفة، مثل مستوى السكر في الدم أثناء الصيام، وبعد الوجبات، إضافة إلى نسبة الهيموجلوبين السكري (HbA1c)، والتي تعطي صورة أوضح عن مدى استقرار الحالة على المدى الطويل. ويشير التقرير إلى أن تشخيص السكري لا يعني نهاية المطاف، بل هو فرصة حقيقية لإعادة ضبط نمط الحياة. فالجسم حينها يواجه صعوبة في تنظيم مستويات السكر إما بسبب ضعف إفراز الأنسولين أو مقاومة الخلايا له، ما يتطلب تدخلاً واعيًا لتفادي مضاعفات قد تؤثر على أعضاء الجسم مع مرور الوقت. ويؤكد الخبراء ضرورة البدء بنظام غذائي متوازن يعتمد على الأطعمة الكاملة، مع الحرص على النشاط البدني المنتظم، سواء من خلال تمارين القلب أو القوة، إلى جانب تقليل مستويات التوتر والنوم الكافي. كما شدد التقرير على أهمية مراجعة طبيب مختص في الغدد الصماء لوضع خطة علاجية مخصصة، محذرًا من الاعتماد على نصائح عامة منتشرة عبر الإنترنت دون فهم طبي دقيق لحالة كل مريض. وأشار إلى أن ردود فعل الجسم تختلف حسب عوامل مثل العمر والجينات ومدى تقدم المرض والأمراض المصاحبة، مما يجعل الإشراف الطبي أمرًا لا غنى عنه، خصوصًا عند إجراء تغييرات غذائية أو تعديل جرعات الأدوية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store