logo
هل السلع الاستهلاكية الرخيصة هي الحلم الأمريكي الحقيقي؟

هل السلع الاستهلاكية الرخيصة هي الحلم الأمريكي الحقيقي؟

الاقتصادية١٨-٠٤-٢٠٢٥

خاض الأمريكيون والسوفييت صراعاً ثقافياً وسياسياً متعدد الجبهات للفوز بـ"روح" أوروبا على مدى عقود بعدما وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها.
في خضم ذلك أشهرت الولايات المتحدة سلاحاً فتاكاً قوامه أجهزة منزلية وملابس وأجهزة تلفزيون ملوّن ومعدات رياضية ومشروبات غازية معلبة.
تسويق للنموذج الرأسمالي
أطلقت الولايات المتحدة حملة إبهار استعرضت نمط حياة يقوم على سلع استهلاكية وفيرة في متناول الجميع. استهلت هذه الحملة في برلين الغربية خلال حقبة "خطة مارشال"، إذ شيّدت وزارة الخارجية الأمريكية عام 1950 جناحاً تجارياً متألقاً على اليابسة المقابلة عبر الأطلسي، ضمّ آلاف المنتجات اليومية المتوفرة للطبقة الوسطى المتنامية في الضواحي الأمريكية.
في المعرض الأول، نُقل منزل جاهز نموذجي من مينيابوليس ليُعرض أمام الزوّار. وفي العروض اللاحقة، أدّى ممثلون مشاهد مستوحاة من الحياة اليومية لعائلات أمريكية مكوّنة من والدين وأطفال، قدموا خلالها عروضاً حية للمنتجات، مثل تحضير العشاء بسرعة بواسطة فرن مايكروويف، وتنظيف الملابس في غسالات ونشافات كهربائية، ثم مشاهدة التلفاز بصحبة الأطفال.
أتت تلك المعارض في سياق حملة واسعة للترويج للنموذج الرأسمالي الأمريكي لدى الأوروبيين المنهكين من الحرب والميّالين للفكر الشيوعي. فشكلت واحدة من أنجح حملات الدعاية في التاريخ الأمريكي وحشدت آلاف الزوّار الساعين لاكتشاف نمط حياة عصري بدا مختلفاً كل الاختلاف عمّا عهدوا، بداية في برلين ثمّ في باقي أرجاء ألمانيا الغربية وإيطاليا وصولاً إلى قلب الاتحاد السوفييتي نفسه.
في أول معرض أُقيم في موسكو عام 1959، تفجر سخط الزعيم السوفييتي نيكيتا خروتشوف في وجه نائب الرئيس الأمريكي آنذاك ريتشارد نيكسون، الذي كان يرافقه في جولة على المعرض، احتجاجاً على استعراض الانحلال الأمريكي.
في السنوات التالية، سعى خروتشوف إلى مواجهة الدعاية الأمريكية، لا عبر رفض أسلوب الحياة الاستهلاكي، بل تبنياً له في الإعلام الرسمي، وتعهد بأن المنتجات السوفييتية المشابهة متوفرة أو ستُطرح قريباً (رغم عدم صحة ذلك).
كان لخطوة خروتشوف ارتداد عكسي كارثي، بحسب مقال للمؤرخ غريغ كاستيلو نُشر في 2005، فقد أكدت للمواطنين السوفييت العاديين، صحة الرسالة الأمريكية القائلة بتفوّق النظام الاقتصادي الرأسمالي. وتناول كاستيلو ذلك بقوله إن "الرغبة الاستهلاكية الجامحة أسفرت في نهاية المطاف عن إفلاس الاقتصاد السياسي للاشتراكية السوفييتية". فحين يرى الناس جلاية صحون، لا شكّ بأنهم سيرغبون باقتناء واحدة.
ضربة للنزعة الاستهلاكية الأمريكية
ما يزال الأمريكيون يرغبون بامتلاك جلايات الصحون وهواتف "أيفون" وأحذية رياضية جديدة وخزائن تفيض بالملابس، ورفوف متاجر مليئة بالفاكهة والخضار من كل الأشكال والألوان.
كان رهان "خطة مارشال" القائم على حد وصف كاستيلو على "تمكين المواطن من خلال زيادة القوة الشرائية" قد صُقل أولاً داخل الولايات المتحدة قبل أن تصدّره، وما يزال حتى اليوم أحد المبادئ الرئيسية التي تقوم عليها الهوية الأميركية وعمادها الاقتصادي. يشكل الإنفاق الاستهلاكي للأسر نحو 70% من الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي، وهي أعلى نسبة بين جميع الدول الصناعية.
استلزمت تلبية هذا الطلب الاستهلاكي زيادة هائلة في المقدرات الإنتاجية حول العالم. ورغم ما يعبّر عنه الأمريكيون في استطلاعات الرأي عن تفضيلهم للمنتجات المصنوعة محلياً، فإن سلوكهم الشرائي الفعلي، وعلى مدى عقود، يثبت أن الوفرة والأسعار المعقولة تتفوّقان على أي انحياز أيديولوجي للصناعة الوطنية.
على مدى نحو قرن، تضافرت جهود قادة الحزبين في الولايات المتحدة من أجل ضمان استمرار تدفق سيل السلع الاستهلاكية المستوردة. فقد شكّل التدخّل بين الأمريكيين ومقتنياتهم أحد الخطوط الحمراء في السياسة الأمريكية. وأولئك الذين حاولوا القيام بذلك، ولو عن حسن نية، واجهوا نهاية وخيمة كانت عبرة لمن اعتبر. (الرئيس جيمي كارتر، مثلاً، حاول أن يعظ الأمريكيين حول فضائل ترشيد الاستهلاك لكن العواقب أتت وخيمةً).
إلا أن فريق ترمب لا يبدو مكترثاً بذلك. صرّح وزير الخزانة سكوت بيسنت خلال كلمة أمام النادي الاقتصادي في نيويورك في مارس بأن "الحصول على السلع الرخيصة ليس جوهر الحلم الأمريكي"، في محاولة للتقليل من المخاوف بأن تؤدي سياسة الرسوم الجمركية المتشددة التي تتبعها الإدارة الجديدة إلى ارتفاع الأسعار ونقص في مختلف أنواع السلع المستوردة، رغم أن تصريحه بدا كإقرار ضمني بإمكانية حدوث ذلك.
لكن التاريخ يثبت أن بيسنت على خطأ، رغم أن كثيراً من الأمريكيين قد يوافقونه الرأي إلى حدّ ما لأن تلك الفكرة لا تعكس صورة جيدة عن الذات الجماعية.
المفارقة هنا أن ترمب خاض حملته الانتخابية على أساس السعي لخفض أسعار السلع الاستهلاكية. إذ صرّح في تجمّع انتخابي بولاية مونتانا في أغسطس 2024 أنه "بدءاً من اليوم الأول، سنضع حداً للتضخم ونجعل أميركا ميسورة مجدداً، ونخفّض أسعار كافة السلع".
لكن إذا مضى ترمب في تنفيذ سياسات يغلب أنها ستوجّه ضربة جديدة لقدرة الأمريكيين الشرائية، فإنه بذلك يدفعهم إلى إعادة النظر في مفهوم الازدهار نفسه، ويرغمهم على إجراء مراجعة قسرية قد تكلّف حزبه ثمناً باهظاً في انتخابات التجديد النصفي العام المقبل. أما المستثمرون الذين لا يحتاجون لأن ينتظروا حلول نوفمبر 2026 ليعبروا عن آرائهم، فتسببوا بتهاوي الأسواق المالية لقناعتهم أن خطوات ترمب التجارية قد تدفع الاقتصاد نحو الركود.
مقايضة لصالح الاستهلاك
لطالما وُظفت النزعة الاستهلاكية لخدمة أهداف سياسية. مع تشكّل النظام الاستهلاكي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، كانت الثورة الصناعية تعيد رسم ملامح المجتمع الأمريكي.
بدأ الناس يتوافدون آنذاك بأعداد كبيرة نحو المدن للعمل في المصانع والمصارف والصحف وغيرها من القطاعات الناشئة. خُففت القيود المفروضة على أنشطة الشركات، وازداد عدد المؤسسات الخاصة التي باتت أكبر حجماً ونفوذاً. ونشأت معها طبقة من الصناعيين فاحشي الثراء، وطبقة وسطى جديدة من الموظفين المكتبيين.
عادة ما يفرز ظهور طبقات اجتماعية جديدة سياسات طبقية موازية. فأباطرة المال في أمريكا الذين عُرف عنهم شراء الولاءات السياسية وقمع الإضرابات بعنف، كانت سمعتهم أسوأ حتى من سمعة المليارديرات في زماننا. لكن أولئك الصناعيين امتلكوا في حينها ورقة رابحة هي السلع الاستهلاكية الرخيصة. إذ كانت المصانع تنتج طيفاً واسعاً من المنتجات، بكميات وسرعة غير مسبوقتين، فيما شكّل موظفو المكاتب في المدن الذين كانوا يتقاضون أجوراً أعلى ويتمتعون بوقت فراغ أطول مقارنة بعمّال المصانع، الشريحة المثالية لشراء هذه السلع.
تعاون الصناعيون عن كثب مع أصحاب المتاجر الكبرى التي كانت تنتشر على امتداد البلاد، من أجل الترويج للاستهلاك بين موظفي المكاتب باعتباره دليلاً على أن الأثرياء يراعون مصالح "الناس العاديين" أيضاً. كتب المؤرخ ويليام ليتش في كتابه (Land of Desire: Merchants, Power, and the Rise of a New American Culture) الصادر عام 1993: "كان من مصلحتهم الإيحاء بأنهم، لا موظفيهم أو سائر العمال، هم الشعبويون الحقيقيون، وأن الاستهلاك، لا الإنتاج، هو المجال الجديد للديمقراطية".
في مقابل وفرة السلع الاستهلاكية، سلّم كثير من الأمريكيين المنتمين إلى الطبقة الوسطى بالرواية التي روّج لها قادة الأعمال والساسة، ومفادها أن الحكومة مكلفة ومبذّرة، وأن شبكة الأمان الاجتماعي يجب أن تبقى محدودة كي لا تشجّع على الكسل أو الاتكالية. في المقابل، وُعدوا بإبقاء الضرائب منخفضة، وبأن يمنحهم العمل الجاد، بفضل قوة الاستهلاك، القدرة على شراء كل ما يحتاجونه أو يرغبون فيه، فلا يقرر أي موظف بيروقراطي نيابة عنهم كيف ينفقون أموالهم.
النتيحة أننا اليوم نتمتع بأشياء مثل جلايات صحون بأسعار معقولة، ومجففات ملابس داخل المنازل، وهي كلها أمور لا تزال أقل شيوعاً في أوروبا، حيث ارتضى الناس عموماً صيغة أكثر توازناً من هذه الصفقة مع الرأسمالية، فيما نفتقر لأنظمة ضامنة للرعاية الصحية الأساسية ولإجازات مرضية مدفوعة.
لكن التنازل عن تأمين صحي شامل مقابل فرصة محتملة لتجديد مطبخ واسع وأنيق على الطراز الأمريكي، مجهّز بكامل الكماليات، قد لا يكون صفقة يشعر جميع من نشأوا داخل المنظومة الاقتصادية الأميركية بالامتنان لأسلافهم على إبرامها. ومع ذلك، فهي تبقى مقايضة.
الإطاحة بنظام قائم منذ قرن
في المقابل، القرارات التي أصدرتها إدارة ترمب في أبريل تحت مسمّى رسوم "يوم التحرير" الجمركية قبل أن تُرجئ تطبيقها على معظم الشركاء التجاريين باستثناء الصين، ليس مقايضةً، بل تضحية، خصوصاً في ظل بحث الجمهوريين في الكونغرس تقليص شبكة الأمان الاجتماعي القائمة.
إن واشنطن بصدد الانسحاب من صفقة مضى عليها قرن، من دون أن تقدّم أي بديل ملموس. وحتى إذا نجحت هذه الرسوم في جذب بعض الوظائف في قطاع التصنيع مجدداً إلى الداخل الأمريكي، وهو ما يستبعده معظم الاقتصاديين والخبراء الصناعيين، فلن تتحقق أي من المكاسب على أي حال قبل سنوات طويلة. على المدى المتوسط، سيعاني ملايين الناس من استنزاف ميزانيات أسرهم.
يأتي ذلك في وقت يشعر الأمريكيون بالغضب أصلاً من ارتفاع تكاليف المعيشة، من أسعار البيض إلى تكاليف الرعاية الصحية والسكن. حتى أن هذا الغضب كان على الأرجح محورياً في إعادة ترمب إلى البيت الأبيض، لمساهمته في تعزيز شعبيته صفوف الناخبين من ذوي الدخل المحدود. وتشير كافة المؤشرات إلى أن هذه الشريحة بالذات ستكون الأكثر تضرراً، مع تآكل شديد في قدرتها الشرائية.
حذّر اقتصاديون كُثر من أن سياسات ترمب التجارية، إلى جانب سياسته بشأن الهجرة والإنفاق الحكومي، قد تدفع الاقتصاد نحو الركود مهددةً ملايين الأمريكيين بفقدان وظائفهم.
لكن التأثير المادي لهذه التحولات ليس المسألة الوحيدة على المحك. فالأمريكيون، أكثر من أي شعب آخر ربما، يبنون تصورهم لذواتهم انطلاقاً من هويتهم الاستهلاكية. فشئنا أم أبينا، تعلّمنا أن ننظر إلى أنفسنا والتعبير عن قيمنا وإثبات فرديتنا من خلال قراراتنا الشرائية. تاريخياً، سهّل ذلك الأمور على صانعي القرار السياسي، بما أن من يجدون في الاستهلاك وسيلة للتعبير عن أنفسهم، نادراً ما يلجأون إلى وسائل أخرى قد تكون أكثر إرباكاً للنظام. لكن الإطاحة بهذه الخيارات قد يدفع بعضهم إلى البحث عن طرق بديلة ليعبروا عن أنفسهم.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

عصر الذهب: 10 أسئلة
عصر الذهب: 10 أسئلة

Independent عربية

timeمنذ 4 أيام

  • Independent عربية

عصر الذهب: 10 أسئلة

مع الارتفاع الصاروخي في أسعار الذهب خلال الفترة الأخيرة نتيجة عمليات الشراء الكبيرة للمعدن الثمين من قبل الأفراد والمؤسسات والبنوك المركزية، تكثر التحليلات والتعليقات بأننا قد نعود لـ "عصر الذهب" كمخزن للقيمة ومستودع للثروة. لكن ما يحدث هو تغير في توجه المستثمرين يتكرر في أوقات الأزمات الاقتصادية واضطراب الأسواق بتحويل أموالهم إلى أصول تسمى "ملاذاً آمناً"، مثل الذهب والدولار الأميركي وغيرها، أما عصر الذهب كنقود أو سند إصدار النقود فقد انتهى منذ عقود، وفيما يلي 10 أسئلة في شأن الذهب كمقابل للنقود والمال وكأصل استثماري، ومحاولة الاجابة عنها من الوثائق التاريخية لـ "مجلس الذهب العالمي" وبعض الدراسات للمؤسسات المالية العالمية. 1- متى بدأ استخدام الذهب كعملة نقدية ومتى انتهى؟ منذ عرفت البشرية النقد كوسيلة مدفوعات عوضاً عن نظام المقايضة سُكت العملة من المعدن، وهناك عملات برونزية قديمة تكتشف في المواقع الأثرية التاريخية، أما أول من صدرت في عهده عملة ذهبية، أي سُكت من الذهب، فكان الملك كرويسس ملك ليديا، وهي منطقة في تركيا حالياً، عام 550 قبل الميلاد، وحتى حين أُطلقت العملات الورقية ظلت قيمتها تحسب في مقابل صرفها بالذهب، وبحسب ما يعرف تاريخياً كانت الصين أول من أصدر عملات ورقية نهاية القرن الـ 13 الميلادي وقت إمبراطورية مينغ. وحتى مطلع القرن الـ 20 عندما عدلت بريطانيا "قاعدة الذهب"، كانت كل العملات التي تصدرها الدول تستند إلى قيمتها في مقابل الذهب، ففي عام 1931 عدلت بريطانيا قاعدة الذهب لكن العملات ظلت مستندة إلى قيمة الذهب حتى مع اتفاق "بريتون وودز" عام 1944، فاتفق على اعتماد تعديل بريطانيا لقاعدة الذهب، أي إصدار العملات ليس استناداً لرصيد الذهب في البنك المركزي للدولة ولكن ربط الدولار الأميركي بالذهب كأساس للنظام المالي العالمي بعد الحرب العالمية الثانية، وفي عام 1971 أنهى الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون ارتباط الدولار بالذهب وأصبحت العملات تصدر استناداً إلى سياسات نقدية ومالية للحكومات تتداول في سوق عملات حر تحدد قيمتها. 2- هل لا يزال رصيد الذهب هو سند إصدار العملات النقدية من قبل الحكومات؟ لم يعد إصدار العملات النقدية مستنداً إلى حجم مخزون الذهب لدى البنك المركزي الذي يصدرها منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي، وحتى منذ ثلاثينيات القرن الماضي تغيرت قاعدة الذهب ولم تعد العملة، أية عملة، تحسب قيمتها بما تقابله من الذهب، لكن رصيد الذهب يظل ضمن احتياطات البنوك المركزية وأحد العوامل الأساس لتحديد قيمة العملات، ومع أنه لم تعد هناك عملات مهمة مربوطة بالذهب، وعلى رغم فك ارتباط الدولار بالذهب قبل نحو نصف قرن، لكن ثروات الأمم تحسب ومن ضمنها رصيدها من الذهب المادي الذي تختزنه للطوارئ، أما العملات الذهبية الموجودة في السوق، مثل جنيه الذهب، فهي أحد صور الذهب المادي مثلها مثل السبائك والمصوغات وغيرها. 3- لماذا تلجأ البنوك المركزية لشراء الذهب وتخزينه مجدداً؟ تحتفظ البنوك المركزية بمخزون من الذهب ضمن تنويع الاحتياطات لديها إضافة إلى العملات المهمة مثل الدولار واليورو والين وأصول أخرى، ومنذ حرب أوكرانيا عام 2022 زادت البنوك المركزية حول العالم شراء الذهب باعتباره أكثر أماناً وكأصل احتياط أجنبي لديها خشية العقوبات، وذلك بعدما جمدت الولايات المتحدة والدول الغربية الأصول الأجنبية للبنك المركزي الروسي عقب اندلاع حرب أوكرانيا لأن معظمها أصول دولارية. وبما أن الدولار تتحكم به أميركا ويسهل تجميد ومصادرة الاحتياطات الأجنبية منه، فقد لجأت البنوك المركزية، من الصين إلى دول أميركا اللاتينية، إلى تقليل نصيب الدولار من احتياطاتها وتعويضه بالذهب، سواء تحوطاً لاحتمال العقوبات وتجميد الأصول الدولارية أو لتذبذب سعر العملات، وخصوصاً الدولار، مما يضر بقيمة الاحتياطات. وبحسب تقديرات بنك "غولدمان ساكس" الاستثماري الأميركي فقد اشترت البنوك المركزية حول العالم كميات غير مسبوقة من الذهب خلال عامي 2022 و 2023 وصلت إلى 1060 طناً من الذهب، ويذكر أن مشتريات تلك البنوك كانت في حدود 509 أطنان بين عامي 2016 و 2019. 4- ما هو حجم سوق الذهب العالمية وتوقعات مستقبلها؟ بحسب أحدث بيانات "مجلس الذهب العالمي" فإن إجمال الذهب المنتج في العالم بلغ العام الماضي نحو 216265 طناً، بزيادة تسعة في المئة خلال الأعوام الخمسة الأخيرة، ومع زيادة الطلب على الذهب خلال العامين الأخيرين تتوسع شركات التعدين الكبرى في استثماراتها لتلبية تلك الزيادة، فزادت ربحية شركات المناجم والتعدين بقوة في الفترة الأخيرة، وخلال الربع الرابع من العام الماضي كان هامش الربح لشركات استخراج الذهب عند 950 دولار للأوقية، وهو أعلى هامش ربح لتلك الشركات منذ عام 2012. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) كما أن هناك دراسات لاستكشاف الذهب في مناطق جديدة حول العالم ودراسات أولية حول احتمالات وجود احتياطات من المعدن الثمين في قاع البحار، ومع استمرار نمو الطلب على الذهب وزيادة هامش ربح شركات الإنتاج فإنه يُتوقع استمرار نمو الإنتاج العالمي منه، وحتى في حالات اضطراب الأسواق وانهيار قيمة الأصول فإن الانخفاض في سعره يكون بمعدل أقل كثيراً من انخفاض سعر الأسهم والسندات والعملات والأصول الأخرى. وطبقاً لبيانات "مجلس الذهب العالمي" فقد وصل الطلب العالمي على الذهب العام الماضي إلى أعلى مستوى له خلال 10 أعوام نتيجة مشتريات البنوك المركزية من الذهب لزيادة احتياطاتها، وارتفع الطلب على الذهب 18 في المئة ليصل إلى 4471 طناً، وهي أكبر كمية مشتراة خلال عام منذ 2011، وذلك نتيجة ارتفاع مشتريات البنوك المركزية من المعدن الأصفر إلى أعلى مستوى لها منذ 55 عاماً. 5- ما الفارق بين الذهب كمعدن وأسهم صناديق الاستثمار في الذهب وشركات تعدينه؟ يشتري الأفراد الذهب في صور مصوغات وحلي أو حتى جنيهات وسبائك ذهبية، وكذلك البنوك المركزية والصناديق والمستثمرين المؤسساتيين في صوره المعدنية المادية، وذلك كمخزن للثروة وتحوط في مواجهة التقلبات مثل التضخم وغيره، وخلال الأعوام الأخيرة أصبحت هناك صناديق مسجلة في البورصات للاستثمار في الذهب، فإذا دخلت على موقع أية شركة تداول أو سمسرة تجد نوعين من الاستثمارات، أسهم الذهب المادي (المعدن) وأسهم صناديق الذهب، وتلك الصناديق تصدر أوراق استثمار، إما سندات وصكوكاً في شركات تعدين الذهب، أو على أساس احتياط الذهب غير المستخرج وقيمته المستقبلية. وخلال عامي 2020 و2021 تزامن ارتفاع سعر الذهب مع زيادة الاستثمار فيه عبر صناديق الذهب المتداولة في البورصة، وذلك مع الزيادة الكبيرة في المستثمرين الأفراد الذين يدخلون الأسواق مستخدمين تطبيقات السمسرة والتداول على هواتفهم الذكية، لكن مع نهاية عام 2022 انتهى تزامن الأسعار مع زيادة رأسمال تلك الصناديق، وعلى مدى عام شهدت صناديق الذهب المتداولة في البورصة خروج رؤوس الأموال منها أكثر من دخولها إليها، ومع أن أسعار الذهب ارتفعت خلال العام الأخير بنسبة هائلة لكن صناديق الذهب المتداولة في البورصة شهدت انخفاض رأس المال بـ 20 في المئة. 6- كيف يتحرك سعر الذهب داخل السوق؟ وهل هو كبقية الأصول ترتفع قيمته وتنخفض في دورات؟ يعد الذهب في صورته المعدنية المادية أو أسهم صناديق تداول الذهب في البورصة أصلاً من الأصول، تتحرك أسعاره بحسب قاعدة العرض والطلب ومستويات البيع والشراء للمعدن أو أوراق الاستثمار فيه، لكن يظل التغير في سعر الذهب أقل تذبذباً من الأصول الأخرى مثل الأسهم والعملات وغيرها، لذا يوصف بأنه ملاذ آمن للثروة وتحوط أمام تقلبات الأسواق وفي ظل الأزمات الاقتصادية، ومع ذلك، ونتيجة المضاربات على الذهب، فقد تشهد أسعاره أحياناً تحركات قوية ارتفاعاً أو انخفاضاً، كما حدث أخيراً حين ارتفعت أسعاره لتتجاوز 3500 دولار للأوقية، قبل أن تفقد أكثر من 200 دولار من سعر الأوقية، ولم يكن هذا التحرك نتيجة دورة سعرية وإنما مضاربات بسبب مخاوف السوق من السياسات التجارية الأميركية وتوقعات متضاربة في شأن السياسة النقدية للبنك المركزي الأميركي، ونتيجة الزيادة الهائلة في أسعار الذهب أخيراً فإن بعض المحللين يتوقع أن تنتهي هذه الدورة بانخفاض الأسعار إلى مستويات قريبة من 200 دولار للأوقية، لكن تلك التوقعات تبدو مبالغة في التشاؤم، بخاصة أن الذهب كأصل يختلف مثلاً عن العقار، وهو أكثر ثباتاً ضمن أصول الاستثمار الذي قد يشهد انهيارات قوية. 7- لماذا هناك مستثمرون يتحمسون للذهب وآخرون يعارضونه؟ على رغم شبه الإجماع على أن الذهب هو أهم الملاذات الآمنة التي ينصح بأن تضع فيها ثروتك أوقات الاضطراب والأزمات، لكن هناك من المستثمرين من لا يعتبرون المعدن الثمين مجالاً جيداً للاستثمار، إذ يرى هؤلاء أن الذهب لا يوفر عائداً مثل أسهم الشركات الراسخة التي توزع أرباحاً دورية على حملتها أو سندات الدين التي تدر عائداً محدداً بنسبة معروفة، وخلال مقابلة قديمة سئل الملياردير الأميركي وارين بافيت، وهو صاحب واحد من أكبر وأشهر صناديق الاستثمار في العالم، لماذا لا يشتري الذهب ولا يستثمر فيه منذ أعوام، فكان رده أنه مجرد معدن "ندفع لمن يستخرجونه من باطن الأرض ثم ندفع لمن يحرسونه لنا عند تخزينه"، ومع ذلك شهدت الآونة الأخيرة زيادة في فتح حسابات ادخار بالذهب، كما أشار تقرير لـ "مصلحة سك العملة" في بريطانيا، على رغم أن تلك الحسابات لا توفر فائدة جيدة. وحتى نهاية عام 2021 كان حساب الادخار بالذهب يعطي فائدة سنوية بـ 0.2 في المئة، وقد ارتفعت الآن إلى 1.85 في المئة، وتظل الفائدة على الادخار بالذهب أقل بكثير من معدلات الفائدة الأساس لبنك إنجلترا عند أربعة في المئة. لكن قيمة الودائع بالذهب تظل مضمونة بالكامل وليس بالحد الذي تضمنه "هيئة الخدمات المالية" وهو 85 ألف جنيه إسترليني (106 آلاف دولار) وحسب مما يوجد في حساب المودع حال إفلاس البنك، إذ يحتفظ بقيمة حسابك في صورة ذهب حقيقي موجود داخل خزانة "مصلحة سك العملة" أو غيرها من شركات حسابات الادخار بالذهب، وحين يحتاج العميل إلى السحب يحول الذهب إلى نقد بسعره في السوق وقتها. 8- هل تنافس العملات المشفرة الذهب؟ وهل هناك "ذهب رقمي"؟ مع انتشار العملات المشفرة مثل "بيتكوين" ودخولها الحثيث في النظام المالي العالمي بعد موافقة "هيئة أسواق المال الأميركية" العام الماضي على إدراج صناديق عدة لتداول المشفرات، ظهر الجدل حول احتمال أن تأخذ العملات المشفرة مكان الذهب كملاذ آمن للثروة أوقات الاضطراب، لكن التذبذب الهائل في أسعار المشفرات والمضاربات القوية عليها حالت دون تحقق ذلك، وهو ما كان يمكن اعتباره مجال التنافس الأهم بين المشفرات والذهب، ليظل الذهب محتفظاً بمكانته كملاذ آمن في أوقات الاضطراب. ومثلما أدى تطوير تكنولوجيا العملات المشفرة عبر شبكات مؤمنة مثل "بلوك تشين" إلى ظهور عملات رقمية، تستند في الغالب إلى عملات نقدية تقليدية مثل الدولار أو غيره، ظهرت أيضاً العملة الذهبية الرقمية، وهي في النهاية سند إلكتروني له مقابل من الذهب يشبه إلى حد كبير المشفرات المستندة لعملة "Stable coin" وتسمى الذهب الرقمي "Digital Gold". وتصدر "مصلحة سك العملة الملكية" في بريطانيا عملة ذهبية رقمية يمكن للمستثمر فيها أن يشتري بدءاً مما قيمته 25 جنيهاً (33 دولاراً)، وتحتفظ الجهة المصدرة للذهب الرقمي بما يقابله من المعدن الحقيقي، لذا تخصم رسوماً من المتعامل إضافة إلى رسوم التداول العادية في مقابل التخزين. 9- متى تشتري ذهباً ومتى تبيعه لتحقق مكاسب؟ هذه النصيحة تأتي من سماسرة السوق ومذكرات المحللين في البنوك الاستثمارية لعملائها بصورة دورية، وتستند إلى وضع السوق وتوقعاته في ضوء عوامل عدة، وبصورة عامة فإن الناس يشترون الذهب في صورته المعدنية من جنيهات أو سبائك أو مصوغات كصور من صور الادخار والاحتفاظ بالثروة لحين الحاجة إليها، ونادراً ما يحدث أن يبيع الناس ذهبهم بأقل مما اشتروه به، ففي الغالب يحققون ربحاً بحسب مدة احتفاظهم بالمعدن الثمين، أما بالنسبة إلى المستثمرين الذين يستهدفون تحقيق الأرباح من البيع والشراء في فترات قصيرة، فتتغير النصيحة لهم باستمرار، وهناك توجه الآن بين خبراء السوق للاستثمار في أسهم صناديق الذهب وأسهم شركات التعدين، مع توقعات باستمرار نمو الطلب على الذهب، لكن ذلك التوجه قد يتغير مع أي تغير في السياسات النقدية والمالية للدول الكبرى. أما الادخار في حسابات الذهب فهو مضمون إلى حد كبير، وحتى شراء الذهب الرقمي، وإن كان أكثر مخاطرة قليلاً، لكنه أيضاً يحقق عائداً جيداً، فهناك بعض مصدري الذهب الرقمي يعدون بنسبة ربح تتجاوز 10 في المئة سنوياً، أي أكثر من ضعف سعر الفائدة الأساس في معظم الاقتصادات الكبرى. 10- لماذا يبقى الذهب مهماً في النظام المالي العالمي؟ هناك عامل تاريخي يتعلق بمكانة الذهب بين المعادن الثمينة، فعلى رغم أن هناك استثمارات في الفضة والبلاتين وغيرها لكن الذهب يظل صاحب النصيب الأكبر من الاستثمار في المعادن الثمينة، ومع أن هناك إصدارات فضة رقمية أيضاً لكن الادخار والاستثمار في الذهب هو الطاغي، على رغم فك ارتباط العملات بالذهب وتداولها الحر بسعر السوق وليس بما يقابلها من مادة المعدن الثمين، فنصيب الذهب من الاحتياطات لدى البنوك المركزية حول العالم يجعله من الأصول المهمة التي تستند إليها الدول في تقييم ثرواتها وقوة عملاتها، وحتى في تفاصيل تعامل جمهور المستهلكين فإن الاحتفاظ بالذهب يمثل سنداً وعاملاً مهماً في حساب الثروة الصافية للفرد والأسرة، وبالتالي قدرتها الاستهلاكية والانفاق على الطلب في الاقتصاد، وبغض النظر عن تقلبات الأسواق فإن الذهب يظل أحد الأصول المادية المهمة للثروة في النظام المالي والاقتصاد العالمي.

الرياض وواشنطن.. مرتكز أساس لتعزيز أمن المنطقة والعالم
الرياض وواشنطن.. مرتكز أساس لتعزيز أمن المنطقة والعالم

سعورس

time١٥-٠٥-٢٠٢٥

  • سعورس

الرياض وواشنطن.. مرتكز أساس لتعزيز أمن المنطقة والعالم

وتمثل العلاقة بين المملكة والولايات المتحدة الأميركية واحدة من أكثر العلاقات الثنائية تأثيراً على الساحة الدولية، حيث ترتكز على أسس راسخة مبنية على الاحترام والتعاون المتبادل والمصالح المشتركة كما انها تحظى بمكانة خاصة لدى الجانبين نظراً لتاريخها الذي يعود إلى عام 1931م، عندما اعترفت الولايات المتحدة بالمملكة كدولة مستقلة وهي واحدة من أقدم الدول التي أقامت علاقات دبلوماسية كاملة مع المملكة بعد توحيدها لتتطور العلاقة على مدار العقود وتشمل مجالات عدة اقتصادية، وثقافية، وتعلميه وغيرها. وعندما بدأت رحلة استكشاف وإنتاج النفط في المملكة بشكل تجاري، حيث منح حينها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله- حق التنقيب عن النفط لشركة أميركية ليتبعها بعد ذلك توقيع أول اتفاقية امتياز نفطي بين الدولتين عام 1933م، لتصبح العلاقة أكثر ترابطاً خاصةً بعد لقاء القمة التاريخي السعودي-الأميركي لقاء الملك عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله- الذي برز كزعيم عربي وبين الرئيس الأميركي الأسبق «فرانكلين روزفلت» عام 1945، وقد استمد اللقاء أهميته في نظر الأميركيين لأهمية المنقطة نفطياً واستراتيجياً ومكانة الملك الكبيرة. الاحترام المتبادل والتناغم في المواقف تميزت العلاقات السعودية - الأميركية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية بخصوصية منفردة عن العلاقات المختلفة للولايات المتحدة في منطقة الشرق العربي، فالمصالح هي المحدد الأول لنوعية العلاقات بين الدول لذا كانت أساس العلاقة الثنائية علاقة تجارية هيمنت عليها الشركات النفطية الأميركية في تنمية موارد نفط المملكة آنذاك، فقد أصبحت المملكة العربية السعودية في نظر قادة الولايات المتحدة بدءاً برئيسها الأسبق «روزفلت» ذات أهمية لما تحتويه السعودية من مخزون عالمي هائل من النفط، كما أن المملكة تتمتع بموقع جيواستراتيجي عالمي يُشكل أهمية قصوى في الاعتبارات الاستراتيجية العالمية لدولة كبرى مثل الولايات المتحدة الأميركية، تمتد العلاقات الثنائية لما يزيد على 90 عاماً تتميز بمتانتها وقيامها على أسس قوية من الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة والتناغم في المواقف حيال القضايا ذات الأولوية والاهتمام المشترك. ترتبط المملكة العربية السعودية بعلاقات استراتيجية تاريخية وثيقة مع الولايات المتحدة الأميركية منذ نحو 90 عاماً، فهي شريك وحليف استراتيجي سياسي واقتصادي وأمني مؤثر في منطقة الشرق الأوسط والعالم، وتشكل هذه العلاقة نموذجاً معقداً من التحالفات الدولية يجمع بين الواقعية السياسية، والمصالح الاقتصادية، والتفاهمات الأمنية، ورغم ما يطرأ من تحديات، فإن الطرفين يدركان أهمية المحافظة على هذا التحالف ليس فقط من أجل مصالحهما المباشرة بل من أجل أمن واستقرار المنقطة والعالم، حيث شهدت العلاقات تطوراً لافتاً في التسعينات بنسبة كبيرة حيث زاد التمثيل الدبلوماسي وظهر جلياً في البعثات الدبلوماسية عام 1942م وأيضاً اجتماعات المسؤولين الرسمين من كلا البلدين، وفي عام 1943 اعلن الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت أن «الدفاع عن السعودية يعد أمراً حيوياً بالنسبة للدفاع عن الولايات المتحدة» وذلك عقب تعرض منشأة نفطية في الظهران للقصف من جانب القوات الإيطالية المتحالفة مع ألمانيا النازية، لِتُفتتح أول قنصلية أميركية في الظهران عام 1944م ويصبح «وليام إي إدي» أول وزير مقيم لدى المملكة ومبعوث دبلوماسي في الشرق الأوسط والذي أكد أن نجاح المنطقة عموماً والسعودية بشكل خاص والشرق الأوسط بشكل عام مرتبط بمصالح الولايات المتحدة الأمنية والوطنية، ليبدأ التعاون العسكري بين البلدين ببناء «مطار الظهران» (قاعدة الملك عبدالعزيز الجوية) حالياً، كما شكلت حرب الخليج نقطة تحول في العلاقة عندما قادت الدولتان والمملكة المتحدة بشكل مشترك تحالفاً عسكرياً دولياً رداً على الغزو العراقي للكويت. صفقات أسلحة ومواجهة الإرهاب وتعتبر أميركا أحد أبرز موردي السلاح للسعودية مع صفقات بمليارات الدولارات حيث شملت طائرات F-15، كما تُجرى تدريبات عسكرية دورية بين البلدين لتبادل الخبرات ورفع الكفاءة القتالية، ولا زال البلدان يتمتعان بعلاقة قوية رغم ما ظهر من خلافات على مر السنين، إلا أن الدولتين أدركتا ضرورة التعاون لمكافحة الإرهاب ومواجهة الإرهاب والتطرف، فقد التزمت الدولتان بمواجهة تنظيمي القاعدة وداعش، ووقف تدفق المقاتلين الأجانب، ومكافحة الدعاية المتطرفة العنيفة، وقطع قنوات تمويل الإرهاب، وتأسيس قنوات استخبارية مباشرة لتبادل المعلومات حول تحركات الجماعات الإرهابية خاصةً القاعدة، لتتضاعف جهود الدولتين المشتركة ويعقد في الرياض عام 2005 المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب الذي افتتحه الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله- بكلمته «الإرهاب لا ينتمي إلى أي ثقافة أو دين أو نظام»، لتعد مكافحة التطرف والإرهاب من أهم أوجه الشراكة الاستراتيجية بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية، وقد أسهم التعاون الثنائي المميز في هذا المجال في تحقيق العديد من المكتسبات المهمة في دحر التنظيمات الإرهابية وتحييد خطرها على أمن واستقرار المنطقة والعالم، لتكون المملكة العربية السعودية أحد أبرز الأعضاء في التحالف الدولي الذي قادته الولايات المتحدة ضد تنظيم «داعش» في العراق وسوريا عام 2014، والعمل على تحقيق الهدف المشترك للتحالف الدولي من تفكيك بنية التنظيم دولياً ومحلياً ومنع تمدده أيديولوجياً وجغرافياً. استضافت السعودية والولايات المتحدة العديد من المؤتمرات الدولية لمكافحة الإرهاب كالقمة العربية الإسلامية الأميركية في الرياض عام 2017 والتي شهدت خطاباً لترمب حول مكافحة التطرف كما أُعلن فيها عن إنشاء مركز «اعتدال» الذي يسهم في محاربة الإرهاب والفكر المتطرف من خلال التقنيات العالمية التي زود بها المركز إلى جانب دوره في جمع المعلومات عن التنظيمات الإرهابية سواء كانوا أفراداً أو جماعات والجهات الداعمة لهم مادياً وفكرياً وتبادل المعلومات بين الدول المشاركة في أعمال المركز، كما تشارك السعودية في الجهود الأميركية لتعزيز القوانين الدولية الخاصة بمكافحة الإرهاب سواء في الأمم المتحدة أو المنظمات المتخصصة. تعد محاربة التطرف والإرهاب في المملكة من الأولويات الوطنية التي تبنتها المملكة بجهود متكاملة على كافة المستويات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية ومن خلال رؤية واضحة واستراتيجيات متعددة الأبعاد، فقد أنشأت مركزاً لمكافحة الإرهاب بالتعاون مع الولايات المتحدة عام 2005م لتدريب وتحليل البيانات، كما ساعدت الولايات المتحدة السعودية في تطوير قدرات المخابرات السعودية الفنية والتحليلية، وفرت أميركا للمملكة أجهزة مراقبة واتصالات متقدمة لمشاركة البيانات من الأقمار الصناعية والتنصت الإلكتروني لتعقب الخلايا الإرهابية، كما تعد مكافحة تمويل الإرهاب من أهم محاور الشراكة بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة لذا شكل هذا المجال ركيزة أساسية في استراتيجيتهما المشتركة لمواجهة الإرهاب حيث تم إنشاء المركز الدولي لاستهداف تمويل الإرهاب (TFTC) عام 2017 بمبادرة مشتركة بين الدولتين والذي يتتبع شبكات تمويل الإرهاب، وفرض عقوبات مشتركة على الأفراد والكيانات الداعمة للإرهاب، وتنسيق السياسات المالية بين الدول الأعضاء، كما صدرت أنظمة صارمة لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ورقابة دقيقة على الجمعيات الخيرية، كما انضمت السعودية رسمياً كأول دولة عربية تحصل على هذه العضوية إلى مجموعة العمل المالي عام 2019 التي تقود الجهود العالمية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، أنشأت وحدة الاستخبارات المالية (SAFIU). عقود من التعاون الاستراتيجي إن البُعد التاريخي للعلاقة بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية يؤكد أنها ليست علاقة آنية أو سطحية، بل تمتد لعقود من التعاون الاستراتيجي رغم مرورها بتحديات عديدة، فإنها استطاعت التكيف مع التحولات الإقليمية والدولية، واليوم تستمر هذه العلاقة في التطور ضمن إطار جديد من المصالح المتبادلة يدعمه التاريخ ويحكمه المستقبل. وعبّر رئيس مركز ديمومة للدراسات الدكتور تركي القبلان: «تُعد العلاقة بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية إحدى أنجح الشراكات الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط، لما تتمتع به من عمق تاريخي وتشابك مصالح يتجاوز الإطار الثنائي ليؤثر في استقرار المنطقة بأكملها. فمنذ اللقاء التاريخي الذي جمع الملك عبد العزيز آل سعود -يرحمه الله- والرئيس فرانكلين روزفلت عام 1945، حافظت هذه العلاقة على وتيرتها وكفاءتها رغم مرورها بمحطات من التحديات وصولاً إلى شراكة متعددة الأبعاد تشمل الطاقة، الأمن، الاقتصاد، ومكافحة الإرهاب، وكان للزيارتين التاريخيتين اللتين قام بهما صاحب السمو الملكي ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، إلى الولايات المُتحدة الأميركية خلال العامين 2016 و2018، دورًا أساسيًا في تعزيز العلاقات الاستراتيجية بين الرياض وواشنطن، انطلاقًا مما يجمع البلدين من مصالح مشتركة في مختلف مجالات التعاون، وقد اتسمت المرحلة ما بعد عام 2017 بتعزيز التعاون الأمني والعسكري وفي مجال التسليح المقترن بتوطين الصناعة وفق رؤية المملكة 2030 وذلك خلال زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب في ولايته الأولى إلى المملكة وهنا المأمول البناء على نتائجها لتحقيق آفاق أبعد من الشراكة الاستراتيجية بين البلدين». دور محوري للمملكة في خلق التوازن في المنطقة وأكد القبلان: «أن المملكة تلعب دوراً محورياً في خلق حالة التوازن في منطقة الشرق الأوسط انطلاقاً من ثقلها السياسي والاقتصادي والديني وهذا الدور من شأنه إيجاد مناخ إيجابي لتعاون أميركي سعودي تجاه قضايا الشرق الأوسط، ولهذا تُعد المملكة شريكاً لا غنى عنه في الحفاظ على استقرار المنطقة، كما أن مواقفها المتوازنة إزاء النزاعات الإقليمية والدولية يضعها في صلب الاهتمامات الأميركية والمجتمع الدولي وليس أدل على ذلك اختيار المملكة من قبل أميركا وروسيا لتلعب دور الدولة الراعية لإعادة العلاقات الأميركية الروسية والمساهمة الفعالة في ايجاد الحلول الناجعة للحرب الروسية الأوكرانية، كما برزت المملكة كقوة رئيسة في محاربة الإرهاب والتطرف على المستويين المحلي والدولي. وقد ترجمت ذلك من خلال إنشاء «مركز اعتدال» لمكافحة الفكر المتطرف، كما أسست التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب إلى جانب دورها الرئيس في انطلاق التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب الذي عقد مؤتمره التأسيسي في جدة 2014م، وتقوم السعودية بجهد جبار في الجانب المعلوماتي لمكافحة الإرهاب وقد كان لهذا الجهد دور إيجابي في إحباط عمليات إرهابية قبل وقوعها في دول متعددة في مقدمتها أوروبا وأميركا، وبالتالي في هذا المجال تتقاطع الجهود السعودية مع الولايات المتحدة في تبادل المعلومات الأمنية، وتعقب الشبكات الإرهابية العابرة للحدود، ورصد تمويل الإرهاب. وأسهم هذا التعاون في تحجيم قدرة الجماعات المتطرفة على تنفيذ عملياتها في المنطقة والعالم». وأضاف الدكتور: «أنا كمراقب أجد أن منطقة الشرق الأوسط تواجه تحديات عدة نتيجة للصراعات الإقليمية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية وقد أصبح استمرارها يؤسس إلى حقبة جديدة من عدم الاستقرار ويشكل تهديداً أمنياً مباشراً لأي شكل من أشكال التعاون الاقتصادي بمفهوم الاقتصاد الكلي، وهو ما يتطلب تحديثًا مستمرًا وفق مسارات متعددة أمنية وسياسية واقتصادية لإيجاد الحلول القطعية الناجعة، وفي هذا الإطار المأمول أن تستمر الشراكة الاستراتيجية السعودية الأميركية على النحو الذي يحقق مستقبلاً آمناً ومزدهراً للمنطقة والعالم». من جانبه قال الباحث الاستراتيجي الدكتور خالد باطرفي: «تُعد العلاقة بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية شراكة استراتيجية راسخة، لكنها متعددة الأبعاد، وتشهد من حين لآخر تقلبات بسبب اختلاف المصالح أو أولويات السياسة الخارجية لدى الطرفين. تاريخياً، تأسست هذه العلاقة عام 1933 مع توقيع اتفاقية للتنقيب عن النفط بين السعودية وشركات أميركية، لتتحول لاحقاً إلى تحالف قائم على المصالح المشتركة، أبرزها أمن الطاقة، والاستقرار الإقليمي، والتصدي للنفوذ السوفيتي خلال الحرب الباردة، كما برزت شراكة البلدين خاصةً في سنواتها الأخيرة في التحالف ضد الإرهاب بعد أحداث 11 سبتمبر فقد شهد التعاون الأمني بين البلدين تصاعداً ملحوظاً خاصة مع كون المملكة نفسها هدفاً للتنظيمات الإرهابية». وأكد الدكتور: «إن المملكة تلعب دوراً فاعلاً في الحرب العالمية ضد الإرهاب يتجلى ذلك من خلال، إجراءات صارمة داخلية ضد الفكر المتطرف وتمويله، ومشاركتها في تحالفات دولية لمواجهة داعش والقاعدة، والتعاون الاستخباراتي مع دول كبرى، أبرزها الولايات المتحدة ، مبادرات فكرية مثل مركز «اعتدال» لمواجهة التطرف الأيديولوجي، أما ما يخص التعاون الأمني مع الولايات المتحدة فيسهم ذلك في ردع التهديدات الإقليمية وتعزيز الجاهزية الدفاعية المشتركة، حماية أمن الممرات البحرية الحيوية للتجارة والطاقة، رفع كفاءة الجيوش عبر التدريبات المشتركة وتبادل الخبرات، الحد من انتشار الأسلحة ومواجهة التهديدات غير التقليدية». وتابع باطرفي: «إن الولايات المتحدة تلعب دوراً رئيسياً في دعم قدرات السعودية العسكرية وذلك عبر صفقات سلاح ضخمه تشمل مقاتلات، دفاعات جوية، وسفناً حربية، نقل تقنيات عسكرية في بعض الحالات لتعزيز التصنيع المحلي، برامج تدريب متقدمة للقوات المسلحة السعودية على استخدام الأنظمة الأميركية، مناورات عسكرية مشتركة لتعزيز التنسيق والتأهب المشترك، ورغم المتغيرات الإقليمية والدولية إلا أن المتوقع استمرار التعاون الأمني بين الرياض وواشنطن».

رئيس الوزراء الكندي الجديد يعلن تشكيل "حكومة مواجهة ترمب"
رئيس الوزراء الكندي الجديد يعلن تشكيل "حكومة مواجهة ترمب"

Independent عربية

time١٤-٠٥-٢٠٢٥

  • Independent عربية

رئيس الوزراء الكندي الجديد يعلن تشكيل "حكومة مواجهة ترمب"

أعلن رئيس الوزراء الكندي الجديد مارك كارني، أمس الثلاثاء، تشكيل حكومة، نواتها الأساسية فريق مكلف العلاقات مع الولايات المتحدة، بعد انتخابه في أواخر أبريل (نيسان) الماضي على خلفية تعهده مواجهة تهديدات الرئيس الأميركي دونالد ترمب بحرب تجارية وبضم الجارة الشمالية للولايات المتحدة. وبعد فوزه، تعهد إطلاق "أكبر تحول في الاقتصاد الكندي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية" لبناء دولة "قوية"، في وقت يواجه فيه تاسع أكبر اقتصاد في العالم أزمة غير مسبوقة. وكشف محافظ البنك المركزي السابق الذي دخل المعترك السياسي حديثاً، عن حكومة متكافئة تضم 28 وزيراً، محتفظاً بالوزراء المنتظمين في محادثات مع إدارة ترمب منذ أسابيع، إضافة إلى شخصيات جديدة. وقال كارني في بيان، إن "هذا الفريق مصمم لتحقيق التغيير الذي يريده الكنديون ويستحقونه". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وأضاف أنه يتعين على هذا الفريق طرح "أفكار جديدة" و"جذب الاستثمارات لبناء اقتصاد كندي جديد قادر على مواجهة الصدمات المستقبلية". وتم الإعلان عن الحكومة الجديدة أمام الحاكمة العامة ماري سيمون، ممثلة رئيس الدولة الملك تشارلز الثالث. سيعود البرلمان المتوقف عن العمل منذ يناير (كانون الثاني)، إلى الانعقاد في الـ26 من مايو (أيار)، على أن يأتي الملك تشارلز الثالث بنفسه في اليوم التالي لإلقاء خطاب الافتتاح. هذا الخطاب الرسمي يلقيه عادة الحاكم العام، وهو ممثل الملك في البلاد، في افتتاح كل دورة جديدة لبرلمان كندا.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store