دور الأحزاب في التنمية الاقتصادية: آفاق جديدة ورؤية طموحة
ولطالما كانت التنمية الاقتصادية ركيزة أساسية لتقدم الأمم وازدهارها، وللأحزاب السياسية دور محوري في تحقيق هذه التنمية، ليس فقط على المستوى الوطني بل وعلى الصعيد المحلي أيضًا.
ففي لحظة تاريخية فارقة يمر بها الأردن، حيث تتسارع خطى التحديث السياسي والاقتصادي، تبرز أهمية الدور الذي يمكن أن تلعبه الأحزاب السياسية في بناء مستقبل اقتصادي مزدهر ،وأصبح للأحزاب فرصة ذهبية لتفعيل دورها في دفع عجلة التنمية الاقتصادية المحلية، لتكون شريكًا فاعلًا في بناء المستقبل من القاعدة إلى القمة.
للوهلة الأولى، قد يبدو أن دور الأحزاب مقتصر على العمل السياسي، إلا أن واقع الحال يثبت أنها محركات تنمية كامنة تنتظر التشغيل، وتُعد الأحزاب السياسية بمثابة شرايين حيوية تربط الدولة بمجتمعها،وهي ليست مجرد تجمعات سياسية تهدف إلى الوصول للسلطة والمشاركة فيها، بل هي محركات تنمية من رحم المجتمع، ومنصات لتبني الأفكار، وصياغة البرامج، وتجميع الطاقات لخدمة الصالح العام.
ولعل من المناسب أن نذكر ان الأحزاب تتبنى فلسفة سياسية واقتصادية تعبر فيها عن مصالح ومطالب وأولويات فئات وشرائح وقطاعات محددة أو متعددة ، وهوية تلك الأحزاب تتطلب منها أن تعبر عنها ، بصياغة سياسات عامة وبرامج وخطط عمل مالية ونقدية واقتصادية ، للمساهمة في التنمية الاقتصادية، وتظهير تلك البرامج عبر نشرها، وتقديمها لأعضائها وجمهورها، ولصناع ومتخذي القرار.
وفي ضوء ذلك ، وعلى الصعيد المحلي، يمكن للأحزاب أن تتلمس معاناة المواطنين وتكون عين المجتمع الساهرة على احتياجاته، ولسانه الذي يعبر عن طموحاته الاقتصادية؛ فعبرها، يتم تحديد أولوياته التنموية، واقتراح الحلول للمشكلات المحلية، وتعبئة الجهود لتحقيقها.
فالأحزاب الفاعلة قادرة على تحفيز المشاركة المجتمعية، وتعزيز الشفافية، ومحاسبة الأداء العام، وكلها عوامل أساسية لبيئة اقتصادية محلية مزدهرة.
ونتوه إلى ان التحديث السياسي في الأردن لم يأتِ من فراغ، بل كان خطوة واعية لتمكين كافة الأطراف، وعلى رأسها الأحزاب، لتكون شريكًا تنموياً حقيقيًا، فأفرزت عملية تحديث المنظومة السياسية، قوانين عصرية مثل قانون الأحزاب السياسية الجديد وقانون الانتخاب، وهذه القوانين لم تأتِ لتنظم العمل الحزبي فحسب، بل لتُعزز من دور الأحزاب في الحياة العامة، بما في ذلك الشأن الاقتصادي الوطني والمحلي.
وأصبح تركيز الأحزاب أكثر على تقديم البرامج التي تتضمن رؤى واضحة وبرامج عمل قابلة للتطبيق، ولاحظنا ذلك في الانتخابات النيابية السابقة ، وهو الدور المنتظر منها في الانتخابات المحلية لمجالس البلديات ومجالس المحافظات القادمة، وهذا التحول يمثل فرصة حقيقية للأحزاب لتقديم حلول اقتصادية وتنموية مبتكرة للمجتمعات المحلية، تتناول قضايا مثل البطالة، وتشجيع الاستثمار الصغير والمتوسط، وتطوير البنية التحتية الداعمة للاقتصاد المحلي.
ومن زاوية أخرى، فلم يعد العمل الحزبي محصورًا في العاصمة وبعض المدن الرئيسية فقط، فقد أصبح للمجالس المحلية دورًا محوريًا، وأصبحت المجالس المحلية ساحة الأحزاب الجديدة، ولتحقيق هذا التحول، كان لا بد من إعطاء الأدوات اللازمة للأحزاب، وتوفير المنصة المناسبة لها، وهذا ما قام به قانون الإدارة المحلية .
ويُعد قانون الإدارة المحلية رقم 22 لسنة 2021، والمنوي إجراء تعديلات على بعض مواده، نقطة تحول جوهرية في تمكين دور الأحزاب في التنمية الاقتصادية المحلية، باعتبار مجالس الإدارة المحلية، ساحة الأحزاب الجديدة للتنمية المجتمعية الشاملة .
وقد أولى هذا القانون أهمية خاصة للتنمية الاقتصادية ضمن صلاحيات البلديات ومجالس المحافظات، وجعلها محورًا لعملها وموازناتها.
فالبلديات بصفتها أقرب مؤسسة للمواطن، تتمتع بصلاحيات واسعة في إدارة الأصول والموارد المحلية، وترخيص المشاريع، وتوفير البنية التحتية الأساسية، وتشجيع المبادرات الاقتصادية الصغيرة.
وبناء على ذلك ، يمكن للأحزاب، من خلال ممثليها في المجالس البلدية، أن تعمل على تسهيل الإجراءات للمستثمرين المحليين، ودعم المشاريع الريادية، وتحسين الخدمات التي تخدم عجلة الاقتصاد المحلي.
ولعل من المناسب أن نتناول ما يقدمه القانون لمجالس المحافظات التي تتميز بدورها الاستراتيجي ، في رسم الخطط التنموية للمحافظة، والموافقة على الموازنات التي تخصص40%) ) منها للمشاريع التنموية؛هذا التخصيص المالي الكبير يمثل فرصة فريدة للأحزاب لوضع خطط اقتصادية طموحة لمحافظاتها، تتواءم مع رؤية التحديث الاقتصادي والبرنامج التنفيذي2023-2033، والتي تسعى لاستقطاب مليون شاب لسوق العمل، ورفع مستوى الدخل، وتحسين القدرة التنافسية.
وبالتالي يمكن للأحزاب أن تقود مبادرات لجذب الاستثمارات الكبرى، وتطوير القطاعات الواعدة كالزراعة، السياحة، والصناعات الصغيرة، من خلال الشراكة مع القطاع الخاص والمجتمع المدني.
كما أن تعديل قوانين مثل قانون بيئة الاستثمار الجديد وقانون الشراكة بين القطاع العام والخاص، يفتح آفاقًا واسعة أمام الأحزاب للمشاركة في توجيه هذه الشراكات نحو مشاريع ذات أثر اقتصادي مباشر على المجتمعات المحلية، من خلال المراقبة والمتابعة والمبادرة.
من المهم الإشارة إلى أن تطوير القوانين لم يكن سوى نقطة البداية، فالأحزاب اليوم أمام تحدٍ أكبر؛ بترجمة هذه الفرص إلى برامج عمل ، ولجعل هذا الدور أكثر تأثيرًا، ولم يعد كافيًا للأحزاب أن تقدم الوعود، بل يجب عليها أن تضع يدها مباشرة على أدوات التغيير.
فرؤية التحديث الاقتصادي 2023-2033 والقوانين الاقتصادية المعدلة ، ليست مجرد وثيقة، بل هي خارطة طريق واضحة المعالم،توفر للأحزاب السياسية أجندة ملموسة ، وأدوات بيد الأحزاب ، يمكنها من خلالها بناء برامجها وإظهار قدرتها على العمل التنموي المحلي وتعزيز الحوكمة.
فالقوانين الاقتصادية المعدلة، كقانون البيئة الاستثمارية الجديد الذي يمنح حوافز للمناطق الأقل نموًا والمشاريع التي تخلق فرص عمل، وقانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص الذي يهدف إلى الاستفادة من خبرات وتمويل القطاع الخاص في مشاريع البنية التحتية والخدمات العامة، تمثل أدوات قوية بيد الأحزاب، وبالتالي يمكن للأحزاب أن تدعو إلى تطبيق ثابت ومتسق لهذه القوانين، وتضغط لمعالجة التحديات البيروقراطية وارتفاع التكاليف التشغيلية التي تعيق الاستثمار، وأن تمارس دورًا رقابيًا حاسمًا لضمان الشفافية والمساءلة في مشاريع الشراكة.
من الممكن أن تلعب الأحزاب دورًا مهماً في تحليل الموازنات العامة ،على المستويين الوطني والمحلي، والتأثير في تخصيص الموارد المالية لدعم أولويات التنمية الاقتصادية المحلية، ولكن دور الأحزاب يتجاوز مجرد تحليل الموازنة ، للانتقال إلى المشاركة الفاعلة بمراحل التخطيط والإعداد المسبق للموازنة العامة للدولة الأردنية؛ فعلى الأحزاب أن تكون صوت المواطن، الذي يطالب بأن تكون الحقوق الاقتصادية والاجتماعية أولوية قصوى في الإنفاق العام، بما يضمن توجيه الموارد نحو تحسين مستوى معيشة الأفراد وتوفير الخدمات الأساسية بجودة عالية.
ووفق تلك الرؤية، فعلى الأحزاب تقديم مقترحات وحلول مبتكرة لتعديل وتطوير السياسات المالية والنقدية، والعمل على حوكمة الإنفاق العام بفعالية، مما يساهم في تحسين جودة الخدمات العامة المقدمة للمواطنين، وينعكس إيجابًا على مستوى وجودة حياتهم بشكل مباشر وملموس، ويمكنهم تطوير أدوات تقييم لقياس مدى رضا المواطنين عن تلك الخدمات بناء على معايير و مؤشرات أداء واضحة ومحددة ومعلنه .
رغم أن الطريق أصبح ممهدًا، والفرص الواعدة ممكنة نسبياً ، إلا أن التحديات لا تزال قائمة، وتتطلب من الأحزاب شجاعة وواقعية لتجاوزها، لتعزيز حضورها في المشهد الاقتصادي التنموي الوطني والمحلي .
وتتمثل هذه التحديات في ضعف البناء المؤسسي لبعض الأحزاب، وقلة الخبرة والمهارات البرامجية المتخصصة في الشأن الاقتصادي المحلي، بالإضافة إلى هيمنة العوامل الاجتماعية والقبلية والجهوية على المشهد الانتخابي في بعض الأحيان، وضعف الثقة العامة، وصعوبة جذب الشباب والمرأة بشكل فاعل لبرامج الأحزاب، رغم أنهم أصحاب المصلحة الأهم في تحسن الشأن الاقتصادي العام والمحلي .
ومن هذا المنطلق فان الطريق نحو تفعيل دور الأحزاب يتطلب منها ، بناء قدرات كوادر متخصصة في التنمية الاقتصادية، وإجراء دراسات معمقة لاحتياجات كل منطقة، وصياغة برامج اقتصادية واضحة ومُجدية.
وعليها الانخراط بفعالية في الحوارات الوطنية والمحلية ، حول رؤية التحديث الاقتصادي، وأن تكون صوتًا للمواطن في صياغة السياسات وتنفيذ المشاريع، وأن تعمل على تعزيز الثقة الشعبية بها، من خلال الشفافية مع المواطنين، وتطبيق أدوات ومهارات المساءلة الاجتماعية على مقدمي ومزودي الخدمة العامة المحليين وفي كل المناطق والمدن والبلدات.
كما يعلم ذوو الشأن، فان الطريق نحو التنمية المستدامة هو رحلة طويلة، والأحزاب هي خير شريك في هذه المسيرة، لضمان مستقبل أفضل للأجيال القادمة، فنجاح التحديث السياسي والاقتصادي في الأردن، يعتمد بشكل كبير على مدى قدرة الأحزاب السياسية ،على القيام بدورها كشريك أساسي في التنمية الاقتصادية المحلية، رغم بعض المعيقات، ووجود بيئات غير صديقة للعمل الحزبي الديمقراطي؛ ومع ذلك فالفرصة سانحة، والقوانين داعمة، والرؤية واضحة لدى أغلب الأحزاب، ويبقى الدور عليها لترجمة هذه الإمكانات إلى واقع ملموس، ينعكس إيجابًا على حياة المواطنين في كل مدينة وقرية في الأردن.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الرأي
منذ 4 دقائق
- الرأي
القوات المسلحة تنفذ إنزالين جويين لإيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة
نفذت القوات المسلحة الأردنية، اليوم الثلاثاء، إنزالين جويين لإيصال المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى الأشقاء في قطاع غزة بمشاركة دولة الإمارات العربية المتحدة، دعماً لصمود الشعب الفلسطيني والتخفيف من معاناته الإنسانية. وجرى تنفيذ الإنزالين بواسطة طائرتين من نوع (C 130) تابعتين لسلاح الجو الملكي الأردني والقوات الجوية الإماراتية، حملتا على متنهما نحو 15 طناً من المواد الغذائية والاحتياجات الأساسية. وتأتي هذه الإنزالات، التي نُفذت بالتعاون مع الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية، في إطار الجهود المستمرة التي تبذلها المملكة الأردنية الهاشمية لإيصال المساعدات الغذائية والاحتياجات الأساسية إلى داخل القطاع، بهدف ضمان وصول الدعم الإغاثي في ظل التحديات الإنسانية المتفاقمة. وبذلك يرتفع عدد الإنزالات الجوية التي نفذتها القوات المسلحة منذ بدء الحرب على القطاع، إلى 129 إنزالاً جوياً أردنياً، إضافة إلى 269 إنزالاً جوياً مشتركاً نُفذت بالتعاون مع عدد من الدول الشقيقة والصديقة.


الرأي
منذ 4 دقائق
- الرأي
الملك: ملتزمون بتوسيع التعاون مع ألمانيا في شتى القطاعات
قال جلالة الملك عبدالله الثاني، الثلاثاء، إن الأردن وألمانيا تجمعهما شراكة عميقة ووطيدة مبنية على القيم المشتركة والاحترام المتبادل والتعاون الفاعل في المجالات السياسية، والاقتصادية، والإنسانية. وأضاف خلال مؤتمر صحفي مع المستشار الألماني فريدريش ميرتس في برلين، إن الأردن يقدّر عاليا العلاقات بألمانيا، ونحن ملتزمون بتوسيع التعاون الثنائي في شتى القطاعات، إضافة إلى التعاون مع الاتحاد الأوروبي. وأشار جلالته إلى أن الشراكة بين الأردن وألمانيا تنمو في قطاعات حيوية، كالتعليم والتنمية، والأردن مستمر في بحث فرص توسيع التعاون. وتابع جلالته "لطالما كانت ألمانيا داعما قويا لجهود الأردن في سبيل تحقيق الاستقرار في المنطقة، وتوفير المساعدات الإنسانية أينما دعت الحاجة، ونحن ممتنون لهذه الصداقة المتينة". وقال جلالته للمستشار الألماني "أتطلع لاستمرار العمل معكم لتطوير الشراكة بين بلدينا".


الرأي
منذ 4 دقائق
- الرأي
بلدية الزرقاء تطلق حملة لإزالة التعديات على الشوارع في "جبل طارق"
أطلقت بلدية الزرقاء الكبرى حملة لإزالة التعديات التي تشهدها شوارع منطقة جبل طارق، والمتمثلة في حجز مواقف المركبات أمام المنازل والمحال التجارية باستخدام حواجز مثبتة، وذلك استجابة لشكاوى المواطنين. وجاءت هذه الخطوة بناء على توجيهات مباشرة من رئيس لجنة بلدية الزرقاء الكبرى، المهندس خالد الخشمان، الذي وجه الكوادر المختصة بالتحرك الفوري لإزالة جميع العوائق والتعديات التي تشكل خرقا واضحا للنظام العام، وتؤثر سلبا على انسيابية المرور وحقوق المواطنين في استخدام الشوارع بشكل متساو. وأكد الخشمان، لوكالة الأنباء الأردنية (بترا)، اليوم الثلاثاء، أن الشارع ملك عام، لا يجوز الاستيلاء عليه أو تسييجه تحت أي ذريعة، مشددا على أن البلدية لن تتهاون مع من يضع العراقيل أو يسطو على حق الآخرين في المواقف. وبين أهمية تعزيز روح التعاون المجتمعي في المدينة، حيث أن الاحترام المتبادل والتنظيم الحضري هما أساس الحياة في مجتمع متماسك، لافتا إلى أن الحملات الميدانية ستستمر في مختلف مناطق الزرقاء، ولن يستثنى أي موقع من الرصد والمتابعة. ودعا الخشمان، جميع الأهالي إلى ضرورة الامتناع عن الاصطفاف العشوائي أمام منازل الآخرين، لا سيما أمام مداخل الكراجات الخاصة، مؤكدا أن ركن السيارات أمام هذه المداخل يعد انتهاكا واضحا لحق أصحاب المنازل في حرية الدخول والخروج، ويستوجب التوعية والمحاسبة عند التكرار.