logo
عندما يحين الوقت

عندما يحين الوقت

جريدة الرؤية١٢-٠٥-٢٠٢٥
سلطان بن ناصر القاسمي
ليس كل ما نريده يتحقق، حتى لو اجتهدنا وسعينا نحوه بكل قوتنا. كثير من أحلام الإنسان وأهدافه وتطلعاته ترتبط بموعد خفي، توقيت لا يعلمه إلا الله، يُطلق عليه "حين الوقت". هذا المفهوم قد يبدو غامضًا للبعض، لكنه في الواقع مفتاح لفهم كثير من مشاهد الحياة التي نعيشها، وكم من أمر تمنيناه ولم يتحقق، ثم تحقق بعد سنوات في صورة أجمل، أو لم يتحقق إطلاقًا لأنه لم يكن خيرًا لنا.
ومن هنا يبدأ الوعي الحقيقي بأن كل ما نسعى إليه لا يتحقق فقط بالرغبة أو الطموح، وإنما عندما يأذن الله له أن يكون. فكم من إنسان وضع خطة دقيقة لحياته، وحدد أهدافه المستقبلية، إلا أن كثيرًا منها تأخر أو تبدّل، لا لقصور في الجهد أو ضعف في الإرادة، ولكن لأن الوقت المناسب لم يحن بعد. فالأشياء لا تأتي إلا حين يكتمل وقتها، ويحين أوانها، ويكتمل نضج الإنسان الداخلي لاستقبالها.
وعندما نتمعن في حياتنا نجد أننا كبشر نعيش في سباق مستمر مع الزمن. نحتاج وقتًا للعمل، وقتًا لتناول الطعام، للنوم، للتأمل، ووقتًا لفهم من حولنا، ونحتاج وقتًا لنتعرف على شركاء حياتنا وأبنائنا وأصدقائنا، ووقتًا أعمق لبناء هذه العلاقات وتنميتها. وغالبًا ما نشعر أننا لا نملك الوقت الكافي لكل ذلك، لكن الحقيقة أن الوقت موجود، فقط نحتاج أن نؤمن أنه يحمل لكل منا نصيبه عندما يحين.
وقد ربط القرآن الكريم بين السعي الإنساني وبين النتيجة، في قوله تعالى: "
وَأَن لَّيْسَ لِلإنسَانِ إلاَّ مَا سَعَى
" (النجم: 39). هذه الآية تبين أن السعي مطلوب، لكنه ليس وحده كافيًا لتحقيق كل شيء؛ بل هو أحد العوامل، أما تحقيق النتائج فهو مرهون بحكمة الله وتقديره. فكم من مجتهد لم ينل، وكم من إنسان بُسط له الطريق بعد طول انتظار، دون أن يدري أن ذلك التأخير كان في صالحه.
ولذلك علينا أن نستوعب أن الوقت والقدر يسيران معًا؛ فمثلًا، نرى شابًا يسعى للزواج، يطرق الأبواب، ويتقدم أكثر من مرة، لكن لا يتم له الأمر، إلى أن يأتي اليوم الذي يشاء الله فيه أن يفتح له بابًا ما كان يتوقعه، فيُرزق بشريكة حياة لم تخطر على باله. وكذلك الأمر مع الفتيات، فبعضهن يظن أن فرص الزواج قد ولّت، وأنهن فاتهن قطار العمر، لكن الله يخبئ لهن موعدًا أجمل مع شخص يقدّر قيمتهن حين يحين الوقت.
وفي مواقف كثيرة في حياتنا، نرى أمثلة حية تدعم هذا المعنى. نأخذ مثلًا قصة عالم الفيزياء إسحاق نيوتن، الذي لم يكتشف قانون الجاذبية من أول مرة؛ بل بعد تسع وتسعين محاولة، حتى جاء الوقت المناسب، وحلت اللحظة التي تتجمع فيها المعطيات وتنكشف الحقيقة. وهذا ينطبق علينا نحن أيضًا، فكم من مشروع بدأناه وفشل، ثم أعدنا المحاولة مرة بعد مرة، حتى نجح، لا لأننا أصبحنا أذكى فجأة، بل لأن "الوقت قد حان".
وفي الحديث الشريف الذي رواه ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله "إن الرجل ليُحرم الرزق بالذنب يُصيبه، ولا يردُّ القدرَ إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البِر". هذا الحديث يرسم مشهدًا دقيقًا بين القدر والدعاء والعمل. فالدعاء وسيلة لتسريع تحقق الأمور، والبر -وخاصة بر الوالدين- سبب في بركة العمر وزيادة الخير.
إننا نخطط ونطمح ونسعى، وهذا أمر محمود ومطلوب، ولكن في الوقت نفسه يجب أن نزرع في قلوبنا الرضا بأن الأمور لا تأتي كلها في الوقت الذي نريده، بل في الوقت الذي يناسبنا من حيث لا ندري. وكلما تعلمنا الانتظار الجميل دون استعجال، كلما رأينا الأمور تأتي بتوقيت عجيب يدهشنا.
ولعل من أجمل القصص التي تجسّد هذا المعنى، قصة شاب كان يحلم منذ صغره بالالتحاق بمجال مرموق يخدم من خلاله وطنه، فاختار تخصصًا دقيقًا يحتاج إلى شروط خاصة. تقدم أكثر من مرة لتحقيق هذا الهدف، لكن لم يُكتب له التوفيق، فشعر بالحزن، إلا أن عزيمته لم تخبُ. أعاد توجيه مساره نحو مجال قريب من حلمه الأصلي، واستمر في السعي، حتى جاءته فرصة مميزة في مؤسسة وطنية رائدة، حقق من خلالها جزءًا كبيرًا من طموحه. هذه القصة تؤكد أن الطريق إلى الهدف ليس دائمًا مستقيمًا، وأن الأقدار تعرف موعد الوصول أكثر مما نعرف نحن.
وبالمثل، تأتينا أحيانًا قصص لفتيات يئسن من فكرة الزواج، ثم يأتي في وقت غير متوقع شخص كريم يطرق الباب، وتبدأ قصة جديدة تُنسينا الانتظار كله، وتبين لنا أن كل تأخير كان في الحقيقة تجهيزًا لاختيار أنسب.
إن الأقدار حين تأتي لا تستأذن، ولكنها تأتي بحكمة. وربما نتمنى شيئًا الآن، ونبكي لعدم حصوله، ثم بعد سنوات نحمد الله أنه لم يتحقق حين تمنيناه. ولهذا، فإن الإيمان بارتباط الوقت بالقدر، والتسليم لحكمة الله، لا يعني الاستسلام؛ بل يعني أن نستمر في العمل والسعي والدعاء، ولكن دون أن نحمل هم التوقيت.
ولذلك، فلنحرص على العمل، ونحرص على تحسين أنفسنا، وعلى الدعاء المتواصل، دون يأس أو استعجال. ولنعلم أن ما نطلبه من خير سيتحقق، متى ما شاء الله له أن يتحقق. فقط علينا أن نكون على الموعد من حيث لا ندري، أن نكون مستعدين عند لحظة الوصول، فقد يحين الوقت، ونحن في غفلة.
ختامًا، تذكّر دومًا أن ما تأخر عنك، لم يكن شرًا لك، وأن ما لم تحصل عليه الآن، قد يكون في طريقه إليك، فقط اصبر، واسعَ، وأدعو، وتمسك بالأمل.. فكل شيء جميل يتحقق حين يحين الوقت.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

عذق البيدار أين اختفى؟
عذق البيدار أين اختفى؟

جريدة الرؤية

timeمنذ 6 ساعات

  • جريدة الرؤية

عذق البيدار أين اختفى؟

ناصر بن حمد العبري ورد اسمها في القرآن الكريم، وجعلها الله مباركة في كل ما تحتويه النخلة، وأكرمها الآباء والأجداد، وهي أيضًا كانت كريمة في عطاياها من الثمار، حتى جعل الأجداد من كل نخلة عذقًا من الثمار، يتم وضع علامة عليه خاص لذلك المزارع الذي يقوم بالسقي والتنبيت وتحدير الثمار وتنظيف النخل من الكرب والزور اليابس والاعتناء بها. وهذا العذق يُقصد به زكاة ومكافأة لذلك المزارع، ولا أحد يقترب منه. وكانت النخلة تطرح ثمارًا وفيرة وبجودة عالية، وجعل الله فيها البركة. حتى تولّى الوافد تلك المهمة، ولم يعتنِ بها كما كان الأجداد، وكذلك اختفى ذلك العذق وقلّت الثمار، وأصبحت النخلة لا تُنتج مثل السابق، وكثرت أمراض النخيل المتعددة. ومن المعروف أن الوافد همه الوحيد هو المادة، والبعض يُسلّم الوافدين المزرعة مقابل مبلغ من المال كل سنة، فيصبح الوافد يعبث في الأرض بكل أنواع الكيماويات والمبيدات، حتى يحصل على إنتاج، ولو كان على حساب الصحة العامة والأرض. لذلك كثرت الأمراض، سواء في النخيل أو في الإنسان، من تلك الاستخدامات المفرطة في الكيماويات والمبيدات الحشرية. ومع شح المياه وقلة الأمطار، لا يُبالي الوافد باستخدام المياه بالمضخات، خصوصًا الذين يُركزون على زراعة البرسيم والأعلاف. رحم الله الآباء والأجداد الذين عاملوا الأرض والنخيل بعناية، فأعطتهم الثمار الوفيرة. ومع الوافدين... اختفى "عذق البيدار".

تأثر الكون بعمل الإنسان
تأثر الكون بعمل الإنسان

جريدة الرؤية

timeمنذ 7 ساعات

  • جريدة الرؤية

تأثر الكون بعمل الإنسان

محمد بن رضا اللواتي mohammed@ منذ أقدم الحضارات، آمن الإنسان بأن لعمله تأثيرا ما على الظواهر الكونية، فلقد نقلت الأبحاث في "الأنثروبولوجيا" هذا اللون من المعتقدات من الفكر الهندي الموغل في القدم، وفي المصرية القديمة، وفي السومرية وكذلك في الفلسفات الإغريقية. في الفكر الإسلامي، ظهر هذا الاعتقاد مجددا وسرى في معتقديه نظرا لأن القرآن الكريم أشار إليه بنحو رمزي جدا، كما نجد ذلك في قوله تعالى: " فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ "، قال ابن كثير في تفسيره للآية: " لم تكن لهم أعمال صالحة تصعد في أبواب السماء فتبكي على فقدهم، ولا لهم في الأرض بقاع عبدوا الله فيها فقدتهم، فلهذا استحقوا ألا ينظروا ولا يؤخروا لكفرهم وإجرامهم، وعتوهم وعنادهم ". ثم نقل خبرا عن رسول الله "عليه الصلاة والسلام" يقول فيه: " ما من عبد إلا وله في السماء بابان: باب يخرج منه رزقه، وباب يدخل منه عمله وكلامه، فإذا مات فقداه وبكيا عليه " . وذكر القُرطبي في تفسيره: " وقال مجاهد: إن السماء والأرض تبكيان على المؤمن أربعين صباحا. قال أبو يحيى: فعجبت من قوله فقال: أتعجب! وما للأرض لا تبكي على عبد يعمرها بالركوع والسجود! وما للسماء لا تبكي على عبد كان لتسبيحه وتكبيره فيها دوي كدوي النحل! وقال علي وابن عباس -رضي الله عنهما: إنه يبكي عليه مصلاه من الأرض ومصعد عمله من السماء ". وتنقل شتى المصادر الإسلامية عن وقوع ظواهر كونية غير طبيعية عصر عاشوراء غداة مقتل أبو الشهداء الإمام الحسين بن علي ومعه عترة النبي محمد "عليه الصلاة والسلام" عام 61 للهجرة، فهذا ابن حجر في الصواعق المحرقة ص:116 يقول: "ومما ظهر يوم قتل الحسين بن علي رضي الله عنه من الآيات أن السماء اسودت اسودادا عظيما، ولم يُرفع حجر إلا ووُجد تحته دم عبيط، وأخرج أبو الشيخ أن السماء احمرت لقتله وانكسفت الشمس وظن الناس أن القيامة قامت"، وأضاف: "نقل ابن الجوزي عن ابن سيرين أن الدنيا أظلمت ثلاثة أيام ثم ظهرت الحُمرة في السماء وقد أمطرت دما"، وقال: "وقال ابن الجوزي: إن غضبنا يؤثر حمرة الوجه، والحق تعالى وتقدس تنزه عن الجسمية فأظهر تأثر غضبه على من قتل الحسين بحُمرة الأفق، وإظهارا لعظيم الجناية". ويمكن مراجعة المصادر التالية للتأكد من تكرار ذكر هذه الظاهرة في أعقاب شهادة ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم: (السنن الكبرى للبيهيقي ج:3، ص:237، ومجمع الزوائد ج:9، ص:197، والمعجم الكبير ج:4، ص:114، وفيض القدير ج:1، ص:65، وتاريخ دمشق ج:14، ص:238، وتهذيب الكمال ج:6، ص:433، وأنساب الأشراف ج:3، ص:197، والدر النظيم، ص:567، وسير أعلام النبلاء ج:3، ص:312، وتاريخ الإسلام ج:5، ص:15، ونُظُم الدرر ص:221، ومعارج الوصول ص:99، وامتاع الأسماع ج:12، ص:242، وبغية الطلب في تاريخ حلب ج:6، ص:637، وتهذيب التهذيب ج:2، ص:305، والوافي بالوفيات ج:12، ص:65، وينابيع المودة ج:3، ص:15، والعُمدة ص:406، وتفسير الثعلبي ج:8، ص:353، وتفسير القُرطبي ج:6، ص:141، والجرح والتعديل ج:4، ص:216، وذخائر العُقبى ص:145). اليوم، تشبه غزة المحاصرة "كربلاء" يوم العاشر من محرم عام 61 للهجرة، حيث منعوا الماء عن أسرة النبي محمد عليه الصلاة والسلام، ثم أفنوهم عن آخرهم بمن فيهم بعض الأطفال الرضع، وها نحن الآن نرى أبشع جريمة تقع هذا العصر أمام ناظري العالم، حيث يُباد شعب برمته بتأييد من مجموعة حكومات الغرب الخبيث التي طالما رفعت شعارات حقوق الإنسان. لقد تُركت "كربلاء" في ذلك الوقت وحيدة تنزف الدماء التي رأى ابن عباس حبر الأمة في منامه أن النبي صلى الله عليه وسلم يلتقط الدماء النازفة ويحملها في قارورة، وتُركت غزة تواجه الإبادة وحيدة. ما أشبه الأمس باليوم! لن يتعلم المسلمون الدرس، ولا يزالون لا يتقنونه، وهو أن الكون لن يظل مكتوف الأيدي، مكتفيا بالتأثر لما تجري من جرائم على الأرض، وإنه في آخر المطاف بصدد قلب الطاولة على المستكبرين في الأرض بغير الحق، طبقا لقوله تعالى: " وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ "، فخاتمة المآل ليست لقوى الاستكبار ومن أرادوا العزة بجوارهم، وإنما هي للمستضعفين في الأرض، هذا هو القانون الإلهي الذي لا يتخلف: " وَانتَظِرْ إِنَّهُم مُّنتَظِرُونَ ". (*)

ليظل ويبقى بيننا "الجميل" جميلًا
ليظل ويبقى بيننا "الجميل" جميلًا

جريدة الرؤية

timeمنذ يوم واحد

  • جريدة الرؤية

ليظل ويبقى بيننا "الجميل" جميلًا

خالد بن سعد الشنفري الجميل، أحد مسميات عادة قديمة متبعة فيما يسمى بالمسؤولية أو المساهمة المجتمعية لإعانة المقدمين على الزواج في التخفيف من تكاليفه عليهم من مهر وولائم العرس وغيرها من المصاريف، للتشجيع والتيسير للأبناء لتكوين أسرة جديدة في المجتمع، وهي عادة قديمة ومتجذرة في المجتمع الظفاري، ويتفرد بها عن غيره من مجتمعات محافظات السلطنة والكثير من المجتمعات ويغبطونه عليها. إن تعدد مسميات هذه العادة أو العرف الذي أصبح عليه، مثل: الواجب، الدفتر، المحوشة، الجميل، لَدليل على أهميتها لديهم؛ (كن جميلاً ترى الوجود جميلاً). في النهاية، هي موروث ورثوه عن الأجداد وتناقلته الأجيال حتى وصل إلينا اليوم. بعد مقالي قبل عدة أيام في صحيفة الرؤية العمانية بعنوان: (ارتفاع تكاليف الزواج... إلى أين؟)، وتوالي عبارات الاستحسان والثناء عليه، والمطالبة من القراء، وخصوصًا من أبناء المحافظة، بالمزيد من الكتابة حوله والتسليط على أهمية المحافظة عليه في ظل ما يمر به مجتمعنا من تغيرات اقتصادية واجتماعية؛ ولِبالغ أهميته، كونه يتعلق بأهم مشروع يقدم عليه الإنسان في حياته، ألا وهو الزواج، (سنة الله في خلقه، وسنة الأنبياء والمرسلين)، والحثّ على التناسل والتكاثر؛ كما في الحديث الشريف: "تناكحوا تناسلوا، فإني مفاخر بكم الأمم يوم القيامة" صدق رسول الله ﷺ. ومن أجل أن تتحقق لهذه الأسرة الجديدة السعادة الزوجية، لتتمكن من تشكيل نواة صالحة في المجتمع، ابتدَع آباؤنا الأوائل فكرة هذا "الواجب" أو "الجميل". لذا، وجب علينا أن نحافظ عليه نحن أيضًا، ولو من باب الوفاء بجميلهم علينا. أعتقد أنه سيتفق معي الكثير، إذا لم يكن الجميع، بأن ما وصلنا إليه اليوم من مغالاة في تكاليف الزواج، يُخشى معه بالتالي أن ندخل بذلك إلى دائرة المسرفين، والعياذ بالله، دون أن نقصد بالطبع، فحاشاكم جميعًا من ذلك. وفي ظل مفاهيم براقة مثل: فرح العمر، وليلة العمر، والظهور بمظهر أفضل من الآخرين، فيها قد لا نلتفت إلى أننا نغالي في مظاهر هذا الفرح، وهذا الإسراف في هذه الليلة، ونسرف بذلك من أجل إظهاره في أفضل صورة، وبالتالي نضطر، ويضطر أبناؤنا، للاستدانة من البنوك في بداية حياتهم الزوجية لإظهار الفرحة بهذا اليوم السعيد، والفرحة المنشودة غير المبررة أصلًا، وندخلهم بذلك إلى نوع من العبودية للبنوك الدائنة، لزمن لا يعلمه إلا الله مداه، وقد لا يخرجون من عنق زجاجته الضيقة، وبالتالي لا شيء سيتخلف من جراء ذلك إلا الاضطراب الأسري لحياتهم الاجتماعية والاقتصادية، والشقاء والتعاسة بدلًا عن الهناء والسعادة المنشودتين، وهذا ما يخلفه الدين الاستهلاكي غير المبرر عادة (همٌّ بالليل وذلٌّ بالنهار)، ولا تستقيم حياة أسرية هانئة، ولن يُربى في ظل عدم الاستقرار، أبناء تربية حسنة صالحة، والأسرة الجديدة قد أصبحت ما هي عليه من همٍّ وذلّ." فلنتقِ الله، إخوتي، في أنفسنا وفي أبنائنا، ويحب أن نهب جميعًا هبة رجل واحد، ونقول لهذه المغالاة في تكاليف الزواج: إلى هنا وكفى، ولنُغيّر ما بأنفسنا حتى يغيّر الله لنا ما هو خيرٌ مما وصلت إليه الأمور في هذا الجانب، وقبل أن تنعكس سلبًا على عاداتنا الجميلة في التعاون والتكاتف في إعانة المتزوجين من أبنائنا، ونوقف كل ذلك ونرجع به إلى الحد المعقول والمقبول. فالإقدام على الزواج هو إقدام على تحقيق سنّة إلهية في الأساس، وليس كرنفال أفراح تنافسي، ويفترض أن يتحقق بمجرد الإشهار والمشاركة (أولِم ولو بشاة). ومن جانب آخر، علينا أيضًا مراعاة ظروف من حولنا من المساهمين في هذا الواجب المادي، والذين انبروا بنخوة وشهامة، رغم كل ما يمرّون به من ظروف حاليًا، للمشاركة المادية والمعنوية (ويؤثرون على أنفسهم ولو كانت بهم خصاصة). بصريح العبارة، ومِلءُ الفم نقولها، وبعد أن أشبعنا الموضوع حوارات جانبية بيننا دون نتيجة، ويمرّ بعد ذلك مرور الكرام دون حل، وعليه، فلا بد من الشجاعة الأدبية والمواجهة الحقيقية، وإبراز هذا الموضوع للعلن بيننا والتوقف للمعالجة. واجتهاد شخصي مني كفرد من هذا المجتمع لإيجاد بعض حلول أعتقد قد تكون ناجعة وتساعد على الحدّ من هذا الارتفاع في التكاليف؛ بما أن متوسط المهور حاليًا عندنا في حدود خمسة آلاف ريال عماني، وهو يعد معقولا في ظل الغلاء الحالي في الأسعار، أرى أن على أهل العروس، الذين نعلم جميعُنا بأنهم يدفعون حاليًا ضعف مهر ابنتهم فيما يُسمّى (جهاز العروس)، وأن هذا الجهاز أو التجهيز قد تنامى باطراد ومغالاة في الآونة الأخيرة دون مبرر ولا داعٍ، عليه فإن تجهيز العروس بمهرها الذي حُدِّد لها أساسًا يُفترض أن يفي بالغرض منه، وبالتالي لا ضرر ولا ضرار، وهذه قاعدة شرعية، فالعريس أساسًا لا يطلب إلا عروسته، وهي أفضل هدية تُقدَّم له. ثم إن هدية الخطوبة بدورها أصبحت خارجة عن إطار الهدية المتعارف عليها، وأصبحت تتجاوز حدود ألفَي ريال عماني، ولا داعي لها، أيها العريس الهمام، فأنت أفضل هدية أساسًا لعروستك. كذلك، هدية الزوج ليلة الدخلة لزوجته وأمها (الخالة): ألف ريال أو قيمتها ذهبًا للعروس، وخمسمائة ريال عماني أو قيمتها ذهبًا لأم العروس، يُفترض أن تقتصر على أم العروس فقط، كما عرفناه سابقًا، لأن العروس هديتها يُفترض ألا تُقدَّر بثمن، فالهدية هدية، وليست مهرًا جديدًا. أخيرًا، وليس آخرًا، الوليمة -سواء كانت في قاعة أو خيمة- ينبغي أن نتجنب الإسراف فيها قدر الإمكان، فقد أصبحت تُناهز خمسة آلاف ريال عماني، أي عشرة آلاف لبوفيه الرجال والنساء، وتُعتبر كثيرة لعريس متوسط الحال، ومعظمنا اليوم أقل من متوسطي الحال في هذا الوقت العصيب على الجميع. فحبّذا لو عدنا إلى وليمة الأعراس القديمة، وتُعتبر موروثًا وتراثًا معنويًا، والمكونة من قبولي اللحم أو مرقة اللحم بالأرز (التقزّوحة)، مع الحلوى العُمانية والبارد والقهوة. ونأتي أخيرًا إلى مربط الفرس، وهو مبلغ الواجب أو الدفتر أو الجميل، والذي إذا طبقنا المقترحات أعلاه، سنجد أن تكاليف الزواج قد تناقصت إلى أقل من 50٪ وأكثر مما هي عليه حاليًا، وبالتالي يمكننا أيضًا من جانب آخر النزول بمبلغ المساهمة (الواجب أو الدفاتر) إلى نصف المبلغ المتعارف عليه حاليًا، وهو 20 ريالًا كحد أدنى إلى 10 ريالات، باستثناء بالطبع فيما بين الأرحام والأهل والأقارب، أو من كان مُقتدرًا ويريد أن يزيد مشكورًا عن ذلك، ونعتبرها في ميزان حسناته. ونضمن بذلك، وهذا هو الأهم، أكبر عدد من الحضور والمشاركة، وهي بيت القصيد في الأول والأخير. أدام الله علينا نعمة أفراحنا، ونعمة خريفنا، ومواسم زيجاتنا.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store