logo
تأثر الكون بعمل الإنسان

تأثر الكون بعمل الإنسان

جريدة الرؤيةمنذ 16 ساعات
محمد بن رضا اللواتي
mohammed@alroya.net
منذ أقدم الحضارات، آمن الإنسان بأن لعمله تأثيرا ما على الظواهر الكونية، فلقد نقلت الأبحاث في "الأنثروبولوجيا" هذا اللون من المعتقدات من الفكر الهندي الموغل في القدم، وفي المصرية القديمة، وفي السومرية وكذلك في الفلسفات الإغريقية.
في الفكر الإسلامي، ظهر هذا الاعتقاد مجددا وسرى في معتقديه نظرا لأن القرآن الكريم أشار إليه بنحو رمزي جدا، كما نجد ذلك في قوله تعالى: "
فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ
"، قال ابن كثير في تفسيره للآية: "
لم تكن لهم أعمال صالحة تصعد في أبواب السماء فتبكي على فقدهم، ولا لهم في الأرض بقاع عبدوا الله فيها فقدتهم، فلهذا استحقوا ألا ينظروا ولا يؤخروا لكفرهم وإجرامهم، وعتوهم وعنادهم
".
ثم نقل خبرا عن رسول الله "عليه الصلاة والسلام" يقول فيه: "
ما من عبد إلا وله في السماء بابان: باب يخرج منه رزقه، وباب يدخل منه عمله وكلامه، فإذا مات فقداه وبكيا عليه
"
.
وذكر القُرطبي في تفسيره:
"
وقال مجاهد: إن السماء والأرض تبكيان على المؤمن أربعين صباحا. قال أبو يحيى: فعجبت من قوله فقال: أتعجب! وما للأرض لا تبكي على عبد يعمرها بالركوع والسجود! وما للسماء لا تبكي على عبد كان لتسبيحه وتكبيره فيها دوي كدوي النحل! وقال علي وابن عباس -رضي الله عنهما: إنه يبكي عليه مصلاه من الأرض ومصعد عمله من السماء
".
وتنقل شتى المصادر الإسلامية عن وقوع ظواهر كونية غير طبيعية عصر عاشوراء غداة مقتل أبو الشهداء الإمام الحسين بن علي ومعه عترة النبي محمد "عليه الصلاة والسلام" عام 61 للهجرة، فهذا ابن حجر في الصواعق المحرقة ص:116 يقول: "ومما ظهر يوم قتل الحسين بن علي رضي الله عنه من الآيات أن السماء اسودت اسودادا عظيما، ولم يُرفع حجر إلا ووُجد تحته دم عبيط، وأخرج أبو الشيخ أن السماء احمرت لقتله وانكسفت الشمس وظن الناس أن القيامة قامت"، وأضاف: "نقل ابن الجوزي عن ابن سيرين أن الدنيا أظلمت ثلاثة أيام ثم ظهرت الحُمرة في السماء وقد أمطرت دما"، وقال: "وقال ابن الجوزي: إن غضبنا يؤثر حمرة الوجه، والحق تعالى وتقدس تنزه عن الجسمية فأظهر تأثر غضبه على من قتل الحسين بحُمرة الأفق، وإظهارا لعظيم الجناية".
ويمكن مراجعة المصادر التالية للتأكد من تكرار ذكر هذه الظاهرة في أعقاب شهادة ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم: (السنن الكبرى للبيهيقي ج:3، ص:237، ومجمع الزوائد ج:9، ص:197، والمعجم الكبير ج:4، ص:114، وفيض القدير ج:1، ص:65، وتاريخ دمشق ج:14، ص:238، وتهذيب الكمال ج:6، ص:433، وأنساب الأشراف ج:3، ص:197، والدر النظيم، ص:567، وسير أعلام النبلاء ج:3، ص:312، وتاريخ الإسلام ج:5، ص:15، ونُظُم الدرر ص:221، ومعارج الوصول ص:99، وامتاع الأسماع ج:12، ص:242، وبغية الطلب في تاريخ حلب ج:6، ص:637، وتهذيب التهذيب ج:2، ص:305، والوافي بالوفيات ج:12، ص:65، وينابيع المودة ج:3، ص:15، والعُمدة ص:406، وتفسير الثعلبي ج:8، ص:353، وتفسير القُرطبي ج:6، ص:141، والجرح والتعديل ج:4، ص:216، وذخائر العُقبى ص:145).
اليوم، تشبه غزة المحاصرة "كربلاء" يوم العاشر من محرم عام 61 للهجرة، حيث منعوا الماء عن أسرة النبي محمد عليه الصلاة والسلام، ثم أفنوهم عن آخرهم بمن فيهم بعض الأطفال الرضع، وها نحن الآن نرى أبشع جريمة تقع هذا العصر أمام ناظري العالم، حيث يُباد شعب برمته بتأييد من مجموعة حكومات الغرب الخبيث التي طالما رفعت شعارات حقوق الإنسان.
لقد تُركت "كربلاء" في ذلك الوقت وحيدة تنزف الدماء التي رأى ابن عباس حبر الأمة في منامه أن النبي صلى الله عليه وسلم يلتقط الدماء النازفة ويحملها في قارورة، وتُركت غزة تواجه الإبادة وحيدة.
ما أشبه الأمس باليوم!
لن يتعلم المسلمون الدرس، ولا يزالون لا يتقنونه، وهو أن الكون لن يظل مكتوف الأيدي، مكتفيا بالتأثر لما تجري من جرائم على الأرض، وإنه في آخر المطاف بصدد قلب الطاولة على المستكبرين في الأرض بغير الحق، طبقا لقوله تعالى: "
وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ
"، فخاتمة المآل ليست لقوى الاستكبار ومن أرادوا العزة بجوارهم، وإنما هي للمستضعفين في الأرض، هذا هو القانون الإلهي الذي لا يتخلف: "
وَانتَظِرْ إِنَّهُم مُّنتَظِرُونَ
". (*)
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

عذق البيدار أين اختفى؟
عذق البيدار أين اختفى؟

جريدة الرؤية

timeمنذ 15 ساعات

  • جريدة الرؤية

عذق البيدار أين اختفى؟

ناصر بن حمد العبري ورد اسمها في القرآن الكريم، وجعلها الله مباركة في كل ما تحتويه النخلة، وأكرمها الآباء والأجداد، وهي أيضًا كانت كريمة في عطاياها من الثمار، حتى جعل الأجداد من كل نخلة عذقًا من الثمار، يتم وضع علامة عليه خاص لذلك المزارع الذي يقوم بالسقي والتنبيت وتحدير الثمار وتنظيف النخل من الكرب والزور اليابس والاعتناء بها. وهذا العذق يُقصد به زكاة ومكافأة لذلك المزارع، ولا أحد يقترب منه. وكانت النخلة تطرح ثمارًا وفيرة وبجودة عالية، وجعل الله فيها البركة. حتى تولّى الوافد تلك المهمة، ولم يعتنِ بها كما كان الأجداد، وكذلك اختفى ذلك العذق وقلّت الثمار، وأصبحت النخلة لا تُنتج مثل السابق، وكثرت أمراض النخيل المتعددة. ومن المعروف أن الوافد همه الوحيد هو المادة، والبعض يُسلّم الوافدين المزرعة مقابل مبلغ من المال كل سنة، فيصبح الوافد يعبث في الأرض بكل أنواع الكيماويات والمبيدات، حتى يحصل على إنتاج، ولو كان على حساب الصحة العامة والأرض. لذلك كثرت الأمراض، سواء في النخيل أو في الإنسان، من تلك الاستخدامات المفرطة في الكيماويات والمبيدات الحشرية. ومع شح المياه وقلة الأمطار، لا يُبالي الوافد باستخدام المياه بالمضخات، خصوصًا الذين يُركزون على زراعة البرسيم والأعلاف. رحم الله الآباء والأجداد الذين عاملوا الأرض والنخيل بعناية، فأعطتهم الثمار الوفيرة. ومع الوافدين... اختفى "عذق البيدار".

تأثر الكون بعمل الإنسان
تأثر الكون بعمل الإنسان

جريدة الرؤية

timeمنذ 16 ساعات

  • جريدة الرؤية

تأثر الكون بعمل الإنسان

محمد بن رضا اللواتي mohammed@ منذ أقدم الحضارات، آمن الإنسان بأن لعمله تأثيرا ما على الظواهر الكونية، فلقد نقلت الأبحاث في "الأنثروبولوجيا" هذا اللون من المعتقدات من الفكر الهندي الموغل في القدم، وفي المصرية القديمة، وفي السومرية وكذلك في الفلسفات الإغريقية. في الفكر الإسلامي، ظهر هذا الاعتقاد مجددا وسرى في معتقديه نظرا لأن القرآن الكريم أشار إليه بنحو رمزي جدا، كما نجد ذلك في قوله تعالى: " فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ "، قال ابن كثير في تفسيره للآية: " لم تكن لهم أعمال صالحة تصعد في أبواب السماء فتبكي على فقدهم، ولا لهم في الأرض بقاع عبدوا الله فيها فقدتهم، فلهذا استحقوا ألا ينظروا ولا يؤخروا لكفرهم وإجرامهم، وعتوهم وعنادهم ". ثم نقل خبرا عن رسول الله "عليه الصلاة والسلام" يقول فيه: " ما من عبد إلا وله في السماء بابان: باب يخرج منه رزقه، وباب يدخل منه عمله وكلامه، فإذا مات فقداه وبكيا عليه " . وذكر القُرطبي في تفسيره: " وقال مجاهد: إن السماء والأرض تبكيان على المؤمن أربعين صباحا. قال أبو يحيى: فعجبت من قوله فقال: أتعجب! وما للأرض لا تبكي على عبد يعمرها بالركوع والسجود! وما للسماء لا تبكي على عبد كان لتسبيحه وتكبيره فيها دوي كدوي النحل! وقال علي وابن عباس -رضي الله عنهما: إنه يبكي عليه مصلاه من الأرض ومصعد عمله من السماء ". وتنقل شتى المصادر الإسلامية عن وقوع ظواهر كونية غير طبيعية عصر عاشوراء غداة مقتل أبو الشهداء الإمام الحسين بن علي ومعه عترة النبي محمد "عليه الصلاة والسلام" عام 61 للهجرة، فهذا ابن حجر في الصواعق المحرقة ص:116 يقول: "ومما ظهر يوم قتل الحسين بن علي رضي الله عنه من الآيات أن السماء اسودت اسودادا عظيما، ولم يُرفع حجر إلا ووُجد تحته دم عبيط، وأخرج أبو الشيخ أن السماء احمرت لقتله وانكسفت الشمس وظن الناس أن القيامة قامت"، وأضاف: "نقل ابن الجوزي عن ابن سيرين أن الدنيا أظلمت ثلاثة أيام ثم ظهرت الحُمرة في السماء وقد أمطرت دما"، وقال: "وقال ابن الجوزي: إن غضبنا يؤثر حمرة الوجه، والحق تعالى وتقدس تنزه عن الجسمية فأظهر تأثر غضبه على من قتل الحسين بحُمرة الأفق، وإظهارا لعظيم الجناية". ويمكن مراجعة المصادر التالية للتأكد من تكرار ذكر هذه الظاهرة في أعقاب شهادة ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم: (السنن الكبرى للبيهيقي ج:3، ص:237، ومجمع الزوائد ج:9، ص:197، والمعجم الكبير ج:4، ص:114، وفيض القدير ج:1، ص:65، وتاريخ دمشق ج:14، ص:238، وتهذيب الكمال ج:6، ص:433، وأنساب الأشراف ج:3، ص:197، والدر النظيم، ص:567، وسير أعلام النبلاء ج:3، ص:312، وتاريخ الإسلام ج:5، ص:15، ونُظُم الدرر ص:221، ومعارج الوصول ص:99، وامتاع الأسماع ج:12، ص:242، وبغية الطلب في تاريخ حلب ج:6، ص:637، وتهذيب التهذيب ج:2، ص:305، والوافي بالوفيات ج:12، ص:65، وينابيع المودة ج:3، ص:15، والعُمدة ص:406، وتفسير الثعلبي ج:8، ص:353، وتفسير القُرطبي ج:6، ص:141، والجرح والتعديل ج:4، ص:216، وذخائر العُقبى ص:145). اليوم، تشبه غزة المحاصرة "كربلاء" يوم العاشر من محرم عام 61 للهجرة، حيث منعوا الماء عن أسرة النبي محمد عليه الصلاة والسلام، ثم أفنوهم عن آخرهم بمن فيهم بعض الأطفال الرضع، وها نحن الآن نرى أبشع جريمة تقع هذا العصر أمام ناظري العالم، حيث يُباد شعب برمته بتأييد من مجموعة حكومات الغرب الخبيث التي طالما رفعت شعارات حقوق الإنسان. لقد تُركت "كربلاء" في ذلك الوقت وحيدة تنزف الدماء التي رأى ابن عباس حبر الأمة في منامه أن النبي صلى الله عليه وسلم يلتقط الدماء النازفة ويحملها في قارورة، وتُركت غزة تواجه الإبادة وحيدة. ما أشبه الأمس باليوم! لن يتعلم المسلمون الدرس، ولا يزالون لا يتقنونه، وهو أن الكون لن يظل مكتوف الأيدي، مكتفيا بالتأثر لما تجري من جرائم على الأرض، وإنه في آخر المطاف بصدد قلب الطاولة على المستكبرين في الأرض بغير الحق، طبقا لقوله تعالى: " وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ "، فخاتمة المآل ليست لقوى الاستكبار ومن أرادوا العزة بجوارهم، وإنما هي للمستضعفين في الأرض، هذا هو القانون الإلهي الذي لا يتخلف: " وَانتَظِرْ إِنَّهُم مُّنتَظِرُونَ ". (*)

انطلاق فعاليات "صيف البوادي" في أدم
انطلاق فعاليات "صيف البوادي" في أدم

جريدة الرؤية

timeمنذ يوم واحد

  • جريدة الرؤية

انطلاق فعاليات "صيف البوادي" في أدم

أدم- ناصر العبري أطلقت إدارة الأوقاف والشؤون الدينية بمحافظة الداخلية ممثلة بقسم الشؤون الإسلامية، برنامج صيف البوادي للعام 1447هـ / 2025م بولاية أدم، في قريتي الصامتي وغابة العميري. وينفذ البرنامج في كل من جامع الصامتي ومسجد التوحيد بقرية الصامتي وفي قرية غابة العميري بمسجد المساكن الاجتماعية خلال الفترة من 13 يوليو إلى 7 أغسطس. ويشارك في البرنامج في التعليم والتدريس عدد من المدرسين من مختلف الكوادر الدينية من الوعاظ والمرشدين الدينيين والموجهين والمشرفين وبعض الأئمة التابعين للإدارة. ويستهدف البرنامج الطلاب الذكور من الصف الثالث وحتى الصف الثاني عشر حيث تستمر الدراسة من الأحد حتى الخميس، من الساعة 8:00 وحتى 11:00 صباحا، ويشارك في البرنامج عدد من الطلاب من مختلف الفئات العمرية من مختلف المناطق الصحراوية بالولاية. ويبلغ عدد الطلاب المسجلين في هذا البرنامج 60 طالبا، ويتضمن المنهج الدراسي في البرنامج مجموعة من المواد التعليمية الأساسية منها القرآن الكريم تلاوةً وحفظًا، والفقه، والعقيدة، والسيرة، والأخلاق. ويتميز برنامج صيف البوادي هذا بالعديد من الأنشطة المتنوعة التي تهدف إلى تنمية مهارات الطلاب وصقل شخصياتهم، بالإضافة إلى تقديم شهادات التقدير وهدايا متنوعة للطلاب المشاركين، تقديرًا لجهودهم وتحفيزًا لهم على المزيد من الاجتهاد والتحصيل العلمي.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store