
القمة العربية...وتشتيت الفلسطينيين
لم يعد الحديث عن "سايكس بيكو" مجرد سرد تاريخي، بل عاد اليوم بمسمى جديد وهو "ترامب-نتنياهو". الشرق الأوسط الجديد حيث تشهد منطقة الشرق الأوسط تحولات جذرية منذ السابع من أكتوبر، وتتكشف معادلات جديدة تفرض نفسها على المشهد السياسي.
للأسف الشديد لا توجد اليوم أمة عربية موحدة، ولا رأي عربي موحد والاختلافات دائما هي سيدة الموقف حتي بين الفلسطينيين أنفسهم المتضرر الأول وخط الدفاع الأول عن القضية الفلسطينية والمنوط بهم الدفاع عن فلسطين مضطرين غير مخيرين، فالقضية الفلسطينية تراجعت كثيرا السنوات الماضية حتي أنها لم تعد أولوية لدى العرب، فكل دولة عربية إنكمشت علي نفسها وأصبحت غارقة في أزماتها السياسية والاقتصادية، تحاول النجاة وسط تهديدات أمنية وأوضاع داخلية خانقة.
كما أن الشعوب العربية تعيش بين الفقر والقمع، في ظل أنظمة دكتاتورية قائمة على القهر والرقابة والسجون، حيث الحريات مسحوقة، والبطالة تتفاقم،والمفاهيم الاجتماعية تنهار، والضوابط الدينية يتم محاربتها وسط واقع اجتماعي متصدع.
فلا يزال العالم العربي يرزح تحت وطأة الخرافات والأساطير الدينية والأوهام بعيدا تماما عن الواقع المؤلم،في حين تسود القوانين القمعية، والمجتمعات العربية تغرق في الاستهلاك دون إنتاج أو مساهمة فعلية في الحضارة الحديثة. المفارقة أن هذه الشعوب، رغم رفضها للتغيير في مجتمعاتها، تحلم بالهجرة إلى الغرب، بحثًا عن الحرية والحقوق.
في ظل هذا الواقع المخزي للعرب ستصبح قرارات القمة العربيةوالتي حضر فيه 5 رؤساء دول عربية وغاب عنها 17رئيس عربي بشأن غزة غير مؤثرة أو قرارات غير ذات جدوى، فقد يقرأها ترامب ونتنياهو بدافع الفضول، لا أكثر، لكنها لن تؤثر في مجريات الأحداث ولن تُؤخذ بعين الاعتبار. وقد رفض ترامب مسبقا الخطة العربية بشأن غزة وتمسك بتهجير أهلها وقال أن الخطة لا تعالج حقيقة عدم صلاحية القطاع للسكن حيث علق المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، على البيان الختامي للقمة العربية الطارئة السابقه التي عقدت في القاهرة وأقرت خطة لإدارة وإعمار قطاع غزة، بأن ترامب رفض هذه الخطة.
وقال المتحدث باسم البيت الأبيض: "خطة إعادة إعمار غزة التي تبنتها الدول العربية لا تعالج حقيقة أن القطاع غير صالح للسكن "وقال "لا يمكن لسكان غزة العيش بشكل إنساني في منطقة مغطاة بالحطام والذخائر غير المنفجرة" وهذا معناه أن ترامب مازال مصمم علي تهجير الفلسطينيين من غزة وهذا يعني أن خطته ماضيه كما هي بدون تغيير وكأن شيئا لم يحدث فالشرق الأوسط يتغير ومراكز القوى الدولية ترسم خطوطًا جديدة والعرب غير مؤثرين في المعادلة الجديدة.
غياب السعودية عن القمة العربية ومعها معظم قادة دول الخليج وهي اللاعب الرئيسي الأن في الشرق الأوسط يؤكد أن قرارات القمة العربية لن تكون ذات تأثير
وما يحدث اليوم يؤكد أن الحضور السعودي في المشهد السياسي ليس صدفة، بل هو جزء من محور "أمريكا – إسرائيل – السعودية" يسانده المال العربي ممثلًا في السعودية والإمارات وقطر. ودول أخرى قد تنضم تباعًا إلى هذا التحالف، ليترسخ واقع جديد يسعون فيه أن تتصدر فيه إسرائيل قيادة الشرق الأوسط، بينما تمد أمريكا نفوذها المباشر إلى المنطقة، وخصوصًا في غزة
ولأول مرة يبدو أن أمريكا ستصبح قوة استعمارية مباشرة في المنطقة، وفلسطين هي عنوان هذا الاستعمار وبالتالي غياب بعض الدول عن هذه القوة هو جزء من الحماية حتى لا يكونو شركاء القادم في القضاء على القضية الفلسطينية والفلسطينيين.
وبالنسبة لمصر والأردن قد يكونوا مضطرين للقبول بمخطط الشرق الاوسط الجديد " ترامب،نتنياهو" بسبب أوضاعهم الإقتصادية السيئة ومن يرفض المخطط الجديد، سيتم الضغط علية سياسيًا وإقتصاديا وقد يصل الأمر عسكريًا. ومصر والأردن يعلمان ذلك جيدًا، لذا قد يتكيفان مع المطالب الأمريكية والإسرائيلية دون أي محاولة للرفض.
كما أن أي مبادرات عربية أخرى لن تكون سوى أوراق موجودة في أرشيف التاريخ ليس أكثر، لأن العرب للأسف لم يعودوا جزءًا من معادلة القوى الإقليمية أو الدولية.وكثير من أنظمتهم موجودة فقط لأنها تنفذ الأجندة الأمريكية والإسرائيلية، وأي محاولة للتمرد ستؤدي إلى انهيارها وتفتيت مجتمعاتها الضعيفة أصلًا.
ورغم أن غزة هي جزء من النسيج الفلسطيني لكنهم الأن يريدون نزعها من فلسطين لتتحول إلى "الولاية الأمريكية 51"، وهذا لا يعني غياب النفوذ الأمريكي عن الضفة الغربية، بل سيكون بشكل مؤسساتي لا سيادي. الضفة الغربية أصبحت تُعرف حاليا عالميًا كـ"يهودا والسامرة" وستتمدد إسرائيل على حساب فلسطين التاريخية، لكن دون غزة، التي ستصبح كيانًا منفصلًا تحت السيطرة الأمريكية المباشرة.
ما يحدث اليوم ليس مجرد صراع "فلسطيني-إسرائيلي"، بل إعادة تشكيل للشرق الأوسط الجديد وفق معادلة جديدة، تكون فيه إسرائيل القوة الإقليمية الأبرز، وأمريكا اللاعب المباشر، بينما تتكيف الدول العربية مع هذا الواقع.
أما بالنسبة لتهجير الفلسطينيين من غزة فالكيان الصهيوني لا يرغب في أن يكون تهجير الفلسطينيين من غزة إلى مصر أو الأردن حلًا نهائيًا أو دائمًا، بل تعتبرهما مجرد محطات عبور مؤقتة" ترانزيت " والهدف النهائي هو تشتيت الفلسطينيين وتفريقهم لاحقًا في مختلف دول العالم مع إعطائهم جنسيات هذة الدول ليكونوا "مواطنين لا لاجئين "بحيث يتم قطع صلتهم بوطنهم الأم فلسطين نهائيًا.
فما يحدث في غزة من إبادة وتهجير هو تكرار نموذج الإبادة والتهجير الأرمني الذي قامت به تركيا قبل أكثر من 100 عام، حيث تم تفريق الأرمن في شتى أنحاء العالم، وأصبحوا مواطنين في الدول التي استقروا بها، بينما فقدوا ارتباطهم الفعلي بوطنهم الأصلي وتم القضاء علي وطنهم تماما وهذا ما يريدونه لفلسطين
فإسرائيل لا تستهدف الأرض فقط، بل تستهدف الفكر أيضًا،فالهدف الإسرائيلي لا يقتصر على تهجير الفلسطينيين من غزة جغرافيًا فقط، بل يشمل تفتيت عقولهم في شتي دول العالم فهي لا تريد فقط التخلص من الوجود الفلسطيني علي أرض فلسطين، بل من الفكر الفلسطيني المعادي للوجود اليهودي علي أرض فلسطين التاريخية والرغبة في المقاومة أو الانتقام. وأصبحت إسرائيل تعلم جيدا أن أرض فلسطين لا تتسع لشعبين " الفلسطيني والإسرائيلي "، لذلك قررت إسرائيل تشتيتهم وتوزيعهم علي كل دول العالم ومن خلال توزيع الفلسطينيين على مختلف الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة وأوروبا، تسعى إسرائيل إلى تحييد الأجيال القادمة وإضعاف أي نزعة وطنية قد تهددها مستقبلًا.
المخطط الإسرائيلي لا يتعلق بمجرد إخراج الفلسطينيين من غزة، بل بإعادة هندسة تركيبتهم السكانية والفكرية على مستوى عالمي، بحيث يتحولوا إلى شعوب مشتتة لا تمتلك أي قوة جماعية تمكنها من استعادة حقوقها وعلى رأسها حق " عودة اللاجئين" وحق العودة لفلسطين التاريخية

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


النهار المصرية
منذ ساعة واحدة
- النهار المصرية
أول تحرك أمريكي رسمي لرفع العقوبات عن سوريا
أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية، ترخيصًا عامًا رقم 25 «GL 25» بالتخفيف الفوري للعقوبات على سوريا، والسماح بإجراء المعاملات التي كانت محظورة، وذكرت أن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية «OFAC» التابع للوزارة أصدر الرخصة العامة رقم 25 بشأن سوريا، لتوفير إعفاء فوري من العقوبات، تماشيًا مع إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بشأن وقف جميع العقوبات المفروضة على دمشق. إطلاق استثمارات جديدة وذكرت وكالة «رويترز»، أن الرخصة العامة 25 تُجيز المعاملات التي كانت محظورة بموجب لوائح العقوبات السورية، ما يعني عمليًا رفع العقوبات المفروضة على دمشق، كما تتيح إطلاق استثمارات جديدة ونشاطًا للقطاع الخاص بما يتماشى مع استراتيجية «أمريكا أولًا» التي ينتهجها «ترامب». تفويضات لتشجيع الاستثمارات الجديدة وقال وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت: «كما وعد الرئيس دونالد ترامب، تقوم وزارتا الخزانة والخارجية بتنفيذ تفويضات لتشجيع الاستثمارات الجديدة في سوريا، ويجب على سوريا أيضًا أن تواصل العمل نحو أن تصبح دولة مستقرة تنعم بالسلام، ونأمل أن تضعها خطوات اليوم على طريق مستقبل مشرق ومزدهر ومستقر».


النهار المصرية
منذ ساعة واحدة
- النهار المصرية
أوروبا في مرمى رسوم ترامب الجمركية.. ما الدول والقطاعات الأكثر تضررًا؟
عاود الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" التلويح بفرض رسوم جمركية باهظة على كافة الواردات من الاتحاد الأوروبي، بدعوى عدم إحراز أي تقدم في المفاوضات التجارية مع التكتل، فما هي أبرز القطاعات والدول الأعضاء في التكتل الأكثر عرضة للتهديدات الجديدة؟ التهديد الجديد - أوصى "ترامب" بفرض رسوم بنسبة 50% على كافة الواردات من الاتحاد الأوروبي اعتبارًا من الأول من يونيو القادم، وتخضع الواردات الأوروبية حاليًا لتعريفة موحدة بنسبة 10% بموجب قرار أصدره "ترامب" في أبريل، يقضي بتعليق كافة الرسوم التبادلية التي تتجاوز هذا المستوى لمدة 90 يوماً. الصادرات الأوروبية لأمريكا - تعد الولايات المتحدة أكبر شريك تجاري منفرد للاتحاد الأوروبي، وحسب تقديرات المفوضية الأوروبية، بلغ حجم صادرات التكتل لأمريكا أكثر من 530 مليار يورو (حوالي 601.8 مليار دولار) في عام 2024، أي ما يتجاوز 20% من إجمالي صادرات المنطقة. الأثر الاقتصادي المحتمل - أشارت التقديرات حين أعلن "ترامب" في أبريل عن فرض رسوم 20% على الواردات من أوروبا، إلى احتمال تأثر معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي للتكتل سلباً بمقدار 0.20%، ومع زيادة الرسوم إلى 50%، من المتوقع أن يتفاقم الأثر السلبي على النمو إلى 0.50%، وفقا لـ«أرقام». تباين التداعيات - تعتمد بعض اقتصادات دول الاتحاد الأوروبي، مثل أيرلندا، أكثر من غيرها على التصدير لأمريكا، لذا وإن كان أثر الرسوم الجمركية محدوداً على الناتج المحلي الإجمالي للتكتل كما تشير التقديرات، فقد تصبح بعض البلدان أكثر عرضة للخطر. ضبابية بسبب ترامب - ليس من الواضح بعد ما إذا كان تهديد "ترامب" الأخير سوف يطبق على جميع السلع المستوردة من الاتحاد الأوروبي، أم سيُستثنى منه قطاعات بعينها، مثل صناعة السيارات التي تخضع حالياً لرسوم جمركية بنسبة 25%.


الأسبوع
منذ ساعة واحدة
- الأسبوع
ترامب يشعل فتيل حرب تجارية مع أوروبا تنذر بتداعيات واسعة عالميا
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أ ش أ في خطوة قد تشعل جولة جديدة من حرب تجارية لا تحمد عقباها بين الحليفين التاريخيين وتفتح الباب أمام رد أوروبي بالمثل، صعد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من لهجته تجاه الاتحاد الأوروبي ملوحا برسوم جمركية قاسية على واردات أوروبية وعلى هواتف آيفون غير المصنعة في الولايات المتحدة. وأعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عن نيته فرض رسوم جمركية بنسبة 50% على واردات الاتحاد الأوروبي، و 25% على كل هاتف آيفون الذي يباع في الولايات المتحدة دون أن يصنع داخلها، ابتداء من الأول من يونيو المقبل. وتأثرت الأسواق بشكل فوري بتصريحات ترامب الأخيرة، حيث انخفضت العقود الآجلة لمؤشر S&P 500 بنسبة 1.5%، وهبط مؤشر Eurostoxx 600 الأوروبي بنسبة 2%، كما تراجعت أسهم "آبل" بنسبة 3.5% في تداولات ما قبل السوق. واعتبر ترامب أن أوروبا تمارس معاملة غير عادلة وتستفيد من امتيازات تجارية دون مقابل، مقارنة بمواقف أكثر مرونة من الصين، الخصم الجيوسياسي الرئيسي لواشنطن. تهديدات ترامب جاءت في وقت حساس، حيث لا تزال مفاوضات تجارية قائمة بين واشنطن وعدد من الدول، إلا أن التقدم لا يزال هشا. وصرح المفوض التجاري للاتحاد الأوروبي ماروس سيفكوفيتش بأن التكتل المؤلف من 27 دولة، ملتزم بإبرام صفقة تجارية مع الولايات المتحدة قائمة على "الاحترام" لا على "التهديدات".. مشددا على أن الاتحاد الأوروبي على أهبة الاستعداد للدفاع عن مصالحه. ويرى مراقبون أن التهديدات الأمريكية قد تقابل برد بالمثل، ما ينذر بجولة جديدة من الحرب التجارية بين الحليفين التاريخيين، في وقت تسعى فيه الأسواق إلى الاستقرار والمستثمرون إلى اليقين.