
سيناريو ساعة بساعة.. ماذا يحدث لو داهمتك المجاعة في حجرتك؟
المجاعة ما زالت مستمرة، بل تتفاقم، لكن قبل أن نبحث عن أسباب المجاعة وتبعاتها السياسي ومشكلاتها المرتبطة بالعملية العسكرية في غزة يجب أولا أن نتساءل عما تعنيه المجاعة من الأساس؟
وفي هذه المادة من القسم العلمي بالجزيرة نت، نحاول أن نجيب عن هذا السؤال بأكثر الطرق المباشرة وصراحة، عبر استعراض ما يقوله العلم في تلك النقطة، لكن ما يلي لن يكون مجرد معلومات بحتة، بل سيكتب في صورة سيناريو، نطلب منك عزيزنا القارئ أن تعيش داخله لمدة 15-20 دقيقة فقط، وربما يساعد ذلك على فهم ما يحدث حقا.
وليبدأ السيناريو كالتالي: افترض معنا أنه لسبب ما، حُبست في غرفتك ولم تتمكن أبدا من الخروج، ربما بسبب زلزال لا قدر الله حدث في المنطقة، أنت بخير ولم يحدث شيء لك ولكنك لا تتمكن من الخروج أبدا بسبب كميات هائلة من الخرسانة المسلحة المتراكمة على غرفتك التي حفظها الله ولم تتحطم، ولكن هناك مشكلة حيث لا يوجد حولك إلا وجبة واحدة أخيرة تتكون من بضع قطع الخبز وقطع الفواكه وربما العصير وعليك بعد هذه الوجبة أن تستمر لأيام طويلة بدون طعام حتى تجدك قوات البحث وتخرجك مما أنت فيه من كارثة، ما الذي سيحدث في جسدك خلال تلك الفترة؟ كيف ستشعر وفيما ستفكر؟
في حالة المجاعة المطولة، حيث لا يتوفر الطعام لفترة طويلة، يخضع جسم الإنسان لتغيرات جذرية في محاولة للبقاء على قيد الحياة، تغيرات لا توصف إلا بأنها إستراتيجية ذكية جدا، لكنها قاسية وبائسة وكئيبة جدا، لاحتواء أكبر كارثة يمكن أن يواجهها جسدك، الجوع.
الساعات الأولى: التزود بالطاقة من الوجبة الأخيرة
في الساعات القليلة الأولى بعد تناول آخر وجبة، لا يزال جسمك يعتمد على الطاقة منها، السكر المستخرج من الخبز والفواكه والعصير يدور بين خلاياك لتزويدها بالطاقة.
عادة، يستغرق إفراغ المعدة وانخفاض مستوى السكر في الدم حوالي 6-8 ساعات بعد تناول الطعام، مما يُحفز أولى نوبات الجوع الحقيقية. عند هذه النقطة، يرتفع هرمون الغريلين (الذي يُسمى غالبا "هرمون الجوع")، مرسلا إشارة إلى الدماغ بأن وقت تناول الطعام قد حان، إنها نوبة معتادة ما إن تختبرها حتى تبحث عن وجبتك التالية.
قد تسمع صوت قرقرة معدتك وتشعر بتقلصات الجوع، وقد تشعر بدوار خفيف أو صعوبة في التركيز بمجرد حضور الجوع الشديد، وربما يتدهور مزاجك، أو تغضب وتتوتر، فالجوع قد يجعلنا سريعي الانفعال.
بالنسبة للأطفال، تبدأ آثار الجوع هذه في وقت أبكر. يمتلك الرضع والأطفال الصغار احتياطيات طاقة أقل وعمليات أيض أسرع، لذلك قد يصبحون عصبيين وضعفاء بعد بضع ساعات فقط من عدم تناول الطعام.
في الواقع، يمتلك الرضع مخزونا محدودا من الطاقة المخزنة في صورة سكر في الكبد، مما يجعلهم لا يستطيعون الحفاظ على مستوى سكر الدم الطبيعي إلا لمدة 4 ساعات تقريبا إذا لم يتناولوا الطعام، هذا هو سبب حاجة الأطفال إلى وجبات متكررة.
من 6 إلى 24 ساعة: استغلال الاحتياطيات الأولى
بمجرد أن يستنفد الجسم السكر مباشرة من الوجبة الأخيرة، فإنه يتحول إلى استخدام السكر المخزن للحصول على الطاقة، من أين نحصل على هذا السكر المخزن؟ الإجابة هي الكبد والعضلات، حيث يخزنان السكر (الغلوكوز) على شكل مادة تسمى الغليكوجين، ويصبح هذا مصدر الطاقة التالي.
خلال اليوم الأول من الصيام، يرتفع مستوى هرمون الغلوكاغون في جسمك، فيحث الكبد على تحويل الغليكوجين إلى سكر غلوكوز مرة أخرى. ويمكن لهذا التكتيك عادة تلبية احتياجات الطاقة لدى البالغين الأصحاء لمدة 24 ساعة تقريبا قبل أن ينخفض مخزون الغليكوجين بشكل كبير.
خلال هذه الفترة الزمنية التي تتراوح بين 6 و24 ساعة، تشعر بجوع شديد، ثم بعد ذلك ينحسر فلا يصبح مستمرا، بل يمر بك على شكل موجات.
جسديا، قد تشعر بالارتعاش وانخفاض الطاقة وآلام الجوع في المعدة، ومن الشائع الشعور بقرقرة في المعدة، بل حتى الصداع مع تقدم فترة الصيام المبكرة هذه.
ومع نهاية اليوم الأول الكامل من الصيام، تُستنفد احتياطيات السكر السريعة في الجسم بشكل كبير، وهنا تبدأ مستويات السكر في الدم بالانخفاض بشكل ملحوظ.
والوصول إلى هذه المرحلة لدى الأطفال أكثر خطورة، فالطفل الصغير بعد 24 ساعة من الامتناع عن الطعام، سيعاني من انخفاض حاد في سكر الدم، ولن يملك سوى القليل من الموارد الأخرى التي يعتمد عليها، ومن المرجح أن يُصاب بضعف شديد، أو ارتباك، أو حتى فقدان للوعي إذا لم يُساعد.
أما لدى البالغين، فيمكن لاحتياطيات الجسم الداخلية أن تُخفف من وطأة الـ24 ساعة بشكل أفضل، فمعظم البالغين الأصحاء، رجالا ونساء، يستطيعون الحفاظ على وظائفهم الأساسية خلال اليوم الأول، وإن كان ذلك بصعوبة واضطراب، فقد يشعرون بالبرد حيث يتباطأ التمثيل الغذائي قليلا للحفاظ على الطاقة، وتصبح ممارسة النشاط البدني الشاق صعبة للغاية مع بدء الشعور بالتعب.
ولا يمر ذلك بدون أثر نفسي، حيث تزداد حدة الاستجابات العاطفية، وقد يتحول الانزعاج الخفيف إلى غضب وقلق وحتى اكتئاب كامن في داخلك، ويعود ذلك بشكل كبير إلى تغيرات في كيمياء الدماغ مع انخفاض إمداد الدماغ بالطاقة.
مع تحول الجسم من الغلوكوز إلى الدهون للحصول على الطاقة، يبدأ صفاؤك الذهني بالتراجع، وتشعر بصعوبة في التركيز، ومشاكل في الذاكرة، وكأن هناك ضبابا يحاوط دماغك فلا تفكر بشكل سليم.
اليوم الثاني والثالث: التحول إلى الدهون
بعد حوالي 48 ساعة من الامتناع عن الطعام، يجري جسمك تحولا جذريا في كيفية حصوله على الطاقة، لقد استنفد بحلول هذا الوقت الغلوكوز والغليكوجين، فماذا بقي للجسم؟
هنا ينتقل الجسم إلى ما يسمى "وضع المجاعة"، وهو في الأساس تكيف للبقاء على قيد الحياة، فيبدأ الجسم بحرق مخزون الدهون كوقود أساسي، وهناك منها الكثير في الجسم، في دهون البطن والفخذين والذراعين وتحت الجلد ووصولا إلى العضلات والأجهزة وحتى نخاع العظام.
يحول الكبد الدهون إلى "أجسام كيتونية"، وهي جزيئات صغيرة غنية بالطاقة يمكن استخدامها من قبل العديد من الأعضاء، بما في ذلك الدماغ.
وبحلول اليوم الثالث من الصيام التام، ترتفع نسبة الكيتونات في الدم بشكل حاد، وهنا يبدأ دماغك باستخدام الكيتونات لتلبية جزء كبير من احتياجاته.
في هذه المرحلة يكون جسمك قد بدأ في تفكيك أنسجة العضلات للحصول على أحماض أمينية معينة يمكن تحويلها إلى غلوكوز. لاحظ أن جسمك الآن في حاجة ماسة للطاقة، لكن لم تعد هناك طاقة تدخل من الخارج، فيبدأ في حرق ما هو مخزن في أعضائه، ويبدأ الأمر بالدهون، والآن يتحول الجسم إلى البروتين.
في بداية المجاعة (حوالي اليوم الثاني والثالث)، يحاول الجسم تقليل فقدان العضلات (التي تتكون من بروتين) عن طريق زيادة حرق الدهون، لكن انهيار العضلات أمر لا مفر منه، لأن بعض الأنسجة الحيوية (مثل أجزاء من الدماغ وخلايا الدم الحمراء) لا تزال تحتاج إلى كمية من الغلوكوز لا توفرها الدهون.
ومن ثم فخلال الأيام الخمسة الأولى من الصيام، يمكن أن يظهر أثر الجوع عليك، حيث ينخفض وزنك، ليس بشكل كبير في البداية.
في هذه المرحلة فجسمك لا يزال قادرا على التحمل، إلا أن جسم الطفل الذي يمتلك دهونا أقل بكثير ليعيش عليها، بحلول اليوم الثاني أو الثالث، يصبح نحيلا حقا، وضعيفا للغاية، ومعرضا لخطر فشل الأعضاء، بما في ذلك الدماغ إذا لم تقدم له بعض التغذية.
الأيام 4-7: لا طاقة لإنفاقها
مع تقدم الأسبوع الأول، يتباطأ جسم كل شيء في جسمك، حتى أفكارك تصبح أقل ترتيبا وأبطأ وكأن العالم كله بالنسبة إليك يتحرك ببطء، تكتئب بشكل أكبر، وتنخفض تعبيراتك العاطفية إلى حد أدنى، وتنطوي على ذاتك، إنه فقط جسدك يتكيف مع هذا الظرف القاسي، في محاولة لإطالة عمرك بأي طريقة.
لأن الجسم بالفعل استنفد كل شيء متاح، لم يعد هناك إلا تكتيك واحد، وهو أن يتباطأ الأيض بشكل ملحوظ للحفاظ على الطاقة، يحاول الجسم تقليل معدل حرق السعرات الحرارية، نظرا لعدم دخول سعرات حرارية جديدة.
وإحدى طرق تحقيق ذلك هي تغيير مستويات الهرمونات. فعلى سبيل المثال، غالبا ما تتوقف الدورة الشهرية لدى النساء اللواتي لم يحصلن على طعام كافٍ لفترة من الوقت، وعند الرجال تنخفض مستويات هرمون التستوستيرون، مما يعكس تثبيط الجسم للوظائف غير الأساسية مثل التكاثر وبناء العضلات.
جسديا، تكون عواقب ما يقرب من أسبوع بدون طعام وخيمة، تشعر بضعف وبرد شديدين، يصبح من الصعب القيام بأكثر من الراحة، وفقط السكون جانبا في انتظار أي حل، فالجسم يكون في وضع توفير الطاقة.
ينخفض ضغط الدم نتيجة لانخفاض حجم السوائل، ويتباطأ نبض القلب. وعلى الجانب الآخر، يضعف الجهاز المناعي بشدة في هذه المرحلة، فبدون العناصر الغذائية الأساسية، لا يستطيع الجسم الحفاظ على دفاعاته المناعية الطبيعية. في هذه الحالة، تلتئم الجروح بشكل سيئ، وتصبح عدوى البرد العادية مميتة.
تظهر علامات الجوع الواضحة بحلول نهاية الأسبوع الأول:
يبدو الإنسان هزيلا
تبرز الأضلاع والعظام
تنكمش العضلات نتيجة استهلاك البروتين
ويصبح الجلد رقيقا وجافا، وقد يُصاب الشخص بطفح جلدي متقشر وهي من علامات نقص المغذيات الدقيقة.
ومن المفارقات أن كاحلي الشخص الجائع أو قدميه أو بطنه قد ينتفخان بالسوائل، ويلاحظ هذا بشكل خاص لدى الأطفال الذين يعانون من شكل من أشكال سوء التغذية الحاد، حيث يسبب نقص البروتين تسرب السوائل (يُسمى تاريخيا "كواشيوركور")، ولذلك، قد يُعاني الطفل الجائع من انتفاخ البطن، حتى مع نحافة باقي الجسم.
أما نفسيا، فكل شيء منهار، الدماغ يعاني من انهيار إدراكي، وارتباك شبه كامل، مع فقدان الوعي بالذات، لم يعد الإنسان قادرا على تمييز الآخرين أو الاستجابة للمنبهات الخارجية. في هذه الحالة، قد يعاني البعض من نوبات ذهانية، حيث يتصرف بطرق غريبة وغير منطقية، معتقدين أنهم في واقع مختلف.
أنت الآن في حالة تُهدد حياتك، ستفقد نسبة كبيرة من وزن الجسم. إذ تشير المراجع الطبية إلى أن فقدان أكثر من 10% من وزن الجسم بسبب الجوع أمر خطير ويمكن أن يسبب آثارا جانبية شديدة، ولكن بحلول اليوم السابع، فقد تجاوزت هذه العتبة، بفقدان حوالي 18% من الوزن.
بعد أسبوع واحد: مستويات حرجة
إذا استمرت المجاعة لأكثر من أسبوع، يصبح الوضع أكثر خطورة، استهلك الجسم كل شيء، الآن لم يبق إلا خيار واحد وهو استهلاك أنسجة العضلات والأعضاء كوقود. ببساطة، يبدأ الجسم في "التهام" نفسه للبقاء على قيد الحياة.
يتسارع تحلل الدهون، ويشمل ذلك أهم عضلة على الإطلاق، إنها القلب. يمكن أن تضعف عضلة القلب نفسها نتيجة لاستنزاف البروتين من جميع أنحاء الجسم، كما تتفاقم اختلالات توازن الإلكتروليتات، مثل البوتاسيوم والمغنيسيوم والفوسفات، والتي تعد أساسية لوظائف القلب والعضلات، وتتعطل بسبب عدم كفاية تناولها وتدهور الأنسجة المستمر.
في الواقع، غالبا يكون السبب الرئيسي للوفاة في حالات الجوع هو السكتة القلبية، والتي غالبا ما تحدث بسبب عدم انتظام ضربات القلب الناجم عن اضطرابات الإلكتروليتات وتدهور أنسجة القلب.
إلى جانب ذلك، يعد فشل الأعضاء بأشكال أخرى من المخاطر، فقد يصاب الكبد بتغيرات دهنية حادة تؤدي إلى فشله، وقد تفشل الكلى (خاصة في حالة الجفاف)، ويفقد الجهاز الهضمي قدرته على امتصاص العناصر الغذائية بشكل صحيح، ويضعف جدار الأمعاء وتموت خلاياه.
حاليا، الجهاز المناعي في حالة من الفوضى، ومن المرجح أن تكون العدوى حتى العدوى البكتيرية البسيطة أو الفيروسات قاتلة لأن الجسم لا يملك الموارد اللازمة لمكافحتها.
من الناحية العصبية، فالفوضى مستمرة، يصاب الإنسان بالارتباك أو النوبات الاختلاجية أو الغيبوبة، ويكون فاترا وغير مستجيب لأي شيء، وفي الروايات التاريخية عن المجاعات أو الإضرابات عن الطعام في السجون، غالبا ما يرقد الأشخاص الجائعون في المرحلة النهائية بلا حراك تقريبا، مع تنفس ضحل ونبض بطيء وخافت.
بدون تدخل طبي، الموت حتمي في هذه المرحلة، والسؤال عن "كم من الوقت يمكن للإنسان أن يعيش في هذه الحالة؟" فالإنسان في هذه الحالة يكون بانتظار الموت.
يختلف الأمر من شخص لآخر، ولكن مع الحفاظ على تناول الماء، لا يستطيع معظم البشر البقاء على قيد الحياة لأكثر من شهر إلى شهرين بدون طعام، وفي حالات الإضراب عن الطعام الموثقة، تحدث الوفاة عادة بين 45 و61 يوما من الجوع التام، هذا بالنسبة لك كشخص بالغ، لكن غالبا ما يكون الأطفال هم أول من يستسلم، ربما خلال الأسبوع الأول.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 35 دقائق
- الجزيرة
حوامل مجوعات وأجنة مهددة.. كارثة إنسانية تضرب النساء وأجنتهن في غزة
في خضم كارثة إنسانية غير مسبوقة، تتفاقم معاناة الحوامل في قطاع غزة تحت وطأة الجوع والخوف وانهيار النظام الصحي، حيث تجد الأمهات أنفسهن في مواجهة مصير قاتم يفتقر إلى أبسط مقومات الرعاية والنجاة. وما يزيد فظاعة هذا الواقع أن المأساة لا تقتصر على الأمهات فقط، بل تمتد لتغتال بصمت جيلا كاملا قبل أن يولد، إذ تتعرض الأجنة والرضع لخطر الموت البطيء نتيجة سوء التغذية وانعدام الرعاية الصحية. وقال صندوق الأمم المتحدة للسكان، عبر منصة "إكس"، إن الحوامل في غزة "يتضورن جوعا، ويعشن في خوف دائم، ويجبرن على الولادة في ظروف غير إنسانية". وأشار إلى أن حالة حمل واحدة من كل 3 تصنف على أنها عالية الخطورة، في حين يولد طفل من كل 5 أطفال إما مبكرا أو ناقص الوزن، بينما 40% من الحوامل والمرضعات يعانين من سوء تغذية حاد. وأكد الصندوق أن هذه ليست مجرد أزمة صحية، بل "حكم بالموت" يتهدد حياة الأمهات وأجنتهن في ظل عجز المجتمع الدولي عن وقف الانهيار الإنساني في القطاع. وقد أثارت هذه الإحصائيات موجة من الغضب والاستياء الواسع على منصات التواصل الاجتماعي، حيث عبر الناشطون عن صدمتهم من حجم المأساة التي تعيشها النساء والأطفال في غزة منذ أكثر من 22 شهرا، وسط صمت دولي مطبق ومجاعة إسرائيلية ممنهجة. ووصف عدد من الناشطين الوضع بأنه "مجزرة صامتة" وسط تجاهل دولي مستمر، مشيرين إلى أن ما يجري يتجاوز المجاعة ليصل إلى جريمة مكتملة الأركان بحق مستقبل جيل بأكمله. بدوره، قال المدير العام لوزارة الصحة في قطاع غزة، الدكتور منير البرش، إن 180 روحا أزهقها الجوع حتى الآن، بينهم 93 طفلا. وأضاف عبر منصة إكس: "في آخر 24 ساعة فقط، ارتقى 5 شهداء جدد بسبب سوء التغذية"، مشددا على أن ما يحدث في غزة ليس قدرا طبيعيا، بل جريمة ممنهجة يرتكبها الحصار وتباركها قسوة الصمت الدولي. وتساءل البرش: "هل تتخيل أن يموت طفل لا لشيء سوى لأنه لم يجد ما يأكله؟". وأكد أن كل طفل مات جوعا كان يمكن إنقاذه بعلبة حليب، وكل روح أزهقت كانت تنتظر لقمة، وجرعة دواء، ونظرة رحمة، معتبرا أن المجاعة في غزة "ليست كارثة طبيعية بل جريمة حرب مكتملة الأركان". ونشر البرش صورا لطفلين من شمال مدينة غزة، عدي ومحمد مهرة، يصارعان سوء تغذية حادا بعدما أصبح الغذاء حلما، والحليب ترفا، والمستقبل خطرا. وأشار مغردون إلى أن آلاف الأطفال في غزة لم يتناولوا منذ أشهر كأس حليب واحدة، ولا قطعة جبن، ولا أي نوع من الحلوى أو السكريات، مؤكدين أن كل عناصر الغذاء الضرورية لنموهم الجسدي والعقلي غائبة تماما. وأكدوا أن أجساد الأطفال تتآكل بصمت، وأن مظاهر سوء التغذية الحاد أصبحت واضحة، من توقف النمو، وهشاشة العظام، وضمور العضلات، إلى نقص الفيتامينات، وضعف الدم، والتراجع الحاد في البنية الجسدية، في مشهد يلخص قسوة المجاعة التي يعيشها القطاع. وكتب أحد الناشطين: "هذه ليست مشاهد من مجاعة العصور الوسطى، بل من غزة اليوم.. حيث الاحتلال لا يقتل فقط بالقنابل، بل أيضا بالتجويع المنهجي". وفي شهادة مؤلمة، روت إحدى الأمهات تجربتها مع الحصار قائلة إن "ابني في هدنة قصيرة نما له 4 أسنان، كنت لا أبخل عليه بأي شيء حتى في زمن الغلاء، فظهر نموه طبيعيا. لكن اليوم، منذ أكثر من سنة و3 أشهر، ولم يخرج له أي سن، لأنه لا يأكل سوى العدس والمعكرونة وخبز الدقة!". إعلان وتداول الناشطون رسائل حزينة عن معاناة الحوامل، مؤكدين أنهن لا يحملن في بطونهن أطفالا فقط، بل الخوف، والجوع، والإرهاق، والخذلان. وأوضحوا أن المرأة تدخل غرفة الولادة بجسد منهك وتخرج بطفل هزيل بالكاد يلتقط أنفاسه الأولى، وسط حصار خانق، وانعدام الغذاء، ونقص الدواء، وتفشي الأمراض. وأشار الناشطون إلى أن الحوامل يواجهن خطر المجاعة وسوء التغذية، وأن واحدة من كل 3 حالات حمل تعد عالية الخطورة، وباتت كثيرات منهن يتمنين الموت هربا من الجوع الذي لا يرحم، في ظل غياب كامل للرعاية الصحية والغذاء الأساسي. وتساءل مدونون بمرارة: "ماذا فعلتم بأطفال غزة؟ كيف ينام العالم والأطفال يصارعون الجوع، وأم تتوسل لقمة لجنين لم يولد بعد، وأب مبتور يراقب أطفاله يذبلون أمامه؟". في السياق ذاته، حذر المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة من أن هناك أكثر من 40 ألف طفل رضيع لم يكملوا عامهم الأول معرضون للموت البطيء بسبب الحصار الذي تفرضه قوات الاحتلال الإسرائيلي على القطاع ومنعها إدخال حليب الأطفال. ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 تشن إسرائيل بدعم أميركي حرب إبادة جماعية في غزة تشمل القتل والتجويع والتدمير والتهجير القسري، متجاهلة النداءات الدولية كافة وأوامر لمحكمة العدل الدولية بوقفها.


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
أطباء بلا حدود: الأطفال في غزة يتعفنون والوضع الصحي منهار تماما
قالت منسقة البرامج في منظمة " أطباء لا حدود" في قطاع غزة ، كارولين ويليمن، إن النظام الصحي بالقطاع يشهد انهيارا كاملا، وإن انتشار متلازمة غيلان باريه (الشلل الرخوي) سيضاف إلى سلسلة أمراض أخرى انتشرت بسبب تلوث المياه وتدمير البنية التحتية ونقص مناعة الأطفال الناجم عن سوء التغذية. وأضافت في مقابلة مع الجزيرة أن بعض الجروح البالغة تتعفن بسبب ضعف المناعة الناجم عن الظروف المزرية التي يعيشها الأطفال بسبب الحرب، لافتة إلى أن هذه الأمراض لم تعد موجودة في العالم. ويفرض انتشار هذا المرض الجديد تحديات أخرى على القطاع الصحي في غزة حيث تركز المستشفيات على الأطفال دون سن الخامسة والتي يعاني 35% منهم آثارا عميقة وأمراضا متنوعة يصعب علاجها بسبب تراكمها مع الجروح والأمراض الجلدية. ويعاني القطاع منذ مايو/أيار الماضي بسبب تزايد أعداد المصابين الذين لا يأكلون بما يكفي مما يفاقم أزمة نقص المناعة وعدم القدرة على مواجهة الأمراض. وفي وقت سابق اليوم، أعلنت وزارة الصحة في غزة وفاة 3 أطفال بسبب متلازمة غيلان باريه، وحذرت من تصاعد خطير في الإصابات بهذا المرض الناجم عن التهابات غير نمطية. وكشفت الفحوصات وجود فيروسات معوية غير شلل الأطفال، وهذا يهدد بانتشار الأمراض المعدية على نحو لا تمكن السيطرة عليه.


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
من الاستعمار والصراعات القبلية إلى غزّة.. تاريخ التجويع كسلاح حرب
في قلب المجاعة التي تطبق على غزة، لم تعد الصور القادمة من هناك مجرد لقطات إخبارية، بل باتت وثائق دامغة لتاريخ إنساني يتشكل تحت أنقاض الحصار والحرب. أطفال نحيلون حتى التلاشي، وجوههم ذابلة، أضلاعهم بارزة، وعيونهم تسأل عن شيء من الحياة. منذ شهور، كانت المؤشرات واضحة. طعام شحيح، قوافل الإغاثة تقصف، طوابير طويلة بانتظار وجبة لا تكفي، وتحذيرات دولية متكررة من مجاعة وشيكة. واليوم، يحذر التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي من أن غزة تشهد "أسوأ سيناريو للمجاعة"، إذ يعاني عشرات الآلاف من الأطفال من سوء تغذية حاد يهدد حياتهم. ويواجه نحو 500 ألف شخص خطر المجاعة في وقت تستمر فيه إسرائيل في منع دخول المساعدات الغذائية والحيوية إلى القطاع. إسرائيل، في هذا السياق، ترتكب جريمة نادرة من نوعها في القرن الـ21، الذي شهد عددا من المجاعات أغلبها إثر صراعات عسكرية. لا تحتاج إلى إعلان رسمي في الثلاثاء، 29 يوليو/تموز الماضي، حذّرت منصة التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي من أن "أسوأ سيناريو للمجاعة يحدث حاليا في غزة"، مرجحة وفيات واسعة النطاق في حال عدم التحرك لاتخاذ إجراءات فورية. وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى وجود 10 آلاف حالة سوء تغذية حاد لدى الأطفال منذ يناير/كانون الثاني 2025، بما في ذلك 1600 تتطلب رعاية فورية. ورغم ورود تقارير عن عشرات الوفيات المرتبطة بالجوع منذ ما يقرب من عامين من الحرب والحصار الإسرائيلي على القطاع، لم تعلن المجاعة رسميا. المنصة قالت إن غزة على شفا مجاعة، وتم بلوغ حدين من 3 حدود، و"لا يمكن إثبات المعيار الثالث للمجاعة، وهو الوفيات الناجمة عن سوء التغذية". لكن أليكس دي وال، مؤلف كتاب "المجاعة الجماعية" والمدير التنفيذي لمؤسسة السلام العالمي، أكد لوكالة "أسوشيتد برس"، أن ما يحدث في غزة مجاعة. وقال إننا لا نحتاج إلى إعلان رسمي لمعرفة ما نراه في غزة، "يمكننا تفسير أعراض غزة كما يستطيع الطبيب تشخيص حالة المريض بناء على أعراض ظاهرة من دون إرسال عينات إلى المختبر وانتظار النتائج". وربما تكون غزة قد دخلت حدود المجاعة بالفعل، لكن نقص البيانات الدقيقة حول سوء التغذية الحاد والوفيات المرتبطة به نتيجة انهيار الأنظمة الصحية، حال دون الإعلان الرسمي عن المجاعة. مدير الطوارئ في برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، روس سميث، قال "هذه كارثة تتكشف أمام أعيننا، وأمام شاشات التلفزيون لدينا. هذا لا يشبه أي شيء شهدناه في هذا القرن". الهيريرو والناما.. التجويع من أجل الإبادة أدى الحصار العسكري الشامل الذي تفرضه إسرائيل غزة منذ أوائل مارس/آذار الماضي، إلى إدانات واسعة النطاق لإسرائيل، حتى إن منسق الإغاثة في حالات الطوارئ التابع للأمم المتحدة، توم فليتشر، وصف ذلك بـ"الحصار الوحشي"، وقال إن قرار وقف المساعدات الإنسانية "عقاب جماعي قاسٍ". وتكشف مجلة العدالة الجنائية والدولية التابعة لأكاديمية أكسفورد، عن استخدام التجويع كسلاح حرب وعلاقته بالإستراتيجية السياسية والعسكرية. "ماذا يريد الجناة من خلال التجويع؟".. في غزة -كما العديد من المجاعات التي فرضها حصار عسكري- يحاول الجناة من خلال التجويع فرض عقاب جماعي، أو السيطرة على الشعوب وكسر إرادتها أو تهجيرها من أراضيها. لكن الهدف الأول للجناة من خلال التجويع، هو القتل الجماعي. ومع ذلك، لا يشترط أن يموت شعب كامل جوعا لكي يعتبر التجويع إبادة جماعية، ولكن يجب إثبات أن الجاني كان يهدف عمدا إلى القضاء على جزء كبير من السكان. من الأمثلة القليلة، لاستخدام التجويع من أجل الإبادة، مقتل عشرات الآلاف من قبائل الهيريرو والناما في بداية القرن الـ20. وكانت ناميبيا -الواقعة جنوب غرب أفريقيا- تحت حكم ألمانيا الاستعمارية آنذاك. وخلال تلك الفترة، قامت قبائل هيريرو وناما بالثورة ضد الألمان. وبعد قمع التمرد، أجبرت القوات الألمانية، أفراد القبائل على التوجه نحو صحراء كالاهاري القاحلة، إذ أغلقت جميع مصادر المياه في وجههم، وهذا تسبب في موتهم عطشا وجوعا. أما الذين حاولوا الفرار أو النجاة، فتعرضوا لإطلاق النار عليهم ومن بينهم نساء وأطفال. حصار لينينغراد ومن أخطر نماذج التجويع القسري ما حدث خلال الحرب العالمية الثانية، حين حاصرت قوات ألمانيا مدينة لينينغراد، سانت بطرسبرغ حاليا، بين عامي 1941 و1944، في محاولة لعزلها بالكامل عن بقية الاتحاد السوفياتي من دون الحاجة لاحتلالها عسكريا. الحصار استمر لأكثر من 800 يوما، مخلفا نحو مليون قتيل. وخلال تلك الفترة، انقطعت كل طرق الإمداد عن المدينة، باستثناء ممر عبر بحيرة متجمدة يسمى "طريق الحياة"، الذي كثيرا ما كان يتعرض للقصف. وعانى سكان المدينة من جوع شديد بسبب نقص الغذاء وفي شتاء 1941-1942، وازدادت المعاناة بسبب البرد القارس، إذ وصلت درجات الحرارة إلى 38 تحت الصفر، وتوفي كثير من الناس من البرد والجوع. الصومال والسودان ولم يعلن التصنيف المرحلي المتكامل عن مجاعة رسميا إلا نادرا، لأنها تستند إلى معايير صارمة، تشمل نسبة السكان الذين يواجهون نقصا حادا في الغذاء، ومعدلات سوء التغذية الحاد، ومعدل الوفيات اليومي. لكنه أعلن عن مجاعة في الصومال عام 2011، وجنوب السودان عامي 2017 و2020، وأجزاء من إقليم دارفور غرب السودان العام الماضي. وفي عام 2010، ضرب الجفاف منطقة القرن الأفريقي، لكن المجاعة في الصومال لم تحدث فقط بسبب الجفاف، بل ارتبطت أيضا بصراع عسكري بين الحكومة الصومالية وحركة الشباب المسيطرة على الجنوب. ومنعت حركة الشباب دخول المساعدات الإنسانية إلى المناطق التي تسيطر عليها، وأصرت على أن توزعها بنفسها، ما أدى إلى تأخير وصول الغذاء إلى المحتاجين، وتفاقم الأزمة، ليصل عدد الوفيات إلى نحو 260 ألف شخص. وفي السودان، أدت الحرب الأهلية المستمرة منذ سنوات إلى إعلان المجاعة رسميا في الجنوب عام 2017 تأثر بها 100 ألف شخص. وساهمت الحرب في تدمير الزراعة وعدم القدرة على شراء الطعام ونزوح الملايين. وفي 2020 تعرضت مناطق في ولاية جونقلي لفيضانات وعنف متزايد بسبب الحرب؛ وهذا زاد من معاناة السكان وأدى إلى تفاقم المجاعة. أما في إقليم دارفور عام 2024، فتفاقمت المجاعة نتيجة الصراع المستمر بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، ما أدى إلى مقتل عشرات الآلاف ونزوح الملايين. وفي أغسطس/آب، أعلنت الأمم المتحدة تفشي المجاعة في عدد من المخيمات وقدرت الأمم المتحدة أن أكثر من 1.7 مليون نازح في شمال دارفور يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد والجوع.