logo
من سفر القضاة إلى جنوب غزة: فصل جديد من التهجير والتطهير

من سفر القضاة إلى جنوب غزة: فصل جديد من التهجير والتطهير

النهار نيوزمنذ 7 ساعات

(عربات / مركبات جِدعون) وبالعبرية (ميركافوت جِدعون) هذا هو اسم العملية الإسرائيلية العسكرية الكبيرة القائمة حالياً في غزة. وما استوقفني لأن أتحدث هذا اليوم حول هذه العملية هو دلالة هذا الاسم، وما يرمي إليه الكيان الصهيوني من وراء هذه العملية، وإسقاطاتُها الخطيرة جداً.(جِدعون) اسم أحد القضاة (الأمراء أو الأسباط) الذين قادوا بني إسرائيل من بعد النبيين موسى ويوشع بن نون (ع). وجِدعون يعني البطل (الكَدع)، وهو من أحفاد النبي يوسف (ع). ونجد قصته بدء من الإصحاح 6 من سِفر القضاة (الأسباط) حيث يذكر تخلّي الله تعالى عن نصرة بني إسرائيل بسبب انحرافاتهم وتمرّدهم إلى حدّ الشرك: (فَدَفَعَهُمُ الرَّبُّ لِيَدِ مِدْيَانَ سَبْعَ سِنِينَ) مما اضطرّ بني إسرائيل إلى اللجوء للكهوف والحصون لحماية أنفسهم، كما أن أهل مدين -راكبي الإبل- وغيرهم آذوا بني إسرائيل اقتصادياً: (وَيُتْلِفُونَ غَلَّةَ الأَرْضِ إِلَى مَجِيئِكَ إِلَى غَزَّةَ، وَلاَ يَتْرُكُونَ لإِسْرَائِيلَ قُوتَ الْحَيَاةِ، وَلاَ غَنَمًا وَلاَ بَقَرًا وَلاَ حَمِيرًا).نتيجة ذلك، كان أن عاد بنو إسرائيل إلى رُشدِهم، ولجأوا إلى الله: (فَذَلَّ إِسْرَائِيلُ جِدًّا مِنْ قِبَلِ الْمِدْيَانِيِّينَ. وَصَرَخَ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى الرَّبِّ). فأرسل إليهم جِدعون قائداً ومخلّصاً، فجمع جِدعون 32 ألف مقاتل، ولكن في المرحلة الأولى رجع منهم 22 ألفاً بسبب جُبنهم، ثم تمردت الغالبية المتبقية على أوامره، ولم يبق معه سوى 300 مقاتل، ووقعت المعركة مع المديانيين، وانتصر بنو إسرائيل، وأجلوهم من أرض كنعان بأكملهم، ولاحقوهم في الأردن، وقتلوا قادَتهم الأربعة، لينتهي المشهد كالتالي: (وَذَلَّ مِدْيَانُ أَمَامَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ يَعُودُوا يَرْفَعُونَ رُؤُوسَهُمْ. وَاسْتَرَاحَتِ الأَرْضُ أَرْبَعِينَ سَنَةً فِي أَيَّامِ جِدْعُونَ).• إسقاطات الأحداث التاريخية: في بدايات العدوان الصهيوني على غزة بعد طوفان الأقصى، قُدِّم النتنياهو على أنه يوشع بن نون العصر، النبي القائد الفاتح، الذي حقّق الانتصارات على خصومه. ثم وظَّف نبوءة أشعياء ليوهِم الناس أن جيش الكيان يمثّل جيش النور، بينما المقاومة الفلسطينية تمثّل جيش الظلام، وأن جيش النور سينتصر في نهاية المطاف. إلا أن فشل جيش الكيان في تحقيق أهدافِه المعلَنة إلى حين الهدنة الأخيرة جعله يبحث عن قصص تاريخية وشخصيات دينية بديلة، ووجد مبتغاه في قصة جِدعون والمديانيين.بالطبع، هذه ليست المرة الأولى التي يقوم فيها الصهاينة بتوظيف هذه الشخصية وهذه القصة لصالحهم، فقد أطلقوا اسم (عملية جِدعون) على عملية إرهابية كبيرة قامت بها عصابات (الهاغاناه) قبيل انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين سنة 1948، وفي تلك العملية، تم احتلال مدينة بيسان والقرى والمخيمات البدوية المحيطة بها، وقَتْل وتهجير أهلِها بالكامل. وبذا، يقدِّم النتنياهو نفسه اليوم -من خلال عملية ميركافوت جِدعون- على أنه -جِدعون العصر- الذي أرسله الله مخلِّصاً بني إسرائيل من مديانيي العصر، الفلسطينيين، وذلك بالقضاء على قادة المقاومة، وإجلاء الناس من أرض كنعان، من فلسطين، إلى الأردن، أو إلى غيرها من البلاد، ومِن بعدها سيستريح (الكيان) أربعين سنة!وهو في نفس هذا الوقت، يُرسل رسائل إلى القوى المعارِضة له في الداخل الإسرائيلي، ومَن يطالبونه بإيقاف الحرب واستعادة الأسرى، بأنهم يمثلون فئة الجبناء الذين تخلّوا عن جِدعون، ولكنه مع ذلك حقَّق النصر على عدوّه، دون الحاجة إليهم.هذه هي دلالة التسمية، وهذه هي الخطة التي بدأت من بعد إنهاء الهدنة الأخيرة، وذلك بإقامة منطقة عازلة في جنوب غزة، وبمساحة تُقدَّر بخُمس القطاع، حيث تم تدمير كل شيء في هذه المنطقة، وتسويتها بالأرض، والخطوة الثانية هي دفع المتواجدين خارج هذه المنطقة للتوجه نحوها، وذلك من خلال القصف الوحشي، وتدمير ما تبقى من مستشفيات، ومراكز إيواء، ومباني، بالإضافة إلى سياسة التجويع، ومن ثم حصر توزيع الحصص الغذائية بطريقة أمنية في المنطقة العازلة ولمن يتجاوب مع سياسة التهجير التي يسمّونها زوراً وبهتاناً بسياسة (الهجرة الطوعية).وهكذا، تبدأ عملية التهجير -لمليون فلسطيني من أهل غزة في المرحلة الأولى- انطلاقاً من هذه المنطقة العازلة، يعقبها تصفية المقاومة بتدمير ما تبقى من أنفاقها وقدراتها.• الخلاصة: إنّ مَن يُدرك البُعدَين التاريخيَّ والدينيَّ لما سُمِّي بعملية (عربات جدعون) التي أطلقها الكيان الصهيوني مؤخراً، يُدرك أنها ليست مجرد عملية عسكرية، بل هي مشروع سياسي- أمني- ديموغرافي، هدفُه الأساس: إخلاءُ غزةَ مِن أهلها، وإعادةُ السيطرة عليها، والقضاءُ على مقاومةِ الاحتلال فيها، ضمن ما يُطلق عليه زوراً عنوان (الهجرة الطوعية) والتي هي في حقيقتها تهجيرٌ قسريٌّ لأبناءِ الأرض، وتطهيرٌ عِرقي، وجريمةٌ بشعةٌ بحقِّ الإنسانية، بكل ما للكلمة مِن معنىً ودلالة قانونية، كل ذلك من
خلال توظيفِ أبشعِ وسائلِ الإبادةِ الجماعية، قصفاً وحرقاً وقتلاً وتجويعاً. إنّ خطورةَ هذه الجريمةِ الكبرى لا تَكمن فقط في تداعياتها الإنسانية والديموغرافية فحسب، بل في كونها تعيد إنتاجَ مفهومِ (الشرعيةِ) و(الجريمةِ) و(الاحتلالِ) أمامَ مرأى ومسمعِ العالَمِ، مما يشكّل تحدياً صارخاً للقانون الدولي، ولمبادئ العدالة، وللضمير الإنساني... فهل مِن مجيب؟
*الشيخ علي حسن غلوم - مسجد سيد هاشم بهبهاني - الكويت

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

ملتقى مشائخ ووجهاء اليمن يعزّي بوفاة الشيخ ناجي بن جعمان
ملتقى مشائخ ووجهاء اليمن يعزّي بوفاة الشيخ ناجي بن جعمان

يمرس

timeمنذ 31 دقائق

  • يمرس

ملتقى مشائخ ووجهاء اليمن يعزّي بوفاة الشيخ ناجي بن جعمان

وأشاد الملتقى بمناقب الفقيد، مؤكدًا أنه كان من الشخصيات البارزة التي عُرفت بالحكمة وسداد الرأي، وترك بصمات مشهودة في ميادين الإصلاح وحل النزاعات، والعمل من أجل وحدة الصف وتماسك النسيج الاجتماعي. وعبّر الملتقى عن خالص تعازيه ومواساته لأبناء الفقيد وآل جعمان كافة، سائلًا الله أن يتغمده بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته، وأن يُلهم أهله وذويه الصبر والسلوان.

نافذة - قراءة لزيارة ترامب.. "العجمي": السعودية في قلب التوازن العالمي
نافذة - قراءة لزيارة ترامب.. "العجمي": السعودية في قلب التوازن العالمي

نافذة على العالم

timeمنذ 2 ساعات

  • نافذة على العالم

نافذة - قراءة لزيارة ترامب.. "العجمي": السعودية في قلب التوازن العالمي

الجمعة 23 مايو 2025 11:30 مساءً قال الدكتور فهيد بن سالم العجمي، عضو هيئة الصحفيين السعوديين أستاذ الإعلام الرقمي، إن زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التي شملت المملكة العربية السعودية ودولة قطر ودولة الإمارات، لم تكن مجرد تحرُّك دبلوماسي، بل محطة فاصلة في مسار التحولات العالمية. وأشار إلى أنه من الخطأ تحليلها من زاوية العلاقات الثنائية، أو من منظور إقليمي ضيق؛ فالحقيقة أنها تُمثل نقطة ارتكاز في إعادة تشكيل النظام الدولي ومفهوم القيادة العالمية. وقال: "في هذا السياق برز سمو ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله-، كقائد استثنائي يتعامل مع المتغيرات الدولية بمنطق الدولة الراشدة، ورؤية العالم متعدد الأقطاب. ولم تكن مواقف سموه ردود أفعال وقتية، بل رسائل استراتيجية مدروسة، تستند إلى ثوابت السعودية في احترام السيادة، وتحقيق المصالح الوطنية دون أن تكون على حساب أحد". وأضاف: "لقد أكدت السعودية من خلال هذه المرحلة، بقيادة سمو ولي العهد، أنها باتت مقرًّا للأمن والاستقرار العالمي، لا مجرد طرف إقليمي. رسالة الرياض كانت واضحة: نحن لسنا ساحة صراع، بل مركز قرار، ولسنا طامحين في التوسع، بل عاملين على جمع الشمل العربي والإسلامي، وتقديم حلول سياسية وإنسانية وتنموية، تحفظ الكرامة، وتُعلي السيادة". وأشار إلى أن من أبرز ما حملته هذه المرحلة أن سمو ولي العهد نجح في وضع حد لمحاولات التأثير الخارجي على القرار الإقليمي، وخصوصًا الضغوط الإسرائيلية التي كانت تمارَس عبر واشنطن بشأن ملفات المنطقة.. مضيفًا: "السعودية، بقيادة سموه، أثبتت أنها صاحبة قرار مستقل، تُعبر عن مصالحها بثبات، دون أن تُفرض عليها إملاءات، أو تُستدرج إلى مواقف لا تمثل قناعاتها أو ثوابتها". وتابع: "الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- ليس مجرد قائد وطني، بل قائد لقطار السلام في المنطقة والعالم. رؤيته تتجاوز الجغرافيا؛ لتبني واقعًا عربيًّا جديدًا، عادلاً، ومستقلاً، محترمًا عالميًّا. وفي هذا المشهد تتجلى القيادة السعودية كصوت عاقل وحازم، يوازن بين الانفتاح والثوابت، ويعيد رسم مكانة العرب ضمن خريطة التأثير العالمي".

عاجل.. باستخدام الديناميت.. الجماعات المتطرفة بليبيا تفجر ضريح سيدى بوكر
عاجل.. باستخدام الديناميت.. الجماعات المتطرفة بليبيا تفجر ضريح سيدى بوكر

الدستور

timeمنذ 2 ساعات

  • الدستور

عاجل.. باستخدام الديناميت.. الجماعات المتطرفة بليبيا تفجر ضريح سيدى بوكر

أعلنت الطرق الصوفية بدولة ليبيا، الجمعة، استنكارها الشديد لتفجير ضريحين فى منطقة تاجورا الليبية، كانو يزورهم المواطنين هناك، وهم ضريح الشيخ سيدى بوكر وضريح سيدى القمودى، حيث تم تفجير الضريحين فى الليل حتى لايراهم أحد من أتباع الطرق الصوفية. وقالت الطرق الصوفية بليبيا، إن الجماعات الجهادية السلفية المتطرفة هى من قامت بتفجير الضريحين، اعتقادًا منهم أن الناس يعبدون هذه الأضرحة من دون الله، حيث تم تفجير الضريحين وقت ظلام الليل الدامس، وذلك بإستخدام الديناميت، حيث أستيقظ المواطنين على أصوات تفجيرات فوجدوا أنه تم تفجير ضريح سيدى بوكر بعد تفجير ضريح سيدى القمودى أحد آولياء الله الصالحين. وكشفت الطرق الصوفية بليبيا على لسان الشيخ محمد الشاذلى تخوفها من قيام الجماعات المتطرفة بتفجير أضرحة أخرى مستغلة الوضع الأمنى المتردى فى الشارع الليبيى حاليا، مطالبًا الأجهزة الأمنية الليبية بحماية المقامات والأضرحة التى يزورها الناس منذ قديم الأذل لأنها تحوى عدد كبير من الآولياء والصالحين وشيوخ التصوف. فى سياق متصل، قال الشيخ علاء أبوالعزائم رئيس الاتحاد العالمى للصوفية: 'إننا حذرنا مرارًا وتكرارًا من خطر الجماعات السلفية المتطرفة والإخوان المسلمون سواء فى مصرأو ليبيا وقولنا يجب علينا أخذ الحيطة والحذر من هؤلاء المتشددين الذين يسعون لنشر أفكارهم المتطرفة بين الناس، فهم يعتقدون أن الناس تعبد الأضرحة من دون الله وهذا لايحدث بالطبع ولكن شيوخهم وأساتذتهم قالوا لهم ذلك، وهذا أمر فى غاية الخطورة ويجب على علماء الدين التصدى لأفكار هؤلاء". وأضاف "أبوالعزائم " فى تصريحات لـ"الدستور": 'الوضع فى ليبيا صعب جدًا، حيث أنه بعد سقوط الرئيس الليبى معمر القذافى نجحت السلفية الجهادية والتيارات المتطرفة من السيطرة على مناطق هناك وأول شىء قاموا به هو منع المواطنين من زيارة الأضرحة والمقامات ثم قاموا بعد ذلك بتفجير معظم الأضرحة مستغلين ضعف الدولة وغياب القانون والأمن'.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store