
من السجن إلى رفض جائزة الدولة… سيرة الأديب المتمرّد صنع الله إبراهيم
توفّي اليوم الأديب المصري صنع الله إبراهيم عن عمر 88 عاماً، بعد إصابته بالتهاب رئوي.
وكان الراحل قد أمضى مدة في المستشفى في منتصف عام 2025 إثر نزيف داخلي وكسور في الحوض.
ويُعتبر صنع الله إبراهيم من أهم الأدباء العرب المعاصرين، حيث شكّلت تجربته الروائية الممتدة لأكثر من خمسة عقود، مشروعاً روائياً فريداً قائماً على التجريب من جهة والالتزام السياسي الواضح من جهة أخرى.
'مؤرّخ اللحظة'
يقول المفكّر الفرنسي ألبير كامو إن 'الصحفي هو مؤرخ اللحظة'.
ويمكن القول إن صنع الله إبراهيم الذي بدأ مسيرته المهنية كصحفي في وكالات للأنباء (وكالة أنباء الشرق الأوسط ثم وكالة الأنباء الألمانية في ألمانيا الشرقية)، ظلّ وفيّاً طيلة رحلته الأدبية للصحفي الذي كانه.
إذ إن أعماله الروائية تتميّز ببعدها التوثيقي لمراحل مفصلية في التاريخ المصري المعاصر، حتى أن بعض رواياته تضمنت أجزاء مستقلّة من قصاصات صحفية وإعلانات تأخذ القارئ إلى يوميات الحقبة التاريخية التي تجري فيها أحداث الرواية.
لذلك ظلّت أعمال إبراهيم تحمل بصمة 'الصحفي المؤرخ'، حيث تتداخل السرديات الشخصية مع المراجع الواقعية، ما يجعل من رواياته أرشيفاً حيّاً للّحظة التاريخية، وشهادة على زمنها لا تقلّ أهمية عن التأريخ الرسمي.
'السجن جامعتي'
وُلد صنع الله إبراهيم في القاهرة عام 1937 حيث وجد نفسه يحمل اسماً فريداً كان سبباً للمتاعب في طفولته بين رفاقه في المدرسة.
وقد اختار والده هذا الاسم عندما فتح المصحف ووضع أصابعه على إحدى السُّوَر، فوقع على آية 'صُنع الله الذي أتقن كل شيء' من سورة النمل، فسمّاه صنع الله.
ولعلّ فرادة الاسم كانت نذيراً بفرادة الحياة التي سيعيشها الكاتب الذي سيلمع في عالم الأدب العربي في النصف الثاني من القرن العشرين.
يقول صنع الله في إحدى المقابلات إن الاتجاه اليساري الذي اعتنقه باكراً 'بدأ من المنزل': 'كان الوالد من عائلة بورجوازية، وبعد وفاة زوجته الأولى بسبب مرضها، تزوّج من الممرضة (والدة صنع الله) التي رفضتها العائلة لأسباب طبقية'.
انخرط إبراهيم في العمل السياسي في سنّ مبكرة، أثناء دراسته في كلية الحقوق في جامعة القاهرة، حيث انضمّ إلى 'الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني' (حدتو)، الشيوعيّة السرّية.
وفي عام 1959، اعتقلته السلطات ضمن حملة قمع واسعة شنّها الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر ضد الشيوعيين، وقضى ما يقارب ستّ سنوات في السجون، من بينها سجون القلعة، وأبو زعبل، والواحات.
في تلك الزنازين، نضج مشروع صنع الله إبراهيم الأدبي، حيث كان يقرأ بنهم أعمال فرجينيا وولف وجورج لوكاش وغيرهما، كما تفاعل مع تيارات فكرية متعدّدة، وهي التجربة التي دوّنها لاحقاً في كتابه 'يوميات الواحات'.
وصف إبراهيم السجن بأنه 'جامعته' الحقيقية، حيث ترسّخت قناعته بأن الكتابة ليست مهنة فحسب، بل 'شكلاً من أشكال المقاومة'.
بين كافكا والأرشيف
في كثير من الأحيان يُقارَن أسلوب إبراهيم بأسلواب الروائي التشيكي فرانز كافكا، نظراً لأجوائه الكابوسية، وشخصياته المأزومة، والبنية الغرائبية والعبثية لعالمه الروائي.
واستطاع بلُغة وُصفت بـ'الاقتصاد إلى درجة التقشّف' أن يمزج بين العوالم الغرائبية وبين الواقع الموثّق بعناية بواسطة البحث في الأرشيف.
روايته الأولى 'تلك الرائحة' (1966) أحدثت صدمة عند صدورها، إذ تناولت حالة الاغتراب والفراغ الوجودي لشاب خرج من السجن ليجد نفسه تائهاً في مجتمع فاقد للبوصلة. رُفضت الرواية من قبل الرقابة وصودرت بدعوى 'البذاءة'، ولم تُنشر بنسختها الكاملة إلا بعد 20 عاماً، لكنّها اليوم تُعتبر لحظة مفصلية في تطور الرواية العربية الحديثة.
وإلى حينها، ظلت رواية اللجنة (1981) تعتبر أولى رواياته، وهي من دون شك أشهر أعماله وأكثرها رمزية. 'رفعتُ يدي المصابة إلى فمي وبدأتُ آكل نفسي' هي الجملة التي اختتم بها الرواية التي تحكي قصة رجل يُستدعى للتحقيق من قبل لجنة مجهولة. الرواية ترصد، من خلال رمزية مكثفة، اغتراب الفرد في زمن 'الانفتاح' الذي اتسم به عهد الرئيس الأسبق أنور السادات. وفي جَوٍ كابوسي خانق، يظهر السرد الحياة في مجتمع استبدادي على وقع تغوُّل العولمة والشركات الكبرى. حتى أن إحدى شخصيات الرواية ليست سوى زجاجة 'كوكاكولا'.
في رواية 'ذات' (1992) التي استند إليها المسلسل المصري 'بنت اسمها ذات' (2013)، يتناول صنع الله إبراهيم قصة امرأة مصرية من الطبقة الوسطى، تتقاطع حياتها الشخصية مع تحوّلات الدولة المصرية في عهد عبد الناصر، والسادات، ومبارك. تتداخل الحكاية مع قصاصات صحفية واقعية لكون بطلة الرواية تعمل في قسم الأرشيف، ما خلق سرداً توثيقياً يُجسّد تآكل الطبقة الوسطى وتحوُّل الدولة من اشتراكية إلى نيوليبرالية.
بعد 'اللجنة'، نشر إبراهيم رواية 'بيروت بيروت' (1984) والتي جاءت نتيجة المدة القصيرة التي أمضاها في العاصمة اللبنانية خلال واحدة من هدنات الحرب الأهلية. يقول ابراهيم في إحدى المقابلات الصحفية: 'أمضيت في بيروت حوالي شهر، وخلالها نشأت قصة حب. كنت قد انتهيت لتوّي من كتابة اللجنة وتلك الرائحة، وقلت لنفسي: كفى من هذا… أريد أن أكتب قصّة حب. ولكن ما إن بدأت أكتب، حتى وجدت نفسي غارقاً في الحرب الأهلية اللبنانية، وقلت لنفسي: أليس من المفترض أن أحاول فهم ما يحدث هنا بالضبط؟ فبدأت أُجري أبحاثاً. وجدت أفلاماً، ووثائق، وما إلى ذلك، وذهبت إلى الأرشيفات'.
وفي 'وردة' (2000)، انتقل إبراهيم إلى سلطنة عُمان، مستعيداً تاريخ ثورة ظفار من خلال مذكرات مناضلة يسارية. وكالعادة، تتداخل الوثائق مع السرد الذاتي، مما يجعل من الرواية تأملاً في حدود التاريخ الرسمي، وفي النسيان المتعمّد للثورات المغدورة.
وبين أعماله الأخرى نجد روايات 'أمريكانلي'، و'شرف'، و'برلين 69″، و'التلصص'، و'نجمة أغسطس'، ورواية 'العمامة والقبعة' التي تتمحور حول الحملة الفرنسية في مصر (1798–1801) وتتناول مواضيع السلطة، والاستعمار، وصدام الحضارات.
رفض جائزة الرواية العربية
في لحظة استثنائية شهيرة عام 2003، رفض صنع الله إبراهيم تسلُّم جائزة الرواية العربية، معلناً أن السبب هو أنها 'صادرة عن حكومة تقمع شعبنا وتحمي الفساد'.
وفي الكلمة التي ألقاها على مسرح دار الأوبرا المصرية خلال حفل تسليم الجائزة، انتقد صنع الله أيضاً سياسة القاهرة الخارجية، وعلى رأسها التطبيع مع إسرائيل، متهمًا الأخيرة بـ'القتل وتشكيل تهديد فعلي لحدودنا الشرقية'. كما ندد بـ'الإملاءات الأمريكية، والعجز في السياسة الخارجية المصرية، وسائر مناحي الحياة'.
وبعد نحو عقد من الزمان، علّق إبراهيم على ثورة يناير قائلاً إن ما جرى في ميدان التحرير 'لم يكن ثورة بالتأكيد، فالثورة لها برنامج وهدف: تغيير كامل للواقع أو إزاحة طبقة اجتماعية بأخرى. ما حدث كان انتفاضة شعبية مطلبها الأساسي هو تغيير النظام، رغم أن معنى هذا لم يكن واضحاً، باستثناء الإطاحة بأبرز رموز النظام القديم'.
وقد أعادت فترة مرض صنع الله الأخيرة الأديب التسعيني إلى الأضواء، لا سيما بعد مناشدة عدد من الأشخاص للدولة المصرية في شهر مارس/آذار الماضي بالتدخل والمساعدة في تغطية تكاليف علاجه.
ورغم التدخل الحكومي، الذي وصفه منتقدون بالمتأخر، فقد أعاد مشهد مرض إبراهيم فتْح النقاش حول ما يعتبره معارضون إهمالاً حكومياً للأدباء والمثقفين، خصوصاً أولئك الذين أصبحوا رموزاً في التاريخ الثقافي المصري والعربي، على غرار صنع الله إبراهيم.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


ليبانون 24
منذ ساعة واحدة
- ليبانون 24
بعد تعرّضها لجلطة وإدخالها العناية المركزة.. هذه آخر المستجدات الصحية للفنانة القديرة (صورة)
تعرّضت الفنانة الكويتية القديرة حياة الفهد لوعكة صحية مفاجئة. ووجهت الصفحة الرسمية للفنانة القديرة على منصة "إنستغرام" دعوة صادقة إلى جمهورها ومحبيها بالدعاء لها بالشفاء. وأعرب فريق عملها ومؤسسة الفهد عن أملهم الكبير في أن تعود قريبًا وهي تنعم بكامل صحتها وعافيتها. وأوضح الاتحاد الكويتي للإنتاج الفني والمسرحي وصنّاع الترفيه عن تعرضها لجلطة، وانه تم منع الزيارة عنها بشكل نهائي حتى تتعافى وهي تخضع للرعاية الطبية في انتظار استقرار حالتها. وأصدرت أسرة الفنانة حياة الفهد بيانًا جاء فيه: "تعلن أسرة ومحبو الفنانة القديرة حياة الفهد ومؤسسة الفهد أن أم الجميع تمر حاليًا بوعكة صحية، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يمنّ عليها بالشفاء العاجل، وأن يعيدها إلى محبيها وهي بأتم الصحة والعافية"، مستشهدين بقوله تعالى: "وإذا مرضت فهو يشفين". وقام العديد من النجوم والمشاهير على منصات التواصل الاجتماعي بالتعبير عن دعمهم للفنانة حياة الفهد في هذه المرحلة، حيث وجهوا رسائل مليئة بالمحبة والدعوات. وشاركت الفهد في الموسم الرمضاني الماضي بعمل درامي بعنوان "أفكار أمي". حياة الفهد، المولودة عام 1948 في الكويت ، تعدّ واحدة من أهم رموز الدراما الخليجية والعربية. انطلقت مسيرتها الفنية في ستينيات القرن الماضي، واستطاعت بموهبتها الاستثنائية وحضورها اللافت أن تحجز لنفسها مكانة راسخة في قلوب المشاهدين. قدمت أعمالاً لا تُنسى تنوّعت بين الكوميديا والتراجيديا، من بينها "رقية وسبيكة"، و"الحيالة"، و"الخراز"، والتي ما زالت حاضرة في ذاكرة الجمهور حتى اليوم. عُرفت بجرأتها في اختيار النصوص ومعالجتها للقضايا الاجتماعية والإنسانية في الخليج ، ما جعلها تستحق عن جدارة لقب "سيدة الشاشة الخليجية".


ليبانون 24
منذ ساعة واحدة
- ليبانون 24
تعرّضت لجلطة.. إدخال فنانة قديرة إلى العناية المركزة بسبب تعرّضها لوعكة مفاجئة (صورة)
تعرّضت الفنانة الكويتية القديرة حياة الفهد لوعكة صحية مفاجئة. ووجهت الصفحة الرسمية للفنانة القديرة على منصة "إنستغرام" دعوة صادقة إلى جمهورها ومحبيها بالدعاء لها بالشفاء. وأعرب فريق عملها ومؤسسة الفهد عن أملهم الكبير في أن تعود قريبًا وهي تنعم بكامل صحتها وعافيتها. وأوضح الاتحاد الكويتي للإنتاج الفني والمسرحي وصنّاع الترفيه عن تعرضها لجلطة. وأصدرت أسرة الفنانة حياة الفهد بيانًا جاء فيه: "تعلن أسرة ومحبو الفنانة القديرة حياة الفهد ومؤسسة الفهد أن أم الجميع تمر حاليًا بوعكة صحية، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يمنّ عليها بالشفاء العاجل، وأن يعيدها إلى محبيها وهي بأتم الصحة والعافية"، مستشهدين بقوله تعالى: "وإذا مرضت فهو يشفين". وقام العديد من النجوم والمشاهير على منصات التواصل الاجتماعي بالتعبير عن دعمهم للفنانة حياة الفهد في هذه المرحلة، حيث وجهوا رسائل مليئة بالمحبة والدعوات. وشاركت الفهد في الموسم الرمضاني الماضي بعمل درامي بعنوان "أفكار أمي".


النهار
منذ 4 ساعات
- النهار
بعد إصابتها بجلطة... سيّدة الشاشة الخليجيّة في العناية المركزة
أصيبت الفنانة الكويتية حياة الفهد، الملقبة بـ"سيدة الشاشة الخليجية"، بوعكة صحية مفاجئة إثر جلطة، ما استدعى إدخالها إلى أحد المستشفيات لتلقي الرعاية الطبية اللازمة. وطلبت أسرتها من جمهورها ومحبيها الدعاء لها بالشفاء العاجل. وجاء في بيان نشرته عائلة الفهد عبر صفحتها الرسمية على "إنستغرام" مساء الثلاثاء: "تعلن أسرة ومحبو الفنانة القديرة حياة الفهد ومؤسسة الفهد أن أمّ الجميع تمرّ حالياً بوعكة صحية، ونسأل الله أن يمنّ عليها بالشفاء التام ويعيدها إلى محبيها بصحة وعافية"، مرفقين الآية الكريمة: "وإذا مرضت فهو يشفين". وبحسب ما نقلته وسائل إعلام كويتية عن الاتحاد الكويتي للإنتاج الفني والمسرحي، فقد استدعت حالتها نقلها على وجه السرعة إلى قسم العناية المركزة، حيث قرر الأطباء وقف الزيارات في هذه المرحلة لضمان استقرار وضعها الصحي. يُذكر أن حياة الفهد بدأت مشوارها الفني عام 1963 بمسرحية "الضحية"، وقدّمت خلال مسيرتها نحو 90 مسلسلاً تلفزيونياً و20 عملاً مسرحياً.