
ولادة الدينار الإسلامي.. أول حرب عملات في التاريخ العربي
تعتبر النقود واحدة من أهم الاختراعات البشرية التي أسهمت في تطور الحضارات وتبادل المنافع بين الشعوب.
وتعكس العملة أو النقود أهم مراحل التطور الثقافي والحضاري والاقتصادي للأمم، فوجود عملة خاصة بحضارة أو دولة ما هو دليل على قوتها وتميزها الحضاري والثقافي عن غيرها من الأمم، وما يظهر من كتابات ورسوم على هذه العملات يعكس الوجه الثقافي للأمة أو الدولة.
بداية عصر النقود في العالم العربي
مرت النقود بمراحل عديدة في المنطقة العربية، بدءا من المقايضة، وصولا إلى العملات المعدنية والورقية. ومع ظهور الإسلام، شهدت النقود تحولا جذريا في شكلها وقيمتها، حيث أصبحت تعكس الهوية العربية الإسلامية والقيم الاقتصادية والحضارية للأمة الجديدة.
وتمتعت الجزيرة العربية بموقع مميز بين حضارات العالم القديمة، وكان يمر بها العديد من طرق التجارة العالمية آنذاك، وكانت مكة مركزا تجاريا مهما، وهو الأمر الذي أتاح لها الاتصال بالعديد من الدول والحضارات مثل الحضارتين البيزنطية والفارسية.
وكان نتيجة هذا التواصل معرفة العرب بالمسكوكات والنقود التي تسكها هذه الدول، والتعامل بها قبل أن يتطور الأمر لقيام العرب بإصدار مسكوكات أولية خاصة بهم.
ويذكر لنا التاريخ عددا من الدول العربية المبكرة التي ضربت المسكوكات مثل مملكتي سبأ، وحضرموت في اليمن ومملكة الأنباط في الأردن حسب ما يذكر الباحث عبد الحق العيفة في دراسة قيّمة له بجامعة اليرموك الأردنية تحت عنوان "تطور النقود في التاريخ الإسلامي".
النقود في صدر الإسلام
كان الدينار البيزنطي والدرهم الكسروي الفارسي هما العملتين المستخدمتين في الإمبراطوريتين البيزنطية والفارسية على التوالي. وكانت كلتا العملتين مستخدمتين في شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام واستمرتا كذلك في السنوات الأولى للدولة الإسلامية حتى العصر الأموي، وفقا لدراسة تحت عنوان "نبذة مختصرة عن النقود في الإسلام وتقدير قيمة الدرهم والدينار" للباحث منصور زارا نجاد منشورة على منصة "ريسرتش جيت".
أصدرت الإمبراطورية البيزنطية عملة "السوليدوس" الذهبية، أو "النوميسما" أو "الدينار البيزنطي" كما هو متعارف عليه، التي استخدمت في المقام الأول للمعاملات الكبيرة مثل دفع الضرائب.
وكانت دور السك في أنطاكية والإسكندرية تزود المقاطعات الجنوبية بمعظم العملات المتداولة. وورثت الدولة الإسلامية الناشئة هذا النظام النقدي الفعال، وأجرت عليه تغييرات طفيفة خلال عقودها الأولى، وفقا لمتحف المتروبوليتان للفنون.
كانت العملة البيزنطية الأساسية هي الذهب، إذ حمل الدينار البيزنطي على وجهه الأمامي 3 أباطرة -هرقل في المنتصف محاطًا بابنيه قسطنطين وهيراكلون، مرتدين تيجانًا متوجة بالصليب ويحمل كل منهم كرة صغيرة عليها صليب.
وتميزت هذه العملات بجودتها العالية ونقوشها باليونانية، وكان وزنها القياسي 4.33 غرامات، وفقا لمنصة "الوعي الإسلامي" وكذلك دراسة معمقة للدكتورة وجدان علي بمنصة "التراث الإسلامي".
الدراهم الكسروية الفارسية
أما النوع الثاني فهو الدراهم الفضية الساسانية، المعروفة بالكسروية، حيث حملت صورة كسرى عظيم الفرس على أحد وجهيها، وصورة النار المقدسة عند الفرس على الوجه الآخر.
وكانت هناك أنواع متعددة من الدراهم، من أبرزها الدراهم الطبرية التي بلغ وزن كل منها 8 دوانق، والدراهم البغلية بوزن 4 دوانق، حيث يُعد الدانق مكيالًا إسلاميًّا كان يُستخدم في الوزن والكيل أثناء العصور الإسلامية، ووزنه يعادل سدس الدرهم، وفقا للباحث عبد الحق العيفة في دراسته المذكورة آنفا.
العملة في عهد الرسول الكريم والخلفاء الراشدين
تشير البحوث التاريخية إلى عدم سك أي نقود خلال عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم) أو الخليفة الأول أبي بكر الصديق (رضي الله عنه).
وكانت أول محاولة لصك نقود عربية إسلامية في عهد الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، حيث أدرك الفاروق مبكرًا أن العملة ليست مجرد أداة اقتصادية، بل تعكس هوية الدولة الناشئة.
في عهد عمر بن الخطاب، ضُربت الدراهم على نسق الدراهم الكسروية، مع إضافة عبارات عربية مثل "الحمد لله" و"محمد رسول الله". واستمر هذا النهج في عهد عثمان بن عفان (رضي الله عنه)، حيث ضُربت الدراهم في طبرستان ونُقش عليها بالخط الكوفي "باسم الله ربي".
أما في عهد الخليفة علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، فقد ضُربت السكة في البصرة دون تغييرات كبيرة، إلى أن جاء العصر الأموي، ليشهد تحولًا جذريًّا في النظام النقدي الإسلامي، وفقا للباحث محمد العناسوة في دراسته "المسكوكات مصادر وثائقية للمعلومات في التاريخ الإسلامي".
ولادة الدينار الإسلامي
لم تكن ولادة الدينار الإسلامي مجرد خطوة اقتصادية، بل كانت إعلانًا عن الاستقلال السياسي والثقافي للدولة الإسلامية، مما أثار صدامًا مع الإمبراطورية البيزنطية.
فخلال حروب عبد الملك بن مروان لإقرار حكمه، اضطر إلى عقد هدنة مع الإمبراطور البيزنطي جستنيان الثاني، تضمنت دفع ألف دينار أسبوعيًّا لمنع الاعتداءات على الثغور الشامية، وفقا لتقرير سابق للجزيرة نت.
وعندما قرر عبد الملك تعريب العملة، أثار ذلك غضب جستنيان، الذي هدد بإصدار دنانير تحمل عبارات مسيئة للنبي (صلى الله عليه وسلم). وردًّا على ذلك، أمر عبد الملك بسك الدينار الإسلامي الذهبي، مانعًا تداول الدنانير البيزنطية، مما أدى إلى إنهاء الهدنة وإعلان الحرب.
وانتهت المواجهة بانتصار الدولة الإسلامية، التي لم تكتف بصد الهجوم، بل شنت حملات توغل في الأراضي البيزنطية بقيادة محمد بن مروان، ثم عبد الله بن عبد الملك، حتى بلغت ذروتها بمحاولة حصار القسطنطينية عام 99هـ.
وأصبح الدينار الإسلامي العملة الرسمية في الدولة الإسلامية، مستخدمًا في التجارة الداخلية والخارجية، وبلغ تأثيره الاقتصادي ذروته، حتى أصبح يُعرف باللاتينية باسم "المانكوس".
تأثير سك الدينار الإسلامي على الاقتصاد المحلي والعالمي
يمكن إجمال تأثير سك الدينار الإسلامي على الاقتصاد المحلي والعالمي في ذلك الوقت بالنقاط التالية وفقا للمصادر السابقة فضلا عن مقالة للدكتور عادل زيتون في مجلة العربي (عدد 508):
قبل سكّ الدينار الإسلامي، كانت الدولة الإسلامية تعتمد على العملات البيزنطية (الدنانير الذهبية) والساسانية الفارسية (الدرهم الفضي) في تجارتها. وتم سكّ عملة إسلامية مستقلة عام 77 هجرية وقد ساعد ذلك في إنهاء التبعية الاقتصادية للبيزنطيين وتعزيز السيادة الاقتصادية للدولة الإسلامية.
توحيد النظام النقدي في العالم الإسلامي
أدى سكّ الدينار الإسلامي إلى إنشاء نظام نقدي موحد في العالم الإسلامي يعتمد على الدنانير والدراهم الإسلامية وهو ما ساهم في تسهيل التجارة الداخلية والخارجية بين مختلف أنحاء العالم الإسلامي.
أصبحت العملات الإسلامية معروفة بجودتها ووزنها الدقيق، وبالذات الدينار الإسلامي الذي تميز بثبات وزنه وعياره ونقائه على امتداد قرون عدة، وخلقت له مكانة عالمية وسمعة دولية مما زاد من الثقة به في الأسواق العالمية.
واستخدمت هذه العملات العربية الإسلامية في التجارة مع أوروبا، الهند، والصين.
وحلّ الدينار الإسلامي تدريجيا محل العملات البيزنطية في مختلف مناطق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
زاد سكّ الدينار الإسلامي من قوة الاقتصاد، حيث أصبحت الضرائب والجزية تُدفع بالعملة الإسلامية كما ساعد في تطوير التجارة والأسواق، وجذب المزيد من التجار الأجانب.
احتوى الدينار الإسلامي على نقوش عربية فقط، مما عزز انتشار اللغة العربية وأظهر الاستقلال الثقافي. وتضمنت العملات عبارات دينية مثل "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، مما عزز الهوية الإسلامية في الاقتصاد.
واليوم، يظل الدينار الإسلامي رمزا للإرث الحضاري الإسلامي ودليلا على الابتكارات الاقتصادية التي قدمتها الحضارة الإسلامية للعالم.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العرب القطرية
١٤-٠٥-٢٠٢٥
- العرب القطرية
شــل قطـر تحتفل بنجاح موسم NXplorers
الدوحة - العرب اختتمت شركة شل قطر موسم 2025 من برنامج NXplorers بنجاح، ذلك البرنامج التعليمي الرائد الذي جاء حصيلة تعاون مثمر مع وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي. وقد تُوِّجت نسخة هذا العام من البرنامج بحفلٍ ختاميٍّ مهيب أُقيم في مقر وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي، حيث جرى تسليط الضوء على المواهب الفذة لطلاب المدارس الإعدادية في قطر والاحتفاء بإبداعاتهم الواعدة. شهد موسم 2024-2025 مشاركة 595 طالبًا وطالبة من 19 مدرسة إعدادية من مختلف أنحاء دولة قطر. وعلى مدار العام، شارك الطلاب في ورش عمل مكثفة طوّعوا خلالها أدوات «تفكير NX»، التي مكّنتهم من التعاون في معالجة قضايا مجتمعية ملحّة، وطرح حلول مبتكرة تهدف إلى إلهام وتمكين الجيل القادم من المبدعين والمبتكرين في قطر. جدير بالذكر أن البرنامج يهدف إلى تطوير مهارات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM) وتعزيز مهارات التفكير النقدي بين العقول الشابة، إعدادًا لهم لمجابهة ما يفرضه الحاضر من أعباء وما يحمله المستقبل من تحديات. ولم يغفل البرنامج عن تمكين الكوادر التربوية، إذ جرى تدريب 44 معلمًا ومعلمة لدعم وتوجيه الطلاب خلال البرنامج. وبهذه المناسبة، صرحت الأستاذة مها زايد الرويلي، وكيل الوزارة المساعد للشؤون التعليمية بوزارة التربية والتعليم والتعليم العالي: «نحن في وزارة التربية و التعليم و التعليم العالي ملتزمون بتعزيز ثقافة الابتكار والتفكير النقدي في نفوس طلابنا. وهذا ما يحققه برنامج NXplorers، فقد تم تصميم البرنامج بحيث يحث العقول الشابة على التفكير، و إيجاد الحلول مما يساهم في بناء بالمهارات المطلوبة و التزود بالمعرفة اللازمة لمواجهة ما يحمله المستقبل من تحديات معقدة. ونفخر بدعم مثل هذه المبادرات التي تُلهِم الإبداع وحل المشكلات، ونتطلع إلى رؤية الأثر الإيجابي الذي سيحدثه هؤلاء المبتكرون الشباب في مجتمعنا». كان الحفل الختامي شهادة حية على الإبداع والإصرار الذي تحلى به الطلاب المشاركون في البرنامج. وفي هذا السياق، أعرب السيد راشد ماجد السليطي، نائب المدير العام لشركة شل قطر، عن فخره واعتزازه بما حققه الطلاب من إنجازات قائلًا: «إن تسارع إيقاع عالمنا المعاصر يفرض ضغوطًا كبيرة ومتزايدة على الموارد التي تشكل أساس استدامتنا الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. ومن هنا، يصبح من الضروري أن نُعزز قدرات شبابنا في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM) ليكونوا قادرين على التصدي للتحديات الملحة التي نعيشها اليوم وما يخبئه الغد. هذا الالتزام يعد من أولوياتنا في شركة قطر شل، ويشكل الأساس لبرنامج «NXplorers» الذي نسعى من خلاله إلى تثقيف وتوجيه وتمكين قادة المستقبل في قطر. وأود أن أتقدم بالشكر إلى وزارة التعليم والتعليم العالي وشركائنا على دورهم الفاعل في جعل هذا العام فصلًا جديدًا من النجاح الباهر». تضمن الحفل الختامي عروضًا تقديمية مميزة من 19 مدرسة مشاركة، حيث قدمت كل منها مشاريعها المبتكرة. وقد كانت الجائزة الأولى من نصيب طلاب أكاديمية قطر للقادة الذين نالوا المركز الأول عن مشروعهم الرائد لتحويل مخلفات الطعام إلى سماد عضوي وصابون عضوي. بالإضافة إلى جوائز الطلاب، كرم البرنامج أيضًا المعلّمين والميسّرين تقديرًا لإخلاصهم وجهودهم المتميزة، حيث قدّم هؤلاء المعلّمون والميسّرون توجيهًا استثنائيًا، وكانوا مصدر إلهام وإرشاد ودعم متواصل للطلاب خلال كافة مراحل برنامج NXplorers. لقد حقق برنامج NXplorers نجاحًا منقطع النظير بفضل تضافر جهود الطلاب والمعلمين وموظفي شركة شل وشركائها المتميزين، وعلى رأسهم وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي وشركة ابتكار للحلول الرقمية. ومع اقتراب موسم NXplorers لعام 2025 من نهايته، تظل شركة شل قطر ماضية في الوفاء بالتزامها الراسخ برعاية مواهب المبتكرين الشباب وتعزيز ثقافة الاستدامة والابتكار. ومنذ انطلاق هذا البرنامج في قطر، نجح في تطوير مهارات 2774 طالبًا و166 معلمًا في 59 مدرسة، ليُسهم بذلك في تمكين الجيل القادم من بناء مستقبل مستدام. إن مبادرات المسؤولية الاجتماعية لشركة شل قطر تنسجم تمامًا مع رؤية قطر الوطنية 2030، إذ تركز على التنمية البشرية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية. ومن خلال التعاون المستمر مع المؤسسات القطرية، تسعى قطر شل إلى تقديم برامج تساهم بشكل إيجابي في تحقيق الإرث الوطني. وبالإضافة إلى برنامج NXplorers، هناك مبادرات رئيسية أخرى للشركة مثل «ماراثون شل البيئي» الذي يعزز الابتكار في تصميم السيارات الموفرة للطاقة، وبرنامج «شل انطلاقة» الذي يوفر التدريب والدعم لرواد الأعمال الشباب. كما تدعم شركة شل جهود التقطير، بهدف أن تكون جهة العمل المفضلة للمواطنين القطريين.


جريدة الوطن
٠٣-٠٥-٢٠٢٥
- جريدة الوطن
العودة إلى علم الاستغراب
كان من المهم المبادرة قديماً إلى وضع علم الاستغراب، في إطار عملي فكري في الوطن العربي والشرق المسلم، من حيث التفاعل مع منتج الحضارة الغربية الفلسفي المعاصر، في عرضٍ وتفكيكٍ أمين، والعبور إلى أين نجحت هذه النظريات وأين أخفقت، ولذلك رجوتُ أن أساهم في هذه العودة، ليس من خلال دعوى تميزها، ولكن لتأكيد الأهمية لها. والدعوات لمباشرة علم الاستغراب بدأت منذ أكثر من سبعين عاماً، ومن شخصيات متعددة، أذكر منها المفكر المصري الماركسي د. أنور عبد الملك، وآخرين، غير أني أسجل هنا ثلاث قواعد تحكمني في هذا المسار: 1- إن وصول علم الاستغراب إلى قواعد حتمية ملزمة لم يستقر بعد، ولا يوجد في تقديري أي مبرر للالتزام باجتهادات أكاديمية أو بحثية، لا تملك ما يكفي من قناعة أو جمهرة تأييد ذات تجربة، مع الاحترام الكبير لكل المحاولات التي سعت لوضع محددات لهذا العلم. والذي أراه متفقاً مع عقيدتي البحثية هو أن يكون المسار الاستغرابي قائماً على منطلقٍ أخلاقي، ومحققاً لحصيلة نوعية في العرض والنقد معاً، وليس لإعادة ترجمة المنتج الفلسفي الغربي، مع تقديري لكل التوجهات الأخرى. 2- عرّفتُ علم الاستغراب بهذا التعريف الاجتهادي غير الملزم لغيري. الاستغراب: هو إطلاق قاعدة علم معرفي دراسة منتج الحضارة الغربية؛ لإعادة نقدها بناء على شخصية ندية، تحترم المنجز وتنقد المختلف، تنطلق لدي من رؤية إسلامية ذات عمق مشرقي وتقاطع عالمي جنوبي، تُحرر إشكالية الخلل في أصول الاستدلال وفي مآل التجربة العُمرانية للإنسان في تاريخ العالم الحديث. وتُقدّم رؤيتها البديلة دون أن تُنزه المنجز، ولا تظلمه، وتؤسس من خلال هذا المسار المعرفي قواعد مشتركة لنهضة الشرق والعالم الأخلاقي الجديد، ولا يَلزم من المشاركة في هذا العلم البقعة الجغرافية ولا الهوية السياسية والقومية الضيقة، وإنما كل من شارك وفق شروط هذا المنهج الاستغرابي يشمله هذا العلم. 3- إن استحضار المرجعية الإسلامية المعرفية في علم الاستغراب ليس تعصباً دينياً انعزالياً، ولكن لكون الفلسفة الإسلامية - بكل أبعادها ومذاهبها المتعلقة بالقانون الاجتماعي وعلاقته بالدين - هي الرؤية المركزية المقابلة، ذات الأصول المختلفة والمنطلقات المتمايزة في حوار الحضارات، بل في تحقيق المعادلة المزدوجة لحياة الإنسان، الحياة الآمنة المطمئنة، والإدراك اليقيني لقصة الوجود وما بعد نهاية التاريخ الأرضي. فهي كتلة متماسكة لمن آمن بها، وحتى من رفض مرجعيتها الدينية فسيجد في آخر الأمر معنى هذا التكامل الندّي للرؤية المادية وتطرفها على الإنسان. ولا معنى عندي -مع كل الاحترام للبنى القومية العربية- لتأسيس غرسٍ معرفي خارج الشريعة ومدلولاتها الفلسفية، فالإسلام هو التاريخ الذي وُلدَ به العرب من جديد، والذي أثّر من ثم على حضارات الشرق، والاتصال الإنساني المعرفي المشترك. ولذلك يحضر علم اللاهوت أو مفهوم الدين والخالق في فصول كتابي (الدين والإنسان والقانون الاجتماعي)؛ لكونه مرجعية اعتبارية مطلقة، لا تتداخل مع فلسفة محددة، بل مع نظريات الفلسفة الأخلاقية الكبرى في البحث العالمي اليوم. ثالثاً: يتعامل مسار هذا المشروع مع تجربة المعرفة والفلسفة التشريعية في الغرب، من خلال أنها منجز سعى لتحقيق عدالة اجتماعية لصالح الإنسان (الغربي)، فيُعترف له بحصيلة ما أنجزه، من حيث إنها تجربة إنسانية مشتركة التداول الحضاري، والقواعد الصحيحة فيها تشمل كل الأمم. في حين أطرح النظريات التي وصلتُ إليها في نقد العجز الأخلاقي، أو أثر أصول هذه الفلسفات في مآل العالم اليوم، أو حتى من خلال مخالفة بعض أصوله، كما بينت في مواضع عديدة لفلسفة روسو، التي اتكأت نظريات الحداثة الأخيرة عليها، وكان هو شخصياً يخالف مآلها أخلاقياً وفلسفياً. رابعاً: أقدِّم الكتاب نموذجاً مقترحاً، على طاولة علم الاجتماع الباحث عن نظريات المعرفة الجديدة، وبالذات في فلسفة التشريع القانوني، الذي لا يقف عند الأخلاق الشخصية والطبائع الفردية الروحانية، وإنما يتقدم بقوة نحو مفاهيم أزمة الدولة والاستبداد، والظلم الاجتماعي، وكيف نعيد تحرير الموقف منه في الفلسفة الأخلاقية الإسلامية، وفي دوافع فلاسفة الغرب للهروب من مقصلة السياسة ومشنقة (الدين)، فالكتاب يُحرر أزمة تبديل شرائع العدل والحرية في التاريخ الإسلامي القديم والحديث. وفي نهاية الأمر، أؤكد بلا تردد على أن هذا الجهد - الذي أخذ من عمري مرحلةً مهمة في البحث والمراجعة - لم يقف عند نصوص روسو، ولكن انطلق إلى كل منصة متاحة وصلتُ إليها، مع إعمال الفكر في مواطن التنظير والتحقيق، وسيظل مساحة محدودة معروضة للنقاش والحوار، ولفرص أوسع وأقدر من قلمي المتواضع.


العرب القطرية
٠٢-٠٥-٢٠٢٥
- العرب القطرية
«التعليم» تتوج الفائزين في المعرض الوطني للبحث العلمي
الدوحة - العرب اختتمت وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي، بالتعاون مع مجلس قطر للبحوث والتطوير والابتكار، فعاليات المعرض الوطني السابع عشر للبحث العلمي والابتكار للعام 2025، الذي أقيم في مركز قطر الوطني للمؤتمرات تحت شعار 'باحثون واعدون من أجل قطر'، وسط مشاركة واسعة من الطلبة والمعلمين في مختلف المراحل التعليمية، تجسيدًا لالتزام الدولة بتعزيز قدرات البحث والابتكار في البيئة التعليمية. شهد الحفل الختامي تكريم الفائزين في المسابقة الوطنية للبحث العلمي والابتكار، وكذلك الفائزين في مسابقة البحث الإجرائي للمعلمين. وقامت مها زايد الرويلي، وكيل الوزارة المساعد للشؤون التعليمية، وعائشة المضاحكة، مديرة أول برامج البحوث والتطوير والابتكار بمجلس قطر للبحوث والتطوير والابتكار، بتوزيع الجوائز على الفائزين، تقديرًا لعطائهم وتميزهم في إثراء الثقافة البحثية في المدارس. شارك في المسابقة الوطنية هذا العام 1222 بحثًا علميًا، تأهّل منها 254 بحثًا إلى التصفيات النهائية، وفاز 51 بحثًا بجوائز موزعة على جميع المراحل التعليمية. وحصد طلبة المرحلة الابتدائية في المدارس الحكومية (بنين وبنات) 18 جائزة، بواقع ثلاثة مراكز في كل من مجالات العلوم، والإنسانيات، والتصميم الهندسي. كما حصل طلبة المدارس الخاصة في المرحلة الابتدائية على 6 جوائز، ثلاث منها في العلوم، وثلاث في الإنسانيات. وفي المرحلتين الإعدادية والثانوية، تم منح 24 جائزة موزعة على المجالات الثمانية المعتمدة في المسابقة، إضافة إلى 3 جوائز لطلبة الصفين السابع والثامن. أما في مسابقة البحث الإجرائي، فقد تأهّل 33 بحثًا إلى المرحلة النهائية، وفازت 9 أبحاث بجوائز موزعة بواقع ثلاثة مراكز (أول، ثاني، ثالث) لكل مرحلة تعليمية (الابتدائية، الإعدادية، الثانوية). وتخلل الحفل كلمة ملهمة ألقاها الطالب عبد الرحمن عبد العزيز علي من مدرسة أبي بكر الصديق الإعدادية للبنين، سلط فيها الضوء على دور البحث العلمي كرسالة ومسؤولية تجاه الوطن والإنسانية، مؤكدًا أن الإصرار والطموح مفتاحا التميز. كما قُدّم عرض مسرحي بعنوان 'للرحلة بقية' من إعداد وتنفيذ طلاب المستويين الثالث والرابع في مدرسة سعود بن عبد الرحمن النموذجية للبنين، استعرضوا من خلاله أبرز إنجازات العلماء والمفكرين عبر العصور، موضحين أن التقدم المعرفي المعاصر هو امتداد لتاريخ عربي حافل بالإسهامات العلمية.