
سورية... محاولات القسمة على اثنين - إيطاليا تلغراف
فاطمة ياسين
كاتبة سورية، صحفية ومعدة ومنتجة برامج سياسية وثقافية.
جاءت زيارة وزير الخارجية، أسعد الشيباني، موسكو ضروريةً من ناحية التوقيت لتعويم العلاقة بين الطرَفين، السوري والروسي، التي أخذت منعرجاً جديداً منذ اللحظة التي خرج فيها بشّار الأسد من قصره في دمشق قاصداً موسكو، منفى إجبارياً، وملاذاً ما زال شبه آمن. بدا وزير الخارجية الروسي، لافروف، إيجابياً عند الحديث عن إعادة النظر في كلّ الاتفاقيات الروسية السورية، وهي نقطة مهمة، نظراً إلى تعدّد تلك الاتفاقات، وبعضها ممتدّ إلى 50 سنة مقبلة. وباعتباره بروتوكولاً سياسياً لازماً، تحدّث الطرفان عن علاقات تاريخية ممتازة تعود إلى عقود خلت، مع تكتّمهما المفهوم عمّا جرى في أثناء الحرب لتحرير سورية من النظام.
تاريخياً، تربط سورية وروسيا علاقات استراتيجية تعود إلى الحرب الباردة، عندما ساعد الاتحاد السوفييتي دمشق بالأسلحة والمال، ومارس دوراً سياسياً داعماً، ما جعل سورية حليفاً رئيساً له في المنطقة. وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي، ورثت روسيا دعم نظام الأسد، ورغم الفتور الذي شاب العلاقة بُعيد استلام بشّار السلطة، وجدت روسيا، بمساندته خلال الانتفاضة الشعبية ضدّه، فرصةً ذهبيةً للعودة بقوة إلى المنطقة، وحفر أخدود سهل العبور بين موسكو ومياه البحر الأبيض المتوسّط. ومنذ عام 2015، ساعدت روسيا بقوتها الجوية النظام في استعادة كلّ ما خسره من أراضٍ في الفترة السابقة، فأعادت له حلب وريف دمشق ومناطق الوسط والجنوب، لكن هذا الحضور الجوي الروسي تراجع في ديسمبر/ كانون الأول 2024، عندما شنّت الفصائل المسلّحة المُعارِضة، المدعومة من تركيا، هجوماً خاطفاً أطاح حكم الأسد، إذ أحجمت الطائرات الروسية عن التدخّل، وسط ضغوط اقتصادية وعسكرية كانت تحيط بالرئيس فلاديمير بوتين.
لجأ بشّار إلى قاعدة حميميم الجوية في اللاذقية صباح 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، ثمّ نقلته روسيا إلى موسكو. ادّعى لاحقاً عبر بيان نشرته صفحة الرئاسة في وسائل التواصل الاجتماعي أنه أراد القتال، لكن الروس أجلوه حفاظاً على سلامته. ومنذ اليوم الأول لها، تبنّت الحكومة السورية الجديدة نهجاً مرناً تجاه روسيا، مع السعي إلى الحفاظ على قنوات دبلوماسية مفتوحة، وتقليص الوجود العسكري الروسي، وأرسلت موسكو في سياق 'النيّات الطيّبة' للعلاقات ما كان استكمالاً لدفعات من النفط والعملة السورية المطبوعة في روسيا إلى سورية، وبدأت بالفعل منذ منتصف ديسمبر 2024 بسحب أجزاء من سلاحها ومعدّاتها الموجودة في نقاط تمركزها في سورية، فأكّدت صور أقمار اصطناعية عمليات تفكيك كبيرة لمعدّات عسكرية مهمة شملت طائرات هليكوبتر ومنظومات دفاع جوي (إس 400)، وإخلاءً كلّياً لقواعد في كوباني ومنبج. وأشار تقرير من 'سي أن أن عربية' إلى نقل مركبات مدرّعة من مطار القامشلي، مع تحرّكات لنقل معدّات بحرية عبر ميناء طرطوس.
يبدو أن السلطات السورية الجديدة مارست السياسة والضغط الحذر لاستعادة سيادتها على المناطق التي تشغلها القواعد الروسية، مع إدراكها ضرورة تجنّب العداء مع موسكو، وإبقاء الخصومة في حدّها الأدنى حالياً، خصوصاً مع وجود القوات الإسرائيلية المتربّصة في الجنوب. وقد أفاد تقرير من 'رويترز' بأن إسرائيل تضغط عبر واشنطن لإبقاء قواعد روسية محدودة حصناً ضدّ توسّع النفوذ التركي المثير للقلق بالنسبة إلى إسرائيل، لكنّ الولايات المتحدة لا تبدو منسجمةً تماماً مع الموقف الإسرائيلي في سورية، فهي مع سعيها إلى تطبيع العلاقات بين الطرَفين وإرساء السلام، لا تُظهر أيّ امتعاض من النفوذ التركي، وقد تجد فيه ضماناً لإبقاء النظام السوري الجديد في معدّلات اعتدال مقبولة. وربّما يأتي التدخّل الإسرائيلي بمفاعيل مضادّة تُخرج كلّ شيء عن السيطرة، وكان الرئيس الأميركي، ترامب، قد رفع العقوبات عن سورية، وأزال هيئة تحرير الشام من قوائم الإرهاب، ممّا يعزّز وجود النظام الجديد، ويُسهّل التعاون مع الحكومة الحالية.
ضمن تضاريس هذه الخريطة المعقّدة يتحرّك الشيباني إلى موسكو في محاولة لإمساك العصا من المنتصف، وليكون خارج لعبة الانضمام إلى محور بعينه، بحسب تصريحاته، رغم أن الواقع السياسي يؤكّد أن ظرف سورية الراهن لا يقبل القسمة على اثنين.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لجريدة إيطاليا تلغراف

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


البلاد الجزائرية
منذ يوم واحد
- البلاد الجزائرية
ترامب يهدد بزيادة كبيرة في الرسوم الجمركية على الهند ونيودلهي ترد - الدولي : البلاد
فارس عقاقني_ جدّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يوم الاثنين، تهديده بفرض رسوم جمركية إضافية على السلع الهندية، بسبب استمرار نيودلهي في استيراد النفط من روسيا، وهو ما وصفته الحكومة الهندية بأنه "هجوم غير مبرر"، مؤكدة عزمها حماية مصالحها الاقتصادية، في تصعيد جديد للخلاف التجاري بين البلدين. وفي منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، قال ترامب: "الهند لا تشتري كميات هائلة من النفط الروسي فحسب، بل تعيد بيعه في السوق المفتوحة، وتحقق أرباحاً ضخمة من ذلك، لا يهمهم عدد القتلى في أوكرانيا بسبب آلة الحرب الروسية". وأضاف: "لهذا السبب، سأرفع الرسوم الجمركية على الواردات الهندية إلى الولايات المتحدة بشكل كبير"، بحسب ما نقلته وكالة "رويترز". وردّ المتحدث باسم وزارة الخارجية الهندية قائلاً إن بلاده "ستتخذ كافة الإجراءات اللازمة للدفاع عن مصالحها الوطنية وأمنها الاقتصادي"، واصفاً تصريحات ترامب بأنها "غير مبررة وغير منطقية". كما أعلن ترامب عزمه فرض عقوبات جديدة، اعتباراً من يوم الجمعة، على روسيا والدول التي تواصل شراء صادراتها من الطاقة، ما لم تتخذ موسكو خطوات فورية لإنهاء حربها المستمرة مع أوكرانيا منذ أكثر من ثلاث سنوات ونصف. وحتى الآن، لم يُظهر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أي مؤشر على التراجع عن موقفه. وكان ترامب قد أعلن في يوليو الماضي فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على الواردات الهندية، في خطوة فسّرها مسؤولون أميركيون بأنها نتيجة سلسلة من الخلافات الجيوسياسية التي تعرقل التوصل إلى اتفاق تجاري بين واشنطن ونيودلهي. وفي سياق متصل، وصف ترامب تكتل "بريكس" الموسع بأنه "معادٍ للولايات المتحدة"، بينما رفضت الدول الأعضاء في المجموعة هذا الاتهام، مشيرة إلى أن هدفها هو تعزيز مصالح أعضائها والدول النامية عامة. الهند أكبر مستورد بحري للنفط الروسي تُعد الهند أكبر مشترٍ للنفط الخام المنقول بحراً من روسيا، حيث بلغ متوسط وارداتها من النفط الروسي نحو 1.75 مليون برميل يومياً خلال الفترة من يناير إلى يونيو من هذا العام، بزيادة طفيفة قدرها 1% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وفقاً لبيانات نقلتها "رويترز" عن مصادر تجارية. وأكد المتحدث باسم الخارجية الهندية أن توجه بلاده نحو استيراد النفط الروسي جاء نتيجة لتحول الإمدادات التقليدية إلى السوق الأوروبية بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، واصفاً ذلك بأنه "خيار فرضته الظروف في سوق الطاقة العالمية". وأضاف أن من "اللافت أن الدول الغربية، خصوصاً الاتحاد الأوروبي، التي تنتقد الهند بسبب تعاملاتها مع روسيا، تواصل هي نفسها التجارة مع موسكو". ورغم تمسك نيودلهي بموقفها، كشفت مصادر في "رويترز" أن مصافي التكرير الكبرى في الهند أوقفت، الأسبوع الماضي، شراء النفط الروسي، بعد تراجع الخصومات التي كانت تحصل عليها، وتزايد المخاوف من العقوبات الأميركية المحتملة. وفي خطوة لتعويض النقص، أفادت أربعة مصادر تجارية بأن شركة النفط الهندية، وهي أكبر شركة تكرير في البلاد، قامت بشراء 7 ملايين برميل من النفط من الولايات المتحدة وكندا ومنطقة الشرق الأوسط. أعلنت وزارة التربية الوطنية عن تمديد آجال تقديم طلبات نقل الأساتذة خارج إدارتهم المستخدمة (الدخول والخروج الولائي) بعنوان السنة الدراسية 2025-2026، وذلك لفائدة الأساتذة المرسمين في الأطوار التعليمية الثلاثة (الابتدائي، المتوسط والثانوي) المتواجدين في وضعية القيام بالخدمة أزيد من 70 بالمئة من حاملي البكالوريا الجدد تحصلوا على إحدى رغباتهم الثلاث الأولى


خبر للأنباء
منذ 3 أيام
- خبر للأنباء
مساعد لترامب يتهم الهند بمساعدة روسيا مالياً خلال الحرب بأوكرانيا
اتهم أحد كبار مساعدي دونالد ترامب يوم الأحد الهند بتمويل الجيش الروسي خلال الحرب في أوكرانيا بشكل فعّال من خلال شراء النفط من موسكو، وذلك بعد أن صعّد الرئيس الأميركي الضغط على نيودلهي للتوقف عن شراء النفط الروسي. وقال ستيفن ميلر، نائب كبير موظفي البيت الأبيض وأحد أكثر مساعدي ترامب نفوذاً: "ما قاله (ترامب) بوضوح شديد هو أنه من غير المقبول أن تواصل الهند تمويل هذه الحرب بشراء النفط من روسيا". وكانت تصريحات ميلر من أقوى الانتقادات التي وجهتها إدارة ترامب حتى الآن إلى أحد الشركاء الرئيسيين للولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادي. وقال ميلر في تصريحات لقناة "فوكس نيوز": "سيصدم الناس عندما يعلمون أن الهند مرتبطة بشكل أساسي مع الصين في شراء النفط الروسي. إنها حقيقة صادمة". وذكرت مصادر في الحكومة الهندية لوكالة "رويترز" أمس السبت أن نيودلهي ستواصل شراء النفط من موسكو على الرغم من التهديدات الأميركية. ودخلت رسوم جمركية بنسبة 25 بالمئة على المنتجات الهندية حيز التنفيذ يوم الجمعة نتيجة شراء نيودلهي العتاد العسكري والطاقة من روسيا. وهدد ترامب أيضاً بفرض رسوم جمركية 100 بالمئة على واردات الولايات المتحدة من الدول التي تشتري النفط الروسي ما لم تتوصل موسكو إلى اتفاق سلام مع أوكرانيا.


خبر للأنباء
منذ 4 أيام
- خبر للأنباء
تصاعد الهجمات بين روسيا وأوكرانيا: صواريخ ومسيرات تهز الجبهتين وتحذيرات من كارثة نووية
وأفادت الإدارة العسكرية في كييف، عبر منصة "تلغرام"، أن روسيا شنّت هجومًا صاروخيًا مبكرًا صباح الأحد. وسمع مراسلو وكالة "رويترز" دوي انفجار قوي في العاصمة بعد منتصف الليل بقليل. يأتي هذا الهجوم بعد أيام من واحدة من أعنف الضربات الجوية الروسية على كييف منذ بداية العام، أسفرت عن مقتل 31 شخصًا على الأقل، بينهم خمسة أطفال، وإصابة أكثر من 150 آخرين. في المقابل، نفذت أوكرانيا سلسلة هجمات بطائرة مسيرة ليلة الجمعة ضد أهداف داخل الأراضي الروسية. وأعلنت دائرة الأمن الأوكرانية (SBU) أن الضربات استهدفت مطارًا عسكريًا في بلدة بريمورско-أختارسك جنوب غرب روسيا، حيث تسبب الهجوم بحريق في منطقة تخزن طائرات "شاهد" الإيرانية الصنع، التي تستخدمها روسيا في هجماتها على أوكرانيا. كما استُهدف منشأة صناعية في منطقة بينزا جنوب روسيا، متخصصة في تصنيع معدات رقمية عسكرية وقطع غيار للطائرات والمركبات المدرعة والسفن ضمن المجمع الصناعي العسكري. وأسفر الهجوم عن مقتل امرأة وجرح شخصين، بحسب حاكم المنطقة أوليغ ميلنيتشينكو. من جهتها، أعلنت وزارة الدفاع الروسية تدمير 112 طائرة مسيرة أوكرانية فوق سبعة أقاليم خلال نحو تسع ساعات، من ليلة الجمعة إلى صباح السبت، بينها 34 فوق منطقة روستوف. وقال يوري سليوشار، الحاكم بالنيابة في روستوف، إن القوات الروسية تصدت لهجوم جوي واسع النطاق. في سمارا، قُتل رجل مسن جراء اشتعال النيران في منزله بعد سقوط حطام طائرة مسيرة، بحسب حاكم المنطقة فياتشيسلاف فيدوريشتشيف. وفي روستوف، لقي حارس مصرعه في منشأة صناعية إثر حريق ناتج عن هجوم بطائرة مسيرة. وفي سوتشي، يواصل أكثر من 120 من عناصر الإطفاء جهودهم لإخماد حريق اندلع في مستودع نفطي يُرجح أنه ناتج عن هجوم بطائرة مسيرة. ووفق وكالة "ريا"، احترق خزان وقود بسعة 2000 متر مكعب في منطقة كراسنودار. وقررت هيئة الطيران المدني الروسي (روزافياتسيا) تعليق الرحلات الجوية في مطار سوتشي مؤقتًا لضمان السلامة. وأكد كل من روسيا وأوكرانيا أنه لا يستهدف المدنيين، مشددة كييف على أن هجماتها داخل روسيا تقتصر على البنية التحتية العسكرية، وتأتي رداً على الهجمات المتكررة على المدن الأوكرانية. وفي سياق منفصل، أعلنت السلطات الأوكرانية السبت اعتقال عدد من المسؤولين السياسيين والإداريين في إطار تحقيق في "مخطط فساد واسع النطاق" في قطاع الدفاع. وشملت الاعتقالات عضوًا في البرلمان، ورؤساء إدارات محلية، وأفرادًا في الحرس الوطني، ومسؤولين في شركات دفاعية. وكشفت وكالة مكافحة الفساد الوطنية (NABU) ومكتب المدعي العام المتخصص (SAP) أن التحقيق كشف عن "اختلاس منتظم لأموال مخصصة للقوات المسلحة، وتضخيم أسعار معدات الحرب الإلكترونية والطائرات المسيرة، مع تحويل 30% من قيمة العقود إلى جهات غير معروفة". وكان الرئيس فولوديمير زيلينسكي قد أعاد الخميس الاستقلال المؤسساتي للوكالتين بعد تراجعه عن تعديلات قانونية في يوليو أثارت احتجاجات في كييف وانتقادات من حلفاء أوكرانيا. وقال زيلينسكي: "أقدّر جهود هيئات مكافحة الفساد. من الضروري أن تعمل هذه المؤسسات بشكل مستقل، والقانون المعدل يضمن لها الأدوات اللازمة لمكافحة الفساد بفعالية". على صعيد آخر، أعلنت الإدارة المدعومة من روسيا في محطة زابوروجيه للطاقة النووية، السبت، إخماد حريق اندلع قرب المحطة بعد قصف نُسب إلى أوكرانيا. وقتل مدني في القصف، دون تسجيل إصابات بين موظفي المحطة أو أفراد الطوارئ. وتتبادل روسيا وأوكرانيا الاتهامات بالمسؤولية عن التهديدات التي قد تؤدي إلى كارثة نووية. وتُعتبر محطة زابوروجيه، الأكبر في أوروبا، متوقفة عن العمل، لكنها ما زالت بحاجة إلى تيار كهربائي مستمر لضمان تبريد الوقود النووي.