
«بنوك الوقت»
يُعرّف «بنك الوقت» على أنه نظام تبادل مجتمعي مبني على مبدأ بسيط، وهو أن ساعة من العمل تساوي ساعة من أي عمل آخر بصرف النظر عن نوع الخدمة أو مركز مقدّمها. فعلى سبيل المثال، الطبيب الذي يقدم استشارة لمدة ساعة، يكسب بها ساعة من الفني لإصلاح سيارته. والمسن الذي يحتاج إلى مرافق، يُخدم من شاب قد يطلب لاحقاً دروساً في اللغة... ولا وجود في هذا النظام للنقود ولا للعقود الرسمية، بل هو سجل مجتمعي يُراكم فيه الأفراد أرصدتهم الزمنية ويستثمرونها في تلبية احتياجاتهم، وما يُحتسب في هذا النظام هو الزمن المبذول، وما يُبنى هو الثقة والانتماء، وما يُنتج هو شبكة علاقات متبادلة تعيد صياغة معنى الاقتصاد خارج محيط الأسواق.
نشأت هذه الفكرة على يد الحقوقي الأميركي إدغار كان في ثمانينيات القرن الماضي، كردة فعل على ما وُصف بـ«إقصاء الناس من القيمة» في النظام الاقتصادي الحديث. وقد لاحظ كان أن هناك الملايين من الناس، لا سيما المسنين والعاطلين عن العمل، يملكون وقتاً وخبرة، ولكن النظام لا يعترف بأي من ذلك ما لم يكن قابلاً للتسعير النقدي، في حين ليس كل ما يقدم في الحياة قابلاً لذلك، وارتأى في ذلك وجه قصور للنظام الاقتصادي الحالي.
وفيما تبدو فكرة «بنوك الوقت» مثالية لا يمكن تطبيقها على أرض الواقع، طُبقت الفكرة في مدن عديدة. ففي اليابان، يُستخدم نظام «فوراي كيبو» منذ عقود لرعاية المسنّين؛ إذ يقدم الشباب خدمات محددة ويكسبون بموجبها أرصدة زمنية يمكن تحويلها لاحقاً إلى أقاربهم. وترتبط «بنوك الوقت» بالأزمات عند تطبيقها، وهو ما يدعم فكرة أنه عند الأزمات يعود الناس للثوابت ويلجأون لبعضهم. فحين انهارت أسواق العمل في 2008 في إسبانيا، أصبحت «بنوك الوقت» أداة فعالة لمساعدة الناس. وفي أزمة 2001 في الأرجنتين، انتشرت شبكات تبادل غير نقدية ساعدت في إبقاء الاقتصاد المحلي على قيد الحياة. وبعد زلزال اليابان عام 2011، أثبتت المجتمعات التي تمتلك «بنوك وقت» قدرةً أكبر على إعادة تنظيم الرعاية والدعم الذاتي. وفي حين لم تكن بديلة عن الدولة آنذاك، فإنها أثبتت أنها شبكة أمان أخلاقية وفرت الدعم حين تعطلت الشبكات الرسمية.
وبالطبع لم تسلم «بنوك الوقت» من النقد؛ فهي في وجهة نظر البعض نموذج مثالي لا يمكن تعميمه في اقتصاد معقد قائم على تخصصات دقيقة، وهي تعارض مبدأ الكفاءة الاقتصادية من حيث عدم تمييزها بين الأعمال المتخصصة والبسيطة؛ فالساعة التي يقضيها الطبيب مع المريض، قضى مقابلها سنوات طويلة من الدراسة المتخصصة، ولا يمكن أن توازي ساعة عمل للميكانيكي الذي حصل على شهادته الفنية في سنتين، بل حتى في معنى الخدمة؛ فساعة في إنقاذ حياة لا تساوي ساعة في غرس شجرة.
إن أول ما يتبادر للذهن عند الحديث عن الاقتصاد هو الأرقام والأرباح والرسوم البيانية، ولكن الاقتصاد البديل بمفهوم «بنوك الوقت» يقدم نظرة مختلفة؛ فهو يفضّل القيم الاجتماعية والإنسانية على مبادئ الكفاءة الاقتصادية، وفي حين تنظر الأولى إلى العدالة والشمول والانتماء، تنظر الثانية في الاستخدام الأمثل للموارد لتحقيق أقصى منفعة مالية ممكنة. وفيما تبدو فكرة «بنوك الوقت» غير قابلة للتنفيذ على نطاق مجتمعي واسع، فإنها تطرح وجهة نظر تبيّن القصور في النظام الاقتصادي الحديث الذي لا ينظر في الجانب المجتمعي لبعض أضعف الفئات في المجتمع، ويتجاهلهم في منظومته المعقدة التي حوّلت كل المؤشرات نحو الربح والخسارة.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

العربية
منذ 10 ساعات
- العربية
تراجع متوسط أسعار فائدة التمويل العقاري في أميركا
تراجع متوسط سعر الفائدة على قروض التمويل العقاري أجل 30 عامًا في الولايات المتحدة خلال الأسبوع الحالي، ليخفف قليلًا العبء عن المشترين المحتملين، الذين يواجهون أسعارًا قياسية للمساكن. وتراجع متوسط سعر الفائدة للقروض أجل 30 عامًا إلى 6.74% خلال الأسبوع الحالي مقابل 6.75% خلال الأسبوع الماضي و6.78% خلال الفترة نفسها من العام الماضي، بحسب بيانات مؤسسة "فريدي ماك" للتمويل العقاري الصادرة اليوم الخميس. في الوقت نفسه، ارتفعت فائدة القروض أجل 15 عامًا المفضلة لدى أصحاب المساكن الذين يرغبون في إعادة تمويل قروضهم الحالية لخفض الفائدة، حيث وصل متوسط الفائدة إلى 5.87% خلال الأسبوع الحالي مقابل 5.92% خلال الأسبوع الماضي و6.07% خلال الفترة نفسها من العام الماضي، وفق وكالة "أسوشييتد برس". وتُضيف أسعار فائدة التمويل العقاري المرتفعة مئات الدولارات شهريًا إلى نفقات المقترضين، وتُقلل قدرتهم الشرائية. وقد ساهم ذلك في استمرار ركود المبيعات في سوق السكن الأميركية منذ عام 2022، عندما بدأت أسعار فائدة التمويل العقاري في الارتفاع من أدنى مستوياتها التي وصلت إليها خلال جائحة فيروس كورونا المستجد عام 2020. وتراجعت مبيعات المساكن القائمة في الولايات المتحدة خلال العام الماضي إلى أقل مستوياتها منذ حوالي 30 عامًا. ومازالت هذه المبيعات ضعيفة خلال العام الحالي، حيث يتردد الكثيرون من المشترين المحتملين في الشراء بسبب استمرار ارتفاع أسعار المنازل وأسعار الفائدة وإن كان بوتيرة أبطأ.


أرقام
منذ 10 ساعات
- أرقام
تقرير: انقسام بين أعضاء المركزي الأوروبي حول إجراء خفض آخر للفائدة
يشهد البنك المركزي الأوروبي انقساماً في آراء صناع السياسة النقدية بشأن إجراء خفض آخر لأسعار الفائدة، في ظل استقرار التضخم عند مستهدف 2% وصمود الاقتصاد أمام الاضطرابات التجارية، وفقاً لما أوردته وكالة "بلومبرج" في تقرير. أوضحت الوكالة نقلاً عن مصادر مطلعة، أن السيناريو الأساسي لاجتماع سبتمبر المقبل يميل نحو تثبيت أسعار الفائدة، بعد ثمانية تخفيضات منذ يونيو 2024. وأضافت المصادر أن العبء يقع الآن على من يطالبون بمزيد من التيسير النقدي لتبرير موقفهم، وليس العكس، لكن مآلات المحادثات التجارية مع الولايات المتحدة، والتي تنتهي مهلتها في مطلع أغسطس، قد تغير تقديرات صناع السياسات. وثبّت المركزي الأوروبي اليوم، الخميس، أسعار الفائدة لأول مرة منذ أكثر من عام -عند 2%- وسط ترقب لنتائج المفاوضات التجارية مع واشنطن.

العربية
منذ 11 ساعات
- العربية
تراجع مبيعات المساكن في أميركا مع ارتفاع سعر الفائدة
تراجعت مبيعات المساكن في الولايات المتحدة خلال شهر يونيو الماضي، مع ارتفاع أسعار الفائدة على قروض التمويل العقاري ووصول الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة. وذكر الاتحاد الوطني للمطورين العقاريين، اليوم الأربعاء، أن مبيعات المساكن القائمة تراجعت بنسبة 2.7% خلال الشهر الماضي مقارنة بالشهر السابق، لتصل إلى ما يعادل 3.93 مليون وحدة سنويًا بعد وضع المتغيرات الموسمية في الحساب. في الوقت نفسه سجلت المبيعات خلال يونيو استقرارًا مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي، وكان المحللون يتوقعون وصول المبيعات خلال الشهر الماضي إلى ما يعادل 4.01 مليون وحدة سنويًا، وفق وكالة "أسوشييتد برس". وزادت أسعار المساكن على أساس شهري للشهر الرابع والعشرين على التوالي، وارتفع متوسط سعر بيع المساكن في الولايات المتحدة خلال الشهر الماضي بنسبة 2% سنويًا إلى 435.3 ألف دولار للمسكن مسجلًا أعلى مستوى له على الإطلاق. ووفقًا للاتحاد الوطني للمطورين العقاريين، بلغ عدد المنازل غير المباعة في السوق الأميركية بنهاية الشهر الماضي 1.53 مليون منزل، بانخفاض نسبته 0.6% شهريًا، لكنه ارتفع بنحو 16% عن يونيو من العام الماضي. ومع ذلك، لا يزال هذا العدد أقل بكثير من العدد المعتاد قبل جائحة كورونا، والذي بلغ حوالي مليوني منزل. ويكفي المعروض من المساكن في السوق حاليًا لتغطية الطلب لمدة 4.7 شهر وفقًا لوتيرة المبيعات الحالية، مقابل ما يكفي 4.6 شهر في نهاية مايو، و4 أشهر في يونيو من العام الماضي.