التواصل مع الشعوب لا يعني الاستلاب الثقافي واللغوي
مراصدإعداد: جمال بوزيانالجزء الثانياللسان الأصيل يحفظ هُوية الأمة..التواصل مع الشعوب لا يعني الاستلاب الثقافي واللغويكثيرا ما تثار كتابة أسماء المؤسسات والشركات في اللوحات الإشهارية للمَحالِّ بلسان غير عربي وأيضا الأسماء والألقاب عبر مواقع التواصل الاجتماعي لفئات واسعة من الأمة العربية وقد طال ذلك التوقيعات بلسان أجنبي في الشهادات وغيرها.تطرح الأسئلة نفسها: هل يعد ذلك تبعية ثقافية أم هو من قبيل غنيمة حرب ؟ وألا يعد إهانة ثقافية ما يزال المنسلخون عن ذواتهم الحضارية يعتمدونها حتى زمن الحرية والاستقلال؟ وما الأسباب المباشرة وغير المباشرة لتلك السلوكات؟ وألا يعد طعنا في الهوية الحضارية للأمة؟ وكيف نحميها من الغزو الثقافي والتقليد الأعمى الذي عشش طويلا؟ ماذا تقترح عموما؟ وما إرشاداتك لمن يجهلون تبعات ذلك؟./////
اللغة الأجنبية في الفضاء العام الجزائري.. غنيمة حرب أم اغتراب فكري وثقافي؟أ.ياسمينة صاف
اللغة العربية ككل لغات العالم هي لغة تفكير وورشة إنتاج الرؤى الحضارية المتجددة واللغة ليست مجرد تعبير عن فكر جاهز كما قد يعتقد البعض بقدر ما هي أداة تفكير وتأسيس معرفي ومركز انتاج للثقافة والفن والإبداع اللغة هي بيت الوجود على حد تعبير الفيلسوف الألماني. هذا وقد أشار هيجل أن الانسان يفكر داخل الكلمات فاللغة هي الفكر ذاته ولا يمكن الفصلMartin Hidegger بينهما.. فنحن نفكر باللغة التي نتداولها ونتشرب القيم الثقافية من خلالها ومن هنا يبرز دور اللغة في المحافظة على الهوية العربية والإسلامية ومن المفكرين الجزائريين - الذين أدركوا أهمية اللغة في الحفاظ على الفكر الإسلامي محمد بن عبد الكريم الجزائري الذي أكد على هذه الأهميةَ من خلال عنوان كتابهِ: لغة كلِّ أمة روح ثقافتها .. إنَّ القارئ لهذا الكتاب يدركُ أنَّ الثقافة جسد واللغة روحها الحية التي لولاها لصار هذا الجسدُ جثة هامدة لا قيمة دلالية لها ويشرحُ لنا صاحب الكتابِ هذه القضية أكثر فيقول: والنتيجةُ أنَّ أيَّ شعب أهمل لغتَه واستعار لغة شعب آخر فسُلوكُه وتفكيرهُ - هما الآخران - مستعاران بالدرجة الأولى ومن كان كذلك فلا شخصيةَ له ومن لا شخصيةَ له فلا ثقافة له ومَن لا ثقافة له فحظُّه في الحياة تقليدٌ أعمى أعاذنا الله منه! ولسنا بمخطئين عندما نُصَرِّحُ بأنَّ علاقة الثقافة [1باللغةِ بمنزلة علاقة الروح بالجسد [. إنَّ هذا القول المهم يكشفُ عن نقطة رئيسة فحواها أنَّ العلاقة بين اللغةِ والثقافة ليست علاقة أداة تواصل حسب رأي بعض الجاهلين بأسرار اللغة جهلًا أوتجاهلًا دفَعهم إلى التساهلِ في استبدالِ اللغة الأجنبية باللغة العربية وحجتهم في ذلك أنَّ الحياة العصريَّة تقتضي ما زعموه وقد غاب عنهم أنَّ الحياة على وجهِ العمومِ ما هي سوى سلوك وتفكير وأنَّ سلوكَ الشعوب وتفكيرهم محدودان بلغاتهم [ومرهونان في تعابيرهم [2 .
إنَّ العلامة محمد بن عبد الكريم الجزائري في هذا القول يُحذِّرُ من تلكَ الدعوات الباطلة التي تنظرُ إلى اللغة العربيةِ على أنَّها مجرد وسيلة تخاطب فحسب يمكن إحلال اللغات الأجنبية محلها بدعوى أنَّ اللغة العربية لغة قديمة غير قادرة على مواكبةِ تغيُّراتِ العصر التكنولوجي جاهلين أو متجاهلين أنَّ اللغة العربية الفصحى قد اختارها اللهُ من بين جميع اللغاتِ لتكون لسان القرآن الكريم لقُدرتها العجيبة على قول ما لا تستطيع باقي اللغات قولَه بدقة وعمق أو الإحاطة بالأسرار الربانيَّةِ اللامتناهيةِ وقد سعى المستدمر قديما والاستكبار العالمي اليوم إلى محاربة اللغة العربيةِ عن طريق القوة الصلبة قديما أما اليوم فعن طريق القوة الناعمة فصارت الحرب على اللغة العربية بطرق حديثة من بينها: الدعوة إلى استخدام اللهجاتِ واللغات الهجينة والأجنبية مكان اللغة العربية الفصحى في عملية التواصل بين الأفراد و في التعليم والإدارة بدعوى أنَّ اللغة العربية الفصحى صعبة وغير عصرية وهذا الفعل المدروس الذي يرمي اللغة العربية بالعقمِ ويُشيعُ أنَّ اللغات الأجنبية حيَّة إنَّما يَهدُفُ إلى زرع عدم ثقة العرب في قوة لغتهم وهذا ما يُضعف تقدير الذات والثقة بالنفس وقطع التواصل بالعالم العربي ومن تم فقدان التوافق والانسجام بين الشعوب العربية. ان نُصرة لغة القرآن الكريم يعني إشعال جَذوةِ الأسرار الحضاريةِ اللامحدودة التي تبحث عن عقل واع ومنهجي يربط العالم العربي بحبل مقوماته الشخصية المتميزة. وقد جعل فيلسوف الحضارة مالك بن نبي مشكلة الثقافة في كتابه مشكلة الثقافة )المدخل الرئيسي للتجديد الحضاري. واللغة كما نعلم يقينا لها تأثيرها المباشر والحساس على العالم الثقافي ايجابا وسلبا خاصة والعالم الاسلامي يواجه موجات من الغزو الفكري والثقافي عن طريق العولمة بأساليب متجددة والتحديات باتت أكبر من أي وقت مضى.
ومن الملاحظ في الواقع والمواقع أن كثير من المدن الجزائرية بات مألوفا أن نصادف فيها لوحات إشهارية لمَحالَّ تجارية مكتوبة بالكامل بلغة أجنبية غالبًا بالفرنسية أو الإنجليزية. كما أصبح من الدارج استخدام الشباب أسماءً وألقابًا غير عربية على وسائل التواصل الاجتماعي بل أكثر من ذلك أن تُوقّع الشهادات العلمية أو تُعدّ الوثائق الرسمية بلغة أجنبية على الرغم أن بلادنا تتبنى اللغة العربية لغة رسمية وهذا الأمر أصبح بارزا في الآونة الأخيرة بشكل يدعو للاستغراب! فهذا الغزو اللغوي في الفضاء العام يطرح تساؤلات جوهرية: هل استبدال اللغة العربية بلغات أجنبية هو تعبير عن انفتاح علمي وثقافي مؤسس واستثمار إيجابي لما تقدمه اللغات العالمية؟ أم أنه انعكاس لاغتراب فكري وبعد عن الهوية الثقافية والوطنية؟ وهل يُعدّ استمرارهذه الظاهرة ضربًا من التبعية اللغوية والثقافية أم ضرورة تفرضها العولمة؟.
ففي سياق تاريخي وسياسي يرى كثير من الناس أن استعمال اللغة الأجنبية في البلدان العربية هو امتداد لإرث استدماري قديم حيث خلف الاستدمار الغربي وراءه لغته كوسيلة للهيمنة الثقافية والسياسية عن طريق استخدام لغته في أغلب الإدارات والمؤسسات. ويستشهد هؤلاء بتوصيف بعض الأدباء والمفكرين الجزائريين من بينهم عبد الله شريط ومالك حداد ومحمد أركون ومحمد ديب والمفكر مالك بن نبي للغة الأجنبية في بعض المجتمعات العربية ومن بينها الجزائر بأنها: غنيمة حرب بعضهم عدَّ هذا تبريرا لاستعمال لغة المستدمر تأثرا بالثقافة الفرنسية وآخرون رأوا فيها واقعية ثقافية تعبر عن مخلفات الاستدمار بمعنى أن النخب المحلية تبنّتها بعد الاستقلال كوسيلة للترقي الاجتماعي والاقتصادي لكن المفارقة أن هذه الغنيمة لم تكن مؤقتة بل تطورت إلى ما يشبه الهيمنة الثقافية التي أفرزت طبقة من المتعلمين والمثقفين الذين يشعرون بالتفوق لمجرد إتقانهم للغة الفرنسية ما عزز الفجوة بين العامة والنخبة وأسهم في تعميق الاغتراب الفكري واللغوي فاللغة هي وعاء الفكر والثقافة ولا يمكن اعتبار اللغة وسيلة تخاطب فحسب كما أكد العديد من العلماء وخبراء اللغة.
من جهة أخرى يؤكد آخرون أن أسباب استعمال اللغة الفرنسية هي اقتصادية وتقنية بحتة فلا يمكن تجاهل أن بعض استعمالات اللغات الأجنبية مردّها إلى أسباب عملية فالشركات العالمية التي تفتح فروعها في العالم العربي ومن بينها الجزائر تفرض تسميات موحدة بلغتها الأصلية كما أن العديد من العلوم الحديثة تُدرّس بالإنجليزية أو الفرنسية وهو ما يدفع الجامعات إلى تبنّي هذه اللغات للحفاظ على جودة التعليم إضافة لذلك فإن أصحاب المشاريع التجارية الصغيرة يرون في الأسماء الأجنبية عامل جذب تجاري إذ تترك انطباعًا بالعصرية وعنوان الرقي والتقدم لكن رغم الدوافع العملية فإن انتشار اللغة الأجنبية على حساب اللغة العربية في الفضاء العام يحمل في طياته تداعيات ثقافية ولغوية ومخاطر جمّة اذا لم يتم رفع مستويات الحصانة الفكرية والأمن الفكري والحفاظ على اللغة العربية بشكل متوازن ومن أبرز هذه المخاطر:تآكل الهوية اللغوية:عند ما تُزاح العربية من الفضاء العام يُهمش دورها في تشكيل الوعي الجماعي ويتراجع حضورها في الحياة اليومية وتضعف العلاقة الوجدانية والنفسية باللغة الأم فتصبح اللغة العربية غريبة عن شعور الناس وسلوكاتهم اليومية ووجدانهم.ضعف تقدير الذات:وهي مشكلة نفسية تصيب بعض عناصر الجيل الحالي الذي أصبح يرى في لغته الأم أداة تقليدية متخلفة لا تفي بالأغراض العلمية والتجارية وفي اللغة الأجنبية رمزًا للتقدم والحداثة. والقدرة عن التعبير وحقيقة الأمر أن اللغة تنمو وتتطور بالاستعمال وتفقد القدرة على مواكبة متطلبات العصر إذا ما أهملها أبناؤها.الاغتراب الثقافي:وهذه مشكلة كبيرة حيث يتم الانفصال بين اللغة والتفكير مما يخلق فجوة داخل شخصية الفرد فيصعب عليه التعبير عن ذاته وهويته بشكل واضح ومتكامل فيصبح مغتربا ثقافيا عن المجتمع الذي يعيش فيه وهنا يكمن الخلل وقد تحدث مفكر الحضارة مالك بن نبي عن اللغة كغنيمة حرب فما هي رؤيته؟
في كتابه الصراع الفكري في البلاد المستعمَرة يقدم المفكر الجزائري مالك بن نبي وصفًا بالغ الدقة لتأثير الاستدمار اللغوي والثقافي مشيرًا إلى أن اللغة الأجنبية التي تُترك في البلاد بعد رحيل المستدمر تصبح بمثابة غنيمة حرب غير أن هذه الغنيمة كما يوضح ليست مجرد مكسب لغوي بل تحمل في طياتها تبعات فكرية خطِرة فقد قال بن نبي: لقد خرج المستعمر وبقيت لغته غنيمة حرب في يد أبناء البلد يستخدمونها كأداة للوجاهة الاجتماعية والارتقاء بينما تتراجع لغتهم الأم إلى الهامش . بهذا الطرح ينتقد ابن نبي الفئات التي تتبنى اللغة الأجنبية لا كوسيلة للعلم بل كرمز للتمايز الطبقي والترفع عن المجتمع بحجة التحضر.. إن استمرار هذا النمط يعمّق الانفصام بين النخبة وعامة الناس ويحول دون بناء مشروع حضاري شامل أصيل يعتمد على أدوات الأمة الذاتية وفي مقدمتها اللغة وبتضافر الجهود المشتركة لكل أبناءالمجتمع الواحد.ومن هنا ندرك أننا بين التوازن والقطيعة ليس المطلوب رفض استعمال اللغات الأجنبية فإتقانها أولوية لأي نهضة علمية وبناء حضاري خاصة أننا نعيش في عالم معولم فاللغات الأجنبية هي مفاتيح للعلم والانفتاح. لكن الإشكال يكمن في استخدامها بديلاً للغة العربية وليس مكملا لها.. خاصة هذا الاستعمال الهائل للغة الاجنبية في الفضاء العام الذي من المفروض أن يكون معبرا عن الهوية الوطنية والاجتماعية وعن شخصية أبناء الأمة.. ويمكن تصور نموذج ثقافي متوازن تكون فيه اللغة العربية سيدة الحضور في الفضاء العام بكل فخرواعتزاز مدعومة بسياسات لغوية حازمة تمنع استعمال لغات أجنبية في لافتات المَحالِّ التجارية والمؤسسات الإدارية والتربوية والثقافية.. في حين تُستثمر اللغات الأجنبية في ميادين البحث والعلاقات الدولية من قبل المختصين في شتى العلوم والمعارف وفي مجال التكنولوجيا بشكل عام.ومن هذا الطرح نصل إلى نقطة رئيسة فحواها أنَّ نهضتنا مقرونة بنهضة لغتنا العربية ذلك أنَّ اللغة العربية هي جسر التواصل بيننا وبين تراثنا العربي العريق الغني بأسراره الحضارية اللامتناهية وعلى رأسه القرآنُ الكريمُ الذي هو جامع أسرار العلومِ والمعارفِ وتحليلٌ شمولي لأسلوب حياة أفضل يشكِّلُ بمكنوناته اللامتناهية وقودَ حضارتنا التي لن تسير عجلتُها نحو الأمام إلا بنفحاتِ هذا النص الربانيِّ الخالد ولغته العريقة ونؤكد على أن اللغة ليست مجرد وسيلة تواصل كما يعتقد كثير من الناس بل هي وعاء للفكر و للثقافة وأداة لبناء الهوية وتعبير عفوي عن التمسك بالهوية المتميزة. والتفريط في اللغة أو تهميشها هو تفريط في الهوية والانتماء والمطلوب ليس الانغلاق أمام اللغات الأجنبية بل ترسيخ مكانة العربية في نفوس وعقول أبنائنا.ان استخدام اللغة العربية في الفضاء العام والمؤسسات المختلفة يعزز حضورها ونموها وتطورها حتى لا تتحول إلى لغة تراثية لا صلة لها بالواقع الثقافي ويُترك المستقبل لازدهار لغات الآخرين. فالأمر ليس مجرد كتابة لوحة فوق مَحالّ تجارية أو مؤسسات أو توقيع شهادة بل هو انعكاس لاختياراتنا الحضارية التي تعبر بكل تأكيد على هويتنا الدينية والوطنية وترسخ مكانة اللغة في ضميرنا النفسي والاجتماعي وعلى حد تعبير مالك بن نبي: لم تعرف البشرية شعبا تطور بغير لغته ./////حروف الآخرين على جبين مدينتنا..اغتراب لغوي في محيط عربيأ.سعاد عكوشيأولا: واقع اللغة في العالم العربيفي قلب المدن العربية من الخليج إلى المحيط تتحدث اللوحات الإشهارية بلغة غريبة عن ألسنة أهلها.. تمرّ أمام المقاهي والمَحالّ والأسواق فتقرأ أسماءً فرنسية أو إنجليزية وقد تجد في أحسن الأحوال حروفًا هجينة تجمع بين أبجديات لا تتناغم إلا في وهم أصحابها. ما عاد هذا المشهد غريبًا بل أصبح مألوفًا حتى لكأنه الأصل وكل ما عداه تقليد ممل.لكن خلف هذه المظاهر البصرية التي قد تبدو تجارية أو عصرية بريئة تختبئ إشكاليات عميقة تتعلق بالهوية والانتماء بالذات واللغة بالتاريخ والاستقلال وبالتبعية والاستلاب الثقافي. فلنسبر أغوار هذا المشهد لنفهم دوافعه مآلاته وسبل مقاومته.لم تعد اللغة الأجنبية مجرد وسيلة تواصل أو انفتاح بل تحوّلت في الذهنية العامة إلى رمز رقي و نجاح و تحضر حتى غدت الأسماء الأجنبية بطاقة عبور نحو ما يُظن أنه عالم أفضل.أمام هذه الواجهة اللغوية المستوردة تقف اللغة العربية – لغة الهوية والحضارة والقرآن – في موقع المتهم بالضعف أو على الأقل غير المؤهل للتعبير عن الحداثة والعصرنة زمن العولمة فهل يُعقل أن تصبح لغة الأمة عبئًا يتنصل منه أبناؤها؟ أم أن ما نعيشه اليوم هو إحدى تمظهرات الهزيمة النفسية والحضارية؟.ثانيًا: الأسباب المباشرة وغير المباشرةللظاهرة أسباب كثيرة مباشرة وغير مباشرة أهمها:الإرث الاستدماري فالكثير من الدول العربية عاشت تحت الاحتلال الغربي ولم يكن ذلك استدمارًا سياسيًا فقط بل ثقافيًا ولغويًا أيضًا. فقد تم فرض لغة المستعمر في التعليم والإدارة والاقتصاد وترسيخها بوصفها لغة العلم و العقلانية . بعد الاستقلال لم يتم تفكيك هذا الإرث بل استُبقي ضمنًا واستمر تأثيره في البنية المجتمعية والرمزية.الفراغ التربوي والتاريخي : إذ نشأت أجيال عربية كثيرة على جهل بتاريخها الحضاري دون أن تتلقى تربية لغوية تنمّي الاعتزاز بالذات تغيب مواد الهوية عن مناهج التعليم ويكاد الطفل العربي لا يسمع بإنجاز علمي أو فكري عربي إلا عرضًا بينما يُحتفى بالغرب ومنجزاته دون وعي نقدي.الاقتصاد والسوق والإشهار حيث ارتبطت اللغة الأجنبية غالبًا بعالم المال والأعمال لأن السوق تميل لما تعتقد أنه أكثر جذبًا واللغة الأجنبية – في المخيال العام – تعني فئة مستهلكة أعلى أو صورة أرقى . وهنا تتماهى المصالح الاقتصادية مع الصورة النمطية فتترسخ الظاهرة أكثر.هيمنة المحتوى الرقمي الأجنبي وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية تدفع باتجاه استخدام أسماء أجنبية لكون الأنظمة مهيأة لذلك أو لأن المحتوى الذي يُستهلك أساسًا بلغة أجنبية. يختار كثير من المستخدمين أسماء مستعارة أجنبية ويوقّعون رسائلهم بحروف لاتينية ظنًّا أن ذلك أكثر عصرية.تقليد سطحي بلا وعي: وهو أخطر الأسباب وهو ما يُعرف ب اللاوعي المقلِّد حيث يُعاد إنتاج السلوك لمجرد أنه متداول دون تحليل أو فهم. هي ذهنية القطيع في أضعف صورها حيث تتكرّر أنماط التغريب في التسمية والإشهار والظهور دون أن يتوقف أصحابها للسؤال: لماذا أفعل ذلك؟ وماذا يعني أن أكون ناطقًا بلغة غيري في بلدي؟.أجد ما يحدث إهانة ثقافية مقنّعة فاللغة ليست مجرد أداة بل هي مخزن الذاكرة وحاملة القيم وحين تُقصى اللغة العربية من فضائها الطبيعي فإن ذلك لا يُفهم إلا إقصاءً لما تمثله من هوية وانتماء. إن استبدال الأسماء العربية بأجنبية – خصوصًا حين يكون المتلقي عربيًا – لا يُعد خيارًا تجاريًا بريئًا بل تعبيرًا عن إحساس خفي بالدونية واعتقاد ضمني بأن لغة الآخر أقوى وأن الانتماء للذات ضعف .ولعلّ الخطر الأكبر أن تتحول هذه الممارسات من ظواهر معزولة إلى بديهيات ثقافية لا تُناقش ويتربّى عليها الجيل الجديد حينئذ يصبح التنازل عن اللغة تنازلًا عن الحضارة بل عن الحق في الانتماء.رابعًا: الغزو الثقافي بصورته الناعمةنحن اليوم لا نُستعمر بالسلاح بل بالأفكار الناعمة.. الغزو الثقافي لا يقرع الأبواب بل يتسلل عبر اللغة والمصطلح والموضة والمحتوى وشكل التسمية. حين يتخلى التاجر عن العربية في اسم محله وحين يوقع الطالب العربي بالإنجليزية في شهادة تخرجه وحين يسمّي أحدهم شركته بلغة المستدمر القديم فهو – عن قصد أو جهل – يعيد إنتاج الاستدمار بصيغة جديدة.وهكذا يتحقق هدف الاستدمار دون إطلاق رصاصة واحدة: أن يرى العربي ذاته أقل ولغته أضعف وتاريخه هامشيًا.لذلك يتعين علينا إعادة الاعتبار للغة العربية في كل ركن وزاوية وترسيخها في العقول والقلوب وذلك بما يأتي:إعادة الاعتبار للغة العربية.فرض اللغة العربية في الإشهار والتراخيص الرسمية.دعم مبادرات الترجمة وتعريب المصطلحات التقنية.إحياء الفخر باللغة لا من باب التعصب بل بوصفها لغة حضارة وفكر.تربية لغوية منذ الصغر.إدراج مواد عن تاريخ اللغة العربية ودورها الحضاري في المناهج.تدريب الأطفال على الكتابة الإبداعية بالعربية وتذوق جمالياتها.تشجيع الإبداع بلغتنا.تشجيع العلامات التجارية التي تستخدم العربية بأناقة ورقي.تنظيم مسابقات لاختيار أفضل تسمية عربية للمشاريع الناشئة.نقد النموذج المقلّد.كشف هشاشة النموذج الذي يرى في الأسماء الأجنبية رمزًا للنجاح.تقديم دراسات تبين أن عدّة شركات عالمية غير غربية نجحت بأسمائها المحلية مثل: ( سامسونغ سوني هواوي ).إنتاج محتوى مرئي وإشهاري بجودة عالية باللغة العربية.أيها التاجر أيها الشاب أيتها الفتاة.. إن استخدامك للغة أجنبية في غير سياقها خاصة في فضائك العربي ليس حيادًا بل هو موقف واعلم أن الأسماء ليست مجرد حروف بل هي رسالة تُبثّ للعالم وإعلان عن هويتك وموقعك الحضاري.أنت عند ما تختار اسمًا أجنبيًا لصفحتك أو متجرك فإنك تُسقط دون وعي جزءًا من ذاتك وتقدم نفسك بلغة ليست لغتك لمن لا ينتظرها فهل ترضى أن تعيش على حافة وجودك وتنتحل صورة ليست صورتك؟.
أخيرا نحن في زمن العولمة وزمن تواصل الشعوب.. ولكن العولمة لا تعني الذوبان ولا التواصل يعني الاستلاب يمكن أن نتعلم لغات الآخرين بل يجب لكن من موقع الندّ لا من موقع التابع فلنُجدّد علاقتنا باللغة لا بوصفها أداة بل باعتبارها قلب الهوية وروح الوجود. ولنكتب أسماءنا – نحن – بأحرفنا وبفخر.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


خبر للأنباء
منذ 11 ساعات
- خبر للأنباء
التجويع للتهجير
بات الهدف من وراء سياسة التجويع الإسرائيلية ضد أبناء غزة، بات واضحاً. التضييق عليهم بالجوع كي يخرجوا من ديارهم، ليُكتب بعد ذلك أن غزة كانت أرضاً بلا شعب، كما قالوا عن فلسطين. هم ليسوا متأكدين من نجاح الخطة، ولكنهم يحاولون. مهما كانت المعاناة فإن صمود أبناء غزة على أرضهم سيسقط تلك السياسة الخبيثة للتهجير القسري، والتطهير العرقي. الثمن باهظ جداً، والضغوط تزداد يوماً بعد آخر، لكن التهجير - لو تم - سيؤسس لنكبة جديدة، على طريق التغريبة الفلسطينية، لا سمح الله. جرب نتنياهو كل الوسائل القذرة من القتل والتهجير الداخلي والحصار والترهيب والترغيب وزراعة العملاء، وتسليح المرتزقة، وكما فشل في كل ذلك، سيفشل في سياسة التجويع. لم تعد غزة مجرد مدينة، ولكنها أصبحت رمزاً ملهماً لكل شعوب العالم.


الشروق
منذ 13 ساعات
- الشروق
عدوّ حبيبي مايكون طبيبي
أسرة الكتاني في المغرب الأقصى أسرة علمية ما يرتاب في ذلك مرتاب، ولكنهم ليسوا سواء في المواقف الوطنية، فمنهم الوطنيون الذين وقفوا مواقف الشرف في مواجهة العدو الفرنسي، ومنهم من ركنوا إلى الفرنسيين واتخذوهم أولياء من دون المؤمنين. وحتى من الناحية الدينية منهم الإصلاحيون المصلحون، ومنهم من تاجروا بدين الله. رمز الكتانيين المنحرفين دينيا ووطنيا هو الشيخ عبد الحي الكتاني، الذي آتاه الله آيات فانسلخ منها، وضلّ عن علم فهلك عن بينة، ومعارضته للسلطان محمد الخامس لا يبرر ارتماءه في حضن فرنسا إلى درجة أنه كان ثالث ثلاثة في المؤامرة على خلع محمد الخامس عن عرشه في سنة 1953 إلى جانب الدمية ابن عرفة و'القرد البشري' التهامي الجلاوي.. وكانت فرنسا قد وضعته على رأس اتحاد زوايا المغرب العربي، فكان كثير التنقل بين أجزائه حتى سماه الإمام الإبراهيمي 'الهائم'. وقد كتب عنه مقالا كان آية مبنى ومعنى، وقد نشره في الجريدة المجاهدة 'البصائر' في 26/4/1948. (آثار الإمام الإبراهيمي ج 3 صص539-547). وقد قبض الله روحه في 1962، ودفن في فرنسا، فما بكت عليه السماء والأرض، لأنه آثر العاجلة ووذر الآجالة. وأما رمز الكتانيين لإصلاحيين الوطنيين فهو محمد إبراهيم الكتاني (1907-1990)، وقد كني لوطنيته 'أبو المزايا'. كان مثله الأعلى وأسوته المثلى هو الإمام محمد البشير الإبراهيمي حتى أنه سماه: 'آية الله' وذلك في مقال نشره في جريدة العلم المغربية في بداية شهر أكتوبر من سنة 1953، وكان يقول: 'أنا كتّانيّ نسبا لا طريقة'. وكان يتردد على الجزائر، وله صور مع أعضاء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين. والد محمد إبراهيم الكتاني اسمه أحمد، وهو من علماء القرويين، ولد حوالي 1874، وتوفاه الله في 1922، وقد ترك أعمالا علمية كثيرة بين رسالة وكتب. شاهد أحمد الكتاني احتلال في فرنسا لبلده المغرب في 1912، فدعا الله -عز وجل- أن لا يلاقيه بفرنسي، وأن لا يريه وجه فرنسي، وقد أبرّه الله وكرم وجهه فأسلم روحه ولم تقع عيناه على فرنسي مباشرة. في آخره عمره مسه الضر، واشتد عليه المرض، وأعيا داؤه الرقاة فاقترح عليه أن يؤتى بطبيب فرنسي، وألحوا عليه في ذلك فانتفض غاضبا وقال: 'عدو حبيبي مايكون طبيبي' فذهب قوله مثلا سائرا. وقد ذهب في تفسير كلامه مذهبان، أحدهما يقول إنه قصد بكلمة 'حبيبي' رسول الله -عليه الصلاة والسلام- وثانيهما يذهب إلى أنه يقصد بكلمة 'حبيبي' بلده المغرب. والتعبير يحتمل المعنيين، ولا مانع من الجمع بينهما، رحم الله كل مسلم عدو لفرنسا الصليبية، وضاعف العذاب لكل خوّان أثيم.


الشروق
منذ 2 أيام
- الشروق
هكذا يتم العمل على صهينة المملكة المغربية
كشف الناشط الحقوقي ورئيس المرصد المغربي لمناهضة التطبيع، أحمد ويحمان، عن ما وصفه بـ'الخطر المصيري' الذي يتهدد المغرب نتيجة اختراق صهيوني عميق، لم يعد يقتصر على العلاقات الرسمية، بل امتد إلى مستويات رمزية وثقافية وسياسية تهدد روح الدولة وهويتها الجامعة. ويحمان وفي منشور مطول على صفحته في فايسبوك، استند إلى واقعة أثارها مؤخرًا النائب البرلماني عبد الله بوانو داخل قبة مجلس النواب –برلمان المملكة المغربية-، حين طالب بحل لجنة الصداقة البرلمانية المغربية 'الإسرائيلية'، واصفًا إياها بـ'اللجنة الملعونة'. وقد دعم ويحمان هذا الوصف وذهب أبعد منه، معتبرًا أن اللجنة وُلدت من خارج أي شرعية سياسية أو أخلاقية، بل من 'خطيئة' تمثل، حسب قوله، خيانة واضحة لمواقف الشعب المغربي وتاريخه في دعم القضية الفلسطينية. ضابط مخابرات صهيوني يحرك المشهد الإعلامي المقال لم يقف عند حدود اللجنة، بل اعتبرها مجرد واجهة صغيرة لاختراق واسع وشامل لما سماه بـ'غابة الصهينة الناعمة'، مشيرًا إلى أن تحركات خفية تجري في خلفية المشهد، تتغلغل في الإعلام، والثقافة، والدين، والتاريخ، وتستهدف ما اسماه ' المغرب وسيادته الرمزية والمجتمعية'. ويحمان قدم مجموعة من الأمثلة التي اعتبرها دلائل واضحة على حجم الاختراق الصهيوني، وارتباط بعض الأسماء المغربية بمراكز صهيونية رسمية أو مؤسسات فكرية تتبع لمستشاري نتانياهو. ومن بين ما أورده، ما نسبه إلى الإعلامي أحمد الشرعي، الذي يشغل عضوية منظمة صهيونية يقودها ضابط استخبارات صهيوني، وكتب في أحد مقالاته 'كلنا إسرائيليون'، بينما يقود شبكة إعلامية وصفها المقال بـ'العصابة'، تتولى تقديم إسرائيل كقدوة ومهاجمة كل من يعارض التطبيع أو يدافع عن القضية الفلسطينية. هكذا يتواجد الرئيس الصهيوني في المملكة كما سلط ويحمان، الضوء على واقعة مشاركة يوسف أزهاري، رئيس فرع جمعية يرأسها الرئيس الصهيوني إسحاق هرتسوغ، في زيارة إلى تل أبيب، حيث أدلى بتصريح مثير اعتبره ويحمان 'جريمة رمزية'، حيث تم التطاول على رسول الله عليه الصلاة والسلام. الأخطر، بحسب المقال، أن أزهاري وزميله جاكي كادوش برّرا تصرفاتهما بأنها تمت بـ'علم ومباركة من الملك'، وهي عبارة وردت في أكثر من تصريح إعلامي. هذه التصريحات، وفق ويحمان، ليست مجرد زلات لسان، بل تدخل ضمن إستراتيجية أوسع قال بشأنها إنها تهدف 'لضرب المرجعية التاريخية والروحية للمؤسسة الملكية، وتشويه الأساس الشرعي للملكية. من بين الوقائع التي وصفها الكاتب بـ'الفتاوى الصهيونية'، ما صرّح به شخص يُدعى محمد أوحساين، قال علنًا إن الملك محمد السادس يهودي الأصل ولا علاقة له بآل البيت. ويقول ويحمان إن هذا النوع من الخطاب يُروّج في أوساط ضيقة في الرباط من قبل جهات مرتبطة بالمكتب الصهيوني، ويهدف إلى صهينة هوية الدولة. حذف أسماء شهداء فلسطينيين وتعويضها بأسماء جنود صهاينة كما انتقد بشدة الدعوة التي أطلقها عبد الله الفرياضي، من أجل حذف أسماء الشوارع التي تحمل أسماء قادة وطنيين وشهداء فلسطينيين، وتعويضها بأسماء شخصيات صهيونية، بينها مجندة في جيش الاحتلال. واعتبر أن هذه المحاولة تمثل استفزازًا للذاكرة الوطنية ونسفًا للوعي التاريخي المغربي، خاصة في ظل الجرائم المرتكبة في غزة. في ختام مقاله، أطلق أحمد ويحمان تحذيرًا شديد اللهجة، داعيًا إلى التحرك العاجل لحماية هوية المغرب وسيادته الرمزية، ومطالبًا بالكشف عن الجهات التي تقف خلف هذه التحركات وتحميها. وقال إن المعركة اليوم لم تعد سياسية فقط، بل وجودية، وإن استمرار الصمت قد يفضي إلى ما سماه بـ'الدولة الصهيو-مغربية'، وهو الكابوس الذي يجب كسره الآن، قبل فوات الأوان.