
جماعة أنصار الله تعلن استئناف الرحلات التجارية بمطار صنعاء
أعلنت جماعة أنصار الله اليمنية، اليوم السبت، استئناف الرحلات التجارية في مطار صنعاء الدولي، بعد تعليقها 10 أيام جراء الغارات الإسرائيلية التي استهدفت المطار.
وقالت وكالة أنباء "سبأ" التابعة للجماعة، إن "مطار صنعاء الدولي استأنف اليوم رحلاته المدنية عبر الخطوط الجوية اليمنية عقب توقف دام عشرة أيام، نتيجة تعرضه لعدوان إسرائيلي سافر".
وأضافت أن "رحلة للخطوط الجوية اليمنية قدمت إلى مطار صنعاء من مطار الملكة علياء الدولي في الأردن، وعلى متنها 138 مسافرا، وغادرت نفس الطائرة مطار صنعاء وعلى متنها نحو 144 مسافرا باتجاه العاصمة عمّان".
ونقلت الوكالة عن يحيى السياني نائب وزير النقل والأشغال العامة في الحكومة اليمنية (غير معترف بها دوليا) إن "استئناف الرحلات الجوية رسالة بصمود وثبات اليمن في وجه العدوان الغاشم".
وأضاف أن "مطار صنعاء يعمل بكامل طاقته الفنية والتشغيلية، ويوفر الخدمات الملاحية والأرضية وفق المعايير الدولية المعتمدة من منظمة (الطيران المدني الدولي) الإيكاو".
والخميس، استؤنفت الرحلات الإنسانية عبر مطار صنعاء الدولي، إذ أعلنت الجماعة إقلاع وهبوط 10 رحلات تابعة للأمم المتحدة.
وفي 7 مايو/ أيار الجاري، أعلنت جماعة أنصار الله توقف الرحلات الأممية والإنسانية عبر مطار صنعاء الدولي جراء تعرضه لغارات إسرائيلية.
وفي 6 من الشهر ذاته، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي شن هجمات واسعة على العاصمة اليمنية شملت "مطار صنعاء الدولي" ومحطات كهرباء مركزية ومصنعا للأسمنت بعد يوم من إعلانه تدمير ميناء الحديدة غرب البلاد بسلسلة غارات.
وقالت جماعة أنصار الله في بيانات سابقة، إن الغارات الإسرائيلية ألحقت "دمارا كبيرا" في مطار صنعاء، وأدت إلى تعطيله بشكل كامل، بما في ذلك الرحلات الأممية والإنسانية، مقدرة الخسائر الناجمة عن القصف بنحو نصف مليار دولار.
وجاءت الغارات بعد يومين من استهداف الجماعة مطار بن غوريون وسط إسرائيل بصاروخ باليستي فرط صوتي ما تسبب في إصابة 8 أشخاص وفرار الملايين إلى الملاجئ.
المصدر / الأناضول

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


جريدة الايام
منذ ساعة واحدة
- جريدة الايام
المعنى الاقتصادي للنبذ: كل عقار يرتبط بكلمة إسرائيل ستهبط قيمته
مثلما هو النقاش الذي جرى حول إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، أيضا النقاش العام والسياسي حول أقوال رئيس حزب الديمقراطيين يائير غولان بشأن "دولة تقتل الأطفال كهواية"، كان ناقصا. في البداية كان تنقصه الأخلاق. تقريبا الجميع تطرقوا إلى الجانب النفعي لإسرائيل والأضرار السياسية التي ستلحق بها بسبب أن دولا أخرى ترى الصور القاسية من غزة على شاشات التلفاز. فقط عدد قليل اختاروا التركيز على الموضوع نفسه – هل يجدر أن تقوم دولة حديثة بتجويع شيوخ، نساء وأطفال؟ هل يجدر بدولة حديثة أن تضغط بسهولة على الزناد وتؤدي إلى موت عشرات من الأشخاص كل يوم، من بينهم أطفال، حتى لو كانت حربها عادلة. النقاش في هذه المسألة الأساسية بدون صلة بالسياسة والعلاقات الدولية لم يتم. الادعاء الأساسي في الرد على سؤال لماذا من الأفضل عدم تجويع سكان غزة وقتل الأطفال، كان من اجل أن "يسمح لنا العالم بإنهاء العمل"، ولم يتطرق إلى السؤال الأخلاقي نفسه، الذي اختار كثيرون تجنبه. موضوع الضرر الاقتصادي لأعمال الحكومة والجيش في غزة غاب أيضا من النقاش العام. هنا من الأسهل استكمال الناقص. لنبدأ بالنرويج: بفضل مكاسب من استخراج النفط في بحر الشمال فإن النرويج تمتلك صندوق الثراء الأكبر في العالم، حوالى 1.8 تريليون دولار. وفي الأشهر الأخيرة، قررت أن تبيع حصتها في بعض الشركات الإسرائيلية بسبب عمليات اسرائيل في غزة وفي الضفة الغربية. في هذا الشهر، اعلن الصندوق، الذي قام بتصفية كل ممتلكاته في "باز" (55.290 سهما، نسبتها 1.79%)، لأنها تنشط في المستوطنات. في كانون الأول 2024 باعت كل أسهمها في شركة بيزك. وقبل ذلك، في آب 2024، استمرارا لحكم المحكمة في لاهاي بشأن ارتكاب جرائم حرب من قبل اسرائيل، الصندوق اتخذ قرار فحص بيع ممتلكاته في "عدد من الشركات". حسب موقع الصندوق فإنه في نهاية 2024 كان الصندوق يملك عقارات في اسرائيل بمبلغ 1.7 مليار دولار في عشرات الشركات. البارز منها بنك هبوعليم، تيفع وآي.سي.ال (اسرائيل للكيماويات). وهكذا فعلت صناديق أخرى، وطنية وخاصة. صندوق الثروة لإيرلندا، الذي هو اصغر بكثير، اعلن قبل سنة بأنه سيبيع كل ممتلكاته في البنوك الخمسة الكبيرة في اسرائيل وفي شبكة السوبرماركتات "رامي ليفي". في اليابان، دعا سياسيون الصناديق إلى بيع سندات دين صادرة من حكومة اسرائيل. صناديق أخرى خاصة، التي لا تنشر عن سياسة استثماراتها، قلصت استثمارها في العقارات في اسرائيل، كل واحدة حسب تعليمات مجلس الإدارة فيها وحسب موقفها السياسي. جميع هذه النشاطات نفذت حتى قبل أن يعرف العالم عن الجوع في غزة. المعنى بسيط. ففي اللحظة التي فيها أجزاء كبيرة في العالم تقرر التخلي عن أفعال اسرائيل، فإن الأمر الرئيس الذي يقومون به هو عدم الاستثمار في الأسهم والسندات الإسرائيلية. النتيجة هي أن قيمة الشركات في البورصة وعوائد السندات الإسرائيلية ستحمل على ظهرها تخفيضا كبيرا – أي انه سيتم بيعها اقل بكثير من قيمتها لو أنها كانت تنتمي لدولة أخرى "سليمة". منحدر زلق هذا التوجه الذي في معظم الحالات يبدأ صغيرا، مثل صندوق النرويج، يراكم القوة بسرعة. في هذا الأسبوع، أعلنت عدة دول أوروبية، بما في ذلك فرنسا وبريطانيا، بأنه يمكن أن تفرض في القريب عقوبات على اسرائيل. امس، أعلنت بريطانيا بواسطة وزير الخارجية ديفيد لامي بأنها قررت تجميد المفاوضات حول تجديد اتفاق التجارة مع اسرائيل، وأيضا استدعاء سفيرة اسرائيل لمحادثة توبيخ بسبب سياسة الحصار وعدم إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة. الاتحاد الأوروبي اعلن، أمس، أيضا بأنه سيفحص إمكانية إلغاء اتفاق التجارة مع اسرائيل على خلفية الشك بالتزام اسرائيل بحقوق الإنسان في نشاطاتها في غزة. هذه الأقوال تتدحرج بسرعة وتصل إلى البورصة والى قيمة العقارات. منذ اللحظة التي تتخذ فيها محكمة أو حكومة أي موقف – فإنه ليس للمستثمرين أي خيار عدا السير في أعقابه. وآجلا أو عاجلا فإن من لا يبيع ممتلكاته في اسرائيل يخاطر بتصنيفه كمتعاون مع اسرائيل. صحيح أن الأسواق عديمة القلب، وبثمن معين دائما ستجد من يشتري كل عقار مالي، حتى لو كان إسرائيليا. ولكن بالقدر نفسه من الواضح أن كل مواطني اسرائيل سيدفعون ثمن أفعال الحكومة في غزة بالكثير من الأموال، سواء عن طريق هبوط الأسهم والسندات أو بسبب الفجوة الكبيرة عن السندات والأسهم المشابهة لدول أخرى. إلى أي درجة يمكن أن يزيد الخصم في اسرائيل؟ على هذا السؤال تصعب الإجابة، لأنه حتى الآن ربما تتراجع الحكومة عن قرار سيطرتها على غزة وتجويع السكان، ضمن أمور أخرى، بسبب حقيقة أن الأغلبية الساحقة في الجمهور تعارض ذلك. وإذا لم يحدث ذلك فيمكن النظر إلى ما حدث في السابق لدول أصبحت دولا منبوذة في نظر العالم الغربي الذي معظم الأموال توجد في يده. جنوب إفريقيا التي كان فيها نظام "أبرتهايد" منذ منتصف القرن السابق وحتى بداية التسعينيات، هي مثال ممتاز، لأنه يمكن فحص ما حدث هناك بعد ذلك. "في الثمانينيات، في ذروة "الأبرتهايد"، وحول موجة أعمال الفوضى في البلدات التي يعيش فيها السود، تم بيع الأسهم في بورصة جوهانسبيرغ بخصم بلغ 30 – 50% مقابل دول أخرى في مستوى التطور نفسه. في سوق السندات، سجلت ظاهرة مشابهة. سندات حكومة جنوب إفريقيا واسهم شركات في جنوب إفريقيا بيعت بثمن عكس المكاسب العالية، 2 – 6%، مقارنة بسندات دول مشابهة في خصائصها. أيضا العملة عكست مقت العالم من النظام في جنوب إفريقيا. في الأعوام 1961 – 1980 العملة في جنوب إفريقيا مرت بتخفيض 80% مقارنة مع سلة عملات أخرى. عندما يبدأ ذلك فإن كل المعايير ومستويات سوق رأس المال في الدولة المنبوذة تتدهور بسرعة هي أيضا. دورات التجارية تهبط وحجم التداول ينخفض، وأيضا أرباح الشركات في البورصة، وترتفع أقساط المخاطر، والسوق كلها "تجف". يجب ألا يشكك أي أحد في ذلك. إذا استمرت اسرائيل في سياستها وأعمالها في غزة فإنه لا يوجد أي سبب بأن ما حدث للسوق المالية في جنوب إفريقيا، في حينه كانت دولة ثرية مع موارد طبيعية كثيرة وعلاقات دافئة مع المركز المالي في لندن، لن يحدث أيضا لإسرائيل. صناديق كثيرة ستبيع سنداتها وأسهمها الإسرائيلية، والدول ستفرض على اسرائيل عقوبات اقتصادية، والنتيجة هي انخفاض دراماتيكي للقيمة، بعشرات النسب المئوية، كل عقار له صلة بكلمة اسرائيل: اسهم، سندات، شركات خاصة، مشاريع ناشئة وحتى عقارات. هل أنتم لا تصدقون؟ اسألوا أنفسكم: هل كنتم ستشترون سندات في دولة، لنفرض في أميركا الجنوبية أو في آسيا، التي ترتكب أفعالا هناك من يطلقون عليها جرائم حرب، والتي دول مهمة تفرض عليها عقوبات، وصناديق الاستثمارات الكبرى تبيع ممتلكاتها فيها؟ يبدو أن الجواب "لا". عن "هآرتس"


جريدة الايام
منذ ساعة واحدة
- جريدة الايام
زيارة ترامب للخليج: خيارات إسرائيل في مواجهة نظام إقليمي متغير
بقلم: إلداد شافيت ويوئيل غوزانسكي أنهى الرئيس دونالد ترامب أولى زياراته الدبلوماسية في ولايته الثانية إلى المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة، مُشيرًا إلى أن هذه الدول تحمل أهمية شخصية بالنسبة له، وليس فقط للولايات المتحدة. وقد أتاحت نتائج الزيارة لقادة هذه الدول فرصةً لإظهار تقاربٍ واسعٍ في المصالح، لا سيما تلك الظاهرة. وقد ساهمت هذه الزيارة، إلى جانب التحركات الأخيرة للإدارة الأميركية في الشرق الأوسط، في تنامي الشعور بتهميش إسرائيل عن التطورات الإقليمية الرئيسة. ويتضح بشكل متزايد أن الرئيس وإدارته يُشيران إلى نية واشنطن إعادة تشكيل إطار التحالفات الإقليمية، ربما من خلال تقليل اعتمادها على إسرائيل. من جانبهم، ضغط قادة الخليج على ترامب لرفع العقوبات عن سورية - وهو ما فعله - وللترويج لاتفاق نووي مع إيران من شأنه أن يُقلل من خطر الحرب. كما حثّوا ترامب على الضغط على إسرائيل لإنهاء الحرب في قطاع غزة، حيث طلبت المملكة العربية السعودية تحديدًا تأجيل مسألة التطبيع مع إسرائيل مؤقتًا. ركزت الزيارة رفيعة المستوى - وهي الأولى لترامب منذ عودته إلى البيت الأبيض - التي جرت في الفترة من 13 إلى 16 أيار في المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة، والتي شملت قمة مجلس التعاون الخليجي التي حضرها، على سلسلة من التصريحات المشتركة حول نوايا تعزيز الصفقات الاقتصادية، لا سيما في قطاعي الدفاع والتكنولوجيا، بقيمة إجمالية غير مسبوقة بلغت حوالي تريليوني دولار. وقد وُضعت هذه الصفقات، التي لم تُوقّع رسميًا بعد، بالتعاون مع المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة. • السعودية: طُرحت على الطاولة صفقات أسلحة، واستثمارات سعودية في الولايات المتحدة، وتعاون في سوق النفط وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، واتفاقية دفاعية، وتعاون نووي. في هذا السياق، وخلافًا للتقارير السابقة، لم تحصل السعودية بعد على موافقة على برنامج نووي، ولم يُوقّع أي اتفاق جوهري بشأن هذه المسألة خلال الزيارة. صرّح ترامب بأنه يتوقع استثمارات سعودية في الولايات المتحدة تُقدّر بحوالي تريليون دولار. ويبلغ إجمالي حجم الصفقات المُعلن عنها بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية حوالي 600 مليار دولار، بما في ذلك 142 مليار دولار في عقود عسكرية ودفاعية. • قطر: ركّزت المناقشات على توسيع التعاون الدفاعي والاستثمارات في الولايات المتحدة، بما في ذلك صفقة ضخمة لشراء طائرات من شركة بوينغ تُقدّر قيمتها بحوالي 100 مليار دولار. ووفقًا لبيان البيت الأبيض، وقّع الرئيس ترامب اتفاقية مع قطر لتعزيز التجارة المتبادلة بقيمة لا تقل عن 1.2 تريليون دولار. • الإمارات العربية المتحدة: تم إبرام صفقات بقيمة 200 مليار دولار، تتعلق بشكل رئيس بالتعاون في مجال الذكاء الاصطناعي. بُذلت جهودٌ أيضًا للترويج لاتفاقية أمنية، إلى جانب توقعات أميركية باستثماراتٍ ضخمةٍ تصل إلى 1.4 تريليون دولار من الإمارات العربية المتحدة في التكنولوجيا الأميركية على مدى عدة سنوات. طوال الزيارة، برزت رغبةُ ملوك الخليج في تكريم ترامب بأوسمةٍ ملكية، وبدا وكأنّ منافسةً كانت قائمةً بينهم على نيل ود الرئيس، حيث سعى كلٌّ منهم إلى التفوق على الآخر في الاحترام والمزايا التي يُقدّمها له. من جانبه، لم يبخل ترامب في الإشادة بمضيفيه، مؤكدًا تقديره العميق لقيادتهم وإنجازاتهم. ووصفت جميع الأطراف الزيارة بأنها نجاحٌ استثنائي، حيث سلّط كلٌّ من ترامب والقادة العرب الضوء على الإنجازات. من الواضح أن الرئيس ترامب ينظر إلى العلاقات الوثيقة مع دول الخليج على أنها مساهمةٌ كبيرةٌ في المصالح الأميركية، وهي وجهة نظرٌ تتشاركها دول الخليج نفسها، التي تتوق إلى فتح صفحةٍ جديدةٍ وتعميق علاقاتها مع الولايات المتحدة. المستفيد الرئيس من هذا التطور - إلى جانب الرئيس ترامب - هو ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الذي اكتسب هو وبلاده مكانةً مرموقةً وركيزةً أساسيةً للولايات المتحدة في العالم العربي والمنطقة ككل. كما ساعدت الزيارة الجانبين على تحقيق أهدافهما على الصعيد الدبلوماسي: • التأثير المتبادل على السياسة الإقليمية - لتعزيز علاقاتها مع الولايات المتحدة، يُطلب من دول الخليج أيضًا تقليص علاقاتها مع الصين إلى حد ما، وبالتالي معالجة المصالح الأميركية الرئيسة. • الصراع على المكانة الإقليمية في مواجهة إيران - أتاحت الزيارة لدول الخليج الاستفادة من علاقاتها مع الولايات المتحدة لإظهار قدرتها على تحديد الأجندة الإقليمية المتعلقة بإيران - على الأقل خلال فترة الرئيس ترامب. في مقابل الصفقات الضخمة، تتوقع هذه الدول من الولايات المتحدة اتخاذ خطوات لضمان أمنها. • الاستعداد لتنسيق سياسة الطاقة قدر الإمكان - يولي ترامب أهمية كبيرة لأسعار النفط، بينما يتمثل أحد الأهداف الرئيسة لدول الخليج في التأثير على أسعار النفط مقابل ضمانات أمنية. خلال الزيارة، برز تركيز الرئيس ترامب على إعادة تشكيل هيكل التحالف الإقليمي، لا سيما من خلال دعواته لحل النزاعات وتعزيز الاستقرار، الذي يراه حيويًا لتحقيق الأهداف الاقتصادية لإدارته. في هذا السياق، كان من أبرز التطورات قرار ترامب المثير - بتشجيع من المملكة العربية السعودية وتركيا - بلقاء الرئيس السوري أحمد الشرع، وإعلانه رفع جميع العقوبات الأميركية المفروضة على سورية منذ عام 2019. وصف ترامب هذه الخطوة بأنها تمنح سورية فرصة للازدهار، وأوضح أنها تُمثل خطوة أولى نحو تطبيع العلاقات بين الولايات المتحدة والنظام السوري الجديد. بالتوازي مع ذلك، شملت الزيارة مناقشات موسعة حول إيران والحرب بين إسرائيل وحماس. في كلتا الحالتين، أعرب ترامب عن رغبته في السعي إلى حلول مبتكرة وغير تقليدية، مفضلاً التفاوض على العمل العسكري: • إيران - حثّت دول الخليج ترامب على التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران للحد من خطر الحرب، الذي قد يُقوّض اقتصاداتها واستقرارها. وأوضح ترامب أنه غير مهتم بالعمل العسكري ضد إيران، وأعرب عن تفاؤله بالمفاوضات الجارية بين الولايات المتحدة وإيران. ومع ذلك، شدّد على أنه في حال فشل المحادثات، فإن البديل سيكون زيادة الضغط الاقتصادي والعسكري على إيران (مع أنه امتنع عن تحديد طبيعة أي عمل عسكري). • الحرب في قطاع غزة - طوال الزيارة، باءت جهود إدارة ترامب للدفع بصفقة تبادل أسرى بين إسرائيل وحماس - بما في ذلك وقف إطلاق النار والتخطيط لمرحلة ما بعد الحرب - بالفشل. من جانبها، أكدت دول الخليج على ضرورة الضغط على إسرائيل لإنهاء الحرب، حيث طلبت المملكة العربية السعودية تأجيل مسألة التطبيع مع إسرائيل في الوقت الراهن. ورغم أن ترامب كرّر أمله في انضمام المزيد من الدول - وخاصة المملكة العربية السعودية - إلى اتفاقيات إبراهيم، إلا أن الإدارة تعتقد أن هذه الآفاق لا تزال محدودة ما لم يحدث تحوّل كبير في الوضع في غزة. يتضح من تصريحات القادة خلال الزيارة أن كلاً من الإدارة الأميركية ودول الخليج التي زارها ترامب كانت راضية عن توافقها في مجموعة واسعة من القضايا الملحة. ومع ذلك، ستُختبر الآثار العملية لهذا التوافق بمرور الوقت. ويمكن بالفعل تحديد العديد من مجالات الخلاف المحتملة: يتضح من تصريحات القادة خلال الزيارة أن كلاً من الإدارة الأميركية ودول الخليج التي زارها ترامب كانت راضية عن توافقها في مجموعة واسعة من القضايا الملحة. ومع ذلك، ستُختبر الآثار العملية لهذا التوافق بمرور الوقت. ويمكن بالفعل تحديد العديد من مجالات الخلاف المحتملة: • إنتاج النفط وتسعيره - تتوقع الإدارة الأميركية زيادة إنتاج النفط وانخفاضًا لاحقًا في الأسعار. استجابت دول الخليج، بقيادة المملكة العربية السعودية، للطلب وتحركت لزيادة الإنتاج. ومع ذلك، نظرًا للضغوط الاقتصادية - وخاصة في المملكة العربية السعودية - وانخفاض أسعار النفط، قد يكون الحفاظ على هذا المستوى من الإنتاج أمرًا صعبًا. وقد أعلنت شركة أرامكو السعودية للنفط عن أداء ضعيف بسبب انخفاض الأسعار، ومن الواضح أنها تواجه صعوبة في تنفيذ المشاريع المخطط لها. وبالتالي، قد يعيق انخفاض أسعار النفط والضغوط الاقتصادية قدرة المملكة على الوفاء بالتزاماتها تجاه الولايات المتحدة. علاوة على ذلك، تتوقع دول الخليج من الإدارة خفض الرسوم الجمركية البالغة 10% المفروضة عليها، على الرغم من أن صادراتها إلى الولايات المتحدة لا تزال ضئيلة نسبيًا. • السياسة تجاه إيران - جميع دول الخليج ترغب في تجنب التصعيد مع إيران، ولأسبابها الخاصة، تحافظ على علاقات جيدة معها. يبدو أن السعودية قد تعلمت درسًا من ولاية ترامب الأولى، التي شاركت خلالها في استراتيجية "الضغط الأقصى" ضد إيران وعانت جراء ذلك. من وجهة نظر الرياض، لم تكن هذه الاستراتيجية فعّالة، بالإضافة إلى أن السعودية كانت هدفًا لهجوم صاروخي إيراني، دون أي دفاع أميركي. لذلك، فإن قرارًا أميركيا بمهاجمة إيران باستخدام قواعد في الخليج (مثل التوقعات باستضافة قطر لقاذفات استراتيجية أميركية في قاعدة العديد الجوية) قد يُثير صراعًا بين دول المنطقة والإدارة الأميركية. • حرب غزة والرغبة في إشراك السعودية في اتفاقيات أبراهام - قد يُولّد الصراع المطول، وخاصةً الوضع الإنساني المتدهور في غزة، ضغطًا داخليًا على الأنظمة العربية. ونتيجةً لذلك، استغلت هذه الأنظمة الزيارة للضغط على الرئيس ترامب بشأن هذه القضية. بل إنه انتقد الوضع الإنساني، بما في ذلك تصريحه بأن "الكثير من الناس يتضورون جوعًا" في غزة، وأن الوضع بحاجة إلى "معالجة". على أية حال، لن يتحقق طموح ترامب بإقناع المملكة العربية السعودية بالانضمام إلى اتفاقيات إبراهيم طالما ظلت الرياض غير مرتاحة للوضع في غزة، وطالما ظلت إسرائيل مترددة في الالتزام بحل سياسي للقضية الفلسطينية. التداعيات والتوصيات لإسرائيل على الرغم من أن زيارة ترامب للخليج ركزت على تعزيز التحالفات بين الولايات المتحدة ودول المنطقة - والتي تُعدّ إسرائيل طرفًا أساسيًا فيها - إلا أنه لم يُدرج إسرائيل في جدول أعماله. وبينما شدّد على أهمية التطبيع الإقليمي الشامل، ساهم غياب إسرائيل في خلق شعور بالإقصاء من العمليات الدبلوماسية المتسارعة التي تجري دون مشاركتها. وقد خلق هذا الإغفال انطباعًا بأن الرئيس وإدارته ربما يُشيران إلى الحكومة الإسرائيلية بأن واشنطن تهدف إلى إعادة تشكيل التحالفات الإقليمية - ربما حتى من خلال تقليل اعتمادها على إسرائيل. تجدر الإشارة إلى أن إسرائيل لم تكن الطرف الوحيد المُستبعد. فقد استُبعد أيضًا قادة عرب بارزون آخرون - أبرزهم من مصر والأردن - ممن دُعوا إلى قمم الخليج خلال زيارة ترامب عام 2017. تُشكّل السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، والتعاون المتنامي بين الولايات المتحدة ودول الخليج، وخاصةً المملكة العربية السعودية، تحدياتٍ وفرصًا في آنٍ واحد لإسرائيل: المخاطر والتحديات • الشعور بالإقصاء - يُثير الانطباع الذي تركه ترامب بشأن الأهمية والتقدير الذي يُوليه لقادة دول الخليج مخاوف بشأن تحوّل النظرة الأميركية لدور إسرائيل في المنطقة. وقد يُعزز هذا الانطباع لدى الجهات الفاعلة الإقليمية بأن إسرائيل تفقد مكانتها المحورية كحليف رئيس - لا سيما لصالح المملكة العربية السعودية. وقد يُقوّض هذا التصور بشكل مباشر قدرة إسرائيل على جذب شركاء إقليميين وردع خصومها. • تآكل التفوق العسكري النوعي لإسرائيل - يُشكّل البيع المُحتمل لأسلحة متطورة إلى المملكة العربية السعودية وقطر - حتى في حال عدم إبرام أي صفقات ملموسة - تهديدًا خطيرًا للتفوق العسكري النوعي الراسخ لإسرائيل، وهو مبدأ حافظت عليه الولايات المتحدة سنوات. من الأمور المثيرة للقلق بشكل خاص احتمال بيع طائرة مقاتلة متطورة من طراز F-35، والتي تسعى إليها المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة (والتي وُعدت بها مقابل توقيع اتفاقيات إبراهيم). • زيادة التنسيق بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وتركيا - إن التوافق الثلاثي الذي ظهر خلال الزيارة، دون تدخل إسرائيلي، قد يُهمّش إسرائيل في الحوارات الإقليمية المستقبلية حول تشكيل الشرق الأوسط ويهدد مصالحها. • تبني الرواية العربية/الخليجية - تشير تصريحات الرئيس ترامب خلال الزيارة إلى تبنيه إلى حد كبير للمنظور العربي في ما يتعلق بالتطورات في غزة وغيرها من الساحات الإقليمية. قد تُوجّه هذه الرواية، التي يروج لها حلفاء الخليج الذين اكتسبوا نفوذًا كبيرًا على الإدارة الأميركية، السياسة الإقليمية الأميركية الآن. • الاتفاق مع إيران - تشترك إدارة ترامب ودول الخليج في مصلحة التوصل إلى اتفاق مع إيران - حتى لو كان ذلك على حساب تجاهل مطالب إسرائيل. في حال فشل المفاوضات، من المرجح أن تستغل الدول العربية علاقاتها القوية مع إدارة ترامب للضغط من أجل ضبط النفس تجاه إيران، بما في ذلك الجهود المبذولة للتأثير على الاعتبارات العملياتية لإسرائيل. الفرص • الدفع قدماً بالتطبيع مع السعودية - قد يؤدي تصميم ترامب على توسيع اتفاقيات إبراهيم وهدفه بناء محور سني مناهض لإيران إلى زيادة الضغط الأميركي على السعودية لتقديم لفتات تجاه إسرائيل. في حال اتخاذ قرار بضرب إيران، قد تضغط الإدارة على دول الخليج للسماح لإسرائيل بحرية التصرف، أو على الأقل توسيع التنسيق السري معها. • التكامل الاقتصادي والتكنولوجي من خلال الشراكات الإقليمية - يمكن لإسرائيل أن تندمج في الجهود الأميركية الرامية إلى تطوير مشاريع اقتصادية وتكنولوجية مشتركة (مثل الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا IMEC) ، نظراً لأن الولايات المتحدة ودول الخليج تنوي استثمار مبالغ طائلة في تحويل اللاعبين الإقليميين إلى قوى في هذه المجالات. • تزايد إدراك الولايات المتحدة للاحتياجات الأمنية لإسرائيل - في ظل المخاوف من تآكل التفوق العسكري لإسرائيل، قد تقدم إدارة ترامب مساعدات عسكرية موسعة أو ضمانات أمنية رسمية. الانضمام إلى الآليات الإقليمية الرسمية ــ إن توسيع التعاون الأمني بين الولايات المتحدة ودول الخليج قد يسمح لإسرائيل بالانضمام إلى المنتديات الأمنية الإقليمية، التي من المتوقع أن تنمو. توصيات لإسرائيل • يجب على إسرائيل العمل على جميع المستويات لضمان الحفاظ على العلاقة الاستراتيجية مع البيت الأبيض، وألا تُتخذ القرارات المتعلقة بإسرائيل إلا بعد التشاور مع الحكومة الإسرائيلية. وفي هذا الصدد، ينبغي على إسرائيل السعي بحزم للحصول على التزام من واشنطن بعدم إجراء أي عملية أمنية أو دبلوماسية أو اقتصادية إقليمية دون تنسيق مسبق معها. • ينبغي على إسرائيل العمل على تعميق علاقاتها مع المملكة العربية السعودية، حتى في غياب التطبيع الرسمي، من خلال تعزيز القنوات السرية، ومن بين أمور أخرى، الترويج لمنتدى أميركي-إقليمي دائم يكون لإسرائيل فيه دور فاعل. • الحفاظ على التفوق العسكري الاستراتيجي لإسرائيل - من الضروري، إلى جانب الصفقات الكبرى مع دول الخليج، أن تواصل الولايات المتحدة الحفاظ على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل، بما في ذلك توفير أنظمة متطورة وضمانات الأمن العام. وينبغي التركيز بشكل خاص على ضرورة تعزيز التنسيق فيما يتعلق بخطة الولايات المتحدة للتعاون مع المملكة العربية السعودية في الشؤون النووية، وخاصة فيما يتعلق بمسألة تخصيب اليورانيوم على الأراضي السعودية. • لحماية جميع هذه المصالح، يجب على إسرائيل ضمان توافق استراتيجيتها مع أولويات إدارة ترامب. قبل كل شيء، يجب عليها أن تدرس بعناية أفعالها للاستفادة من العلاقات المتنامية بين الولايات المتحدة ودول الخليج بما يخدم مصالحها. يجب على إسرائيل أن تعمل على اغتنام الفرص لتعزيز مكانتها الإقليمية، وتعزيز موقفها تجاه الإدارة الأميركية، ورفع مكانتها على الساحة الدولية.


جريدة الايام
منذ 8 ساعات
- جريدة الايام
عاد قادة الجناح الفاشي في حكومة الاحتلال للحديث عن الإبادة العدوانية وكأنها مسألة «طبيعية ومشروعة»، وعاد الحديث عن إبادة الأطفال وكأنه أمر مرغوب و»ضروري»، وكذلك عن استيطان القطاع، وكأنه التتويج الطبيعي لاستكمال العمليات العسكرية الهمجية الشاملة على القطاع، بما فيها العملية البرّية التي يجاهر بها «اليمين الفاشي»، ولا تنفيه القيادات العسكرية، كما عاد الحديث عن «حتمية» الانتصار الساحق الماحق على المقاومة، والبدء العملياتي المباشر لتهجير أكثر من نصف سكان القطاع جهاراً نهاراً، على مرأى ومسمع العالم كلّه، ومسمع العالم العربي تحديداً، والإصرار على التجويع وتعطيش الناس والإعدام الجماعي لآلاف مؤلّفة من الأطفال «كخطوة» تمهيدية للتهجير.
ما نشهده من «انتفاضة» سياسية، عارمة وغير مسبوقة ضدّ حكومة اليمين العنصري في دولة الكيان الصهيوني هو «انتفاضة» مزدوجة، لأنها ضد دونالد ترامب، أيضاً. أحد المحفّزات الكبيرة التي تبدو خارج السياق الذي عرفناه طوال فترة الإبادة الجماعية، وحيث شارك بها «الغرب» «المنتفض» اليوم، وبكلّ فصولها، فصلاً وراء آخر هو المحفّز الداخلي للكيان نفسه. لم يكن نتنياهو ليملك «شجاعة» الحديث عن كل هذا، على لسانه مباشرة، أو بلسان أقطاب «اليمين الفاشي» لولا أنّه بات مطمئناً إلى أن العالم العربي مشغول عن هذا كلّه باستقبال ضيفهم الكبير، وتقديم العطايا له. المحفّز الإسرائيلي الداخلي، و»الانتفاضة» السياسية الإسرائيلية، بصرف النظر عن زاوية رؤياها سبقت «الانتفاضة» العالمية التي نشهدها اليوم. أتذكّر بهذا الصدد قبل عدّة شهور ما كان قد كتبه الأستاذ عماد شقور، أن انتبهوا إلى شخص يصعد نجمه في دولة الاحتلال وهو يائير غولان، زعيم «حزب الديمقراطيين». بالفعل فقد جاءت تصريحات «مدوّية» على لسانه، لم يسبق أن قالها أيّ زعيم إسرائيلي بمن فيهم يعالون نفسه. يقول غولان، إن لدى كيانه هواية قتل الأطفال، وهذه المسألة تعتبر بكلّ المقاييس صعقة سياسية مدمّرة للحكومة الفاشية. حديث هذا الرجل سيكون على ما يبدو بداية جديدة، لـ»معارضة» من نوع جديد، بمضمون جديد، وأدوات جديدة، وربّما بقوى اجتماعية وسياسية جديدة. وجدت بريطانيا ضالّتها في وصول «المعارضة» لسياسات الحكومة الفاشية إلى هذا المستوى من الوضوح، لأنها والدول الأوروبية الأخرى، وخصوصاً فرنسا، وبداية الالتحاق الألماني بهذا الركب الجديد.. وجدت بريطانيا أن لديها فرصة كبيرة لامتصاص حالة الغضب الشعبي الكبير فيها ضد سياسات حكومة الاحتلال، وأرادت من خلال «الانتفاضة» السياسية التي دشّنتها بمواقف نوعية جديدة، والتهديد بإجراءات وخطوات أكبر وأخطر في القريب العاجل، أن تعيد أوروبا إلى الشرق الأوسط من النافذة، بعد أن أخرجها ترامب من الباب العريض. اكتشفت أوروبا بعد سنواتٍ وسنوات من التبعية الكاملة لأميركا، وبعد الالتحاق الذيلي المهين لها، سواء في الشرق الأوسط أو أوكرانيا أنها ببساطة تشبه «المرأة المهجورة». فهي ليست مطلّقة حتى يُخلى سبيلها بعد أشهر العدّة، وهي ما زالت على ذمّة أميركا، لكن لا شأن لها بما يقوم به «الزوج»، وهو في هذه الحالة أميركا بشخص رئيسها ترامب. واكتشفت أوروبا أن كلّ ما دفعته في أوكرانيا كان نوعاً من فرض «الخاوة» الأميركية عليها، وصدمت أوروبا حين استعاد ترامب كلّ ما أنفقته بلاده بأضعاف مضاعفة، وأن كل ما هو مطلوب منها أن «تودّع» ملياراتها التي أنفقتها، بل وعليها أن تتفاهم مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشروطه هو، وليس بشروطها، وأن عليها إذا أرادت أن تتقي «شرّ» روسيا مستقبلاً أن تقبل بالشروط الروسية لوقف الحرب في أوكرانيا، والعودة للتعاون مع روسيا في ظروف الانتصار الإستراتيجي الذي حققته الأخيرة على أوروبا كلّها، بل وعلى «الغرب» كلّه. ولاحظت «بريطانيا العجوز» الاستعمارية المعروفة بحنكتها وشدّة الدهاء الذي تميّزت به ـ أن بلدان «الخليج العربي الجديد» قد عقدت تحالفاً جديداً تم استثناء أوروبا منه، بل وتمّ تجاوز دولة الاحتلال نفسها من خلاله. أوروبا قرأت المعادلة جيداً بعد تريليونات ترامب، استحوذت أميركا على كل شيء، وأعدّت عدّتها للمستقبل جيّداً. اتفاق متوقّع مع إيران، انسحاب كامل من الحرب على جماعة «أنصار الله» «الحوثيين» اليمنية، تجاوز الدولة العبرية، ووضعها في إطار إستراتيجيته ورؤاه الخاصة، واستعداد لحماية الكيان، وليس رعاية طموحاته. فهمت أوروبا أن المشروع الصهيوني تراجع، وفهمت جيداً ما كتبه ديفيد هيرست من أن الكيان هزم سياسياً، ولكنه لم يدرك بعد طبيعة هزيمته، ولم يفهم أن الإنجازات الميدانية لا قيمة لها في الميزان الإستراتيجي إذا لم تترجم إلى منجزات سياسية عينية ومباشرة ومكرّسة. على العكس تماماً مما يعتقده الكيان، فالواقع يقول إن دولته قد تجاوزت كل النتائج العملية للحرب العدوانية التي خاضتها، وتواصل خوضها على اعتبارات تكتيكية، في حين تقلّص دورها ومكانتها، وهي لم تعد قادرة على الاستمرار بها، ولم تعد قادرة على إيقافها، ما يعطي «لمنجزاتها» طابعاً مؤقّتاً وثانوياً بالمقارنة مع خساراتها، ومهما أوغلت في إجرامها فإن هذه الحقيقة لن تتغيّر، وقد قلنا وكتبنا ما قاله هيرتس مرّات ومرّات، ومنذ الأشهر الأولى للحرب العدوانية، لكن مشهد الإبادة والتوحُّش والإجرام والهمجية غطّى على هذه الحقائق، ووقع جزء من شعبنا في مصيدة لوم الضحيّة، وما زال البعض يُكابر حتى يومنا هذا. أوروبا تحاول اصطياد عدّة عصافير بحجرٍ واحد، ومهما كان للاعتبارات «الإنسانية» من دور في هذه «الانتفاضة» فإن الاعتبارات السياسية أساساً هي مفتاح فهم الذي جرى وما زال يجري حتى الآن، ومفتاح فهم الذي سيجري لاحقاً، وهو أكبر من كلّ الذي جرى ويجري. ليس مستبعداً في ضوء قوّة دفع هذه «الانتفاضة» أن تركب أميركا هذه الموجة، لكي تصطاد عصافير جديدة أكبر وأسمن من العصافير الأوروبية التي ما زالت على الشجرة، على كلّ حال.