عبدالرحمن الباشا لـ"المدن": أعزف بيتهوفن بطريقتي...ومؤلفاتي مرآة دواخلي
عندما دخلتُ كنيسة مار يوسف في شارع "مونو" البيروتي، كان عبد الرحمن الباشا، منكباً وَحْدَهُ على البيانو، بشغف الهاوي العاشق، لأجل تدريبات أخيرة قبل الحفلة التي نظمها "مهرجان البستان" الشهر الماضي. كان يعزف "مراحل الصلب" للموسيقار المجري فرانز ليست. أصابعه تعانق المفاتيح البيضاء والسوداء، في عزفه سِحر ما، وهو سيعود ويقدم حفلة في 20 أيار المقبل في قاعة "أسمبلي هول" بالجامعة الأميركية في بيروت.
أجرت معه "المدن" هذا الحوار.
-
في أيلول الماضي، عزفتَ في معهد العالم العربي في باريس تحية لطرابلس عاصمة للثقافة العربية، وكانت الحرب في ذروتها في لبنان، هل كان الفن يحاول بلسمة الجراح؟
* في الموسيقى صدى وقوة. الموسيقى حالة انفعالية، فيها دراما ويأس وأمل. وفي الموسيقى يحارب المرء نفسه ليصل إلى المراحل الصعبة. هناك إنسانية وهناك جمال. والحرب هي نقيص ذلك كله. لكننا حين نتأمل الفن ودوره، تسمو الحياة وتنتصر الروح.
- تأتي اليوم إلى بيروت بعد حرب قاسية، هل جئت لتحييها بالموسيقى؟ ماذا رأيت؟ وأي مشاعر؟
* رأيت العالم هنا قد مر بالصعوبات فوق الصعوبات التي يعانيها. لكن الأمل لا يغيب. كما أن التجديد يعطي أملاً للمستقبل. ورغم كل شيء، رأيت الأمل وتبينت أن ثمّة فجراً جديداً للبنان.
- ليتك تخبرنا عن اختياراتك الموسيقية، وعلى أي أساس تبني هذه الاختيارات؟
* في موسيقى بيتهوفن وشوبان، أجد أواصر تعبّر عن وجداني وشخصيتي وأوجاع روحي. في موسيقى بيتهوفن هناك محبة عظيمة إلهية. وفي الوقت نفسه ثمّة حرب مذهلة ضد الظلم وضد فقدان العدالة في هذا العالم. في مؤلفاته، تكتشف أيضاً كم هو عنيد في مواجهة الشرّ. وكم هو صادق في مواجهة اللاعدالة التي تسود في هذا العالم، وكذلك ضد الميول السلبية في حياة الإنسان. بيتهوفن موجود بفكره الموسيقي. أما شوبان فقد أحببت لديه نزعة الجمال المطلق والغموض الآسر. لا أحد يستطيع أن يفعل مثله. متفرّد. والجمال يتدفق دائماً. وكذلك الوحي موجود طوال الوقت. لم يؤلف كثيراً. كان يؤلف موسيقى مدتها ساعة، كل سنة، لكنها ساعة نوعية مكثفة ومختلفة. كان لديه إخلاص ووفاء لعائلته وأصدقائه وبلاده. أرى في حياتي نقاطاً مشتركة وسبل تلاقٍ بيني وبين هذين المؤلِّفَين. لذلك أختار أعمالهما وقد سجلتها بطريقتي وأسلوبي في العزف.
- وُصف عزفُك "بالعبارة المكثفة والسِّحر والكآبة العميقة"، ما رأيك في ذلك؟
* في كل هجرة بعض كآبة. وأنا عشت الهجرة والكآبة والفقدان. وكل موسيقى عميقة تأتي من المأساة ومن الكآبة. لكن الجمال الذي في الموسيقى يعيدك إلى الحياة، بل يجعلك تحب الحياة. هناك توازن ما يجب أن ندركه. توازن الجمال الذي هو رونق الحياة. وهناك كآبة من طغيان الشر، من قلّة العدالة. ومن أننا لا نستطيع ان نفعل شيئاً تجاه الخطأ وتجاه المشاكل التي تحيطنا ولا نجد حلاً لها.
- كان والدك الموسيقار توفيق الباشا يقول إن ما تعطيه في العزف هو شعورك كشرقي. هل ما زلت تحتفظ بهذا السر.. بهذا الشعور؟
* في رأيي أنّ الطفل هو أبو الإنسان. الطفولة هي الجذور والينابيع. ومهما تفرعت الأغصان وتشعبت وتشابكت تبقى الجذور في أرضها. هذه حياتي. وحياتي تظهر في العزف. لا أعزف بيتهوفن أو شوبان أو موتسارت مثل غيري. ربما يرى البعض عزفي غريباً أو مختلفاً. لكني ألاحظ أن أوروبا المتوسطية تتفاعل وتتجاوب مع عزفي، يحبونه أكثر من غيرهم. ربما لأن الشمس والحرارة والنور في تضافر دائم مع الموسيقى والحياة.
- أثناء العزف، كيف تتواصل مع الجمهور؟ هل تصل معهم إلى ما نسميه في الموسيقى العربية رُتبة المقام؟
* إن لم أبلُغ هذه الحالة... بيكون في شي غلط. عندما يشعر العازف أنه سَلطَن على الآلة وروحه صارت مع الجمهور، فهو هنا في الذروة. لكن هذه الحالات لا تحدث دائماً، ولا طوال الوقت. يمكن أن تحدث في لحظات أو دقائق وأشعر حينها برضى غامر. وأشعر أنني لا أبذل الجهد مع البيانو بل هناك انسياب وهنا يحدث الجمال المتكامل. ويلاحظ الجمهور ذلك ويعرف انه ليس أمراً عادياً. أنت تبحث عن الجمال وتصل إليه من دون أن تبحث عنه ومن دون أن تبذل جهداً. إنه الجمال يولد كالسحر ثم يتناثر.
- هل ينتقل عبد الرحمن الباشا من العزف إلى الارتجال إلى التأليف؟
* عزفت في باريس مقطوعتين من تأليفي. لم أحترف التأليف لكنه فرصة لي، فضاء لأقول بعض أفكاري. لا أخفيك أن هذه المقطوعات المتواضعة لاقت صدى طيباً. أعترف بتواضع بذلك. لكن مقارنة مع الأعمال العظيمة التي أعزفها، أقول عنها أنها تأليف شخصي، مرآة لحياتي الداخلية. لقطات. وهذه الأعمال موجودة في "سي دي" منذ العام 2017.
- اشتغلت غير مرة على لحن لمحمد عبد الوهاب على البيانو. لماذا لم تكرر ذلك مع غيره من الملحنين العرب؟
* اخترت من محمد عبد الوهاب أغنية من الأغاني التي يمكن عزفها على البيانو. وعبد الوهاب مُجدّد كبير ويعرف كيف يوظف الآلات الموسيقية بشكل هارموني يخدم اللحن.
- هل فكرت أن تأخذ من ألحان توفيق الباشا أو من أغاني وداد مثلاً؟
* توفيق الباشا كان صاحب موسيقى اوركسترالية. أخاف إذا اشتغلت عليه أن تذهب ألوانه والرونق الذي يزينها. وأذكر في حواراتي معه أنه كان لا يحب البيانو. ربما لم يوفق بعازفين مهمين. لكنه صار يلاحظ تقدّمي في العزف، وسماعه لأشياء في البيانو لم يسمعها قبلاً غيّر موقفه، حتى إنه كتب لي مقطوعتين على البيانو. توفيق كان تراثياً. لكن هناك أغنية لحنها لوداد يهمني أن اشتغل عليها وأقدمها هدية لروح توفيق ولروح وداد، وهي "عاف يمي". فيها شغل مدهش على صعيد التأليف ومزج الألوان والأداء.
- سمعتُ والدك توفيق يردّد "كل حجر في بيروت لمسته بيدي"، ورأيت عمك الفنان التشكيلي أمين يرسم بيروت كعاشق مفتون. كيف ترى إلى بيروت اليوم؟
* بيروت قدمت لي كل شيء. الطبيعة والمجتمع والبيئة. كل الحنان وكل المحبة. جمال بيروت القديمة عرفه والدي وعرفه عمي وعاشاه. أرى القديم والجديد والهجين. أرى التلوث والضجيج وأرى العصفور يحط على زهرة. أرى أشياء ضاعت ولم نستطع الحفاظ عليها. كفنان، أحلم أن أرى الجمال في كل مكان وأن أراه في الإنسان.
- في رأيك هل ما زالت الموسيقى قادرة أن تقول شيئاً في هذا العالم المضطرب الغارق في التقنية والعنف والتفاهة؟
* كلما ازداد العالم اضطراباً، ازدادت حاجتنا إلى الموسيقى. لأن الموسيقى صفاء الروح والفكر. وأمام صعوبات الحياة، يزداد الطلب على الجمال ولا بدّ للجمال أن يخلص العالم أو ينقذه أو يبدّد هذه الوحشة. الموسيقى تعيد خلق العالم كأنه ولد للتو ويحتاج إلى الحنان لكي ينهض ويسمو.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

المدن
منذ 2 أيام
- المدن
عبد الرحمن توفيق الباشا رسولاً للموسيقى في مئوية والده
جلسنا أمس الثلاثاء الى مائدة الموسيقى والكلمة لنصغي الى وقائع تكريم النهضوي في "كتابة" الموسيقى العربية واسعة المدى توفيق الباشا في ذكرى مئوية ولادته بمبادرة مشكورة من النادي الثقافي العربي في قاعة الأسمبلي هول في الجامعة الأميركية. مع تسجيل بعض "العتب" على مسار تنظيمي للحدث ترجم عملياً بحضور "خجول جداً" للدعوة العامة، التي أطلقها النادي لهذا التكريم، وعدم توزيع برنامج للأمسية الأدبية -الموسيقية فيها سيرة عن المكرّم نفسه وملخص عن بعض كلمات المتحدثين. وشكا المتحدثون من جودة صوت المذياع، خلال إلقاء كلماتهم، وهم العميد السابق لكلية الموسيقى في جامعة الروح القدس الكسليك الأب بديع الحاج، مؤلف كتاب عن توفيق الباشا بعنوان "رحلته الى العالمية" الذي يوقعه اليوم في معرض الكتاب، إضافة إلى ناشِر "دار نلسن" سليمان بختي، والناقد المسرحي عبيدو باشا. تكلم المتحدث الرابع وهو العازف العالمي عبد الرحمن الباشا عن والده عبر الموسيقى. جلس الباشا محاكياً والده توفيق الباشا "عاشق بيروت" حتى الثمالة من خلال عزفه مقطوعتين موسيقيتين لوالده، الأولى بعنوان "حنين" والتي ترتقي بنا الى نموذج عن فكر توفيق الباشا وأنامل يديه المرصعة بنوتات خالدة من عصارة شوقه الى بيروت "خليلته" التي رافقته في أسفاره. ما "الحنين" يا ترى؟ الجواب في عزف عبد الرحمن الباشا الرشيق والذي تنقلت فيه أصابعه على البيانو متحدثاً عن مقطوعة والده، إذ كتبها في روما معبراً عن شوقه لحبيبته بيروت. نوتات شوق تصدر من عذوبة عزف عبد الرحمن المترجمة لشوق والده لتلك المدينة، التي أعطاها توفيق باشا كل شيء. لازمتنا نبضات موسيقية قوية بمسارها السريع المعبّر عن لحظات شوق الى بيروت لتعود الموسيقى منتظمة أحياناً وهائجة أحياناً أخرى، كأنها موج من حب لا متناه لبيروت مدينة سكنت توفيق الباشا حتى الموت أو ربما بعده أيضاً. جاءت هذه المقطوعة وصية من توفيق الباشا وابنه عبد الرحمن لكي لا ننسى بيروت ونعود الى رحم هذه المدينة نتغلف برائحة المكان الدافىء المنبعث الينا في كل صباح. ثانياً، عزف عبد الرحمن الباشا موسيقى أغنية "عارفيِ يَمّي" التي لحنها توفيق الباشا، لزوجته المطربة وداد، وهي "قصيدة" موسيقية تحول فيها النغم كأشعة شمس تلامس كل نوتة من البيانو. حاول عبد الرحمن الباشا في خياره هذا أن يلمّ شمل عائلته: الأب توفيق الباشا، وأمه وداد صاحبة الصوت المغوي وهو ابنهما عبد الرحمن الباشا. نبضات الموسيقى تروي الحكاية، وتستعيدها بتفاصيلها لتكون الموسيقى "الشاهد الأكبر" على جمع الشمل. وعزف مقطوعتين موسيقيتين من الموسيقى الكلاسيكية التي أحبها والده. المحطة الأولى مع "فانتازيا" لشوبان. بدأت رحلة الخيال والإبحار في صنع الخيال مع نظام إيقاع متعدد تنتشر من خلاله النغمات المتحركة دورياً. استعاد عبد الرحمن الباشا من خلال صمته، الذي خرقته حركة أصابعه على البيانو، رحلة موسيقية بتردداتها الى مسمعنا وما أجمل هذه الترددات! حل ضيفاً في المحطة الثانية بمقطوعة "حلم حب" بإيقاعه الموسيقي المتكرر وبعض ألحانه البسيطة كنسمة حب تكاملت بسحر اصابع عبد الرحمن على البيانو هو الذي جمع مثل ليست بين "الشعر" في الموسيقى والمشاعر المؤثرة لحلم الحب... عبد الرحمن الباشا العازف العالمي كان امس رسولاً كعادته للموسيقى. أوصانا مجدداً أن نحب بيروت مثل والده ومثله هو طبعاً، وأن نعتنق الخيال كما أوصانا شوبان و"حلم الحب" كما أراده ليست لنغير معادلة تلك الأيام الصعبة، عله يأتينا ذلك الفجر الجديد المنتظر منذ زمن طويل، زمن يكرم فيه الكبار كما يجب. ندوة تكريم الموسيقار اللبناني توفيق الباشا، بمناسبة مرور مئة عام على ولادته، من تنظيم النادي الثقافي العربي: افتتحت الأمسية رئيسة النادي الثقافي العربي سلوى السنيورة بعاصيري بكلمة استحضرت فيها الإرث الثقافي والفني للبنان وللمحتفى به، وقالت: "في حرم هذه الجامعة العريقة، نظم النادي الثقافي العربي أول معرض كتاب في لبنان والعالم العربي العام 1956، واحتضنه حتى العام 1966. واليوم، نحلّ ضيوفًا عليها لنوجّه معًا تحية تقدير ووفاء للموسيقار توفيق الباشا، بالكلمة واللحن، في ذكرى مئويته، تحيةً لقدَرٍ جمع بين العبقرية والانتماء، وبين الإبداع والحنين". وأضافت: "نُحيي هذه الذكرى بالموسيقى الحيّة التي يقدّمها العازف العالمي عبد الرحمن الباشا، في لحظة وفاء عائلية وإنسانية وفنية مميزة. وأتوجه بالشكر إلى الجامعة الأميركية على هذا الاحتضان المستمر لقضية لبنان الحقيقية: الثقافة والمعرفة". تولّى إدارة الأمسية الكاتب سليمان بختي، الذي عبّرعن فخره بوجود عبد الرحمن الباشا، نجل المحتفى به في بيروت مشيدًا بإبداعه وارتباطه الحيّ بذاكرة والده الموسيقية. استعرض بختي جانبًا من سيرة توفيق الباشا، المولود في رأس النبع العام 1920، مشيرًا إلى شغفه المبكر بالموسيقى. فحسب رواية شقيقه الرسّام أمين الباشا، كان الطفل توفيق يعزف على الأواني باستخدام الملعقة، فيما كان يحلم أن يكون موسيقيًا. درس الباشا الموسيقى في الجامعة الأميركية على يد موسيقيين أجانب، وأقام حفلات في جامعات بيروت. وفي عام 1960 أسّس فرقة الأنوار مع زكي ناصيف، وجال بها العالم ناشرًا الموسيقى اللبنانية والعربية. الحاج: من بيروت إلى العالم وتناول الأب بديع الحاج محطات أساسية من مسيرة الباشا، مشيرًا إلى إصدار كتاب جديد عنه يُوقَّع قريبًا في دار نلسن. قال:"سيرة توفيق الباشا تحتاج آلات لا تُعزَف فقط بل تُفهَم. كان بيروتيًا عاشقًا للموسيقى، يرى فيها ملاذًا في الحرب وزمن الخراب". وأضاف: "من منزله الذي كان أقرب إلى معهد موسيقي، انطلق نحو العالمية. في إذاعة Vox، لفتت موسيقاه سيدة أميركية، فدُعي للعزف في مناسبات دولية. ومن هناك بدأت مسيرته في الخارج". وعدّد أبرز إنجازاته وهي: كتابة مؤلفات مستوحاة من السيرة النبوية، نشر التراث الموسيقي العربي بأسلوب معاصر موجّه للعالم،انضمامه إلى عصبة الخمسة التي أعادت صياغة الموسيقى العربية، مشاركته في تأسيس مهرجانات بعلبك منذ عام 1956، تأليفه وتوزيعه لموسيقى أوركسترالية راقية تراعي الأداء الجماعي، تأسيس فرقة الأنوار والعزف مع موسيقيين عالميين،اهتمامه الكبير بـالموشحات وتطويرها،شجاعته الإبداعية ورفضه للمسايرة الفنية. باشا: الأناقة موسيقى أيضًا ثم تحدّث الكاتب والناقد الفني عبيدو باشا عن توفيق الباشا الإنسان والفنان، فقال:"كان استثنائيًا، هاويًا عاشقًا للموسيقى، يروي بالموسيقى اللحظات، ويمتلك سحرًا خاصًا في ضبط المزاج الموسيقي. كان الأناقة جزءًا من طباعه، حتى في تأليف الموسيقى. وأضاف:"ارتدى الفوِلارد صيفًا وشتاءً، وكانت نظاراته مربّعة. كان أنيقًا في حضوره، وفي تكوين الجملة الموسيقية. مسرحي في الموسيقى، وموسيقي في المسرح". وأشار إلى علاقته الوثيقة بشقيقه أمين، الذي توجّه إلى الرسم، فيما اختار توفيق الموسيقى، وكان علّامة في هذا المجال.كان محبًا لسيد درويش، والموسيقى الكلاسيكية، وشغوفًا بالمشاعر الوطنية. ذاكرته الموسيقية هائلة، وكان شجاعًا إلى أقصى الحدود. في نهاية الأمسية، وجّه عبد الرحمن الباشا شكره للحضور قائلاً: "ما لازم نخلط إنو الموسيقى جاي من الشرق أو من الغرب. وجهة نظروالدي كانت بلا حدود. من الموسيقى الغربية كان يحب بيتهوفن وشوبان، ولهذا أُهدي ختام الندوة إلى والدي بمقطوعات من أعمال شوبان التي كان يحبها".

المدن
منذ 4 أيام
- المدن
عبد الرحمن الباشا رسولاً للموسيقى في ذكرى والده
جلسنا أمس الثلثاء الى مائدة الموسيقى والكلمة لنصغي الى وقائع تكريم النهضوي في "كتابة" الموسيقى العربية واسعة المدى توفيق الباشا في ذكرى مئوية ولادته بمبادرة مشكورة من النادي الثقافي العربي في قاعة الأسمبلي هول في الجامعة الأميركية، مع تسجيل بعض "العتب" على مسار تنظيمي للحدث نفسه ترجم عملياً بحضور "خجول جداً" للدعوة العامة، التي أطلقها النادي لهذا التكريم، وعدم توزيع برنامج للأمسية الأدبية -الموسيقية فيها سيرة عن المكرم نفسه وملخص عن بعض كلمات المتحدثين الأربعة، الذين شكوا من "غياب" جودة صوت المذياع، خلال إلقاء كلماتهم، وهم العميد السابق لكلية الموسيقى في جامعة الروح القدس الكسليك الأب بديع الحاج مؤلف كتاب عن توفيق الباشا بعنوان "رحلته الى العالمية" الذي يوقعه اليوم في معرض الكتاب، ناشر "دار نلسن" سليمان بختي، والناقد المسرحي عبيدو باشا. تكلم المتحدث الرابع وهو العازف العالمي عبد الرحمن الباشا عن والده عبر الموسيقى. جلس الباشا محاكياً والده توفيق الباشا "عاشق بيروت" حتى الثمالة من خلال عزفه مقطوعتين موسيقيتين لوالده، الأولى بعنوان "حنين" والتي ترتقي بنا الى نموذج عن فكر توفيق الباشا وأنامل يديه المرصعة بنوتات خالدة من عصارة شوق الباشا الى بيروت "خليلته" التي رافقته في أسفاره. ما "الحنين" يا ترى؟ الجواب في عزف عبد الرحمن الباشا الرشيق تنقلت فيه أصابعه على البيانو متحدثاً عن مقطوعة والده، الذي "كتبها" في مدينة روما معبراً عن شوقه لحبيبته بيروت. أتسمعون نوتات الشوق، التي تصدر من عذوبة عزف عبد الرحمن المترجمة لشوق والده لتلك المدينة، التي أعطاها توفيق باشا كل شيء. لازمتنا نبضات موسيقية قوية بمسارها السريع المعبر عن لحظات شوق الى بيروت لتعود الموسيقى منتظمة أحياناً وهائجة أحياناً أخرى، كأنها موج من حب لا متناه لبيروت مدينة سكنت توفيق الباشا حتى الموت أو ربما بعده أيضاً. جاءت هذه المقطوعة وصية من توفيق الباشا وابنه عبد الرحمن لكي لا ننسى بيروت ونعود الى رحم هذه المدينة نتغلف برائحة المكان الدافىء المنبعث الينا في كل صباح. ثانياً، عوف عبد الرحمن الباشا موسيقى أغنية "عارفيِ يَمّي" الذي لحنها توفيق الباشا، لزوجته المطربة وداد، وهي "قصيدة" موسيقية تحول فيها النغم كأشعة شمس تلامس كل نوتة من البيانو. حاول عبد الرحمن الباشا في خياره هذا أن يعيد شمل عائلته الأب توفيق الباشا، أمه وداد صاحبة الصوت المغوي وهو ابنهما عبد الرحمن الباشا. نبضات الموسيقى تروي الحكاية، تستعيدها بتفاصيلها لتكون الموسيقى "الشاهد الأكبر" على جمع الشمل. لم يتوقف عبد الرحمن الباشا من تكريم والده توفيق الباشا من خلال عزفه مقطوعتين موسيقيتين من جرن الموسيقى الكلاسيكية، التي أحبها والده. المحطة الأولى مع "فانتازيا" لشوبان. بدأت رحلة الخيال والإبحار في صنع الخيال مع نظام إيقاع متعدد تنتشر من خلاله النغمات المتحركة دورياً. استعاد عبد الرحمن الباشا من خلال صمته، الذي خرقته حركة أصابعه على البيانو، رحلة موسيقية بتردداتها الى مسمعنا وما أجمل هذه الترددات! حل ضيفاً في المحطة الثانية بمقطوعة "حلم حب" بإيقاعه الموسيقي المتكرر وبعض الحانه البسيطة كنسمة حب تكاملت بسحر اصابع عبد الرحمن الباشا على البيانو هو الذي جمع مثل ليست بين "الشعر" في الموسيقى والمشاعر المؤثرة لحلم الحب... عبد الرحمن الباشا العازف العالمي كان امس رسولاً كعادته للموسيقى. أوصانا مجدداً أن نحب بيروت مثل والده ومثله هو طبعاً، وأن نعتنق الخيال كما أوصانا شوبان و"حلم الحب" كما أراده ليست لنغير معادلة تلك الأيام الصعبة، عله يأتينا ذلك الفجر الجديد المنتظر منذ زمن طويل، زمن يكرم فيه الكبار كما يجب. ــــــــــــــــــــــ (*) في ندوة تكريم الموسيقار اللبناني توفيق الباشا، بمناسبة مرور مئة عام على ولادته، من تنظيم النادي الثقافي العربي. افتتحت الأمسية رئيسة النادي الثقافي العربي سلوى السنيورة بعاصيري بكلمة استحضرت فيها الإرث الثقافي والفني للبنان وللمحتفى به، وقالت: "في حرم هذه الجامعة العريقة، نظم النادي الثقافي العربي أول معرض كتاب في لبنان والعالم العربي عام 1956، واحتضنه حتى العام 1966. واليوم، نحلّ ضيوفًا عليها لنوجّه معًا تحية تقدير ووفاء للموسيقار توفيق الباشا، بالكلمة واللحن، في ذكرى مئويته، تحيةً لقدَرٍ جمع بين العبقرية والانتماء، وبين الإبداع والحنين". وأضافت: "نُحيي هذه الذكرى بالموسيقى الحيّة التي يقدّمها العازف العالمي عبد الرحمن الباشا، في لحظة وفاء عائلية وإنسانية وفنية مميزة. وأتوجه بالشكر إلى الجامعة الأميركية على هذا الاحتضان المستمر لقضية لبنان الحقيقية: الثقافة والمعرفة". تولّى إدارة الأمسية الكاتب سليمان بختي، الذي عبّرعن فخره بوجود عبد الرحمن الباشا، نجل المحتفى به في بيروت مشيدًا بإبداعه وارتباطه الحيّ بذاكرة والده الموسيقية. استعرض بختي جانبًا من سيرة توفيق الباشا، المولود في رأس النبع عام 1920، مشيرًا إلى شغفه المبكر بالموسيقى. فحسب رواية شقيقه الرسّام أمين الباشا، كان الطفل توفيق يعزف على الأواني باستخدام الملعقة، فيما كان يحلم أن يكون موسيقيًا. درس الباشا الموسيقى في الجامعة الأميركية على يد موسيقيين أجانب، وأقام حفلات في جامعات بيروت. وفي عام 1960 أسّس فرقة الأنوار مع زكي ناصيف، وجال بها العالم ناشرًا الموسيقى اللبنانية والعربية. الحاج: من بيروت إلى العالم وتناول الأب بديع الحاج محطات أساسية من مسيرة الباشا، مشيرًا إلى إصدار كتاب جديد عنه يُوقَّع قريبًا في دار نلسن. قال:"سيرة توفيق الباشا تحتاج آلات لا تُعزَف فقط بل تُفهَم. كان بيروتيًا عاشقًا للموسيقى، يرى فيها ملاذًا في الحرب وزمن الخراب". وأضاف: "من منزله الذي كان أقرب إلى معهد موسيقي، انطلق نحو العالمية. في إذاعة Vox، لفتت موسيقاه سيدة أميركية، فدُعي للعزف في مناسبات دولية. ومن هناك بدأت مسيرته في الخارج". وعدّد أبرز إنجازاته وهي: كتابة مؤلفات مستوحاة من السيرة النبوية، نشر التراث الموسيقي العربي بأسلوب معاصر موجّه للعالم،انضمامه إلى عصبة الخمسة التي أعادت صياغة الموسيقى العربية، مشاركته في تأسيس مهرجانات بعلبك منذ عام 1956، تأليفه وتوزيعه لموسيقى أوركسترالية راقية تراعي الأداء الجماعي، تأسيس فرقة الأنوار والعزف مع موسيقيين عالميين،اهتمامه الكبير بـالموشحات وتطويرها،شجاعته الإبداعية ورفضه للمسايرة الفنية. باشا: الأناقة موسيقى أيضًا ثم تحدّث الكاتب والناقد الفني عبيدو باشا عن الباشا الإنسان والفنان، فقال:"كان توفيق الباشا استثنائيًا، هاويًا عاشقًا للموسيقى، يروي بالموسيقى اللحظات، ويمتلك سحرًا خاصًا في ضبط المزاج الموسيقي. كان الأناقة جزءًا من طباعه، حتى في تأليف الموسيقى. وأضاف:"ارتدى الفوِلارد صيفًا وشتاءً، وكانت نظاراته مربّعة. كان أنيقًا في حضوره، وفي تكوين الجملة الموسيقية. مسرحي في الموسيقى، وموسيقي في المسرح". وأشار إلى علاقته الوثيقة بشقيقه أمين، الذي توجّه إلى الرسم، فيما اختار توفيق الموسيقى، وكان علّامة في هذا المجال.كان محبًا لسيد درويش، والموسيقى الكلاسيكية، وشغوفًا بالمشاعر الوطنية. ذاكرته الموسيقية هائلة، وكان شجاعًا إلى أقصى الحدود. في نهاية الأمسية، وجّه عبد الرحمن الباشا شكره للحضور قائلاً: "ما لازم نخلط إنو الموسيقى جاي من الشرق أو من الغرب. وجهة نظروالدي كانت بلا حدود. من الموسيقى الغربية كان يحب بيتهوفن وشوبان، ولهذا أُهدي ختام الندوة إلى والدي بمقطوعات من أعمال شوبان التي كان يحبها".


النهار
٠٧-٠٥-٢٠٢٥
- النهار
معهد العالم العربي يشارك بـ"معرض بيروت العربي الدولي للكتاب"
في بادرة هي الأولى من نوعها، يشارك معهد العالم العربي في النسخة السادسة والستين لـ"معرض بيروت العربي الدولي للكتاب" الذي ينظّمه النادي الثقافي العربي برعاية رئيس الوزراء اللبناني نوّاف سلام بين 15 و25 أيار/مايو الجاري. وسيكون للمعهد جناح خاص يعرض منشوراته المختلفة باللغتين العربيّة والفرنسية حول مواضيع تُعنى بالعالم العربي، كما سيُشارك مديره العام شوقي عبد الأمير بالفعاليات الرسميّة لافتتاح المعرض. إلى ذلك، يوقّع عبد الأمير بصفته شاعراً ديوانين له عند الثامنة من مساء الجمعة في السادس عشر من أيار/مايو في جناح دار "النهضة"، ويسبق التوقيع عند السادسة والنصف ندوة شعرية.