
تاريخ مرئي لزرع الأعضاء منذ عام 1900 لغاية الآن
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- أصبحت عمليات زرع الأعضاء شائعة بعدما كانت تجريبية قبل نصف قرن فقط، حيث أُجريت أكثر من 48 ألف عملية زرع أعضاء في الولايات المتحدة العام الماضي فقط.
حتى السنوات القليلة الماضية، كانت عمليات زرع الأعضاء تعتمد غالبا على أعضاء بشرية، بينما تتيح التجارب المبكرة في مجال نقل الأعضاء بين الكائنات الحية، أي زرع أعضاء الحيوانات في البشر مسارات محتملة لإنقاذ الأرواح.
فيما يلي نظرة على المسار الذي أوصلنا إلى هذه المرحلة.
هل أعضاء الحيوانات هي الحل؟
يعود مفهوم نقل الأعضاء بين الكائنات الحية إلى مئات السنين.
في أوائل القرن العشرين، حوّل الدكتور ماثيو جابولي هذه الفكرة إلى واقع من خلال واحدة من أولى المحاولات الموثّقة لجعل عضو حيواني يعمل في جسم إنسان.
في عام 1906 بمدينة ليون في فرنسا، قام جابولي بربط كلية خنزير بمرفق امرأة تبلغ من العمر 48 عامًا، وقد اختار هذا الموضع لسهولة الوصول إليه.
وتدفقت الدماء عبر الكلية، وأنتجت الكلية البول، وهو أمر لم تكن تنجح فيه حتى بعض التبرعات البشرية خلال تلك الفترة، بحسب ما أظهرت الدراسات.
مع ذلك، سرعان ما فشلت الكلى المأخوذة من الخنزير وتوفيت المريضة بعد ذلك بوقت قصير بسبب العدوى.
قال الدكتور جيفري ستيرن، وهو عضو بارز في فريق نقل الأعضاء بين الكائنات الحية في معهد لانغون لزراعة الأعضاء التابع لجامعة نيويورك بأمريكا: "لطالما كان نقص الوصول السهل إلى الأعضاء البشرية بمثابة المستحيل".
وأضاف ستيرن: "من الواضح أن استخدام الحيوانات كمصدر، يُعد شكلاً مثالياً لتحقيق ذلك".
أول عملية زرع أعضاء بشرية ناجحة
في عام 1954 أجرى الدكتور جوزيف موراي في المستشفى المعروف حالياً باسم مستشفى "بريغهام والنساء" في مدينة بوسطن الأمريكية. أول عملية ناجحة لزرع عضو بشري في العالم.
وقام موراي بأخذ كلية من رونالد هيريك، البالغ من العمر 22 عاماً، وزرعها في جسم شقيقه التوأم ريتشارد.
عاش ريتشارد ثماني سنوات إضافية، ولم يتعرض توأمه المتبرع لأي آثار جانبية ضارة.
وقال الدكتور ستيفان توليوس، وهو رئيس قسم جراحة زرع الأعضاء لدى مستشفى بريغهام والنساء: "أعتقد أن ذلك كان له تأثير كبير في هذا المجال".
وأضاف توليوس: "ما أظهره ذلك بالفعل هو أنه إذا كانت هناك التوليفة والعلاقة المناسبة بين المتبرع والمتلقي، يمكن فعلاً زرع عضو، وسيعمل كما ينبغي".
نظرًا لعدم توفّر الأدوية المثبطة للمناعة في ذلك الوقت، كانت تجارب الزرع تنجح فقط مع التوائم المتماثلة، حيث كان جهاز المناعة يُعتبر العضو المزروع جزءًا من الجسم.
وأشار ستيرن، وهو أيضًا أستاذ مساعد في قسم الجراحة بكلية الطب بجامعة نيويورك غروسمان إلى أن هذه المشاكل "استمرت مع جهاز المناعة لمدة ثلاثين عامًا لاحقة".
وأضاف: "ليس لدى الجميع توأم متماثل".
في الستينيات، أثبت موراي في عدة تجارب على الكلاب أن عملية زرع الأعضاء ستكون أكثر نجاحًا إذا تلقى المتلقي أدويةً لقمع جهاز المناعة بعد العملية، لتقليل احتمالية رفض العضو المزروع.
في أبريل/ نيسان عام 1962، وفي سابقة عالمية، استندت إلى ما تعلمه من تلك التجارب، قام مورفي بزرع كلية من متبرع متوفى في مريض لا تربطه به صلة قرابة، وكان يتلقى العلاج بدواء مثبط للمناعة يسمى "آزاثيوبرين".
عاش المريض لأكثر من عام، وزادت مدة بقائه على قيد الحياة عندما اكتشف الأطباء أن مثبطات المناعة تُعطي نتائج أفضل عند إعطائها مع دواء الستيرويد "بريدنيزون".
في يونيو/ حزيران عام 1963، أجرى أحد زملاء موراي، وهو الجراح البلجيكي الدكتور جاي ألكسندر، أول عملية زرع كلى من متبرع متوفى دماغيًا، وهو إجراء اعتبر مثيرا للجدل آنذاك.
كان ألكسندر يبحث عن كلية لمريض يعاني من الفشل الكلوي عندما أُحضرت امرأة تعرضت لحادث سيارة إلى مستشفى "سانت بيير" في مدينة بروكسل، وكان قلبها ينبض، لكنها لم تُظهر أي نشاط دماغي.
كان ألكسندر يعلم أن الأعضاء تفقد حيويتها بمجرد توقف قلب المريض، وحصل على إذن من رئيس قسمه لزرع كلية المرأة في مريضه المصاب بالفشل الكلوي. وعاش المتلقي 87 يومًا إضافيًا.
على مدار العامين التاليين، أجرى ألكسندر سرًا عمليات زرع كلى أخرى باستخدام متبرعين متوفين دماغيًا لمعرفة ما إذا كان هذا النهج سيطيل مدة بقاء المرضى على قيد الحياة مقارنةً بعمليات زرع من متبرعين توقف القلب لديهم. وكشف عن التجارب في مؤتمر طبي بعد عامين، ما أثار ردود فعل متباينة.
لم تنشر لجنة كلية الطب بجامعة هارفارد توصيتها إلا في عام 1968 بأن الفقدان الدائم لوظائف الدماغ، الذي كان يُسمى سابقًا "الغيبوبة الدائمة"، سيكون معيارًا جديدًا للوفاة.
بعد ذلك، ازداد شيوع عمليات زرع الأعضاء التي تشمل متبرعين متوفين دماغيًا، ما أدى إلى توسيع نطاق الأعضاء المتاحة بشكل كبير.
وقال توليوس: "كان التوصّل إلى تعريف للموت الدماغي كبديل للموت القلبي، أي انقطاع الدورة الدموية، أمرًا بالغ الأهمية، لأنه سمح بالحصول على الأعضاء".
بدأ أطباء زرع الأعضاء بإجراء تجارب على الكلى نظرا لأن الإنسان يمتلك كليتين ويستطيع العيش بواحدة. وأُتيحت للمرضى إمكانية إجراء غسيل الكلى في حال فشل عملية الزرع. ولكن كلما ازدادت معرفة الأطباء، ازدادت ثقتهم بقدرتهم على زرع أعضاء أخرى.
بحلول أواخر الستينيات، بدأوا بإجراء تجارب على الكبد والبنكرياس. في عام 1967، أجرى الجراح الجنوب إفريقي، الدكتور كريستيان برنارد، من مستشفى "Groote Schuur" بمدينة كيب تاون، أول عملية زرع قلب، حيث قام بزرع قلب شاب يبلغ من العمر 25 عامًا لدى عامل بقالة يبلغ من العمر 53 عامً، وكان يحتضر بسبب مرض مزمن في القلب.
تُوفي عامل البقالة بعد 18 يومًا بسبب التهاب رئوي، لكن قلبه استمر في النبض حتى وفاته.
عاش مريض برنارد الثاني الذي خضع لعملية زرع قلب قرابة 19 شهرًا. بينما عاش مريضاه الخامس والسادس قرابة 13 و24 عامًا على التوالي.
بحلول التسعينيات، أتاحت مثبطات المناعة مثل دواء "سيكلوسبورين" إمكانيات جديدة لزرع أنسجة متعددة. وفي عام 1998، أجرى الدكتور جان ميشيل دوبرنارد أول عملية جراحية لزرع اليد في مدينة ليون بفرنسا.
في عام 2005، أجرى دوبرنارد مع الدكتور برنارد ديفوشيل أول عملية زرع جزئية للوجه لإيزابيل دينوار، وهي امرأة فقدت جزءًا من وجهها بحادثة هجوم كلب.
في عام 2010، أجرى فريق إسباني بقيادة الدكتور خوان باريت أول عملية زرع وجه كامل.
قال ستيرن: "كانت الثلاثين عامًا الأولى من زرع الأعضاء بمثابة تجربة".
وتابع: "لم يكن ما نقوم به حاليًا أمرًا شائعًا، بل كان يتطلب الكثير من المحاولة والخطأ والصمود، وأعتقد أن مجال زرع الأعضاء بأكمله كان ضعيفًا جدًا في هذا الجانب. وكان التكيف وابتكار تقنيات جديدة هو ما سمح لعملية زرع الأعضاء بأن تُصبح إجراء شائعا".
في عام 1984، حاول الدكتور ليونارد بيلي إنقاذ حياة ستيفاني فاي بوكلير في جامعة "Loma Linda" بولاية كاليفورنيا الأمريكية.
وقد ولدت الطفلة، التي عُرفت باسم الطفلة فاي، مصابةً بمرض مميت في القلي، وحصل بيلي، الذي كان يُجري تجارب على عمليات زرع أعضاء بين الأنواع في الحيوانات، على إذن بزرع قلب قرد البابون. وعاشت ستيفاني 21 يومًا فقط، لكن هذه الحالة أثارت المزيد من الوعي حول الحاجة إلى التبرع بأعضاء الرضع وإمكانية زرع الأعضاء بين الأنواع.
في النهاية، قرر العلماء أن الرئيسيات، رغم كونها الأقرب للإنسان من الناحية التطورية، ليست المتبرعة الأفضل بالأعضاء.
أدرك العلماء أن الخنازير قد تكون خيارًا أفضل، إذ تشبه البشر تشريحيًا، وتتكاثر بسرعة، كما أن خطر إصابتها بالأمراض حيوانية المنشأ أقل.
توقفت أبحاث زرع الأعضاء بين الكائنات الحية حتى تطوير أداة تعديل الجينات "كريسبر" في أوائل القرن الحادي والعشرين.
أتاحت هذه التقنية، الحائزة على جائزة نوبل، للعلماء تعديل جينوم الخنزير لجعله أكثر توافقًا مع جينوم البشر، بما في ذلك إزالة تسلسلات رئيسية في الحمض النووي للخنزير، التي من شأنها أن تؤدي إلى رفض الأعضاء بشكل شبه تلقائي لدى البشر.
وقد أتاح الجمع بين هذه التقنيات وتقنيات الاستنساخ للعلماء فرصة الحفاظ على جينات متسقة وإنتاج متبرعين من الخنازير.
وقد جرت عمليات زرع أعضاء خنزير لدى رئيسيات غير بشرية من قبل، لكن الاختبار الحقيقي جاء في سبتمبر/ أيلول عام 2021، عندما زُرعت كلية خنزير معدّلة وراثيًا لمريض متوفى دماغيًا بمركز لانغون الطبي بجامعة نيويورك.
تم توصيل الكلية بالأوعية الدموية في الجزء العلوي من فخذ المتلقي، خارج البطن، لمدة 54 ساعة، بينما كان الأطباء يدرسون مدى فعاليتها. وبدا أن العضو يعمل بكفاءة كلية بشرية مزروعة، ولم يلحظ الأطباء أي علامات رفض.
أوضح الدكتور روبرت مونتغمري، وهو أحد الجراحين الذين أجروا العملية، لكبير المراسلين الطبيين لدى CNN، الدكتور سانجاي غوبتا: "لقد تعلمنا من هذه التجربة أكثر من أي شيء آخر قمنا به. وقد كانت أساسًا لاكتشافنا كيفية علاج رفض الأعضاء لدى مرضانا الأحياء".
وقد وافقت عائلة المريض على التبرع بجثته لإجراء هذه العملية، ما مهد الطريق لهذه الخطوة الكبيرة نحو توفير مصدر مستدام للأعضاء المنقذة للحياة، حسبما ذكره مونتغمري في بيان صحفي آنذاك.
في 7 يناير/ كانون الثاني عام 2022، أجرى الجراحون في كلية الطب بجامعة ماريلاند أول عملية زرع عضو كائن حي لإنسان حي.
لم يكن ديفيد بينيت، البالغ من العمر 57 عامًا، قادرًا على المشي، واعتمد على جهاز المجازة القلبية الرئوية للبقاء على قيد الحياة. وكانت حالته مزمنة بحيث لا يتأهل لزرع قلب بشري، لكنه تمكن من الخضوع للإجراء التجريبي بموجب مسار الاستخدام الرحيم لإدارة الغذاء والدواء الأمريكية، والذي يسمح للمرضى الذين ليس لديهم بدائل أخرى بتجربة العلاجات التجريبية.
عاش بينيت شهرين إضافيين، وأتيحت له فرصة قضاء المزيد من الوقت مع عائلته.
صرح الجراح الذي أجرى العملية، الدكتور بارتلي جريفيث، قائلا: "كما هو الحال مع أي عملية زرع أولى في العالم، أدت هذه العملية إلى رؤى قيّمة نأمل أن تُفيد جراحي زراعة الأعضاء لتحسين النتائج وتوفير فوائد منقذة للحياة للمرضى في المستقبل".
هذا الصيف، ستشرع شركة "United Therapeutics" في أول تجربة سريرية لإدارة الغذاء والدواء الأمريكية لزرع الأعضاء من الكائنات الحية.
وصرح ديفيد أياريس، وهو الرئيس والمدير العلمي لشركة "Revivicor"، التابعة لشركة "United Therapeutics"، لـCNN: "بدلاً من عمليات زرع الأعضاء الرحيمة لمرة واحدة، والتي كانت قيّمة للغاية في تعلم كيفية تحسين بقاء هؤلاء المرضى على قيد الحياة وإطالة أمدها، يمكننا الآن الدخول في تجربة متعددة المراكز".
مع ذلك، لن يكون هذا كافياً لحل مشكلة نقص الأعضاء تماماً، لذا تواصل شركة "United Therapeutics"، وكذلك الجهات الأخرى في مجتمع زرع الأعضاء التفكير في المستقبل.
قد يعني هذا استخدام عضو خنزير كسقالة حيث يمكن للعلماء زرع خلايا جذعية بشرية، أو حتى طباعة أعضاء ثلاثية الأبعاد.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


CNN عربية
منذ 37 دقائق
- CNN عربية
إلدر يروي لـCNN معاناة أطفال غزة بظل الحرب: سمعتُ صراخ المصابين المرعب
خلال مقابلة أجراها مع شبكة CNN، قال المتحدث باسم "اليونيسف"، جيمس إلدر إن المستشفيات في قطاع غزة تعاني من نقص شديد في الأدوية، وفي مسكنات الألم وهو ما ينعكس سلبًا على معاناة المصابين فيها، لا سيما الأطفال الذين يعانون بسبب نقص مسكنات الألم. وأضاف إلدر "لقد رأيت أكثر من 100 طفل مبتوري الأطراف، مصابين بجروح بالغة ومؤلمة ناجمة عن انفجارات القنابل والصواريخ والغارات الجوية". قراءة المزيد إسرائيل الأطفال اليونيسيف غزة


CNN عربية
منذ ساعة واحدة
- CNN عربية
السعودية.. سوار إلكتروني بأيدي عناصر أمن يثير تفاعلا.. ما هو؟
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)—تداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام القليلة الماضية، صورا ومقاطع فيديو لعناصر بالأمن السعودي يرتدون سوارا إلكترونيا بأيديهم مما اثار تفاعلا وتساؤلات عن مهمته ولماذا بدأ العسكريون ارتداءه.ووفقا لتقرير نشرته وكالة الأنباء السعودية، فإن السوار أطلقته لأول مرة "الإدارة العامة للخدمات الطبية بوزارة الداخلية في موسم حج هذا العام 1446 مستخدمة تقنية إنترنت الأشياء والمعزز بالذكاء الاصطناعي، لتقديم الدعم الطبي لرجال الأمن في الميدان أثناء أداء مهامهم في خدمة ضيوف الرحمن بما يعزز سلامتهم".وأوضحت الوكالة: "يعمل 'السوار الطبي الذكي' على متابعة المؤشرات الحيوية لرجال الأمن في الميدان، وارسال التنبيهات إلى مركز القيادة والتحكم في مستشفى قوى الأمن بمدينة مكة المكرمة، لتقديم الدعم اللازم والتدخل في الحالات المتقدمة، وخصصت الإدارة العامة للخدمات الطبية بوزارة الداخلية في مركز القيادة والتحكم شاشات إلكترونية مربوطة تقنيًا بالسوار الطبي الذكي وكوادر صحي متخصص لمتابعة الإشارات والإشعارات التي ترد إليه بالحالات بحسب تصنيفها الطبي، وتحدد الخرائط الحرارية للحالات الصحية لرجال الأمن في الميدان ومراقبة العلامات الحيوية لهم، وما إذا كانت تستدعي تدخل الفرق الطبية".وتابعت: "يتميز السوار الطبي الذكي بإرسال إشعار طلب استغاثة لمركز القيادة والتحكم والتواصل مع الحالة مباشرة من الكوادر الطبية، وإرسال فرقة ميدانية تعمل على مدار (24) ساعدة للمساعدة وتقديم الدعم الطبي اللازم، ويتوافق مع سياسات واشتراطات الهيئة الوطنية للأمن السيبراني والهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي 'سدايا'". السعودية.. كشف سبب تراجع عدد الحجاج حول مسجد نمرة مقارنة بمناسك 2024 يثير تفاعلا


CNN عربية
منذ 2 ساعات
- CNN عربية
"دهشة" الأطفال صمّام أمان لصحتهم النفسية والجسدية والعاطفية
ملاحظة المحرّر: ديبورا فارمر كريس، اختصاصية في نمو الطفل، ومؤلفة كتاب: "تربية التائقين إلى الدهشة: كيف تساعد علوم الانبهار على نمو أطفالنا وازدهارهم؟" (Raising Awe-Seekers: How the Science of Wonder Helps Our Kids Thrive). ويمكنك متابعة أعمالها على منصة Parenthood365. دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- أمضيتُ السنوات الأربع الماضية، في البحث عن كيفية دعم شعور الدهشة لدى الأطفال فيما أؤلّف كتابي الأول الموجّه للبالغين، بعنوان:"تربية التائقين إلى الدهشة: كيف تساعد علوم الانبهار على نمو أطفالنا وازدهارهم؟". تشير الأبحاث الصادرة عن مركز العلوم من أجل الخير الأكبر (مركز بحثي يُعنى بدراسة علم النفس، وعلم الاجتماع، وعلم الأعصاب المتعلق بالرفاه) في جامعة كاليفورنيا، بيركلي، إلى أنّ الدهشة تدعم صحتنا النفسية والجسدية والعاطفية. دراسة: فجوة كبيرة بين الدعم العاطفي الذي يشعر به المراهقون واعتقاد الأهل فالانبهار أو الدهشة يدفعان الفرد كي يكون أكثر لطفًا وتواضعًا، كما يُساهمان في تهدئة الضجيج الذهني، وتعزيز الفضول، والشعور بالترابط مع الآخرين. وقد تبيّن أيضًا أنّ لهذين الشعورين قدرة على خفض مؤشرات التوتر والالتهاب في الجسم. ويُحب داشر كيلتنر، باحث الدهشة، وأستاذ علم النفس المتميّز في جامعة كاليفورنيا، بيركلي، القول: "لا تستهينوا بقوة القشعريرة". من السهل التحدّث عن الأطفال الصغار وشعور الدهشة، مثل اتّساع عينيّ طفل في الثالثة من عمره عندما يعثر على عش طائر. لكن ما يثير اهتمامي أكثر هو كيف يمكن لهذا الشعور أن يدعم المراهقين اليوم. نحن نعلم أنّ الكثير من المراهقين يعانون من التوتر، والانشغال الزائد، والشعور بالوحدة، والانغماس المفرط في الشاشات. وهم أيضًا في مرحلة من عمرهم تتّسم بـتطور دماغي سريع، وحساسية عاطفية مرتفعة، ما يجعلهم مهيّئين تمامًا لتجربة شعوري الدهشة والانبهار. في ما يلي ثلاث طرق لمساعدة المراهقين على الوصول إلى هذا الشعور الواقي الذي قد يوقظ إحساسك الشخصي بالدهشة أيضًا ربما: يمرّ المراهقون في بدايات هذه المرحلة بمحطة تكوين الهوية. ما كان يُسعدهم في الصف الخامس قد لا يعنيهم بحلول الصف الثامن. لذا تُعتبر مرحلة المراهقة الوقت المناسب كي يكتشفوا بأنفسهم ما يناسبهم حقيقة، ويقرّروا ما يرغبون به. رغم أنّ هذه المرحلة من التغيّر السريع طبيعية وضرورية، إلا أنها قد تكون مربكة لكل من الوالدين والمراهقين على حد سواء. كنت أُدرّس في المدرسة الإعدادية وغالبًا ما كنت أسمع الأهالي يعبرون عن حيرتهم كالتالي: "لم أعد أعرف طفلي بعد الآن". اكتئاب يلاحق المراهقين حول أجسامهم.. هل يعتبره الباحثون أمراً مقلقاً؟ ماذا لو استبدل الأهل شعور الحيرة هذا بمصطلح "الفضول الجذري"؟ عرّفني طبيب النفس في جامعة هارفارد، الدكتور روبرت والدينغر، على هذه العبارة كممارسة للأمومة الواعية. كأن تنظر إلى طفلك وتطرح على نفسك السؤال التالي: "ما الأمر الواحد الذي لم ألحظه به من قبل؟". وقد تكون الإجابة أي شيء، وفق ما قال لي، حتى الطريقة الجديدة التي يمشّط بها شعره. الفضول الجذري يساعدنا أيضًا على التفاعل مع الأمور التي تثير دهشتهم، خصوصًا عندما يتغيّر هذا الاهتمام من شهر لآخر. كأن نسأل ما الذي يثير حماستهم هذا الشهر؟ وعندما ندرك الإجابة، نسعى لتغذيتها. لذا على الأهل ملاحظة ما يثير دهشة أطفالهم المراهقين، وما الذي يمنحهم القشعريرة، أو يوسّع أذهانهم بطرق جميلة. وعلى هذا النحو، نتعلّم المزيد عن هويتهم الحالية وما قد يصبحون عليه مستقبلًا. وحين نولي اهتمامًا بمصادر دهشتهم، فإننا نُثبّت تجاربهم، ونشجّعهم على الاستمرار بالاستكشاف. أفضل ما في الدهشة أنها شعور عادي ومتيسّر للجميع. لا يتطلّب معدات مكلفة أو رحلة عائلية فاخرة. في الواقع، يصف كيلتنر الدهشة بأنها "عاطفة يومية" يمكننا الوصول إليها أثناء المشي الصباحي، أو أثناء التشجيع لفريقنا المحلي. في العشرين سنة الماضية، درس الباحثون أنواع التجارب التي تثير مشاعر الدهشة. أبلغ الناس حول العالم عن شعورهم بهذه العاطفة أثناء استكشاف الطبيعة، والاستمتاع بالفن والموسيقى، والتأمل بالأفكار الكبيرة. وربما من المدهش أن أكثر مصدر شائع للدهشة اليومية جاء من مشاهدة الآخرين وهم يُظهرون اللطف والشجاعة. نحن نستلهم من الخير الإنساني. مصدر آخر للدهشة يرتبط تحديدًا بالمراهقين يُعرف بـ"الاندفاع الجماعي" (collective effervescence). وهو الشعور الناتج عن العمل مع الآخرين لتحقيق هدف مشترك، مثل الكهرباء التي تشعر بها وأنت تشجع وسط الحشد، أو تمرر كرة القدم لزملائك في المباراة الكبيرة، أو تغني مع جوقة. بالنسبة لأطفالنا، هو شعور بالانتماء إلى شيء أكبر منهم. معرفة مصادر الدهشة هذه تُشكّل إطارًا ذهنيًا مفيدًا للأهل والمراهقين، ويمكن أن يساعدنا على البحث عن تجارب ذات معنى. لذا أين يمكننا رؤية الفن في مجتمعنا؟ وما هي الموسيقى التي تجلب الفرح لأطفالي حاليًا وهل يمكنني تشغيلها في السيارة عندما أوصلهم؟ وكيف باستطاعتنا التواصل أكثر مع مجتمعنا المحلي؟وأي نادٍ أو رياضة قد تستحق التجربة؟ ومن هو الجار الذي يحتاج إلى مساعدتنا؟ وما هي بعض لحظات "الأخبار الجيدة" التي يمكننا مشاركتها معًا؟ وكيف يمكننا جميعًا الخروج إلى الهواء الطلق هذا الأسبوع، حتى ولو لبضع دقائق؟ يصنّف المراهقون كعلماء سلوك بشري بارعين. وإذا أردنا أن يشعروا بالمزيد من هذه العاطفة الإنسانية الرائعة، علينا أن نصبح بدورنا باحثين عن الدهشة ومشاركين بها أيضًا. لا أعني أننا بحاجة إلى التعامل مع الأمر بشكل مصطنع، فما من مراهق يحب سماع "دقيقة الأخبار الجيدة" اليومية من أمه أو أبيه. عوض ذلك، ابحث عن طرق تشارك بها بتلقائية تلك اللحظات الصغيرة من الدهشة التي تصادفها في حياتك. هذا النوع من التبادل سيعزّز مشاعر الدهشة بينك وبين طفلك المراهق، لا بل سحفّزه على مبادلتك بالمثل بما يثير دهشته وللدهشة قد تكون المواضيع متقاربة.