logo
المفاوضات النووية الأميركية-الإيرانية: الطرفان يرغبان بتجنب الحرب

المفاوضات النووية الأميركية-الإيرانية: الطرفان يرغبان بتجنب الحرب

المدن٠٦-٠٥-٢٠٢٥

عقدت الولايات المتحدة الأميركية وإيران ثلاث جولات تفاوضية بوساطة عُمانية، تسعى من خلالها واشنطن لتقييد البرنامج النووي الإيراني، في حين تسعى طهران لرفع العقوبات الاقتصادية عنها. وقد انطلقت المفاوضات، في 12 نيسان/ أبريل 2025 في مسقط، تلتها جولة ثانية بإيطاليا في روما، وثالثة في مسقط مرة أخرى؛ في 19 و26 من الشهر نفسه على التوالي. وأجرى الوفدان المفاوضات في غرفتين منفصلتين في كلٍ من مسقط وروما، في حين ذكرت واشنطن أن المفاوضات كانت غير مباشرة، ومباشرة أيضاً، في إشارة إلى لقاء قصير جمع بين رئيسَي الوفدين المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف، ووزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، في الجولة الأولى.
أولاً: خلفية المفاوضات
خلال لقاء جمع بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض، في 7 نيسان/ أبريل، أعلن ترامب عن "محادثات مباشرة"، تجري بين واشنطن وطهران "على أعلى مستوى"، لكن طهران نفت الخبر حينها. وأكد ترامب، منذ بدء ولايته الرئاسية الثانية أنه يريد إبرام اتفاق نووي جديد مع إيران، وهدد بأن البديل هو شن هجوم عسكري عليها إن لم توقف برنامجها لتخصيب اليورانيوم. وكان الاتفاق النووي لعام 2015 قد حدد نسبة تخصيب اليورانيوم المسموح بها لإيران بـ 3.76 في المئة، كافية لتشغيل برنامج مدني. إلا أن طهران ضاعفت، بدءاً من عام 2019، من معدلات التخصيب، بعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي، لتصل إلى نسبة نقاء مقدارها 60 في المئة. وبعث ترامب، في آذار/ مارس 2025، رسالة إلى المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، علي خامنئي، يحضّه فيها على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، وحذّره من مواجهة مزيد من العقوبات وضربات عسكرية واسعة النطاق، منها ما يستهدف المنشآت الإيرانية النووية. وعلى الرغم من أن الردَّ الأوّلي لخامنئي كان رفض التفاوض تحت التهديد، فإنه عدل عن موقفه ووافق على إجراء مفاوضات غير مباشرة مع الولايات المتحدة، عبر الوسيط العُماني.
تعمل الولايات المتحدة، منذ أسابيع، على تعزيز قدراتها العسكرية في المنطقة في سياق الحرب التي تشنها ضد جماعة أنصار الله (الحوثيين) في اليمن، والتصعيد المحتمل ضد إيران. وفي مطلع نيسان/ أبريل، نشرت واشنطن طائرات قاذفة من طراز "بي-2" في المحيط الهندي، في رسالة تحذيرية لإيران من أجل دفعها إلى التفاوض حول برنامجها النووي. ويمكن أن تحمل قاذفات "بي-2" قنابلَ خارقة للتحصينات تستهدف المنشآت النووية الإيرانية في أعماق الجبال. وبعد الجولة الأولى من المفاوضات، نشرت واشنطن حاملة الطائرات "يو إس إس كارل فينسون" ومجموعتها المقاتلة في بحر العرب، لتنضم إلى حاملة الطائرات "يو إس إس هاري إس. ترومان"، لممارسة مزيد من الضغط على طهران. وتواجه إيران أيضاً عقوبات اقتصادية صارمة، من جرّاء سياسة "الضغط الأقصى" التي اتبعها ترامب ضدها منذ عام 2018، والتي شملت حظر شراء الدول الأخرى للنفط منها؛ ما أدى إلى انخفاض صادرات النفط الإيرانية، ومغادرة الشركات الأجنبية أراضيها، وانهيار عملتها التي فقدت قرابة 90 في المئة من قيمتها مقابل الدولار الأميركي، فضلاً عن مواجهة البلاد أزمة في الوقود والكهرباء في شتاء 2024-2025.
في المقابل، تواجه الولايات المتحدة تحديات إن قررت المضي في الخيار العسكري - مثلما تطالب إسرائيل - ضد البرنامج النووي الإيراني. فمن ناحية، تقوم مقاربة ترمب في السياسة الخارجية على تجنّب الحروب غير الضرورية، والتي لا ترتبط مباشرة بالأمن القومي الأميركي. ومن ناحية أخرى، تكتنف الشكوك قدرة أي عمل عسكري أميركي أو إسرائيلي، أو مشترك بينهما، على تدمير البرنامج النووي الإيراني كلياً. فقد يعطّل الهجوم البرنامج مؤقتاً، ويؤخّر "زمن الاختراق" لصنع قنبلة نووية. وقد يدفع أيّ عمل عسكري ضد إيران إلى طرد المفتشين التابعين للأمم المتحدة، والإسراع في تحوّلها إلى دولة مسلّحة نووياً.
ثانياً: جولات المفاوضات الثلاث
ركزت الجولة الأولى من المفاوضات في مسقط على تحديد مسار المحادثات وصيغتها، بينما ركّزت الجولة الثانية في روما على وضع إطار عمل لكيفية سير المفاوضات. وبحسب عراقجي، فإن الطرفين اتفقا على البدء في وضع إطار عمل لاتفاق نووي محتمل، ووصف مسؤول أميركي بأن المفاوضات حققت "تقدماً جيداً للغاية". وفي 23 نيسان/ أبريل، عُقد لقاء في مسقط بين البلدين على مستوى الخبراء، وصفه مسؤول إيراني بأنه كان "صعباً ومعقّداً وجاداً". وفي 26 نيسان/ أبريل، عُقدت الجولة الثالثة في مسقط مجدداً تبادل فيها الطرفان، بحسب عراقجي، نقاطاً مكتوبة، ودخلت في "مناقشات أعمق وأكثر تفصيلًا"، ووصفها مسؤول كبير في الإدارة الأميركية بأنها كانت "إيجابية وبنّاءة".
وعلى الرغم من أن الطرفين اتفقا على عقد جولة رابعة من المفاوضات في روما في 3 أيار/ مايو 2025، فإنها تأجلت لأسباب لوجستية، بحسب وزير الخارجية العُماني، على أن يُحدّد موعدها لاحقاً. ويبدو أن التأجيل كان بسبب عقوبات جديدة أعلنتها في 30 نيسان/ أبريل وزارة الخارجية الأميركية ضد شركات تقول إنها على صلة بطهران، متورطة في التجارة غير المشروعة للنفط والبتروكيماويات الإيرانية. وفي اليوم التالي، أي قبل يوم واحد من الجولة الرابعة من المفاوضات، وجّه وزير الدفاع الأميركي، بيت هيغسيث، تهديدات إلى إيران بذريعة دعمها الحوثيين في اليمن. ومع ذلك، فإنه من غير المرجّح أن يؤدي هذا التأجيل والتصعيد إلى انهيار المحادثات؛ إذ يسعى كلاهما لتجنب الانزلاق نحو الحرب.
ثالثاً: غموض المقاربة الأميركية
يتجنّب الهدف الاستراتيجي العام، الذي يكرره ترامب دائماً، الإجابة عما إن كانت الولايات المتحدة تقبل بالتعايش مع واقع تكون فيه إيران قادرة على تخصيب اليورانيوم، بغض النظر عن نسبة التخصيب، وهو ما يجعلها مؤهلة لإنتاج سلاح نووي متى قررت ذلك. حضر هذا السيناريو في الاتفاق النووي مع إيران عام 2015، ثم حينما انسحب ترامب منه، فالاتفاق سمح لها بالحفاظ على بنيتها ومنشآتها النووية، وكذلك أجهزة الطرد المركزي. ومن هذا المنطلق، يجادل بعض المسؤولين في إدارة ترامب بأنه لا بد من تفكيك البرنامج النووي الإيراني كلياً؛ وهو ما يطالب به نتنياهو كذلك، الذي يصر على أن الاتفاق الوحيد الذي تقبل به إسرائيل هو تفكيك البرنامج على غرار ما جرى في ليبيا عام 2003، "بإشرافٍ وتنفيذٍ أميركيَين"، وإن لم يحصل ذلك يكون اللجوء إلى "الخيار العسكري". في المقابل، ثمة في إدارة ترامب من يرى أن هذا الخيار غير واقعي وأن إيران لا يمكن أن تقبل به، وإن أصرّت واشنطن على هذا الشرط، فإن ترامب سيضطر إلى خوض حرب مع إيران كما هدد غير مرة. ومن المعلوم أن النقاشات داخل إدارة ترمب بشأن إيران ما زالت مستمرة.
يضمّ المعسكر الأول الذي يؤمن بأولوية الحل الدبلوماسي، حتى لو تضمّن ذلك الحفاظ على بنية نووية إيرانية محدودة وخاضعة للرقابة المشددة، كلاً من نائب الرئيس جي دي فانس، ووزير الدفاع هيغسيث، وويتكوف. وأبلغ الأخير مسؤولي إدارة ترامب أن الإصرار على التفكيك الكامل للبرنامج النووي الإيراني سيعني عدم التوصل إلى اتفاق، ومن ثم فإن الخيار البديل هو ضرب المنشآت النووية الإيرانية، مع ما يعنيه ذلك من تداعيات أمنية وسياسية واقتصادية على المصالح الأميركية.
يضم المعسكر الثاني، الذي يطالب بتفكيك البرنامج النووي الإيراني كلياً، كلاً من وزير الخارجية ماركو روبيو، ومستشار الأمن القومي مايك والتز (أقاله ترمب مؤخراً)، وعضو مجلس الشيوخ المقرب من ترامب ليندسي غراهام. ويرى هذا الفريق أن الإبقاء على البرنامج والمنشآت النووية الإيرانية سيعرّض ترامب لانتقادات كبيرة؛ إذ إنه "يكرر خطأ" إدارة باراك أوباما، الذي سبق أن وصفه ترامب بأنه "كارثة". ويقول هذا الفريق أيضاً إن إيران أضعف من أي وقت مضى؛ بسبب الضرر الذي ألحقته إسرائيل بقدرات حلفائها (خاصة حزب الله اللبناني) وسقوط نظام بشار الأسد في سوريا، فضلاً عن الضربات التي يتعرّض لها الحوثيون في اليمن. ويرى هؤلاء أن إيران اليوم أكثر هشاشة من ذي قبل، من جرّاء العقوبات الاقتصادية الأميركية الصارمة المسلّطة عليها، وتعزيز الوجود العسكري الأميركي في المنطقة، فضلًا عن نجاح إسرائيل في تشرين الأول/ أكتوبر 2024 في تدمير دفاعات جوية استراتيجية لطهران خلال الهجوم عليها؛ ما يعني انكشافاً كبيراً في مواقعها النووية والعسكرية الحساسة، أمام أي هجمات في المستقبل.
وما يدلّ على الخلاف داخل إدارة ترامب في هذا الملف أن ويتكوف كان قد صرّح، في 14 نيسان/ أبريل، بعد الجولة الأولى من المفاوضات، بأنه لا يستبعد أن يُسمح لإيران بمواصلة تخصيب اليورانيوم عند مستوى 3.67 في المئة اللازم لبرنامج الطاقة النووية السلمي، على أن يجري التأكد من أنها لا تصنع صواريخ باليستية يمكنها حمل سلاح نووي أو تصنع مشغلات يمكنها تفجير قنابل نووية. غير أنه تراجع عن تصريحه بعد يوم واحد، مؤكداً أن "إيران يجب أن توقف وتقضي على برنامجها للتخصيب والتسليح النووي"؛ وهو ما ترفضه إيران قطعياً. بل إن روبيو يذهب أبعد من ذلك، بتشديده على أن إيران ينبغي لها أن توقف تخصيب اليورانيوم، بموجب أي اتفاق مع الولايات المتحدة، وأنه لن يُسمح لها إلا بـ "استيراد ما تحتاجه لبرنامج نووي مدني".
رابعاً: الموقف الإيراني
تشدّد إيران على حقها في تخصيب اليورانيوم، لكنها تبدي استعداداً لقبول قيود معيّنة على ذلك. وحددت المبادئ التي تريدها في الاتفاق النووي في النقاط التالية:
1. يجب أن يتضمن الاتفاق رفع العقوبات المفروضة على إيران.
2. الحصول على ضمانات موثوقة من ترامب بأنه لن ينسحب من الاتفاق النووي مجدداً، كما فعل عام 2018.
3. أن لا يتضمن الاتفاق التفكيك الكامل للبنية التحتية النووية الإيرانية، بما في ذلك أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم، أو وقف التخصيب تماماً، أو خفض مخزونها من اليورانيوم المخصّب إلى ما دون المستويات المتفق عليها في اتفاق عام 2015.
4. أن لا تشمل المفاوضات البرنامج الصاروخي الإيراني، الذي تعتبره طهران خارج نطاق أي اتفاق نووي.
5. أن تضغط الولايات المتحدة على إسرائيل خلال المحادثات للامتناع عن التهديد بمهاجمة إيران.
وبحسب مسؤول إيراني، فإن إيران لمست خلال "المحادثات غير المباشرة في عُمان أن واشنطن لا تريد أن توقف إيران جميع أنشطتها النووية، ويمكن أن يشكّل هذا أرضية مشتركة لبدء مفاوضات عادلة". وفي المقابل، طرحت إيران إمكانية إقامة مشروع مشترك لإدارة منشآتها للتخصيب النووي، وهو خيار من شأنه أن يسمح لإدارة ترمب بأن تعلن أنها أبرمت اتفاقاً مختلفاً عن اتفاق إدارة أوباما. ودعا وزير الخارجية الإيراني الولايات المتحدة إلى الاستثمار في برنامج بلاده النووي، والمساعدة في بناء 19 مفاعلاً نووياً في إطار إجراء أمني إضافي. وصرّح مسؤول إيراني كبير أيضاً بأن بلاده منفتحة على نقل مخزونها من اليورانيوم المخصّب إلى روسيا أو دولة أخرى، تماماً كما فعلت في أوائل عام 2016 مع دخول الاتفاق النووي في عهد أوباما حيّز التنفيذ.
خاتمة
يصعب الجزم بقدرة واشنطن وطهران على التوصل إلى اتفاق نووي جديد، في ظرف يتّسم بالخلافات والتوقعات بينهما حول الاتفاق وشروطه. غير أنه يمكن القول إن ثمَّة نبرة توحي بالتفاؤل الحذر عند الطرفين؛ وأساسه رغبتهما في تجنّب الحرب. ويبدو أن العقدة الأبرز في المفاوضات تتمثل فيما إن كان سيُسمح لإيران بالاحتفاظ بمنشآتها النووية وإمكانية تخصيب اليورانيوم، ولو بالمستويات المطلوبة لإنتاج الطاقة المدنية؛ أي بنسبة 3.67 في المئة. ويتعرض ترمب لضغوط من داخل إدارته ومن إسرائيل، حتى لا يعود إلى اتفاق شبيه بالاتفاق الذي أبرمته إدارة أوباما. إلا أن ثمَّة من يطرح تدابير إضافية لتحسين ذلك الاتفاق، قد تشمل مراقبة أكثر صرامة للأنشطة النووية الإيرانية، ومشاريع مشتركة لإدارة المنشآت النووية، وجعل ضمانات إيران دائمة. في المقابل، تجد إيران نفسها في وضع أكثر انكشافاً مما كانت عليه قبل تشرين الأول/ أكتوبر 2023، يضاف إلى ذلك السخط الشعبي المتزايد من التأثير البالغ للعقوبات الاقتصادية في المستوى المعيشي للإيرانيين. ومن ثم، فهي أكثر حرصاً على التوصل إلى اتفاق نووي، لا يمس بخطوطها الحمراء. يبقى العامل الإسرائيلي، وإصرار نتنياهو على ضرورة أن يتناول أي اتفاق مع إيران تفكيك منشآتها ونقل معداتها النووية خارج البلاد، ومنعها منعاً باتاً من التخصيب. ويصرّ نتنياهو أيضاً على وضع حدّ لبرنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية، وتوقّف إيران عن دعم حزب الله والحوثيين وحركات المقاومة الفلسطينية، وهو ما ترفضه طهران. وتتسرب معلومات عن ضغط الحكومة الإسرائيلية على واشنطن، من أجل أن تسمح لها بالقيام بعمل عسكري ضد المنشآت النووية الإيرانية، حتى إن كان محدوداً، إلا أن إدارة ترمب ترفض ذلك ما دام ثمّة احتمال للتوصل إلى اتفاق.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

رجي عرض والسفيرة جونسون المساعي الجارية لوقف التصعيد الإسرائيلي المتواصل في الجنوب
رجي عرض والسفيرة جونسون المساعي الجارية لوقف التصعيد الإسرائيلي المتواصل في الجنوب

LBCI

timeمنذ 42 دقائق

  • LBCI

رجي عرض والسفيرة جونسون المساعي الجارية لوقف التصعيد الإسرائيلي المتواصل في الجنوب

استقبل وزير الخارجية والمغتربين يوسف رجي سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان ليزا جونسون، وتناول البحث آخر المستجدات في لبنان والمنطقة، والمساعي الجارية لوقف التصعيد الاسرائيلي المتواصل في جنوب لبنان، إضافةً الى مسألة التجديد للقوات الدولية العاملة في الجنوب.

في نادي الغولف... ترامب يقيم عشاء مغلقا جمع كبار المستثمرين في عملته المشفرة
في نادي الغولف... ترامب يقيم عشاء مغلقا جمع كبار المستثمرين في عملته المشفرة

LBCI

timeمنذ 42 دقائق

  • LBCI

في نادي الغولف... ترامب يقيم عشاء مغلقا جمع كبار المستثمرين في عملته المشفرة

أقام الرئيس الأميركي دونالد ترامب مساء الخميس عشاء مغلقا في نادي الغولف الذي يملكه قرب واشنطن، جمع كبار المستثمرين في عملته المشفرة ما أثار انتقادات من مشرّعين ديموقراطيين وناشطين اعتبروا ذلك "فسادا" صارخا. وحضر العشاء 220 من أكبر حاملي العملة $TRUMP، وخصّت الفعالية كبار 25 مستثمرا بجلسة خاصة، وفق ما أفاد الموقع الالكتروني للحدث، وسط تداخل مفترض لسلطته الرئاسية مع مصالحه التجارية. وأطلق ترامب العملة $TRUMP قبل ثلاثة أيام من تنصيبه، ما رفع ثروته بالمليارات وأثار تساؤلات أخلاقية. وردّ البيت الأبيض بأن ترامب حضر بصفته "الشخصية". وفي الخارج، رفع متظاهرون لافتات كتب عليها "أوقفوا فساد العملات المشفرة"، فيما وصفت السناتور إليزابيث وارن الفعالية بـ"حفلة فساد"، متهمة ترامب باستخدام المنصب لجني الأرباح. وكان من بين الحاضرين رجل الأعمال الصيني الأصل جاستن سَن، مؤسس العملة ترون (TRON) والذي وعد بضخ 93 مليون دولار في مشاريع مرتبطة بترامب، بينها 20 مليونا في العملة $TRUMP. وخضع سَن لتحقيق أميركي يتعلق بالتلاعب بالأسواق، لكن الجهات الناظمة التي يسيطر عليها أفراد معينون من ترامب علقت في شباط الاجراءات لـ60 يوما للتفاوض على تسوية. ونشر سَن مقطعا مصورا من داخل "صالة كبار الشخصيات"، قال فيه إنه بانتظار ترامب. من جهته، اعتبر جاستن أونغا من منظمة "أوقفوا فساد المال السياسي" العشاء مثالا صارخا على استفادة ترامب من الرئاسة بينما يزعزع الاقتصاد الأميركي. وقال: "هذا ليس مجرد باب خلفي للفساد، بل مدخل رئيسي مفروش بالسجاد الأحمر". وتزامن العشاء مع دفع مجلس الشيوخ الأميركي بمشروع قانون جديد أطلق عليه "جينياس" (GENIUS) ينظم العملات المشفرة، في خطوة طالما طالب بها هذا القطاع. وفي الوقت نفسه، وسّع ترامب وأبناؤه دونالد جونيور وإريك، استثماراتهم في العملات الرقمية، عبر شركة جديدة أطلق عليها "وورلد ليبرتي فاينانشال"، عقدت شراكات مع مستثمرين من الشرق الأوسط. واتخذ ترامب خطوات ملموسة لتقليل الحواجز التنظيمية، بما في ذلك الأمر التنفيذي بإنشاء "احتياطي بيتكوين استراتيجي" للممتلكات الحكومية من العملة الرقمية الرائدة.

الملف النووي الإيراني وعناصر القوة الذاتية
الملف النووي الإيراني وعناصر القوة الذاتية

الميادين

timeمنذ ساعة واحدة

  • الميادين

الملف النووي الإيراني وعناصر القوة الذاتية

للتقنية النووية دور مهمّ في نهضة الشعوب والأمم، وفي دفع عجلة التطوّر العلمي وفي الارتقاء بالأوضاع التنموية التي تنعكس بشكل إيجابي على مجمل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، لهذا لا يمكن اعتبار التقنية النووية ترفاً مثلما لا يمكن حصرها واختزالها في الاستخدامات العسكرية التي باتت عنصراً من عناصر تحقيق الردع وتوازن القوى بين الدول. في سياق مدافعة شديدة تجري مفاوضات ماراثونية حول الملف النووي الإيراني بين طهران وواشنطن، برعاية عُمانية منذ نيسان/أبريل الماضي، ساد التفاؤل الحذر أجواءها في بدايتها، وسادت حالة من التشاؤم في جولتيها الأخيرتين، وتبدّى التشاؤم في خطاب الطرفين الإيراني والأميركي، في وقت زادت فيه حدّة التهديدات الإسرائيلية لإيران بشنّ هجمات عليها، صاحب تلك التهديدات تصاعد الضغوط الغربية الصادرة عن مسؤولين في أميركا وأوروبا. قابلت إيران تلك التهديدات والضغوط بالتحذير من عواقبها، مهدّدة بردّ حازم، وباتخاذ تدابير مؤثّرة وفورية، تمكّنها من الدفاع عن مواطنيها ومصالحها ومرافقها ضدّ أيّ عمل إرهابي أو تخريبي وفقاً للقانون الدولي، وطالبت طهران الأمم المتحدة ومجلس الأمن باتخاذ التدابير الفورية ضدّ التهديدات الإسرائيلية، مذكّرة بانتهاك "إسرائيل" المتكرّر لميثاق الأمم المتحدة عبر تهديدها باستخدام القوة، وفي السياق أعلنت طهران أنّ واشنطن ستتحمّل المسؤولية القانونية عن أيّ عدوان تقوم به "إسرائيل" ضدّها. في هذه الظروف القاسية والدقيقة، تخوض إيران مفاوضات ملفها النووي وهي تمسك بعناصر قوة ذاتية تعمل من أجل توظيفها في تشكيل بيئة مفاوضات ملاءمة، وتسعى للاستفادة منها في بناء موقف تفاوضي يجمع بين الصلابة والمرونة، ويمكن إيجاز هذه العناصر في: يعتبر استخدام الطاقة النووية لأغراض سلميّة حقّاً مشروعاً لكلّ الدول. أكدت هذه الحقّ الاتفاقيات الدولية وعلى رأسها معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT)، واتفاقيات الأمان النووي مع وكالة الطاقة الذرية، وتعزّز طبيعة المشروع النووي الإيراني السلمية حقّها في استخدام التقنية النووية كمصدر نظيف للطاقة، يسهم في تعزيز القدرات العلمية، ويفتح آفاقاً رحبة في مجالات العلوم والطب والصناعة والزراعة والبيئة، كما يسهم في تطوير البنى التحتية في شتى المجالات. بدأت انطلاقة المشروع النووي الإيراني في عهد الشاه محمد رضا بهلوي في خمسينيات القرن الماضي، بدعم مباشر من الولايات المتحدة، ضمن مبادرة "الذرة من أجل السلام" التي أطلقها الرئيس الأميركي دوايت أيزنهاور عام 1953. حيث وقّعت إيران وأميركا أوّل اتفاقية نووية عام 1957. وشهدت حقبة السبعينيات توسّعاً في التعاون النووي بين إيران والغرب، إذ ساهمت شركات غربية رائدة مثل "فراماتوم" الفرنسية، و"سيمنز" الألمانية الغربية، و"جنرال إلكتريك" الأميركية، في تزويد إيران بالمعدّات النووية وبناء المنشآت، وفي إطار هذا التعاون، تمّ بناء مفاعل أبحاث بقدرة 5 ميغاواط في طهران، ومشاريع لمفاعلات طاقة نووية أخرى أوقفها الغرب قبل اكتمالها بسبب اندلاع الثورة الإسلامية. يُحدّث هذا التاريخ عن أمرين؛ أوّلهما سلامة المشروع النووي الإيراني القانونية الناتجة عن طبيعته وتاريخه، والدور الأميركي والغربي في إطلاقه وبنائه، والثاني ازدواجية المعايير الغربية وعدم أخلاقية موقفها الذي تبدّل بعد سقوط نظام الشاه. اليوم 10:59 22 أيار 13:35 يعتبر الشعب الإيراني أنّ المشروع النووي هو مشروع وطن، مملوك للشعب الذي يؤمن بأحقيّته في استخدام التقنية النووية في تحقيق النهضة التي ينشدها، وقد عزّزت الاتفاقيات سابقة الذكر هذا الإيمان لدى شرائح الشعب الإيراني المتسلّح بوعي عميق بأهميّته الاستثنائية في مسار الصعود والارتقاء النهضوي، وبهذا الوعي خرج هذا الملف من حلبة الصراع السياسي وبازار التنافس الحزبي إلى أفق وطني شكّل لحماية وتحصين داخلي. تعتبر العقيدة الوطنية الإيرانية أحد أهم عناصر قوة الملف النووي، لأنها بنيت على ركيزتي الاستقلال الوطني واستقلالية القرار، مضافاً إليها قيمة العلم والمعرفة وتطوّرهما كقيمة حاكمة في مسار التاريخ الإيراني الذي تأسس بعد الثورة الإسلامية، وتعزّز منطلقات الثورة الفكرية تلك الركائز وتشكّل منطلقاً لها، وهذا الذي أسهم بشكل كبير في جعل المشروع النووي مشروعاً وطنياً يمتلكه الإيرانيون ولا تمتلكه سلطة زمنية خاضعة لقواعد تداول السلطة. استثمرت إيران لعقود مضت من الزمن في نخبها العلمية، فامتلكت قدرات علمية مكّنتها من إدارة وتطوير الحقول المعرفية والعلمية كافة، ومكّنها ذلك من قطع أشواط في توطين عمليات التطوير العلمي في كلّ المجالات، وفي المقدّمة منها المجال النووي، وقد تجلّت نجاحاتها في تصنيع وتطوير أجهزة الطرد المركزي، كما تجلّت في القدرة على تخصيب اليورانيوم بنسب عالية، وفي الاعتماد على كوادرها الوطنية في تطوير الصناعات الكيمائية، وفي مجالي الهندسة النووية والإلكترونية. وامتلكت بذلك أهمّ عناصر القوة الذاتية الكفيلة بدفع مشروعها النووي إلى آفاقه المرسومة له. لإيران موقع جيوستراتيجي حاسم، إذ تطلّ على بحر قزوين، كما تطلّ على مضيق هرمز، وتقع في منطقة مهمة تربط بين الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وجنوب غرب آسيا، مما يجعلها نقطة اتصال مهمة بين هذه المناطق، وتتشارك حدوداً مع عدة دول رئيسية، ويُعدّ هذا الموقع الاستراتيجي عاملاً من عوامل قوتها، وقد منحها هذا الموقع دوراً إقليمياً بالغ الأهمية. كما منحها الموقع بتضاريسه المختلفة خاصيّة تحصين منشآتها الاستراتيجية. تتمتّع إيران بقدرات اقتصادية متنوّعة وكبيرة، وطوّرت عبر حقب زمنية مختلفة قدراتها في استثمار وتوظيف ثرواتها الاقتصادية، وتمكّنت من تحويل محنة الحصار الغربي المضروب عليها منذ 4 عقود ونيف إلى منحة، مكّنتها من إجادة وتحسين إدارة اقتصادها الذي استحقّ أن يطلق عليه الاقتصاد المقاوم للعقوبات، وهي بذلك حقّقت نجاحاً بإفقادها سلاح العقوبات الاقتصادية والحصار بعضاً من قوته. يتمتّع المفاوض الإيراني بمزايا تفاوضية مهمة، بعضها متوارث وبعضها مكتسب، يسّرت له الوصول إلى اتفاقيات نووية مع قوى عظمى وكبرى، ويجيء اتفاقها النووي لعام 2015 مثالاً لذلك. عزّزت تجارب التفاوض حول الملف النووي والتي استمرّت لسنوات طويلة تلك المزايا وصقلتها، وساعد في ذلك إلمام المفاوض بعناصر قوة بلاده وعناصر ضعف خصومه، وكرّس الإلمام العميق بالملف التقني والقانوني والدبلوماسي من قدرات إيران التفاوضية. يناور المفاوض الإيراني حين يتطلّب الأمر المناورة، ويتشدّد حين يتطلّب الأمر تشدّداً، ويتحرّك صعوداً ونزولاً بين خطوط التفاوض المرسومة، ويخلط الأوراق في ساعة ضيق، ويطرح البدائل حين يحتار الخصم، ويلعب بالوقت حين تكون له في ذلك مصلحة. منهج التفاوض الإيراني قادر على التمييز بين التكتيكي والاستراتيجي، وقادر على التكيّف مع المتغيّرات، وماهر في توظيف الصبر الاستراتيجي، وبذلك باتت القدرات التفاوضية عنصراً من عناصر القوة. نسجت إيران شبكة علاقات مؤثّرة مع عدد من الدول، حيث أبرمت اتفاقية شراكة استراتيجية ربع قرنية مع الصين تشمل التعاون في مجالات الطاقة، والتجارة، والبنية التحتية، ووقّعت اتفاقية شبيهة مع روسيا، تعضد تلك الاتفاقيات قدرات إيران في المجالات السياسية والاقتصادية والعلمية، وتشكّل لها سنداً مهماً جداً في مجلس الأمن وفي المنظمات الدولية الأخرى. لإيران شبكة علاقات وثيقة في أميركا الجنوبية، وفي أفريقيا وآسيا، ولها علاقات مميّزة مع عدد من الفاعلين في آسيا من حركات ومنظّمات، وقد منحتها كلّ تلك العلاقات نفوذاً في أكثر مناطق العالم حساسيّة، وأضاف ذلك إلى عناصر قوتها عنصراً مهماً. تمتلك إيران عناصر قوة ذاتية متكاملة، اختبرتها في مفاوضاتها السابقة عام 2015، وتعيد استخدامها في المفاوضات الجارية الآن، وهي عناصر ناجعة حين توظّف على طريقة ناسج السجاد الماهر الصبور المتطلّع لسقوف الكسب العليا. تبقى هذه العناصر بحاجة إلى إدارة دقيقة، خاصة في ظلّ التحوّلات الإقليمية والدولية. من هنا، فإنّ الحوار مع الولايات المتحدة والغرب لا يُبنى فقط على تلك العناصر، بل أيضاً على مدى قدرة إيران على التوازن بين طموحاتها وسياسة نزع فتيل التوترات وكفكفة المخاطر.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store