logo
الحسن الثاني وبن بلّة والغنوشي وآخرون.. حوارات صحفية بنكهة تاريخية

الحسن الثاني وبن بلّة والغنوشي وآخرون.. حوارات صحفية بنكهة تاريخية

الجزيرةمنذ 5 أيام
صدر في المغرب مؤخرا باللغة الفرنسية كتاب يحمل توقيع الإعلامي المخضرم حميد برادة (مواليد عام 1939) ويضم في نحو 700 صفحة مختارات من سلسلة حوارات أجراها بين عامي 1977 و2012 مع شخصيات سياسية وثقافية بارزة من بلدان المغرب العربي وأفريقيا ومناطق أخرى.
وكانت هذه الحوارات قد نشرت في مجلة "جون أفريك" التي تصدر في فرنسا وتعنى بشؤون القارة الأفريقية ومن المستجوبين فيها الرئيس السنغالي الراحل ليوبول سيدار سينغور (1977) والرئيس الجزائري الراحل أحمد بن بلّة (1990) والملك المغربي الراحل الحسن الثاني (1985) والمعارض التونسي البارز راشد الغنوشي (1990) وسيدة تونس الأولى الراحلة وسيلة بورقيبة (1982).
كما يتضمن الكتاب حوارات مع أعلام فكر وأدب وتاريخ من المنطقة المغاربية، بينهم المؤرخ الجزائري محمد حربي (1977)، والمؤرخ المغربي عبد الله العروي (1980)، والكاتب الجزائري جمال الدين بن الشيخ (1990)، والكاتبة الجزائرية آسيا جبار (2008) وهي أول وجه أدبي عربي يتم انتخابه لعضوية الأكاديمية الفرنسية.
ومن الشخصيات الدولية التي حاورها حميد برادة وزيرا خارجية فرنسا السابقان ميشال جوبير (1979) وهوبير فيدرين (1995)، ورئيس الوزراء الفرنسي السابق بيير ميسمر (1993).
وتكمن أهمية تلك الحوارات في مكانة الشخصيات المستجوبة في المجالات السياسية والأكاديمية والأدبية والإعلامية وفي قيمة المنبر الذي نشرت فيه آنذاك، وهو مجلة "جون أفريك" التي تأسست عام 1961 على يد الإعلامي التونسي البشير بن يحمد (1928-2021) وأصبحت على مر العقود منبرا مرجعيا في صناعة الرأي العام في القارة الأفريقية وذا تأثير كبير، خاصة في صفوف النخب الحاكمة ودوائر اتخاذ القرار.
حوار مع الملك
وأجريت معظم تلك الحوارات في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي عندما كانت الصحافة المكتوبة لا تزال لم تفقد بعد إشعاعها وبريقها أمام البث التلفزيوني الذي تعاظم لاحقا مستفيدا من فورة الإرسال عبر الأقمار الاصطناعية قبل الثورة التكنولوجية التي نعيشها حاليا.
كما تنبع قيمة تلك الحوارات من مكانة الصحفي حميد برادة الذي كان معارضا بارزا في بداية الستينيات في إطار الحركة الطلابية، وبسبب المضايقات الأمنية فر إلى الجزائر وحُكم عليه غيابيا بالإعدام، إلى جانب المهدي بن بركة، عام 1963 بتهمة "الخيانة العظمى"، فاختار المنفى بفرنسا عام 1965، وهناك أكمل دراساته العليا وامتهن الصحافة وأصبح رئيسا لتحرير المجلة بين عامي 1974 و1985.
وبعد نحو 20 عاما على حكم الإعدام الصادر في حقه، سيكون حميد برادة في حضرة الحسن الثاني في صيف عام 1985 بصفته أول وآخر صحفي مغربي يجري حوارا مع الملك الراحل وكان موضوعه الرئيسي هو ملف الصحراء بعد مرور 10 سنوات على "المسيرة الخضراء".
وفي تلك المقابلة، أدلى الملك الحسن الثاني بتصريح شكّل لحظتها سبقا صحفيا كبيرا، إذ اعترف لأول مرة بأنه لو فشلت "المسيرة الخضراء" التي أطلقها سنة 1975 لاسترجاع إقليم الصحراء من الاستعمار الإسباني، لكان قرر مغادرة المغرب وتسليم السلطة لمجلس الوصاية إلى حين بلوغ ولي العهد سن الرشد، حسب كتاب حميد برادة.
ولم يكتف حميد برادة بتلك المقابلة "الحقيقية"، بل عاد عام 2009، أي بعد 10 سنوات على رحيل الحسن الثاني، إلى إجراء حوار "خيالي" مع العاهل الراحل حيث لعب دور "المحاوِر" و"المحاوَر" وأطلق العنان لخياله لطرح ما شاء من أسئلة ولاستنباط ما قد يجول بذهن الملك الراحل لو كان يتابع ما يجري في المغرب بعد رحيله.
وتكتسي جل المقابلات المنشورة في هذا الكتاب قيمة تاريخية بالنظر إلى سياقها السياسي في كل بلد، وعلى سبيل المثال فإن الحوار مع أحمد بن بلّة عام 1990 تم في وقت كان فيه الضيف بصدد العودة إلى الجزائر بعد نحو 10 سنوات في المنفى وبعد أن أمضى قبل ذلك 15 عاما في السجن ببلاده بعد الإطاحة به في انقلاب عسكري عام 1965.
وفي السنة نفسها (1990) أجرى حميد برادة مقابلتين مطولتين مع المعارض الإسلامي التونسي راشد الغنوشي، واختار لإحداهما عنوانا تنبؤيا هو "ماذا لو كنت في السلطة؟" وفيها عبّر الغنوشي عن مواقف جريئة وصريحة في كثير من القضايا السياسية والأخلاقية والشرعية الحساسة، وكان لتلك المقابلة صدى واسع، خاصة في أوساط الحركة الإسلامية في المنطقة.
وقبل ذلك بسنوات كان للصحفي المغربي موعد في تونس مع سيدة البلاد الأولى وسيلة بورقيبة، وذلك في مقابلة هي الأولى من نوعها في المنطقة العربية لزوجة رئيس دولة لا يزال في منصبه.
وكانت منطلق تلك المقابلة -التي أجريت في يوليو/تموز 1982- هو الشأن الفلسطيني إذ كانت وسيلة بورقيبة على تواصل مباشر مع قيادات المقاومة الفلسطينية التي كانت لحظتها على وشك الخروج من لبنان والتوجه إلى تونس عقب الغزو الإسرائيلي لبلاد الأرز في العام نفسه.
وفي تلك المقابلة، تطرقت وسيلة بورقيبة لقضايا أخرى تهم الشأن الداخلي، وأكدت أنها كانت تضطلع فعليا بدور واضح في تسيير الشأن العام في البلاد، وانتقدت حينها قصور الدستور آنذاك عن تدبير انتقال السلطة في البلاد بشكل واضح، وذلك قبل أن تتم الإطاحة بالرئيس الحبيب بورقيبة في "انقلاب طبي" عام 1987.
الصحافة مسودة التاريخ
ويلمس القارئ في تلك الحوارات (عددها 45) أن للصحفي حميد برادة أسلوبا خاصا في استجواب ضيوفه واستدراجهم أحيانا إلى قضايا شائكة بطريقة سلسة تكاد توحي أن هناك تواطؤا بين الصحفي وضيوفه، وكل ذلك على خلفية إعداد جيد ومعرفة دقيقة بالضيف وبحيثيات كل القضايا المطروحة.
وتجلت تلك المهارات خاصة في محاورة رجال السياسة، حيث يبدو حميد برادة وكأنه يتحرك في ملعبه وهو يستجوب معارضين بارزين، مثل عبد الرحمان اليوسفي الذي كان على وشك قيادة حكومة التناوب عام 1998، والمعارض المغربي الفقيه البصري الذي كان يستعد عام 1995 للعودة إلى المملكة بعد سنوات طويلة من المعارضة في الخارج.
وإلى جانب تلك المقابلات، تضمن الكتاب مقالات تحمل توقيع الصحفي المغربي وتطرقت إلى أحداث ساخنة في المنطقة، بينها مقال في عام 1978 عن قضية الرئيس الجزائري أحمد بن بلّة الذي كان مسجونا من دون أن تتم محاكمته أو إدانته، ومقال عن قرار الملك الحسن عام 1981 اعتقال القيادي الاشتراكي البارز عبد الرحيم بوعبيد على خلفية رفضه مبدأ إجراء الاستفتاء في الصحراء.
وتعتبر تلك الحوارات والمقالات تجسيدا لمقولة سائرة في مجال الإعلام مفادها أن "الصحافة هي المسودة الأولى للتاريخ"، إذ يشعر القارئ وكأنه يقلب صفحات من تاريخ البلدان التي ينحدر منها المتحدثون في تلك المقابلات ويفهم تفاصيل وسياق كثير من الأحداث التي لا تزال تداعياتها مستمرة إلى الآن.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

مهمة الموساد في السودان
مهمة الموساد في السودان

الجزيرة

timeمنذ 2 ساعات

  • الجزيرة

مهمة الموساد في السودان

(في كمبالا سلّمت السفارة الإسرائيلية رسالة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي ليفي أشكول، هنأته فيها وحكومته وشعب الله المختار وأطفال إسرائيل على الانتصار على العرب في حرب 1967)، من مذكرات الفريق جوزيف لاقو أحد مؤسسي حركة التمرد في جنوب السودان. في السياسة، يحتاج قادة الدول إلى امتلاك فكر إستراتيجي يحيط بطبيعة التحديات التي يواجهونها، ومعرفة البيئة الدولية والداخلية التي تُبنى على أساسها الخطط. وبهذا المعنى، ينطبق عليها تعريف الفيلسوف الألماني أرنست هيجل بأن "السياسة هي علم الأحياء التطبيقي". ولأن علم الأحياء يساعد على فهم البيئة ودورها في نمو الكائنات الحية، فإن فهم البيئة السياسية بصورة واقعية يساعد على إنتاج الأفكار التي تمكّن القادة من التعامل مع الظواهر السياسية بواقعية وعقلانية. ومن الظواهر التي غشيت العقل العربي وسيطرت عليه لعقود طويلة، نظرية المؤامرة التي تفترض وجود جهة ما تكيد للدول العربية بانتظام. وخطورة سيطرة ذلك النوع من التفكير أنه أفضى إلى إعفاء الذات من تحمّل نتائج التقصير والفشل من ناحية، كما أفقد العقل العربي ميزة التفكير الموضوعي لمعالجة الظواهر السياسية بعقلانية دون "تهويل أو تهوين"، كما يقول الدكتور محمد المختار الشنقيطي. وفي هذا المقال، الذي نعالج فيه أسباب استمرار الحروب في السودان بصورة حيّرت المراقبين، سنحاول تلمّس الأسباب الجوهرية لهذه الظاهرة، مع التركيز على أصابع خفية ظلّت تحتفظ بدور بارز وكبير في تحريك الأحداث. وإذ نفعل ذلك، سنحاول تجنّب التفسيرات الباطنية التي تُعظّم نظرية المؤامرة وتستسهل من خلالها الوصول إلى النتائج. ما نعنيه بالأصابع الخفية في حروب السودان، التي امتدت منذ العام 1955 قبل سنة من إعلان استقلال السودان وإلى الآن، هي التدخلات الخارجية التي يُمثّل فيها الكيان الإسرائيلي رأس الرمح والماكينة التي تُحرّك الأحداث من وراء المشهد، وذلك دون إغفال الأخطاء الكبيرة التي ارتكبتها النخبة السودانية بجميع توجهاتها الفكرية وانحيازاتها السياسية. واحدة من هذه الأخطاء هي عدم الإدراك الصحيح للدور الإسرائيلي في حروب السودان، وعدم إيجاد المقاربات الناجعة للتعامل معه. فقد حرصت إسرائيل باكرًا على فهم السودان وتعقيداته، وبلورت إستراتيجية للتعامل معه، مدفوعة بمخاوف أمنية وتفسيرات أسطورية قديمة، تعتقد أن تابوت نبي الله موسى، عليه السلام، دُفن في كنيسة أكسوم الحبشية، وأن الملوك الإثيوبيين الذين حكموا السودان في زمان غابر تجري فيهم دماء يهودية من نسل نبي الله سليمان، عليه السلام، وأن هناك سبطًا من بني إسرائيل ضاع في منطقة البحيرات وجنوب السودان ولا بد من العثور عليه. أما النص الحاكم للسياسة الإسرائيلية تجاه السودان، فيتلخص في التصريح الشهير لديفيد بن غوريون الذي يقول فيه: "نحن شعب صغير وإمكاناتنا محدودة، ولا بد من اختزال هذه المحدودية في مواجهة أعدائنا من الدول العربية من خلال تشخيص ومعرفة نقاط الضعف لديها، وخاصة العلاقات القائمة بين الجماعات والأقليات الإثنية والطائفية، حتى نضخّم هذه النقاط إلى درجة التحول إلى معضلة يصعب حلها أو احتواؤها". يؤسس هذا "النص الحاكم" للنهج الإسرائيلي في التعامل مع الدول العربية، حيث صاغت من خلاله الدولة العبرية نظرية "شد الأطراف" للدول العربية أو "بترها" إذا لزم الأمر، كما حدث في جنوب السودان. وتقوم تلك النظرية على إحداث القلاقل في أطراف البلدان العربية، إما استثمارًا للخلافات العرقية، أو تحريكًا للنزاعات الحدودية، وهو ما يحقق الهدف المركزي بإشغال هذه الدول بأنفسها حتى لا تكون جيوشها عامل دعم لدول المقاومة التي تقاتل إسرائيل. وللتأكيد على قِدم المخطط الإسرائيلي، نستعين بمحاضرة رئيس الموساد مائير عاميت عام 1959 والتي قدمها بمناسبة تخريج دفعة جديدة، حيث يقول: "لِمحاصرة التهديد الذي جسدته حركة المد القومي، كان لا بد أن ننجح في إثارة النوازع النفسية لدى الجماعات غير العربية داخل الدول العربية، وخاصة في العراق، وسوريا، ولبنان، والسودان". ولتتبّع حجم الخراب الذي قامت به "الأصابع الخفية" في السودان، نحتاج إلى دراسة عدد من الوثائق على النحو التالي: وثيقة "كيفونيم" التي قدّمها آرييل شارون 1983 لاجتماع وزراء حلف الناتو، والتي لخّصت إستراتيجيات إسرائيل في التعامل مع دول العالم العربي والإسلامي. وفيما يتعلق بالسودان، ورد ما يلي: "السودان أكثر دول العالم العربي والإسلامي تفككًا، فإنه يتكوّن من أربع مجموعات سكانية كلٌّ منها غريبة عن الأخرى، فمن أقلية عربية مسلمة سُنيّة تسيطر على أغلبية غير عربية، إلى وثنيين، إلى مسيحيين." وتقرّر تلك الوثيقة في خاتمتها مؤكدة: "إن دولًا مثل ليبيا والسودان لن يكون لها حضور بصورتها الحالية". في العام 2008، ألقى آفي ديختر، وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي، محاضرة لكبار القادة الأمنيين، وورد فيها ما يلي: "السودان شكّل عمقًا إستراتيجيًا لمصر في حربها حيث تحوّل إلى قواعد تدريب وإيواء لسلاح الجو المصري وللقوات البرية، وأرسل قواته لمنطقة القناة أثناء حرب الاستنزاف. لذلك، كان لا بد أن نعمل على إضعافه وانتزاع المبادرة منه، ومنعه من بناء دولة قوية موحدة، فهذا ضروري لدعم وتقوية الأمن القومي الإسرائيلي". في كتابي (مهمة الموساد في جنوب السودان) لعميل الموساد ديفيد بن عوزيل، والمعروف باسمه الحركي "الجنرال جون"، وكتاب (إسرائيل وحركة تحرير جنوب السودان) للكاتب الإسرائيلي والعميد المتقاعد من جهاز الموساد موشيه فرجي، ترد تفاصيل مخيفة عن حجم الدعم العسكري والسياسي والاقتصادي الذي قدّمته إسرائيل لحركة التمرد في جنوب السودان، حيث شمل إرسال شحنات السلاح، وإرسال الخبراء، وتدريب عشرات الآلاف من الجنود، والمساهمة في تفجير الكباري واحتلال بعض المدن، وتعطيل مشاريع التنمية. يقول موشيه فرجي في كتابه إن التحرك الإسرائيلي نجح في جنوب السودان لعدة عوامل، أبرزها: إحباط الدعم العربي للحكومة السودانية. توقيف العمل في قناة جونقلي التي كان من المؤمل أن توفر 5 مليارات متر مكعب من المياه تتقاسمها مصر والسودان، حيث حذّرت إسرائيل الجنوبيين من أن ذلك المشروع سيكون وبالًا عليهم. كما أن إسرائيل نجحت في تنمية المشاعر القومية لدى الجنوبيين، مما ساعدهم على حسم خيار الانفصال عن الشمال. نستخلص من هذه الوثائق أن إسرائيل صنّفت السودان منذ البداية باعتباره عدوًا إستراتيجيًا، ولذلك تعاملت معه على هذا الأساس في مخططاتها التي هدفت إلى إشغاله طوال الوقت بالنزاعات الداخلية. يقول وزير الأمن الإسرائيلي السابق، آفي ديختر: "أقدمنا على إنتاج وتصعيد بؤرة دارفور لمنع السودان من إيجاد الوقت لتعظيم قدراته. إستراتيجيتنا، التي تُرجمت على أرض الجنوب سابقًا وفي غربه حاليًا، نجحت في تغيير مجرى الأوضاع في السودان نحو التأزّم والانقسام. الصراعات الحالية في السودان ستنتهي عاجلًا أو آجلًا بتقسيمه إلى عدة دول أو كيانات". ونستطيع تلخيص الرؤية الإسرائيلية تجاه السودان في النقاط التالية: استهداف مصر عبر جارها الجنوبي، والعمل الجاد على تعطيل استفادتها من جهود هذا الجار. إشغال السودان بإشعال النزاعات فيه، وتأجيج روح الخلاف بين المكونات المختلفة. السعي لعدم استفادة السودان من موارده الهائلة حتى لا يتحول إلى دولة مركزية. إضعاف السودان عبر سياسة شد الأطراف أو بترها، وهو ما يؤكده آفي ديختر: "سودان هش ومجزأ خير من سودان قوي وفاعل". ولم يقتصر الاستهداف الإسرائيلي للسودان على إشعال النزاعات وإشغاله بالحروب فقط، بل تواصلت المساعي الإسرائيلية في المجالات الدبلوماسية والمنظمات الدولية لخنق السودان وتشديد الحصار عليه. ففي أوج أزمة دارفور، أنشأت المنظمات اليهودية تحالفًا ضم أكثر من 180 منظمة حول العالم للترويج لفكرة الإبادة الجماعية في دارفور، وانطلقت أنشطة تلك المنظمات من متحف الهولوكوست بواشنطن تحت رعاية منظمة "أنقذوا دارفور" والوكالة اليهودية للخدمة الدولية، وتوجت تلك الجهود بإحالة ملف السودان إلى المحكمة الجنائية الدولية. في الحرب الحالية التي اندلعت بعدما شنّت مليشيا الدعم السريع هجومًا مباغتًا على القوات المسلحة، قبل أن توسّع تكتيكاتها الحربية إلى استهداف البنية التحتية وتدمير المؤسسات العامة والخاصة بغرض إعادة السودان قرونًا إلى الوراء، كانت إسرائيل الحاضر الخفي الأبرز في المشهد. فقد اندلعت الحرب بعد نشاط إسرائيلي محموم في البلاد بعيد تطبيع العلاقات مع السودان وتوقيع حكومة الفترة الانتقالية برئاسة حمدوك على "الاتفاقيات الأبراهامية"، حيث انخرطت إسرائيل في نشاط دبلوماسي مكثف تجاه الخرطوم، ركّز على الانشغالات الإسرائيلية الخاصة بجمع معلومات حول منظومة الصناعات الدفاعية السودانية و"تجنيب السودان مخاطر الخلايا الإيرانية"، كما صرّح مسؤول إسرائيلي بعد زيارة للعاصمة الخرطوم 2020. ولإخفاء نواياها الحقيقية بإطالة أمد الحرب، عرضت إسرائيل وساطة بين الجيش والدعم السريع. وفقًا لبيان أصدره وزير الخارجية وقتها إيلي كوهين، الذي أكّد أن إسرائيل تعمل عبر عدة قنوات من أجل التوصّل إلى وقف إطلاق النار، لكن لم يرد أيّ ذكر لتلك الوساطة مرة أخرى، مما يشير إلى أن الدولة العبرية تساهم في إطالة أمد الحرب لإضعاف الطرفين، تنفيذًا لنظرية الأكاديمي الصهيوني إدوارد لوتواك "امنحوا الحرب فرصة". كما أن المعلومات بدأت تتكشّف عن حجم العلاقات الكبيرة بين إسرائيل وحميدتي، الذي حرص على فتح قنوات تواصل مستقلة عن الجيش والدولة منذ فترة مبكرة. ففي تقرير نشره موقع "واللا" الإخباري، قيل إن طائرة رئيس الموساد حطّت في الخرطوم في يونيو/ حزيران 2021، وكان على متنها قيادات من الموساد التقت بحميدتي وقادة من الدعم السريع. بعد نشوب الحرب، نشر موقع "ميدل إيست آي" مقالًا بعنوان "كيف ستكسب إسرائيل الحرب في السودان؟"، أكّد فيه أن إسرائيل حريصة على كسب الدعم السريع للحرب، بالنظر إلى الخدمات التي قدّمها حميدتي في ليبيا بمحاربة الإسلاميين هناك، وتعهّده بـ"تفكيك الإسلاميين داخل الجيش السوداني". وفي الفترة الأخيرة، وبعد أن مالت كفة الانتصار لصالح الجيش، وبدا أن الجيش قادر على حسم المعركة، تعالت أصوات إسرائيلية تتهم السودان بالتعاون مع إيران، وتنادي بالتدخل الإسرائيلي المباشر، لأن الجيش السوداني أصبح "حماس أفريقيا" حسب تلك المزاعم. تحتاج القيادة السودانية إلى إعادة تكييف علاقاتها الخارجية بما يضمن محاصرة المخططات الآثمة ووأدها قبل أن تواصل تدمير المقدرات السودانية. وفي هذا الخصوص، فإن السودان بحاجة إلى جهود أصدقائه للمساهمة في دعم الشرعية التي يمثلها الجيش السوداني والحكومة المدنية برئاسة الدكتور كامل إدريس، كما أن القيادة السودانية بحاجة إلى مجهودات تعزز تماسك الجبهة الداخلية وتُفوّت على المتربصين مخططاتهم الآثمة.

38 قتيلا في هجوم على كنيسة بالكونغو الديمقراطية
38 قتيلا في هجوم على كنيسة بالكونغو الديمقراطية

الجزيرة

timeمنذ 4 ساعات

  • الجزيرة

38 قتيلا في هجوم على كنيسة بالكونغو الديمقراطية

قتل 38 شخصا في هجوم شنته "القوات الديمقراطية المتحالفة"، التي توصف بأنها موالية لتنظيم الدولة الإسلامية ، على كنيسة كاثوليكية في مدينة كوماندا بمقاطعة إيتوري شمال شرق الكونغو الديمقراطية. وقال مسؤولون -اليوم الأحد- إن مسلحين من الفصيل الذي شكله متمردون أوغنديون سابقون وبايع تنظيم الدولة، هاجموا الكنيسة بواسطة الأسلحة النارية والبيضاء. وأشاروا إلى أن المهاجمين اقتحموا الكنيسة التي كان يقام فيها قداس وقتلوا المتواجدين فيها بالرصاص والفؤوس. وأسفر الهجوم عن إصابة 15 شخصا آخرين، في حين ما يزال عدد من الأشخاص مفقودين، وفقا للمصادر نفسها. وأكد متحدث باسم الجيش في إيتوري الهجوم، وقال إنه تم تحديد المهاجمين بأنهم من متمردي القوات الديمقراطية المتحالفة. وتعد مدينة كوماندا التي وقع فيها الهجوم الدامي مركزا تجاريا يربط 3 مقاطعات أخرى هي تشوبو وشمال كيفو ومانيما في شرق الكونغو الديمقراطية. ووقع آخر هجوم نفذته القوات الديمقراطية المتحالفة في فبراير/شباط وأسفر عن مقتل 23 شخصا في منطقة مامباسا. ومنذ 2019، أعلن تنظيم الدولة الإسلامية مسؤوليته عن عدد من هجمات هذا الفصيل الذي يطلق عليه "الدولة الإسلامية- ولاية وسط أفريقيا". ومنذ العام 2021، بدأت عملية عسكرية مشتركة بين القوات الكونغولية والأوغندية لاستهداف عناصر القوات الديمقراطية المتحالفة في الأراضي الكونغولية، لكن الهجمات الدامية لم تتوقف، ويقدر ضحاياها بالآلاف.

"دبلوماسية التجارة لا المعونة".. إستراتيجية أميركية جديدة في أفريقيا
"دبلوماسية التجارة لا المعونة".. إستراتيجية أميركية جديدة في أفريقيا

الجزيرة

timeمنذ 7 ساعات

  • الجزيرة

"دبلوماسية التجارة لا المعونة".. إستراتيجية أميركية جديدة في أفريقيا

تشهد السياسة الأميركية تجاه أفريقيا تحولا مهما، يتجلى في إطلاق إستراتيجية جديدة تستبدل نموذج "المعونة" بنهج يرتكز على "الدبلوماسية التجارية". وتأتي هذه السياسة في ظل إدارة الرئيس دونالد ترامب الثانية، التي تعيد ترتيب أولويات العلاقات الخارجية على أساس مصالح واشنطن الاقتصادية والتجارية. ونشر مركز الجزيرة للدراسات ورقة تحليلية بعنوان " دبلوماسية التجارة لا المعونة.. الإستراتيجية الأميركية الجديدة والسيادة الاقتصادية بأفريقيا" للباحث النيجيري حكيم ألادي نجم الدين تناولت دلالات خفض أميركا مساعداتها لأفريقيا مع فرض رسوم جمركية جديدة على الصادرات الأفريقية، وما يعنيه ذلك من أن العلاقات الأميركية الأفريقية قد تتغير وفق أجندات الرئيس ترامب، فأفريقيا لم تعد مجرد متلقّ للمساعدات، بل "شريكا" في التجارة والاستثمار وإنعاش الشركات الأميركية. وقد أطلقت وزارة الخارجية الأميركية هذه الرؤية رسميا في مايو/أيار 2025 على لسان مسؤول الشؤون الأفريقية تروي فيتريل الذي شدد في منتدى بأبيدجان على ضرورة تعزيز الروابط التجارية مع أفريقيا في سياق جديد أكثر نفعية بالنسبة للمصالح الأميركية. تراجع في المساعدات التقليدية وتراجعت مكانة المساعدات الأميركية التقليدية في السياسة الجديدة، رغم أن أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى كانت لسنوات ثاني أكبر مستفيد من ميزانيات الوكالة الأميركية للتنمية الدولية ؛ إذ حصلت على 40% من ميزانيتها، خصوصا في مجالات الصحة ومكافحة الفقر والأوبئة. ومن الأدوات الإستراتيجية للمشاركات الأميركية في أفريقيا أيضا "مؤسسة الولايات المتحدة للتنمية الأفريقية"، التي تأسست عام 1980 للاستثمار المباشر في الشركات الشعبية الأفريقية ورواد الأعمال الاجتماعيين. إضافة إلى "قانون النمو والفرص في أفريقيا" (AGOA)، والذي سُن عام 2000 بهدف معلن متمثل في السماح لدول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى المؤهلة بدخول السوق الأميركية معفاة من الرسوم الجمركية لأكثر من 1800 منتج. وعلى الرغم من أهمية هذه البرامج، تعرضت للانتقاد بسبب فرضها شروطا تتعلق بالحوكمة والاقتصاد، ما اعتُبر تدخلا في السيادة الوطنية للدول الأفريقية. وتُحمّل الدراسة برامج المساعدات الأميركية مسؤولية إدامة "التبعية الاقتصادية"، إذ غالبا ما تُصمم هذه البرامج بما يخدم المصالح الأميركية ويُضعف قدرة الدول الأفريقية على تبني سياسات تنموية وطنية. كما أن مبادرات كـ"قانون النمو والفرص في أفريقيا" واجهت انتقادات بسبب عدم شمولها دولا عديدة، وعدم استفادة الاقتصادات الصغيرة بسبب الشروط الصارمة المفروضة. تركز الإستراتيجية الجديدة على 6 محاور رئيسة، أبرزها: الدفع بالتجارة والاستثمار بدلا من المعونة. إعطاء القطاع الخاص دورا محوريا في التنمية. تنشيط "الدبلوماسية التجارية" وتقييم سفراء أميركا في أفريقيا بناءً على نجاحهم التجاري. تشكيل "فرق صفقات" في السفارات الأميركية لرصد الفرص التجارية وربط الشركات الأميركية بالشركاء الأفارقة. تركيز الاستثمارات على مشاريع البنية التحتية واحتواء نفوذ منافسي واشنطن في القارة، وخاصة الصين. السعي لإصلاح مبادرة "قانون النمو والفرص في أفريقيا" لتكون قائمة على تبادل المنافع والمعاملة بالمثل. ماذا تعني الإستراتيجية الجديدة للسيادة الاقتصادية الأفريقية؟ قد تكون الإستراتيجية الأميركية الجديدة جهدا حقيقيا للتراجع الأميركي عن تعاملاتها القديمة، والتحول إلى الشراكة مع الدول الأفريقية. الإستراتيجية تتماشى مع رغبة أفريقيا في الاعتماد على الذات بدلا من انتظار المساعدات لتلبية احتياجاتها التنموية. تركيز الإستراتيجية الجديدة على النمو الذي يقوده القطاع الخاص قد يسهم في تحقيق الاستقلال الاقتصادي على المدى الطويل. الاستثمارات الأميركية في مشاريع البنية التحتية قد تصنع تحولا إيجابيا لأفريقيا بما يعزز مكانتها التنافسية في الأسواق العالمية. تدعو الإستراتيجية الأميركية إلى التعاون مع الحكومات الأفريقية بشأن إصلاحات السوق، بما قد يُحسّن بيئة الأعمال العامة ويجذب استثمارات متنوعة ويعزز التنافس بين القوى العالمية لصالح أفريقيا. فرص يرى الباحث أن الإستراتيجية الجديدة قد تُتيح فرصة لأفريقيا لتحقيق مزيد من الاعتماد على الذات إذا ما نجحت الدول الأفريقية في: فرض شروطها الوطنية في التفاوض مع واشنطن. استخدام التنافس الدولي (الصيني- الأميركي) لصالحها. التركيز على تنمية القطاعات الإنتاجية وبناء صناعات محلية قادرة على الاستفادة من فرص التجارة. ثمة تناقض في الخطاب الأميركي؛ فمن جهة، تتحدث الإستراتيجية عن شراكة متكافئة، ومن جهة أخرى، تُبقي واشنطن على ممارسات تعكس عقلية فوقية، مثل حظر السفر على مواطني دول أفريقية بزعم الأمن، وخفض ميزانية المساعدات، وتعزيز التدخل غير المباشر في الشؤون الداخلية عبر تمويل منظمات مدنية محددة. كما تشير إلى خشية من أن تتحول الإستراتيجية الجديدة إلى مجرد أداة لتعزيز النفوذ الأميركي في مواجهة الصين، لا لتحقيق تنمية حقيقية في القارة. احتمال أن تُعيد واشنطن إنتاج علاقات تبعية جديدة تحت شعار التجارة، عبر تركيزها على القطاعات ذات الربح السريع، وتوجيه الاستثمارات نحو مصالحها الخاصة من دون مراعاة أولويات التنمية المحلية في أفريقيا، مثل الزراعة والتعليم والخدمات الاجتماعية. خاتمة خلصت الدراسة إلى أن "الدبلوماسية التجارية" الأميركية الجديدة تمثل تحولا لافتا في السياسة الأميركية تجاه أفريقيا، وقد تمنح الدول الأفريقية فرصة تاريخية لإعادة رسم علاقاتها الخارجية على أساس المصالح المتبادلة، شرط أن تُحسن استخدام موقعها التفاوضي وتصرّ على حماية سيادتها الاقتصادية. لكنها في الوقت ذاته، تُحذر من خطر استبدال التبعية للمساعدات بتبعية تجارية واستثمارية، خاصة في ظل تركز القرار الأميركي في مصالح "أميركا أولا"، ما يجعل من هذا التحول أقرب إلى "إعادة تغليف" السياسات القديمة بمصطلحات جديدة، بدلا من بناء شراكة قائمة على الندية والاحترام المتبادل

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store