
اقتصاديات المظاهر: حين تتحوَّل النحافة إلى سلعة
- منذ أن منحت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) الضوء الأخضر لأدوية فقدان الوزن، شهدت الأسواق تحولاً غير مسبوق، وأصبحت تداعياته تثير تساؤلات عميقة.
- فقد تربعت شركة "نوفو نورديسك"، المنتجة لعقارَيْ "أوزمبيك" و"ويجوفي"، على عرش الشركات الأعلى قيمة في أوروبا، بينما حققت "إيلي ليلي"، مصنّعة "مونجارو"، أداءً مذهلاً في بورصات الولايات المتحدة.
- ولم يعد الحديث عن هذه الأدوية مقتصرًا على عيادات الأطباء؛ بل غدت جزءًا لا يتجزأ من الثقافة الشعبية، حيث أطلت نجمات شهيرات مثل "أوبرا وينفري" و"كيلي كلاركسون" بقوام أكثر رشاقة بين عشية وضحاها، فيما سارعت شركات ناشئة مثل "هيرز" و"إيدن" إلى تسويق هذه الأدوية للشباب بلغة بصرية ناعمة وهادئة.
- في السياق ذاته، تتوقع مؤسسة "مورجان ستانلي" أن يتعاطى نحو 9% من الأمريكيين هذه الأدوية بحلول عام 2035.
- ومع هذا الطلب المتصاعد، تُطرح أسئلة جوهرية حول الأبعاد الصحية والاجتماعية والاقتصادية لهذا التحول الذي يمس جوهر مفاهيم الجمال والصحة.
بين الفوائد الصحية ومخاطر المعايير الجمالية
- لا خلاف على أن هذه الأدوية تمثل تقدمًا طبيًا بارزًا، إذ تساعد على تقليل مخاطر الأمراض المزمنة مثل السكري وارتفاع ضغط الدم، وتحسن نوعية حياة الملايين.
- إلا أن ثمة مخاوف متزايدة من أن تساهم هذه الثورة الصيدلانية في ترسيخ معايير جمالية أكثر صرامة، وتدفع المجتمع نحو توقعات شبه موحدة للجسد المثالي، الأمر الذي قد يؤجج مشكلات الصحة النفسية واضطرابات الأكل.
- في هذا السياق، تحذر الكاتبة في نيويورك تايمز تريسي ماكميلان من أن عقار "أوزمبيك" قد يُستخدم لمعالجة ما تعتبره الثقافة خطأً أخلاقيًا في "الجسد البدين الذي يرفض أن ينحف"، في حين تدعو إلى مقاربة معاكسة ألا وهي "القضاء على وصمة البدانة بدلاً من القضاء على البدانة نفسها".
تعرض البدناء للتمييز
- يتجاوز الإقبال المتزايد على أدوية إنقاص الوزن، مثل "أوزمبيك"، إلى ما هو أبعد من مجرد الدوافع الصحية؛ ليلامس طموحات عميقة تتعلق بالمكانة الاجتماعية وفرص العمل.
- فقد كشفت دراسات ميدانية، أُجريت في السويد والمكسيك، عن تعرض أصحاب الأجسام الممتلئة للتمييز الصارخ في سوق العمل، حتى وإن امتلكوا المؤهلات والكفاءات ذاتها التي يتمتع بها نظراؤهم.
- وفي السياق الأوروبي والأمريكي، تشير التحليلات إلى أن النساء البدينات يحققن دخلاً أقل بنسبة تصل إلى 10% مقارنةً بالنحيفات، مما يجعل اللجوء إلى "أوزمبيك" خيارًا اقتصاديًا جذابًا، لا يقل أهمية عن كونه صحيًا.
معيار الجمال بوصفه "إشارة" اجتماعية
- يمكن تفسير هذا التوجه من منظور "اقتصاديات المظاهر"، وهو مفهوم صاغه الاقتصادي مايكل سبنس، الحائز على جائزة نوبل.
- يتعامل هذا المفهوم مع المظاهر الخارجية كوسائل لإرسال رسائل ضمنية حول المكانة المرموقة والكفاءة والانضباط؛ فإذا كانت الشهادات الجامعية في الماضي تُعد "إشارة" قوية، فإن الرشاقة قد أصبحت اليوم "إشارة" جديدة.
- لكن السؤال المطروح هو: إذا أصبح بإمكان الجميع تحقيق النحافة بفضل دواء زهيد الثمن، فهل ستفقد هذه "الإشارة" قيمتها؟ فالقاعدة الاقتصادية تقول إن ما يُكتسب بسهولة لا يُعد إنجازًا.
- ويبدو أن هذا التحول قد بدأ بالفعل، ففي منصات مثل "ريديت"، يتتبع المستخدمون المشاهير والمؤثرين بحثًا عن "أدلة" على استخدامهم لأدوية التخسيس؛ مما يشير إلى تشكيك متزايد في مصداقية الإشارة التي ترسلها الأجسام النحيفة.
المستقبل: نحو معايير جديدة؟
- من غير المرجح أن ينهي "أوزمبيك" سباق المكانة أو الهوس بالمظهر، فهذه سمات متجذرة في النفس البشرية. لكنه قد يؤدي إلى تراجع سطوة النحافة كمؤشر رئيسي للنجاح أو الجمال، ويفتح المجال أمام معايير جديدة.
- ربما يحل هوس العضلات محل الرشاقة، أو يصبح الاتجاه القادم هو "الطبيعية المتوازنة"، حيث يُنظر إلى الأجسام العادية على أنها دليل على الرضا والثقة بالنفس.
- إن ما يحدث اليوم يتجاوز حدود الطب ليلامس صميم الثقافة، والاقتصاد، والمجتمع؛ فأدوية فقدان الوزن ليست مجرد وصفات دوائية، بل هي أدوات تعيد تشكيل تصوراتنا عن الصحة، والمكانة، والجمال.
- وبينما تحقق هذه الأدوية وعودها الطبية، فإنها تطرح أيضًا تساؤلات مقلقة: هل نحن على أعتاب مرحلة جديدة من التمييز، أم بداية تحرر من وصمة شكل الجسد؟
- سواء كانت هذه المرحلة نعمة صحية أو عبئًا ثقافيًا، فإن المؤكد أن "الرشاقة الدوائية" تعيد رسم ملامح العصر؛ حرفيًا ومجازيًا.
المصدر: الإيكونيميست
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

العربية
منذ ساعة واحدة
- العربية
مكالمة قريبة بين "ترامب" و"شي" لحل أزمة الرسوم الجمركية
قال وزير الخزانة الأميركي، سكوت بيسنت، إنه يعتقد أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس الصيني شي جين بينغ سيتحدثان قريبًا لمعالجة القضايا التجارية ، بما في ذلك المعادن النادرة. وأضاف بيسنت: "أعتقد أننا سنرى شيئًا ما قريبًا جدًا" وذلك لدى سؤاله عما إذا كان قد تم تحديد موعد لمكالمة بين الزعيمين، وفق وكالة "رويترز". وقال ترامب، منذ يومين، إنه سيتحدث إلى نظيره الصيني على أمل التوصل إلى حل لخلافاتهما بشأن التجارة والرسوم الجمركية، وذلك بعد أن اتهم بكين في وقت سابق بانتهاك اتفاق مع واشنطن. وأضاف ترامب: "سأتحدث إلى الرئيس شي بالتأكيد، وآمل أن نتوصل إلى حل". وتواجه هدنة التجارة بين الولايات المتحدة والصين خطر الانهيار، في ظل تباطؤ الصين في تصدير المعادن النادرة، ما أثار اتهامات أميركية لبكين بالتراجع عن التزاماتها بموجب الاتفاق.


صحيفة سبق
منذ ساعة واحدة
- صحيفة سبق
اكتشاف واعد.. العين تفضح اضطرابا عصبيا شائعا!
كشف فريق بحثي في جامعة Yonesi بسيئول عن طريقة جديدة تشخيصية تعتمد على تحليل صور شبكية العين بواسطة نموذج ذكاء اصطناعي، تمكن من التمييز بين المصابين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه (ADHD) وغيرهم بدقة تصل إلى 96%. الدراسة أظهرت اختلافات واضحة في الأوعية الدموية داخل العين لدى المصابين، مثل زيادة عدد وسماكة الأوعية وصغر حجم القرص البصري، وهو ما يعكس التغيرات العصبية المرتبطة بالاضطراب. يعد هذا الاكتشاف تقدماً مهماً نحو تشخيص مبكر وسهل دون الحاجة لإجراءات معقدة، مع إمكانية تطوير الدراسة لتشمل فئات عمرية أوسع وحالات اضطرابات أخرى.


عكاظ
منذ ساعة واحدة
- عكاظ
بعد مضاعفتها لـ50%.. انتقادات ألمانية لرسوم الجمارك على الصلب والألمنيوم
تابعوا عكاظ على انتقدت الأوساط الاقتصادية الألمانية بشدة إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب مضاعفة الرسوم الجمركية على الصلب والألمنيوم. وأوضح رئيس قسم التجارة الخارجية في غرفة التجارة والصناعة الألمانية فولكر تراير أنه يرى أن هذه الخطوة تشكل «انتكاسة كبيرة للعلاقات التجارية عبر ضفتي الأطلسي»، محذراً من اقتراب حدوث تصعيد محتمل في وقت لا تزال فيه المحادثات جارية. وقال تراير: «الرسوم الجديدة لن تؤثر فقط على المصنعين، بل ستمتد لتشمل سلاسل التوريد بأكملها والعديد من المنتجات النهائية مثل الآلات والمعدات الرياضية». وأكد أن الولايات المتحدة ستظل مع ذلك هي السوق الأهم بوجه عام بالنسبة لصادرات الاقتصاد الألماني، لافتاً إلى أن «أكثر من 1.2 مليون وظيفة في ألمانيا تعتمد على التصدير إلى أمريكا». وأفاد أن 85% من الشركات الألمانية العاملة في الولايات المتحدة تتوقع حدوث تأثيرات ملموسة بسبب السياسة التجارية الأمريكية. أخبار ذات صلة وحذر تراير من التداعيات الاقتصادية لأي نزاع تجاري، قائلاً إن «الرسوم الجمركية والرسوم الجمركية المضادة لا يربح فيها أحد، فهي تقوّض الثقة، وتزيد كلفة المنتجات، وتضعف القدرة التنافسية على جانبي الأطلسي». وأعرب عن أمله في أن يشكل اللقاء المعلن عقده بين ترمب والمستشار الألماني فريدريش ميرتس، يوم الخميس القادم، بادرة حوار، لكنه رأى أن الاقتصاد الألماني يحتاج إلى ضمانات طويلة الأمد، لا إلى مزيد من التصعيد. في الوقت ذاته، دعا تراير الاتحاد الأوروبي إلى رد محسوب ومتزن، مشدداً على ضرورة السعي بنشاط لفتح أسواق جديدة، عبر إبرام اتفاقيات تجارية مع تكتلات في أمريكا الجنوبية، والهند، وإندونيسيا. /*.article-main .article-entry > figure img {object-fit: cover !important;}*/ .articleImage .ratio{ padding-bottom:0 !important;height:auto;} .articleImage .ratio div{ position:relative;} .articleImage .ratio div img{ position:relative !important;width:100%;} .articleImage .ratio img{background-color: transparent !important;}