
هل انحرفت أسواق الأسهم عن أهدافها الحقيقية وأصبحت عبئًا على الاقتصادات؟
جاءت فكرة تأسيس سوق للأسهم لأول مرة لتحقيق أكثر من هدف، أولها القدرة على جمع رؤوس الأموال بشكل سلس لتكوين مؤسسات كبيرة، وثانيها توسيع قاعدة الملكية للشركات والسماح لرؤوس الأموال الصغيرة بالدخول في الاستثمار، أما الهدف الثالث فكان تحقيق قدر من الشفافية في تداول حصص الشركات بشكل علني.
ومع تطور أسواق الأسهم ظهرت نتائج جديدة، ومنها توفير إدارات "محترفة" يفترض بها الإدارة بشكل كفء وذو قدر أعلى من الاستقلال عن رأس المال عما هو قائم في الشركات الخاصة التي يملكها فرداً واحداً، فضلًا عن القدرة على تحمل الخسائر لفترات طويلة نسبيًا دعمًا للبحث والتطوير أو سعيًا لمركز احتكاري للوصول إلى أرباح كبيرة في المستقبل.
ولكن مع هذا التطور بدا واضحًا أن سوق الأسهم قد يدعم الاقتصاد ككل، ولكن مع استمرار تغير شكل السوق واتساعها ودخول أطراف جديدة تعقدت الأمور وأصبح سوق الأسهم في بعض الأحيان معينًا للاقتصاد ككل وفي بعض الأحيان ضارًا به.
فعلى سبيل المثال يساهم السوق المنتعش في زيادة ثقة المستهلكين والشركات، فعندما ترتفع أسعار الأسهم، يشعر المستثمرون والمستهلكون بالثقة، مما يدفعهم إلى الإنفاق أكثر، وعلى سبيل المثال ففي الولايات المتحدة، يشكل الإنفاق الاستهلاكي حوالي 70% من الناتج المحلي الإجمالي، لذا فإن ارتفاع السوق يمكن أن يعزز النمو الاقتصادي.
ولذلك عندما ارتفع مؤشر "ستاندرد اند بورز 500" بنسبة 26.9% في عام 2021، زادت ثروات المستثمرين، مما ساهم في زيادة الإنفاق الاستهلاكي بنسبة 7.9% في نفس العام، وهو أعلى معدل منذ خمسينات القرن الماضي بما دعّم النمو في الفترة الصعبة الاقتصادية الصعبة التي تلت انتشار فيروس كورونا.
دعم للشركات
كما أن انتعاش سوق الأسهم يسهم في إقرار الشركات لخططها التوسعية، عن طريق إقرار برامج طرح إضافية لتوسيع رأس المال، والكثير من الشركات حول العالم استفادت من هذا الأمر، ومنها "تسلا" التي قدمت العديد من طروحات زيادة رأس المال بين 2-5 مليارات دولار بين أعوام 2015-2020.
ووصف تقرير تحليلي لـ"رويترز" حالة "تسلا" إنها لم تكن لتستطيع المضي قدمًا والتوسع في الأبحاث والإنتاج لولا "ضخ" الكاش عن طريق زيادة رأس المال من آن لآخر، وتعليقًا على طرح أسهم بقيمة 2.3 مليار دولار في عام 2019 مثلا قال "روس جيربر"، الرئيس التنفيذي لشركة الاستثمار "جيربر كاواساكي": "هذه هي الطريقة التي يدفعون بها ثمن المصنع في الصين لتحقيق أهدافهم لعام 2020".
كما أن شركة مثل "موديرنا" اعتمدت على التمويل من سوق الأسهم بهدف تطوير لقاح لمكافحة "كوفيد 19"، بما يؤكد حيوية الاعتماد على التمويل عبر طرح الأسهم للمضي قدمًا في خطط الشركات التوسعية، لا سيما مع التطورات غير المتوقعة في السوق.
وعلى الرغم من الناحية الإيجابية لهذا الأمر، من حيث توفير التمويل على هيئة رأس مال وليس قروض، ولكن في حالة "تسلا" نفسها ساهمت هذه الأطروحات في تضخيم القيمة السوقية للشركة بشكل كبير وربما مبالغ فيه للغاية، مع وصول مضاعف الربحية إلى أكثر من 150 في يونيو 2025.
توسيع ملكية ولكن
وعلى الرغم من أن أهداف توسيع قاعدة الملكية متحققة في الولايات المتحدة بدرجة ما، من خلال الإحصائيات التي تشير إلى أن حوالي 58% من الأمريكيين يمتلكون أسهماً بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال خطط التقاعد، ولكن تبقى الحقيقة أيضًا أن أغنى 10% من الأمريكيين يمتلكون 89-93% من إجمالي الأسهم، فالقاعدة واسعة ولكن بها اختلال واسع بين القاع وقمة الهرم.
وفي هذا الإطار يشير تقرير للمنتدى الاقتصادي العالمي إلى أن ما يعرفه بـ"محو الأمية المالية" ضروري للغاية، ويمكن أن نضرب المثل على ذلك بالكثير من بورصات أوروبا التي تتسم بدرجة أعلى من الاستقرار "النسبي" قياسًا بالسوق الأمريكي والأسواق الأسيوية الرئيسية بسبب وجود قدر أكبر من الوعي بكيفية عمل الأسواق وأسسها.
وفي الدول النامية أو الناشئة فإن سوق الأسهم أحد أهم وسائل جذب الاستثمارات، ومن ذلك الهند، التي تدفقت إليها استثمارات أجنبية مباشرة وغير مباشرة بقيمة 83.6 مليار دولار في 2021، كثير منها عبر سوق الأسهم (التقديرات تشير إلى حوالي 65-75% من إجمالي الاستثمارات)، بما ساعد في تمويل مشاريع البنية التحتية والتكنولوجيا.
وفي المقابل، فإن سوق الأسهم يشكل أحد أهم أماكن استقبال الأموال الساخنة في اقتصادات الدول النامية، بما لها من تأثيرات سلبية على أسعار صرف العملات واستقرار السوق نفسه والاقتصاد بشكل عام.
كما أن تركيز سوق الأسهم على بعض القطاعات دون غيرها يساهم في زيادة الاختلال وعدم التوازن في الاقتصادات النامية، فمثلًا تركزت نسبة 70% من الاستثمارات القادمة إلى الهند في قطاع التكنولوجيا، وهو قطاع نام بالفعل ويشهد استثمارات كبيرة، ورواتب جيدة للعاملين فيه، وذلك على حساب الزراعة والصناعات الصغيرة التي لا تصل إليها الأموال التي يتم ضخها في سوق الأسهم، رغم أهمية تلك القطاعات.
كما أن بعض الطروحات الأولية الكبيرة، وفترات الصعود القياسية لسوق الأسهم قد تتسبب في إصابة الاقتصاد بحالة من نقص السيولة ومحدودية الموارد المخصصة للاستثمار الجديد أو للتوسع في الاستثمار، بسبب تخصيص الكثير من المستثمرين من غير ذوي الخبرة لفوائضهم المالية للاستثمار في سوق الأسهم مع "الطمع" في ارتفاع اكتتاب أولي أو في سوق يرتفع لفترة طويلة.
إنذار مبكر ولكن
ومن أهم أشكال الدعم للاقتصاد أن سوق الأسهم يشكل "آلية إنذار مبكر" لحالة الاقتصاد الكلية ولأداء مختلف قطاعاته، حيث غالبًا ما ينخفض السوق قبل حدوث الركود ويرتفع قبل الرواج، تحسبًا من المتداولين للمستقبل، وعلى الرغم من أن هذا الأمر يبدو إيجابيًا لأنه ينبه المسؤولين لضرورة تغيير بعض السياسات، إلا أنه قد يثير الهلع أيضًا في الأسواق ويؤدي لتطبيق قاعدة بإن بعض الأشياء تحدث لأنه تم توقعها "كل متوقع آت".
وعلى الرغم من ذلك فإن العكس قد يحدث أحيانا، وذلك من خلال تضخم البورصة المبالغ فيه، بما يجعل لانهيارها تداعيات كارثية على الاقتصاد، وأبرز مثال على ذلك كان إبان الأزمة المالية العالمية في 2008، حيث فقد مؤشر "ستاندرد أن بورز 500" حوالي 57% من قيمته بين أكتوبر 2007 ومارس 2009، وكان أثر ذلك انخفاض الناتج المحلي الأمريكي بنسبة 4.3%، فضلا عن وصول البطالة إلى 10%.
والسوق الهابطة كثيرًا ما تشكل ما هو أكثر من إنذار للاقتصاد، فمنذ عام 1928 وحتى بداية عام 2025 شهدت السوق الأمريكية 28 سوق هابطة أو سوق دببة، أي أن السوق الهابطة تحدث قرابة مرة كل 3 سنوات و4 أشهر تقريبا خلال السنوات المئة الماضية، بما يؤشر إلى أنها ليست حدثًا عارضا أو استثنائيًا بل هي بمثابة "أمر عادي" كما يصفها غالبية المتداولون الكبار.
وعلى الرغم من ذلك، فإن بعض الأحداث الاستثنائية في سوق الأسهم قد لا تؤثر كثيرًا على الاقتصاد بشكل عام، وأهم مثال على ذلك الاثنين الأسود في 19 أكتوبر 1987 حيث انخفض مؤشر "ستاندرد أند بورز 500" بنسبة تفوق 20% في يوم واحد، غير أن الاقتصاد أنهى العام نفسه بنسبة نمو 3.5% وهي نسبة ممتازة بالنسبة لاقتصاد متقدم مثل الاقتصاد الأمريكي.
ولكل المزايا سالفة الذكر فأنه يمكن التأكيد على حيوية دور سوق الأسهم في العمل كوسيط لتجميع رؤوس الأموال وإدارتها، ولكنه في الوقت نفس يحمل مخاطر كثيرة من عدم التوازن في قطاعات الاقتصاد، وتركيز الثروات، لتبقى السياسات الحكومية المنوطة بتلافي السلبيات، ونشر الوعي باقتصاديات سوق الأسهم الوسيلة الأهم لتلافي تحول سوق الأسهم من نعمة لنقمة.
المصادر: أرقام- المنتدى الاقتصادي العالمي- رويترز- وول ستريت جورنال- كتاب: " Bulls make money, bears make money, pigs get slaughtered"- فيداليتي
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


أرقام
منذ ساعة واحدة
- أرقام
الولايات المتحدة تعرقل تحرك أوروبا لخفض سقف سعر النفط الروسي
قال أشخاص مطلعون إن الولايات المتحدة لا تزال متمسكة برفضها خفض سقف أسعار مبيعات النفط الروسي، مما يبدد آمال الأوروبيين في أن يتوصل قادة مجموعة السبع إلى اتفاق بشأن خفض هذا السقف خلال قمتهم المرتقبة في كندا. لفت المطلعون، الذين طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم نظراً لحساسية النقاشات، أن القرار النهائي يعود للرئيس دونالد ترمب، ولا يزال المسؤولون يحتفظون ببعض الأمل. إلا أن الموقف الأميركي لم يشهد أي تغيير منذ الاجتماع السابق لوزراء مالية مجموعة السبع هذا العام، حيث عبرت واشنطن بوضوح عن رفضها لخفض سقف الأسعار. محاولات خفض سقف سعر النفط الروسي يسعى كل من الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة إلى خفض سقف أسعار النفط الروسي إلى 45 دولاراً للبرميل، بدلاً من المستوى الحالي البالغ 60 دولاراً، في محاولة للضغط على عائدات روسيا من النفط، التي تعد مصدراً رئيسياً لتمويل حربها ضد أوكرانيا. وقد تضمّن أحدث حزمة عقوبات أوروبية ضد موسكو هذا السقف المعدل. ورفض البيت الأبيض التعليق على الأمر يوم الجمعة. كانت أسعار النفط قد انخفضت إلى ما دون سقف مجموعة السبع، لكنها قفزت خلال الساعات الماضية بعد الضربات الإسرائيلية ضد إيران. وصعدت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط بأكثر من 7% لتستقر قرب 73 دولاراً للبرميل، في أكبر قفزة يومية منذ مارس 2022. وأشار أحد الأشخاص إلى أن الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة قد يبحثان خيار خفض السقف بشكل منفرد من دون الولايات المتحدة. وبما أن غالبية صادرات النفط الروسي تمر عبر المياه الأوروبية، فقد يكون لهذا التحرك بعض الأثر، لكنه سيكون أكثر فعالية إذا تم التوصل إلى اتفاق شامل يشمل جميع دول مجموعة السبع، بما يتيح الاعتماد على أدوات الإنفاذ الأميركية.

العربية
منذ ساعة واحدة
- العربية
خبير للعربية: بهذه الورقة تتفوق "هواوي" في مواجهة المنافسين
أوضح كبير مستشارين مركز "كوروم" للدراسات الاستراتيجية ايمن البناو، أن هواوي تمتلك أوراقًا قوية لمواجهة المنافسين، خاصةً مع طرح النسخة الجديدة من هاتف "Ultra" بكاميرا دقتها 50 ميغابيكسل، وبعدسات قابلة للتبديل ميكانيكيًا، وهي ميزة غير مسبوقة، مع تقريب بصري يصل إلى 20x. وتُعد هذه الميزة إضافة مهمة لعشاق التصوير، خاصةً مع سعر منخفض نسبيًا مقارنة بالهواتف الأخرى.. الصين تسارع لصناعة رقائق الذكاء الاصطناعي رغم الحصار الأميركي وأضاف البناو في مقابلة مع "العربية Business"، أن هواوي تطلق Pura 80 وPura 80 Ultra بميزات جديدة، بعد نجاح سلسلة Pura 70 وبيع أكثر من 10 ملايين هاتف خلال ستة أشهر. وركزت الشركة على مواصفات الكاميرات المتطورة، التي تتفوق على أغلب الهواتف الأخرى. وتابع: أعتقد أن 2025 سيكون عام "إغلاق الفجوة" في تكنلوجيا الهواتف بين الصين والولايات المتحدة الأميركية، فالعقوبات التي فرضتها واشنطن على بكين لم تعد مجدية، بل شجعتها على التقدم،و ربما يكون عام 2026 هو عام تفوق الصين في الذكاء الاصطناعي والهواتف النقالة على الولايات المتحدة. كانت "هواوي" أطلقت سلسلة هواتفها الذكية "بيورا 80"، أمس الأربعاء، في وقت تسعى فيه الشركة إلى عودة قوية إلى سوق الهواتف الذكية الفاخرة، رغم استمرار العقوبات الأميركية عليها منذ سنوات. وتتوج أحدث منتجات هواوي جهودًا مستمرة للشركة الصينية الساعية لاستعادة مكانتها في صدارة السوق المحلية، رغم العقوبات الأميركية القائمة. من جهة أخرى، قال الرئيس التنفيذي لشركة "إنفيديا" جينسن هوانغ، إن شركة "هواوي" تحمي الصين من القيود الأميركية. وأضاف في تصريحات أمس لشبكة "سي إن بي سي": "إذا استمرت أميركا في فرض قيود على أشباه موصلات الذكاء الاصطناعي على الصين، فستستغل شركة هواوي، موقعها في ثاني أكبر اقتصاد في العالم".


الشرق الأوسط
منذ 2 ساعات
- الشرق الأوسط
الإمارات وأميركا تبحثان تعزيز الشراكة الاستراتيجية في واشنطن
بحثت دولة الإمارات والولايات المتحدة الأميركية سُبل تعزيز التعاون الثنائي، وتوسيع آفاق الشراكة الاستراتيجية بين البلدين في مختلف المجالات ذات الأولوية، خلال مباحثات رفيعة المستوى شهدتها العاصمة الأميركية واشنطن. وفي هذا الإطار، التقى الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، هوارد لوتنيك، وزير التجارة الأميركي، وذلك خلال زيارة عمل يقوم بها وزير الخارجية الإماراتي إلى واشنطن على رأس وفد رسمي. وجرى خلال اللقاء استعراض العلاقات الاستراتيجية المتميزة بين الإمارات والولايات المتحدة، وسبل تعزيزها بما يخدم مصالح البلدين ويدعم مسارات التنمية والتقدم لشعبيهما. وتطرّق الجانبان إلى مخرجات زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى الإمارات في شهر مايو (أيار) الماضي، التي أسهمت في فتح آفاق جديدة للتعاون الثنائي، لا سيما في مجالات الذكاء الاصطناعي، والاقتصاد، والمالية، والتجارة، وغيرها من القطاعات الحيوية. وأكد الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، خلال اللقاء، عمق العلاقات التاريخية بين البلدين، التي تقوم على أسس متينة من الثقة والاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، مشيراً إلى أن هذه الشراكة باتت نموذجاً يحتذى به في التعاون البنّاء والمثمر بين الدول. كما شدَّد وزير الخارجية الإماراتي على وجود فرص واعدة لتعزيز التعاون بين الإمارات والولايات المتحدة في مختلف المجالات، معرباً عن حرص قيادتَي البلدين على استثمار هذه الفرص بما يحقِّق التنمية الشاملة والازدهار الاقتصادي المستدام.