
سرب سنونو يطلق الربيع... الإبداع حين يحدس
ففي يوليو (تموز) من ذلك العام تحديداً صدر تقرير صحافي يعلن دهشته من فورة في المعارض والمؤسسات الفنية تعرفها مدريد وبرشلونة، ولكن كذلك مدن إسبانية كثيرة. فورة لم يكن لها ما يبررها في ظاهر الأمور، لكنها سرعان ما تبدت حقيقية تتحدث عنها أرقام غير معتادة في بلد كان جفاف حياته الفنية طوال عهد فرانكو مضرباً للأمثال، وكان مبدعوه ينزحون عادة باتجاه فرنسا المجاورة كي يمارسوا فنونهم وإنسانيتهم بحرية، ويجدوا لأنفسهم مكاناً تحت الشمس، وفي الأقل منذ بدايات القرن الـ20، ومع ذلك ها هي الأرقام تنفجر كقنبلة موقوتة.
الأرقام لا تكذب
فجأة قبل 50 عاماً، يوماً بيوم من الآن، ذكر التقرير الرسمي أن مدريد التي لم تكن تحوي أكثر من دزينتين من المعارض الفنية تضم الآن أكثر من 200 معرض، كما أن مطابعها تنشر ما لا يقل عن ثماني مطبوعات فنية شديدة الأناقة والجدية تتحدث عن معروضات وافتتاح معارض، وعن لوحات باتت تباع بأسعار خيالية تفوق أسعار لوحات المزادات في باريس.
لكن اللافت أن الأمر لم يكن وقفاً على مدريد، بل ها هي برشلونة، وتبعاً للتقرير نفسه، تشهد افتتاح ما يزيد على 100 معرض خلال الأعوام القليلة الماضية، بينما تزدهر بالنسيا بـ30 معرضاً، وكل من بلباو وإشبيليا وبلد الوليد بدزينة من المعارض، كما افتتحت معارض كثيرة في ساراغوسا. هذا دون نسيان المعارض الجوالة التي قد يدور الواحد منها في نحو 100 مدينة وبلدة وقرية في العام الواحد.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
والواقع أن معظم المبيعات تطاول لوحات إسبانية، حتى وإن كانت مؤسستا "ساوذبي" و"كريستي" العالميتين قد ابتدأتا حضورهما ومزاداتهما في إسبانيا خلال الأعوام الأخيرة نفسها. ومن الدلالة بمكان أن التقرير نفسه يتحدث عن مبيعات على هامش العروض تطاول نحو 30 ألف كاتالوغ في الأعوام نفسها معطوفة على مئات الكتب الفنية التي باتت تصدر بانتظام وتجد قراء يتابعونها بلهفة.
باختصار يقول التقرير إن ثمة ثورة فنية إسبانية لا يمكن أن تكون وليدة ذاتها ونمت كالعشبة الشيطانية في بلد كان يفتقر إلى كل شيء، ولكن خاصة إلى الحرية التي هي صنو الفن المحتم. بالتالي بدا وكأن الفن بات سرب سنونو يبشر بمجيء ربيع ما، ولكن من دون أن يكون أحد قادراً على تحديد مصدر ذلك الربيع أو طبيعته.
مؤسسة "خوان ميرو"
ولا حتى الفنان الكبير خوان ميرو، الذي كان لفترة قريبة جداً من الزمن مرتبطاً بفرنسا كما حال الكبار في الفن الإسباني من الذين يعيشون في البلد المجاور ويمارسون فيه فنهم إلى درجة كاد كثر من المتابعين ينسون معها إسبانيتهم لولا تمسكهم على أية حال بأساليب فنية تشي بها. نقول هذا ونحن طبعاً نفكر بدزينتين من مبدعين في مقدمهم بيكاسو وسلفادور دالي وتابييس وخوان غري وطبعاً خوان ميرو. وها هو هذا الأخير في العاشر من يونيو (حزيران) من عام الأعجوبة نفسه 1975، وقبل صدور التقرير المذكور والمفاجأة التي شكلها، ها هو يفتتح ما سيسمى مؤسسة "خوان ميرو" في برشلونة نفسها، وهي مؤسسة بادر ميرو نفسه إلى إقامتها معرباً عن رغبته في أن يكون له في المدينة التي ولد فيها عام 1893، موطئ قدم يتولى عرض أعماله ورعايتها بصورة دائمة شرط ألا يقتصر الاهتمام على عمله، بل يكون من مهام تلك المؤسسة رعاية الفنون الطليعية والمبدعين الشبان.
ومهما يكن من أمر فإن هذا المشروع لم يكن وليد ساعته. فمنذ عام 1971 كان ميرو (1893 – 1983) قد طلب من صديقه وابن بلده المهندس يوسيب لويس سيرت أن يصمم له ذلك المركز الفني العتيد الذي كانت بلدية برشلونة نفسها قد وافقت على الإسهام في إقامته وقد أدركت منذ ذلك الوقت المبكر أهمية أن يكون للمدينة مركز من هذا النوع. وكان من بين إسهاماتها المبكرة تقديم قطعة أرض تتسع للمركز وملحقاته، تاركة للفنان ومعمارييه حرية اختيار المنطقة والمساحة التي يشاءانها بين اختيارات عدة من بين ممتلكاتها. واختار المبدعان قطعة أرض رائعة تقع ضمن محيط حديقة "مونجويس" الشهيرة، بيد أن البلدية لم تكتف بتقديم الأرض، بل أسهمت كذلك في نفقات البناء والتجهيز. وأصدرت قرارات تتعلق بالكلف الرسمية للمؤسسة في تجميع الأعمال التي قدمها ميرو للمشروع. وهكذا اكتملت التفاصيل بتملك المدينة مئات القطع الفنية والمخطوطات وما شابه ذلك.
للعرض والدراسة
وهنا لا بد من أن نذكر أن المعماري سيرت كان في الأصل متآلفاً مع هذا النوع من المعارض ولا سيما مع عمل ميرو نفسه. وكان قد سبق له خلال الفترة الماضية أن صمم ونفذ معرض مؤسسة "مايت" في الجنوب الفرنسي على تخوم بلدة سان بول دي فانس، وهي مكان لعرض اللوحات وتجميعها ونشر الفكر والممارسة الفنيين، ويعتبر خوان ميرو عادة من أبرز الفنانين الذين تضم تلك المؤسسة القديمة أعمالهم. ومن هنا كان من الطبيعي لسيرت أن يجد أن ما يقوم به في برشلونة نوع من الاستكمال لما كان قد سبق له أن حققه في سان بول دي فانس.
من هنا انكب على عمله خالقاً مساحات فسيحة في المركز الجديد لعرض لوحات ميرو، ولا سيما منها ذات الأحجام الكبيرة، التي أنشئت من أجلها جدران عالية تطل على قاعات تسمى أحواضاً تعبق بشذى متوسطي لافت. وإلى جانب تلك المساحات صمم المهندس قاعات لفنانين آخرين تمتلك المؤسسة أعمالاً لهم، أو تستعير أعمالهم من مؤسسات أخرى لمناسبات محددة.
إلى ذلك أقيمت قاعات للندوات وغرف جانبية على شكل مكتبات تمتلئ بالكتب والكاتالوغات من النوع الذي يتم تحديثه بصورة متواصلة، مما جعل من ذلك المركز أكثر كثيراً من مجرد مكان لعرض الأعمال الفنية، علماً أن ثمة في قلب ذلك كله أجنحة خاصة لباحثين تقوم مهمتهم على دراسة أعمال خوان ميرو نفسه، وجعل تلك الأعمال في متناول الجمهور العريض كما في خدمة الباحثين الذين يهتمون بدراسة أعمال هذا الفنان الكبير الذي لا شك أن هذا الاهتمام به وبفنه، ولو بمبادرة أتت منه هو شخصياً، أشعره في أعوامه الأخيرة بأن ظلماً ما قد رفع عنه أخيراً.
على غير ميعاد
ومن غرائب الصدف أن الأقدار اختارت الوقت المناسب لذلك، إذ وكما رأينا أول هذا الكلام أن ذلك كله قد تزامن مع الظلم الذي رفع عن كاهل الشعب الإسباني برحيل فرانكو مصحوباً بزمنه الديكتاتوري، الذي كان قد كلف الإسبانيين كثيراً من المعاناة والآلام والأحزان، وكذلك بالحديث الذي لم يكن متوقعاً بأية حال من الأحوال عن نهضة فنية أتت في زمن قياسي لترد عن الفن الإسباني ظلماً تواصل زمناً طويلاً، حيث وضع في الظل تاريخاً فنياً إسبانياً عريقاً كان من علاماته الغريكو وبيلاسكويث وتسورباران، وعشرات غيرهم من الذين صنعوا التاريخ الفني الإسباني، لتغرق إسبانيا في ظلام كان نابذاً لفنانين انزاحوا منها إلى فرنسا وغيرها من البلدان يسهمون في نهضتها فيما وطنهم نسي أنه كان موطن الفن ذات يوم، وها هو ينهض بصورة مباغتة، تحديداً في مثل هذه الأيام قبل نصف قرن تماماً، وعلى غير ميعاد.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


Independent عربية
منذ 5 ساعات
- Independent عربية
وفاة الممثلة الأميركية لوني أندرسون
أعلن مسؤول العلاقات العامة للممثلة الأميركية لوني أندرسون أنها توفيت أمس الأحد عن عمر ناهز 79 سنة، وقالت عائلتها إنها لفظت أنفاسها الأخيرة في مستشفى بلوس أنجليس "بعد مرض شديد استمر فترة طويلة". ونالت أندرسون الإشادة عن دور موظفة استقبال ذكية وجذابة في محطة إذاعية تتحدى الصور النمطية الجنسية في مكان العمل في المسلسل الكوميدي الأميركي "دبليو كيه آر بي إن سينسيناتي". واشتهرت أندرسون أيضاً بزواجها الذي أثار ضجة من الممثل بيرت رينولدز عام 1988، وطلاقهما الذي أثار اهتمام الصحف أيضاً بعد ستة أعوام. وقالت العائلة في بيان "نشعر ببالغ الحزن لإعلان وفاة الزوجة والأم والجدة العزيزة"، مضيفة أنها كانت محاطة بأحبابها. ولدت أندرسون في سانت بول بولاية مينيسوتا، وشاركت في مسابقات جمال محلية، وبدأت مسيرتها الفنية في المسرح محلياً، وانتقلت بعد ذلك في منتصف السبعينيات إلى لوس أنجليس حيث حولت لون شعرها البني أصلاً للأشقر الذي اشتهرت به. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وشاركت بعد ذلك في أعمال تلفزيونية عدة، منها مسلسلات كانت تعرض في وقت ذروة المشاهدة مثل "ذا بوب نيوهارت شو" و"بوليس ستوري" و"ذا إنكريدبل هالك" و"ذا لوف بوت" و"ثريز كامباني". وأجرت اختبارات أداء للعب شخصية كريسي، إحدى الشخصيتين النسائيتين الرئيستين في مسلسل "ثريز كومباني"، لكن الدور ذهب في النهاية إلى سوزان سومرز. وجاءت الفرصة الكبرى لأندرسون بعد ذلك بفترة وجيزة عندما حصلت على دور البطولة بالاشتراك مع جينيفر مارلو في مسلسل "دبليو كيه آر بي إن سينسيناتي" بعد إقناع منتجي العرض بالسماح لها بأداء الشخصية المعاكسة للصورة النمطية للشقراء التافهة. ودارت شخصيتها في المسلسل حول موظفة استقبال ماهرة وماكرة، ترفض تلقي الإملاءات أو إحضار القهوة، وتبين أنها الشخص الأكثر ذكاءً في المكان بعد نجاحها في إنقاذ محطة الراديو الخيالية في أوهايو على رغم تقصير المديرين الذكور. وامتد عرض المسلسل أربعة مواسم من 1978 إلى 1982 على شبكة "سي بي أس"، وحصلت أندرسون على ترشيحين لجائزة إيمي عن دورها فيه. وفي المجمل، شاركت أندرسون في بطولة ستة مسلسلات تلفزيونية وسبعة أفلام روائية طويلة و19 فيلماً تلفزيونياً ومسلسلين قصيرين خلال مسيرتها الفنية التي استمرت أربعة عقود، والتي سجلتها في كتاب سيرتها الذاتية الذي وصل إلى قوائم الأكثر مبيعاً، والذي يحمل اسم "ماي لايف إن هاي هيلز" أو "حياتي بالكعب العالي".


Independent عربية
منذ 2 أيام
- Independent عربية
دانيال داي لويس: النجم الذي هرب من الأضواء
ربما يأتي يوم، إن شاءت الأقدار، يصنع فيه فيلم عن كواليس تصوير "الخيط الخفي" Phantom Thread للمخرج بول توماس أندرسون الصادر عام 2017. قد يكون عملاً وثائقياً أو درامياً، مأساة شكسبيرية أو مهزلة فوضوية، لكنه سيكشف لنا ما جرى خلف الأبواب في منزل بلندن، حيث فقد ممثل عظيم رغبته في الاستمرار. استغرق التصوير وقتاً أطول مما ينبغي، كانت الظروف مرهقة، والمتعة الخالصة في الأداء اختفت تماماً. وما إن انتهى دانيال داي لويس من تجسيد شخصية مصمم الأزياء الرفيع "رينولدز وودكوك"، حتى أعلن اعتزاله. قال وقتها، وهو في الـ60 من عمره "أحتاج إلى أن أؤمن بقيمة ما أفعله". ثم أضاف بصراحة أنه لم يعد يشعر بذلك خلال الفترة الأخيرة. وعند إعلان وفاة الرئيس الأميركي كالفين كوليدج، علقت دوروثي باركر ساخرة "وكيف عرفوا؟" من السهل أن نطرح نفس السؤال عن اعتزال داي لويس، نظراً إلى ندرة ظهوره على الشاشة خلال الأعوام الأخيرة. منذ مطلع الألفية، لم يقدم سوى سبعة أفلام، ويقال إنه كان يعيد التفكير في مستقبله الفني بعد كل واحد منها، وأنه من أكثر نجوم السينما هشاشة وتردداً وبعداً عن بريق الشهرة، غير أن المفارقة تكمن في كون هذا بالضبط جزءاً من هالته الغامضة. إن لم يكن في وسعنا مشاهدة عمل جديد لداي لويس هذا الصيف، فلدينا في الأقل فرصة لاستعادة أحد أعماله القديمة، الذي أعيد اكتشافه وإطلاقه مجدداً. في فيلم "مغسلتي الجميلة" My Beautiful Laundrette الصادر عام 1985، يؤدي داي لويس دور "جوني"، شاب بريطاني يتبع ثقافة الـ"بانك" العبثية ويتبنى أفكار الفاشية الجديدة (نيوفاشية)، ويصبغ شعره بالأشقر الفاتح جداً. يجد الشاب الخلاص عبر علاقة حب صادقة مع رجل طيب (زميله في الدراسة "عمر"، ذي الأصول الأنغلو-آسيوية). كان هذا الدور نقطة التحول الكبرى في مسيرة الممثل الشاب آنذاك، إذ وصل إلى صالات السينما البريطانية قبل وقت قصير من ظهوره اللافت في فيلم "غرفة ذات إطلالة" A Room with a View من إخراج وإنتاج الثنائي جيمس آيفوري وإسماعيل ميرشنت. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) أما في فيلم "مغسلتي الجميلة" الذي أخرجه ستيفن فريرز عن نص لـحنيف قريشي، يأتي داي لويس ثالثاً في استعراض الأسماء في الشارة، كجزء من الخلفية لا كمركز الصورة، مجرد عنصر في النسيج لا نجم يتصدر العمل. كان العمل بمثابة سرد خشن، صريح (وربما مسرحي قليلاً) لأحلام المهاجرين جنوب لندن خلال عهد مارغريت تاتشر. ومن منظور اليوم يبدو العمل تحفة عتيقة آسرة، فهو لا يوثق فقط بريطانيا الماضية، بريطانيا المعاطف الثقيلة، وسلال القمامة المعدنية، والمظلات المخططة فوق أبواب المتاجر، بل يكشف أيضاً عن عالم شجي ضائع سبق شهرة داي لويس، حين كان لا يزال شاباً على أعتاب النجومية. يدرك داي لويس تماماً كيف يراه الجمهور "مجنون بحق" -بحسب وصفه هو نفسه- يعيش في عالم مواز، وتستحوذ عليه قوة التقمص حتى يصبح التحضير للدور أسطورياً بقدر الأداء نفسه. ولا يكتفي الرجل بتأدية الشخصية بل يصر على أن يتحول إليها بالكامل. خلال تصوير فيلم "قدمي اليسرى" My Left Foot (1989)، بقي على كرسي متحرك طوال الوقت، وفي فيلم "باسم الأب" In the Name of the Father (1993)، عاش على وجبات المساجين، أما في "آخر سلالة الموهيكان" The Last of the Mohicans (1992)، فقد قام بسلخ الحيوانات داخل الغابات بنفسه. هذه الطريقة المتطرفة في الأداء أتت أكلها، فقد حصد ثلاث جوائز أوسكار في فئة أفضل ممثل في دور رئيس -وهو رقم غير مسبوق- عن أفلام "قدمي اليسرى" و"ستسيل الدماء" There Will Be Blood (2007) و"لينكولن" Lincoln (2012). ومع ذلك، لا ينكر داي لويس أن هذه المنهجية جعلت صحبته مرهقة، وعبئاً حقيقياً على عائلته في المنزل، وعلى طاقم التصوير الذي يتحمل تبعات هذا التفرغ المطلق للدور. تخيل مثلاً أن تعمل طوال النهار في موقع تصوير فيلم "عصابات نيويورك" Gangs of New York (2002) تحت إدارة مارتن سكورسيزي، ثم تجد نفسك مجبراً على تناول الغداء إلى جانب "بيل الجزار"، بعينه الزجاجية ونظرته القاتلة. التقيت دانيال داي لويس مرة واحدة قبل أعوام، وكان إنساناً متأملاً ودوداً بعيداً تماماً عن صورة "المجنون" التي يروجها بعض عنه. شرح لي سبب قبوله قليلاً من الأدوار، قائلاً إنه لا يريد أبداً أن يشعر بأنه يؤدي عملاً رتيباً أو يعمل بدافع العادة فحسب. وأضاف أن التمسك بالبقاء في الشخصية طوال فترة التصوير ساعده على الحفاظ على تركيزه وسط وتيرة التصوير المتقطعة، إذ يقول "بهذه الطريقة لا يحدث الانقطاع كلما توقفت الكاميرا، ولا تشعر فجأة بوجود الكابلات والمعاطف السميكة، أو تسمع أصوات أجهزة اللاسلكي". واعترف بصراحة أن هذا قد يكون مجرد وهم ذاتي، لكنه في النهاية أسلوب فعال بالنسبة إليه. أتساءل إن كان فيلم "الخيط الخفي" نقطة الانهيار الحاسمة، ذلك الإنتاج الذي دفع الممثل إلى تجاوز حدوده الطبيعية. كانت هذه المرة الثانية التي يتعاون فيها أندرسون وداي لويس، بعد فيلم "ستسيل الدماء". يتناول الفيلم قصة حب مظلمة وصراع قوة تدور أحداثه خلال الخمسينيات، بين مصمم أزياء متسلط ونادلة أجنبية متواضعة جسدتها فيكي كريبس. الفيلم نفسه يضيق الخناق على المشاهد، وكان التصوير كذلك. خلال مارس (آذار) 2017، انتقل طاقم العمل إلى العنوان "3 فيتزروي سكوير"، من أجل القيام بتصوير "غير مرئي"، إذ استخدم المنزل كموقع للمسرح ومسكن ومخزن في آن واحد. وفي أعمال سابقة، كان داي لويس قادراً على الحفاظ على مسافة بينه وعملية التصوير، أما هنا فوجد نفسه محاصراً في شخصية رينولدز وودكوك المتقلبة، يتصبب عرقاً وهو يواجه الكاميرات التي تسجل لقطات مقربة له، أسبوعاً تلو الآخر، أثناء التصوير وبعده. وصف التصوير بأنه كان "فظيعاً" وكابوساً لوجيستياً، بينما كانت شخصيته تثير توتر الجميع باستمرار. وقال بصراحة "من الصعب أن تعمل مع طاقم يكرهك حقاً". إذا كان هناك درس يمكن استخلاصه من هذه القصة الحزينة عن معاناة الممثلين، فهو أن لا طريقة تبقى مضمونة للجميع، وأن لكل شخص حدوده الخاصة. حتى لو كان عبقرياً، وحتى لو كان يزين رفوف منزله بثلاث جوائز أوسكار. بالنسبة إلى داي لويس، كثيراً ما كانت الحال المثالية هي الانسياب الكامل، الانغماس التام، والسعادة المستمرة للإبداع المتواصل بلا انقطاع. لكن في المنزل الذي استضاف تصوير "الخيط الخفي"، فجأة لم يعد قادراً على تجاوز مسارات الكاميرات والكابلات وأعضاء الطاقم المتذمرين. حققت الشخصية نجاحاً باهراً وأكسبته ترشيحاً جديداً للأوسكار، لكن الأهم من ذلك -بل والمصيري- أنه لم يعد يؤمن بنفسه. مصير النجوم المشهورين أحياناً يجعل حتى قرار الاعتزال يبدو وكأنه أداء تمثيلي آخر، كأنه وقفة درامية تحمل بعض الغموض والانتظار. ومن يذكر أن داي لويس لم يسهل على نفسه الأمور بهذا الخصوص، فقد اعتزل مرة سابقة بين عامي 1997 و2001، وكما كسر حديثاً عهده الأخير بالمشاركة في فيلم من إخراج ابنه البالغ من العمر 26 سنة. الفيلم المقبل الذي سيصدر خلال أكتوبر (تشرين الأول) هذا العام ويحمل عنوان "شقائق النعمان" Anemone، يصنف كدراما عائلية ببطولة جماعية، تدور أحداثها في المملكة المتحدة، ويشارك فيه داي لويس إلى جانب شون بين وسامانثا مورتون. وربما سيجعله هذا الفيلم جزءاً بسيطاً من طاقم العمل مرة أخرى، تماماً كما كان منذ أربعة عقود في فيلم "مغسلتي الجميلة". للممثل حق في تغيير رأيه، وداي لويس حر في الاعتزال والعودة متى شاء. ومع ذلك، من المرجح أن يكون "شقائق النعمان" آخر إطلالة هادئة له في عالم السينما، وليس بداية لنهضة جديدة. قد ينجح الفيلم أو لا، لكن لغاية موعد صدوره -وربما حتى بعد ذلك- سأظل أعتبر فيلم "الخيط الخفي" الوداع الحقيقي لداي لويس على الشاشة. ربما يكون دوره فيه هو الأهم في مسيرته، الدور الذي حاصره وكسره وأعاده إلى الواقع. فشخصية رينولدز وودكوك تنتهي مريضة وفي حاجة للآخرين، سجينة في منزلها بلندن. أما داي لويس، فكان محظوظاً، إذ استطاع الخروج والعودة إلى بيته. يعاد عرض فيلم "مغسلتي الجميلة" في دور السينما داخل أنحاء المملكة المتحدة وإيرلندا بدءاً من الأول من أغسطس (آب) الجاري.


Independent عربية
منذ 2 أيام
- Independent عربية
ردود فعل ساخرة بعد واقعة "كاميرا كولدبلاي" المحرجة
لا تزال واقعة حفلة فرقة "كولدبلاي" من أكثر المشاهد تداولاً هذا الصيف، بعد أن رصدت "الشاشة العملاقة" ثنائياً في موقف أثار سيلاً من التعابير الكوميدية على مواقع التواصل، المعروفة بكلمة "الميمز"، وتسبب المشهد الذي التقطته الكاميرا خلال الحفلة في موجة واسعة من التفاعلات. بدأت القصة حين ظهرت لقطة للرئيس التنفيذي لشركة التكنولوجيا الأميركية "أسترونومر" آندي بايرون برفقة رئيسة الموارد البشرية في شركته كريستين كابوت أمام الملأ عبر الشاشات الضخمة المحيطة بالمسرح، وهما يتبادلان لحظة بدت حميمية لبعضهم، خلال حفلة غنائية أقيمت على مسرح "جيليت ستاديوم" بولاية ماساتشوستس في الـ16 من يوليو (تموز). بينما كانت الكاميرا تركز على الثنائي، وهما يتكئان على بعضهما ويتمايلان بانسجام وسط أجواء غارقة في الموسيقى وسحر الليل. وعندما ظهرت صورتهما على الشاشات، لم يتفاعلا كما يفعل معظم الحضور في مثل هذه اللحظات الرومانسية، بل سارعت السيدة إلى تغطية وجهها واستدارت قليلاً، فيما انحنى بايرون محاولاً تفادي الكاميرا. وهو ما دفع المغني الرئيس للفرقة كريس مارتن، إلى التعليق مازحاً "إما أنهما في علاقة سرية أو خجولان جداً". وكشفت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية عن أن كريستين متزوجة من الرئيس التنفيذي لشركة مشروبات كحولية، من أندرو كابوت، ومقرها ماساتشوستس الأميركية. في الوقت ذاته، فإن آندي بايرون متزوج هو الآخر، وقد لاحظ متابعون أن زوجته تدعى ميغان بايرون وقد أزالت لقبه من حساباتها على وسائل التواصل الاجتماعي بعد انتشار الفيديو. ردود فعل ساخرة وانتشرت لقطات الثنائي كالنار في الهشيم على مواقع التواصل، وتحولت إلى مادة دسمة للميمز والسخرية، وفي الحفلات والمناسبات الرياضية اللاحقة، بدأ الجمهور في إعادة تمثيل المشهد ذاته كلما ظهرت الكاميرا عليهم، في محاكاة ساخرة تعكس مدى الانتشار والاهتمام بالقصة. فيما رفع أحد الحضور في إحدى المناسبات الرياضة لافتة كتب عليها، "هذه هي زوجتي"، وآخر رفع لافتة مكتوب عليها "أختي"، في محاولة منهم لنفي أي تلميحات وسط ضحك وتصفيق الحاضرين. ولم تسلم الحادثة من سخرية التمائم الرسمية للفرق، ففي منتصف مباراة للبيسبول جمعت فريقي فيلادلفيا فيليز ولوس أنجليس أنجلز على ملعب "سيتيزنز بنك بارك" الجمعة الماضي، عرضت على الشاشة الضخمة لقطات للمشجعين مع تشغيل أغنية "كلوكس" لفرقة كولدبلاي، ثم ظهرت التميمة الرسمية "فيلي فاناتيك" وهو يرتدي شعراً مستعاراً أشقر إلى جانب زميله، في إعادة تمثيل ساخرة للحظة الإحراج الأصلية، وسط ضحك وهتاف الجماهير خلال استراحة المباراة. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) فيما وصفت صحيفة "نيويورك بوست" حادثة "كولدبلاي" بأنها "القصة التي لن تموت"، مشيرة إلى التفاعل الكبير الذي أثارته الواقعة. وعلى منصات التواصل الاجتماعي نشر أحد الحسابات على منصة "إكس" ميمز تعبر عن لقطة شاشة من مقابلة إخبارية مع معجبة "تايلور سويفت" تغطي رأسها بصورة كاملة خارج حفلة غنائية للفنانة في عام 2023، مع تعليق "هذه هي الطريقة التي يجب أن تذهب بها إلى الحفلات الموسيقية إذا كنت تخون شريكك بالمناسبة". وفي لافتة لاقت انتشاراً واسعاً على مواقع التواصل، اختار أحد الملاهي الليلية في الولايات المتحدة أن يدخل على خط السخرية من الحادثة التي شغلت الجمهور، إذ كتب بخط عريض أمام مدخله "لا تقلقوا يا شباب، فرقة كولدبلاي ليست هنا"، بدت موجهة إلى كل من يمر بالمكان، جاءت في سياق ساخر من الموقع الحرج. أساليب التمويه الطوعية ومع تصاعد ثقافة التوثيق البصري في الحفلات الكبرى، أصبح حضور الفعاليات الجماهيرية يعني ضمناً القبول باحتمالية الظهور على الشاشات أو في وسائل الإعلام، خصوصاً أن غالب التذاكر تتضمن في شروطها وأحكامها بنداً واضحاً يمنح الجهة المنظمة حق التصوير والبث والنشر. هذا الواقع دفع بعضهم إلى اعتماد أساليب "التمويه" الطوعية، سواء بارتداء أقنعة أو قبعات تغطي ملامح الوجه، أو حتى باستخدام الكمامات الطبية، كمحاولة لمنع التعرف إليهم في حال ظهرت وجوههم في بث مباشر أو صورة جماهيرية فجائية. وباتت هذه الممارسات نوعاً من محاولة تجنب الكاميرات، لا سيما من أولئك الذين لا يرغبون في أن يتحول حضورهم إلى مادة للميمز أو التساؤلات أو يكشف عن شخصياتهم، فبينما يتجه بعضهم إلى الحفلات بحثاً عن لحظة في الضوء، هناك من يفضل البقاء في الظل حتى لو كان وسط آلاف الأضواء. إقاله الرئيس التنفيذي وبعد أيام من الواقعة، أعلن الرئيس التنفيذي لشركة التكنولوجيا الأميركية "أسترونومر" استقالته، بعد أن أثار مقطع فيديو جرى تصويره خلال حفلة موسيقية لفرقة "كولدبلاي" جدلاً واسعاً. ووفقاً لبيان نشرته الشركة على موقع "لينكد إن" يوم السبت الماضي، استقال آندي بايرون من منصبه كرئيس تنفيذي للشركة. وقالت الشركة في منشورها "تلتزم أسترونومر بالقيم والثقافة التي وجهتنا منذ تأسيسنا، ويتوقع من قادتنا أن يحددوا المعايير في السلوك والمساءلة على حد سواء، وأخيراً لم يجر الوفاء بهذا المعيار"، وفق ما نقلته وكالة "أسوشييتد برس" الأميركية. يأتي هذا الإجراء بعد يوم من إعلان الشركة وضع بايرون في إجازة، وفتح مجلس الإدارة تحقيقاً رسمياً في الحادثة التي انتشرت بصورة واسعة.