
دانيال داي لويس: النجم الذي هرب من الأضواء
وعند إعلان وفاة الرئيس الأميركي كالفين كوليدج، علقت دوروثي باركر ساخرة "وكيف عرفوا؟" من السهل أن نطرح نفس السؤال عن اعتزال داي لويس، نظراً إلى ندرة ظهوره على الشاشة خلال الأعوام الأخيرة. منذ مطلع الألفية، لم يقدم سوى سبعة أفلام، ويقال إنه كان يعيد التفكير في مستقبله الفني بعد كل واحد منها، وأنه من أكثر نجوم السينما هشاشة وتردداً وبعداً عن بريق الشهرة، غير أن المفارقة تكمن في كون هذا بالضبط جزءاً من هالته الغامضة.
إن لم يكن في وسعنا مشاهدة عمل جديد لداي لويس هذا الصيف، فلدينا في الأقل فرصة لاستعادة أحد أعماله القديمة، الذي أعيد اكتشافه وإطلاقه مجدداً. في فيلم "مغسلتي الجميلة" My Beautiful Laundrette الصادر عام 1985، يؤدي داي لويس دور "جوني"، شاب بريطاني يتبع ثقافة الـ"بانك" العبثية ويتبنى أفكار الفاشية الجديدة (نيوفاشية)، ويصبغ شعره بالأشقر الفاتح جداً. يجد الشاب الخلاص عبر علاقة حب صادقة مع رجل طيب (زميله في الدراسة "عمر"، ذي الأصول الأنغلو-آسيوية).
كان هذا الدور نقطة التحول الكبرى في مسيرة الممثل الشاب آنذاك، إذ وصل إلى صالات السينما البريطانية قبل وقت قصير من ظهوره اللافت في فيلم "غرفة ذات إطلالة" A Room with a View من إخراج وإنتاج الثنائي جيمس آيفوري وإسماعيل ميرشنت.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما في فيلم "مغسلتي الجميلة" الذي أخرجه ستيفن فريرز عن نص لـحنيف قريشي، يأتي داي لويس ثالثاً في استعراض الأسماء في الشارة، كجزء من الخلفية لا كمركز الصورة، مجرد عنصر في النسيج لا نجم يتصدر العمل. كان العمل بمثابة سرد خشن، صريح (وربما مسرحي قليلاً) لأحلام المهاجرين جنوب لندن خلال عهد مارغريت تاتشر.
ومن منظور اليوم يبدو العمل تحفة عتيقة آسرة، فهو لا يوثق فقط بريطانيا الماضية، بريطانيا المعاطف الثقيلة، وسلال القمامة المعدنية، والمظلات المخططة فوق أبواب المتاجر، بل يكشف أيضاً عن عالم شجي ضائع سبق شهرة داي لويس، حين كان لا يزال شاباً على أعتاب النجومية.
يدرك داي لويس تماماً كيف يراه الجمهور "مجنون بحق" -بحسب وصفه هو نفسه- يعيش في عالم مواز، وتستحوذ عليه قوة التقمص حتى يصبح التحضير للدور أسطورياً بقدر الأداء نفسه. ولا يكتفي الرجل بتأدية الشخصية بل يصر على أن يتحول إليها بالكامل. خلال تصوير فيلم "قدمي اليسرى" My Left Foot (1989)، بقي على كرسي متحرك طوال الوقت، وفي فيلم "باسم الأب" In the Name of the Father (1993)، عاش على وجبات المساجين، أما في "آخر سلالة الموهيكان" The Last of the Mohicans (1992)، فقد قام بسلخ الحيوانات داخل الغابات بنفسه.
هذه الطريقة المتطرفة في الأداء أتت أكلها، فقد حصد ثلاث جوائز أوسكار في فئة أفضل ممثل في دور رئيس -وهو رقم غير مسبوق- عن أفلام "قدمي اليسرى" و"ستسيل الدماء" There Will Be Blood (2007) و"لينكولن" Lincoln (2012).
ومع ذلك، لا ينكر داي لويس أن هذه المنهجية جعلت صحبته مرهقة، وعبئاً حقيقياً على عائلته في المنزل، وعلى طاقم التصوير الذي يتحمل تبعات هذا التفرغ المطلق للدور. تخيل مثلاً أن تعمل طوال النهار في موقع تصوير فيلم "عصابات نيويورك" Gangs of New York (2002) تحت إدارة مارتن سكورسيزي، ثم تجد نفسك مجبراً على تناول الغداء إلى جانب "بيل الجزار"، بعينه الزجاجية ونظرته القاتلة.
التقيت دانيال داي لويس مرة واحدة قبل أعوام، وكان إنساناً متأملاً ودوداً بعيداً تماماً عن صورة "المجنون" التي يروجها بعض عنه. شرح لي سبب قبوله قليلاً من الأدوار، قائلاً إنه لا يريد أبداً أن يشعر بأنه يؤدي عملاً رتيباً أو يعمل بدافع العادة فحسب. وأضاف أن التمسك بالبقاء في الشخصية طوال فترة التصوير ساعده على الحفاظ على تركيزه وسط وتيرة التصوير المتقطعة، إذ يقول "بهذه الطريقة لا يحدث الانقطاع كلما توقفت الكاميرا، ولا تشعر فجأة بوجود الكابلات والمعاطف السميكة، أو تسمع أصوات أجهزة اللاسلكي". واعترف بصراحة أن هذا قد يكون مجرد وهم ذاتي، لكنه في النهاية أسلوب فعال بالنسبة إليه.
أتساءل إن كان فيلم "الخيط الخفي" نقطة الانهيار الحاسمة، ذلك الإنتاج الذي دفع الممثل إلى تجاوز حدوده الطبيعية. كانت هذه المرة الثانية التي يتعاون فيها أندرسون وداي لويس، بعد فيلم "ستسيل الدماء". يتناول الفيلم قصة حب مظلمة وصراع قوة تدور أحداثه خلال الخمسينيات، بين مصمم أزياء متسلط ونادلة أجنبية متواضعة جسدتها فيكي كريبس.
الفيلم نفسه يضيق الخناق على المشاهد، وكان التصوير كذلك. خلال مارس (آذار) 2017، انتقل طاقم العمل إلى العنوان "3 فيتزروي سكوير"، من أجل القيام بتصوير "غير مرئي"، إذ استخدم المنزل كموقع للمسرح ومسكن ومخزن في آن واحد. وفي أعمال سابقة، كان داي لويس قادراً على الحفاظ على مسافة بينه وعملية التصوير، أما هنا فوجد نفسه محاصراً في شخصية رينولدز وودكوك المتقلبة، يتصبب عرقاً وهو يواجه الكاميرات التي تسجل لقطات مقربة له، أسبوعاً تلو الآخر، أثناء التصوير وبعده.
وصف التصوير بأنه كان "فظيعاً" وكابوساً لوجيستياً، بينما كانت شخصيته تثير توتر الجميع باستمرار. وقال بصراحة "من الصعب أن تعمل مع طاقم يكرهك حقاً".
إذا كان هناك درس يمكن استخلاصه من هذه القصة الحزينة عن معاناة الممثلين، فهو أن لا طريقة تبقى مضمونة للجميع، وأن لكل شخص حدوده الخاصة. حتى لو كان عبقرياً، وحتى لو كان يزين رفوف منزله بثلاث جوائز أوسكار. بالنسبة إلى داي لويس، كثيراً ما كانت الحال المثالية هي الانسياب الكامل، الانغماس التام، والسعادة المستمرة للإبداع المتواصل بلا انقطاع. لكن في المنزل الذي استضاف تصوير "الخيط الخفي"، فجأة لم يعد قادراً على تجاوز مسارات الكاميرات والكابلات وأعضاء الطاقم المتذمرين. حققت الشخصية نجاحاً باهراً وأكسبته ترشيحاً جديداً للأوسكار، لكن الأهم من ذلك -بل والمصيري- أنه لم يعد يؤمن بنفسه.
مصير النجوم المشهورين أحياناً يجعل حتى قرار الاعتزال يبدو وكأنه أداء تمثيلي آخر، كأنه وقفة درامية تحمل بعض الغموض والانتظار. ومن يذكر أن داي لويس لم يسهل على نفسه الأمور بهذا الخصوص، فقد اعتزل مرة سابقة بين عامي 1997 و2001، وكما كسر حديثاً عهده الأخير بالمشاركة في فيلم من إخراج ابنه البالغ من العمر 26 سنة. الفيلم المقبل الذي سيصدر خلال أكتوبر (تشرين الأول) هذا العام ويحمل عنوان "شقائق النعمان" Anemone، يصنف كدراما عائلية ببطولة جماعية، تدور أحداثها في المملكة المتحدة، ويشارك فيه داي لويس إلى جانب شون بين وسامانثا مورتون. وربما سيجعله هذا الفيلم جزءاً بسيطاً من طاقم العمل مرة أخرى، تماماً كما كان منذ أربعة عقود في فيلم "مغسلتي الجميلة".
للممثل حق في تغيير رأيه، وداي لويس حر في الاعتزال والعودة متى شاء. ومع ذلك، من المرجح أن يكون "شقائق النعمان" آخر إطلالة هادئة له في عالم السينما، وليس بداية لنهضة جديدة. قد ينجح الفيلم أو لا، لكن لغاية موعد صدوره -وربما حتى بعد ذلك- سأظل أعتبر فيلم "الخيط الخفي" الوداع الحقيقي لداي لويس على الشاشة. ربما يكون دوره فيه هو الأهم في مسيرته، الدور الذي حاصره وكسره وأعاده إلى الواقع. فشخصية رينولدز وودكوك تنتهي مريضة وفي حاجة للآخرين، سجينة في منزلها بلندن. أما داي لويس، فكان محظوظاً، إذ استطاع الخروج والعودة إلى بيته.
يعاد عرض فيلم "مغسلتي الجميلة" في دور السينما داخل أنحاء المملكة المتحدة وإيرلندا بدءاً من الأول من أغسطس (آب) الجاري.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


Independent عربية
منذ 4 ساعات
- Independent عربية
"ماديون"... الحب سيبقى أحلى الأقدار
لن يكون سهلاً على مشاعرك الإنسانية أن تمر بتجربة مشاهدة فيلم "ماديون"، فهو ينقلك بصورة حادة وقاسية بين عوالم تخضع للحسابات المفزعة وحدَّة سيف الواقع واختيارات الزواج وتعنُّت الرجال وازدواجية المعايير، وبين نعومة ورقَّة غريزتك الفطرية وحقك في الحب والسعادة ومتعة التجربة، وكلها أمور لا تخضع لمقاييس السن والشكل والمستوى الاجتماعي والرشاقة والجاذبية، لكن تنتصر فقط لكونك إنساناً تستحق أن تعيش الحياة من دون سوداويات الماديات. حدة الماديات ربما تعمدت المخرجة سيلين سونغ أن تكون شديدة الحدة في طرح ما اقترفته الماديات والحسابات من جرائم مؤلمة في حق المرأة، فهي لم تتطرق إلى الأمر كأنه مشكلة عابرة، بل ضغطت بشدة حتى ينزف الجرح ربما أملاً في أن يتشافى بالصدمة، أو لإيجاد حلول قد تغير المقاييس أو تجعلها أكثر هدوءاً ولطفاً. عرض الفيلم ما فعلته الماديات والحسابات من جرائم في حق المشاعر الإنسانية والمرأة (مواقع التواصل الاجتماعي) كررت المخرجة بين المشاهد والسطور عبارات كرَّست أن المادية التي نعيشها في عصر قاسٍ يخضع لمقاييس الطول والوزن والسن والجمال لم تؤثر إلا في فرص المرأة واستحقاقها فرص الحب والعشق. بدأت الأحداث بمشهد لرجل وامرأة في حالة حب خلال العصر الحجري أو ربما قبل التاريخ، ويُلبس الرجل حبيبته خاتماً عبارة عن زهرة بيضاء نقية تسبب لها سعادة غامرة، ثم ينتقل المشهد الثاني، حيث نيويورك والمدينة الصاخبة بأضوائها وشوارعها وحداثتها وضجيجها المفرط عام 2025. تظهر لوسي ماكارو التي لعبت دورها داكوتا جونسون، وهي امرأة في منتصف الثلاثينيات تعمل وسيطة زواج في شركة ضخمة تتخصص في التوفيق بين الرجال والنساء وتنسيق المواعدة في شقة فارهة، وهي في حالة من النشاط والطاقة المنظمة لأقصى الحدود. عرض وطلب تبدو لوسي امرأة جميلة، لكنها صلبة القلب وباردة المشاعر تتعامل مع كل شيء على أنه عرض وطلب ومقاييس تتوافق مع طلبات، فالشخص بالنسبة إليها يصنف ضمن قوائم صارمة، ويحدد موقعه منها السن والطول والوزن والمنصب الاجتماعي والدخل السنوي. تنسى لوسي أنها امرأة وتضع النساء أيضاً وفق المقاييس الصارمة نفسها، حسب تصنيفهن المادي والشكلي مع الرجل المناسب أو المنشود. جسد بيدرو باسكال دور هاري الثري الذي يمثل الجانب المادي من المجتمع (مواقع التواصل الاجتماعي) ولأن لوسي تفكر بحسابات المادة وقسوة الرجال في اختيار المرأة على رغم حداثة العصر والتحضر تنجح في عملها وتستطيع أن تتمم زواج 9 حالات سميت فرص العمر وارتباط الأحلام بحسب تصنيف وكالة المواعدة التي تعمل بها. تظل لوسي معتقدة أنها شخص لا يعتنق للحب مذهباً حتى يأتي اليوم الذي يقلب حياتها، وهو عُرس إحدى وكيلاتها على فتى الأحلام ابن العائلة الثرية الناجح والوسيم، وفي اليوم ذاته تتعرف لوسي على شقيقه هاري شقيق العريس، وهو أكثر وسامة وأهمية ومالاً وجاذبية، فتطلق عليه "الرجل المثالي" أو "وحيد القرن"، بحسب تصنيفات الشركة في وصف جودة الرجال. تتفاجأ لوسي بوقوع هاري في حبها ورغبته في الارتباط بها، وتفضل أن تجعله مجرد زبون بوكالتها، وتتردد في عرضه لأنها بحسابات مادية تجد نفسها امرأة غير مناسبة لرجل في تميزه الفريد مادياً واجتماعياً. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) تقسو لوسي بصورة مفرطة على نفسها وعلى مجتمع النساء بصورة درامية سوداء عندما تقول في جمل الحوار لهاري أو الرجل المثالي الذي يعرض عليها الحب، "أنت تستحق امرأة أفضل مني، فأنت متميز وفريد وثري ووسيم، لماذا تتزوج امرأة في الثلاثينيات أمامها سنوات ويغادرها جمالها؟ ولماذا تربط نفسك بامرأة فرص إنجابها ستتقلص بعد مدة قصيرة؟". ويباغتها هاري بقوله إن هذه المعايير لا تعنيه، لكنها تزداد قسوة في الحكم على نفسها بأن العلاقات والزواج صفقة يجب أن تكون متوافقة، وما دمت تملك تلك الميزات كرجل عليك الإفراط في الطلب والتعنت في اختيار ميزات أكثر صعوبة في المرأة. قهر المرأة تعكس الجمل الحوارية للوسي حالاً من القهر الذي صنعته المعايير المادية في تصور المرأة لنفسها ومدى استحقاقها فرص الحب والزواج من رجل رائع طالما بدأت في عمر الـ30، إضافة إلى ألم تقدير المرأة لقيمتها وأنوثتها بخصوبتها وما تبقَّى فيها من مدة تستطيع فيها الإنجاب ويستمر فيها الجمال، وهو تفكير على رغم محاولة إنكاره، فإنه حقيقة لا تغيرها شعارات التحضر والمدنية ووصول أقصى درجات الوعي الإنساني عند معظم الناس في كل البلد حتى نيويورك نفسها، وهذا ما أكدته المخرجة بمنتهى الوضوح. كريس إيفانز تألق في دور جوني الذي جسَّد العاطفة في مواجهة المال (مواقع التواصل الاجتماعي) تستمر لوسي في الانبهار والتردد بسبب عرض هاري الثمين، ثم تقرر اقتناصه بوصفه صفقة العمر التي لن يكررها الزمان، وتدخل معه في علاقة في اليوم نفسه الذي تتقابل فيه مع النادل الوسيم جون الذي قام بدوره كريس إيفانز. وتسترجع الأحداث علاقة لوسي وجون، فهو لم يكن شخصاً عابراً في حياتها، بل الحب الحقيقي الذي فشل بعد محاولات جدية منهما بسبب صعوبة ظروفه المادية وعدم قدرته على إسعادها بمقاييس المال. وعلى رغم موت القصة، فإن هذا الرجل ظل بداخلها حلماً وشريكاً ورفيقاً لأجمل ما عاشته، وما تبقَّى في ذاكرتها من سنوات. تستمر علاقة لوسي مع هاري الذي ترى أن من أهم ميزاته أنه يدفع فواتير باهظة لعشائهما بسهولة، ويذهب بها إلى أماكن فاخرة لم تحلم يوماً أن ترتادها، كما يسكن في شقة لا يستوعب خيالها فخامتها. مثلث معقد يتشكل ويتعقد مثلث علاقة لوسي وهاري وجون في الوقت نفسه من دون قصد من أي منهم، فعندما يعدها هاري بتحقيق كل الأحلام والسفر لآيسلندا التي تتمنى يوماً أن تقضي بها إجازتها يشعل جون عاطفتها ببساطة المشاعر وفرط الإحساس والشغف ونشوى الاقتراب والود الإنساني الحقيقي البعيد من أرقام الحسابات البنكية والعشاء في الأماكن الفاخرة والقصور. تظن لوسي أنها نجت من الاختيار وحسمت موقفها لمصلحة هاري بحكم طبيعتها المادية وتخلصها المسبق من حكايتها مع جون التي أعدمها الفقر بلا رحمة، لكنها تكتشف حقيقة رغباتها وقيمة مشاعرها التي لم تنجح المادة في تغييرها، فـ"هاري" بكل هدوئه وثرائه وعطائه لا تشعر معه بأي رغبة أو توافق، بل تجد الصمت رفيقهما الدائم والوحيد، ولم يستطع أن يلمس أي عمق داخلها لتعيش معه أي لحظة عفوية وصادقة، بينما جون الفقير لا تتوانى في أن تلجأ إليه بأعبائها وثرثرتها مع أول مشكلة، وهو الشخص الوحيد الذي تتحدث إليه من دون توقف عندما تريد أن تنفجر في الضحك أو البكاء أو أي مشاعر صادقة. يجدد هاري عرض الزواج على لوسي، فتجد نفسها في لحظة حاسمة وفارقة لا بد أن تختار ما تريده روحها، فتخلع رداء المادية الذي ظنت أنه يغلف روحها، وترفض العرض هاري وتصارحه بأن كل أمواله لم تستطع أن تكسر حاجز الصمت أو تذلل عقبات عدم الإحساس بالتوافق الروحي، فيُفاجئها هاري بقوله إن الزواج صفقة، وما دام هناك قبول فعلينا حساب ما سنكسبه منها. فترد لوسي بحسم على ماديته التي غلبت معتقداتها الحسابية أن الصفقة شرطها الأساس الحب، ومن دونه فهي معاناة لا ربح فيها. المعادلة الأصعب على الجانب الآخر يستسلم جون لفكرة استحالة عودة لوسي له وتركها الثري الرائع المتكامل بحسب فهمه لشخصيتها المادية، لكنها تفاجئه بقرارها وقولها إن المال يمكن الاجتهاد فيه وتحسين وضعه، لكن الشريك الحقيقي والمشاعر النابعة من القلب لا تشتريها كل أنواع الماديات، لذلك فالحب هو المعادلة الأصعب في هذا العالم منذ بداية الخلق حتى نهايته، ولم تستطع المادية ومعتنقيها هدم قلعته. المخرجة الكورية سيلين سونغ كشفت الصراع بين المادة والعاطفة واختارت نهاية حالمة (مواقع التواصل الاجتماعي) استعرض الفيلم بصورة حادة وسلسة في الوقت نفسه فصولاً من الصراع الإنساني الدائم بين الحب والمال، وكشفت المشاهد عن عيوب وميزات كل حالة، ووضعت أمامك على مدار ساعتين أن تختار بين الأمرين بعدما تعرَّت حقيقة كل جانب بلا خجل. وعلى رغم قسوة المخرجة وكاتبة السيناريو في سرد بعض المشاهد المادية، فإنها في النهاية قررت أن تحكم بقلبها فاختارت الحب على المادة، واختتمت بمشهد للزوجين نفسهما من العصر الحجري وهما يعيشان في سعادة والمرأة تلبس خاتماً من الورد وتحمل في طفل، وزاد وزنها وحجم بطنها، لتؤكد أن الغريزة والفطرة مهما لوَّثتها المادية لا يمكن هزيمتها أو منافستها.


Independent عربية
منذ يوم واحد
- Independent عربية
وفاة الممثلة الأميركية لوني أندرسون
أعلن مسؤول العلاقات العامة للممثلة الأميركية لوني أندرسون أنها توفيت أمس الأحد عن عمر ناهز 79 سنة، وقالت عائلتها إنها لفظت أنفاسها الأخيرة في مستشفى بلوس أنجليس "بعد مرض شديد استمر فترة طويلة". ونالت أندرسون الإشادة عن دور موظفة استقبال ذكية وجذابة في محطة إذاعية تتحدى الصور النمطية الجنسية في مكان العمل في المسلسل الكوميدي الأميركي "دبليو كيه آر بي إن سينسيناتي". واشتهرت أندرسون أيضاً بزواجها الذي أثار ضجة من الممثل بيرت رينولدز عام 1988، وطلاقهما الذي أثار اهتمام الصحف أيضاً بعد ستة أعوام. وقالت العائلة في بيان "نشعر ببالغ الحزن لإعلان وفاة الزوجة والأم والجدة العزيزة"، مضيفة أنها كانت محاطة بأحبابها. ولدت أندرسون في سانت بول بولاية مينيسوتا، وشاركت في مسابقات جمال محلية، وبدأت مسيرتها الفنية في المسرح محلياً، وانتقلت بعد ذلك في منتصف السبعينيات إلى لوس أنجليس حيث حولت لون شعرها البني أصلاً للأشقر الذي اشتهرت به. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وشاركت بعد ذلك في أعمال تلفزيونية عدة، منها مسلسلات كانت تعرض في وقت ذروة المشاهدة مثل "ذا بوب نيوهارت شو" و"بوليس ستوري" و"ذا إنكريدبل هالك" و"ذا لوف بوت" و"ثريز كامباني". وأجرت اختبارات أداء للعب شخصية كريسي، إحدى الشخصيتين النسائيتين الرئيستين في مسلسل "ثريز كومباني"، لكن الدور ذهب في النهاية إلى سوزان سومرز. وجاءت الفرصة الكبرى لأندرسون بعد ذلك بفترة وجيزة عندما حصلت على دور البطولة بالاشتراك مع جينيفر مارلو في مسلسل "دبليو كيه آر بي إن سينسيناتي" بعد إقناع منتجي العرض بالسماح لها بأداء الشخصية المعاكسة للصورة النمطية للشقراء التافهة. ودارت شخصيتها في المسلسل حول موظفة استقبال ماهرة وماكرة، ترفض تلقي الإملاءات أو إحضار القهوة، وتبين أنها الشخص الأكثر ذكاءً في المكان بعد نجاحها في إنقاذ محطة الراديو الخيالية في أوهايو على رغم تقصير المديرين الذكور. وامتد عرض المسلسل أربعة مواسم من 1978 إلى 1982 على شبكة "سي بي أس"، وحصلت أندرسون على ترشيحين لجائزة إيمي عن دورها فيه. وفي المجمل، شاركت أندرسون في بطولة ستة مسلسلات تلفزيونية وسبعة أفلام روائية طويلة و19 فيلماً تلفزيونياً ومسلسلين قصيرين خلال مسيرتها الفنية التي استمرت أربعة عقود، والتي سجلتها في كتاب سيرتها الذاتية الذي وصل إلى قوائم الأكثر مبيعاً، والذي يحمل اسم "ماي لايف إن هاي هيلز" أو "حياتي بالكعب العالي".


Independent عربية
منذ 3 أيام
- Independent عربية
دانيال داي لويس: النجم الذي هرب من الأضواء
ربما يأتي يوم، إن شاءت الأقدار، يصنع فيه فيلم عن كواليس تصوير "الخيط الخفي" Phantom Thread للمخرج بول توماس أندرسون الصادر عام 2017. قد يكون عملاً وثائقياً أو درامياً، مأساة شكسبيرية أو مهزلة فوضوية، لكنه سيكشف لنا ما جرى خلف الأبواب في منزل بلندن، حيث فقد ممثل عظيم رغبته في الاستمرار. استغرق التصوير وقتاً أطول مما ينبغي، كانت الظروف مرهقة، والمتعة الخالصة في الأداء اختفت تماماً. وما إن انتهى دانيال داي لويس من تجسيد شخصية مصمم الأزياء الرفيع "رينولدز وودكوك"، حتى أعلن اعتزاله. قال وقتها، وهو في الـ60 من عمره "أحتاج إلى أن أؤمن بقيمة ما أفعله". ثم أضاف بصراحة أنه لم يعد يشعر بذلك خلال الفترة الأخيرة. وعند إعلان وفاة الرئيس الأميركي كالفين كوليدج، علقت دوروثي باركر ساخرة "وكيف عرفوا؟" من السهل أن نطرح نفس السؤال عن اعتزال داي لويس، نظراً إلى ندرة ظهوره على الشاشة خلال الأعوام الأخيرة. منذ مطلع الألفية، لم يقدم سوى سبعة أفلام، ويقال إنه كان يعيد التفكير في مستقبله الفني بعد كل واحد منها، وأنه من أكثر نجوم السينما هشاشة وتردداً وبعداً عن بريق الشهرة، غير أن المفارقة تكمن في كون هذا بالضبط جزءاً من هالته الغامضة. إن لم يكن في وسعنا مشاهدة عمل جديد لداي لويس هذا الصيف، فلدينا في الأقل فرصة لاستعادة أحد أعماله القديمة، الذي أعيد اكتشافه وإطلاقه مجدداً. في فيلم "مغسلتي الجميلة" My Beautiful Laundrette الصادر عام 1985، يؤدي داي لويس دور "جوني"، شاب بريطاني يتبع ثقافة الـ"بانك" العبثية ويتبنى أفكار الفاشية الجديدة (نيوفاشية)، ويصبغ شعره بالأشقر الفاتح جداً. يجد الشاب الخلاص عبر علاقة حب صادقة مع رجل طيب (زميله في الدراسة "عمر"، ذي الأصول الأنغلو-آسيوية). كان هذا الدور نقطة التحول الكبرى في مسيرة الممثل الشاب آنذاك، إذ وصل إلى صالات السينما البريطانية قبل وقت قصير من ظهوره اللافت في فيلم "غرفة ذات إطلالة" A Room with a View من إخراج وإنتاج الثنائي جيمس آيفوري وإسماعيل ميرشنت. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) أما في فيلم "مغسلتي الجميلة" الذي أخرجه ستيفن فريرز عن نص لـحنيف قريشي، يأتي داي لويس ثالثاً في استعراض الأسماء في الشارة، كجزء من الخلفية لا كمركز الصورة، مجرد عنصر في النسيج لا نجم يتصدر العمل. كان العمل بمثابة سرد خشن، صريح (وربما مسرحي قليلاً) لأحلام المهاجرين جنوب لندن خلال عهد مارغريت تاتشر. ومن منظور اليوم يبدو العمل تحفة عتيقة آسرة، فهو لا يوثق فقط بريطانيا الماضية، بريطانيا المعاطف الثقيلة، وسلال القمامة المعدنية، والمظلات المخططة فوق أبواب المتاجر، بل يكشف أيضاً عن عالم شجي ضائع سبق شهرة داي لويس، حين كان لا يزال شاباً على أعتاب النجومية. يدرك داي لويس تماماً كيف يراه الجمهور "مجنون بحق" -بحسب وصفه هو نفسه- يعيش في عالم مواز، وتستحوذ عليه قوة التقمص حتى يصبح التحضير للدور أسطورياً بقدر الأداء نفسه. ولا يكتفي الرجل بتأدية الشخصية بل يصر على أن يتحول إليها بالكامل. خلال تصوير فيلم "قدمي اليسرى" My Left Foot (1989)، بقي على كرسي متحرك طوال الوقت، وفي فيلم "باسم الأب" In the Name of the Father (1993)، عاش على وجبات المساجين، أما في "آخر سلالة الموهيكان" The Last of the Mohicans (1992)، فقد قام بسلخ الحيوانات داخل الغابات بنفسه. هذه الطريقة المتطرفة في الأداء أتت أكلها، فقد حصد ثلاث جوائز أوسكار في فئة أفضل ممثل في دور رئيس -وهو رقم غير مسبوق- عن أفلام "قدمي اليسرى" و"ستسيل الدماء" There Will Be Blood (2007) و"لينكولن" Lincoln (2012). ومع ذلك، لا ينكر داي لويس أن هذه المنهجية جعلت صحبته مرهقة، وعبئاً حقيقياً على عائلته في المنزل، وعلى طاقم التصوير الذي يتحمل تبعات هذا التفرغ المطلق للدور. تخيل مثلاً أن تعمل طوال النهار في موقع تصوير فيلم "عصابات نيويورك" Gangs of New York (2002) تحت إدارة مارتن سكورسيزي، ثم تجد نفسك مجبراً على تناول الغداء إلى جانب "بيل الجزار"، بعينه الزجاجية ونظرته القاتلة. التقيت دانيال داي لويس مرة واحدة قبل أعوام، وكان إنساناً متأملاً ودوداً بعيداً تماماً عن صورة "المجنون" التي يروجها بعض عنه. شرح لي سبب قبوله قليلاً من الأدوار، قائلاً إنه لا يريد أبداً أن يشعر بأنه يؤدي عملاً رتيباً أو يعمل بدافع العادة فحسب. وأضاف أن التمسك بالبقاء في الشخصية طوال فترة التصوير ساعده على الحفاظ على تركيزه وسط وتيرة التصوير المتقطعة، إذ يقول "بهذه الطريقة لا يحدث الانقطاع كلما توقفت الكاميرا، ولا تشعر فجأة بوجود الكابلات والمعاطف السميكة، أو تسمع أصوات أجهزة اللاسلكي". واعترف بصراحة أن هذا قد يكون مجرد وهم ذاتي، لكنه في النهاية أسلوب فعال بالنسبة إليه. أتساءل إن كان فيلم "الخيط الخفي" نقطة الانهيار الحاسمة، ذلك الإنتاج الذي دفع الممثل إلى تجاوز حدوده الطبيعية. كانت هذه المرة الثانية التي يتعاون فيها أندرسون وداي لويس، بعد فيلم "ستسيل الدماء". يتناول الفيلم قصة حب مظلمة وصراع قوة تدور أحداثه خلال الخمسينيات، بين مصمم أزياء متسلط ونادلة أجنبية متواضعة جسدتها فيكي كريبس. الفيلم نفسه يضيق الخناق على المشاهد، وكان التصوير كذلك. خلال مارس (آذار) 2017، انتقل طاقم العمل إلى العنوان "3 فيتزروي سكوير"، من أجل القيام بتصوير "غير مرئي"، إذ استخدم المنزل كموقع للمسرح ومسكن ومخزن في آن واحد. وفي أعمال سابقة، كان داي لويس قادراً على الحفاظ على مسافة بينه وعملية التصوير، أما هنا فوجد نفسه محاصراً في شخصية رينولدز وودكوك المتقلبة، يتصبب عرقاً وهو يواجه الكاميرات التي تسجل لقطات مقربة له، أسبوعاً تلو الآخر، أثناء التصوير وبعده. وصف التصوير بأنه كان "فظيعاً" وكابوساً لوجيستياً، بينما كانت شخصيته تثير توتر الجميع باستمرار. وقال بصراحة "من الصعب أن تعمل مع طاقم يكرهك حقاً". إذا كان هناك درس يمكن استخلاصه من هذه القصة الحزينة عن معاناة الممثلين، فهو أن لا طريقة تبقى مضمونة للجميع، وأن لكل شخص حدوده الخاصة. حتى لو كان عبقرياً، وحتى لو كان يزين رفوف منزله بثلاث جوائز أوسكار. بالنسبة إلى داي لويس، كثيراً ما كانت الحال المثالية هي الانسياب الكامل، الانغماس التام، والسعادة المستمرة للإبداع المتواصل بلا انقطاع. لكن في المنزل الذي استضاف تصوير "الخيط الخفي"، فجأة لم يعد قادراً على تجاوز مسارات الكاميرات والكابلات وأعضاء الطاقم المتذمرين. حققت الشخصية نجاحاً باهراً وأكسبته ترشيحاً جديداً للأوسكار، لكن الأهم من ذلك -بل والمصيري- أنه لم يعد يؤمن بنفسه. مصير النجوم المشهورين أحياناً يجعل حتى قرار الاعتزال يبدو وكأنه أداء تمثيلي آخر، كأنه وقفة درامية تحمل بعض الغموض والانتظار. ومن يذكر أن داي لويس لم يسهل على نفسه الأمور بهذا الخصوص، فقد اعتزل مرة سابقة بين عامي 1997 و2001، وكما كسر حديثاً عهده الأخير بالمشاركة في فيلم من إخراج ابنه البالغ من العمر 26 سنة. الفيلم المقبل الذي سيصدر خلال أكتوبر (تشرين الأول) هذا العام ويحمل عنوان "شقائق النعمان" Anemone، يصنف كدراما عائلية ببطولة جماعية، تدور أحداثها في المملكة المتحدة، ويشارك فيه داي لويس إلى جانب شون بين وسامانثا مورتون. وربما سيجعله هذا الفيلم جزءاً بسيطاً من طاقم العمل مرة أخرى، تماماً كما كان منذ أربعة عقود في فيلم "مغسلتي الجميلة". للممثل حق في تغيير رأيه، وداي لويس حر في الاعتزال والعودة متى شاء. ومع ذلك، من المرجح أن يكون "شقائق النعمان" آخر إطلالة هادئة له في عالم السينما، وليس بداية لنهضة جديدة. قد ينجح الفيلم أو لا، لكن لغاية موعد صدوره -وربما حتى بعد ذلك- سأظل أعتبر فيلم "الخيط الخفي" الوداع الحقيقي لداي لويس على الشاشة. ربما يكون دوره فيه هو الأهم في مسيرته، الدور الذي حاصره وكسره وأعاده إلى الواقع. فشخصية رينولدز وودكوك تنتهي مريضة وفي حاجة للآخرين، سجينة في منزلها بلندن. أما داي لويس، فكان محظوظاً، إذ استطاع الخروج والعودة إلى بيته. يعاد عرض فيلم "مغسلتي الجميلة" في دور السينما داخل أنحاء المملكة المتحدة وإيرلندا بدءاً من الأول من أغسطس (آب) الجاري.