
اليوسفي: إيران بعد حزب الله – الحوثيون في قلب اللعبة
السابق
التالى
اليوسفي: إيران بعد حزب الله – الحوثيون في قلب اللعبة
السياسية
-
منذ 11 دقيقة
مشاركة
نيوزيمن، كتب/سمير رشاد اليوسفي:
عندما تفقد إيران ذراعها الأقوى في لبنان، تبحث عن بديل في اليمن. هكذا تعمل الجيوسياسة بمنطق بسيط وقاسٍ: لا مكان للعواطف، ولا وقت للحداد على الخسائر.
منذ أكتوبر 2023، والعالم منشغل بغزة ولبنان، بينما الحدث الحقيقي يجري في مياه البحر الأحمر. إسرائيل ضربت حماس ووجهت ضربات موجعة لحزب الله أفقدته 40% من ترسانته الصاروخية المتقدمة. في أكتوبر 2024 وصلت الضربات الإسرائيلية إلى قلب إيران نفسها، ثم تكررت في أبريل 2025، مستهدفة منشآت نووية ومواقع عسكرية حساسة. بالنسبة لطهران، هذا انهيار لاستراتيجية عقود كاملة.
الإيرانيون، كعادتهم، لا يبكون على اللبن المسكوب. ضاعفوا استثمارهم في الحوثيين ثلاث مرات خلال عامين: صواريخ فرط صوتية، أنظمة دفاع جوي، قدرات بحرية لم تحلم بها جماعة مسلحة من قبل. الرسالة واضحة: إذا كان حزب الله يتراجع، فليصعد الحوثيون.
الأمر تجاوز مجرد نقل الأسلحة، فما يحدث اليوم هو إعادة تشكيل جذرية لخارطة النفوذ الإيراني. الحوثيون تحولوا من ميليشيا محلية تقاتل في جبال صعدة إلى قوة بحرية تهدد أحد أهم الممرات المائية في العالم. عبر باب المندب يمر 12% من التجارة العالمية، و1,8 تريليون دولار من البضائع سنويًا. السيطرة على هذا المضيق تعني القدرة على خنق الاقتصاد العالمي.
الأرقام تتحدث بوضوح: 134 هجمة حوثية منذ أكتوبر 2023، تراجع حركة السفن بنسبة 46%، وخسائر قناة السويس تجاوزت 9 مليارات دولار. هذه أدوات ضغط سياسي واقتصادي في يد طهران.
الأخطر من كل هذا ما كشفته قناة 'أخبار الآن' في تقرير استند إلى محتوى مجلة 'صدى الملاحم' التابعة لتنظيم القاعدة. وصفت القناة خالد سيف العدل بـ'سفير جهاد طروادة في اليمن'. هذا التعبير يسلط الضوء على دوره في كسر الحاجز المذهبي الذي ظل لعقود يفصل بين إيران الشيعية والجماعات الجهادية السنية. وهذا يمثل انقلابًا في الفكر الاستراتيجي الإيراني.
تخيلوا: جماعة شيعية تهرّب السلاح لحركة الشباب السنية في الصومال، لخلايا داعش في السودان، وحتى لبوكو حرام في نيجيريا. هذا ما يحدث اليوم، وفقًا لتقارير استخباراتية موثوقة. الشحنة التي ضُبطت في سفينة 'الشروا' في يوليو 2025 كانت تحمل 750 طنًا من الأسلحة، بزيادة بنسبة 1500% عن شحنة 'جيهان 1' في 2013.
إيران تدرك أن حزب الله لن يعود إلى قوته السابقة قريبًا، خاصة بعد الضربات المباشرة المتكررة على أراضيها خلال العامين الماضيين. لذلك تبني نموذجًا جديدًا: شبكة متعددة الأذرع، عابرة للمذاهب، أقل اعتمادًا على المركزية وأكثر قدرة على التكيف. الحوثيون يمثلون نموذجًا لمستقبل النفوذ الإيراني، وقد يصبحون بمثابة 'حزب الله في البحر الأحمر'؛ قوة إقليمية تهدد المصالح الدولية من موقع استراتيجي حيوي.
السؤال الآن: كيف ستبدو المنطقة عندما يكتمل هذا التحول؟ الفارق أنهم يقفون على شريان الحياة الاقتصادي بين آسيا وأوروبا، وليس فقط على حدود إسرائيل.
التحالف الدولي الذي شكلته 22 دولة لحماية الملاحة في البحر الأحمر ينفق 2,1 مليار دولار شهريًا، مقابل 20–30 مليون دولار تكلفة العمليات الحوثية. هذا التفاوت الهائل في الكلفة يظهر كيف تستغل إيران ضعفها لتحقيق مكاسب استراتيجية.
في النهاية، ما نشهده هو ولادة نموذج جديد للنفوذ الإقليمي؛ نموذج يعتمد على الجغرافيا أكثر من الأيديولوجيا، وعلى الاقتصاد أكثر من العسكر. إيران فقدت حزب الله وتعرضت لضربات مباشرة، لكنها تحاول كسب شيء مختلف: القدرة على تهديد النظام الاقتصادي العالمي من قلب البحر الأحمر.
من صفحة الكاتب على منصة إكس

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


اليمن الآن
منذ دقيقة واحدة
- اليمن الآن
دولة أوروبية تشتري أسلحة بقيمة 1.63 مليار دولار من إسرائيل
کشف اليوم الأحد عن دولة أوروبية اشترت أسلحة بقيمة 1.63 مليار دولار من إسرائيل حيث أعلنت شركة "البيت" الأسبوع الماضي عن الصفقة، لكنها لم تذكر اسم الدولة بسبب "سرية العميل". ووفقا لما نشر اليوم (الأحد)، فإن شركة "البيت سيستمز" الإسرائيلية المتخصصة في الصناعات العسكرية والتكنولوجية ستبيع أنظمة تسلح إلى صربيا، على أن تستخدم هذه الأنظمة من قبل الجيش الصربي وأعلنت "البيت سيستمز" الأسبوع الماضي أنها فازت بعقد بقيمة 1.635 مليار دولار لتزويد دولة أوروبية بمجموعة من الحلول الدفاعية، على أن يستمر تنفيذ العقد على مدى خمس سنوات. ويشمل العقد مجموعتين من الحلول التكنولوجية المتقدمة من إنتاج الشركة وتتضمن تقنيات حديثة تعتمد على الذكاء الاصطناعي : " المجموعة الأولى: "أنظمة صواريخ مدفعية دقيقة بعيدة المدى، ومجموعة متنوعة من أنظمة القتال الجوية غير المأهولة للاستطلاع والهجوم، على المستويين العملياتي والتكتيكي، بما في ذلك الطائرات المسيرة الشخصية. هذه الأسلحة استخدمت في حرب "السيوف الحديدية" في جبهتي لبنان وغزة، وحققت نجاحا كبيرا. وتتميز الصواريخ بدقة إصابة عالية تصل إلى مستوى إصابة "مزوزة" (قطعة صغيرة على قائم باب أو نافذة) حتى عند إطلاقها من عشرات الكيلومترات". المجموعة الداتية: قدرات استخبارية (ISTAR) متقدمة للغاية، بما في ذلك أنظمة COMINT، و SIGINT، والحرب الإلكترونية. إضافة إلى أنظمة الجمع ومعالجة المعلومات الاستخباراتية، وأنظمة كهروبصرية متطورة، وأجهزة للرؤية الليلية، وتحديثات المركبات قتالية، وأنظمة دفاعية. كما ستوفر الشركة حلا متكاملا للرقمنة العسكرية والاتصالات في ميدان القتال، يعتمد على أحدث برمجيات وأجهزة الاتصال الحديثة، ويتضمن كذلك قدرات استخباراتية من حزمة C4ISR الخاصة بالقيادة والسيطرة هذا الحل يغطي جميع المستويات من القيادة الاستراتيجية العليا للجيش وحتى المستوى التكتيكي، بما في ذلك أحدث المركبات القتالية". وفي هذا الصدد، صرح بتسلنيل (بوتسي) ماخليس، رئيس شركة "البيت سيستمز" ومديرها التنفيذي، قائلا: "يعكس هذا العقد الطلب الكبير على تقنيات البيت سيستمز" المتقدمة في أوروبا، ويعكس قدرتنا على توفير حلول متكاملة ومتعددة الأبعاد مصممة خصيصا لتلبية احتياجات القوات الأمنية الحديثة. لقد أثبتت مجموعة حلول البيت سيستمز" الشاملة نفسها في ساحة المعركة وتحظى بتقدير كبير من مستخدميها، ونحن فخورون بدعم دولة أوروبية في تعزيز أمنها القومي في إطار هذه الشراكة الاستراتيجية. تتضمن هذه الاتفاقية أيضا تعاونا صناعيا يهدف إلى تعزيز القدرات الصناعية الوطنية للعميل في المجالات المذكورة". يذكر أن هذا يأتي بعد أن كشف الشهر الماضي أن سويسرا تدرس إلغاء صفقة لشراء طائرات مسيرة من "البيت سيستمز" بقيمة 380 مليون دولار، وفق ما ذكرته صحيفة NZZ السويسرية. وقالت الصحيفة إن "طائرة المراقبة الجديدة تعد بأكثر مما تستطيع أن تحقق، وإن وزارة الدفاع السويسرية تدرس إلغاء الصفقة". وأضافت الصحيفة أن "المشاكل التقنية في طائرات المراقبة ربما تكون خطيرة إلى درجة أنه يجب مرافقتها بمروحية أو طائرة أخرى لمنع حوادث الاصطدام". و ترتبط المشكلة بنظام يُعرف باسم "التمييز والتخفي"، والذي وفق لجنة المالية في البرلمان السويسري "يحمل مخاطر كبيرة من حيث الجدوى التقنية، والترخيص والتكاليف".


26 سبتمبر نيت
منذ 3 ساعات
- 26 سبتمبر نيت
خلافًا لفتاوى دراويش الأنظمة الظالمة.. تأييد نوعي للمقاومة
المقاومة حق مشروع كفلتها نصوص القانون الدولي وكافة الاتفاقات والمعاهدات الدولية لأي شعب واقع تحت وطأة سلطة احتلالية، وليست المقاومة الفلسطينية بدعًا في مقاومة السلطات الاحتلالية الصهيونية، وبرغم رميها من بعض دراويش الأنظمة الحاكمة بسهام التكفير، فقد لقي نضالها من أجل تقرير المصير من رموز عالمية أغلبها غير إسلامية تأييدًا ودعمًا منقطعي النظير. ظفر المقاومة بتعاطف نخبوي قوي لعل أكثر ما أضر بقضية «فلسطين» -بعد خذلان حكام العرب والمسلمين- قبول سلطة «أوسلو» بتفضل السلطات الصهيوإسرائيلية عليها بسلطة شكلية وتحملها عبء تنسيقات أمنية وضعتها في مواجهة دائمة مع المقاومة التي حملت على عاتقها عبء النضال والتصدي لكل مخططات الاحتلال من أجل نيل ما يصبو إليه الشعب العربي الفلسطيني من حرية واستقلال، وكان آخر ما قامت به «طوفان الأقصى» الذي لقنت من خلاله كيان العدو درسًا لن ينسى، وأفشلت تسريع مسار التطبيع، فإذا بدراويش الأنظمة العربية العميلة المتعاملة مع الكيان الصهيوني من تحت الطاولة يشنون عليها حربًا شعواء ويعتبرون جهادها ضد الصهاينة المعتدين خروجًا على ثوابت الدين ومنحهم المبرر لقتل المدنيين، وكأن فلسطينيي «الضفة» و«القدس» الذين لم يقوموا بـ«طوفان أقصى» لم يتعرضوا لأيِّ أذى. لكن في مقابل موقف أولئك الدراويش الأدعياء الخاذل للمقاومة وللقضية على السواء، ظفرت المقاومة -بالتزامن مع الذكرى السنوية لـ«طوفان الأقصى»- بتأييدٍ نخبويٍّ نوعيٍّ اختزل -بنخبويته- البشرية جمعاء، وذلك ما يُفهم من استهلال التقرير الإخباري المعنون [شخصيات بارزة دولية وعربية تطلق عريضة دولية لدعم المقاومة الفلسطينية ورفض التطبيع] الذي نشرته مجلة «الهدف» الفلسطينية -نقلا عن «منصة تقدم»- في الـ7 من أكتوبر 2024 الاستهلال التالي: (أعلنت مجموعة من الشخصيات السياسية والنقابية والأكاديمية البارزة، صباح اليوم، عن إطلاق عريضة دولية دعماً للمقاومة الفلسطينية بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لمعركة 'طوفان الأقصى'. وتضمنت العريضة إعلان موقف واضح ضد التشكيك في نضال المقاومة والتعاون مع الأنظمة المتحالفة مع الاحتلال الإسرائيلي. أشارت العريضة إلى التزام الموقعين على دعم مشروع التحرير الوطني الفلسطيني، وحق الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال وتقرير المصير على كامل ترابه الوطني. كما أكدت على ضرورة مواصلة المقاومة بكافة أشكالها ضد المشروع الصهيوني وحلفائه الغربيين والإمبرياليين. ونددت العريضة بكل الأصوات التي تتبنى مواقف معادية للمقاومة وتشكك في مشروعها، معتبرةً أنَّ هذه الأصوات تسعى لزعزعة الجبهة الداخلية من خلال وصف المقاومة بعبارات مستفزة ومهينة). وقد بلغ عدد الموقعين على هذه العريضة الدولية حوالي 170 شخصية نخبوية جمعت بين السياسي والإعلامي الناشط والنقابي والحقوقي والبرلماني والمؤرخ الأديب والعالم، وتمثلت فيها معظم أقطار العالم. إشادة راهبة أمريكية بوطنية «حماس» وبخلاف موقف رأس المداخلة الذي استهدف المقاومة الفلسطينية -في بداية «طوفان الأقصى»- بتسجيلٍ تحريضيٍّ شهيرٍ قال فيه: 'الإسرائيليون لديهم أخلاق مع الفلسطينيين، لقد فتحوا لهم الجامعات والصحف وأعطوهم الحرية في التعبد في مساجدهم، وعلى المسلمين محاربة الإخوان المسلمين -يقصد حركة «حماس»-، فهم أفسدوا الإسلام والمسلمين وجهادهم فارغ من المضامين'، فاجأت راهبة أمريكية العالم أجمع بتصريحات أكدت فيها أنَّ حركة «حماس» حركة مقاومة فلسطينية تدافع عن حقوق شعبها في الحياة وفي البقاء مشيرة إلى أنَّ السياسات الاستيطانية الصهيونية في أرض فلسطين تلحق الأذى بالمسلمين والمسيحيين على حدٍّ سواء، وذلك ما أشير إليه بوضوح جلي في سياق الخبر الصحفي المعنون [راهبة أميركية: حماس حركة مقاومة، والمسيحيون يعانون بسبب الاحتلال] الذي نشره «الجزيرة نت» يوم أمسٍ الأول بما يلي: (أثارت تصريحات راهبة أميركية ظهرت في برنامج تلفزيوني شهير بالولايات المتحدة جدلًا واسعًا بعدما تحدثت عن تجربتها التي عاشتها على مدى عقدين في الأراضي الفلسطينية، مؤكدةً أنَّ المسيحيين هناك يواجهون معاناة مشابهة لتلك التي يعيشها المسلمون تحت الاحتلال الإسرائيلي. وقالت الأم «أغابيا ستيفانوبولوس» التي أقامت منذ 1996 في بلدة «بيثاني» الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة -في مقابلة مع الإعلامي الأميركي «تاكر كارلسون»: إنَّ حركة المقاومة الإسلامية {حماس} "حركة مقاومة تدافع عن شعبها وأرضها"، مشيرةً إلى أنَّ السياسات الإسرائيلية جعلت حياة الفلسطينيين المسيحيين والمسلمين على حدٍّ سواء "شديدة الصعوبة"، بسبب القيود على الحركة ومصادرة الأراضي وبناء المستوطنات. وأضافت أنَّ عدد المسيحيين الفلسطينيين تراجع بشكل كبير منذ النكبة عام 1948، نتيجة التضييق والتهجير، مؤكدةً أنَّ "المشكلة ليست دينية، بل وطنية"، إذ يتعرض المسيحيون للتمييز ذاته بسبب هويتهم الفلسطينية. وانتقدت الراهبة ما وصفته بـ"الدعم الأعمى" من بعض المسيحيين الصهاينة في الولايات المتحدة لإسرائيل، مؤكدةً إنهم يتجاهلون معاناة المسيحيين الفلسطينيين ويبررون الاستيطان ومصادرة الأراضي. كما أشارت الأم «أغابيا ستيفانوبولوس» إلى تعرض كنائس ومؤسسات مسيحية في الضفة وغزة للقصف والدمار، معتبرةً ذلك العمل المشين جزءًا من استهداف ممنهج للفلسطينيين).


26 سبتمبر نيت
منذ 3 ساعات
- 26 سبتمبر نيت
غزة تباد: إسرائيل تقتل.. وأمريكا تدعم.. والعرب في سبات الخذلان
يتوحش العدو الإسرائيلي في سحق الأطفال والنساء، ويدكّ غزة بالصواريخ والقنابل الأمريكية، فيما تقف الشعوب الإسلامية عاجزة مكبّلة، وأنظمة تخلع آخر أقنعة الزيف، لتكشف حقيقة خيانتها.. فبدلًا من نصرة غزة ودعم حركات المقاومة كما يفعل الغرب مع الصهاينة، يرفعون الصوت مطالبين بتسليم سلاحها!. في هذا التقرير، نكشف بشاعة الإجرام الصهيوني وحجم التورط الأمريكي، وخيانة بعض الأنظمة، وخطورة هذا المسار على حاضر الأمة ومستقبلها وأهمية التسلح بالوعي القرآني في فهم طبيعة العدو وأهدافه.. صادق البهكلي جريمة تجويع وتعطيش على مرأى العالم تتواصل في غزة ملامح واحدة من أبشع الجرائم الإنسانية في العصر الحديث، حيث يواصل الاحتلال الإسرائيلي، بدعم أمريكي وتواطؤ بعض الأنظمة العربية والأوروبية، فرض حصار خانق على أكثر من مليوني إنسان، يدخل شهره الخامس، في مشهد يتجاوز حدود الحرب التقليدية إلى مستوى الإبادة الجماعية. الغذاء موجود عند أبواب القطاع، لكنه محتجز عمداً، أكثر من 22 ألف شاحنة مساعدات إنسانية، معظمها تابعة لمنظمات أممية ودولية، متوقفة على المعابر منذ أسابيع، فيما يتضوّر الأطفال جوعاً ويموت الرضع من انعدام الحليب، وتزداد معاناة النساء الحوامل والمرضى والمسنين. إنها سياسة تجويع ممنهجة، تقودها عصابات يهودية بدعم أمريكي و غربي مباشر وصمت عالمي وتخاذل عربي وإسلامي. وإذا كان الجوع يفتك بالأجساد، فإن العطش يضاعف الكارثة فوفق بيانات الأمم المتحدة، 96% من أسر غزة تعاني انعدام الأمن المائي، ما يجعل الحصول على شربة ماء غير آمنة ومخاطرة يومية، وفي الوقت ذاته، يواصل الاحتلال استهداف الصيادين الذين يحاولون انتزاع قوت يومهم من البحر، قتلاً أو اعتقالاً. المأساة التي تشهدها غزة ليست خفية، بل تجري أمام شاشات العالم. حتى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ـ المعروف بدعمه المطلق لإسرائيل- لم يجد سوى وصفها بـ'المفجعة' و'المخزية'، لكن هذا الاعتراف لا يغيّر من حقيقة أن واشنطن شريك رئيسي في الجريمة، وأن الصمت العربي والإسلامي، على اختلاف درجاته، يظل وصمة عار تلاحق الجميع. ما يجري في غزة اليوم هو اختبار حقيقي للضمير الإنساني، ولقدرة العالم على مواجهة جريمة مكتملة الأركان، تُرتكب على الهواء مباشرة، بحق شعب محاصر، تُمنع عنه أسباب الحياة، في انتهاك صارخ لكل القوانين الدولية والأعراف الأخلاقية. الدعم الأمريكي لإسرائيل.. شراكة دمويّة في جرائم الحرب لا يمكن فصل ما يجري في غزة من جرائم وحشية وإبادة شاملة عن الدعم الغربي الشامل للجيش الصهيوني، ولا سيما الدعم الأمريكي الذي يشكل العمود الفقري لهذه الجرائم، فبينما يشهد العالم مشاهد القتل والتدمير والدمار المتواصل، تظل واشنطن تُقدّم لإسرائيل السلاح، والتمويل، والغطاء السياسي الذي يمكّنها من ارتكاب أبشع الانتهاكات ضد المدنيين الفلسطينيين دون حساب أو رادع. هذا الدعم المفتوح واللامحدود هو الذي يضمن استمرار الحصار، وتصعيد العدوان، وتحويل قطاع غزة إلى مسرح لمجزرة جماعية تتكرر بلا نهاية. التمويل العسكري الضخم تُعتبر الولايات المتحدة المزود العسكري الأكبر لإسرائيل، حيث تقدّم سنويًا نحو 3,8 مليار دولار كمساعدات عسكرية، تشمل أحدث وأقوى أنواع الأسلحة والقنابل، التي تستخدمها إسرائيل في قصف قطاع غزة بشكل ممنهج، هذه الحزمة المالية تجعل إسرائيل أكثر قدرة على شن حملات عسكرية مدمرة دون أي قيود. الأسلحة الأمريكية في قلب المعركة تُستخدم القنابل والصواريخ الأمريكية الصنع التي تزود بها واشنطن إسرائيل بشكل أساسي في العمليات العسكرية ضد المدنيين في غزة، توثّق تقارير دولية وحقوقية استهداف المدنيين بأسلحة دقيقة وقنابل عنقودية ممنوعة دوليًا، جميعها أمريكية المنشأ، كما يتم استخدام طائرات مسيرة وأنظمة قصف متطورة قدمتها أمريكا، ما يضاعف من حجم الدمار الذي يشهده القطاع. إلى جانب الدعم العسكري، تلعب الولايات المتحدة دورًا حاسمًا في حماية إسرائيل على الساحة الدولية، خصوصًا في مجلس الأمن الدولي، إذ تمارس واشنطن حق النقض (الفيتو) لمنع صدور أي قرار يدين العدوان الإسرائيلي أو يدعو لوقف إطلاق النار، هذا الدعم السياسي يعزز من موقف إسرائيل، ويمنحها حصانة قانونية عمليّة تتيح لها مواصلة عدوانها بلا رادع. الاعتراف الرسمي بالدعم المفتوح تصريحات إسرائيلية رسمية تؤكد أن كل عملياتها العدوانية تحصل على 'إذن أمريكي' واضح، ما يعني استمرار تقديم الدعم اللوجستي والمالي والسياسي بشكل كامل دون تحفظ. وفي شهادات ضباط أمريكيين سابقين، يظهر أن هناك مشاركة فعلية بأشكال مختلفة في إدارة وتنفيذ العمليات القتالية داخل غزة، بما فيها استهداف مواقع توزيع المساعدات، التي باتت 'مصائد موت' مبرمجة. بفضل هذا الدعم المفتوح، أسفرت عمليات العدوان الأخيرة عن مقتل آلاف المدنيين الفلسطينيين، أغلبهم من النساء والأطفال، وتدمير آلاف المنازل والبنى التحتية الحيوية، ويُعد استمرار الدعم الأمريكي هو العامل الأساسي الذي يمكّن إسرائيل من تنفيذ هذه المجازر دون حساب. الولايات المتحدة ليست مجرد متفرج أو داعم سياسي لإسرائيل، بل شريك أساسي في ارتكاب جرائم الحرب في غزة، عبر تقديمها التمويل العسكري، والعتاد الحربي، والحماية السياسية، مما يفتح الباب واسعًا لاستمرار الدمار والمآسي التي يعيشها الشعب الفلسطيني تحت نير الاحتلال والحصار. التخبط العربي في مواجهة العدوان الإسرائيلي: من شعارات تحرير فلسطين إلى مطالبة فصائل المقاومة بتسليم السلاح مما يبعث على الأسى هو حالة من التخبط العربي الشديد في التعاطي مع العدوان الإسرائيلي المستمر على الشعب الفلسطيني، وخصوصًا في قطاع غزة. هذا التخبط لا يقتصر فقط على ضعف المواقف، بل يمتد إلى اعتماد خيارات خاطئة تفتقر إلى رؤية إستراتيجية واضحة تعكس واقع المعركة، وتواجه الأطماع الإسرائيلية بجدية. في المشهد العربي الحالي، رغم هول مشاهد مجازر القتل والدمار والتجويع والحصار لأبناء غزة و التي تبث على الشاشات وتمتلئ بها شبكة الانترنت نرى تباينًا حادًا في مواقف بعض الأنظمة العربية: فبينما ينشد البعض المساعدة الغربية، خصوصًا من الولايات المتحدة وأوروبا، من خلال مناشدات وتسول لتدخلها 'لإنقاذ' الفلسطينيين، نجد آخرين يتخذون مواقف متناقضة تتضمن أحيانًا إدانة المقاومة الفلسطينية والمطالبة بتسليم السلاح، كما ظهر في مؤتمر 'حل الدولتين' الذي أساء إلى المقاومة والمجاهدين الفلسطينيين. وهذا ما يشكل تضليلاً خطيرًا، إذ أن هذه الأطروحة ليست سوى صوت يتبنى الولاء للغرب وأمريكا، ويخدم مشروع العدو الإسرائيلي، متجاهلين جوهر القضية الفلسطينية والتاريخ الذي يربط الشعب الفلسطيني بالمقاومة المسلحة. فالقضية الفلسطينية ليست وليدة اللحظة، بل هي تاريخ طويل امتد لأكثر من قرن، بدأت مع الاحتلال البريطاني، و'وعد بلفور' الذي مهد الطريق لهجرة اليهود الصهاينة إلى فلسطين، ومن ثم احتلالها بالقوة. طوال هذه المراحل، كانت المشكلة الرئيسية التي واجهها الشعب الفلسطيني هي نقص السلاح، وعدم جاهزية المقاومة المسلحة، بالإضافة إلى ضعف الدعم العربي في وقتها. العصابات الصهيونية في بداياتها كانت مجهزة ببنادق وديناميت، واستهدفت القرى والمدن الفلسطينية باستخدام أدوات عنف وحشية أحيانًا، لكن الفلسطينيين كانوا في ذلك الوقت يفتقرون إلى السلاح لتنظيم صفوفهم والدفاع عن أنفسهم، وكان هذا النقص في السلاح أحد الأسباب الأساسية التي مكَّنت الاحتلال من السيطرة على فلسطين. أما في لبنان، فقد تمكن الاحتلال الإسرائيلي من اجتياح الأراضي اللبنانية، حتى وصل إلى بيروت، ولم يتوقف الاحتلال إلا بعد مقاومة شعبية مسلحة قوية، شكّلت دعامة الردع ضد عودة العدو الإسرائيلي حتى اليوم، وهذا الردع لا يقوم على قوة الجيش اللبناني الذي يعاني من ضعف في القدرات والإمكانات، بل على سلاح المقاومة الذي يحمله رجال يحملون رؤية إيمانية متكاملة في مواجهة العدوان. ومع هذا رأينا مايسمى الحكومة اللبنانية تطالب بنزع سلاح حزب الله في تناغم عجيب مع مطالب بعض الأنظمة العربية بالقضاء على حماس وتجريدها من السلاح، فهذا هو ما ويحلم به العدو الصهيوني من الغباء أن هذه الدعوات العربية، التي تدعي أن 'المشكلة هي السلاح' و'الحل هو تجريد الفلسطينيين واللبنانيين من سلاحهم'، ليست سوى محاولة إجرامية لا تستند لأي منطق، بل تخدم الأهداف الأمريكية والإسرائيلية الرامية إلى إخضاع المقاومة وتحطيم أي قوة حقيقية في وجه الاحتلال. الاحتلال الأمريكي والإسرائيلي لا يراعون أي اعتبارات إنسانية أو أخلاقية، وهم يسعون بوضوح إلى تفكيك المقاومة وتجريدها من سلاحها، ونزع السلاح عن المقاومة يعني فتح الباب واسعًا للعدو للسيطرة الكاملة، وتكرار ما شهدته فلسطين ولبنان من احتلال وقهر. إن فهم هذه المعطيات هو الأساس لرد فعل عربي وإسلامي صادق وجاد، يرتكز على دعم المقاومة وحماية حق الشعوب في الدفاع عن نفسها، لا على تجريدها من سلاحها وإرادتها. أهمية فهم طبيعة الصراع مع أعداء الأمة ما يجري اليوم في فلسطين، وفي غزة على وجه الخصوص، تتجلى الحاجة الماسة لفهم عميق وجاد لطبيعة الصراع الدائر بين شعب الأمة الإسلامية والكيان الصهيوني ومن يقف خلفه، فالأحداث الجارية ليست مجرد صراع عادي على الأرض أو نزاع سياسي بحت، بل هي مواجهة وجودية تحمل في طياتها أبعادًا دينية، تاريخية، استراتيجية وثقافية عميقة. ومن هنا تكمن أهمية أن يدرك العرب والمسلمون- بوعي كامل ومتكامل- حقيقة طبيعة هذا الصراع، من هو العدو، وما هي دوافعه الحقيقية، وما الذي يقف وراء ممارساته العدوانية المتواصلة. إن فهم طبيعة العدو الإسرائيلي، الذي لا يتصرف فقط كقوة احتلال عسكرية بل ككيان يسير وفق عقيدة دينية متطرفة وأطماع توسعية لا حدود لها، هو الأساس الذي ينبني عليه كل قرار واستراتيجية حقيقية لمواجهة هذا العدوان. فبدون هذا الفهم، ستظل الخيارات التي تتخذها الدول والحكومات، وستظل المواقف التي تعبر عنها النخب والشعوب، قاصرة، ضعيفة، أو حتى مضللة، فتساهم في إدامة الأزمة بدلاً من حلها. وعلى العكس، حينما يمتلك العرب والمسلمون هذا الفهم العميق والواعي لطبيعة العدو ولأهدافه، عندها فقط يمكن لهم أن يحددوا خياراتهم بشكل صحيح، أن ينظموا صفوفهم، وأن يختاروا أدوات المواجهة المناسبة التي تحفظ حقوقهم، وتدافع عن كرامتهم، وتستعيد الأرض المغتصبة. هذا الفهم هو الذي يمكنه أن يحول قضية فلسطين من مجرد مأساة مستمرة إلى نضال إسلامي استراتيجي قادر على فرض إرادة الأمة وتحقيق انتصارات حقيقية. لذلك، إن إدراك حقيقة الصراع، هو خط الدفاع الأول والأهم في مواجهة مخططات الاحتلال الصهيوني المدعومة من الغرب، خاصة من الولايات المتحدة الأمريكية، إن فهم طبيعة هذا الصراع، وعدم الانجرار وراء خطابات وهمية تدعو إلى تسليم السلاح أو الاستكانة الذي هو السبيل الوحيد للمقاومة الناجحة، وللحفاظ على حياة أجيالنا القادمة وكرامتهم. * موقع أنصار الله