logo
كتّاب يودّعون المسرحى يوسف مسلم: قاوم بالإبداع مآسى الواقع

كتّاب يودّعون المسرحى يوسف مسلم: قاوم بالإبداع مآسى الواقع

الدستور١٨-٠٥-٢٠٢٥
فاجأنا رحيل يوسف مسلم كأنه طائر، انتظرنا كثيرًا عودته ليحط على غصن قريب، لكنه طار إلى غصن بعيد جدًا بحيث لا تطاله أيدينا، يوسف هو الكاتب والشاعر الذى لم يحظَ بالتقدير الملائم لحجم إبداعه وموهبته فى حياته، لكنه وبمجرد رحيله انتبه الجميع بأن ثمة كاتبًا وإنسانًا استثنائيًا عاش بيننا... لم يكن عاديًا، ولم يكتب ما هو معتاد، ولم يعش اليومىّ العادىّ، وحتى رحيله لم يكن رحيلًا كما اعتدناه.
رحل يوسف مسلم مبكرًا، تاركًا لنا إرثًا وأثرًا أدبيًا وفكريًا، أثرًا كأثر الفراشة كما يقول فيه محمود درويش: «أثر الفراشة لا يُرى... أثر الفراشة لا يزول».
يوسف، الذى كان استثنائيًا مثلما كانت كتابته، يضىء فنانون وأدباء، اقتربوا منه، أعماله ليجلوا لنا هذا الأثر، ويشاركونه مع قراء وأجيال قادمة... ربما لم تكن محظوظة لتعرف يوسف مسلم.
الشعراء لا يموتون.. بل يسافرون بعيدًا
سافر يوسف مسلم إلى مجازه الأخير مساء العاشر من مايو ٢٠٢٥، شاعرًا بليغًا ومحِبًا كبيرًا لكل ما هو فن وجميل، بعد أن احترق ريشه بنار الألم والمعاناة والرفض لكل ما هو قبيح ومؤذٍ فى عالمنا الراهن، وسيُبعث يوسف فى كل قراءة جديدة لقصائد شعره ومسرحياته الملهمة.
لا يكتمل الشاعر إلا بموته الفيزيائى، والشاعر الحقيقى لا يموت أبدًا، بل يبقى فى ذاكرة أهله وأمته التى تفاخر بوجوده ونبوغه، إنه يحترق فى كل قصيدة وكل مقطع من مقاطع أعماله الفنية لكى يُبعث من جديد فى قراءات عديدة ومتنوعة بعدد قرائه ومحبيه، يُبعث الشاعر كعنقاء تتلألأ فى ريشها الذهبى اللامع من بين كومة الرماد.
ترك يوسف للمسرح مسرحيات: الحارس «٢٠٠٧»، والشبيهان «٢٠٠٩»، وليمة عيد «٢٠١١»، ومن أعماله التى لم تُنشر: شكاوى الشحاذ الفصيح، وسالومى، والتقرير، مع مسرحيات قصيرة أخرى.
كما ترك لنا أربعة دواوين منشورة، هى: كتابوت يسعل بشدة «٢٠١٣»، وفقه الغضب «٢٠١٤»، وسيرة شاعر يموت شاهرًا إصبعه الوسطى فى وجه العالم «٢٠١٧»، وحقائب منسية بقصد «٢٠٢٥». وأُضيف أيضًا لهذا الإبداع محاولاته الرقيقة والمبهرة فى القصة القصيرة، وهى محاولات تستدعى منا العمل على جمعها ونشرها من على صفحته فى «فيسبوك». الحقيقة أن الرصيد الإبداعى الذى تركه على مدار سنواته العشرين الماضية يؤكد أنه لم يتوقف لحظة واحدة عن المحاولة أو المقاومة بالإبداع فى وجه الواقع الراهن بكل مآسيه ومشكلاته، وأنه كان مقاتلًا صلبًا، رغم ما كان يعتمل فى نبرات صوته من أسى وألم وإحباط أحيانًا، لكنه من وجهة نظرى كان شجاعًا فى مواجهة العالم، باختياره عدم التوقف عن الكتابة، سواء للمسرح أو للشعر. رحيل يوسف المؤثر والمفجع لجيلنا يحملنا مسئولية وأمانة الوقوف فى صف الجمال ومقاومة القبح، ضد كل المعوقات الحاصلة فى المشهد الفنى والإبداعى. علينا أن نقاوم ونكتب ونمارس عملنا من أجل تحقيق صوته الشعرى المميز، وإيصاله لجمهوره وقرائه المستقبليين، والسعى لإنتاج مسرحياته الناجحة فنيًا فى رأيى، وإن اختلف معى كثيرون حول طبيعتها الجادة والمأساوية التى لا تصلح بمعايير السوق التجارية الرائجة فى وقتنا الصعب هذا، وهو ما يُعد إثباتًا حقيقيًا لفنية وأصالة وقوة أعماله الدرامية فى وجه القبح الحاصل فوق خشبات بعض المسارح. وأخيرًا، الشعراء لا يموتون، إنهم يرحلون بعيدًا، يسافرون وراء عالمنا، لأنهم لا يطيقون عالمنا بكل ما فيه من قسوة وكراهية وانتشار للموت على ساحة المشهد الإنسانى.
لا تستطيع إلا أن ترى جزءًا منك فيه
مسلم.. هذا الولد العابر فوق رءوس من عرفهم، رغم طوله الفارع إلا أنه يمر عليهم مثل شريط حفلات «ستان» ملون، يرقص فوق رءوسهم بتعاريج الهواء، ومحاولات قفز منّا أن نلتقطه، لكن: هيهات! هو يعبر ويرقص ويبهج، فقط، ولا تستطيع الإمساك به. ثم يطير ويختفى فى نوبات رياح عاتية، يمد طرفه للأسفل، ينادى: «أمسكوا بى!» فنتمسك جيدًا، تهدأ العاصفة، فيتملص منّا مرة أخرى، ويطير ويرقص ويبهج، إما بشعره رغم حزنه، أو بإبداعه وعشقه الأول لـ«أبوالفنون»، لكن تلك المرة، ربط مسلم طرف شريطه الناعم بالسحاب. كان صديقى بارعًا لدرجة أنه جعل خشبة مسرحه فى عرضه الأخير كل أرض وطئها، وكانت شخوصه: كل من عرفهم وعبر عليهم حتى لو بكلمة «سلام».
إنه «المشخصاتى» يوسف مسلم، الشاعر والمخرج المسرحى... حسنًا، توقفى يا عزة، لا أحب تلك الصيغة. هكذا تصورت أنه يهاتفنى الآن فى أذنى، أن أستبدلها: «يوسف بتاع المسرح»، أحبها أكثر. يوسف الذى حملت ملامح وجدانه لمحة من كل مَن عرفهم، فلا تستطيع إلا أن ترى جزءًا منك فيه، وهو يرى الكل فى ذاته.
أربكنا رحيله وكأن الموت جديد علينا
أربكنا رحيل الشاعر والكاتب المسرحى يوسف مسلم، وسبّب لنا صدمة جماعية غريبة ومحيرة، وكأن الموت جديد علينا، أو أن يوسف كان معصومًا منه. هناك شخصيات من الصعب أن نتصور أن تموت، ويوسف مسلم أحد هذه الشخصيات، لا سبب لذلك إلا الحضور الطاغى والخفة اللذين يتميز بهما هذا الإنسان، ومهما اختلفنا معه فى آرائه الحادة الصادقة والحقيقية والصادمة، إلا أننا بحاجة إليه، وإلى آرائه وغضبه واحتجاجه وتفرده الإبداعى فى الشعر وفى الكتابة المسرحية. فهو من ضمن جيل يتميز بالرفض ورفع راية العصيان ضد القبح والرداءة وغياب العقل.
الشاعر والكاتب المسرحى يوسف مسلم ليس مجرد شاعر عابر أو كاتب مسرحى تقليدى، فالعالم الشعرى لدى مسلم له خصوصية شديدة من حيث فضاءاته الجمالية وخطابه غير التقليدى، ومن حيث كونه يضم مجموعة من العناصر اللغوية، والصور والتراكيب شديدة الإلهام والتفرد.
إنه يكتب العادى ليحيله إلى الشاعرى والوجدانى، وقد لا أكون مبالغًا إذا اعتبرت أن العالم الفنى لدى يوسف مسلم يصلح لأن يكون مصدرًا للإلهام، ليس فقط للقارئ العادى، بل وأيضًا للشعراء من أجيال مختلفة، نظرًا لتفرد عالمه الشعرى، وإلمامه بالعادى والتقليدى والمبتذل واليومى، ولكن عندما يضع يوسف مسلم كل هذه المتغيرات فى معادلته الجمالية، يتحول عالمه الشعرى إلى مرآة نرى من خلالها فضائحنا المدوية وكل المناطق المظلمة فى أرواحنا. أما عالمه الدرامى- المسرحى، فيتميز بخصوصية الرؤية وزاوية النظر والتناول، حيث استطاع فى أعماله التى تم عرضها على خشبة المسرح، أو التى لم يُقدَّر لها الظهور، أن يتعرض لقضايا تتعلق بالقيم الإنسانية العامة من خلال تفاصيل اجتماعية ونظرية تخص المجتمع المصرى.
المقاتل الذى ذهب للموت كدون كيشوت
يوسف مسلم، الشاعر المقاتل، الذى ذهب للموت كدون كيشوت، مؤلم أن يذهب يوسف دون وداع، فهو لم يكن يحب تفاصيل الوداع ويكتفى باللقاء صدفة، والحديث الكثير حين نتورط فى الأمور الشخصية، يمكنه البوح عن مشاعره أو عن العالم، لكن لن يخبرك عن احتياجه للنقود، وربما يسخر من حاله، لأنه يختار طريق حياته ويدفع الثمن راضيًا مقابل مواقفه أو رأيه. كنت أود أن أحدثه لينفى الخبر بنفسه، لكننى أدعى معرفته، وأدعى أنه كان يخوض مغامرات فى مواجهة الموت بشجاعة وبمداومة كأنها وظيفة. الرقيق جدًا والحاد كسيف جاهز للمعركة، يلمع بموهبة استثنائية تخص نفسها ولا تقلد أحدًا. كان رائعًا فى مراجعة نفسه والاعتراف بتلك المراجعة وإعلان رأيه دون خوف، ودون أن يعنيه رأى الآخرين فيه، تحدثنا مرة حين أعلنوا عن عرض له، وكنت أحب نصه «وليمة عيد» كقصيدة ساخرة موجعة، وكلما قُدِّم النص، كانت روحه طاغية دائمًا على العرض، سخرية تعرى الواقع وتضرب وتدمى داخلك، فتضحك وأنت تتحسر.
هكذا كان يوسف، وهكذا كانت روعته، فلن تتذكره سوى كبطل فارع الطول يظهر بابتسام رغم معاناة بادية، وكأنه دومًا خارج من معركة ما، منتصرًا أو ليقول: «لا تبهوا، أعود دائمًا منتصرًا، ولو انهزمت فسيكون قرارى المباغت للموت». ربما كانت تلك القدرة هى ما كانت تدفعنا لأن نطمئن على بعضنا البعض عبر ما نكتب على وسائل التواصل فقط، وإن تورطنا كل فترة فى حديث شخصى مطول، أجده هو الداعم. ربما استراح يوسف من معاركه، لكنه تركنا مهزومين... إلى لقاء يا صديق.
عليك أن تشرب من نهر الجنون إذا أردت العيش آمنًا فى عالم مجنون
مسرحية «وليمة عيد» ليوسف مسلم متماسكة البناء، لغتها بسيطة رغم فصاحتها، وحوارها يكشف عن شخوصها، خاصة شخصيتها الرئيسية «عيد».
هنا يقدم الكاتب عبثًا مصريًا، لكنه ليس كعبث بيكيت أو يونسكو- على سبيل المثال- فعبثهما غالبًا يأتى مجردًا، لكن عبث يوسف مسلم يأتى من الواقع نفسه، انعكاسًا له، فالرؤية ذاتها واقعية وليست عبثية، بمعنى أن الواقع نفسه صار عبثيًا، والعبث صار واقعيًا. هذا المفهوم الذى تعكسه المعالجة، هو ما يجعل تلك التجربة بعبثيتها تختلف عن تجارب الآخرين الذين أشرت إليهم. العبارة العبثية التى تقول: «عليك أن تشرب من نهر الجنون إذا أردت العيش آمنًا فى عالم مجنون» تُرجمت مسرحيًا من خلال المعالجة الفنية، بدون مباشرة، أو خطابية، أو زعيق، لماذا؟ لأن الكاتب يملك أدوات الكتابة المسرحية، ويُسيطر عليها، وتدفعه رؤيته الفنية وموقفه من الواقع دفعًا نحو احتضان الرسالة التى تصل إلينا بسهولة. يقول إنها «كوميديا سوداء»، وأضيف: إنها سوداء وعبثية، برغم واقعيته، هكذا أؤكد على هذا المعنى، المشهد الأول منها يضعنا مباشرة أمام ذلك العبث الواقعى، حين يجلس عيد فوق الطاولة فى وضع التجهيز كطعام، وتظهر الزوجة والابن والابنة والضابط، وهم يتأهبون للجلوس إلى الطاولة، يتقاسمون فيما بينهم جثة عيد، وهذا المشهد هو نفسه مشهد النهاية، حين نرى عيدًا فى وضع أشبه بالدجاجة المشوية، ويتم التهامه بالفعل.
وما بين المشهدين، تأتى بقية المشاهد لتكشف أزمة بطلها، وتوضح درجات تصاعدها، ودلائل انهيار قيم وسلوك كل المحيطين به. هو زوج وأب ومدرس، يعيش فى عالم يحكمه جنون الفعل والسلوك، ولأنه يخالف القاعدة، ويصبح استثناء، هنا نرى الاستثناء اتهامًا، والمُستثنى متهمًا!
يرصد الكاتب- دراميًا- مظاهر العبث ويحددها من خلال الحوار بين شخوص المسرحية، والكل يشتركون فى اتهامه بالجنون، لكنه لم يشرب من نهره، وتمسك بعقله، ورفض منظومة القيم المختلة، وقَبِل النتائج، ولم يستسلم لجنونهم، ودفع الثمن، كما يدفعه كل الذين يتمسكون بمواقفهم، تمسك بقيمه، ولم يعمل بمقولة أخرى ذكرها المؤلف على لسان شخص من شخوص المسرحية: «إن كنت فى روما فافعل ما يفعله أهل روما، ومن يتزوج أمى يصبح عمى».
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

من قصص القرأن الكريم.. لهذه الأسباب قرروا سجن يوسف عليه السلام رغم تأكدهم من براءته
من قصص القرأن الكريم.. لهذه الأسباب قرروا سجن يوسف عليه السلام رغم تأكدهم من براءته

فيتو

timeمنذ 15 ساعات

  • فيتو

من قصص القرأن الكريم.. لهذه الأسباب قرروا سجن يوسف عليه السلام رغم تأكدهم من براءته

في هذه السلسلة نستعرض مشاهد من القصص التي وردت في كتاب الله العزيز، القرآن الكريم، علنَّا نستخلص منها العبر والدروس التي تفيدنا في الدنيا، بتغيير سلوكياتنا إلى الأفضل، فنستزيد من الأفعال الطيبة، والتصرفات الراقية، ونتعامل بالحسنى مع الآخرين، فنفوز ونسعد في الآخرة. يوسف يمارس الدعوة إلى الإيمان بالله في السجن لا تكاد تمضي سوى أيام قلائل، حتى يصل الخبر إلى النسوة، ويبدو أنهن كن من ذوي الشأن كذلك، وتتحدث بعضهن لبعض، وما يدريك بحديث المرأة عن المرأة: ".... امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبًّا".. استولى على قلبها وكيانها.. إنها موغلةٌ في الظلال، مغرقةٌ في الخطيئة: "إنا لنراها في ضلال مبين". وإن هي إلا سويعات، ويصل إليها خبرهن، وفحوى حديثهن، ولكنها تكون أكثر منهن ذكاءً، وأشد منهن مكرا، فتدبر للهن ما حدثنا القرآن الكريم عنه، فتعد العُدَّة لاستقبالهن، وتعد لهن المجالس الفاخرة، وفاكهة مما يتخيرن، وتعطي لكل واحدة منهن سكينا، لتقطع بها ما يحتاج إلى التقطيع من الطعام. في تلك الأثناء، كان يوسف داخل البيت، وما نظنه غافلا عما يُكاد له، وإلا فلماذا تطلب منه سيدة القصر أن يخرج على النسوة: "وقالت اخرج عليهن". (يوسف: 31). نجاح خطة امرأة العزيز ويخرج مَن ملك شطر الجمال، ومنَّ الله عليه بطهارة الباطن، وإخلاص الإيمان.. وهنا يتوقف الزمان، فتصيب الصدمة عقلهن، ويستولى الذهول على أفئدتهن، وتُفتن بحسنه ووضاءته مشاعرهن، وتشتعل عواطفهن، لقد رأين ما لم يكن في حسبانهن، ولم يخطر على بالهن. فلما طارت منهن العقول، إذا بهن يفقدن السيطرة على ألبابهن، ويجرحن أيديهن.. هكذا طغت العاطفة، وهيمن الحب والهوى، وتوقف التفكير عن العمل!! يا للمفاجأة، ويا للجمال الذي لا يوصف، ويا لخفقان القلب، ويا لسطوة الشهوة، ويا لقوة الضعف، وضعف القوة!! فتنة النسوة بسيدنا يوسف لقد رأين من استولى على قلوبهن فأكبرن طلعته، وقلن: "حاش لله ما هذا بشرا، إن هذا إلا ملكٌ كريم". حققت امرأة العزيز ما تريد، ونالت ما تبتغي، كان نجاحها باهرا فيما فعلت وخططت.. وشعرت أن النساء اللاتي قلن ما قلن "إنا لنراها في ظلال مبين"، الآن يتمنين كلهن ما تمنته، ويشتهين ما اشتهته.. لقد ظنن، وهن يلمنها، أن يوسف بشر عادي كغيره، أما وقد رأينه الآنن فلم يسبق أن رأين بشرا يشبهه، فلا لوم عليها إذن، وهذا الذي دفعها لأن تهتك كل حجاب وأن تزيل كل ستر، حتى لا يبقى هناك سرٌّ مكتوم، ولماذا تخفي في نفسها ما دام النسوة جميعا، تمنت كل مقطعة يدها أن تسعد نفسها؟!! فإذا بها تخبرهن بكل وضوح: "فذلكُنَّ الذي لمتُنني فيه، ولقد راودته عن نفسه فاستعصم". ما أقوى هذه الكلمة "فاستعصم" (يوسف: 32).. هي دليل الإخلاص، وبرهان الإيمان، وإثبات التقوى.. هنا تتأكد براءة يوسف، عليه السلام، من التهمة التي رمته بها سيدة القصر.. لقد "استعصم"، ورفض الانزلاق في هُوة المعصية. امرأة العزيز تحدد عقابين ليوسف وهنا تؤكد المرأة العاشقة أنه لابد من عقاب شديد يتلاءم مع تمنعه وترفعه، وتصارحهن بهذا العقاب: "ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونا من الصاغرين". ما عليه إلا أن ينفذ أمر سيدته، وإلا فالسجن سيكون مصيره، والصغار مآله. توعدته بنوعين من العقاب، الأول هو "ليسجننَّ"، والثاني: "ليكونًا من الصاغرين". كلا العقابين تم تأكيده بالنون، لكن الأول أدته بنون التوكيد الثقيلة، والثاني أكدته بنون التوكيد الخفيفة. الأولى مفتوحةٌ مشددةٌ، والثانية خفيفةٌ ساكنةٌ.. فالسجنُ قد يكون سببا في رضوخه واستجابته لرغبتها، أما الإذلال والصغار والهوان فهو شيء لا تقدر عليه، أي أنه أمر صعب على نفسها؛ لأنها تحبه، ولا تستطيع أن تهينه.. أي أنها غير متأكدة من أنها تقدر على إذلال حبيبها. يبدو أن يوسف كان يصغي إلى هذا الوعيد الذي صارحت به النسوة، فما كان منه إلا الإصرار على ما كان عليه من استعصام، لكنه إن لم يثّبِّتهُ الله فقد يضعف عن المقاومة: "قال رب السجنُ أحبُّ إليَّ مما يدعونني إليه". (يوسف: 33). وكأنه أدرك أنه إن أطاع امرأة العزيز، فإن ذلك وراءه ما وراءه، ولن يقف الأمر عندها وحدها، ولكن قال: "مما يدعونني إليه".. ولم يقل (مما تدعوني إليه).. فهو يدرك أن النسوة جميعهن قد أعجبن به، وتمنته كل منهن لنفسها.. فالاستجابة إليها تعني الاستجابة لهن جميعهن!! يؤكد ذلك ما ذكره القرآن الكريم فيما بعد: "ما خطبكن إذا راودتن يوسف عن نفسه". (يوسف: 51). ويستجيب الله دعاء يوسف.. وعلى الرغم من براءته الواضحة، والتي عرفها الجميع، وتأكدوا منها، إلا أنهم استقر رأيهم على أن يسجنوه حتى تسكن العاصفة، وتهدأ الأمور، وينسى الناس تفاصيل تلك الفضيحة. وهنا يأتي بنا القرآن الكريم إلى حلقة جديدة، أشد إيلاما في حياة سيدنا يوسف، عليه السلام، وهي السجن. يوسف في السجن وبعد أن تتابعت عليه الابتلاءات واشتدت عليه المحن، وجد يوسف عليه السلام نفسه خلف جدران السجن، لا لذنب ارتكبه، بل لطهارته وإيمانه. كانت امرأة العزيز قد راودته عن نفسه، فلما استعصم واتقى، قلبت الموقف لتخفي خزيها، فكان جزاؤه السجن بدلًا من مكافأة العفة. السجن أحب إليّ ألقي يوسف عليه السلام في السجن وهو شاب غريب، بعيد عن أهله، مظلوم، لكن قلبه لم يكن ممتلئًا إلا بالله.. لم يكن السجن في عينه ضيقًا، بل كان خلوة يتعبد فيها، وينشر فيها النور لمن حوله. قال في دعائه: "رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ". السجن حفظ واصطفاء.. لا عقوبة فاستجاب له ربه، وجعله في السجن، لا كعقوبة، بل كحفظ واصطفاء. ولقد كانت سنوات السجن ليوسف عليه السلام محطة تربوية عظيمة. أثبت فيها أن الإيمان يصنع من السجن مدرسة، ومن الظلم وسيلة للتمكين، وتمحيص النفس المؤمنة. لم يكن السجن بالنسبة ليوسف عليه السلام مجرد جدران خانقة، تعزله عن العالم الخارجي، بل وجد في ظلام السجن فرصة لنشر التوحيد، وهداية القلوب. دخل معه فتيان إلى السجن، كانا حائرين، وقد شاهدا رؤى أرّقتهما، فقال أحدهما: "إني أراني أعصر خمرًا"، وقال الآخر: "إني أراني أحمل فوق رأسي خبزًا تأكل الطير منه". لم يشأ يوسف أن يجيب فورًا، بل استثمر الموقف ليزرع التوحيد في القلوب. قال لهما: "أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ؟". قال ذلك ليعلّمهما أن الله وحده هو الرزاق، وهو من يملك علم الغيب، وأن ما يناله من علم تفسير الأحلام هو من الله، لا من نفسه. نشر التوحيد في السجن شرح لهما حقيقة الإيمان، ثم شرع في تفسير رؤياهما، فأخبر أحدهما بأنه سيعود ليخدم الملك، والآخر بأنه سيُصلب وتأكل الطير من رأسه. وتم الأمر كما قال. ومع علمه بمصيرهما، لم ينس مَن بيده مفاتيح الفرج، فقال للناجي منهما: "اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ"، أي عند الملك، لعله يُخرجني من السجن. لكن الإنسان بطبعه ينسى، فنسي الفتى ما قاله له يوسف، وبقي يوسف في السجن بضع سنين أخرى، صابرًا محتسبًا. رؤيا الملك.. وخروج يوسف من السجن وبعد مرور عدة سنوات، إذا بمعجزة الله تحدث، فقد رأى الملك رؤيا غريبة حيرت الحاشية: "إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبعٌ عجاف"، ولم يجد من يفسرها. وقتها فقط، تذكر خادم الملك يوسف، وجاءه طالبًا تفسيرًا. عندها، طلب الملك لقاء يوسف، لكنه رفض أن يخرج قبل أن تظهر براءته. فقال: "ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ الَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ". رفض أن يخرج من السجن دون أن تُنصف سمعته، فشهدت النسوة ببراءته، وقالت امرأة العزيز: "الآن حصحص الحق، أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين". خرج يوسف من السجن بعزة المظلوم الذي نصره الله، وبهيبة من جعل الله في قلبه نورًا وصدقًا. وفسر الرؤيا بدقة مدهشة، بل قدّم خطة اقتصادية كاملة لإنقاذ مصر من المجاعة القادمة. ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

دينا الشربينى تصور فيلم طلقنى مع كريم محمود عبد العزيز وتنتظر عرض درويش
دينا الشربينى تصور فيلم طلقنى مع كريم محمود عبد العزيز وتنتظر عرض درويش

اليوم السابع

timeمنذ 2 أيام

  • اليوم السابع

دينا الشربينى تصور فيلم طلقنى مع كريم محمود عبد العزيز وتنتظر عرض درويش

تعيش الفنانة دينا الشربينى حالة من النشاط الفنى السينمائى، حيث تقدم فيلمين فى 2025 دفعة واحدة، إذ تنتظر عرض فيلم درويش بطولة عمرو يوسف، والمقرر عرضه فى 13 أغسطس الجارى فى السينمات، و28 فى سينمات الخليج، حيث تقدم دينا شخصية زوجة عمرو يوسف فى أحداث الفيلم. "درويش" تدور أحداثه حول شخصية محتال كاريزمي يجد نفسه وسط سلسلة من التحديات والمخاطر، ليتحوّل عبر مغامرات غير متوقعة إلى بطل من نوع خاص، لا يشبه الأبطال النمطيين، بل يُقدم نموذجًا مختلفًا يحمل طابعًا إنسانيًا ومثيرًا. فيلم درويش من تأليف وسام صبرى وإخراج وليد الحلفاوى ومن بطولة عمرو يوسف و دينا الشربينى ومحمد شاهين وتارا عماد، ومصطفى غريب، وخالد كمال وعدد آخر من الفنانين، وتدور الأحداث حول مغامرات محتال ذو شخصية جذابة يعيش حياة مليئة بالتحديات والمخاطر. كما تصور دنيا الشربينى حاليا فيلم طلقنى مع النجم كريم محمود عبد العزيز، والمقرر عرضه في السينمات في الفترة المقبلة، ويشارك في بطولة الفيلم كلا من باسم سمرة، محمد محمود، هناء الشوربجى، محمود حافظ، دنيا سامى، وعناصر شابه جديدة ، الفيلم من تأليف أيمن بهجت قمر، إخراج خالد مرعى، وإنتاج نيوسينشرى زيد الكردى.

أول تعليق من باسم يوسف بعد ظهوره في بودكاست Nelk Boys
أول تعليق من باسم يوسف بعد ظهوره في بودكاست Nelk Boys

24 القاهرة

timeمنذ 2 أيام

  • 24 القاهرة

أول تعليق من باسم يوسف بعد ظهوره في بودكاست Nelk Boys

في أول تعليق له بعد ظهوره المثير للجدل في بودكاست Nelk Boys، علّق الإعلامي باسم يوسف على تفاصيل مشاركته مع هذه المجموعة الشهيرة، التي تُعرف بمحتواها الموجه لشريحة Frat Boys، وهم شباب الجامعات في أمريكا ممن ينجذبون لأسلوب الحياة الصاخب والمليء بالحفلات. أول تعليق من باسم يوسف بعد ظهوره في بودكاست Nelk Boys وأوضح باسم يوسف، عبر حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، أن ظهوره لم يكن بدافع الإعجاب أو القرب من هذا النوع من المحتوى، بل نتيجة رغبة حقيقية في تفكيك سردية الدعاية الإسرائيلية الموجهة عبر المؤثرين العالميين، بعد أن لاحظ تورط المجموعة في حملات دعائية لصالح إسرائيل، بما في ذلك لقاؤهم الأخير مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. أول تعليق من باسم يوسف بعد ظهوره في بودكاست Nelk Boys وأكد باسم يوسف أنه رفض الهجوم المباشر، وفضّل الظهور في البرنامج لتقديم وجهة نظره بهدوء، وشرح خطورة التورط في دعم نظام احتلال مثل إسرائيل، مشيرًا إلى أن ما يحدث الآن من تحوّل في الرأي العام، لدرجة أن دعم إسرائيل قد يُهدد مستقبل بعض المؤثرين، هو أمر جديد وغير مسبوق في أمريكا. بعد تصدره التريند بسبب حلقة باسم يوسف.. من هم أصحاب بودكاست Nelk boys الأمريكي؟ إسرائيل جندتكم.. تفاصيل لقاء باسم يوسف مع يوتيوبرز حاوروا نتنياهو عن ساندويتشه المفضل من ماكدونالدز تزامنًا مع إبادة غزة واختتم تعليقه بالتأكيد على أن المعركة الإعلامية مع الاحتلال يجب أن تُخاض بذكاء، وأن المطلوب ليس فقط الرد على الأكاذيب، بل فضح ماكينة الدعاية الضخمة التي تسعى لتزييف الواقع منذ عقود.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store