
معارضون مصريون ينتقدون «غلبة التعيينات» على التنافس في انتخابات «الشيوخ»
ويبلغ عدد أعضاء مجلس الشيوخ 300 عضو، يُنتخب ثلثاهما بالاقتراع، بواقع 100 عضو يتنافسون على مقاعد فردية، ومثلهم بنظام «القائمة المغلقة»، ويعيّن رئيس الجمهورية الثلث الباقي، على أن يُخصَّص للمرأة ما لا يقل عن 10 في المائة من مجموع عدد المقاعد.
وأعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات إجراء انتخابات «الشيوخ»، للمصريين في الخارج، يومي الأول والثاني من أغسطس (آب) المقبل، على أن تُجرى انتخابات الداخل، في الرابع والخامس من الشهر نفسه. وأعلنت، الجمعة، القائمة المبدئية للمرشحين في الانتخابات ورموزهم الانتخابية.
وبلغ إجمالي عدد المرشحين على المقاعد الفردية 469 مرشحاً، في حين «لم يتقدم على مقاعد القوائم المغلقة سوى قائمة واحدة باسم (القائمة الوطنية من أجل مصر)».
ويعتقد رئيس حزب «التحالف الشعبي الاشتراكي»، مدحت الزاهد، (وهو من أحزاب الحركة المدنية المعارضة في مصر)، أن «نظام الانتخاب بمجلس الشيوخ وقوائم المرشحين، يجعلان التشكيل المقبل للمجلس يغلب عليه التعيين»، مشيراً إلى أن «هامش المنافسة الحقيقية بين الأحزاب غير متوفر؛ بسبب الاعتماد على نظام القوائم المغلقة في الاستحقاق». وأوضح الزاهد لـ«الشرق الأوسط» أن «ترشح (القائمة الوطنية) بوصفها قائمةً وحيدةً، جعل مقاعد القوائم شبه محسومة لمرشحيها من الأحزاب»، مشيراً إلى أن «القائمة جاءت على حساب المعارضة».
وضمَّت «القائمة الوطنية»، مرشحين عن 13 حزباً سياسياً، وجاءت النسبة الأكبر فيها لمرشحين من أحزاب: «مستقبل وطن»، و«حماة الوطن»، و«الجبهة الوطنية»، و«الشعب الجمهوري»، و«الوفد» و«التجمع»، و«إرادة جيل»، و«تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين»، في حين ضمَّت تمثيلاً أقل لأحزاب معارضة، وهي: «العدل»، و«المصري الديمقراطي»، و«الإصلاح والتنمية»، وهي الأحزاب نفسها، التي سبق أن أعلنت تشكيل تحالف «الطريق الديمقراطي»؛ للمنافسة على المقاعد الفردية في الانتخابات.
ورفض حزب «التحالف الشعبي الاشتراكي»، المشارَكة بمرشحين في انتخابات مجلس الشيوخ، وفق الزاهد، وقال: «المجلس ليس له دور تشريعي حقيقي، كما أن آليات تشكيله لا تتبع قواعد المنافسة الديمقراطية»، وفق رأيه.
في حين انتقد الرئيس الشرفي لحزب «الكرامة» المصري، محمد سامي، (أحد أحزاب الحركة المدنية) نظام القوائم المغلقة، الذي يُجرى على أساسه استحقاق مجلس الشيوخ. وقال: «هذا النظام يُفقِد الانتخابات المنافسة بين الأحزاب»، كما «أتاح للأحزاب الموالية وذات القدرات المالية والتنظيمية، السيطرةَ على مقاعد القوائم، من خلال القائمة الوحيدة المرشحة».
ويعتقد سامي أن توزيع نسب الأحزاب المشارِكة في «القائمة الوطنية» المرشحة بالانتخابات «يبخس حق الأحزاب العريقة مثل (الوفد) و(التجمع)». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «نسب مرشحي تلك الأحزاب تذيَّلت قائمة الأحزاب داخل القائمة»، مشيراً إلى أن «فرص منافسة الأحزاب على المقاعد الفردية ضعيفة، ذلك أنها تحتاج إلى قدرات مالية هائلة، في ظل اتساع النطاق الجغرافي للدوائر الانتخابية».
مجلس الشيوخ المصري (وزارة الشؤون النيابية والقانونية)
وحظي حزبا «الوفد» و«التجمع» على تمثيل ضعيف في «القائمة الوطنية» بواقع مقعدين لكل حزب، في حين حصلت أحزاب معارضة مثل «المصري الديمقراطي»، و«الشعب الجمهوري» على 5 مقاعد لكل منهما، وحصل حزبا «العدل»، و«الإصلاح والتنمية» على 4 مقاعد لكل منهما.
ووفق قانون مجلس الشيوخ، تُقسَّم مصر إلى 27 دائرة تُخصَّص للانتخاب بالنظام الفردي ومخصص لها 100 مقعد، إلى جانب 4 دوائر تُخصَّص للانتخاب بنظام القائمة، يُخصص لدائرتين منها 13 مقعداً لكل دائرة، ويُخصص للدائرتين الأخريين 37 مقعداً لكل دائرة منهما.
بينما يرى نائب رئيس حزب «الإصلاح والتنمية»، علاء عبد النبي، أن تمثيل المعارضة في قوائم مرشحي «الشيوخ» نسبته «مرضية». وقال: «هناك 4 أحزاب من تيار المعارضة ممثلة في القائمة الوطنية»، مشيراً إلى أن «بعض أحزاب المعارضة، اختار العزوف عن المنافسة، وعدم المشارَكة في الاستحقاق». ويربط عبد النبي، حضور أحزاب المعارضة انتخابياً وبرلمانياً، بقدرتها على الوجود في الشارع. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الأحزاب في حاجة لتفعيل انتشارها في الشارع»، عادّاً ذلك «سيضمن تمثيلها برلمانياً بشكل أكبر».
كما رفض المتحدث باسم حزب «حماة الوطن»، عمرو سليمان، حديث بعض المعارضين المصريين بشأن «غلبة التعيينات في انتخابات مجلس الشيوخ». وقال: «المنافسة قائمة في الانتخابات، خصوصاً على المقاعد الفردية»، كما أن «القائمة المرشحة، تضم مرشحين من مختلف الاتجاهات السياسية». ويرى سليمان أن المنافسة على المقاعد الفردية «تشمل نسبةً كبيرةً من الأحزاب، والمستقلين»، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط» أن «هناك أحزاباً ليس لها مرشحون بمقاعد القوائم، وفضَّلت المنافسة على المقاعد الفردية بالمحافظات»، مشيراً إلى أن «تشكيل مرشحي (القائمة الوطنية) يحقِّق التنوع بالانتخابات».
وحسب القوائم المبدئية للمرشحين في انتخابات «الشيوخ»، المعلنة من الهيئة الوطنية للانتخابات، فقد قدَّم 35 حزباً مرشحين على المقاعد الفردية، بينما تَقدَّم 166 مرشحاً بوصفهم مستقلين.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الرياض
منذ 2 ساعات
- الرياض
المرأة السعودية في صدارة المشهد
في عمق التحولات التي يعيشها المجتمع السعودي اليوم، تبرز المرأة السعودية كعلامة فارقة في مشهد التغيير والتقدم. لقد مرت المرأة برحلة طويلة، كانت فيها تتنقل بصمت بين أدوارها العائلية والمجتمعية، حتى خرجت إلى الضوء، فلم تعد المرأة اليوم كما كانت تُصوَّر في الأمس، فقد أصبحت تمثل القوة الناعمة التي تصنع الفرق، وتقود بعقل، وتؤثر بصمت. حضورها لم يعد رمزيًا، بل جوهريًا، متغلغلًا في مفاصل المجتمع، وضروريًا لكل نهضة حقيقية. المشاركة في القرار والتنمية. خطت المرأة السعودية خطوات جريئة في مجال صنع القرار، فدخلت مجالس الشورى والإدارات، وأسهمت في وضع السياسات، وتقييم الأداء، ومتابعة المشاريع، وأصبحت من صناع الرؤية، وشريكة في صياغة مستقبل الوطن. ربما الأهم من كل إنجازاتها المهنية، هو قدرتها على إحداث تحول ثقافي داخل المجتمع نفسه. فقد أصبحت قدوة لابنتها، وداعمة لابنها، وصوتًا للتغيير داخل بيتها قبل أن تكون خارجه. إنها تبني جيلاً جديدًا من الوعي، لا بالخطاب فقط، بل بالممارسة اليومية والموقف المسؤول. ورغم الانفتاح الكبير الذي تعيشه المملكة، حافظت المرأة السعودية على توازن نادر بين الحداثة والأصالة. تمكينها لم يكن على حساب هويتها أو قيمها، بل جاء ليثبت أن القوة لا تُناقض الحياء، وأن الطموح لا يلغي الثبات على المبادئ. المرأة السعودية اليوم ليست مجرد رقم في سجلات التوظيف، أو وجهًا إعلاميًا للتمكين، بل هي فكرٌ يُبنى عليه، وطاقة يُعوّل عليها، وشريكة أصيلة في إعادة رسم ملامح المجتمع. إنها تؤكد في كل يوم أن حضورها لم يعد خيارًا، بل ضرورة وطنية لا غنى عنها.


الشرق الأوسط
منذ 2 ساعات
- الشرق الأوسط
أبو المجد وأبو شقّة
في الشَّطر الأولِ من تعريفه بأحمد كمال أبو المجد، قالَ محمود الطناحي عنه إنَّه «من كبار المشتغلين بقضايا الإسلام». عبارة «قضايا الإسلام» عبارة تعوزها الدقة والتحديد. فكلمة «قضية» معناها مسألة تحتاج إلى إبانة وتوضيح. وإضافته كلمة «الإسلام» إلى جمعها، وهي كلمة «قضايا»، لم تبِن أو توضح ما هي «قضايا الإسلام»، أو ما هي مسائله المركزية التي تحتاج إلى مختص يتناولها بالعرض والبسط والبحث والدراسة. إن هذه العبارة «قضايا الإسلام» من دون تحديد زمني لها، الأقرب أنها تعني الأصول التي تقوم عليها الديانة الإسلامية. وهنا نكون أمام مشكلة أو مسألة فيها إشكال. فالإسلام ليس فيه علم شامل، اسمه «اللاهوت». وهو العلم المتوفر في الديانة المسيحية. ومن باب التقريب والتجوّز يمكن أن نقول إن العلم المقابل لعلم «اللاهوت المسيحي» في الإسلام، هو علم «الإلهيات الإسلامي»، أو علم «الكلام الإسلامي». وإن كان هذا ما يقصده محمود الطناحي، فالقارئ لكتابات أحمد كمال أبو المجد في الستينات وفي السبعينات، وإلى عام صدور كتابه «مدخل إلى تاريخ نشر التراث العربي، مع محاضرة عن التصحيف والتحريف» عام 1984، يعلم أنه لم يكتب شيئاً عن أصول الدين الإسلامي أو مقوماته. إن الدارج والمستعمل لدى الدارسين في مجال «الإسلاميات» هو عبارة «قضايا الإسلام المعاصر»، أو «دراسات الإسلام المعاصر». وهذا الاختصاص تسهم فيه حقول أكاديمية شتى. ومداره التعبيرات المتعددة للإسلام في العالم الحديث. ودراساته تبحث في العلاقة بين الإسلام ومجالات الحياة المعاصرة، بما في ذلك السياسة والثقافة والقضايا الاجتماعية. تشمل مجالاته الأساسية، السلطة الدينية والمجتمعات الإسلامية والدين والسياسة والفكر الإسلامي الحديث والإسلام والثقافة المعاصرة. وتشمل هذه المجالات المجتمعات المسلمة في الغرب. ومن الثمانينات انضم إلى هذه المجالات موضوعٌ جديدٌ؛ هو الأصولية الإسلاميَّة. مقالات أحمد كمال أبو المجد ابتداءً من عام 1976 في مجلة «العربي»، إلى صدور كتاب الطناحي، كانت تعنى - مباشرة أو مداورة - بتناول قضية محددة من «قضايا الإسلام المعاصر»، هي قضية التطرف الديني التي حملها الحراك الإسلامي بمصر في مطلع السبعينات الميلادية، وكانت أول نازلة فيها اقتحام الكلية الفنية العسكرية عام 1974. وكان أحمد كمال أبو المجد يتناول هذه القضية بتأمل نقدي، رقيق وعطوف، بغية إقناع أبناء التيارات الإسلامية في مصر وفي غير مصر، بالجنوح إلى الاعتدال والرشدانية والعقلانية. بعيد صدور كتاب محمود الطناحي، صدر لأحمد كمال أبو المجد ضمن سلسلة «كتاب العربي»، كتاب «حوار لا مواجهة: دراسات حول الإسلام والعصر». هذا الكتاب الذي صدر في 15 أبريل (نيسان) 1985، جمع لمقالات منشورة في مجلة «العربي» من بداية كتابته فيها. وهو من كتب «تنویر» الإسلاميين المعدودة في المنتصف الأخير من الثمانينات الميلادية، وفي سنوات من عقد التسعينات الميلادية. حوار «التنوير» الذي خاضه مع الإسلاميين - والذي لم يشأ له أن يكون معركة معهم - خاضه من وقت مبكر من منظور إسلامي ليبرالي، فتاريخه - كما ترون - يعود إلى منتصف السبعينات الميلادية. وقد اختار أن يكون مكانه مجلة ذائعة في العالم العربي، هي مجلة «العربي»، التي كان مأذوناً لها بدخول كل البلدان العربية منذ نشأتها، والتي يشترك في الإقبال عليها خاصة القراء وعامتهم. إن الإشارة في التعريف به إلى أنَّه ذو اتجاه إسلامي مستنير، إشارة مهمة، فالمستنيرون والمنوّرون في الإسلاميين في وقت صدور كتاب الطناحي، كانوا قلة وأقلية في اتجاه مغمور بالظلاميين. إنَّ التعريف بكاتب أو دارس يكون بما يتمايز به عن غيره، من زملائه في الاتجاه أو رفاقه الحزبيين. استشعرت بغياب هذه الناحية - أيضاً - حين عرّف بمحمد رشاد سالم. ما يتمايز به محمد رشاد سالم عن أبناء جيله من جماعة الإخوان المسلمين، أنه في الجامعة درس الفلسفة، وتخصص في الدراسات العليا بالفلسفة الإسلامية. وتمايز عنهم بأنه اتجه إلى صنعة التحقيق، وإن كان اتجاهه هذا قصره على تراث ابن تيمية. فمن المفارقات أن الإسلاميين عموماً - إذا ما استثنينا اسم المحقق عبد البديع صقر - لم يتجهوا إلى تحقيق التراث الديني الإسلامي إلا في وقت متأخر من القرن الماضي! استكمالاً لمناقشة الطناحي في قوله: «هؤلاء هم شباب مصر في تلك الأيام، وكلهم الآن خارج مصر»، حين عرّف بأربعة من أعضاء «لجنة الشباب المسلم»، استأنف المناقشة بثالث المعرف بهم، وهو جمال الدين عطية. جمال الدين عطية تعرض للسجن في سجنة الإخوان المسلمين الأولى، ولم يتعرض له في عهد رجال الثورة. ربما لأنه هاجر إلى الكويت للعمل في سلك المحاماة. وقد فضل العيش خارج مصر، متنقلاً بين بلدان مختلفة، ربما لأنه - كما تقول مروية الإخوان المسلمين عنه - كان من شبابه ينتقل من نجاحات إلى نجاحات جديدة. وأختم المناقشة برابعهم، عبد الحليم محمد أحمد الذي عرّف به الطناحي، بأنه صاحب مكتبة دار القلم بالكويت. أذكر في قراءتي الأولى لما كتبه الطناحي عن «لجنة الشباب المسلم» في كتابه «مدخل إلى نشر التراث العربي...»، أنني كنت أجهل هذا الاسم، ومع قراءتي تالياً لما كتبه عبد المجيد دياب عنها في كتابه «تحقيق التراث العربي: منهجه وتطوره»، وتدقيقي في سرقته من الطناحي، كان مما لفت نظري في سرقته قوله في تعريفه بهذا الاسم: «أحد الذين توفروا على استخراج فكر ابن تيمية وإبراز كنوزه، وخرّج (!) له جزأين (!) من (منهاج السنة النبوية)، وصاحب مكتبة القلم بالكويت»، فهو اجتزأ من تعريف الطناحي بمحمد رشاد سالم وصاغه بركاكة لغوية، واستعمله في التعريف بعبد الحليم محمد أحمد! خطؤه هذا استحثني على معرفة من هو عبد الحليم محمد أحمد. بعد البحث عمن هو صاحب هذا الاسم من خلال اسمه الثلاثي، عرفت أنه هو المشهور باسم عبد الحليم أبو شقة. أبو شقة صحيح أنه سجن لمدة وجيزة في عهد رجال الثورة، لكنه هو الذي اختار أن يقيم لعقود طويلة خارج مصر. وللحديث بقية.


الشرق الأوسط
منذ 2 ساعات
- الشرق الأوسط
أهمية الاستقرار بالتفهم... والازدهار بالتفاهم
كان بشارة الخوري أول الرؤساء اللبنانيين الذين زاروا سوريا. فقد شارك في القمة التي استضافها الملك فاروق (29 - 30 مايو «أيار» 1946) في «أنشاص» وشارك فيها أيضاً الرئيس السوري شكري القوتلي والملك عبد الله ملك شرق الأردن والأمير سعود ولي عهد المملكة العربية السعودية (نيابة عن والده الملك عبد العزيز) وسيف الإسلام عبد الله نجل الإمام يحيى ملك اليمن. وما يلفت الانتباه دلالة على الانسجام اللبناني – السوري زمنذاك، أن الرئيس بشارة الخوري - وكان وصل إلى «أنشاص» - توجَّه برفقة جميل مردم بك (وزير سوريا المفوض لدى مصر) إلى مطار «أنشاص» لاستقبال الرئيس شكري القوتلي الآتي في طائرة عسكرية مصرية أقلَّته من القاهرة. وفي مذكراته يكتب بشارة الخوري عن أجواء المحادثات في الجلستيْن اللتيْن عقدهما القادة: «كنتُ أنا وشكري بك القوتلي كأننا شخص واحد، تفكيرنا واحد واتجاهنا واحد. والانعكاسات واحدة سواء في المفاوضات أو في الاجتماعات الخاصة يستأنس واحدنا بالآخر...». ويضيف دلالة على الانسجام في الموقف، وذلك عند تحديد ألقاب القادة الموقِّعين على نص المقررات: «مال الملك فاروق إلى أُذن جاره شكري بك القوتلي وهمَس إليه ببضع كلمات همَس بها شكري بك في أذني، فوافقتُ عليها بحنْي الرأس، ولم يلبث أن اقترح جاري الرئيس السوري أن يعرَّف الملك فاروق بلقب (ملك مصر والسودان وصاحب النوبة ودارفور وكردفان)، فوافق المجتمعون على ذلك. وأُجمع على النص النهائي فدُعي الخطاط الملكي واستجلَبَ رَقًّا لكتابة المقررات مدبَّجة بماء الذهب...». ويشير بشارة الخوري إلى أنه بعد انتهاء أعمال القمة: «توجّهنا أنا وشكري بك إلى المطار في سيارة واحدة، وتوديع الملك فاروق لنا ولسائر ضيوفه... رأى من المناسب إطلاع صديقه الرئيس السوري وبحضور الملك فاروق على دعوة تلقَّاها من تركيا». ثم يضيف:«أخبرْتهما بقبولي الدعوة مرحِّباً بذلك غير أنني لحظتُ في عينيْ شكري بك بارقة تعجُّب وخطرت على بالي مسألة لواء الإسكندرون في لمحة خاطفة. ثم خلوتُ به وقلت له: إذا كنتم ترون من المناسب أن أزوركم في دمشق زيارة رسمية قبْل زيارة تركيا فأنا على استعداد لها، فرحب الصديق الكبير بالفكرة، وعلى إثر رجوعي إلى لبنان من (أنشاص) تمت زيارة دمشق يوم 8 يونيو (حزيران) 1946». ويصف بشارة الخوري أجواء الزيارة التي يقوم بها أول رئيس للجمهورية اللبنانية التي باتت كما شقيقتها الجمهورية السورية وقد طُويت صفحة الانتداب الفرنسي لهما، على النحو الآتي: «كُنا وصلْنا إلى ضاحية دمشق (بعد استقبالنا رسمياً من جانب رئيس الوزراء سعد الله الجابري) وكان الرئيس شكري بك مع الهيئات الرسمية بانتظارنا على مسافة أربعة كيلومترات من المدينة، فترجلْتُ وتعانقتُ ومضيفي، بينما الجماهير تصفِّق بحرارة والجيش يؤدي التحية والموسيقى تعزف النشيديْن الوطنييْن. ثم كانت الحفلة الكبرى في حديقة القصر الجمهوري التي ظهرت بأجمل حُلة من المصابيح الكهربائية والرياحين. في اليوم الثاني وبعدما استيقظتُ باكراً وتناولتُ الفطور على السطيْحة وطالعتُ المقالات اللطيفة التي كتبتْها صحف دمشق عني وعن لبنان، تبادلتُ الحديث في مقابلة مطولة مع الرئيس السوري عن شؤون كثيرة؛ أولها زيارة تركيا، ولم يُخفِ شكري بك عني أن هذه الزيارة كانت قد ساءت السوريين لو لم تسبقها زيارتي لدمشق، فأجبته أنني قصدْتُ من زيارة دمشق رسمياً إظهار ما يكنه لبنان ورئيسه للشعب الشقيق من محبة وتقدير، قبْل أن أزور تركيا، وأضفتُ أن قضية إسكندرون لا تنتهي إلاَّ بتحكيم دولي، واقترحتُ أن تتبادل سوريا وتركيا التمثيل السياسي وفهمتُ من شكري بك أنه سيتم التبادل بين البلديْن في وقت ليس بالبعيد...». ويُنهي الرئيس بشارة الخوري انطباعاته عن زيارة دمشق بعبارة: «كانت الزيارة موفَّقة جداً والغيمة التي خيمت لحظة قصيرة ما لبثت أن تبددت إذ اتضحت نياتنا الطيبة نحو جارتنا العزيزة...». بعد هاتين الزيارتين المتبادلتين؛ زيارة الرئيس بشارة الخوري إلى دمشق، وقيام الرئيس شكري القوتلي بزيارة بيروت، تبدلت الأحوال والمعادلات والوجوه في كلتا الدولتين الجارتين الشقيقتين وباتت الزيارات مقتصرة وبما يشبه التحالف من جانب واحد في عهود ثلاثة رؤساء لبنانيين (إلياس الهراوي، إميل لحود، ميشال عون). وأما الآتي من الأيام فإنه، على ما يجوز الافتراض، استعادة متدرجة لما كانت عليه طبيعة العلاقات اللبنانية – السورية، وإن اختلف التعبير عن المشاعر تبعاً للمصالح وللمتغيرات الدولية، وعلى قاعدة قائمة على المثل الشعبي المتداول في دول الأمة وهو: «يا جاري أنت بحالك وأنا بحالي». وهذا المَثل بمثابة مفتاح الأبواب الموصدة أمام الطمأنينة للشعب ولمن يحكمه، وأمام إعادة بناء ما جرى تدميره في غمضة أعين - طالت الكثير - عن التبصر في أهمية عدّ التنمية والتأهيل المعرفي هما الأساس، وعلى قاعدة: الاستقرار بالتفهم... والازدهار بالتفاهم.