
كنيسة السيستين.. قبلة سياحية ومسرح لانتقال السلطة بالفاتيكان
كنسية السيستين هي كنيسة في الفاتيكان بنيت في أواخر القرن الـ15 الميلادي، وسميت باسم البابا سيستوس الرابع (1471-1884). يُحفظ فيها جثمان البابا إذا توفي إلى أن تنظم الجنازة الرسمية لتشييعه، كما تشهد مراحل انتخاب خليفة له، إذ يجتمع فيها مجمع الكرادلة لانتخاب البابا الجديد.
تضم الكنيسة جداريات ضخمة تصور أحداثا من حياة المسيح عيسى عليه السلام، وأخرى تجسد فصولا من حياة النبي موسى عليه السلام، كما تزين سقفها وجدرانها رسوم ومنحوتات تعبر عن التصور المسيحي للحياة الدنيا والآخرة.
وإضافة إلى وظيفتها الدينية والسياسية، إذ فيها ينتخب البابا الجديد، ومنها تنطلق القيادة الروحية للمسيحيين الكاثوليكيين في العالم، فإن كنيسة السيستين تعد إلى جانب كنائس أخرى مجاورة لها من أكبر الوجهات السياحية في العالم.
فرغم أنها شُيدت لغرض ديني فإنها تحولت على مر العصور إلى تحفة فنية ومعمارية تجذب ملايين السياح سنويا، لا يقصدونها بوازع ديني صرف، ولكن من أجل الاستمتاع بذخائرها الفنية التي تغطي كل مساحات المكان من الأرضية إلى السقف مرورا بالجدران.
المكان والمكانة
عند الحديث عن كنيسة السيستين ضمن معالم الفاتيكان الدينية والفنية والمعمارية، يجب تمييزها عن كنيسة مجاورة هي بازيليكا القديس بطرس التي شيدت لاحقا (عام 1506) ويوجد فيها ضريح القديس بطرس، وهي من أكثر المواقع قداسة لدى أتباع الكنيسة الكاثوليكية.
ويوجد ممر خاص يربط بين الكنيستين المتجاورتين. وخلافا لكنيسة القديس بطرس التي تفتح كثيرا من مرافقها بالمجان أمام ملايين الزوار، فإن السلطات القيّمة على السيستين تفرض رسوما مقابل الزيارة.
وينبغي أيضا التمييز بين كنيسة السيستين وبين متاحف الفاتيكان، وهي بمنزلة المتاحف العامة للفاتيكان وتعرض لوحات وأعمالا من المجموعة الفنية الهائلة التي جمعتها السلطات الكنسية الكاثوليكية ومؤسسة البابوية على مر العصور.
كنيسة السيستين لها شكل مستطيل، وتقدر مساحتها بحوالي 550 مترا مربعا، وهي ممتدة على طول نحو 41 مترا، وعرض 13.4 ويبلغ علوها 20.7 مترا، ولها 6 نوافذ مقوسة على كل من الجدارين الرئيسيين (أو الجانبيين)، وسقف مقبب.
تسمية الكنيسة
تعرف عموما بكنيسة السيستين، وهي كذلك فعلا وفق المعنى العام لكلمة كنيسة لدى المسيحيين باعتبارها في الأصل دار عبادة تتكون من ردهة وصحن (المعبد الأساسي) وحرم (يُطلق عليه أيضا المذبح أو المكان المقدس).
أما توصيفها الدقيق، وفق معايير الوظيفة والمساحة في الديانة المسيحية، فهي كنيسة صغيرة ليس لها لقب الرعية.
اسم كنيسة السيستين مستقى من اسم البابا سيستوس الرابع الذي كان معروفا أثناء توليه شؤون الفاتيكان (1471-1884) برعاية الفنون والفنانين، ومن إنجازاته الأخرى ذات الصلة تشييد مكتبة الفاتيكان.
بعد عامين على تولي قيادة الفاتيكان، كلف البابا سيستوس الرابع المهندس المعماري جيوفاني دي دولتشي ببنائها وفق تصميم معماري فريد مستوحى من معبد سليمان المذكور في العهد القديم واستغرق العمل فيها بين عامي 1473 و1481.
روائع فنية
وبين عامي 1481 و1483، رُسمت اللوحات الجدارية على الجدران الجانبية للكنيسة، ويضم الجدار الشمالي 6 لوحات جدارية تصور أحداثًا من حياة المسيح عيسى عليه السلام، والجدار الجنوبي 6 جداريات أخرى تجسد فصولا من حياة النبي موسى عليه السلام.
وتحمل تلك الجداريات توقيع الفنانين بييترو بيروجينو وبيرناردينو بينتوريكيو وساندرو بوتيتشيللي ودومينيكو غيرلاندايو وكوزيمو روسيللي ولوكا سيغنوريللي وبارتولوميو ديلّا غاتّا.
وإلى جانب تلك الأعمال، تُصوّر لوحات جدارية أصغر بين النوافذ عددا من أنشطة البابوات، وتضم الأجزاء السفلية من الجدران الجانبية سلسلة لوحات أبدعها الرسام رفاييللو دي سانزو، تصوّر أحداثا من الأناجيل وأعمال الحواريين.
بصمة مايكل أنغلو
واكتست الكنيسة لاحقا حلة أكثر بهاء في عهد البابا يوليوس الثاني (1503-1513) الذي كلف النحات مايكل أنغلو، أبرز فناني عصر النهضة الإيطالية، برسم لوحات تغطي كل مساحة سقف الكنيسة (حوالي 500 متر مربع)، وقد استغرق هذا العمل بين عامي 1508 و1512.
وصممت لوحات السقف وفق تصور يهدف لتوضيح بعض ملامح عقيدة الكنيسة الكاثوليكية، وذلك بتصوير 9 مقاطع من سفر التكوين.
وكان مطلوبا من مايكل أنغلو في الأصل رسم رسل المسيح أو حوارييه، وهم المعروفون باسم التلاميذ الاثني عشر، لكن الأمر تطور إلى لوحة أكبر بكثير استغرق إنجازها 4 سنوات، وتضمنت أكثر من 300 شخصية مستوحاة من عوالم المسيحية وأجواء عصر النهضة.
وبعد 23 عاما على اكتمال رسم لوحات السقف، عاد مايكل أنغلو إلى الكنيسة بتكليف من البابا كليمنت السابع الذي طلب منه عام 1535 رسم الحائط الكبير للكنيسة الذي يقع خلف منضدة المذبح.
واختار مايكل أنغلو لتلك الجدارية موضوع "يوم القيامة" أو "الحساب الأخير"، وانتهى منه في عام 1541، وكان ذلك في حبرية البابا بولس الثالث.
وتجسد تلك الجدارية فنيا مفهوم "الحساب الأخير" وفق المعتقد المسيحي، إذ تظهر المسيح وخلفه العذراء مريم في وسط الصورة وحولهم نحو 70 من الناس و"الملائكة".
وتصور الجدارية المسيح وهو يحاسب الناس على أعمالهم في الدنيا، فيظهر قسم منهم مباركين صاعدين، وقسم آخر هابطين لسوء ما اقترفوه في دنياهم، وفي المشهد أيضا كثير من "الملائكة" في أوضاع مختلفة الدلالات والأشكال.
وبوفاة بابا الفاتيكان، تستعيد كنيسة السيستين بعدها الديني الذي ارتبط بالسنوات الأولى لإنشائها، إذ ينقل جثمان البابا المتوفى إلى رحابها قبل نقله لاحقا إلى كنيسة القديس بطرس ضمن مراسم تشييع الجنازة وفق التقاليد والقوانين المعمول بها في الفاتيكان.
وبعد حوالي أسبوعين على رحيل البابا، تتحول كنيسة السيستين إلى ساحة انتخابية في تقليد يعود إلى عام 1492، إذ يلتئم تحت سقفها أعضاء مجمع الكرادلة لانتخاب الحبر الأعظم الجديد.
وقبل دخول الكرادلة الناخبين إلى كنيسة السيستين قادمين من كنيسة القديس بطرس، يقسمون اليمين بالسرية، ولا يسمح بدخول غيرهم إلى المكان، ويتم اتخاذ سلسلة من الإجراءات الأمنية تحت إشراف الحرس السويسري للحيلولة دون التواصل مع العالم الخارجي بأي شكل من الأشكال.
ويتم إبلاغ العالم الخارجي عن فحوى ومسار عمليات التصويت بشكل يومي عن طريق دخان يتصاعد من أعلى الكنيسة، يكون لونه إما أسود أو أبيض، حسب مجرى عمليات التصويت.
ويكون لون الدخان أسود إذا لم يحصل أي من المرشحين على ثلثي الأصوات اللازمة لذلك اليوم، ويتم إنتاج اللون الأسود بحرق بطاقات الاقتراع في موقد ممزوج بمواد كيميائية لهذا الغرض.
أما إذا تم اختيار مرشح لقيادة الكرسي الرسولي، فإن بطاقات الاقتراع تحرق بمواد كيميائية لإنتاج دخان أبيض يتصاعد من مدخنة الكنيسة.
وبعد إقرار البابا الجديد باستعداده لتولي مهمة الحبر الأعظم، يعلن كبير الكرادلة النبأ من شرفة كنيسة القديس بطرس مرددا باللغة اللاتينية عبارة "أنونشيو فوبيس جوديوم ماجنوم.. هابيموس بابام"، وتعني "أبشركم بفرح عظيم.. صار لنا بابا".
وبعد هذه اللحظة المفعمة بالرموز الدينية والأسرار الروحية والطقوس الضاربة في أعماق التراث الكاثوليكي، تسترجع كنيسة السيستين نفسها الفني والجمالي، وتبدأ في استقطاب ملايين السياح القادمين من كل أرجاء المعمورة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
١٣-٠٥-٢٠٢٥
- الجزيرة
روبرت بريفوست أول أميركي على كرسي الفاتيكان
بروفايل انتُخب الكاردينال الأميركي روبرت بريفوست على رأس الكنيسة الكاثوليكية الرومانية خلفا للبابا فرنسيس، وسيحمل اسم ليو 14، ليصبح البابا 67 بعد المئتين على رأس الكنيسة الكاثوليكية. اقرأ المزيد المصدر : الجزيرة


الجزيرة
٠٩-٠٥-٢٠٢٥
- الجزيرة
انتخاب الكاردينال روبرت بريفوست بابا جديدا للفاتيكان
انتُخب الكردينال روبرت بريفوست على رأس الكنيسة الكاثوليكية الرومانية خلفا للبابا فرانشيسكو. وسيحمل البابا الجديد اسم ليو الـ14، ليصبح البابا رقم 267 على رأس الكنيسة الكاثوليكية. اقرأ المزيد المصدر : الجزيرة


العرب القطرية
٠٨-٠٥-٢٠٢٥
- العرب القطرية
وحي من الوحي
د. خالد أحمد عبد الجبار عندما فلق الله البحر نصفين، عبر بنو إسرائيل إلى الحرية، تاركين فرعون وجنوده يغرقون في أمواجه المتلاطمة. كانت معجزة عظيمة، أطلقت أرواحهم من قيود العبودية، وبدأوا رحلتهم في الصحراء نحو الأرض الموعودة. كان انفلاق البحر قد انكشف عن طودين عظيمين، مضى كل منهما باتجاه مخالف للآخر، وتبع ذلك وابل من الأمطار، ولم تلبث المراكب الموجودة على بعد كيلومترات من الحادثة أن توقفت، إذ كان من التهوّر التقدّم دون معرفة ما يجري. وعليه فقد رسا المركب الذي يقل الشاب ساجد، والقادم من جهة الجنوب عند الضفة الشرقية، في مكان مقفر، وقرر الربان البقاء حتى تنجلي الفوضى، متقوّتين على كمية الأسماك التي جرفها الطود العظيم. كان ساجد يتسقط الأخبار كغيره، من المبحرين بالاتجاه المعاكس لاتجاههم، بينما الفوضى تجتاح كل شيء- كسدٍ عالٍ لم يقوَ شيء على تسطيحه- لذا شعر بدافع داخلي يدفعه للمغادرة. لم يكن يعرف لماذا، لكن صوتاً في أعماقه همس: 'ابحث عن الحقيقة وراء هذه الظاهرة». غادر ساجد المركب سيراً على قدميه، كان عليه أن يشق لنفسه درباً يعتلي الجبال ويقطع الصحراء، مضى يعد خطواته بصوت خافت لئلا ينشغل ذهنه بشيء آخر، وظل كذلك حتى أدرك حراسَ المؤخرة والسقاة المكلفين بجمع المتاع المتساقط. وأثناء سيره بمحاذاتهم، لاحظ شخصاً لا ينتمي إلى أيٍّ من المجموعتين. فما إن ثبّت بصره عليه، وأطلق العنان لبصيرته، حتى أدرك اختلافه عنهم. بل لاحظ أيضاً انغماسه في أحاديث وهمهمات مع نفسه، وكأنه يستمع إلى نفرٍ غير مرئيين ويرد عليهم، بل ويحادثهم. فقرر أن يتوجه إلى جماعة من السقاة يسيرون معاً ليتبادل معهم أطراف الحديث حول ما يجري، ولم ينسَ أن يسألهم عن هذا الرجل. فأخبروه أنه يُدعى السامري، وأنه صائغٌ ماهرٌ يمتلك يدين تجيدان تشكيل الذهب وإتقان صناعة التماثيل، وهو ما جعله شخصية بارزة بين بني إسرائيل، مطاعاً في أوساطهم. غير أن وضعه الحالي يثير الغرابة، ويطرح التساؤلات حول مدى تأثره بالأحداث التي دارت في الأيام السابقة، فارتأى أن يُبقي عيناً تتبع خطواته المتجهة نحو موسى عليه السلام، بينما عينه الأخرى تراقب ذلك المهووس. لم يكن اقتفاء أثره بالأمر الهيّن، فقد انطوى الاضطلاع بما فعل على أمرٍ عجيب، إذ انكشف له السامري عن قرب دون أن يدري بذلك. فوجده -وهو أمرٌ مغايرٌ عما يصفه الناس- هشاً تتلاعب به غواية الآخرين، يلهث وراء تمجيدهم له، أخرق السجية، ثقيل الظل، لا يكفُّ عن الثرثرة بأحاديث حمقاء وأفكار عبثية. كانت دوافعه اندفاعاتٍ طائشة تحمله حيث لا قرار، فربما كانت تلك شخصيته غير المكشوفة، أو نتيجة ما شاهده من أحداث. وهكذا، ازداد عزمه على اقتفاء أثره. ومع مرور الوقت، تبيَّن له أن السامري غدا أكثر ضبابية في تصرفاته، إذ رآه يتبع موسى أينما ذهب، حتى في خلواته، حاملاً بيديه وعاءً بإصرارٍ غريب، كأنما يخشى أن يفلت منه. بدا ذلك الوعاء أكثر من مجرد إناء، فدفع هذا الفضول الرجلَ إلى أن يحدو حدوه وهو يتابعه، حاملاً وعاءً مشابهاً، يقلّد فعله -كمن يحاكي ظلاً دون أن يعرف مصدر الضوء- لعله يكتشف سراً يكمن في هذا الفعل الغامض، فصار يراقب كل حركة، منتظراً لحظة قد تكشف له ما وراء هذا اللغز. حقيقة الأمر أن السامري كان قريباً من مسرح غرق فرعون، حيث شهد نجاةَ بدنه المُقدَّر كآيةٍ خالدة. وفي تلك اللحظة، رأى كيف حلَّق جبريل بفرسه ثم وطئ التراب، فانبجسَ من موطئ حوافره العشبُ الأخضر كما لو كان نبضُ الحياة يتدفق من تحت الرمال. فطِن السامري لهذا الأمر -بينما غفل عنه الآخرون- وأدرك أن في خطوات ذلك الفرس أثراً سماوياً، ومن ثم بدأ يجمع من ذلك الأثر المقدس بيديه المتلهفتين، ليودعه في وعائِه، وكذلك فعل ساجد، يقتفي أثرَ السامري، ويجمع مثله من أثر الرسول. ومضت الأيام، والسامري يحتفظ بالأثر المقدس الذي جمعَه بعناية من موطئ فرس جبريل. وفي يومٍ من الأيام، صعد موسى عليه السلام إلى جبل الطور للقاء ربه وتلقّي الألواح، فطالت غيبته. أصاب القلق بني إسرائيل، وعمَّت الحيرة قلوبهم، وتفاقم الاضطراب بانقسامٍ حاد حول ما ينبغي فعله. استغل السامري هذا الفراغ، فأقنع بعض بني إسرائيل بأن يعبدوا شيئاً ملموساً يملأ غياب موسى. جمع الحلي التي ائتمنوه عليها لصيانتها أو إعادة صياغتها، فصنع منها عجلاً ذهبياً ثم نثر عليه من الأثر المقدس الذي جمعَه، فصار للعجل خوارٌ كأنه حيّ. وقف السامري أمام القوم وقال: 'هذا إلهكم وإله موسى!' فانقاد له فريقٌ من بني إسرائيل، وسجدوا للعجل، ضالّين في غوايته. عاد موسى عليه السلام إلى قومه غضبان أسفاً، فواجه السامري بفعلته، فاعترف بما اقترفت يداه، عندها أمر النبي بإحراق العجل ونثر رماده في البحر، ونفى السامري عن القوم. وفي الوقت الذي التفت فيه موسى إلى أخيه هارون عليهما السلام، لعتابه عن عجزه عن ردع بني إسرائيل من انقيادهم للفتنة، غادر ساجد وقد أرهقه ما آلت إليه الأمور، وشعر بالغصة تقتات على سكينته، غادر حاملاً الوعاء بما جمع فيه من أثر الرسول -ويبدو أنّ موسى عليه السلام لم ير منه غير عمامته التي لاثها حول رأسه، فغطت جبينه إلى الحاجبين- كان يبتعد بخطى وئيدة، كانت من البطء بحيث يُرَى وكأنه قابع في مكانه بلا حراك. اتجه ساجد صوب جبل الطور، وهناك وجد كهفاً يمكن إخفاء مدخله بقليل من الجهد، وفي داخله وقف مصلياً لله، مستغفراً له، وألح في دعائه بحماسة من يحسن ظنه بربه، طالباً أن يجعل الوعاء في أوقات اليأس، ينبوعاً لأرواحٍ صالحة. فتتجلى بإرادة الله، لتلهم من يتحلون بالشجاعة والبصيرة والغيرة على دين الله، فتمكنهم من إصلاح الأرض وتعميرها بعد أن أفسدها طغاة ظنوا أن سلطانهم لا يُدحر. إن المتتبع لناموس الدنيا يرى أن الله يُبقي ضوءًا، وإن خَفَت، يتحدى ظلمات اليأس. ينتصر هذا النور حين يظن المؤمنون أن الأمل قد خاب، كما دعا ساجد لوعائه أن يكون ينبوع إلهام. واليوم، بعد أكثر من ثلاثة آلاف عام منذ أيام السامري وساجد، وأربعة عشر قرناً من بعثة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، نرى وعد الله يتجلى في رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، يحملون نور الهداية فتطمئن القلوب. وفي كل أرض، كالشام وغيرها، تبقى جذوة الحق متوهجة إلى يوم المعاد.