
أفريقيا تغيّر قواعد اللعبة.. واشنطن تواجه جدارًا سياديًا
في خطوة تعبّر عن تحوّل نوعي في العلاقات بين الولايات المتحدة وإفريقيا، رفضت نيجيريا، الدولة الأكثر كثافة سكانية في القارة، استقبال المهاجرين المرحّلين من دول أخرى بناءً على سياسات الترحيل الأمريكية. هذا الموقف، الذي عبّر عنه وزير الخارجية النيجيري يوسف توغار بوضوح، يعكس رفضاً لتكرار نمط العلاقات التي تقوم على المنفعة الأحادية والضغوط السياسية.
الرفض النيجيري لا يتعلق فقط بقضية الهجرة، بل يمثل إعلاناً عن نهج دبلوماسي جديد يعتمد على احترام السيادة وتوازن المصالح، في وقت تشهد فيه الدول الإفريقية مراجعة عميقة لعلاقاتها مع القوى العالمية التقليدية.
سياسة الترحيل الأمريكية
وفق ما نشرت مجلة فورين بولسي الأمريكية، فإنه مع إحياء الرئيس الأمريكي دونالد ترمب لسياسة الترحيل إلى 'دول ثالثة'، والتي بدأها في أمريكا اللاتينية، تحاول واشنطن توسيع نطاق الاتفاقيات مع الدول الإفريقية لتصبح مأوى للمهاجرين غير المرتبطين بها. وقد قبلت دول مثل إسواتيني وجنوب السودان بهذه الاتفاقيات، في حين رفضت نيجيريا الأمر بشكل قاطع.
وجاء الرد النيجيري حاسماً، حيث صرّح الوزير توغار بأن نيجيريا 'لديها ما يكفي من التحديات' ولا يمكنها تحمل تبعات سياسات لا تخدم مصالحها. هذا الرفض يتجاوز حدود الهجرة، ليعبّر عن رفض شامل للضغوط الدبلوماسية من أجل مكاسب مؤقتة.
أبعاد اقتصادية واجتماعية
ترتكز نيجيريا في رفضها على واقع داخلي مثقل بالتحديات. فمع وجود أكثر من 230 مليون نسمة، تواجه البلاد أزمة بطالة متفاقمة بين الشباب، وارتفاعًا في انعدام الأمن الغذائي، بالإضافة إلى صراعات مسلّحة في شمال البلاد. كما تعاني السجون من اكتظاظ بنسبة 137%.
في ظل هذه المعطيات، فإن استقبال مهاجرين من دول أخرى، لا علاقة لهم بنيجيريا، سيشكّل عبئاً إضافياً على البنية التحتية والخدمات الاجتماعية التي تعاني أصلاً من ضعف في التمويل والإدارة.
سيادة دبلوماسية
يتماشى موقف نيجيريا الرافض لسياسة الترحيل الأمريكية مع عقيدتها الدبلوماسية المعروفة باسم 'الـ4Ds'، والتي تقوم على أربع ركائز: الديمقراطية، التنمية، الديموغرافيا، والشتات. وتعكس هذه الرؤية التزام نيجيريا بلعب دور قيادي في القارة الإفريقية من خلال بناء شراكات تقوم على الاحترام المتبادل، وعدم المساس بالسيادة الوطنية.
الاتفاقيات الأمريكية المقترحة، التي تقوم على منطق الصفقة والضغط مقابل المساعدات أو التسهيلات التجارية، لا تتماشى مع هذا التوجّه، بل تُقوّضه.
المخاطر المحتملة
رغم وجاهة الموقف النيجيري، فإن التبعات قد تكون ثقيلة. ففي وقت تسعى فيه نيجيريا لتوسيع شراكاتها مع تكتلات كـ'بريكس'، تتجه واشنطن إلى فرض تعريفات جديدة قد تُصعّب العلاقات التجارية مع الشركاء الجدد.
كذلك، قد يترتب على هذا الرفض تجميد مساعدات أو عرقلة تعاون في ملفات الأمن الإقليمي، خصوصًا أن نيجيريا تلعب دورًا محوريًا في عمليات حفظ السلام ومكافحة الإرهاب في غرب إفريقيا.
تحوّل إفريقي أوسع
نيجيريا ليست وحدها في هذا التحوّل. فعدد متزايد من الدول الإفريقية بدأ يرفض لعب دور 'المقاول الفرعي' للسياسات الغربية. فجنوب إفريقيا، مثلاً، تواصل علاقاتها مع روسيا وإيران رغم الضغوط الأمريكية، وتُظهر رغبة في صياغة سياسة خارجية مستقلة.
هذا الاتجاه يعكس بداية مرحلة جديدة من الإدراك السيادي لدى الدول الإفريقية، التي باتت تطالب بعلاقات تقوم على الشراكة لا الوصاية.
منافسون جدد
في ظل هذا التحوّل، تتوسع القوى غير الغربية في إفريقيا بسرعة، مثل الصين وروسيا وتركيا ودول الخليج، حيث تقدم مشاريع استثمارية وبُنى تحتية دون فرض شروط سياسية أو تدخلات داخلية.
صحيح أن هذه العروض ليست خالية من المخاطر مثل تفاقم الديون أو تراجع الشفافية، إلا أنها تجد قبولاً لأنها تُعامل الدول الإفريقية كأنداد لا كتوابع.
شراكة أم ضغوط؟
على الولايات المتحدة أن تدرك أن قواعد اللعبة قد تغيرت. فالدبلوماسية القائمة على الابتزاز أو العروض المشروطة لم تعد فعالة في ظل بروز قوى بديلة أكثر مرونة. الموقف النيجيري ليس تحديًا فقط، بل دعوة لإعادة تقييم شاملة لسياسات واشنطن تجاه القارة.
إذا أرادت الولايات المتحدة الحفاظ على علاقاتها الاستراتيجية في إفريقيا، فعليها أن تستبدل منطق الضغط بمنطق التعاون، وتُعامل الشركاء الأفارقة كأطراف فاعلة كاملة السيادة، لا مجرد أدوات في سياسات داخلية أو أمنية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الوطن
منذ 15 دقائق
- الوطن
أوروبا تطالب بمشاركة أوكرانيا في لقاء بوتين وترمب
21:55 الاثنين 11 أغسطس 2025 - 17 صفر 1447 هـ أكدت دول شمال أوروبا والبلطيق، أن المفاوضات بشأن إنهاء الحرب بين أوكرانيا وروسيا لا يمكن أن تعقد إلا في ظل وقف لإطلاق النار، وأنه لا ينبغي اتخاذ «أي قرارات» من دون مشاركة كييف.ويلتقي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نظيره الأمريكي دونالد ترمب في ولاية ألاسكا الأمريكية، الجمعة المقبل في محاولة لوضع حد للحرب المستمرة منذ نحو ثلاث سنوات، رغم صدور مواقف أوكرانية وأوروبية تحذر من استبعاد كييف من المفاوضات. وأصدر زعماء الدنمارك وإستونيا وفنلندا وأيسلندا ولاتفيا وليتوانيا والنرويج والسويد بيانا مشتركا أعلنوا فيه «دعمهم الثابت لسيادة أوكرانيا واستقلالها وسلامة أراضيها». مشاركة أوكرانيا وفي حين رحب الزعماء بمبادرة ترمب «للمساعدة في إنهاء هذه الحرب»، أكدوا أيضاً ضرورة مشاركة أوكرانيا وأوروبا في المحادثات، وأضافوا «يجب أن يتمتع شعب أوكرانيا بحرية تقرير مستقبله. لا يمكن رسم طريق السلام من دون صوت أوكرانيا».وشدد زعماء دول شمال أوروبا ودول البلطيق على أن «لا قرارات بشأن أوكرانيا من دون أوكرانيا، ولا قرارات بشأن أوروبا من دون أوروبا». مصير الأراضي قال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته، إن محادثات السلام المستقبلية بشأن أوكرانيا سيتعين عليها على الأرجح أن تتناول مصير الأراضي التي تخضع حاليا لسيطرة روسيا.وقال روته لشبكة «إيه بي سي نيوز» الأمريكية: «علينا أن نعترف في هذه اللحظة بأن روسيا تسيطر على بعض الأراضي الأوكرانية». وأضاف أنه بعد وقف إطلاق النار، ستركز المناقشات على القضايا الإقليمية والضمانات الأمنية المحتملة لأوكرانيا.وأكد روته ضرورة التمييز بين الاعتراف «الواقعي» و«القانوني» في المسائل الإقليمية. ويمكن أن يجري الاعتراف بأي اتفاق محتمل بالسيطرة الفعلية لروسيا على مناطق معينة دون قبولها قانونيا، وفق تعبيره. قمة الجمعة ومن المقرر أن يلتقي الرئيس الأمريكي دونالد ترمب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في ألاسكا، الجمعة المقبل، لمناقشة حل دبلوماسي محتمل للصراع في أوكرانيا.وأشاد روته بجهود ترمب، قائلا: «يوم الجمعة المقبل سيكون مهما لأنه سيتعلق باختبار مدى جدية بوتين في إنهاء هذه الحرب الفظيعة»، ولم تتم دعوة الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي إلى محادثات ألاسكا حتى الآن. محاولات يائسة أفادت صحيفة «بوليتيكو» بأن الدول الأوروبية تسعى «يائسة» لإشراك زيلينسكي في القمة المرتقبة بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأمريكي دونالد ترمب في ألاسكا.وأشارت التقارير إلى أن اجتماعا طارئا عقد عبر تقنية الفيديو بين وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي ونظيرهم الأوكراني أندريه سيبيكا في محاولة لـ«ضمان مقعد لزيلينسكي على طاولة المفاوضات»، رغم أن مصادر أوروبية وصفت الأمر بأنه «شبه مستحيل».جاءت هذه التحركات بعد تأكيدات من البيت الأبيض - نقلتها شبكة «سي إن إن» - بأن أي مشاركة أوكرانية لن تتم إلا بعد انتهاء اللقاء الثنائي بين بوتين وترمب.كما عبر مكتب زيلينسكي عن مخاوف جدية من أن تتخذ قرارات مصيرية بشأن الأزمة الأوكرانية دون مشاركة كييف، وهو ما دفع زعماء أوروبيين بارزين مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني فريدريش ميرتس للتأكيد على أن «مستقبل أوكرانيا يجب أن يقرره الأوكرانيون أنفسهم». حضور زيلينسكي ممكن قال السفير الأمريكي لدى حلف شمال الأطلسي ماثيو ويتاكر إن حضور فلاديمير زيلينسكي لقمة ألاسكا ممكن، لكنه لم يحسم بعد ويعتمد على قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترمب.ومن المقرر أن تعقد قمة ألاسكا في 15 أغسطس الجاري، بين الرئيس الأمريكي دونالد ترمب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ويدرس البيت الأبيض بجدية دعوة زيلينسكي، حيث وصف مسؤولون أمريكيون كبار الدعوة بأنها «قيد الدراسة» و«ممكنة تماما».وقالت مصادر أمريكية مطلعة، وفق «أن بي سي نيوز»، إنه في الوقت الحالي، يركز البيت الأبيض على التخطيط للاجتماع الثنائي، لكن ترمب لا يزال منفتحا على عقد قمة ثلاثية مع الزعيمين. ونقلت القناة عن أحد الأشخاص المطلعين على المناقشات قوله إنه في حال سفر زيلينسكي إلى ألاسكا، فليس من الواضح ما إذا كان سيلتقي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في نفس الغرفة أم لا.

موجز 24
منذ ساعة واحدة
- موجز 24
ترامب : سأتناول في الاجتماع مع بوتين ضرورة إنهاء حرب أوكرانيا
قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب اليوم (الاثنين) إن اجتماعه مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في ألاسكا يوم الجمعة سيكون بهدف حث روسيا على إنهاء الحرب في أوكرانيا. وأضاف ترمب لصحافيين: «سأتحدث إلى فلاديمير بوتين، وسأخبره بضرورة إنهاء هذه الحرب». وأكد الرئيس الأميركي أن المحادثات مع بكين تسير «بشكل جيد»، قبل ساعات من انتهاء الهدنة التي شملت تعليق خلافهما بشأن الرسوم الجمركية. وقال ترمب للصحافيين في البيت الأبيض: «سنرى ما سيحدث (…) إن العلاقة التي تربطني مع الرئيس شي (جينبينغ) جيدة جداً». من جهته، حث الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي حلفاء بلاده، اليوم (الاثنين)، على إبقاء عقوباتهم المفروضة على روسيا لحين حصول أوكرانيا على ضمانات أمنية. وأضاف زيلينسكي في منشور على منصة «إكس» عقب اتصال هاتفي مع رئيس الوزراء الكندي مارك كارني: «الروس يريدون ببساطة كسب الوقت، لا إنهاء الحرب». وفي سياق متصل، قالت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، إن الضغط على روسيا ودعم أوكرانيا هما السبيل لإنهاء الحرب ومنع أي هجوم روسي مستقبلي في أوروبا. وأضافت كالاس في منشور على «إكس» أن وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي عبّروا في اجتماع عُقد، اليوم (الاثنين)، عن دعمهم للخطوات الأميركية «التي ستؤدي إلى سلام عادل» في أوكرانيا.


الشرق الأوسط
منذ 6 ساعات
- الشرق الأوسط
ألاسكا... ولاية أميركية ذات تاريخ روسي
كانت ألاسكا التي تستضيف الجمعة قمة بين الرئيسين الأميركي دونالد ترمب والروسي فلاديمير بوتين، تحت سيطرة الإمبراطورية الروسية قبل أن تبيعها في القرن التاسع عشر للولايات المتحدة. لكن النفوذ الروسي لم يتبدد من هذه الولاية الأميركية الواقعة في الدائرة القطبية الشمالية. يُذكر أن المستكشف الدنماركي الذي خدم في البحرية الروسية فيتوس بيرينغ، عندما أبحر في المضيق الذي يفصل بين آسيا والقارة الأميركية عام 1728، كان يقوم برحلة لحساب روسيا القيصرية. ومع العثور على المضيق الذي عُرف لاحقاً بـ«مضيق بيرينغ»، اكتشف إلى غربه منطقة ألاسكا التي كانت تسكنها شعوب أصلية منذ آلاف السنين. كانت رحلة بيرينغ بداية لقرن من الحملات الروسية لصيد الفقمة، مع إقامة أول مستعمرة في جزيرة كودياك. وفي عام 1799، أنشأ القيصر بافل الأول الشركة الروسية - الأميركية لتنظيم تجارة الفراء؛ ما ترافق مع مواجهات مع السكان الأصليين. لكن الصيد المفرط تسبب في تراجع حاد في أعداد الفقمة وثعالب البحر، وانهار معه اقتصاد المستعمرين. وفي عام 1867، باعت موسكو ألاسكا إلى واشنطن، مقابل 7.2 مليون دولار. وأثارت الصفقة انتقادات شديدة في الولايات المتحدة، وأُطلق على عملية شراء منطقة تبلغ ضعف مساحة تكساس تسمية «جنون سيوارد»، تيمناً بوزير الخارجية ويليام سيوارد الذي دبّر الصفقة. تبقى الكنيسة الأرثوذكسية الروسية التي رسخت وجودها في ألاسكا منذ إنشاء الشركة الروسية - الأميركية، من أبرز الشواهد على ماضي الولاية الروسي. وتنتشر على سواحل ألاسكا أكثر من 35 كنيسة تاريخية، تعلو بعضها قبب تتبع أنماط هندسة الكنائس الأرثوذكسية، بحسب بيانات جمعية تعمل على حمايتها. تعتبر أبرشية ألاسكا الأرثوذكسية الأقدم في أميركا الشمالية، وتضم معهداً لاهوتياً أقيم في جزيرة كودياك. واستمرت لغة محلية مشتقة من الروسية وممزوجة باللغات الأصلية لعقود في مناطق مختلفة، ولا سيما في محيط مدينة إنكوريج الكبرى، لكنها باتت اليوم على وشك الاندثار. ورغم ذلك، لا تزال الروسية تعلَّم في شبه جزيرة كيناي، قرب الأنهار الجليدية الهائلة. هناك تستقبل مدرسة ريفية صغيرة تابعة لمجموعة أرثوذكسية تُعرف باسم «المؤمنين القدامى»، انبثقت من انشقاق حصل في الكنيسة في القرن السابع عشر واستقرت هناك في الستينيات، نحو مائة تلميذ تدرسهم باللغة الروسية. ومن أشهر ما قيل عن قرب ألاسكا من روسيا، تصريح أدلت به حاكمة الولاية ساره بايلين في 2008 حين كانت مرشحة لمنصب نائبة الرئيس على تذكرة الجمهوري جون ماكين؛ إذ أعلنت أن «الروس جيراننا في الجهة المقابلة، يمكنكم في الواقع رؤية روسيا من جزيرة في ألاسكا». والواقع أنه لا يمكن رؤية روسيا من أي نقطة في بر ألاسكا، غير أن جزيرتين تتقابلان من جانبَي «مضيق بيرينغ» لا يفصل بينهما سوى أقل من أربعة كيلومترات. وإلى الجنوب، وصل روسيان في أكتوبر (تشرين الأول) 2022 إلى جزيرة سانت لورانس على مسافة أقل من مائة كلم من السواحل الروسية، لطلب اللجوء في الولايات المتحدة بعدما أعلن بوتين حملة تجنيد عسكري لتعزيز القوات في ظل الغزو الروسي لأوكرانيا. ويعلن الجيش الأميركي بانتظام منذ سنوات اعتراض طائرات روسية تقترب من المجال الجوي للولايات المتحدة فوق ألاسكا. غير أن روسيا لا تبدي اهتماماً باستعادة السيطرة على ألاسكا التي وصفها بوتين بسخرية في 2014 بأنها «شديدة البرد».