
كيف نعالج نزاعات العشائر والعوائل؟ وهل توجد خلافات بين علماء الحوزة؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة على سيدنا محمد وأهل بيته الطاهرين، سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولاقوه إلا بالله العلي العظيم.
قال الله العظيم في كتابه الكريم: (إِنَّ هذا أَخي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنيها وَعَزَّني فِي الْخِطابِ * قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ وَإِنَّ كَثيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ إِلاَّ الَّذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَليلٌ ما هُمْ)[1].
والبحث يدور بإذن الله تعالى في فصلين:
كيف نعالج النزاعات في الأُسُر والمؤسسات والعشائر؟
الفصل الأول: كيف نُعالِج النزاعات العائلية والأُسرية، وعلى مستوى المؤسّسات الدينية، والثقافية، والخدمية، والاجتماعية، والأحزاب، والنقابات، والاتحادات، وحتى الشركات والوزارات؟
ذلك أنَّ النزاعات والخلافات أصبحت ظاهرة خطيرة تُلقي بظلالها الثقيلة على كلِّ بيتٍ ومؤسّسةٍ وتجمّع... بل أصبحت كالأخطبوط الذي مدَّ أذرُعه الموحشة إلى جميع أنحاء الجسد، وراح يمتصُّ الدماء الجارية في شتى العروق بشراهة.
نزاع على تل ترابي حصد عشرة قتلى!
وقد نُقِل أنَّ نزاعاً حصل أخيراً بين عشيرتين، راح ضحيته ستة قتلى من طرف، وأربعة من طرف آخر، وهي مأساةٌ عظمى حقّاً، إذ (مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَميعاً وَ مَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَميعاً)[2]، وسببُ هذا النزاع يعود إلى أنَّ مقاولاً ألقى بتلٍّ من التراب على قارعة الطريق بالقرب من العشيرتين، وكانت دار أحد الأفراد أقرب إلى التلّ الترابي من الآخر.
فجاء الآخر البعيد، وأخذ من التراب كمّيةً ليصنع به سدّاً أو غيره، فجاءه الجار القريب محتجّاً: بأنك سرقت حقي!، فتشاجرا، وتطوّر الشجار إلى أن قتل أحدهما الآخر، فتدخّل سائر أفراد العشيرة فقتلوا القاتل، وهكذا... حتى بلغ القتلى عشرة أنفس قُتلت على باطل وبالباطل تماماً إذ أنه:
أولاً: لم يكن لأحدهم الحقُّ في التراب بمجرد المجاورة أو القرب، وإنّما يتولّد الحقُّ من الحيازة؛ فالحائز أولاً هو المالك أو ذو الحق فلا يحق للآخر مطالبته بشيء.
ثم، لو فُرض أنَّ للقريب الحقّ (بمجرّد أقربيته)، فإنَّ النزاع ينبغي أن يُرفع إلى القاضي أو قاضي التحكيم والعالِم، وإلا فلـشيخ العشيرة أو أهل الحلّ والعقد، أو إلى المحاكم.. وعلى أيِّ تقدير، لا يجوز شرعاً ولا عقلاً المباشرة في الاعتداء على الآخر لمجرّد أن أحدهم يرى أنه ذو حق.
بل المطلوب من المؤمن، حتى لو كان هو ذو الحقّ قطعاً، أن يتنازل عن حقّه، فإنَّ في ذلك الأجر والثواب والعطاء الإلهي بلا حساب.
قصة الأخ الذي ضيقوا عليه في الإرث، وكيف ماتوا؟
وقد وردت بذلك الروايات الشريفة، ومن أروع الروايات:
ما ورد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (قُلْتُ لَهُ: إِنَّ إِخْوَتِي وَ بَنِي عَمِّي قَدْ ضَيَّقُوا عَلَيَّ الدَّارَ وَأَلْجَئُونِي مِنْهَا إِلَى بَيْتٍ وَلَوْ تَكَلَّمْتُ أَخَذْتُ[3] مَا فِي أَيْدِيهِمْ، قَالَ: فَقَالَ لِيَ: اصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ سَيَجْعَلُ لَكَ فَرَجاً، قَالَ: فَانْصَرَفْتُ وَوَقَعَ الْوَبَاءُ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ[4] فَمَاتُوا وَاللَّهِ كُلُّهُمْ فَمَا بَقِيَ مِنْهُمْ أَحَدٌ، قَالَ: فَخَرَجْتُ فَلَمَّا دَخَلْتُ عَلَيْهِ قَالَ: مَا حَالُ أَهْلِ بَيْتِكَ؟ قَالَ: قُلْتُ لَهُ: قَدْ مَاتُوا وَاللَّهِ كُلُّهُمْ فَمَا بَقِيَ مِنْهُمْ أَحَدٌ، فَقَالَ: هُوَ بِمَا صَنَعُوا بِكَ، وَبِعُقُوقِهِمْ إِيَّاكَ وَقَطْعِ رَحِمِهِمْ بُتِرُوا[5]، أَتُحِبُّ أَنَّهُمْ بَقُوا وَأَنَّهُمْ ضَيَّقُوا عَلَيْكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: إِي وَاللَّهِ)[6]
وتوضيح الرواية في نقاط:
1- إنَّ الدار هي ما دارت عليه الجدران، والمنزل ما ينزل فيه الإنسان، فيشملان مجموع البناء، وأمّا البيت فهو ما يبيت فيه الإنسان ليلاً، والمسكن، أي: إحدى الغرف التي قد تُسمّى غرفة النوم، وقد يطلق على الأعم منه.
2- والذي يبدو أنَّ هذه الدار كانت إرثاً من جدّهم وصلت إليهم (أبناء العمومة)، لكنّهم ضيّقوا على هذا الأخ (وابن العم) وحاصروه في بيت فقط، ولم يسمحوا له بالاستفادة من سائر الدار.
3- وإنه كان قادراً على انتزاع حقّه منهم، بمجرد أن يتكلّم ويُطالب بحقّه، على ما هو المستظهر من أن التاء ضمير المتكلم.
4- وإنه كان مظلوماً دون ريب، وكانوا هم الظلمة دون شك.
5- ومع ذلك، قال له الإمام (عليه السلام): (اصْبِرْ...) مع أنَّنا عادةً، إذا علمنا بأننا على حقّ في هذا الإرث (بل البعض، حتى لو ظنّ أو حتى احتمل)، فإننا نُطالب به وبقوّة، وقد نرفع الأمر إلى القضاء.
6- إنَّ الله تعالى عاقب أولئك الإخوة وبني العمومة الذين قطعوا رحمهم، وغصبوا حقَّ هذا الأخ وظلموه، بأن ماتوا كلهم في الوباء، وكتب لهذا الأخ العمر، وأنقذه من نفس الوباء، لأنه وصل الرحم ولم يقطعهم، رغم أنهم أكلوا حقَّه.
7- إنَّه مع ذلك، كان رقيق القلب، مُحبّاً لهم، حتى إنه تمنّى أن لا يموتوا بالوباء وأن يبقوا أحياء، ولو ضيّقوا عليه!
روايات في القطيعة وفي الصلة
وورد عن الكليني بإسناده إلى وصية أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: (... وَعَلَيْكُمْ يَا بَنِيَّ بِالتَّوَاصُلِ وَالتَّبَاذُلِ وَالتَّبَارِّ، وَإِيَّاكُمْ وَالتَّقَاطُعَ وَالتَّدَابُرَ وَالتَّفَرُّق...)[7]، والرواية صحيحة الإسناد.
وفي نهج البلاغة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال في وصف المتقين: (... يَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَهُ وَيُعْطِي مَنْ حَرَمَهُ وَيَصِلُ مَنْ قَطَعَهُ...)[8]
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) انه كتب في وصيته لنجله الحسن (عليه السلام): (وَإِنْ أَرَدْتَ قَطِيعَةَ أَخِيكَ فَاسْتَبْقِ لَهُ مِنْ نَفْسِكَ بَقِيَّةً يَرْجِعُ إِلَيْهَا إِنْ بَدَا لَهُ ذَلِكَ يَوْماً مَا... وَلَا يَكُونَنَّ أَخُوكَ أَقْوَى عَلَى قَطِيعَتِكَ مِنْكَ عَلَى صِلَتِهِ... وَقَطِيعَةُ الْجَاهِلِ تَعْدِلُ صِلَةَ الْعَاقِلِ)[9].
والغريب، مع ذلك كله، أنَّ بعضَنا يتنازع مع أرحامه لأتفه الأسباب، وقد نُقِل أنَّ أُختين قاطعت كُبراهما صغراهما لأكثر من خمس عشرة سنة، ولم تُكلّمها أبداً، لمجرّد أنَّ الأخت الصغرى، ذات مرة، دخلت في مجلسٍ متقدّمةً على أُختها الكبرى، فزعلت منها الكبرى هذا الزعل الشديد الغريب البشع... ورغم أنَّ الصغرى أوضحت أنَّها لم تلتفت إلى وجود أختها في ممرّ المجلس وأنّها لذلك تقدّمت... إلا أنَّ الكبرى ظلّت مُصِرَّةً على مقاطعتها، بل وتكذيبها... ثم إنَّ الصغرى مهما اعتذرت، وحاولت تقبيل يدي أختها الكبرى، رفضت ذلك كلّه...
فأيُّ أُناسٍ هؤلاء!.. ولكنّ الغريب أنه يوجد من أمثالهم الكثير الكثير في مجتمعاتنا، للأسف الشديد.
غاصبوا الإرث!!
ومن نماذج ذلك: أولئك الإخوة الذين يغصبون إرث أخواتهم أو زوجاتهم، متسلّحين بأنّهم الأقوى، وأنَّ الأخوات ضعيفات، فماذا يفعلن؟! وقد قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا ۖ وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا﴾[10].
ومن الواضح ان الشيطان يقف وراء النزاعات جميعاً (وَقُلْ لِعِبادي يَقُولُوا الَّتي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبيناً)[11].
ولكن، إضافةً إلى ذلك، فإنه كثيراً ما يقف العدو البشري وراء النزاعات، وقد يكون هذا العدو جاراً، أو قريباً، أو منافساً، بل قد يكون الاستعمار، إذ أنَّ سياسته هي: (فرّق تَسُدْ)، خاصةً بين الشعوب والدول الإسلامية...
وقديماً قيل: (لو أنّ سمكتين تنازعتا في قعر البحر، فاعرف بأنَّ أبا ناجي هو الذي يقف وراء ذلك النزاع)!! ومن الواضح أنّه ليس المقصود حرفية ذلك، بل للدلالة على دور الإنجليز الكبير في النميمة، وإلقاء الفتنة بين عشيرة وأخرى، وحزب وآخر، وقائد وقائد، وشعب وشعب... وهكذا.
مفتاح الحل في كلمتين: التواصل والتنازل
ومن الروايات السابقة والآتية وغيرها، يظهر أنَّ مفتاح الحلّ يكمن في كلمتين: التواصل والتنازل.
روايةٌ: المتهاجران ملعونان وقد يبرأ الله تعالى منهما
فلنقرأ الرواية التالية أولاً، ففي وصية المفضل سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (لَا يَفْتَرِقُ رَجُلَانِ عَلَى الْهِجْرَانِ، إِلَّا اسْتَوْجَبَ أَحَدُهُمَا الْبَرَاءَةَ وَاللَّعْنَةَ، وَرُبَّمَا اسْتَحَقَّ ذَلِكَ كِلَاهُمَا.
فَقَالَ لَهُ مُعَتِّبٌ: جَعَلَنِيَ اللَّهُ فِدَاكَ، هَذَا الظَّالِمُ، فَمَا بَالُ الْمَظْلُومِ؟
قَالَ: لِأَنَّهُ لَا يَدْعُو أَخَاهُ إِلَى صِلَتِهِ، وَلَا يَتَغَامَسُ لَهُ عَنْ كَلَامِهِ[12]، سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: إِذَا تَنَازَعَ اثْنَانِ، فَعَازَّ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ[13]، فَلْيَرْجِعِ الْمَظْلُومُ إِلَى صَاحِبِهِ، حَتَّى يَقُولَ لِصَاحِبِهِ: أَيْ أَخِي، أَنَا الظَّالِمُ، حَتَّى يَقْطَعَ الْهِجْرَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَاحِبِهِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَكَمٌ عَدْلٌ، يَأْخُذُ لِلْمَظْلُومِ مِنَ الظَّالِمِ)[14].
من فقه الرواية
1- (الْبَرَاءَةَ): أي أنَّ الله تعالى يبرأ منه، وهو عقابٌ عظيمٌ جداً، إذ إنَّ الله يبرأ من المشركين، كما في قوله تعالى: (أَنَّ اللَّهَ بَريءٌ مِنَ الْمُشْرِكينَ وَرَسُولُهُ)[15]، فكأنَّ من يُقاطِع أخاه بمنزلة الـمُشرك بالله تعالى، إذ لم يُطع أمره، وأطاع أمر الشيطان.
2- (اللَّعْنَةَ): أي الإبعاد عن رحمته تعالى، دُنياً وآخرة، وتتضح خطورة البعد عن رحمته جل اسمه عندما نستحضر أنّ من شُعَبِ رحمته: الصحة والعافية والأمن والإيمان والذرية الصالحة.. إلخ.
3- (هَذَا الظَّالِمُ...) يكشف عن أنَّ الكلام كلّه عن صورة مُسلَّمية كون هذا مظلوماً وأنه مع ذلك عليه أن يتنازل، مع أنَّ النزاعات عادةً يكون الحق والباطل فيها مختلطاً، أي: لا يُعلَم مَن المظلوم ومَن الظالم، أو يكون كلٌّ منهما ظالماً من جهة ومظلوماً من جهة.
وأمّا الرواية فتفيد أنّه حتى لو كان من المعلوم أنّك المظلوم محضاً، وأنّه الظالم صِرفاً، فتنازل له!
4- (يَتَغَامَسُ...) من الغَمس، فإذا غمس أحدهما رأس صاحبه في الماء، وبالعكس، فقد تغامسا، فكأنّه استُعير لأن يَغمس رأسه في الماء، فلا يسمع كلامه الحادّ النابي.
وصيغة التفاعل، لعلّها تفيد: كما أنَّ صاحبه يغمس رأسه في الماء فلا يسمع كلامه الحقّ، فليغمس هو رأسه في الماء، فلا يسمع كلامه الباطل! كما أن التفاعل قد يجيء بمعنى المجرد فـ (تغامس) يعني، على هذا، يغمس، وقد يكون للمطاوعة إذ يريد صاحبه أن يغمض عينه عن حقه ويغمس رأسه عن المطالبة به فيطاوعه.
5- (فَعَازَّ...): يعني غالبه، قال تعالى: (وَعَزَّني فِي الْخِطاب)[16] أي: غلبني.
على المظلوم أن يقول للظالم أنا الظالم، كي يصطلحا!!
6- والغريب في الرواية أنّها تأمر المظلوم (أمراً إرشادياً، أو مولوياً ندبياً)، بأن يتنازل عن حقّه، بل ويزيد عليه بأن يكذب، وأن يشوِّه سمعته (سمعة نفسه)، فيقول للظالم: (أنا الظالم)، مع أنّه هو المظلوم! والذي يستفاد منه إدراج المسألة في باب التزاحم، وأنه، حسب هذا الحديث ونظائره، فإن الأهمّ هو قطع الهجران بين المسلمين، والذي يرجُّح على تلك الكفّة، أي: الذي به يجوز الكذب، وبه يُحسن التنازل عن الحق!.
والـمُلفت أنّ الرواية مطلقة، وقد وردت مورد الحاجة؛ فهي في مقام البيان، أي: مع أنّه كثيراً ما يُشوِّه ذلك (أي قوله: أنا الظالم) سمعةَ المظلوم إذ يصوّره بكونه هو الظالم، وكثيراً ما لا يُسبّب ذلك ارتداع ظالمه، بل يبقى على تَجبّره وموقفه، أنّه هو المظلوم، وأنّ طرفه (المظلوم واقعاً) هو الظالم، ومع ذلك، فالحكم هو الحكم (فَلْيَرْجِعِ الْمَظْلُومُ إِلَى صَاحِبِهِ، حَتَّى يَقُولَ لِصَاحِبِهِ: أَيْ أَخِي، أَنَا الظَّالِمُ، حَتَّى يَقْطَعَ الْهِجْرَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَاحِبِهِ).
7- فتلك هي وظيفةُ المظلوم في هذه الدنيا... ولكنّ الله تعالى حَكَمٌ عدلٌ، ولذا فإنَّه سينتقم من هذا الظالم (الذي ظلم صاحبَه، ثم لم يتنازل حتى ألجأَ صاحبَه المظلوم إلى أن يتنازل عن حقِّه وأن يرضى بتلويث سمعته).
والحاصل: أن المستفاد من الروايات قاعدتان لدى حدوث أي نزاعهما: التواصل والتنازل.
ومن المحبّذ أن نُؤكّد على مفهوم التواصل، حتى لو لم يقرّر المظلوم التنازل، فلو غصب زيد منك منزلك أو إرثك ظلماً، فإذا لم تُقرّر التنازل (الظاهري – حسماً للنزاع)، وقرّرت رفع القضيّة إلى المحكمة مثلاً، فلك شرعاً ذلك، ولكن عليك أن تحصر نطاق النزاع في قضيّة المنزل فقط، فتترافعان فيها، وأمّا ما عدا ذلك فكونوا إخوةً متواصلين كسائر الإخوة تماماً، أي عليك أن تزوره ويزورك، وتعوده ويعودك، وتُقرضه إن احتاج وأمكنك، وتدافع عنه... إلخ.
وذلك لأن المشكلة هي أنّ الناس يُعمِّمون النزاع، فإذا اختلف معه في أمر، قاطعه في كلّ الأمور، ونازعه في كلّ الجوانب، وهو خطأ مضاعف وإثم مركّب.
الفصل الثاني: هل توجد خلافات ونزاعات بين علماء الحوزة العلمية؟
وهذا السؤال يُؤرِّق كثيراً من المؤمنين ويُقلقهم، كما أنَّ رائحة النزاعات، لو كانت، تستقطب شماتة الشامتين، فهل توجد نزاعات وخلافات واختلافات في الحوزة العلمية؟
والجواب في ضمن محاور:
1- الاختلاف حَسَنٌ، وأكثرُ ما يُتوَّهم خلافاً هو اختلاف
المحور الأول: هناك فرق بين الاختلاف والخلاف والنزاع والصراع فإنها عناوين أربعة مختلفة، وفي الحوزة العلمية يوجد دون شك اختلاف كبير بين العلماء، بل إنَّ الاختلاف هو مقوِّم الحوزات العلمية، لكنه فضيلة حسنة عقلاً وشرعاً ولدى جميع العقلاء، ولعلّ أغلب ما يتصوّره الناس خِلافاً أو نِزاعاً هو في الواقع اختلاف.. والاختلاف حَسَنٌ، فإنَّ الشيعة تميّزوا على مرِّ التاريخ بـفتح باب الاجتهاد.. كما أنّ تكامل العلوم والعقول هو باختلاف الاجتهادات، وقال تعالى: (وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ)[17].
ومن الطريف أن نشير إلى أنَّه توجد حوالي سبعة آلاف لغة حيّة في العالم (أو يزيد أو ينقص حسب اختلاف التعريفات الدقيقة للّغات واللهجات)، وأنّ عين الإنسان العادي تُميّز من كلّ لون، كالأحمر والأصفر، مائة درجة متدرجة من الفاتح حتى الغامق، وأنّ الإنسان العادي تُميّز عيناه بين مليون لون، وأن النساء يتميّزن على الرجال بأنَّ الخلايا المخروطية النورية الموجودة في أبصارهن هي أكثر من الرجال، لذا فإن عيونهن، بعضهن، يمكن، حسب الدراسات العلمية، أن تُميّز بين مائة مليون لون!
فاختلاف الألسنة من آيات الله تعالى، وكذلك اختلاف اللغات... وكذلك اختلاف الأشكال، حتى التوائم، ودرجات الذكاء والحفظ، والإدراكات، واختلاف الاجتهادات والآراء، هي كلّها من آيات الله جل وعلا الدالّة على عظمته، كما تدلّ السماوات والأرض على عظمته.
ومن أنواع الاختلاف: الاختلاف في المباني الأصولية والرجالية، والأحكام الفقهية، وفي طرق الإدارة وغيرها.
2- الفرق الدقيق بين الخلاف والاختلاف
المحور الثاني: إنَّ الاختلاف يختلف عن الخِلاف، في أنَّ الاختلاف هو أن يأخذ كلٌّ منهما طريقاً، أو يحمل رأياً وقناعةً مع كون المقصد واحداً، أو قد يكون مع تعدّد المقصد، ولكن من دون شقاقٍ وتنازع.
وأمّا الخِلاف، فهو أن يكون ذلك مع شقاقٍ وتنازع، قال الراغب: (والاختلافُ والمخالفة: أن يأخذ كل واحد طريقاً غير طريق الآخر في حاله أو قوله، والخِلَاف أعمّ من الضّدّ، لأنّ كلّ ضدّين مختلفان، وليس كلّ مختلفين ضدّين، ولـمّا كان الاختلاف بين النّاس في القول قد يقتضي التّنازع استعير ذلك للمنازعة والمجادلة، قال: (فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ)[18]، (وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ)[19]، (وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ)[20]، (عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ)[21]، (إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ)[22].)[23] والحاصل أنه، كما قاله بعضهم، ان الاختلاف في أصل اللغة لا يحمل معنى المنازعة والمشاقَّة، إنما واقعُ الناس ونفوسُهم هي التي لا تحتمل ذلك، وصدورُهم هي التي تَضِيق عن مخالفة غيرهم لهم، فذلك هو الذي يجعل هذا الاختلاف سبباً إلى المنازعة، فجاء القرآن الكريم في بعض آياته على هذا المعنى الحاصل الناتج.
ومنه يظهر أنّ: الاختلاف رحمة، وأمّا الخلاف فهو نقمة.
وأما النزاع والصراع فالفرق بينهما، أنّ الصراعات أشد حدة من النزاعات وأعمق وأبعد أثراً وأوسع نطاقاً.. وكما قال بعضهم: (السمات الرئيسة للصراعات:
* غالباً ما تكون مستمرة على المدى الطويل.
* غالباً ما تكون عنيفة.
* تتعلق بمبادئ أساسية، مثل الهوية، الدين، الأيديولوجيا، أو الحقوق الأساسية).
ثم انّ السبب في الخلافات، وصولاً إلى النزاعات والصراعات، قد يكون أحد الأمور التالية: أ- اختلاف الأفكار والآراء والاجتهادات، ب- اختلاف المصالح وتضاربها، ج- اختلاف التقييمات والمواقف، د- حتى اختلاف الأذواق والسلائق والعادات.
وهنا نقول: أمّا الصراعات، فلا توجد في الحوزات العلمية.
وأمّا الخلافات، فالقاعدة العامة والطابع العام للحوزات العلمية هو عدم وجودها، ولكن قد توجد أحياناً كاستثناء، وأمّا النزاعات، فهي استثناء نادر، على أنها أحداث فردية لا توافق عليها الحوزات العلمية.
3- مواقف الصقور والحمائم والـمُخَضْرَمِين من النزاعات
المحور الثالث: إنَّ مواقف الحكماء وأهل الخبرة والعلماء وعامة الناس تجاه الخلافات والنزاعات تنقسم إلى الأقسام الثلاثة التالية:
اتجاه الصقور، اتجاه الحمائم، اتجاه الـمُخَضْرَمين.
والاتجاه الصقوري: يدعو إلى التصدّي العنيف للطرف الآخر، وهو على درجات تبدأ من أدنى درجات العنف إلى أقصاها، ونقصد بـالأقصى: السِّباب والشتائم والمقاطعة الاجتماعية وشِبه ذلك، ولا نقصد العنف الجسدي أو المسلّح، إذ، وكما سبق، لا نعهده أبداً في الحوزات.
والاتجاه الحمائمي: على العكس، يدعو إلى اللين والمسالمة، وهو على درجات تبدأ من أدناها إلى أعلاها، ونقصد بـالأعلى: درجة المداهنة، والمداهنة تعني المصانعة، قال تعالى: (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ)[24] بأن تتنازل عن بعض الحق كي يتنازلوا عن بعض باطلهم.
ولكننا لا نعهد الدرجات المتطرفة من الصقورية والحمائمية في الحوزات العلمية[25].
ولكلٍّ من جناحي الصقور والحمائم، أدلته وحججه، وليس الكلام الآن عنها وعن مناقشاتها، إذ قد فصّلنا الكلام عنها في كتاب (الوسطية والاعتدال في الفكر الإسلامي) وكتاب (قولوا للناس حسناً ولا تسبّوا).
من هم الـمُخَضْرَمُون؟
وإنما الكلام عن المسلك المختار، وهو اتجاه المخضرمين، والـمُخَضْرَمون هم الذين يسلكون السبيل الوسط، إذ المخضرم هو من هو بين بين، فمثلاً يقال عمّن أدرك آخر العهد الجاهلي وأول العهد النبوي، ولم يرَ النبي (صلى الله عليه وآله) أنه مخضرم أي أنه كان بين العصرين، مقابل الصحابي الذي أدرك عصره (صلى الله عليه وآله) ورآه، والتابعي الذي لم يدرك حتى عصره، وكذلك الشاعر المخضرم من أدرك العصرين فكان بينهما.
والـخَضْرَمة صفة تطلق على كل ما كان بين الحدين، حد الإفراط والتفريط مثلاً، بل تطلق على كل وسط، ولذا يقال للماء الذي هو بين العذب والمالح أنه ماء مخضرم أي لا عذب ولا مالح، كما يقال لمن كان أبوه أبيض وهو أسود الـمُخَضْرَم.
والذي نراه أن مسلك الوسطية والاعتدال في مواجهة الخلافات والنزاعات وحتى الصراعات هو المطلوب وأنه هو الأحسن والأفضل والأجدى.
الفرق بين النقد والانتقاد
ويتجلى ذلك، فيما يتجلى في اتخاذ منهج (النقد) دون (الانتقاد) عند مواجهة الطرف الآخر، والفرق بينهما أن الناقد:
1- يلاحظ الإيجابيات كما يلاحظ السلبيات.
2- وأنّه يذكر السلبيات ويضع أصبعه عليها دون تجريح أو اتهام أو اعتداء، أي أنه ينقد الفعل لا الفاعل. وقد ورد في الرواية (تَبَرَّءُوا مِنْ فِعْلِهِ وَلَا تَتَبَرَّءُوا مِنْهُ، أَحِبُّوهُ وَأَبْغِضُوا عَمَلَهُ)[26].
3- وأنه لا يضخّم الأخطاء والعيوب وحتى معاصي الطرف الآخر بل يعطيها حجمها ويضعها في إطارها.
أما الانتقاد فعلى العكس في كل النقاط الثلاثة، فالمنتقد:
1- يلاحظ السلبيات فقط وينسى الإيجابيات.
2- يُضخِّم السلبيات.
3- يقوم بتسقيط الفاعل، أي أنه ينتقل من نقد الفعل والقول إلى نقد الفاعل والقائل.
الحوزة العلمية قادرة على تجاوز النزاعات
المحور الرابع: أنّ الحوزة العلمية قادرة على تجاوز الصراعات واحتواء الأزمات وهضم الخلافات.
فلئن برز خلاف أو نزاع، فإن الحوزة العلمية، بعد فترة معينة تتجاوز ذلك كله فتحتضن الأطراف المختلفة أو المتنازعة، وذلك كقاعدة عامة والأصل الأصيل الذي لا يضرّ به خروج من خرج نادراً وكحالات فردية.
نموذج النزاع بين الأخباريين وبين الأصوليين
ولنا في نزاع الأخباريين والأصوليين شاهد واضح قوي.
فقد احتدم الخلاف بين الأخباريين والأصوليين، حتى قيل مثلاً إنّ الوحيد البهبهاني حرّم الصلاة خلف الشيخ يوسف البحراني (على أن ذلك غير معلوم ولعله حذّر ونصح ولم يحرم).
وكان من شيوخ الطائفة الإخبارية من لا يلمس مؤلفات الأصوليين بيده تحاشياً من نجاستها، وإنما يقبضها من وراء ملابسه[27]… وقيل أنه لدرجة أنه (كان من الممكن أن يتعرض أي إنسان يسير في الطريق وتحت إبطه كتاب للأصوليين إلى الضرب المبرح)[28]، على أنه غير ثابت ولعله كان حالة شاذة.
ونقل عن الشيخ يوسف البحراني (قدس سره) قوله: إن كلاً منهما، الأخباري والأصولي، كان يجري على الآخر لسان التشنيع والسب حتى كأنهما لم يكونا على دين واحد وملة واحدة[29].
وقال السيد محمد سعيد الحكيم (قدس سره): (إن اصطلاح الإخباري والأصولي قد أضر بوحدة الطائفة الحقة، وجرّ عليها من محنة التفرق والانشقاق والتهريج والتشنيع المتبادل بنحو قد يصل حد الإغراق المأساوي، خصوصاً في المناطق التي تجمع بين الفئتين وتتعرض للاحتكاك بينهما)[30].
من الخلافات الجوهرية بين الاخباري والأصولي
وكانت الخلافات على مسائل أساسية جوهرية:
إذ كان الأخباري لا يرى حجية ظواهر الكتاب (إلا بعد الرجوع إلى الروايات)[31].
ولا حجية العقل (أي الملازمات العقلية، وقال بعضهم بعدم حجية العقل حتى في المستقلات العقلية).
كما لا يرى الاخباري حجية الإجماع، عكس الأصولي.
وكان الأخباري يرى قطعية الكتب الأربعة، أما الأصولي فمفصِّل.
والأخباري يرى الاحتياط في الشبهة التحريمية، والأصولي يرى البراءة فيها حالها حال الشبهة الوجوبية.
والأخباري لا يجيز تقليد غير المعصوم، والأصولي يراه حجة له (عليه السلام) ووسيطاً.
والأخباري يتهم الأصولي بالعمل ببعض أقسام القياس (الذي ورد فيه: (إِنَّ أَوَّلَ مَنْ قَاسَ إِبْلِيس)[32]، كقياس الأولوية، والأصولي يراها خارجاً تخصصاً عنه.
والأخباري يمنع حجية الظن في الأحكام الشرعية، والأصولي يعتبر الظن النوعي حجة. وهكذا.
وقد أوصل عبد الله بن صالح السماهيجي نقاط الخلاف بين الأصوليين والأخباريين إلى أربعين مسألة، بينما أوصلها الحر العاملي في الفوائد الطوسية إلى اثنتين وتسعين مسألة!
وقال بعضهم: وقد وقع الصّراع فيما بين الأخباريين والأصوليين الإمامية حتى قبل القرن الحادي عشر القمري للهجرة لكنه كان بشكل غير رسمي ومعلن، ثم اشتدّ الصّراع في القرن المذكور وساد المصطلحان الأخباري والأصولي وقامت الفرقتان بالوقوف علناً أمام الآخر.
وكان الشيخ محمد أمين الأسترابادي (م: 1033 أو 1036) وعبد الله بن صالح السماهيجي وميرزا محمد الأخباري من الأخباريين المتشددين[33]، كما أنّ الشيخ يوسف البحراني والسيد نعمة الله الجزائري والملا محسن فيض الكاشاني والشيخ محمد تقي المجلسي ومحمد طاهر القمي والشيخ الحر العاملي من المعتدلين. وكان يقابلهم في معسكر الأصوليين الوحيد البهبهاني والشيخ الأنصاري والشيخ جعفر كاشف الغطاء.
وقد جرى استعمال مصطلح الأخباري لأول مرة في منتصف القرن 6 هـ/ 12م كما جاء في الملل والنحل للشهرستاني، وتبعه عبد الجليل القزويني الرازي وهو عالم إمامي في كتابه النقض في القرن الـ6هـ واستعمل اصطلاحاً الأخباري والأصولي[34].
قصة البهبهاني والبحراني قطبي الأصوليين والأخباريين
والشاهد: أنَّ ذلك النزاع، رغم شدته، إلا أنَّ الحوزة العلمية تجاوزته، ولذا ترى أن الحوزة العلمية تحترم الوحيد البهبهاني كما تحترم الشيخ يوسف البحراني، وأنّ العلماء ينقلون آراء كلا العَلَمين، وقد يوافقون هذا أو يناقشونه كما يفعلون مع ذاك.
بل إنَّ قطبي المدرستين المتخالفتين، أي الوحيد البهبهاني والشيخ البحراني، تجاوزا النزاع بل حتى الخلاف مبكرًا، فبعد أن جاء البهبهاني إلى كربلاء وكانت معقل الإخبارية وكان شيخ حوزة كربلاء وزعيم الأخباريين هو الشيخ البحراني، تقرر، وفقاً لأسلوب العلماء – الحكماء وتعاليم الشرع الحنيف أن يتحاور الطرفان، وقد دارت جلسات حوارية طويلة بينهما، وقد اقتنع الشيخ يوسف بقسم كبير من آراءِ البهبهاني.. وانتهت الأزمة بسلام وصلح ووئام، بل إنَّ البحراني أوصى تلامذته بأن يحضروا درسَ البهبهاني! بل وزاد على ذلك أنه بنفسه بدأ يحضر درسه! مع أنك قد لا تجد نظيراً لذلك في غيرِ أوساطِ العلماء، إذ يندر جداً أن يتنازل رئيس قومٍ ومدرسةٍ وشيخُهم إلى هذا الحد، إلى منافسه ورئيس المدرسة الأخرى.. لكنها التقوى ومرجعية الآيات والروايات التي تحكم ذهنية علماء الحوزة، والتي تمكّنهم من الصفح والعفو الشخصي من جهة، ومن التعامل بالحكمة، والتحاور بالموعظة الحسنة، والتجادل بالتي هي أحسن، من جهةٍ أخرى. وللبحث تتمة وصلة بإذن الله تعالى.
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين
* سلسلة محاضرات في تفسير القرآن الكريم
http://m-alshirazi.com
...................................................
[1] سورة ص: 23-24.
[2] سورة المائدة: 32.
[3] (عليّ الدار) أي التي ورثناها من جدنا. (لو تكلمت أخذت) يمكن أن يقرأ على صيغة المتكلم أي لو نازعتهم و تكلمت معهم يمكننى أن آخذ منهم، أفعل ذلك أم أتركهم؟
أو يقرأ على الخطاب أي لو تكلمت أنت معهم يعطونى، فلم ير عليه السلام المصلحة في ذلك (آت).
[4] الوباء بالمد والقصر والهمز: الطاعون وقوله: (احدى وثلاثين) كذا في أكثر النسخ التي وجدناها وفي بعضها بزيادة [ومائة] وعلى الأول أيضا المراد ذلك واسقط الراوي المائة للظهور (آت).
[5] البتر بالباء الموحدة والتاء المثناة الفوقية والراء: القطع والاستئصال وفي بعض النسخ [تبروا] بالمثناة الفوقية أولا ثمّ الموحدة فهو بالفتح: الكسر والهلاك.
[6] الشيخ الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية ـ طهران: ج2 ص347.
[7] الشيخ الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية ـ طهران: ج7 ص52.
[8] نهج البلاغة: الخطبة 193.
[9] نهج البلاغة: الكتاب 31.
[10] سورة النساء: 10.
[11] سورة الإسراء: 53.
[12] (يتغامس) فى أكثر النسخ بالغين المعجمة والظاهر أنّه بالمهملة كما في بعضها وفي القاموس تعامس: تغافل وعليّ: تعامى عليّ. وبالمعجمة غمسه في الماء أي رمسه والغميس الليل المظلم( آت).
[13] (فعاز) بالزاى المشددة وفي القاموس عزه كمده: غلبه في المعازة. وفي بعض النسخ [فعال] أى جار ومال عن الحق.
[14] الشيخ الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية ـ طهران: ج2 ص344.
[15] سورة التوبة: 3.
[16] سورة ص: 23.
[17] سورة الروم: 22.
[18] سورة مريم: 37.
[19] سورة هود: 118.
[20] سورة الروم: 22.
[21] سورة النبأ: 1-2-3.
[22] سورة الذاريات: 8.
[23] الراغب الاصفهاني، المفردات في غريب القرآن، دار القلم: ص294.
[24] سورة القلم: 9.
[25] ولو وجدت فهي حوادث فردية شخصية نادرة لا ترتبط بالحوزة أبداً.
[26] الأصول الستة عشر: ص200.
[27] محمد الطالقاني، الشيخية نشأتها وتطورها ومصادر دراستها: ص9.
[28] الدكتور فرهاد إبراهيم، الطائفية والسياسة في العالم العربي: ص57.
[29] الشيخ يوسف البحراني، لؤلؤة البحرين: ج2 ص387.
[30] السيد محمد سعيد الحكيم، الأصولية والإخبارية بين الأسماء والواقع: ص11.
[31] يقول الأسترآبادي: (الصواب عندي مذهب قدمائنا الأخباريين وطريقهم، أمّا مذهبهم، فهو: إنّ كلّ ما تحتاج إليه الأمة إلى يوم القيامة عليه دلالة قطعية من قبله تعالى حتى ارش الخدش، وإنّ كثيرا ممّا جاء به النبي (صلى الله عليه وآله) من الأحكام، وممّا يتعلق بكتاب اللّه وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله) من نسخ وتقييد وتخصيص وتأويل مخزون عند العترة الطاهرة (عليه السلام)، وإنّ القرآن في الأكثر ورد على وجه التعمية بالنسبة إلى أذهان الرعية، وكذلك كثير من السنّن النبوية، وأنّه لا سبيل لنا فيما لا نعلمه من الأحكام الشرعية النظرية أصلية كانت أو فرعية إلاّ السماع من الصادقين (عليهما السلام)) وأنّه لا يجوز استنباط الأحكام النظرية من ظواهر كتاب اللّه، ولا من ظواهر السنّن النبوية ما لم يعلم أحوالهما من جهة أهل الذكر(عليهم السلام)، بل يجب التوقف والاحتياط فيهما... وإنّه لا يجوز القضاء ولا الإفتاء إلاّ بقطع ويقين، ومع فقده يجب التوقف)*.
* الفوائد المدنية: ص 104-105.
[32] الشيخ الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية ـ طهران: ج1 ص58.
[33] وقيل أنّ محمد أمين الأسترابادي كان أول من فتح باب النقد الشديد لعلم الأصول والمجتهدين وقسّم الإمامية إلى قسمين هما الأخباريون والمجتهدون (الأصوليون)*، وكان في البدأ في سلك المجتهدين، لكن امتنع عن السلوك في طريقهم**. ويبدو أنّه تأثّر كثيراً بأفكار أستاده الميرزا محمد الأسترابادي***. دوّن محمد أمين الأسترابادي ما تلقاه من أستاده في كتاب له بعنوان الفوائد المدنية ويعتبر هذا الكتاب من المصادر المهمّة للأخباريين.
* كان عبد الله بن صالح بن جمعة سماهيجي البحراني ومؤلف كتاب منية الممارسين في القرن الـ 11هـ من جملة المتطرفين والمتعصبين لمدرسة الأخبارية****. أورد الشيخ يوسف البحراني أنّ عبد الله بن صالح كان كثيراً ما يذم أهل الاجتهاد، في حين كان ابو المولى صالح من أهل الاجتهاد*****.
* أبو أحمد جمال الدين محمد بن عبد النبي، المعروف بالميرزا محمد الأخباري (متوفى 1232هـ/1817م) كان يهجو المجتهدين الأصوليين المعروفين كالميرزا ابو القاسم القمي والشيخ جعفر النجفي كاشف الغطاء والسيد علي الطباطبائي والسيد محمد باقر حجة الاسلام الاصفهاني ومحمد ابراهيم الكلباسي، ويكنّ لهم العداء بشكل علني******.
* الكشميري، نجوم السماء، ص 41؛ التنكابني، قصص العلماء، ص 321؛ البحراني، لؤلؤة البحرين، ص 117.
** يراجع: الأسترابادي، الفوائد المدنية، ص2؛ وأيضاً الخوانساري، روضات الجنات، ج 1، ص 120.
*** الخوانساري، روضات الجنات، ج 1، ص 120؛ وأيضاً يراجع: الأسترابادي، الفوائد المدنية، ص 11، جم.
**** الخوانساري، روضات الجنات، ج 2، ص 247؛ التنكابني، قصص العلماء، ص 310.
***** البحراني، لؤلؤة البحرين، ص 98.
****** الخوانساري، روضات الجنات، ج 2، ص 127 وما بعدها؛ نفيسي، التأريخ الاجتماعي والسياسي لايران في عهدها المعاصر، ص 250.
[34] الشهرستاني، الملل والنحل، ص300، 256-301.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


المنار
منذ 2 دقائق
- المنار
لاريجاني قبيل توجهه الى لبنان : حزب الله وحركات المقاومة ليسوا بحاجة إلى وصاية
أكد أمين المجلس الأعلى للأمن القومي في ايران علي لاريجاني إن 'لدى حزب الله وحركات المقاومة النضج السياسي الكافي وليسوا بحاجة إلى وصاية'. وفي مؤتمر صحفي ببغداد، قال لاريجاني 'حزب الله وحركات المقاومة يدركون جيداً ما هي المصالح التي يجب مراعاتها لبلدانهم، وليسوا بحاجة إلى وصاية'. وفيما يتعلق بالاتفاقية الأمنية مع العراق، قال لاريجاني إن 'الهدف الرئيسي من هذه الاتفاقية هو منع أي جهة أو دولة من زعزعة أمن أحد البلدين إيران والعراق'. وأشار علي لاريجاني، الذي یزور حالیاً العراق، في مقابلة إلى التقارب العميق بين إيران والعراق واعتبر الحضور الحماسي للزوار في مراسم الأربعين الحسیني (ع) رمزًا للرابطة غير القابلة للكسر بين البلدين. وأكد أنه لا بد من تمهيد الأرضية للتعاون الاقتصادي والاجتماعي والسياسي بين البلدين بشكل أكبر، وأساسه خلق الأمن المستدام. وأضاف لاريجاني أن 'الاتفاقية الأمنية بين إيران والعراق توفر أساساً لأمن مستدام لكلا البلدين ونأمل أن تنفذ هذه الاتفاقية بالكامل وأن تتابعها الأجهزة الأمنية المختلفة كما تم وضع آلية لمراقبة تنفيذها، مما سيسهم إن شاء الله في استقرار الأمن بين البلدين'. وأشار إلى المحادثات التي جرت بشأن التعاون الاقتصادي وإنشاء ممرات مشتركة، والتي يمكن أن يكون لها 'نتائج جيدة' لكلا البلدين. وأعرب لاريجاني عن ارتياحه لعزم الجانب العراقي احترام الأمن المستدام لإيران، وقال 'خلال المحادثات، شعرت أن هذا العزم موجود لدى أصدقائنا العراقيين، ونحن عازمون أيضاً، والاتفاق بشأن هذه القضية سيساهم كثيرا في تعزیز تعاوننا مع العراق في مختلف القطاعات'. الترحيب بالحوار مع دول المنطقة ودعم جبهة المقاومة هذا وأشار لاريجاني إلى مقترح عقد اجتماع مشترك مع دول الخليج والدول العربية، وقال 'قدّم وزير الخارجية العراقي مقترحاً سبق طرحه، أي أنه بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية تم اقتراح مثل هذه الآلية حتى نتمكن من العمل على هذه القضية في المستقبل'. وقال 'نحن لا نعارض توسيع التعاون الأمني بين إيران ومختلف دول المنطقة ونرحب بهذه القضية'. وفيما يتعلق بنشاط جبهة المقاومة في المنطقة، قال 'جبهة المقاومة جزء لا يتجزأ من شعوب المنطقة، وتسعى لتحقيق مصالحها وتعتبر كل مجموعة من هذه المجموعات ثروة وطنية في بلدها، ولديها فهم جيد للوضع، وتعرف ما يجب فعله في كل لحظة ومن هذا المنطلق، أعتقد أنه ينبغي بذل كل الجهود للحفاظ على هذه القدرة'. وفي ختام زيارته للعراق أعلن لاريجاني أنه سيبقى في بغداد حتى مساء اليوم وبعدها سيواصل زیارته إلى لبنان. وزار أمين المجلس الأعلى للأمن القومي اليوم، مواكب الخدمات لزوار الأربعين في مدينة كاظمين وتفقد وضع الخدمات المقدمة للزوار في هذه المواكب. المصدر: موقع المنار


صدى البلد
منذ 2 دقائق
- صدى البلد
مفتي الجمهورية: الخوارزميات تحولت لأداة قتل في غزة والسكوت في موضع الدم جريمة
أكد د.نظير محمد عيَّاد -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم أنَّ مصر ما زالت تؤدي واجبها التاريخيَّ تجاه القضية الفلسطينية بوَعْيٍ وشرف، على الرغم من الهجمة الشرسة التي تستهدف دَورها، مشيرًا إلى أن القيادة المصرية رفضت بكلِّ وضوح محاولات تهجير الفلسطينيين أو تصفية قضيتهم، وتمسَّكت بحقوقهم الثابتة في وجه الابتزاز السياسي، في موقف سيخلِّده التاريخ بمِداد الشرف والكرامة. جاء ذلك في كلمته خلال افتتاح المؤتمر العالمي العاشر للأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء، الذي يُعقد هذا العام تحت عنوان: «صناعة المفتي الرشيد في عصر الذكاء الاصطناعي». ورحَّب مفتي الجمهورية بالضيوف من مختلف دول العالم، مُعبِّرًا عن اعتزازه الكبير بالرعاية الكريمة التي يُوليها الرئيس عبد الفتاح السيسي لهذا الحدث العِلمي المتميز، مؤكدًا أنَّ الرعاية تمثل دعمًا مستمرًّا من القيادة السياسية لمسيرة الإفتاء الرشيد، وتهيئة بيئة علمية متقدمة تُعِدُّ جِيلًا جديدًا من المُفْتينَ القادرين على مواكبةِ التحولات الرَّقْمية وتِقنيات الذكاء الاصطناعي. كما أوضح مفتي الجمهورية أنَّ العالم اليوم يشهد تحوُّلات غير مسبوقة بفِعل ثورة الذكاء الاصطناعي، التي أثَّرت بشكل جذري على مختلف المجالات، مثل الطب والتعليم والإدارة، وفتحت آفاقًا جديدة للبحث العلمي وتطوير العمل المؤسسي، ولكنه شدَّد على أنَّ هذه التطورات التقنية تستوجب توظيفًا مسؤولًا يخدم الإنسانية، خصوصًا في مجال الفتوى التي تتطلَّب توازنًا دقيقًا بين المرجعية الشرعية وأدوات العصر الرقمي. وأشار إلى أن الخطر يكمن في برمجة الفتوى دون ضوابط دقيقة؛ ما قد يحوِّل الدينَ من خطابِ هدايةٍ إلى خطابٍ ماديٍّ جامد، ينفصل عن روحه وأهدافه. وقد طرح فضيلة المفتي مجموعةً من الأسئلة الفقهية الجوهرية المتعلقة باستخدام الذكاء الاصطناعي في الفتوى، مثل قدرة الآلة على فَهْم تعارض النصوص، ومراعاة النيَّات الإنسانية، والسياقات الاجتماعية والنفسية والاقتصادية، وأَثَر اختلاف الزمان والمكان في صياغة الفتاوى، مؤكدًا أن الذكاء الاصطناعيَّ يجب أن يكون أداة مساعدة للمفتي، لا بديلًا عنه، بحيث يظل المفتي هو صاحب الرؤية المسؤولة، المبنية على خشية الله وبصيرة القلب وحكمة المقصد. وشدَّد فضيلة المفتي على أهمية تطوير الفتوى لتواكب تحوُّلات العصر الرقْمي، حيث لا يكفي أن تكون دقيقة فحسْب، بل يجب أن تحمل ضميرًا حيًّا ووعيًا أخلاقيًّا، مؤكدًا دَوْرَ المؤسسات الدينية في وضع أُطُرٍ رقابية وأخلاقية صارمة لإدارة نُظم الذكاء الاصطناعي في مجال الفتوى، عبر إشراف هيئات علمية متخصصة تضم علماء شرعيين وخبراء تقنيين وفلاسفة الشريعة، لضمان شرعية المُخرجات وموثوقيتها. في السياق ذاته أوضح فضيلة مفتي الجمهورية أن إدماج تِقنيات الذكاء الاصطناعي في مجال الفتوى لا يمكن أن يكون بديلًا عن المفتي الرشيد، وإنما وسيلةٌ لتوسيع أدواته وتعزيز وعيه بمتغيرات العصر، محذرًا في الوقت ذاته من مخاطر استحواذ الخوارزميات الجامدة على مرجعية الفتوى الدينية، وما قد يترتب على ذلك من ترويج لأقوال شاذة، وتشويه للوعي الديني، وفصلٍ للنصوص عن مقاصدها الشرعية والأخلاقية. كما أكَّد أن التعامل مع الذكاء الاصطناعي في مجال الفتوى ينبغي أن يكون بحذر عميق، وأن يظلَّ مرتبطًا بمركزية الإنسان بوصفه فاعلًا أخلاقيًّا ومجتهدًا مسؤولًا أمام الله والتاريخ، مشددًا على أنَّ الأنظمة الذكية لا تملك خشية الله، ولا بصيرة القلب، ولا حكمة المقصد، وهي الأركان الأساسية التي تقوم عليها صناعة الفتوى الرشيدة. وأشار مفتي الجمهورية إلى أنَّ الذكاء الاصطناعي قد يكون مفيدًا في المراحل التحضيرية للعملية الإفتائية، لا سيما في تصوير المسائل، وتحليل أبعادها الاجتماعية والاقتصادية والقانونية، وجمع النصوص وتنظيمها، لكنه لا يملك صلاحية إصدار الحكم الشرعي الذي يظل منوطًا بالمجتهد الرشيد، القادر على الترجيح بين الأدلة، ومراعاة سياقات النوازل، لافتًا النظرَ إلى أنَّ من أبرز التحديات التي تواجه الفتوى في هذا العصر الرقمي هو ما يُعرف بـ"هلوسة الذكاء الاصطناعي"، حيث قد تنتج هذه النماذج فتاوى مختلقة بصياغة مقنعة، ما يُظهر ضرورة أن تظل المؤسسات الدينية حارسةً لشرعية الوعي، وقائدة لعَلاقة واعية بين النص والآلة. ودعا فضيلته إلى ضرورة بناء نماذج ذكاء اصطناعي شرعية، مدرَّبة على قواعد الاستنباط، والضوابط اللُّغوية، وفهم المقاصد الشرعية، مع ضرورة إخضاعها لإشراف علمي مشترك بين علماء الشريعة وخبراء الذكاء الاصطناعي وفلاسفة المقاصد، مشيرًا إلى أهمية إنشاء مِنصَّات رقْمية موثوقة للفتوى تخضع لمراجعة مستمرة من لجان شرعية مؤهَّلة، ويُحدَّد لعملها ميثاق أخلاقي خاص، على غرار ما هو معمول به في المجالات الطبية والقضائية. وفي جزء مؤثر من كلمته، ركَّز فضيلةُ مفتي الجمهورية على ما تتعرض له غزَّة من عدوان ممنهج، قائلًا: "إنَّ غزة اليوم ليست مجرد بلد منكوب يُعاني الجوع والتشريد وبطش الاحتلال، بل هي اختبار حقيقي لنبض الفقه، ومرآة لصدق كلمة الفتوى، وصيحة مظلومين لا يجوز أن تغيب عن ضمير الأمة". وأشار إلى أن الفتوى في جوهرها ليست محصورة في مسائل العبادات، بل هي أداة لبناء الوعي، وغرس قيم العزة والكرامة والدفاع عن الأرض، داعيًا المُفتينَ والعلماء إلى عدم الصمت إزاء المظالم التي يتعرض لها أهل غزَّة. وفي هذا السياق، كشف فضيلة المفتي عن توظيف الذكاء الاصطناعي بشكل مروِّع في استهداف سكان غزَّة، موضحًا أن الاحتلال الإسرائيلي يستخدمه لتحليل الصور والتنبؤ بالتحركات واستهداف الأحياء بدقَّة قاتلة؛ ما أسفر عن سقوط آلاف الضحايا وتدمير البنية التحتية، وقال: "إن هذا المشهد يبرز خطورة التقنية إذا انفصلت عن القِيَم، ويؤكد الحاجة إلى وضع ميثاق عالمي يضبط استخدامات الذكاء الاصطناعي على أساس العدل والرحمة، وصيانة الكرامة الإنسانية"، مؤكدًا أن التقدم التقني إذا لم يصحبه ضمير أخلاقي، تحوَّل إلى أداةِ قمعٍ وعدوان. كما وجَّه فضيلة المفتي نداءً إنسانيًّا إلى أصحاب الضمائر الحيَّة في الشرق والغرب، قائلًا: "ارحموا عجزَ أهلِ غزَّة، فإنَّ لهم عند الله موقفًا يُقتصُّ فيه من الطغاة الذين سفكوا دماءهم ودمَّروا بيوتَهم، وشرَّدوا مَن بَقِيَ من أطفالِهم ونسائِهم وشيوخِهم". كما وجَّه تحيةَ إجلالٍ لأهل غزة الصامدين، القابضين على جمر الكرامة، وبشَّرهم بأنَّ النصر آتٍ لا محالة، وإن تأخرت بوادرُه أو بعدت أسبابُه. وفي ختام كلمته، توجَّه فضيلةُ المفتي بالشكر إلى السادة العلماء والوزراء والمُفتين المشاركين في المؤتمر، كما عبَّر عن تقديره العميق للجهات الرسمية والتنفيذية والإعلامية التي ساهمت في نجاح فعاليات المؤتمر.


صدى البلد
منذ 25 دقائق
- صدى البلد
الأزهر: المفتي الرشيد في عصر الذكاء الاصطناعي هو من يمتلك المهارات الرقمية
قال الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر الشريف، إن الفتوى صناعة، وهي عِلم له مقومات وأركان ومبادئ، يصنع المفتي صُنعًا، فليس كلُّ مَن تصدَّرَ عبرَ شاشةٍ أو وسيلةٍ إعلاميَّةٍ يعد مفتيًا، وإن توارى خلف مصطلحاتِ العلمِ، أو شقشقَ بألفاظٍ تحسبها من الفقه، وما هي من الفقهِ بسبيلٍ. جاء ذلك خلال كلمته في الجلسة الافتتاحية بالمؤتمر العالمي العاشر للإفتاء، التي ألقاها نيابة عن فضيلة الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف. وفي مستهل كلمته، نقل الدكتور الضويني تحياتِ فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، ورجاءه بأن يُحقق المؤتمر أهدافَه المنشودة، وأن تُثمر جلساته عن بحوث جادة ورصينة تبرز مرونة الفكر الإسلامي، وقدرته على مواكبة التغيرات التقنية، وتعزز دور المؤسسات الدينية في التفاعل الإيجابي مع أدوات العصر. وأشاد وكيل الأزهر بجهود دار الإفتاء المصرية بقيادة الدكتور نظير محمد عياد، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، في اختيار موضوع المؤتمر، مؤكدًا أن اختيار عنوان "صناعة المفتي الرشيد في عصر الذكاء الاصطناعي" يعكس وعيًا عميقًا بضرورة إعداد المفتين إعدادًا متوازنًا يجمع بين التأصيل الشرعي والمهارات الرقمية. وأشار إلى أن الفتوى ليست مجرد كلمة عابرة من نوع "يجوز" أو "لا يجوز"، بل هي عملية علمية مركبة تبدأ بفهم المسألة من واقع السائل، ثم تكييفها على القواعد الفقهية، وصولًا إلى إصدار الحكم بعد النظر في المآلات، مؤكدًا أن هذه الصناعة تتطلب وعيًا شرعيًّا راسخًا وبصيرةً نافذة. ولفت الدكتور الضويني النظر إلى أن التاريخ الإسلامي حافل بتحذيرات العلماء من التجرؤ على الفتوى بلا علم، مستشهدًا بقول عبد الرَّحمنِ بن أبي ليلى، من كبار التابعين: "أدرَكتُ عِشـرينَ ومِئةً مِنَ الأنصارِ مِن أصحابِ مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ما مِنهم من أحَدٍ يُحَدِّثُ بحَديثٍ إلَّا ودَّ أنَّ أخاه كَفاه إيَّاه، ولا يُستَفتى عن شَيءٍ إلَّا وَدَّ أنَّ أخاه كَفاه الفتوى". وشدَّد وكيل الأزهر على أن الذكاء الاصطناعي لا يُمكن أن يكون بديلًا عن المفتي المؤهَّل أو الراسخ الذي يحمل على عاتقه أمانة البيان عن الله تعالى، واستنباط الأحكام الشرعية من أدلتها المعتبرة بفهم عميق وإدراك دقيق لمقاصد الشريعة من ناحية، ولأحوال الناس المتجددة من ناحية أخرى. وأوضح أن لهذه التقنيات الحديثة دورًا بنَّاءً في مجال الإفتاء، وفي خدمة العلماء والمفتين، من خلال تيسير الوصول إلى المصادر والمراجع، وترتيب البيانات وتحديثها، وتحليل كَمٍّ كبيرٍ من الفتاوى الشرعية، وإتاحة إجابات أولية سريعة مبنية على المعلومات الموثوقة والمخزنة، بما يسهم في دعم منظومة الفتوى، وإثراء محتواها وترشيدها. وأكد الدكتور الضويني أن الذكاء الاصطناعي يمكن استثمار أدواته لزيادة دقة البحث، وسرعة الوصول إلى النصوص، وربط القضايا بنظائرها ومستجداتها، موضحًا أن العقل البشري والمَلَكة الفقهية هما الفيصل والحاكم في إصدار الفتوى؛ فصناعة الفتوى لا تقف عند حدود استخراج نصوص محفوظة، وفتاوى ثابتة، بل هي عملية اجتهادية تقتضي فقهًا دقيقًا، وبصيرة نافذة، وفهمًا لمقاصد الشريعة، وربطًا دقيقًا بين النص الشرعي والواقع الذي يمر به المستفتي، وفهمًا للمصالح والمفاسد، وإدراكًا لخصوصية الزمان والمكان. وأوصى الدكتور الضويني بضرورة وضع ميثاق أخلاقي يضبط التعامل مع الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته، بما يضمن ألا يتحول من أداة نافعة إلى وسيلة تنتهك الخصوصية، وتُقوِّض القيم والمبادئ الأخلاقية التي يقوم عليها تماسك المجتمعات. كما أوضح أن الأزهر الشريف يعمل حاليًّا على صياغة وثيقة أزهرية لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي، من خلال لجنة عليا بإشراف فضيلة الإمام الأكبر. وفي ختام كلمته، طرح الدكتور الضويني جملة من التساؤلات العميقة التي تعكس وعيًا بخطورة المرحلة، مؤكدًا أنَّ الذكاء الاصطناعي يفرض على العلماء والمفتين وأبناء العصر وقفة جادة، وتساءل: 'أين هِم الباحثين والمجتهدين في زمن التوسع في الاعتماد على الذكاء الاصطناعي؟ وهل أصبح لزامًا علينا أن نتمسك أكثر بأصولنا العلمية والشرعية لتكون صمام أمان ضد أي تزييف أو تحيز معرفي؟'. كما دعا إلى الانتقال من موقع المفعول به إلى موقع الفاعل والمؤثر في إدارة هذه التقنية، حتى لا نصبح أسرى للشاشات، ولا تُدار عقولنا من وراء البحار. واختتم فضيلته كلمته بالتأكيد على ضرورة إعداد قائمة بالكفاءات والمهارات العلمية والعملية التي يجب أن تتوفر فيمن يتصدر للإفتاء باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، محذرًا في الوقت ذاته من ذوبان الهوية وضياع الشخصية في الفضاء الرقمي. وحول القضية الفلسطينية، أدان الدكتور الضويني ما يقوم به الإرهاب الصهيوني من هدم وتخريب متعمد داخل الأراضي الفلسطينية، واستمراره في الاعتداءات الدموية ضد الشعب الفلسطيني الشقيق، مؤكدًا أن تلك الأعمال الوحشية تعد مظاهر ضد الإنسانية قبل أن تكون ضد القضية الفلسطينية. وثمن دور مصر الداعم للقضية الفلسطينية وجهود الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لوقف العدوان الإسرائيلي على غزة.