
الوحدة العربية والحصاد المر
ثم نضع المنديل خلف شخص من الدائرة، ونعيد الغناء بأعلى صوت لنا: "طاق طاق طاقية.. تعيش الوحدة العربية"، على أمل أن يخترق صوتنا الحدود، على أمل أن يقطع المسافات برسالة صغيرة مفادها: "تعيش الوحدة العربية".
ولكنْ، ثمة شيء غريب؛ منذ ذلك الحين وأنا أسمع صدى الصوت في قلبي فقط، رغم أننا غنيناها من أعلى مكان في غزة؛ على "الجبل الكاشف"، الذي نرى منه أراضينا المحتلة 1948، وجبال الخليل.
مارس/ آذار 2008
في آخر يوم من فبراير/ شباط، لفظت جدتي آخر أنفاسها.
مضت ساعات قليلة، فبدأت أفاوض أمي: "لن أذهب إلى المدرسة طوال أيام العزاء! جدتي ماتت". كانت هذه الفرصة الوحيدة بالنسبة لي لتحقيق الأمنية المنتظرة: الغياب عن المدرسة ولو ليوم واحد! ويا ليتني ذهبت..
في تمام الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، في الأول من مارس/ آذار 2008، استيقظت على همسات أمي لتنقلنا من بيتنا إلى بيت عمي المقابل لنا، البيت الأكثر أمنا مقارنة ببيتنا المطل على الشارع.
بعيون نصف مغمضة، أخبرنا عمي أن الكهرباء قد قُطعت، وأننا الآن محاصرون من قبل القوات الخاصة الإسرائيلية، لذلك علينا البقاء طوال الليل على ضوء شمعة واحدة.
في تلك الليلة، تخيلت جنود الاحتلال كأنهم كائنات ضخمة، بذيول طويلة، يشبهون ما أراه في الرسوم المتحركة "دراغون بول"؛ فلست سوى طفلة في العاشرة! تلك الليلة، كانت الليلة الأولى التي تصطدم فيها طفولتي بجنود الاحتلال الإسرائيلي.
وكانت تلك الأيام الثلاثة كابوسا يلاحقني طوال السنوات الماضية، كابوسا أتجنب مواجهته، كابوسا بصوت "الحاجة رضا" التي كانت تصرخ على أحفادها الذين قُتلوا في غرفتهم.. كابوسا بصوت جارنا "أبو إياد"، وهو يناشد لإنقاذ شاب من شباب الحارة: "المسكين أُعدم في الشارع وحيدا!".
في عملية أسماها الاحتلال "عملية الشتاء الساخن"، انطلق صراعي مع الحياة.. في لحظات كنت أقرأ القرآن بقلب عابد، وفي لحظات أخرى أسأل الله بقلب طفل لا يشاهد سوى "سبيستون": "لماذا لا تعطيني يا الله قدرات خارقة؟ أريد فقط غلافا يحمينا من الخطر!".
في سن العاشرة، بدأت أطرح أسئلتي الوجودية عن البشر، عن حقوق الإنسان التي تشرحها لنا المعلمة في المدرسة.
في سن العاشرة، فقدت إحساسي بأن هناك من يشعر بنا.. الجميع خارج حدود هذه المنطقة- حارتنا- تسير حياته بشكل طبيعي! يذهبون إلى الحمام دون الخوف من دبابة أو جرافة متمركزة أمام البيت، يأكلون ويشربون دون خوف من رصاصة قد تقتلهم، يصلون على ضوء الكهرباء.. أما نحن، فنخشى ظلنا؛ نخشاه لأنه أصبح دلالة على وجودنا، أصبح إشارة للقناص الإسرائيلي لإطلاق رصاصته نحونا.
لثماني عشرة سنة، وأنا أبحث عن تفسير منطقي لـ"حكم الإعدام" الذي يُفرض علينا.. لثماني عشرة سنة، وأنا أتحسس صدى غنائنا: "تعيش الوحدة العربية"..
أصغي، أراقب، أرتقب.. هل سيلوح أحد لنا من بلاد بعيدة، ليقول: "لقد وصل الصدى"؟ فقد صعدت إلى الجبل مرات عديدة، ولكني لم أرَ أي منديل يلوح لي.
لربما لا يملكون منديلا! فإن لم يملكوا منديلا، فسأمنحهم ميراثي من جدتي حليمة.. سأعطيهم منديلها!
منديل جدتي حليمة
قيل لي إنه بمجرد دخول جدتي حليمة لأي عرس داخل المخيم، يتحول إلى ساحة انتفاضة، إلى ميدان ثوري.
تُخرج المنديل من زنارها، تمسكه بيدها، ومع أول تلويح به، يعلو تصفيق النساء؛ تحية لزوجة الشهيد وأم الأسرى، تحية لثوبها المطرز بأناملها، لزنارها، لشالها، ولحذائها الذي لطالما حفظته سجون الاحتلال.
تغني بصوت مرتفع.. بصوت القرية المسلوبة، بصوت يصارع للبقاء، بصوت الشعب الغريق: "بارودنا اللي ضرب ورصاصنا مصري.. لاس بدي (لازم ولا بد) يا دولة إسرائيل تنكسري".. كانت تعتقد، كغيرها من المنكوبين، أننا لن نُترك وحدنا!
كانت تغني لحلم أبدي، لمطلب شعبي: "بدي لأبو عمار طيارة حربية.. تضرب مطار اللد وتنزل ع سوريا".
حوصر أبو عمار في رام الله، ولم يأتِ زعماء العرب له برغيف خبز واحد، أو كوب من الماء! مات ببطء.. مات بصمت.. لا بد أن يموت؛ هذا ما تستوجبه المرحلة.
وحوصرت غزة أيضا، يا جدتي، ورأينا طائرات "العروبة"، لكنها لم تضرب مطار اللد، بل جاءت بالطعام لنا في مجاعتنا التي لم تنتهِ! تماما كمشهد المروحية التي أتت لنقل عرفات إلى آخر محطات حياته!
جاءت، وعُقدت لها الأفراح، أتت بالطعام لشعب يباد! لشعب يُقتل شبابه لأجل رغيف خبز واحد! جاءت.. لتشاهد احتضار غزة!
وتغني نداء فلسطين: "زارعنا الميرمية ع باب الدار.. فلسطين بتنادي على الثوار.. زارعنا الميرمية في القنية.. فلسطين بتنادي ع الفدائية".
سمع ثوارها وفدائيوها النداء، لكن لم يكفهم منديل الطفولة، ولا منديل جدتي! لم يكفهم سوى منديل واحد: "سبل عيونه ومد إيده يحنوله.. خصرو رقيق وبالمنديل يلفونه..".
كثيرة هي المناديل يا جدتي، كثيرة هي.. كثيرة إلى الحد الذي وصلت فيه أن تكون "مساعدات إنسانية عاجلة"!
أ كتوبر/ تشرين الأول 2023
عاد المشهد أمامي مجددا؛ أيدي الأطفال متشابكة، تبدأ إشارة اللعب والغناء، ولكن.. بدون منديل، وبأغنية مختلفة عما اعتدت عليه.. يغنون: "طاق طاق طاقية.. شبكين بعلية".
لا أعلم، أملّ الأطفال من النداء على العروبة، أم نضجوا للدرجة التي أدركوا فيها أن النداء ما عاد مجديا؟! لا أعلم، أضاع المنديل، أم دُفن؟
هذه المرة، غنيت معهم بصوت الرثاء لا الأمل؛ بصوت العجز، بصوت الخذلان، بصوت أرهقه الزمان: "طاق طاق طاقية.. تعيش الوحدة العربية"! لم أقبل بأغنية لا يغنَى فيها للعروبة التي أعرفها.. عروبة الكرامة.
أما المنديل، فأخذت في البحث عنه بسوق الكرامة: هل رأيت يا سيدي منديلا اسمه: "تعيش الوحدة العربية"؟ هل رأيته؟ أم يتوجب عليّ البحث عن منديل آخر؟! منديل يناسب معايير "المجتمع الدولي"، منديل يناسب معايير "العروبة الحديثة"، منديل يلوح به صاحبه مناديا: "مين يشتري الكرامة ويعطينا طحينا؟!".
علمتنا فلسطين أن العروبة ما زالت على قيد الحياة، أما الإبادة فقد علمتنا أن ضريح العروبة هناك! في مقبرة الفالوجة، بين قبور المنسيين، بجوار قبر جدتي.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 12 دقائق
- الجزيرة
ما سر اعتراف الغرب المفاجئ بمجازر إسرائيل في غزة؟
بعد أكثر من عام ونصف، من صمت الغرب وتبلده، إزاء مذابح إسرائيل وتجويع أطفال غزة، استيقظ فجأة "ضمير" صحيفة فايننشال تايمز، وهي الصحيفة المالية البريطانية الرسمية، وخرجت عن الصف في الثلث الأول من مايو/ أيار الماضي، وأدانت، صمت الغرب المخزي، ورخص أخلاقه، في مواجهة الهجوم الإسرائيلي الهمجي والبربري على القطاع الصغير. وفي مقال افتتاحي، اتهمت الصحيفة الولايات المتحدة وأوروبا، بالتواطؤ وبشكل متزايد مع إسرائيل، التي جعلت غزة "غير صالحة للحياة"، في تلميح إلى الإبادة الجماعية، وأشارت إلى أن الهدف، هو "طرد الفلسطينيين من أرضهم"، في إشارة إلى التطهير العرقي. وبالتزامن مع ذلك، قرّرت صحيفة الإندبندنت أن "الصمت المطبق على غزة" يجب أن ينتهي، وأنه قد حان الوقت للعالم، أن ينتبه لما يحدث، وأن يطالب بإنهاء معاناة الفلسطينيين المحاصرين في القطاع. وفي ميدل إيست آي، سأل جوناثان كوك، سؤالا يُعد مفتاحا مهما، لولوج صندوق عالم الغرب المظلم، لفهم كيف يفكر إزاء الانتهاكات، والمذابح وسياسات التجويع الجماعي بلا رحمة، واختبار صدق ادعائه، بوصفه المحتكر الوحيد والحصري للمرجعية الأخلاقية في العالم. تساءل كوك: ".. ولكن لماذا انتظر حلفاء إسرائيل الغربيون- وكذلك وسائل الإعلام مثل الغارديان وفايننشال تايمز- 19 شهرا للتحدث ضد هذا الرعب؟". يضيف: إن أجزاء من وسائل الإعلام، والطبقة السياسية تعلم، أن الموت الجماعي في غزة، لا يمكن إخفاؤه لفترة أطول، حتى بعد أن منعت إسرائيل، الصحفيين الأجانب من دخول القطاع، وقتلت معظم الصحفيين الفلسطينيين، الذين حاولوا تسجيل الإبادة الجماعية. يحاول اللاعبون السياسيون والإعلاميون المتشككون تقديم أعذارهم قبل فوات الأوان لإظهار الندم. ويقول: "وحتى اليوم تتواطأ، وسائل الإعلام الغربية، في الترويج لفكرة أن غزة خالية من الاحتلال الإسرائيلي، من خلال تصوير المذبحة هناك – وتجويع السكان – على أنها "حرب". وفي الثلث الأخير من يوليو/ تموز 2025، كتب ماثيو صايد، في الغارديان، مشيرا إلى ما وصفه بـ"مبررات" المذبحة، معتمدا على نظرية نسبية الأخلاق، وهي واحدة من أسوأ النظريات الغربية، التي قدمت للرجل الأبيض/السوبر "السند الأخلاقي" لاستباحة المستضعفين في العالم، وبضمير من ثلج، أو من حجر صلد. من بين المبررات التي ساقها صايد، أن تفريغ غزة بقتل 60 ألف شخص، وتدمير 92 في المئة من البنايات، والتجويع هو ـ عند إسرائيل ـ ضروري من أجل دحر حماس. وتُذكّر تل أبيب الغرب بـ"مبرراته الأخلاقية" في الحرب العالمية الثانية، بالقول: "لقد أرغمتم النازية على الاستسلام بقتلكم آلاف المدنيين الألمان. وعلينا أن نفعل الشيء نفسه في غزة". والحال أنه لا يمكن فصل نتاج الغرب العلمي والفلسفي، عن تشكيل نظرته للعالم. هذا المنتج، حتى لو كان نظريا، يحتمل الصواب والخطأ، يجري تدويره داخل ماكينات، إعادة صوغ الرأي العام، وتحويله ـ بمضي الوقت والتراكم بالإلحاح الناعم ـ ليمسي جزءا من ثوابت عقيدته السياسية، وهي أخطر ثمرات، التدوير الفلسفي والعلمي في الغرب. يحتل كتاب داروين (1809ـ1882) عن أصل الأنواع، والذي ظهر 1859، على سبيل المثال، منزلة ربما تكون أكثر قداسة عند جماعات المصالح "اللوبي" في العالم الغربي المسيحي، من الكتاب المقدس ذاته! الولايات المتحدة الأميركية "الرسمية"، ترفض بشكل قاطع أية نظرية تنتهك حرمة "النشوء والارتقاء"، كما وضعها داروين، كان من بينها إجهاض طلب تدريس نظرية "التصميم الذكي" جنبا إلى جنب مع "أصل الأنواع" في المدارس الأميركية، ولو من باب "حرية التعبير"! وفي 2004 صادرت فرنسا العلمانية، "أطلس الخَلق"، الذي يفكك نظرية داروين. ودول الاتحاد الأوروبي على وجه الإجمال تفرض حماية صارمة على النظرية، ولا تقبل المس بمضمونها أو التشكيك بصحتها! كان غريبا إلى حد الدهشة، أن يتشدد الغرب المسيحي "الرسمي" في التمسك بالتفسير الحرفي للداروينية، على الرغم من أنها لا تزال عند حدود "النظرية" التي لم ترقَ إلى درجة "الحقيقة" العلمية! إن هدم هذه النظرية، يعني تقويض الأساس الأخلاقي والتسويغ "العلمي" الذي قامت عليه الحضارة الغربية، سواء على صعيد تطورها وحراكها الداخلي، أو على صعيد نظرتها وفهمها للعالم من حولها. فالداروينية هي التي سوّغت "تميز" العنصر الغربي، واستعلاءَه على الآخر على أساس أنه الأفضل، ووفرت له الغطاء الأخلاقي، لاستعمار مناطق شاسعة من العالم، واستنزاف موارده، على أساس أن القانون الحاكم المطلق للعالم، يقوم على "الانتقاء الطبيعي": الفرز الطبقي والاجتماعي والعرقي والسلالي، وأن الطبيعة تتجه نحو تنظيف المجتمع من الفقراء والضعفاء وتخليص العالم منهم، لإيجاد مكان للأقوياء فقط. عندما اُتهم الزعيم التاريخي البريطاني ونستون تشرشل، بأنه ارتكب مجازر مروعة في حق الهنود الحمر في أميركا، وفي حق السود في أستراليا، قال بصلف: إن"عرقا أقوى، عرقا أرقى، عرقا أكثر حكمة" قد "حلّ محلّهم". وفي كتابه "العادات الشعبية" الصادر 1906، أصّل عالم الأنثروبولوجيا الأميركي ويليام غراهام سومنر، لنظرية ما يسمى "نسبية الأخلاق"، وأن الناس يختلفون حول القضايا الأخلاقية، وأن مصطلحات مثل: "جيد" و"سيئ" و"صحيح" و"خاطئ" لا تخضع لشروط الحقيقة العالمية إطلاقا؛ وأن ما يعتبره الناس صوابا أو خطأ يتشكل كليا – وليس بشكل أساسي – من خلال تقاليد وعادات وممارسات ثقافتهم. ويؤكد الأنثروبولوجي، روث بنديكت (1887-1948)، أنه لا وجود للأخلاق المتعالية، وإنما للعادات الاجتماعية. يعزو بعض المثقفين الكاثوليك والعلمانيين الانحطاط الملحوظ في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، إلى إزاحة القيم المطلقة من قبل النسبية الأخلاقية. وقد جادل البابا بنديكتوس السادس عشر، ومارسيلو بيرا وآخرون بأنه بعد 1960 تقريبا، تخلى الأوروبيون بشكل كبير عن العديد من المعايير التقليدية المتجذرة في المسيحية، واستبدلوها بقواعد أخلاقية نسبية متطورة باستمرار. الغرب في مجمله ـ بما فيه امتداده الأميركي ـ يتعاطى مع مجازر غزة مستبطنا، هاتين النظريتين: الداروينية السياسية والاجتماعية من جهة، ونسبية الأخلاق من جهة أخرى. وهي عقيدة تعالٍ وعنصرية، ممتدة وتنتقل من جيل إلى جيل حيث يعلمون أطفالهم في المدارس "منهج عبادة القوة ".


الجزيرة
منذ 14 دقائق
- الجزيرة
"أحفر قبري بيدي".. أسير إسرائيلي بغزة يوجه رسالة لنتنياهو
"ما أفعله الآن هو حفر قبري بيدي"، بهذه الكلمات ختم أسير إسرائيلي محتجز في قطاع غزة رسالة وجهها إلى رئيس وزرائه بنيامين نتنياهو وشعبه، وذلك في تسجيل مصور جديد بثته كتائب القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس). وظهر الأسير -الذي قالت وسائل إعلام إسرائيلية إنه أفيتار دافيد- بجسد شديد الهزال وهو يوثق معاناته اليومية مع الجوع داخل نفق ضيق، في رسالة مباشرة تعكس تدهور حالته الصحية والنفسية في ظل استمرار الحرب والحصار الإسرائيلي لقطاع غزة. وبعد فيديو آخر تم بثه أمس الجمعة لنفس الأسير بدأ فيديو اليوم بمشاهد للأسير وهو يجلس على فراش أرضي في أحد الأنفاق ويسجل بقلم على أوراق معلقة على الحائط أيامه في الأسر، محاولا تدوين ما يحصل عليه من طعام شحيح، في توثيق ليوميات الجوع والألم، في حين يبدأ حديثه بالإشارة إلى تاريخ يومه وهو الأحد الماضي الذي وافق 27 يوليو/تموز الماضي. وقال الأسير مخاطبا الكاميرا "لا أعلم ماذا سآكل، أنا لم آكل منذ أيام على التوالي"، مضيفا "أعيش في وضع صعب جدا منذ شهور، وبالكاد أحصل على مياه للشرب"، كما أكد أن طعامه يقتصر على قليل من العدس والفاصوليا، قبل أن يقول "انظروا إلي كم أنا نحيف، هذا ليس خيالا، هذه حقيقة". ويضيف الأسير "أنا في وضع سيئ جدا وضعيف جدا، لا يوجد أي شيء، لا توجد لحوم ولا دجاج ولا أسماك"، في حين تضمنت المشاهد فيما يسرد تلك التفاصيل مشاهد سابقة يبدو أنها صُورت قبل تشديد الحصار على القطاع ويظهر فيها مجموعة من الأسرى وهم يأكلون الطعام وحالتهم جيدة حيث يبتسمون ويشيرون بامتنان لمن يصورهم. جدول الطعام وقدّم الأسير تفاصيل دقيقة عن نظامه الغذائي، حيث عرض جدولا أعده لشهر يوليو/تموز الماضي، موضحا أنه لم يأكل شيئا في أيام عديدة، في حين اقتصر طعامه في أيام أخرى على العدس، وأحيانا كان يتناول بقوليات فقط، مشيرا إلى أيام مرت عليه دون أي طعام على الإطلاق. وأظهر المقطع الأسير وهو يتسلم علبة من الفاكهة المعلبة، ويقول إنها كل ما لديه ليومين كاملين، فقط "لأبقى على قيد الحياة"، في شهادة تؤكد ندرة الطعام الذي يصل إلى الأسرى، بالتزامن مع سياسة التجويع التي يفرضها الاحتلال على سكان القطاع. ووجّه الأسير رسالة مباشرة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قائلا "أشعر أنني متروك هنا تماما وتم التخلي عني"، مضيفا أنه تربى على أن دولة إسرائيل تهتم بأسراها، لكن ما يمر به الآن "هو ببساطة كذب". وفي مشهد تبلغ فيه المأساة ذروتها ظهر الأسير في نهاية الفيديو وهو يحفر في أرضية النفق باستخدام مجرفة، معلنا بيأس أنه يحفر قبره بنفسه، لأن "الوقت ينفد" وجسده يزداد ضعفا يوما بعد يوم، ثم أتبع ذلك برسالة وجهها إلى شعبه "أنتم فقط من يستطيع أن يوقف هذا لكي أعود وأنام على سريري مع عائلتي في البيت". واختتمت كتائب القسام المقطع برسالة واضحة باللغات العربية والعبرية والإنجليزية تقول "لن يعودوا إلا بصفقة"، مؤكدة أن "الوقت ينفد"، في إشارة إلى أن الحل العسكري لن يعيد الأسرى أحياء. يأكلون مما نأكل وجاء هذا المقطع بعد يوم من مقطع آخر بثته القسام للأسير ذاته، وظهر فيه بجسده الهزيل صامتا في تسجيل عكس جانبا من الواقع الذي يعيشه الأسرى في قطاع غزة في ظل حالة التجويع والحصار المفروض من قِبل قوات الاحتلال. وعرض المقطع السابق صورا للأسير وقد بدت عليه علامات الهزال الشديد، مقابل لقطات لأطفال غزة ظهرت عليهم آثار المجاعة بشكل واضح نتيجة الحصار الإسرائيلي وعدم إدخال المساعدات الإنسانية، في محاولة لإظهار المعاناة المشتركة لدى المدنيين والأسرى في القطاع. وانتهى فيديو أمس بعبارة مكتوبة تقول "يأكلون مما نأكل ويشربون مما نشرب"، في رسالة تشير إلى التعامل مع الأسرى ضمن الحدود الدنيا للبقاء، بما يوازي معيشة سكان غزة المحاصَرين. ويأتي هذان المقطعان في وقت يتصاعد فيه الجدل داخل إسرائيل بشأن مصير الجنود الأسرى، ويحتدم الخلاف بين عائلاتهم والحكومة التي تتعرض لضغوط متزايدة من أجل إتمام صفقة تبادل جديدة تعيد الأسرى. ووفقا لتصريحات سابقة للمتحدث باسم كتائب القسام أبو عبيدة، فإن الأسرى الإسرائيليين لن يخرجوا إلا في إطار صفقة تبادل شاملة، وهو ما ترفضه الحكومة الإسرائيلية حتى الآن وتفضل التصعيد العسكري للضغط على حماس. وكانت كتائب القسام قد نشرت سابقا تسجيلات عدة لجنود محتجزين لديها تضمنت مناشدات مباشرة إلى الحكومة الإسرائيلية لإنقاذهم، وتحذيرات من أن العمليات العسكرية لن تعيدهم أحياء.


الجزيرة
منذ 16 دقائق
- الجزيرة
أكثر من ألف موظف أوروبي يدعون لتعليق العلاقات مع إسرائيل
وجّه أكثر من ألف موظف في مؤسسات الاتحاد الأوروبي ، بينهم دبلوماسيون وخبراء قانونيون، نداء عاجلا إلى قادة الاتحاد في رسالة، مطالبين باتخاذ إجراءات فورية ضد إسرائيل بسبب ما وصفوه بـ" الإبادة الجماعية الجارية في غزة" والانتهاكات المستمرة للقانون الدولي. وأكدت الرسالة، التي صيغت بلغة قانونية حاسمة، أن المجاعة في قطاع غزة تتفاقم بسرعة، ولا يمكن وقفها بمساعدات مؤقتة أو إسقاطات جوية، مشددة على أن استمرار الحصار الإسرائيلي يمثل انتهاكا صارخا لاتفاقية الأمم المتحدة لمنع الإبادة الجماعية والقانون الدولي العرفي. وأشار الموظفون إلى أن فشل مؤسسة غزة الإنسانية المدعومة أوروبيا أدى إلى مقتل أكثر من ألف فلسطيني بنيران القوات الإسرائيلية منذ مايو/أيار الماضي، معتبرين أن صمت الاتحاد الأوروبي في مواجهة هذه الانتهاكات "تواطؤ فعلي يقوّض القيم الأوروبية". وتضمنت الرسالة 5 مطالب أساسية لقادة الاتحاد الأوروبي، والتي تشمل: التعليق الفوري لاتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل ، استنادا إلى البند المتعلق بحقوق الإنسان في الاتفاقية (المادة 2) والمادة 60 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات. فرض حظر شامل على الأسلحة والتكنولوجيا ذات الاستخدام المزدوج المصدّرة إلى إسرائيل ، وفقا لموقف الاتحاد الأوروبي المشترك ومعاهدة تجارة الأسلحة. وقف جميع أشكال التعاون التجاري والبحثي والتكنولوجي التي تساهم في الاحتلال ونظام الفصل العنصري الإسرائيلي ، بما في ذلك برنامج "أفق أوروبا" (Horizon Europe). تعليق العلاقات الدبلوماسية وسحب سفير الاتحاد من تل أبيب، ووقف مشاركة إسرائيل في الفعاليات الثقافية والعلمية والرياضية داخل دول الاتحاد. إنشاء آليات مساءلة لمحاسبة المؤسسات والدول الأعضاء التي تخرق التزاماتها القانونية تجاه حقوق الإنسان. التواطؤ مع الإبادة الجماعية وأوضحت الرسالة أن إسرائيل، باعتبارها أكبر شريك تجاري للاتحاد في المنطقة (يمثل نحو 30% من تجارتها)، تعتمد على الامتيازات الأوروبية لتثبيت احتلالها وممارساتها، وأن الاستمرار في منحها هذا الوضع التفضيلي يجعل الاتحاد شريكا في الانتهاكات. واختتم الموقعون الرسالة بالقول: "الوقت ينفد، والكلمات لم تعد كافية. على الاتحاد الأوروبي أن يختار بين القيم التي يدعي الدفاع عنها وبين التواطؤ مع الإبادة الجماعية. تعليق الاتفاقية لم يعد خيارا، بل ضرورة قانونية وأخلاقية عاجلة". وقد وقّع الرسالة "التحالف الأوروبي للعدالة التجارية"، وهو تجمع واسع لموظفي الاتحاد المعنيين بحقوق الإنسان، مؤكدين أنهم يخاطبون المفوضة الأوروبية أورسولا فون دير لاين بشكل مباشر لتحمّل المسؤولية بشأن حرب الإبادة في غزة.