
ثقافة الغش والفساد
ثقافة الغش والفساد
تتوالى علينا أخبار التحقيقات والاعتقالات لتزيح الستار عن حجم المعركة المتجددة التي نخوضها ضد وحش الفساد الكاسر.
آخر هذه الصدمات، قضية الأستاذ الجامعي المدعو 'قيلش' التي هزت أركان الرأي العام. فالرجل لم يكتف بتدنيس محراب العلم ببيع الشواهد والنقط والتحرش بالطالبات، بل أن أستاذنا المبجل هذا كان يتبختر في عباءة الواعظ المحارب للفساد وترأس هيئات وجمعيات ترفع لافتات براقة كـ'محاربة الرشوة'، ووصلت به الجرأة حد توقيع شراكة رسمية مع وزير عدل سابق، في مسرحية عبثية لمكافحة الداء الذي كان هو نفسه أحد أبرز أمثلته الحية.
إنها ليست مجرد سقطة فرد ضل الطريق، بل فضيحة تكشف عورة نظام قيمي يتآكل، وتدق ناقوس الخطر حول مدى قدرة الفساد على التلون والتخفي خلف أكثر الأقنعة نبلا وبراءة. وما مؤشر مدركات الفساد، الذي يضع المغرب عند عتبة 37 نقطة من أصل مئة لعام 2024، إلا شاهد إضافي يؤكد، بالأرقام، هذا التغلغل المقلق للآفة في مفاصل القطاع العام، وكأن ما نراه ونعيشه يوميا ليس كافيا لإدراك الحقيقة.
ولئن كانت فضيحة 'قيلش' هي القشة التي قصمت ظهر بعير الثقة المتداعية أصلا، فإنها، ويا للأسف، ليست إلا قمة جبل جليد يطفو فوق بحر متلاطم من الممارسات المشينة التي تنخر عصب الحياة في وطننا. فالقطاعات الأخرى التي تتشابك مع حياة المواطن اليومية وتطلعاته ليست بمنأى عن هذا السرطان الخبيث.
ففي قطاع الصحة، حيث يفترض أن تصان الأرواح وتخفف الآلام، نسمع عن صفقات مشبوهة تلتهم ميزانيات الأجهزة الطبية، وتقدم حياة الناس قربانا لجشع البعض. ولنا في اعتقالات أطر طبية في قضايا رشوة، خير مثال على أن المرض الحقيقي قد لا يكون كامنا في أجساد المرتفقين وحدهم.
ولا يتوقف نزيف الثقة ونهب مقدرات الوطن عند أبواب المستشفيات، بل يمتد ليطال قوت الفلاحين وأمننا الغذائي. ففي قطاع الفلاحة، تتحول مليارات الدراهم من الدعم العمومي، الذي يفترض به أن يساند صغار المنتجين ويحصن سيادتنا، إلى مغرفة ينهل منها 'مستثمرون' طارئون وشركات ذات حظوة، كما هو الحال في دعم استيراد المواشي الذي استنزف 1.3 مليار دولار بين عامي 2023 و2025. وبينما يئن الفلاح الصغير تحت وطأة التكاليف وتقلبات السوق، يزداد الطين بلة بتغاض برلماني مريب عن فتح تحقيقات جادة تكشف المستفيدين الحقيقيين من هذا الريع المقنن.
وتمتد هذه الشبكة الأخطبوطية لتعبث حتى بأحلام البسطاء في مأوى يسترهم، ففي قطاع السكن والتعمير، يتحول الحلم إلى كابوس يثقل كاهل المواطنين بديون لا قبل لهم بها. والسبب؟ جشع منعشين عقاريين وسماسرة لا يتورعون عن استغلال برامج الدعم الحكومي لرفع الأسعار، عبر ممارسات ملتوية كـ'النوار' الذي لا يحرم خزينة الدولة من مداخيل ضريبية هي في أمس الحاجة إليها فحسب، بل يضرب في الصميم مبدأ الشفافية والمنافسة الشريفة. وحتى المشاريع الكبرى كالمدن الجديدة، التي استبشر بها المغاربة كحلول مستقبلية، ينتهي بها المطاف، كما كشف المجلس الأعلى للحسابات، مجرد 'تجزئات عقارية' تفتقر لأبسط المرافق الأساسية، شاهدة على سوء تدبير وضعف حكامة يبعثان على الأسى.
لكن، هل الكارثة تكمن فقط في هذه الوقائع، على فداحتها؟ أم أن هناك ما هو أدهى وأمر؟ إن الأخطر من كل هذا، وربما ما يفسر هذا الاستشراء المريع للآفة، هو ذلك القبول المجتمعي الضمني، بل وأحيانا الإعجاب المقيت، بـ'الفاسد الشاطر' الذي ينجح في التحايل على القوانين والأخلاق.
وها هي الامتحانات تطرق الأبواب، لتكشف عن وجه آخر لهذه الأزمة الأخلاقية المتجذرة، فالغش الذي لم يعد مجرد مخالفة فردية معزولة، بل أضحى ثقافة رائجة بين الصغار، وتكاد تصبح حقا مكتسبا في نظر البعض، مما يهدد ما تبقى من مصداقية شهاداتنا ومنظومتنا التعليمية. كيف نأمل بمستقبل أفضل إذا كانت بذرة التحايل تزرع في عقول الأجيال الصاعدة وتسقى بماء التبرير والتساهل، بل وأحيانا بتواطؤ من الآباء أنفسهم!
وهكذا، فإن هذا التطبيع مع غش الصغار لا يقتصر أثره على مجرد ورقة امتحان، بل يمتد ليشرعن التحايل كمنهج حياة، فيفرخ لنا أجيالا تستسيغ الفساد، وتفقد بالتالي أي معنى للشهادة الجامعية أو لمفهوم نزاهة المسؤول، ما دامت البدايات معوجة والنوايا مغشوشة.
برعلا زكريا

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العرائش أنفو
منذ 3 ساعات
- العرائش أنفو
ثقافة الغش والفساد
ثقافة الغش والفساد تتوالى علينا أخبار التحقيقات والاعتقالات لتزيح الستار عن حجم المعركة المتجددة التي نخوضها ضد وحش الفساد الكاسر. آخر هذه الصدمات، قضية الأستاذ الجامعي المدعو 'قيلش' التي هزت أركان الرأي العام. فالرجل لم يكتف بتدنيس محراب العلم ببيع الشواهد والنقط والتحرش بالطالبات، بل أن أستاذنا المبجل هذا كان يتبختر في عباءة الواعظ المحارب للفساد وترأس هيئات وجمعيات ترفع لافتات براقة كـ'محاربة الرشوة'، ووصلت به الجرأة حد توقيع شراكة رسمية مع وزير عدل سابق، في مسرحية عبثية لمكافحة الداء الذي كان هو نفسه أحد أبرز أمثلته الحية. إنها ليست مجرد سقطة فرد ضل الطريق، بل فضيحة تكشف عورة نظام قيمي يتآكل، وتدق ناقوس الخطر حول مدى قدرة الفساد على التلون والتخفي خلف أكثر الأقنعة نبلا وبراءة. وما مؤشر مدركات الفساد، الذي يضع المغرب عند عتبة 37 نقطة من أصل مئة لعام 2024، إلا شاهد إضافي يؤكد، بالأرقام، هذا التغلغل المقلق للآفة في مفاصل القطاع العام، وكأن ما نراه ونعيشه يوميا ليس كافيا لإدراك الحقيقة. ولئن كانت فضيحة 'قيلش' هي القشة التي قصمت ظهر بعير الثقة المتداعية أصلا، فإنها، ويا للأسف، ليست إلا قمة جبل جليد يطفو فوق بحر متلاطم من الممارسات المشينة التي تنخر عصب الحياة في وطننا. فالقطاعات الأخرى التي تتشابك مع حياة المواطن اليومية وتطلعاته ليست بمنأى عن هذا السرطان الخبيث. ففي قطاع الصحة، حيث يفترض أن تصان الأرواح وتخفف الآلام، نسمع عن صفقات مشبوهة تلتهم ميزانيات الأجهزة الطبية، وتقدم حياة الناس قربانا لجشع البعض. ولنا في اعتقالات أطر طبية في قضايا رشوة، خير مثال على أن المرض الحقيقي قد لا يكون كامنا في أجساد المرتفقين وحدهم. ولا يتوقف نزيف الثقة ونهب مقدرات الوطن عند أبواب المستشفيات، بل يمتد ليطال قوت الفلاحين وأمننا الغذائي. ففي قطاع الفلاحة، تتحول مليارات الدراهم من الدعم العمومي، الذي يفترض به أن يساند صغار المنتجين ويحصن سيادتنا، إلى مغرفة ينهل منها 'مستثمرون' طارئون وشركات ذات حظوة، كما هو الحال في دعم استيراد المواشي الذي استنزف 1.3 مليار دولار بين عامي 2023 و2025. وبينما يئن الفلاح الصغير تحت وطأة التكاليف وتقلبات السوق، يزداد الطين بلة بتغاض برلماني مريب عن فتح تحقيقات جادة تكشف المستفيدين الحقيقيين من هذا الريع المقنن. وتمتد هذه الشبكة الأخطبوطية لتعبث حتى بأحلام البسطاء في مأوى يسترهم، ففي قطاع السكن والتعمير، يتحول الحلم إلى كابوس يثقل كاهل المواطنين بديون لا قبل لهم بها. والسبب؟ جشع منعشين عقاريين وسماسرة لا يتورعون عن استغلال برامج الدعم الحكومي لرفع الأسعار، عبر ممارسات ملتوية كـ'النوار' الذي لا يحرم خزينة الدولة من مداخيل ضريبية هي في أمس الحاجة إليها فحسب، بل يضرب في الصميم مبدأ الشفافية والمنافسة الشريفة. وحتى المشاريع الكبرى كالمدن الجديدة، التي استبشر بها المغاربة كحلول مستقبلية، ينتهي بها المطاف، كما كشف المجلس الأعلى للحسابات، مجرد 'تجزئات عقارية' تفتقر لأبسط المرافق الأساسية، شاهدة على سوء تدبير وضعف حكامة يبعثان على الأسى. لكن، هل الكارثة تكمن فقط في هذه الوقائع، على فداحتها؟ أم أن هناك ما هو أدهى وأمر؟ إن الأخطر من كل هذا، وربما ما يفسر هذا الاستشراء المريع للآفة، هو ذلك القبول المجتمعي الضمني، بل وأحيانا الإعجاب المقيت، بـ'الفاسد الشاطر' الذي ينجح في التحايل على القوانين والأخلاق. وها هي الامتحانات تطرق الأبواب، لتكشف عن وجه آخر لهذه الأزمة الأخلاقية المتجذرة، فالغش الذي لم يعد مجرد مخالفة فردية معزولة، بل أضحى ثقافة رائجة بين الصغار، وتكاد تصبح حقا مكتسبا في نظر البعض، مما يهدد ما تبقى من مصداقية شهاداتنا ومنظومتنا التعليمية. كيف نأمل بمستقبل أفضل إذا كانت بذرة التحايل تزرع في عقول الأجيال الصاعدة وتسقى بماء التبرير والتساهل، بل وأحيانا بتواطؤ من الآباء أنفسهم! وهكذا، فإن هذا التطبيع مع غش الصغار لا يقتصر أثره على مجرد ورقة امتحان، بل يمتد ليشرعن التحايل كمنهج حياة، فيفرخ لنا أجيالا تستسيغ الفساد، وتفقد بالتالي أي معنى للشهادة الجامعية أو لمفهوم نزاهة المسؤول، ما دامت البدايات معوجة والنوايا مغشوشة. برعلا زكريا


الصحراء
منذ يوم واحد
- الصحراء
تصنيع آيفون في أميركا.. خبراء يتحدثون عن "عقبات كثيرة"
رأى خبراء أن مسعى الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتصنيع هواتف آيفون التي تنتجها شركة أبل داخل الولايات المتحدة، يواجه الكثير من التحديات القانونية والاقتصادية أقلها تثبيت "البراغي الصغيرة" بطرق آلية. وقال محامون وأساتذة بقطاع التجارة إن أسرع طريقة لإدارة ترامب للضغط على شركة أبل من خلال الرسوم الجمركية هي استخدام نفس الآلية القانونية التي تفرض الرسوم على شريحة واسعة من الواردات، وفق رويترز. قد تستغرق ما يصل لـ10 سنوات من جهته أوضح دان إيفز، المحلل في ويدبوش، أن عملية نقل الإنتاج إلى الولايات المتحدة قد تستغرق ما يصل لـ10 سنوات وقد تؤدي إلى أن يصل سعر جهاز آيفون الواحد إلى 3500 دولار. ويُباع أحدث إصدار من هواتف آيفون حالياً في حدود 1200 دولار. كما أضاف: "نعتقد أن مفهوم إنتاج أبل لأجهزة آيفون في الولايات المتحدة هو قصة خيالية غير ممكنة". سيزيد من تكاليف المستهلكين من جانبه أفاد بريت هاوس، أستاذ الاقتصاد في جامعة كولومبيا، أن فرض رسوم جمركية على أجهزة آيفون سيزيد من تكاليف المستهلكين من خلال تعقيد سلسلة التوريد والتمويل الخاصة بشركة أبل. وأردف أن "لا شيء من هذا إيجابي بالنسبة للمستهلكين الأميركيين". رسوم جمركية تبلغ 25% يذكر أن ترامب كان هدد الجمعة بفرض رسوم جمركية تبلغ 25% على أبل في حال بيعها هواتف آيفون مصنعة في الخارج داخل الولايات المتحدة. وصرح للصحافيين أن الرسوم الجمركية البالغة 25% ستطبق أيضاً على شركة سامسونغ وغيرها من صانعي الهواتف الذكية، مضيفاً أنه "لن يكون من العدل" عدم تطبيق الرسوم على جميع الهواتف الذكية المستوردة. كما مضى قائلاً: "كان لدي تفاهم مع (الرئيس التنفيذي لشركة أبل) تيم (كوك) بأنه لن يفعل ذلك. قال إنه سيذهب إلى الهند لبناء مصانع. قلت له لا بأس أن يذهب إلى الهند لكنك لن تبيع هنا بدون رسوم جمركية". فيما يتوقع أن تدخل الرسوم حيز التنفيذ في نهاية يونيو. يتطلب تكنولوجيا غير متوفرة بعد وكان وزير التجارة الأميركي هوارد لوتنيك قد قال لشبكة "سي.بي.إس" الشهر الماضي إن عمل "الملايين والملايين من البشر الذين يثبتون البراغي الصغيرة جداً لصنع أجهزة آيفون" سيأتي إلى الولايات المتحدة وسيصبح آلياً، مما سيوفر وظائف للعمال المهرة مثل الميكانيكيين والكهربائيين. لكنه كشف لاحقاً لقناة "سي.إن.بي.سي" أن كوك أخبره بأن القيام بذلك يتطلب تكنولوجيا غير متوفرة بعد. وأوضح: "لقد قال أحتاج إلى أذرع روبوتية وأن أقوم بذلك على نطاق ودقة يمكنني بهما جلبها (الصناعة) إلى هنا. وفي اليوم الذي أرى ذلك متاحاً، ستأتي إلى هنا'". نقلا عن العربية نت


جوهرة FM
منذ يوم واحد
- جوهرة FM
عائلة عراقية تطلب طلبا غريباً تعويضاً عن مقتل ابنها بحادث مرور
طالبت عائلة شاب قضى بحادث دهس في مدينة كركوك العراقية بدية غير تقليدية، حيث اشترطت أن يكون مقدارها 100 ناقة، أي ما يعادل نحو 100 مليون دينار عراقي (نحو 75 ألف دولار). وعن هذه الواقعة، صرح المحامي عمر قحطان العبيدي، وكيل الشاب المتهم بالحادث، لوكالة "شفق نيوز" قائلا:"حسب ما نُقل عن ذوي الشاب، فإن عائلة المتوفى تطالب بدية تعادل 100 ناقة، وقد بدأت حملة لجمع التبرعات لمساعدة الشاب المتهم في القضية". وأضاف العبيدي: "فيما يخص الإجراءات القانونية، نحن مستمرون في متابعة القضية لإثبات عدم تقصير الشاب المسيحي في الحادث"، مؤكداً احترامه لمشاعر عائلة الضحية وحقها القانوني في المطالبة بالتعويض. وتُقدّر دية القتل الخطأ في الشريعة الإسلامية، وفقا لما نشره موقع "شفق نيوز"، بمئة من الإبل، وتُعد هذه القيمة معيارا تقليديا معمولا به منذ العصور الأولى. وتختلف قيمتها الفعلية بحسب سعر الناقة في السوق، كما يمكن تقديرها نقدا بما تراه المحكمة مناسباً أو حسب ما يتفق عليه الطرفان.