logo
ما العملات المستقرة .. وكيف يجري تنظيمها ؟

ما العملات المستقرة .. وكيف يجري تنظيمها ؟

الاقتصادية٢٨-٠٧-٢٠٢٥
إذا وضعت ورقة نقدية من فئة دولار واحد تحت وسادتك، فإنك ستحصل على الورقة نفسها عندما تعود للبحث عنها، وإن العملة الورقية ستظل تساوي دولارا واحدا، وقد نشأت فئة من العملات المشفرة تعرف باسم العملات المستقرة، انطلاقا من فكرة أن هذا المستوى من الاعتمادية يمكن تكراره بطرق جديدة.
باتت العملات المستقرة عنصرا حيويا في تشغيل أسواق العملات المشفرة، إذ بلغ إجمالي المتداول منها نحو 260 مليار دولار في يوليو من العام الحالي. كما أنها تخضع لتدقيق متزايد من الجهات التنظيمية التي بدأت بفرض قواعد على هذا القطاع.
ما هي العملات المستقرة ؟
هي أصول رقمية صممت للحفاظ على قيمة ثابتة، على عكس تقلبات الأسعار التي تشهدها عملات مشفرة شهيرة مثل بتكوين وغيرها، وغالبا ما تكون مرتبطة بعملة تقليدية، وعادة ما تكون الدولار الأمريكي.
لا تستخدم العملات المستقرة على نطاق واسع في شراء السلع والخدمات، بل يشتريها مستثمرو العملات المشفرة باعتبارها وسيلة آمنة للاحتفاظ بأرباحهم دون الحاجة إلى تحويلها مجددا إلى أموال حقيقية. كما تُستخدم كعملة وسيطة مريحة عند التحول بين أصول رقمية مختلفة أو بين منصات تداول متعددة، ويوجد العشرات من العملات المستقرة المتداولة حاليا، وأكثرها شيوعا "تيثر"، التي يمكن استبدالها بآلاف العملات المشفرة الأخرى.
كيف تحافظ العملات المستقرة على قيمتها ؟
تقول غالبية الجهات التي تُصدر العملات المستقرة إنها تحتفظ بأموال نقدية أو أصول أخرى توازي قيمة العملات المتداولة. فعلى سبيل المثال، عندما يدفع المستخدم دولاراً واحدا لشركة "تيثر" مقابل الحصول على رمز مشفر، من المفترض أن يُحتفظ بذلك المبلغ في أصول آمنة نسبياً مثل النقد أو أذون الخزانة الأميركية.
هناك أيضا عملات مستقرة تعتمد في الحفاظ على قيمتها على عملات مشفرة أخرى أو استراتيجيات تداول أو باستخدام خوارزميات. فعلى سبيل المثال، عملة "يو إس دي إي" التي تصدرها شركة "إيثينا"، وتعد من أكبر الرموز المشفرة بين بدائل الدولار الرقمي، تستخدم نسخة من استراتيجية التحوّط المعروفة بـ"الصفقة الأساسية" لدعم ارتباطها بالدولار.
تعتمد عملات مستقرة أخرى على خوارزميات تضبط المعروض منها، إذ تُصدر مزيداً من العملات عندما يتجاوز سعرها القيمة المرجعية للأصل المربوط به لجعل السعر ينخفض، وتُقلص المعروض عندما يقل السعر عن قيمة الأصل المربوطة به لتدفعه إلى الارتفاع مجددا.
تراجعت جاذبية هذه العملات "الخوارزمية" بعد انهيار أكبرها، وهي عملة "تيرا يو إس دي"والعملة المشفرة الشقيقة "لونا"، في 2022، حين خسرتا معا 60 مليار دولار من القيمة السوقية خلال أيام قليلة.
من هي الأطراف الفاعلة ؟
تهيمن عملتا "يو إس دي تي" التابعة لـ"تيثر" و"يو إس دي سي" التابعة لشركة "سيركل" على سوق العملات المستقرة، إذ تمثلان معاً أكثر من 80% من حجم السوق.
مع اتساع تبني العملات المشفرة، بدأت شركات مالية وتقنية كبرى بالدخول إلى هذا المجال، حاولت "ميتا بلاتفورمز" المالكة لـ"فيسبوك" و"إنستجرام" إطلاق عملة مستقرة في 2019، لكن المشروع انهار لاحقا بسبب مقاومة الجهات التنظيمية حول العالم، أما في 2023 أطلقت "باي بال هولدينغز" عملة مستقرة، لتصبح أول شركة مالية كبرى تقدم على هذه الخطوة.
كما ظهرت رموز رقمية يمكن أن تؤدي وظيفة العملات المستقرة وتستخدم كضمان في التداول، مثل صناديق السوق المالية المربوطة برموز مشفرة. أنشأت شركات إدارة أصول مثل "بلاك روك" و"فرانكلين تمبلتون" مثل هذه المنتجات في السنوات الأخيرة، كما يشارك الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في مجال العملات المستقرة، بعدما وصف نفسه بـ"الرئيس المؤيد للعملات المشفرة" خلال حملته الانتخابية.
ماذا يفعل ترمب في مجال العملات المستقرة ؟
أطلقت عائلة ترمب مشروعها في مجال العملات المشفرة تحت اسم "وورلد ليبرتي فاينانشال"، وطرحت من خلاله عملة مستقرة اسمها "يو إس دي 1" في مارس الماضي. يجري تداول هذه العملة بطريقة مشابهة لباقي العملات المستقرة إذ إنها مرتبطة بالدولار، ومدعومة باحتياطي من الأصول المشابهة للنقد، وتعمل على عدة سلاسل "بلوكتشين" تُسجل عليها معاملات العملات المشفرة.
في مايو الماضي، أعلنت "وورلد ليبرتي" أن عملة "يو إس دي 1" استُخدمت من قبل شركة "إم جي إكس"، وهي مستثمر تقني مدعوم من الدولة في أبوظبي، لدفع ملياري دولار مقابل الاستثمار في بورصة "بينانس هولدينغز" للعملات المشفرة.
أثار هذا الأمر مخاوف من تضارب مصالح محتمل يرتبط بعملة "يو إس دي 1"، سواء داخل الولايات المتحدة الأميركية أو على الساحة الدولية. كما أثارت مشروعات ترمب الأخرى في مجال العملات المشفرة مخاوف مشابهة، منها ترويج يُتيح لأكبر حاملي عملته المشفرة "ترمب" فرصة حضور عشاء خاص مع الرئيس الأميركي.
ما مصدر قلق الجهات التنظيمية إزاء العملات المستقرة ؟
دعا عدد من كبار المسؤولين في البنوك المركزية إلى إصدار تشريعات تنظم شركات العملات المستقرة بطريقة شبيهة بتنظيم البنوك، إذ يساورهم القلق من مخاطر حدوث انهيارات مستقبلية في هذه العملات، ما قد يدفع الجهات الدعمة إلى بيع أصولها بشكل جماعي للحفاظ على قيمة الارتباط بالأصول الحقيقية، الأمر الذي قد يؤدي إلى اضطرابات أوسع في الأسواق.
لكن ما يثير القلق بدرجة أكبر هو السيناريو المعاكس، أي أن تُثبت العملات المستقرة كفاءتها، وتحقق شعبية واسعة، وتسمح بتداول مبالغ ضخمة دون المرور بالنظام المصرفي الرسمي، ما قد يقوض احتكار البنوك المركزية للسياسة النقدية، ويُمكن المجرمين من تنفيذ عمليات غسل أموال هائلة.
ما هي المخاوف المرتبطة بعملة "تيثر" ؟
تُعد "تيثر" بنظر الجهات التنظيمية أكبر مصدر للمخاطر في سوق العملات المستقرة، لأنها الأكبر من حيث الحجم، ولأن الشركة المشغلة لها، "تيثر هولدينغز"، مقرها خارج أمريكا، وتحديداً في السلفادور. تجاوزت القيمة المتداولة لعملة "تيثر" 150 مليار دولار في 2025.
كما أن للشركة تاريخا مثيرا للجدل، إذ توصلت إلى تسوية مع السلطات الأميركية في 2021 إزاء مزاعم بأنها كذبت بشأن احتياطياتها. رغم أن معظم احتياطياتها حالياً تتألف من أصول قد تكون متوافقة مع التشريعات الأمريكية الجديدة بشأن العملات المستقرة، إلا أن "تيثر" تدعم عملتها أيضاً بأصول لن يُسمح بها بموجب تلك القوانين، مثل بتكوين والقروض المضمونة. وبسبب حجمها، فإن "تيثر" ستكون خاضعة للتنظيم على المستوى الفيدرالي إذا ما قررت التقدم للحصول على ترخيص أميركي بموجب القواعد الجديدة.
من أيضا يشعر بالقلق إزاء العملات المستقرة ؟
لا تقتصر المخاوف على الجهات التنظيمية المالية، بل تشاركها أيضاً وكالات إنفاذ القانون. وفقاً لتقرير أصدرته مجموعة العمل المالي العالمية في يونيو الماضي، فإن معظم الأنشطة غير القانونية التي تجري حاليا على منصات العملات المشفرة تشمل استخدام العملات المستقرة.
نظرا لأن معاملات "بلوكتشين" سريعة، ورخيصة، وتُنفذ دون الكشف عن الهوية، فإن العملات المستقرة تعد خيارا مفضلا للمجرمين لغسل الأموال أو تنفيذ عمليات احتيال. وجدت مجموعة العمل المالي، التي تضم مسؤولين من كبرى دول العالم، أن طيفاً واسعاً من الجهات غير المشروعة، بما في ذلك الإرهابيين، ومهربي المخدرات وقراصنة الإنترنت الكوريين الشماليين كثفوا استخدامهم للعملات المستقرة منذ 2024.
ماذا يحدث على صعيد تنظيم العملات المستقرة ؟
صدرت تشريعات تنظم العملات المستقرة في أنحاء مختلفة من العالم مثل سنغافورة وهونج كونج والاتحاد الأوروبي. وتعمل المملكة المتحدة على إعداد نظامها الخاص، ومن المتوقع أن يكون جاهزاً خلال 2026.
لكن أهم تشريع قيد الإقرار حالياً هو قانون "قانون التوجيه وإرساء الابتكار الوطني للعملات المستقرة الأميركية" المعروف مجازا بـ"القانون العبقري"، نظراً لأن معظم العملات المستقرة مُسعرة بالدولار الأميركي، ولأن الولايات المتحدة الأميركية تُعد من أكبر أسواق العملات المشفرة في العالم.
أقر الكونجرس الأمريكي القانون في يوليو الحالي، وقد وقعه ترمب الأسبوع الماضي. يمنح القانون الجهات التنظيمية المالية صلاحيات الإشراف على الجهات المصدرة للعملات المستقرة، وعلى طريقة إدارتها للاحتياطيات، من خلال متطلبات صارمة ورقابة تهدف إلى ضمان استقرار الرموز المشفرة.
يحدد القانون أنواع الأصول التي يمكن للمصدرين الاحتفاظ بها في احتياطياتهم، ويلزم الجهات المرخص لها بنشر تقارير شهرية عن الاحتياطيات صادرة عن مدقق حسابات مستقل، كما يُلزم القانون الجهات المصدرة بالامتثال لقوانين مكافحة غسل الأموال والعقوبات، ومراقبة الأنشطة المشبوهة والإبلاغ عنها، والقدرة على تجميد الأصول عند طلب الجهات الأمنية.
كان ترمب يأمل في إقرار القانون خلال الصيف الحالي، رغم ما واجهه "قانون التوجيه وإرساء الابتكار الوطني للعملات المستقرة الأمريكية" من نقاش حاد داخل مجلس الشيوخ بشأن ما إذا كان كافيا لمواجهة تضارب المصالح المحتمل المرتبط بعملة "يو إس دي 1" التابعة للرئيس الأمريكي.
يحظى القانون بدعم واسع من قطاع العملات المشفرة، التي ترى فيه خطوة مهمة تمنح العملات المستقرة المصداقية اللازمة لتصبح جزءاً من النظام المالي السائد.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

بعد أكثر من 1000 تأخير .. حل مشكلة تقنية في نظام معلومات "يونايتد إيرلاينز"
بعد أكثر من 1000 تأخير .. حل مشكلة تقنية في نظام معلومات "يونايتد إيرلاينز"

الاقتصادية

timeمنذ 11 دقائق

  • الاقتصادية

بعد أكثر من 1000 تأخير .. حل مشكلة تقنية في نظام معلومات "يونايتد إيرلاينز"

تم حل عطل في نظام المعلومات الخاص برحلات الطيران التابعة لشركة الطيران الأمريكية العملاقة "يونايتد إيرلاينز"، الذي تسبب في أكثر من 1000 عملية تأخير، إلا أن التأخيرات استمرت حتى اليوم الخميس. وبحسب الشركة، فإن النظام المتضرر والمعروف باسم "يونيماتيك"، يخزن معلومات رحلات الطيران التي تقوم بتغذية أنظمة أخرى، تشمل أنظمة حساب الوزن والتوازن وتتبع أوقات الرحلات. ولم يتضح سبب حدوث المشكلة التي تم حلها في وقت متأخر مساء أمس الأربعاء.

مشيرة إلى "حالات غموض"
مشيرة إلى "حالات غموض"

العربية

timeمنذ 11 دقائق

  • العربية

مشيرة إلى "حالات غموض"

كثفت صناعة السيارات الألمانية من انتقاداتها للاتفاق الجمركي الذي تم التوصل إليه مؤخرا بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وركزت هذه الصناعة شكواها على حالات الغموض التي تكتنف هذا الاتفاق. انخفاض الإنتاج الصناعي في ألمانيا إلى أدنى مستوى له منذ 2020 وقالت هيلديجارد مولر، رئيسة اتحاد شركات صناعة السيارات في ألمانيا "في دي أيه" إن "الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لم يحقق حتى الآن أي وضوح أو تحسن بالنسبة لصناعة السيارات الألمانية"، مشيرة إلى أن الرسوم الجمركية بنسبة 27.5% لا تزال مفروضة على السيارات وقطع غيارها. ورأت مولر أن هذه الرسوم تشكل عبئًا كبيرًا على شركات تصنيع السيارات الألمانية ومورديها، وأردفت: "من المهم أن يتم التوصل الآن إلى الاتفاق الموعود، وأن تُنفذ التسهيلات في أقرب وقت ممكن"، وطالبت المفوضية الأوروبية والحكومة الألمانية ببذل جهود مكثفة لتحقيق هذا الهدف، وفقا لـ"د ب أ". وكان مسؤول في المفوضية الأوروبية صرّح أول أمس الثلاثاء بأنه يتوقع تعديل الرسوم الجمركية على السيارات "في وقت قريب جدًا". وبعد الاتفاق المبدئي الذي تم التوصل إليه بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين قبل نحو أسبوعين، كان الاتحاد الأوروبي أعلن أنه يتوقع أن تدخل نسبة الحد الأقصى الجديدة البالغة 15% على جميع الواردات حيز التنفيذ اعتبارًا من الأول من أغسطس/آب الجاري. وفي هذا السياق، كان من المتوقع أيضًا أن يتم تخفيض الرسوم الجمركية الحالية على السيارات وقطع الغيار، والبالغة 27.5%، إلى المعدل الجديد المتفق عليه. ومع ذلك، فإن الأمر التنفيذي الذي وقّعه الرئيس الأميركي الأسبوع الماضي، لم يتطرق إلى هذه المسألة.

ارتفاع طفيف لطلبات إعانة البطالة في أميركا إلى 226 ألف
ارتفاع طفيف لطلبات إعانة البطالة في أميركا إلى 226 ألف

العربية

timeمنذ 11 دقائق

  • العربية

ارتفاع طفيف لطلبات إعانة البطالة في أميركا إلى 226 ألف

قالت وزارة العمل الأميركية، الخميس، إن طلبات إعانة البطالة للأسبوع المنتهي في 2 أغسطس ارتفعت بمقدار 7000 طلب لتصل إلى 226000، وهو ما يزيد قليلاً عن 219000 طلب جديد كان يتوقعه الاقتصاديون. ويعد هذا التقرير هو أول بيانات حكومية عن سوق العمل تصدر منذ تقرير الوظائف القاتم لشهر يوليو، الذي صدر يوم الجمعة وأدى إلى تدهور حاد في الأسواق المالية، مما دفع الرئيس دونالد ترامب إلى إقالة إريكا ماكينترف، رئيسة مكتب إحصاءات العمل. وتعتبر الطلبات الأسبوعية لإعانات البطالة مؤشرًا على تسريح العمال في الولايات المتحدة، وقد استقرت في الغالب في نطاق صحي تاريخيًا بين 200 ألف و250 ألفًا منذ أن أثرت جائحة "كوفيد-19" على الاقتصاد في ربيع عام 2020. وكانت هذه هي المرة الثانية فقط خلال ثمانية أسابيع التي ترتفع فيها طلبات إعانة البطالة، وفق وكالة "أسوشييتد برس". وفي حين أن معدلات التسريح لا تزال منخفضة بالمعايير التاريخية، فقد كان هناك تدهور ملحوظ في سوق العمل هذا العام. في الأسبوع الماضي، أفادت الحكومة أن أرباب العمل في الولايات المتحدة أضافوا 73 ألف وظيفة فقط في يوليو، وهو أقل بكثير من 115 ألف وظيفة كانت متوقعة. والأسوأ من ذلك، أن مراجعات أرقام وظائف شهري مايو ويونيو أزالت 258 ألف وظيفة من التقديرات السابقة، وارتفع معدل البطالة إلى 4.2% من 4.1%. ويجادل العديد من الاقتصاديين بأن طرح ترامب غير المنتظم للتعريفات الجمركية في أبريل خلق حالة من عدم اليقين لأرباب العمل، الذين أصبحوا مترددين في توسيع قوائم موظفيهم.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store