
رفع كسوة الكعبة تقليد سنوي يسبق الاستعداد لموسم الحج
من ضمن الأعمال الجليلة التي تشهدها الكعبة المشرفة وتسبق موسم الحج كما جرت عليه العادة السنوية، رفع الكسوة بارتفاع ثلاثة أمتار من أسفل الكعبة المشرفة، التي عادة ما تتم في منتصف شهر ذي القعدة بإشراف من الهيئة العامة للعناية بشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي.
ووفقًا لتقرير نشرته وكالة الأنباء السعودية (واس)، فإن الجزء المرفوع من الكسوة يُغطى بقماش قطني أبيض بعرض 2.5م وطول 54م، من الجهات الأربع للكعبة المشرفة، ويشارك في إنجاز هذه العملية مجموعة من الكوادر الوطنية الفنية المتخصصة تعمل وفق أعلى المعايير، يساندهم في ذلك أحدث الأجهزة والآليات التي وفرتها الحكومة السعودية لإتمام هذه المهمة في وقت قياسي.
ومن مظاهر العناية التي تشهدها الكعبة المشرفة أعمال الترميم والصيانة لها والتحسينات المستمرة كل وقت وحين، مرورًا بتجديد كسوة الكعبة كل عام التي تعد من مظاهر التبجيل والتشريف لبيت الله، ومن تعظيم شعائر الله تعالى، ومن أجل إلقاء الهيبة عليها، ولإظهار مكانتها العظيمة في قلوب المسلمين وإجلالهم لها.
وفي موسم الحج يرفع ثوب الكعبة، ويسمى بتشمير الكعبة، ويسمى عند العامة بإحرام الكعبة، وليس رفع الثوب عن الكعبة أمرًا تعبديًا، وإنما يفعل لحكمة تختلف حسب الزمان، فلكل أهل زمان سبب أو حكمة من ذلك.
وفي العصور القديمة كان يعد "رفع الكسوة" بمثابة وسيلة للإعلان عن اقتراب موسم الحج، ودلالة على دخول وقت الشعيرة، واستقبال ضيوف الرحمن من كل فج عميق لعبادة الله وأداء الركن الخامس من أركان الإسلام، بالإضافة إلى حماية الكسوة أثناء الموسم من التمزق والتلف والتوسخ، ثم أصبحت عادة وتقليدًا سنويًا يشرف عليه الحكام المسلمون على مر العصور اهتمامًا كبيرًا، فيرفع ثوب الكعبة قبل بدء موسم الحج بفترة كافية، بهدف حماية الكسوة من التلف أو التمزق نتيجة الزحام الشديد حول الكعبة المشرفة، ولمنع بعض الحجاج أو المعتمرين من قطع الثوب للحصول على قطعة منه طلبًا للذكرى أو البركة.
وتشير العديد من المصادر إلى أن هذه العادة بدأت منذ صدر الإسلام، وكانت عبارة عن طي ستار الكعبة المكسوة بقطعة من الحرير الأسود المخطوط عليها آيات من القرآن الكريم للأعلى، لتكون فرصة سانحة للطائفين لرؤية أستار الكعبة مرفوعة.
وأرجعت كتب ومصادر تاريخية بداية رفع الكسوة إلى العصر العباسي، الذي شهد أول عملية لرفع الكسوة عن جدران الكعبة ليظهر أسفلها إزارًا أبيض يشبه لباس الإحرام الذي يرتديه الحجاج، فرفع ستار الكعبة المشرفة هو عادة قديمة، وهي ليست من العبادات، وإنما يراد منها صيانة الستار من أن يُقطع أو من أن يتمزق ويتسخ بسبب تزاحم الحجاج.
ودأبت المملكة العربية السعودية على العناية بالحرمين الشريفين والكعبة المشرفة بشكل خاص، منذ عهد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وبذل قصارى الجهود لخدمة الحرمين الشريفين وضيوف الرحمن، وتقديم أرقى الخدمات لينعموا بتأدية شعائرهم ونسكهم بيسر وسهولة وراحة واطمئنان.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


البلاد البحرينية
منذ 3 ساعات
- البلاد البحرينية
مشعر منى.. شاهد على سنن الأنبياء عبر العصور
يُعدُّ مشعر منى من أبرز المشاعر المقدسة التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بمناسك الحج، وتكتسب مكانة عظيمة في قلوب المسلمين؛ لما تحمله من دلالات تاريخية وروحية، جعلت منها شاهدًا حيًّا على تتابع الأزمان وامتداد الشعائر منذ عهد إبراهيم الخليل عليه السلام، حتى يومنا هذا. ويقع مشعر منى بين مكة المكرمة ومشعر مزدلفة، ويبعد عن المسجد الحرام نحو (7) كلم، وهو وادٍ مبارك تحيط به الجبال من كل جانب، وتنبض أوديته بالإيمان في أيام الحج، حيث يقضي فيه الحجاج ليالي التشريق، ويؤدون فيه شعائر عظيمة كـرمي الجمرات، والنحر، والحلق أو التقصير. ويحمل مشعر منى هوية مكانية متميزة، تكتنزها طبيعته الجغرافية وتُجسدها الشعائر التي يؤديها ضيوف الرحمن، حيث الخيام البيضاء التي تمتد على جنباته أصبحت علامة فارقة لمنظومة الحج الحديثة، وقد صُممت وفق أعلى معايير السلامة والراحة؛ لتستوعب ملايين الحجاج في بيئة آمنة ومهيأة بكفاءة. وكانت خيام منى في العقود السابقة تُنصب من القماش والخشب أو اللباد، وتفتقر لمقومات السلامة والراحة، وتُفكك بعد نهاية الحج، فيما يضُم اليوم مشعر منى أكثر من (100) ألف خيمة ثابتة مصنوعة من الألياف الزجاجية المقاومة للحرارة والاشتعال، والمكيّفة بالكامل، وتخضع لنظام ترقيم دقيق يسهل الوصول إليها ويعزّز السلامة والتنظيم، وتغطي مساحة الخيام ما يقارب (2.5) مليون متر مربع، في مشهد عمراني موحد يخدم منظومة متكاملة من الإيواء والخدمات الصحية والأمنية واللوجستية، ما يجعل مشعر منى مدينة متكاملة مؤقتة تنبض بالحياة أيام الحج. ويبرز في المشعر جسر الجمرات، الذي يبلغ طوله (950) مترًا وعرضه (80) مترًا، على طوابق عدة، بطاقة استيعابية تتجاوز (300) ألف حاج في الساعة الواحدة، ما يُمكن من تفويج الحشود بكفاءة عالية ويُقلل من التزاحم والاختناق، خصوصا في أوقات الذروة أثناء رمي الجمرات الثلاث (الصغرى والوسطى والكبرى). وتتوفر في الجسر وسائل متعددة لتنظيم حركة الحشود، تتضمن مداخل ومخارج متعددة من جميع الاتجاهات، وسلالم كهربائية وممرات مخصصة للطوارئ، إضافة إلى منظومة متقدمة من كاميرات المراقبة والذكاء الاصطناعي؛ لرصد الكثافات والتحكم في التدفقات البشرية لحظة بلحظة. (اقرأ الموضوع كاملا بالموقع الإلكتروني). ويضم جسر الجمرات كذلك مرافق خدمية متكاملة، تشمل نقاطًا للإسعاف والدفاع المدني، وأماكن للراحة، ومظلات لتقليل آثار الحرارة، إلى جانب نظام تبريد متطور يعتمد على الرذاذ المائي لتحسين جودة الهواء في محيط الجسر، إذ يوفّر انسيابية لحركة الحشود ويُجسّد جهود المملكة في خدمة ضيوف الرحمن، ويُسهّل عليهم أداء شعيرة رمي الجمرات، التي ترتبط بموقف سيدنا إبراهيم - عليه السلام - في التصدي للشيطان. وحظي مسجد الخيف في مشعر منى بعناية واهتمام كبيرين من وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد؛ انطلاقًا من مكانته الدينية والتاريخية، إذ يُعدُّ من المواضع التي صلى فيها النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ما يجعله من أبرز المعالم الإسلامية في المشاعر المقدسة، وتبلغ مساحته (23,500م)، ويتسع لأكثر من (27.000) مصلٍ، ويحتوي المسجد على (4) مآذن، و(9) أبواب رئيسة، و(6) أبواب طوارئ. ويضم المسجد (1,440) دورة مياه للرجال و(300) للنساء، و(95) شاشة توعية، و(4) مكتبات رقمية، و(40) كاميرا مراقبة، و(166) طفاية حريق، و(373) وحدة تكييف 'سبليت'، و(14) وحدة تهوية مركزية، كما تم تزويده بـ (1400) سجادة مفروشة حديثًا. ويشهد تاريخ مشعر منى على عناية متواصلة منذ بزوغ شمس الإسلام، حيث كان الخلفاء الراشدون ومن تبعهم من ولاة المسلمين يعتنون به ويُقيمون فيه المناسك، وظل المشعر حاضرًا في وجدان الأمة الإسلامية قرونًا متعاقبة، إلى أن جاءت رعاية المملكة العربية السعودية، فكان التحول الكبير في البنية التحتية والخدمات المقدمة، ضمن رؤية شاملة تهدف إلى الارتقاء بجودة تجربة الحاج، وتحقيق أقصى درجات الراحة والأمن. وتولي حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، المشاعر المقدسة عناية خاصة ضمن منظومة الحج والعمرة، عبر مشاريع تطويرية مستمرة تتضمن التوسع في الخدمات، وتحسين البنية التحتية، والتقنيات الذكية، ومشاريع إدارة الحشود، ما يسهم في تجسيد رؤية المملكة 2030 في تمكين ضيوف الرحمن من أداء نسكهم بيسر وطمأنينة. وتتجلّى في مشعر منى معاني التضحية، وتُسطّر فيه ملاحم الطاعة، ويبقى شامخًا في ذاكرة الأمة الإسلامية، حاضرًا في كل موسم حج، رمزًا للسكينة، وميدانًا للتقوى، وموقعًا تتعانق فيه الأرض بالسماء في أعظم أيام الله، حيث على أرضه يُمضي الحجاج أيامًا من أعظم أيام حياتهم، يلهجون فيها بالذكر والدعاء، ويستشعرون عظمة النسك، في جو إيماني يملؤه السكون والطمأنينة.


البلاد البحرينية
منذ 4 ساعات
- البلاد البحرينية
خليفة صليبيخ الشايجي قامة صحافية الأربعاء 04 يونيو 2025
تعود بي ذاكرتي إلى عامي 2003 - 2004م عندما تجرأت وذهبت إلى المبنى الذي تشتغل فيه صحيفة الأيام في منطقة الجفير. لقد التقيت باثنين لن أنساهما مدى الحياة، الأخ عيسى الشايجي والمرحوم سعيد الحمد. لقد أمسكا بيدي وكأنني طفل 'ما زلت أحبو' وأبحث عن المرضعة التي تغذيني المعلومات التي ستجعلني أقف على قدمي؛ لقد وجدت عندهم الاحترام والإخلاص والتقدير لمن يسعى أن يكون كاتبًا أو صحافيًّا. المهم في الموضوع أو الأصح ما يجذبك في شخصية عيسى الشايجي هو ابتسامته واستماعه وشخصيته الواثقة بما تقوم به، وخلال عشرين عامًا من ولادتي في 'الأيام' لم أجد إلا الاحترام والتقدير من جميع منتسبيها وعلى رأسهم الأستاذ عيسى الشايجي. بالفعل إنه قائد محنّك ويستحق هذا التقدير والتكريم اللائق من قبل القيادة الحكيمة؛ ومبروك لجميع من شملهم التكريم، خصوصًا أنه جاء من لدن صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله، لقد كان يومًا وطنيًّا بمعنى الكلمة.


البلاد البحرينية
منذ 5 ساعات
- البلاد البحرينية
حرية الصحافة ورسالتها.. والإشكالية بين التشهير والتستر
في خضم فرحة الصحافيين البحرينيين باحتفالهم بيوم الصحافة البحرينية، ومرور 25 عامًا على تأسيس جمعيتهم، وتكريم المتميزين منهم في الحفل السنوي الذي يقام كل عام تحت رعاية صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، حفظه الله، أود أن أعود إلى الزيارة التي قامت بها مؤخرًا إلى مقر مؤسسة 'البلاد' الإعلامية، المحامية القديرة دلال الزايد، عضو مجلس الشورى ورئيسة اللجنة القانونية والتشريعية فيه، وحفيدة المرحوم عبدالله الزايد، مؤسس الحركة الصحافية في البحرين، والحديث الذي دار بيننا بشأن إحدى الإشكاليات الجوهرية التي تواجه الصحافة البحرينية اليوم.ففي الوقت الذي يجب فيه على الصحافة الاضطلاع بمسؤوليتها الأخلاقية والمهنية، وأداء دورها التنويري والرقابي، ودعم مبدأ الشفافية وحماية حق المجتمع في الحصول على المعلومة الصحيحة والكاملة وفي وقتها المطلوب، ومعرفة الحقائق خصوصًا في القضايا التي تهم المصلحة العامة وحماية المجتمع، فإن هناك على ما يبدو خلطا أو سوء فهم في النصوص القانونية التي تحظر على الصحافة ذكر اسم المؤسسة أو الفرد، عندما يتم اكتشاف تورط أي منهما في جرم أو تحايل أو تجاوز أو خطأ بحجة عدم التشهير، وهنا يقع الالتباس أو الخلط بين التشهير والتستر، وهنا أيضًا تكمن الإشكالية: هل نحن أمام حماية مشروعة للمتهم وسمعته أم أمام تقييد لدور الصحافة، وتستر فعلي على منتهكي القوانين ومرتكبي الجرائم؟ وهل التذرع بحماية الأفراد من إمكانية التشهير يجب أن يطغى على مصلحة المجتمع في المعرفة والوقاية؟وفي زمن تتعاظم فيه التحديات، وتزداد الحاجة إلى الشفافية والوضوح، تواجه وسائل الإعلام، عقبة كبرى تقف حائلا دون أداء رسالتها الحقيقية في حماية المجتمع وإطلاعه على الحقائق. هذه العقبة تتمثل في القوانين واللوائح التي تمنع نشر أسماء الأفراد أو الجهات المتورطة في قضايا ذات صلة بالصالح العام وسلامة المجتمع، بحجة تجنّب التشهير حتى يصدر حكم القضاء. وقد يبدو هذا المبدأ في ظاهره حماية للمتهم وحقوقه القانونية، لكن عند التمعن في تداعياته، نكتشف أن نتائجه قد تأتي عكسية، بل ومدمرة أحيانا لمفهوم العدالة وحق المجتمع في المعرفة. خذوا مثالا افتراضيا مطعما يتسبب في تسمم عشرات الزبائن، وتقوم الجهات الرسمية المختصة بالمداهمة والتحقق والتأكد من وقوع الحادثة، والتحقيق مع المسؤولين ووضعهم تحت التوقيف التحفظي، قبل أن يمثلوا أمام القضاء، ومع ذلك لا يُكشف عن اسم المطعم المتورط بدعوى حماية سمعته و 'عدم التشهير' به، فتصبح كل المطاعم تحت سحابة الشك، ويتعرض القطاع بأسره لضربة في الثقة، دون أن يعرف المجتمع في حينه من هو المخطئ ويتم تجنبه، فيكون ذلك بحد ذاته بمثابة العقاب له والرادع للآخرين.والأمثلة الافتراضية كثيرة: صيدلية تبيع أدوية فاسدة، موزع مواد غذائية يبيع أغذية منتهية الصلاحية، وآخر يبيع مجوهرات مغشوشة، مؤسسة تعليمية تصدر شهادات مزورة، طبيب في مستشفى خاص يرتكب خطأ جسيما أثناء عملية جراحية فيفقد المريض حياته. يُسمح للإعلام بالإشارة إلى أن 'طبيبًا أخطأ أثناء عملية أدت إلى وفاة مريض في أحد المستشفيات الخاصة'، دون ذكر اسم الطبيب ولا اسم المستشفى. هنا يبدأ اللغط، وتنتشر الشائعات، وتتنقل أصابع الاتهام من طبيب بريء إلى آخر، وتحوم شكوك الرأي العام حول كل المستشفيات الخاصة، فيما يبقى المتسبب الحقيقي محميا خلف ستار القانون، إلى أن تنتهي التحقيقات التي قد تأخذ أشهرًا بل وربما تُطوى القصة دون محاسبة واضحة. يحدث ذلك في الكثير من الدول والمجتمعات. القضية هنا ليست في قيام الصحافة بالنشر، بل في حق المجتمع في المعرفة. عندما تُمنع الصحافة من أداء دورها، فإننا لا نحمي الأبرياء كما نتصور، بل نحمي المذنب ونسمح بتكرار الأخطاء. فالقانون الذي يمنع نشر الأسماء قبل صدور الأحكام، يخلط بين حماية السمعة وضمان الشفافية، في حين أن مبدأ الشفافية يتطلب أن تكون الوقائع واضحة والمعلومات متوفرة، خاصة عندما يتعلق الأمر بقضايا تهدد الصحة العامة وسلامة المجتمع.لا يعني هذا إطلاق العنان للفوضى أو استباق الأحكام القضائية، بل يعني إعطاء الصحافة قدرا كافيا من الحرية في كشف الحقائق دون الاصطدام بحرية الآخرين وحقوقهم. فالإعلام، عندما يلتزم بميثاق شرف المهنة، يعمل من أجل مصلحة المجتمع، لا من أجل تصفية الحسابات أو الانتقام. إن التذرع بعدم التشهير حتى صدور الأحكام قد يبدو وجيها من منظور قانوني، لكنه عمليًا يعطّل دور الصحافة كعين المجتمع، ويحوّل وسائل الإعلام إلى مجرد ناقل لأخبار منتهية الصلاحية والفائدة. فهل نريد صحافة حية، تحمي المجتمع، أم صحافة تلهث خلف الأحداث بعد وقوعها بوقت طويل؟ من ناحية أخرى، فقد تغيّر الزمن. نحن نعيش اليوم ثورة معلوماتية هائلة، حيث لم يعد نشر الخبر أو ذكر الحقيقة حكرًا على المؤسسات الإعلامية التقليدية، ولم يعد الخبر ينتظر نشره في الصحف أو بثه في نشرات الأخبار. المنصات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي أصبحت تسبق الجميع، تبحث عن المعلومات والإشاعات وتبثها فور وقوعها أو فور الحصول عليها أو السماع عنها، وتنشر الأسماء والألقاب، بلا قيود ولا ضوابط، ولا تقف أمامها القوانين التي تمنع المؤسسات الصحافية المعروفة من نشر الأسماء والحقائق. والنتيجة؟ بدل أن يكون لدينا إعلام مسؤول يكشف الحقائق بمهنية وموثوقية، نترك الساحة مفتوحة أمام الإشاعات والتخمينات والتأويلات، ويصبح كل شيء محل شك، وكل شخص أو جهة تحت دائرة الاتهام، بينما الجاني الحقيقي يظل محميًا خلف ستار القانون!فهل هذا ما نريده؟ أن نصبح مجتمعًا يُدار بالهمس والتخمين، وتتم فيه المبالغة والتهويل، وتنتشر فيه الأقاويل والإشاعات بلا حسيب ولا رقيب، بينما الإعلام المسؤول مُقيد، مكبل الأيدي، ممنوع من أداء دوره في حماية الناس وكشف الحقائق؟ إن القانون الذي يمنع كشف الحقائق في الوقت المناسب، لا يحمي سوى المخطئين، ويجعل من الصحافة شاهدًا أخرس على تجاوزات يمكن أن تودي بأرواح الناس ومصالح المجتمع، إن حماية سمعة المجتمع ومصلحته تتقدم بمسافات شاسعة على حماية سمعة المخطئ أو المتهم. إننا بحاجة إلى إعادة النظر في هذه القوانين واللوائح، ووضع ضوابط متوازنة تتيح للصحافة القيام بدورها في كشف الحقائق، مع الحفاظ على حقوق الأفراد والكيانات من التعسف أو الظلم. هذه المواءمة ممكنة، إذا ما توفرت النية الصادقة لوضع مصلحة المجتمع فوق الحسابات الضيقة.ولكن، وعلى الرغم من كل ما ذكرناه، لا بد من تسجيل كلمة حق في هذا السياق: إن القوانين، في جوهرها، هي أحد مكونات المنظومة القضائيّة في أي مجتمع، والقضاء في البحرين - بحمد الله - عادل، ناضج، حكيم. وإن رجال القضاء الأجلاء، على مختلف مواقع ومراحل التحقيق والتقاضي، مشهود لهم بالأمانة والنزاهة والكفاءة والاحتراف، وهم يميزون بين نص القانون وروحه، بين القانون كأداة، وبين العدالة كغاية. والتجربة خير شاهد على ذلك: نظامنا القضائي يحمي الصحافة، ويقدر رسالتها السامية في خدمة المجتمع، ولهذا لم نرَ صحافيًا بحرينيًا قابعًا خلف القضبان بسبب رأيه أو قلمه، كما هو الحال في كثير من الدول. وفي الوقت نفسه، تُفتح الأبواب أمام المتضررين من أداء الصحافة، إذا حصل ذلك، للجوء إلى القضاء وطلب الإنصاف، إلا أنه لم توجه للصحافيين في بلادنا تهم جائرة أو أحكام قاسية خلال العقود الماضية، وهو ما يعكس تمتع رجال الصحافة في البحرين بالوعي وروح المسؤولية، وكذلك الحال بالنسبة للقضاء البحريني الذي نعتز به، قضاء يعي دوره في ترسيخ العدالة، ويحترم حرية الصحافة، ويقدّر رسالتها المجتمعية. لهذا؛ نقولها بأعلى الأصوات: تحية تقدير واعتزاز للقضاء البحريني، حارس العدالة وراعي الحقوق، والداعم الحقيقي لحرية الصحافة المسؤولة في وطننا.