
انتفاضة آيت بوكماز ضد الحيف الاجتماعي!
في الوقت الذي مازال لم يتبخر بعد صدى خطاب رئيس الحكومة عزيز أخنوش بمناسبة جولاته التواصلية التي اختار لها من العناوين العريضة "مسار الإنجازات"، والذي تحدث فيه من أقاليمنا الجنوبية بكل افتخار واعتزاز عن نجاح حكومته في تحقيق إنجازات غير مسبوقة في السنوات الأربع الماضية، وما اتخذته من إجراءات فعالة وقرارات شجاعة في تحسين ظروف عيش المواطنين، مشددا على ما تتميز به من جدية ومسؤولية في تعزيز ركائز الدولة الاجتماعية، كما يريدها ملك البلاد محمد السادس أدام الله عزه ونصره.
إذا بمئات السكان من دواوير منطقة بوكماز بنواحي إقليم أزيلال، يخرجون عن بكرة أبيهم في مسيرة احتجاجية سلمية، انطلقت صباح يوم الأربعاء 9 يوليوز 2025 في اتجاه ولاية جهة بني ملال-خنيفرة سيرا على الأقدام، مرفوقين بعشرات السيارات والدراجات رافعين الأعلام الوطنية، صور الملك ولافتات لأبرز مطالبهم المشروعة، وذلك بعد أن طفح بهم الكيل ولم يعد في الصدر مقدار حبة خرذل من الصبر، جراء ما تعانيه المنطقة من تهميش وإقصاء، مطالبين بحقهم في العدالة الاجتماعية والعيش الكريم.
ولم يكن الهدف الأسمى من هذه المسيرة الحضارية التي تأخرت كثيرا عن موعدها الحقيقي سوى لفت انتباه المسؤولين ومدبري الشأن العام إلى ما تعانيه ساكنة تلك الدواوير البئيسة من إهمال وإقصاء، حيث يصر السكان على أن تتم الاستجابة لمطالبهم المشروعة، والمتمثلة أساسا في الحق في التنمية المستدامة والعيش الكريم، من خلال تحسين ظروف عيش أبناء هذه المنطقة الذين يعانون من مختلف أشكال الحيف الاجتماعي، التعجيل بتعيين طبيب رئيسي بالمركز الصحي، فك العزلة عن المنطقة عبر توسيع الطريق نحو أزيلال، تغطية الدواوير بشبكة الهاتف والأنترنت، إلغاء العمل برخص البناء في المناطق النائية، توفير فضاءات ثقافية للشباب وبناء ملعب كبير لكرة القدم. فأين نحن أمام هذا الظلم من وفاء الدولة بالتزاماتها الأممية المرتبطة بتنمية المناطق الجبلة والحد من الفوارق المجالية والاجتماعية؟
ثم كيف لرئيس الحكومة أن يتحدث عن إرساء أسس الدولة الاجتماعية في ظل ما تعيش على إيقاعه عديد القرى والمناطق النائية والجبلية من تهميش وإقصاء؟ فساكنة آيت بوكماز لم تخرج للترفيه عن نفسها في جولة سياحية، وهي تقطع مسافة حوالي مائة كيلومتر مشيا على الأقدام، وإنما اضطرتها ظروفها المزرية وأوضاعها المتردية إلى القيام بذلك، للكشف عما تتعرض له المنطقة من إهمال على مدى عشرات السنين. إنها وباختصار شديد، تعاني من إقصاء ممنهج وغير ناجم عن نقص في الموارد والإمكانيات، لاسيما أن "آيت بوكماز" من المناطق السياحية الغنية بالموارد الطبيعية والجمالية، بيد أن سوء التدبير والحسابات السياسية الضيقة، هما من ساهما بقسط وافر في حرمانها من المشاريع التنموية، وحالا دون الارتقاء بالوضع المعيشي للسكان، الذين يحدوهم الأمل الكبير في أن تكلل مسيرتهم السلمية بالنجاح، وألا يعودوا لبيوتهم بخفي حنين ودون انتزاع أبسط الحقوق وتحقيق جل المطالب، التي يمكن إجمالها في رفع المعاناة عن المنطقة وتمتيعها بالحق في التنمية.
فهل كان من الضروري أن يعبر مئات المواطنات والمواطنين عشرات الكيلومترات سيرا على أرجلهم وعبر عدد من الدراجات الهوائية والسيارات، لإبلاغ رسالتهم وإسماع صوتهم لمن يهمهم الأمر، ويؤكدون لهم أن هناك من القرى والمداشر والأرياف والمناطق الجبلية والنائية من مازالت تعيش الضياع في عزلة قاتلة لغياب التنمية وانعدام العدالة الاجتماعية والمجالية والعيش الكريم، في مغرب يستعد لاستضافة بطولة كأس العالم في كرة القدم خلال بضع سنوات؟ ومتى يمكن للمغاربة الاستفادة من ثمار التنمية وثروات بلادهم على قدم المساواة، دون أدنى تمييز بين جهات ومناطق المملكة الشريفة؟
والمثير للاستغراب في هذا السياق، هو رفض الناطق الرسمي باسم الحكومة والقيادي بحزب "الحمامة الزرقاء" مصطفى بايتاس، التفاعل الإيجابي مع أسئلة الصحافيين بخصوص "مسيرة الكرامة" التي شهدتها منطقة "آيت بوكماز" ومدى استعداد الحكومة للقيام بواجبها الوطني والدستوري في تلبية المطالب المشروعة للمحتجين، وذلك خلال الندوة الصحافية التي انعقدت يوم الخميس 10 يوليوز 2025، بتزامن مع اجتماع عامل إقليم أزيلال الذي سارع إلى استقبال ممثلي المحتجين في جو من الاحترام المتبادل، وقدم لهم وعودا بالاستجابة لمطالبهم، حيث تعهد لهم بالعمل على توفير طبيب رئيسي، الربط بشبكة الاتصالات، منح رخص بناء مجانية في المناطق الجبلية في سقف زمني لا يتعدى عشرة أيام، في حين وعد بإرجاء تنفيذ باقي المطالب الأخرى إلى وقت لاحق.
نحن هنا لا نحمل المسؤولية لحكومة أخنوش أو للمجلس الجماعي الحالي لإقليم أزيلال وحدهما، بل للحكومات والمجالس المتعاقبة، التي ساهمت جميعها فيما وصلت إليه منطقة "آيت بوكماز" وغيرها من مناطق "المغرب المنسي" من تهميش وإقصاء. وأشد ما نخشاه في ظل ارتفاع منسوب الاحتقان الاجتماعي، هو أن تعم الانتفاضات جميع أرجاء الوطن مما قد يهدد السلم الاجتماعي، وما على مدبري الشأن العام إلا استخلاص العبرة من هذه "الانتفاضة" والتعجيل بإنصاف ساكنة المناطق المتضررة، وتوفير الحد الأدنى لها من شروط العيش الكريم...

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


المغرب اليوم
منذ 8 ساعات
- المغرب اليوم
أزمة بين مذيعة وترامب والأخير يهدد بسحب جنسيتها
دونالد ترامب ، السبت، بسحب الجنسية من مقدمة البرامج الحوارية "روزي أودونيل"، بعد أن انتقدت تعامل إدارته مع هيئات التنبؤ بالطقس في أعقاب سيول تكساس التي حصدت أرواح العشرات.وكتب ترامب على منصة "تروث سوشيال": "نظرا لأن تصرف روزي أودونيل ليس في مصلحة بلدنا العظيم، فإنني أفكر جديا في سحب جنسيتها"، مستحضرا مبدأ الترحيل الذي تلجأ إليه الإدارة الأميركية عند محاولات إبعاد محتجين مولودين في الخارج عن البلاد. وقال الرئيس الأميركي: "إنها تشكل تهديدا للإنسانية، ويجب أن تبقى في بلدها الرائع أيرلندا، إذا كانوا يريدونها. بارك الله في أميركا!".ووفقا لما ذكرت وكالة رويترز، فبموجب القانون الأميركي، لا يمكن لرئيس الولايات المتحدة أن يسحب الجنسية من أميركي مولود هناك. ووُلدت أودونيل في ولاية نيويورك.ووجه ترامب دوما انتقادات لأودونيل والتي انتقلت إلى أيرلندا في وقت سابق من هذا العام مع ابنها البالغ من العمر 12 عاما، بعد توليه الرئاسة للمرة الثانية.وقالت في مقطع فيديو على تطبيق تيك توك في مارس الماضي إنها ستعود إلى الولايات المتحدة "عندما يصبح الوضع آمنا لجميع المواطنين للحصول على حقوق متساوية". وردت أودونيل على تهديد ترامب في منشورين على حسابها على إنستغرام، قائلة إن الرئيس الأميركي يعارضها لأنها "تعارض مباشرة كل ما يمثله".وأشارت الوكالة إلى أن تهديد ترامب ربما جاء كرد على مقطع فيديو نشرته أودونيل على تطبيق تيك توك تنعى فيه 119 شخصا توفوا في سيول تكساس هذا الشهر، وألقت باللوم على التخفيضات الواسعة التي أجراها ترامب في وكالات البيئة والعلوم المعنية بالتنبؤ بالكوارث الطبيعية الكبرى. وواجهت إدارة ترامب والمسؤولون المحليون ومسؤولو الولايات تساؤلات متزايدة حول إجراءات كان يمكن اتخاذها لحماية وتحذير السكان قبل السيول التي حدثت بسرعة هائلة في ساعات ما قبل فجر عطلة يوم الاستقلال في الرابع من الشهر الجاري مما أودى بحياة كثيرين من بينهم عشرات الأطفال.


مراكش الإخبارية
منذ 10 ساعات
- مراكش الإخبارية
مراكش الإخبارية تعزًي في وفاة الصحافي والجمعوي عبد العالي الرامي
بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره، وببالغ الحزن والأسى، تلقت هيئة تحرير مراكش الإخبارية نبأ وفاة الصحافي والجمعوي عبد العالي الرامي، صاحب موقع « أنوار بريس »، الذي وافته المنية يومه السبت بإحدى المصحات الخاصة بمدينة الرباط، بعد صراع مرير مع المرض. وبرحيله، يفقد المشهد الإعلامي الوطني والجمعوي فاعلا جمعويا كرّس حياته للدفاع عن القضايا الاجتماعية. وبهذه المناسبة الأليمة، تتقدم هيئة تحرير مراكش الإخبارية بأحر التعازي والمواساة إلى أسرته الصغيرة والكبيرة، وإلى كافة زملائه وأصدقائه ، سائلين المولى عز وجل أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته، وأن يلهم ذويه جميل الصبر والسلوان. إنا لله وإنا إليه راجعون.


المغرب اليوم
منذ 17 ساعات
- المغرب اليوم
حرق الكساسبة واغتيال الحريري
الاثنان عمل إجرامي لا مراء فيه، الأول مدان على أوسع نطاق، وقد قام به تنظيم «داعش»، والثاني مشكوك فيه، وفي الغالب قام به «حزب الله»، إلا أن الاثنين يشتركان في قاعدة واحدة هي «العلاقة المتأزمة مع الماضي». تنظيم داعش مدان، على أوسع نطاق، من التيار الإسلامي الواسع السني، وبالتأكيد الشيعي. أما «حزب الله» فإن أفعاله مقبولة لدى البعض، وهو يعتمد أيضاً على مفاهيم مستجدة حتى في الإسلام الشيعي. علينا التأكيد بأن «حزب الله» مكوّن من مجموعة من الشيعة في لبنان، ولكن ليس كل شيعة لبنان هم «حزب الله». الحزب مجموعة مؤدلجة تؤمن بـ «ولاية الفقيه» التي كانت لفترة طويلة تندرج في مجال الفقه المختلف عليه. حوّلها آية الله الخميني من قضية فقهية إلى قضية عقيدية. عشرات من رجال الدين الشيعة عارضوا هذه الفكرة، ومنهم على سبيل المثال العلامة السيد محسن الأمين، والشيخ محمد جواد مغنية، والعلامة السيد محمد حسين فضل الله، والإمام الشيخ محمد مهدي شمس الدين، والإمام موسى الصدر، والشيخ هاني فحص من علماء لبنان، ومن علماء العراق السيد الخوئي والسيد السيستاني. وفي إيران نفسها هناك من عارض الفكرة، بل اعتبرها خارج توصيات كبار الأئمة، على غرار نائب الخميني نفسه، الشيخ محمد كاظم شريعة مداري الذي قضى بقية حياته في الإقامة الجبرية. شريعة مداري رأى أن الخميني يمكن أن يصبح الشاه الجديد! إذن الحديث الدائر حول سلاح «حزب الله»، وحرب إسرائيل، ما هو إلا تفصيل في الصورة الأوسع، بأن هذا الحزب لا يعدّ نفسه من النسيج اللبناني على المستوى الدعوي، فهو جزء لا يتجزأ من قضية أكبر. من هنا، فإنَّ هناك من يعتقد أن الرهان على تسليم الحزب سلاحه، أو تسليمه بشروط، ما هو إلا مناورة لكسب الوقت من أجل تحقيق غاياته. ووفق هذا الرأي، لا يجد الحزب ما يحرم عليه أن يتخلص ممن يجده معارضاً أو عقبة أمام مشروعه، ومن هنا جاء اغتيال رفيق الحريري وعدد كبير من السياسيين اللبنانيين. هذه الفكرة ظهرت في أدبيات «حزب الله»، منها وثيقتان، الوثيقة الأولى هي التي صدرت في 16-2-1985م بعنوان الرسالة المفتوحة، التي قال فيها الحزب: «إننا أبناء أمة (حزب الله) نعتبر أنفسنا جزءاً من أمة الإسلام في العالم، التي أنعم الله عليها لتكون خير أمة أخرجت للناس». ومفهوم «أننا أبناء أمة حزب الله» يعني ضمناً أن الآخرين جميعاً غير ذلك! الوثيقة أيضاً تدعو المسيحيين في لبنان إلى أن يصبحوا مسلمين، وتقول عن المسيحيين «إننا نريد لكم الخير وندعوكم إلى الإسلام لتسعدوا في الدنيا والآخرة»! أما الوثيقة الثانية التي أصدرها «حزب الله» في 30-11-2009 («الوثيقة السياسية»)، فلم تتعرض إلى المواقف الفكرية والعقدية، فهذه المواقف غير خاضعة للنقاش، كما قال الأمين العام وقتها، وهذا يعني أن الأركان الثلاثة التي يقوم عليها منهج الحزب، وهي «بناء دولة الإسلام، وولاية الفقيه، والجهاد الإسلامي، قد كرستها الوثيقة الأولى». وقد قدّم الحزب في الوثيقة الثانية رؤيته للوضع العالمي والعربي وللوطن اللبناني وللدولة والنظام السياسي والمقاومة وبضرورتها وإنجازاتها، بعد أن سمى المعركة التي دارت في عام 2006 مع إسرائيل بأنها النصر «الإلهي»، هذه الوثيقة تحدثت عن أهمية مساندة النظام الجمهوري الإسلامي لهذه الحركة وتمويلها بالسلاح والعتاد والأموال. الفكر المتشدد، سواء السني أو الشيعي، هو في خصومة مع الواقع، هذه الخصومة تدفع البعض من هذه القوى إلى منطقة يسميها العالم «الإرهاب». حسب الشيخ محمد عبده، وهو من أهم مفكري الإسلام الحداثيين، وصف الإسلام بأنه دين علم ومدنية، كما دعا إلى تحرير الفكر من قيود التقليد، وأكد في المسألة السياسية العامة أن الخليفة عند المسلمين ليس بالمعصوم، هو حاكم مدني من جميع الوجوه، وقد أكدت حركة النهضة العربية منذ القرن التاسع عشر على الحاجة الملحة للإصلاح، على قاعدة الدولة المدنية، ونذكر هنا علي عبد الرازق وكتابه «الإسلام وأصول الحكم» الذي صدر منذ قرن تقريباً (1925) وأكد على فصل الدين عن الدولة. لا يمكن التوفيق بين الاعتقاد بولاية الفقيه، ومشروع الدولة الوطنية الدستورية، والجمع بينهما هو تلفيق، لكن هذا الجمع أكده لنا عبد الحسين اللهيان في كتابه «صبح الشام»، بأن القرار في إيران يدرس بدرجات، ولكن القرار النهائي لدى الإمام المعصوم.